النتائج 91 إلى 105 من 269
الموضوع: قرأت لك : الآداب الشرعية
- 02-05-2007, 09:07 PM #91
رد: قرأت لك : الآداب الشرعية
مسألة: الجزء الثالث
فصل ( استحباب غسل اليدين قبل الطعام وبعده ) .
يستحب غسل اليدين قبل الطعام وبعده وعنه يكره , اختاره القاضي كذا ذكره السامري وغيره .
وقال في المحرر وعنه يكره قبله وقال مالك لا يستحب غسل اليد للطعام إلا أن يكون على اليد أولا قذر أو يبقى عليها بعد الفراغ رائحة وذكر في شرح مسلم أن للعلماء في استحباب ذلك قبل الطعام وبعده أقوالا ثم ذكر الأظهر تفصيلا وهو معنى كلام مالك .
وقد روى قيس بن الربيع وقد ضعفه جماعة ووثقه آخرون عن أبي هاشم عن زاذان عن سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { بركة الطعام الوضوء قبله وبعده } . قال مهنا ذكرت هذا الحديث لأحمد فقال ما حدث به إلا قيس بن الربيع وهو منكر الحديث قلت بلغني عن يحيى بن سعيد قال كان سفيان يكره غسل اليد عند الطعام , لم يكره سفيان ذلك ؟ قال : لأنه من زي العجم قال مهنا : وذكرته ليحيى بن معين فقال لي يحيى : ما أحسن الوضوء قبله وبعده .
وقال الترمذي : لا يعرف إلا من حديث قيس بن الربيع . وعن أنس مرفوعا { من أحب أن يكثر خير بيته فليتوضأ إذا حضر غذاؤه وإذا رفع } إسناده ضعيف رواه ابن ماجه وغيره .
قال الشيخ تقي الدين من كرهه قال هذا من فعل اليهود فيكره التشبه بهم وأما حديث سلمان فقد ضعفه بعضهم قال كان هذا في أول الإسلام لما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء ولهذا كان يسدل شعره موافقة لهم ثم فرق بعد ذلك ثم صام عاشوراء لما قدم المدينة ثم إنه قال قبل موته { لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع } يعني مع العاشر ; لأجل مخالفة اليهود .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما { أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من الخلاء فقرب إليه الطعام فقالوا : ألا نأتيك بوضوء قال إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة } رواه جماعة منهم الترمذي وحسنه والبيهقي وصححه .
وذكر الشيخ تقي الدين أن هذا ينفي وجوب الوضوء عند كل حدث وإن قوله عليه السلام لبلال { ما دخلت الجنة إلا سمعت خشخشتك أمامي } الحديث قال يقتضي استحباب الوضوء عند كل حدث .
وقال البيهقي الحديث في غسل اليدين بعد الطعام حسن ولم يثبت في غسل اليدين قبل الطعام حديث وقال جماعة من العلماء : المراد بالوضوء في هذه الأحاديث غسل اليدين لا الوضوء الشرعي وقال الشيخ : تقي الدين ولم نعلم أحدا استحب الوضوء للأكل إلا إذا كان الرجل جنبا انتهى كلامه .
وقال سعيد ثنا فضيل بن عياض عن مغيرة عن إبراهيم قال كانوا يحبون أن يتوضئوا وضوء الصلاة عند النوم والطعام قال في الرعاية : ويسن غسل يده وفمه من ثوم وبصل ورائحة كريهة غيرهما .
آخر تعديل بواسطة أبو عبد الله ، 02-05-2007 الساعة 09:10 PM
- 02-05-2007, 09:12 PM #92
رد: قرأت لك : الآداب الشرعية
مسألة: الجزء الثالث
ويفسد الغذاء بأكل الفاكهة بعده قبل هضمه كذا أطلقه بعض أصحابنا وغيرهم ومرادهم في الجملة مما لا يقبض وقد قال الأطباء : أكل الكمثرى على الطعام جيد يمنع البخار أن يرتقي من المعدة إلى الدماغ ومثله السفرجل إلا أن ذلك في السفرجل لشدة قبضه وكثرة أرضيته , وفي الكمثرى لخاصية فيه ومن خاصيته منع فساد الطعام في المعدة لكن لا يكثر من أكلها ولا يدمنه فإنه يحدث القولنج , فلهذا قال بعضهم : لا تؤكل الكمثرى على طعام غليظ .
قال بعضهم : والرمان الحامض يستعمل بعد الغذاء لمنع البخار . ويأتي حديث عبد الله بن بسر { أنه عليه السلام أكل التمر بعد الطعام } , وفي مسلم في قصة أبي الهيثم أنه عليه السلام أكل التمر أولا لكن لم يكن غيره إذا .
قال بعض الأطباء الفواكه الرطبة تقدم قبل الطعام إلا ما كان منها أبطأ وقوفا في المعدة وفيه قبض أو حموضة كالسفرجل والتفاح والرمان , وتفسد الفاكهة بشرب الماء عليها , وقد سبق في الطب قال بعض الأطباء : مصابرة العطش بعد جميع الفواكه نعم الدواء لها , ورأيت بعض الناس يشرب الماء بعد التوت الحلو غير الشامي وبعد التين ويقول : إنه نافع يهضمه ويحكيه عن بعض الأطباء , والمعروف عن الأطباء أنهم نهوا عن شرب الماء بعد الفواكه مطلقا ويقولون : إنه مضر , وذكر الأطباء أنه يشرب بعد التوت والتين السكنجبين وأنه يدفع ضرره قال بعض أصحابنا ولا يتناول الغذاء بعد التملؤ منها فإن القولنج يحدث عن ذلك كثيرا وما قاله صحيح ولا يخالف هذا قول الأطباء : إن البطيخ الأصفر يؤكل بين طعامين .
- 04-05-2007, 09:39 AM #93
رد: قرأت لك : الآداب الشرعية
مسألة: الجزء الثالث
فصل قال الخلال في الجامع ( باب ما يكره أن تطعم البهائم الخبز )
ثنا حرب قلت لإسحاق نطعم البهيمة الخبز قال عند الضرورة وإذا أمرت بذلك فلا بأس , فأما أن يتخذ طعام البهيمة فلا خير فيه انتهى كلامه , وظاهر كلام أصحابنا أنه لا كراهة في ذلك ; لأنه لا دليل عليها وعدم اعتياده وفعله لا يدل على كراهته والله أعلم .
وأما الشرب من ثلمة الإناء فعن أبي سعيد قال { : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشرب من ثلمة القدح وأن ينفخ في الشراب } رواه أبو داود من رواية قرة بن عبد الرحمن عن الزهري ضعفه الأكثر .
وقال أحمد منكر الحديث جدا فيتوجه أنه لا يكره عنده وتركه أولى وحكمته أن لا يتمكن من حسن الشرب وهي محل الوسخ لعدم التمكن من غسلها تاما وخروج القذى ونحوه وربما انجرح بحدها , ويقال إن الرديء من كل شيء لا خير فيه , يروى أن بعضهم رأى من يشتري حاجة رديئة فقال : لا تفعل أما علمت أن الله نزع البركة من كل رديء .
قال في المستوعب ولا يشرب محاذيا للعروة ويشرب مما يلها , وظاهر كلام غيره أن هذا وغيره سواء ولهذا لم يذكره ابن الجوزي وصاحب الرعاية وغيرهما ممن ذكر آداب ذلك وقد قال تعالى : { يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب } . واحدها كوب وهو إناء مستدير لا عروة له ولا أذن له .
قال ابن الجوزي قال شيخنا أبو منصور اللغوي وإنما كانت بغير عرى ليشرب الشارب من أين شاء , لأن العروة ترد الشارب عن بعض الجهات انتهى كلامه وهذا إنما يكون إذا اتصلت العروة برأس الإناء , فحينئذ ترد العروة الشارب مطلقا أو بعض الشيء فيمتنع الشرب مطلقا أو يحصل قليلا فيتنغص الشرب وربما شرق أو تبذر الماء وربما رجع إلى الإناء فأما إذا لم تتصل العروة بالرأس فإنه لا يحصل بسببها شيء من ذلك فلا وجه للكراهة إذا ولأنه من الأدب وكلام صاحب المستوعب وإن صدق على الأمرين فإنما أراد والله أعلم ما أشير إليه في التفسير ولو لم يرده فحمل كلامه عليه لما سبق أولى من حمله أيضا على ما لا دليل عليه والله أعلم .
- 04-05-2007, 09:40 AM #94
رد: قرأت لك : الآداب الشرعية
مسألة: الجزء الثالث
فصل ( في استحباب دعاء المرء لمن يأكل طعامه ) .
عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى سعد بن عبادة فجاء بخبز وزيت فأكل ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم { أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الأبرار , وصلت عليكم الملائكة } .
وكلامه في الترغيب يقتضي أنه جعل هذا الكلام دعاء واستحب الدعاء به لكل من أكل طعامه وعلى قول الشيخ عبد القادر إنما يقال هذا إذا أفطر عنده فيكون خبرا قال الشيخ تقي الدين وهو الأظهر انتهى كلامه وكلام غير واحد يوافق ما في الترغيب .
وعن جابر قال { : صنع أبو الهيثم بن التيهان للنبي صلى الله عليه وسلم طعاما فدعا النبي وأصحابه فلما فرغوا قال أثيبوا أخاكم قالوا يا رسول الله : وما إثابته قال إن الرجل إذا دخل بيته وأكل طعامه وشرب شرابه فدعوا له فذلك إثابته } . رواهما أبو داود : الأول بإسناد جيد والثاني من حديث سفيان عن يزيد الدالاني عن رجل عن جابر قال الآمدي وجماعة : يستحب إذا أكل عند الرجل طعاما أن يدعو له , ويؤيد ذلك الخبر المشهور { من أسدى إليكم معروفا فكافئوه فإن لم تجدوا فادعوا له } .
فأما الدعاء للآكل والشارب فلم أجد الأصحاب ذكروه , ولا ذكر له في الأخبار وهذا ظاهر في أنه لا يستحب . وقد سبق عند إجابة العاطس أن المتجشئ لا يجاب بشيء فإن حمد الله دعا له , وقول ابن عقيل لا يعرف فيه سنة بل هو عادة موضوعة وهذا أيضا يوافق ما سبق في أنه لا يستحب , لكن ذكرهم أن الحامد يدعى له مع قول ابن عقيل لا نعرف , فيه سنة بل هو عادة موضوعة يدل على أنه يدعى للآكل والشارب بما يناسب الحال لكن إذا حمد الله , ومقتضى الاعتماد على العادة أنه يقال للشارب مطلقا , وعكسه الآكل ويتوجه فيه مثل الشارب ; لعدم الفرق فظهر أنه هل يدعى للآكل والشارب أم لا إن حمد الله أم للشارب ؟ فيه أقوال متوجهة كما يتوجه في المتجشئ مثلهما . ومن المعلوم أن تحري طريق النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والسلف رضي الله عنهم هو الصواب .
والقول بالاستحباب مطلقا مقتضى ما ذكره ابن الجوزي في مسألة القيام فإنه ذكر أن ترك القيام كان في أول الأمر ثم لما صار ترك القيام كالإهوان بالشخص استحب لمن يصلح له القيام وهذا المعنى موجود هنا , فأما إن أفضى ذلك إلى عداوة وغش وحقد أو وحشة وشنآن فيتوجه حينئذ الائتلاف وعمل ما يقتضيه بحسب الحال .
وقد اختلفت الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله في قوله لغير يوم العيد تقبل الله منا ومنك , فعنه لا بأس وهي أشهر كالجواب : واحتج بأبي أمامة قيل له ووائلة ؟ قال نعم .
وقال : لا أبتدي به , وعنه يكره وعنه الكل حسن , وعنه ما أحسنه إلا أن يخاف الشهرة , فإذا كان هذا الخلاف مع الأثر فيه لكن لم يشتهر ذلك في الصحابة فما ظنك بمسألتنا عند أحمد رحمه الله ونظير ذلك الدعاء لمن خرج من حمام بما يناسب الحال .
ورد الجواب في كل ذلك مبني على حكم الابتداء وإنه أسهل كما نص عليه أحمد في رد الجواب للداعي يوم العيد والله أعلم . وهذا الخلاف يتوجه في التهنئة بالأمور الدنيوية , وفي كتاب الهدي لبعض متأخري أصحابنا يجوز , فأما التهنئة بنعم دينية تجددت فتستحب لقصة كعب بن مالك .
وفي الصحيحين أنه لما أنزل { إنا فتحنا لك فتحا مبينا } قال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هنيئا مريئا , والله أعلم .
- 04-05-2007, 09:41 AM #95
رد: قرأت لك : الآداب الشرعية
مسألة: الجزء الثالث
فصل ( في تمسك الناس بالخرافات وتهاونهم بالشرعيات ) .
قال أبو الوفاء ابن عقيل في الفنون لو تمسك الناس بالشرعيات تمسكهم بالخرافات لاستقامت أمورهم ; لأنهم لا يقدمون إدخال مسافر على مريض , ولا ينقب الرغيف من غير قطع حرفه , ولا يكب الرغيف على وجهه , ولا يتزوج في صفر , ولا يترك يديه مشبكة في ركني الباب ولا يخيط قميصه عليه إلا ويضع فيه ليطة , ولعل الواحد منهم لو عوتب على ترك الجمعة أو الجماعات أو لبس الحرير لأهون بالعتبة .
فهذا قدر الإسلام عندهم يدعون أنهم من أهله ولعل أحدهم يقول : لا يحل طرح الرغيف على وجهه ثقة بما يسمع من النساء البله والسفساف انتهى كلامه . ومن هذا ترك عيادة المريض يوم السبت وغير ذلك مما لا أصل له في الشرع ومنه تخصيص بعض الأيام بشيء كتخصيص بعضهم يوم الأربعاء بدخول الحمام والاستراحة , وبعضهم له بالدعاء وزيارة القبور .
وقد قال في الفنون : كنت أرى الناس يكثرون الدعاء وزيارة القبور يوم الأربعاء ولا أعلم هل يرجعون إلى شيء فوجدت في سماع القاضي أبي الطيب عن الغطريفي بإسناده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : { دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد الأحزاب يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء فاستجيب له يوم الأربعاء بين الصلاتين الظهر والعصر فعرفنا السرور في وجهه } قال جابر فما نزل بي أمر مهم عارض إلا توخيت تلك الساعة من ذلك اليوم فدعوت فعرفت الإجابة .
- 04-05-2007, 09:44 AM #96
رد: قرأت لك : الآداب الشرعية
مسألة: الجزء الثالث
فصل قال الخلال في الجامع ( باب ما يكره أن تطعم البهائم الخبز ) ثنا حرب قلت لإسحاق نطعم البهيمة الخبز قال عند الضرورة وإذا أمرت بذلك فلا بأس , فأما أن يتخذ طعام البهيمة فلا خير فيه انتهى كلامه , وظاهر كلام أصحابنا أنه لا كراهة في ذلك ; لأنه لا دليل عليها وعدم اعتياده وفعله لا يدل على كراهته والله أعلم .
فصل ( استحباب المضمضة من شرب اللبن وكل دسم ) .
وتسن المضمضة من شربه قال في الرعاية ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم { تمضمض بعده بماء وقال إن له دسما وشيب له بماء فشرب } وذلك في الصحيحين وفيه { أنه لما شرب وأبو بكر عن يساره وعمر وجاهه وأعرابي عن يمينه قال عمر هذا أبو بكر يا رسول الله يريه إياه فأعطى رسول الله الأعرابي وقال الأيمنون الأيمنون الأيمنون } قال أنس فهي سنة , فهي سنة , فهي سنة , وللبخاري " الأيمنون الأيمنون ألا فيمنوا " وتخصيصه في الرعاية المضمضة منه يدل على أنها لا تستحب من غيره .
وذكر بعض متأخري أصحابنا ما ذكره بعض الأطباء أن الإكثار منه يضر بالأسنان واللثة ولذلك ينبغي أن يتمضمض بعده بالماء ثم ذكر الخبر { أنه عليه السلام تمضمض وقال إن له دسما } كذا قال وسبق في الفصل قبله كلام الأطباء أنه يتمضمض بعده بالعسل ; لأجل اللثة ويتوجه أن تستحب المضمضة من كل ما له دسم لتعليله عليه السلام , وأما المضمضة مما لا دسم له ففيه نظر وظاهر الخبر لا يستحب .
وعن سهل بن سعد مرفوعا { مضمضوا من اللبن فإن له دسما } وعن أم سلمة مرفوعا { إذا شربتم اللبن فمضمضوا فإن له دسما } رواهما ابن ماجه .
وقال أبو زكريا النواوي قال العلماء : تستحب المضمضة من غير اللبن المأكول والمشروب ; لئلا يبقى منه بقايا يبتلعها في الصلاة ولتنقطع لزوجته ودسمه ويتطهر فمه كذا قال , وقد { أكل عليه السلام لحما وغيره ثم صلى ولم يتمضمض } .
وفي الصحيحين عن سهل { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بشراب فشرب منه وعن يمينه غلام وعن يساره الأشياخ فقال للغلام أتأذن لي أن أعطي هؤلاء ؟ فقال : والله لا أوثر بنصيبي منك أحدا فتله رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده } .
وفي مسند أبي بكر بن أبي شيبة أن هذا الغلام هو عبد الله بن عباس , وقوله فتله أي وضعه , وفيه أن الأيمن في مثل هذا يقدم وإن كان مفضولا أو صغيرا .
واستأذن ابن عباس لإدلاله عليه يتألف الأشياخ وفيه بيان هذه السنة تقديم الأيمن وأنه يجوز استئذانه في ترك حقه وأنه لا يلزمه الإذن وهل يجوز ؟ يخرج فيه الخلاف في الإيثار بالقرب ولم يستأذن الأعرابي لمخافة إيحاشه في صرفه إلى أصحابه ولتوهمه شيئا يهلك به لقرب عهده بالجاهلية وفيه التذكير ببعض الحاضرين مخافة نسيانه قال في شرح مسلم : وفيه أن من سبق إلى مباح أو مجلس عالم أو كبير فهو أحق ممن يجيء بعده , ومراده والله أعلم في الجملة . فأما إن عرف كل إنسان بمكان ومنزلة وصار ذلك عادة وعرفا لهم فلا يتعداه فيه من الشر .
- 04-05-2007, 09:47 AM #97
رد: قرأت لك : الآداب الشرعية
مسألة: الجزء الثالث
فصل قال في اقتضاء الصراط المستقيم )
قال أصحاب أحمد وغيرهم منهم أبو الحسن الآمدي وأظنه نقله أيضا عن عبد الله بن حامد ولا يكره غسل اليدين في الإناء الذي أكل فيه ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله وقد نص أحمد على ذلك قال : ولم يزل العلماء يفعلون ذلك ونحن نفعله وإنما ينكره العامة وغسل اليدين بعد الطعام مسنون رواية واحدة , وإذا قدم ما يغسل فيه اليد فلا يرفع حتى يغسل الجماعة أيديهم ; لأن الرفع من زي الأعاجم .
فصل ( في التسمية في ابتداء الأكل والشرب والحمد بعدهما وآداب أخرى ) .
ويسمي في أولها وهي بركة الطعام يكفي القليل بها وبدونها لا يكفي كما دلت عليه الأحاديث الآتية في غير موضع وعن أبي أيوب رضي الله عنه قال { : كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم يوما فقرب طعاما فلم أر طعاما كان أعظم بركة منه أول ما أكلنا ولا أقل بركة في أخره فقلنا كيف هذا يا رسول الله ؟ فقال : ; لأنا ذكرنا اسم الله حين أكلنا , ثم قعد بعد من أكل ولم يسم فأكله معه الشيطان } رواه أحمد .
ويحمد الله إذا فرغ ويقول ما ورد , ويسن مسح الصحفة , والأكل عند حضور رب الطعام وإذنه وأكل ما تناثر , وقيل يحمد الشارب كل مرة ; لأنه يحمده على هذه النعمة , والتسمية تراد لعدم مشاركة الشيطان وقد حصل ذلك بالتسمية أولا وذكر السامري أن الشارب يسمي الله عند كل ابتداء ويحمده عند كل قطع ; لأنه ابتداء فعل كالأول , وإن كان الأول آكد وإنما خص هؤلاء الشارب إما لقلته فلا يشق التكرار , وإما ; لأن كل مرة مأمور بها واستحب فيها ما استحب في الأولى بخلاف الأكل فإنه يطول فيشق التكرار , والقطع فيه أمر عادي والله أعلم .
وقد يقال مثله في أكل كل لقمة وهو ظاهر ما روي عن الإمام أحمد رحمه الله قال إسحاق بن إبراهيم تعشيت مرة أنا وأبو عبد الله وقرابة له فجعلنا لا نتكلم وهو يأكل ويقول الحمد لله وبسم الله , ثم قال أكل وحمد خير من أكل وصمت ولم أجد عن أحمد خلاف هذه الرواية صريحا ولم أجدها في كلام أكثر الأصحاب , , والظاهر أن أحمد رحمه الله اتبع الأثر في ذلك فإن من طريقته وعادته تحري الاتباع .
وروى الخلال بإسناده عن أبي الدرداء أنه قال لبعض قوم أكلوا معه يا بني لا تدعوا أن تأدموا أول طعامكم بذكر الله أكل وحمد خير من أكل وصمت , وكذا قال خالد بن معدان التابعي الثقة الفقيه الصالح أكل وحمد خير من أكل وصمت , ووجه الأول ظاهر الأخبار فإنه اقتصر فيها على التسمية أولا , والحمد آخرا , ولو كان مستحبا لنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم قولا أو فعلا ولو في حديث واحد , بل ظاهر ما نقل من حاله أنه لم يفعله وهو عليه السلام الغاية في فعل الفضائل , وكذلك المعروف , والمشهور من حال الصحابة , والتابعين فمن بعدهم رضي الله عنهم .
وفي كلام الشيخ تقي الدين رحمه الله قال من القراء من يفصل بالبسملة بين السورتين , ومنهم من لا يفصل ; لأن القرآن كله كلام الله فلا يفصلون بها بين السورتين كمن سمى إذا أكل أنواعا من الطعام , ومنهم من يسمي في أول كل سورة وهو حسن لمتابعته لخط المصحف وهو بمنزلة رفع الطعام ووضع طعام فالتسمية عنده أفضل انتهى كلامه .
- 04-05-2007, 09:49 AM #98
رد: قرأت لك : الآداب الشرعية
مسألة: الجزء الثالث
وقال في الغنية وإن كان على رأسه إنسان قائم أمره بالجلوس فإن أبى عليه أو قام مملوكه أو غلامه لقضاء حاجته وسقيه الماء أخذ من أطايب الطعام فلقمه , وإذا أكل مع ضرير أعلمه بما بين يديه فربما فاته أطايب الطعام لعماه .
وذكر الشيخ في المغني في مسألة غير المأذون له هل له الصدقة من قوته إذا لم يضر به : إن الضيف لا يملك الصدقة بما أذن له في أكله وقال إن حلف لا يهبه فأضافه لم يحنث ; لأنه لم يملكه شيئا وإنما أباحه الأكل , ولهذا لا يملك التصرف فيه بغير إذنه وذلك , لأن الأصل عدم جواز التصرف في مال الغير بغير إذنه , خولف في أكله منه لإذنه فيه يبقى ما سواه على الأصل , ولا يلزم من الإذن في الأدنى الإذن في الأعلى وحق الآدمي مبني على الشح , والضيق . ومقتضى هذا التعليل التحريم .
وقال الشيخ عبد القادر إنه يكره أن يلقم من حضر معه قال , لأنه يأكل ملك صاحبه على وجه الإباحة وليس ذلك بتمليك , ووجهت رواية الجواز في مسألة غير المأذون بأنه مما جرت العادة بالمسامحة فيه , والإذن عرفا فجاز كصدقة المرأة من بيت زوجها , وهذا التعليل جار في مسألة الضيف فيتوجه القول به فيها حيث جرى والله أعلم .
وتلخيص ما تقدم أن الضيف لا يملك ما لم تجر العادة بفعله , والمسامحة فيه وما جرت به العادة ولم تخالفه قرينة كتلقيم بعض بعضا وتقديم طعام وإطعام سنور وكلب ونحو ذلك فإن علم رضا صاحبه بذلك جاز وإلا فوجهان , والأولى جوازه .
وقد قال البخاري باب من ناول أو قدم إلى صاحبه على المائدة شيئا قال ابن المبارك لا بأس أن يناول بعضهم بعضا ولا يناول من هذه المائدة إلى مائدة أخرى .
ثم روى من حديث أنس { أن خياطا دعا النبي صلى الله عليه وسلم لطعام صنعه فذهب أنس معه فقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خبزا من شعير ومرقا فيه دباء وقديد قال أنس فرأيت رسول الله يتتبع الدباء من حوالي الصحفة فلم أزل أحب الدباء من يومئذ فجعلت أجمع الدباء بين يديه } .
وذكر هذه القصة قبل ذلك وفيها قال فاقبل الغلام على عمله وترجم عليه باب من أضاف رجلا إلى طعام وأقبل على عمله وما ذكره حسن إذا لم يخالف عادة أو قرينة مؤذية للضيف وتمنع إكرامه وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من كان يؤمن بالله , واليوم الآخر فليكرم ضيفه } متفق عليه .
ولمن منع المسألة الأولى أن يحمل خبر أنس على أنه علم أن رب الطعام راض بذلك والله أعلم . قال ابن عقيل في الفنون سأل سائل حنبليا فقال هل يجوز للقوم يقدم لهم الطعام أن يقرب بعضهم إلى بعض ؟ فقال قد كنت أقول لا يجوز ولا لسنور حتى وجدت في صحيح البخاري , ثم ذكر حديث أنس المذكور . ولرب الطعام أو بعض أهله أن يخص بعض الضيفان بشيء طيب إذا لم يتأذ غيره وأنه يجوز للمخصوص أو يستحب له تناوله وأنه لا يفضل منه شيئا بحسب ما يقتضيه الحال من ذلك لما سبق في حفظ الصحة في قصة أبي أسيد مع أنه يستحب للضيف أن يفضل شيئا لا سيما إن كان ممن يتبرك بفضلته أو كان , ثم حاجة .
قال أبو أيوب { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتي بطعام أكل وبعث بفضله إلي } فيسأل أبو أيوب عن موضع أصابعه فيتتبع موضع أصابعه وقد سبق حديث جابر { نعم الإدام الخل } في حفظ الصحة .
وفيه أن صاحب الطعام يبدأ بالضيف قبل نفسه ما لم يكن مانع وإنه لا بأس أن يخص الضيف بشيء ويختص بشيء ويشتركان في شيء حتى في الخبز لا سيما مع الحاجة وأن صاحب الطعام إن شاء أبقى الأرغفة صحاحا وإن شاء كسرها أو بعضها وإن الضيف يبقي ذلك , ويعلم من ذلك أن تساوي الضيفان فيما حضر أولى بل قد يتوجه أن لو بادر أحدهم إلى أكل ما حضر مختصا به كما يفعل بعض الناس أن ذلك لا يجوز ; لأن مثل هذا لا يأذن فيه صاحب الطعام ولا يعجبه ويتسخط به عادة وعرفا .
وفيه أخذ الإنسان بيد صاحبه في تماشيهما وقالت الحنفية يحرم رفع المائدة إلا بإذن صاحبها ; لأنه مأذون بالأكل لا بالرفع ولو ناول الضيف لقمة من طعام ضيف آخر روي عن محمد أنه لا يحل للآخذ أن يأكل بل يضع , ثم يأكل من المائدة ; لأنه مأذون بالأكل لا بالإعطاء .
وقال عامة مشايخهم يحل له للعادة , وكذا لو ناول بعض الخدم الذي هو قائم على رأس المائدة جاز ولا يجوز أن يعطي سائلا ولا إنسانا دخل هناك لحاجة ; لأنه لا إذن فيه عادة , وكذلك لو ناول شيئا من الخبز , واللحم كلب صاحب البيت أو غيره لا يسعه , ولو ناوله الطعام , والخبز المحترق وسعه ; لأنه مأذون فيه عادة انتهى كلامهم وينبغي أن يطعم رب الطعام من حضره شيئا منه ذكر ابن عبد البر عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وبعضهم يرفعه قال الكلاب ضعفة الجن فإذا حضر طعامكم فاطردوهم وأطعموهم شيئا فإن لها أنفس سوء يعني أعين سوء .
- 05-05-2007, 06:37 AM #99
رد: قرأت لك : الآداب الشرعية
مسألة: الجزء الثالث
فصل ومن آداب الأكل أن تجعل بطنك ثلاثا , ثلثا للطعام وثلثا للشراب وثلثا للنفس , ولو أكلت كثيرا لم يكن به بأس قال الحسن ليس في الطعام إسراف , والحديث المرفوع في ذلك ورد بالأكل تأديبا لا تحديدا ذكر ذلك في المستوعب وغيره .
قال أحمد ثنا أبو المغيرة ثنا سليمان بن سليم ثنا يحيى بن جابر الطائي سمعت المقداد بن معدي كرب الكندي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن حسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فثلث طعام وثلث شراب وثلث لنفسه } حديث صحيح له طرق رواه النسائي وابن ماجه , والترمذي وقال حسن وفي نسخة صحيح .
وروى الخلال في جامعه عن أحمد أنه قال وقيل له هؤلاء الذين يأكلون قليلا ويقللون من طعامهم قال ما يعجبني سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول فعل قوم هكذا فقطعهم عن الفرض .
واعلم أنه متى بالغ في تقليل الغذاء أو الشراب فأضر ببدنة أو شيء منه أو قصر عن فعل واجب لحق الله أو لحق آدمي كالتكسب لمن يلزمه مؤنته فإن ذلك محرم وإلا كره ذلك إذا خرج عن الأمر الشرعي .
وقد ذكر الأطباء أنه لا ينبغي التأخير عن تناول ذلك إذا تاقت إليه النفس وإنه إن لم يتناول الغذاء , ثم لم تطلبه نفسه فينبغي أن لا يتناوله إذا , بل ينهضها بالرياضة أو بالقيء وغير ذلك . ونقلت من غير الجامع وهو من كتاب الورع .
قال المروذي قلت لأبي عبد الله يعني أحمد بن حنبل يؤجر الرجل في ترك الشهوات قال كيف لا يؤجر وابن عمر يقول ما شبعت منذ أربعة أشهر . وقلت لأبي عبد الله يجد الرجل من قلبه رقة وهو يشبع ؟ قال ما أرى . , والمراد بهذا النص والله أعلم الشبع الكثير , والمراد بالنص الأول من يأكل يسيرا يحصل له به أدنى شبع .
وقول الأصحاب رحمهم الله ولو أكلت كثيرا لم يكن به بأس أي زيادة على القدر المذكور لا مطلقا , فإن أكل المتخوم أو الأكل المفضي إلى تخمة سبب لمرضه وإفساد بدنه وهو تضييع للمال في غير فائدة في مضرة بل وهذا بخلاف الأكل فوق مطلق الشبع فإنه لا يفضي إلى ذلك .
وقد ذكر الأصحاب أن الأكل من الميتة فوق الشبع لا يجوز وظاهره أن الأكل فوق مطلق الشبع في غير هذا الموضع يجوز وإلا لم يكن لتخصيص هذه الصورة فائدة , وقد قال في الترغيب ولو أكل كثيرا بحيث لا يؤذيه جاز وقال في الغنية وكثرة الأكل من حيث يخاف منه التخمة مكروه .
وذكر صاحب النظم أنه لا بأس بالشبع وإنه يكره الإسراف وفي الصحيحين أو في صحيح البخاري { أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل يقول لأبي هريرة لما جاءه قدح من لبن وأمره أن يدعو له أهل الصفة فسقاهم , ثم قال لأبي هريرة اشرب فشرب , ثم أمره ثانيا وثالثا حتى قال والذي بعثك بالحق ما أجد له مساغا } .
وذكر ابن عبد البر وغيره أن عمر رضي الله عنه خطب يوما فقال : إياكم , والبطنة فإنها مكسلة عن الصلاة مؤذية للجسم , وعليكم بالقصد في قوتكم فإنه أبعد من الأشر وأصح للبدن وأقوى على العبادة , وإن امرأ لن يهلك حتى يؤثر شهوته على دينه .
وقال علي رضي الله عنه : المعدة حوض البدن , والعروق واردة عليها وصادرة عنها فإذا صحت صدرت العروق عنها بالصحة , وإذا سقمت صدرت العروق بالسقم .
وقال الفضيل بن عياض اثنتان يقسيان القلب كثرة الكلام وكثرة الأكل وقال لقمان لابنه يا بني لا تأكل شيئا على شبع فإنك إن تتركه للكلب خير لك من أن تأكله .
وقال ابن هبيرة في حديث أبي هريرة من قبل نفسه وفي معنى ذلك المآكل التي الغالب فيها الأذى , والإفراط في الشبع وإدخال الطعام على الطعام ومطاوعة الشره , والتعريض بالنفس فيما الغالب فيه الأذى , ومن ذلك أن يستلقي تحت حائط مائل أو ينام على سطح ليس له حجار , أو يركب البحر عند ارتجاجه أو يتعرض من البلاء ما لا يطيقه كذا قال في النوم على السطح وليست نظير ذلك وسيأتي .
وقال أيضا لا ينبغي أن يتناول فوق حاجته ; لأنه قوته وقوت غيره فالقسمة بينه وبين غيره لم يمكن تقديرها إلا بالإشارة بحسب الاحتياج فإذا أخذ من شيء هو مشاع بينه وبين غيره أكثر من حاجته فقد ظلم غيره بمقدار التفاوت .
وعن سمرة بن جندب أنه قيل له إن ابنك بات البارحة بشما قال أما لو مات لم أصل عليه قال الشيخ تقي الدين يعني أنه أعان على قتل نفسه فيكون كقاتل نفسه وقال في موضع آخر يكره أن يأكل حتى يتخم , ثم ذكر ما سبق عن سمرة .
واعلم أن كثرة الأكل تنوم وإنه ينبغي النفرة ممن عرف بذلك واشتهر به واتخذه عادة ولهذا روى مسلم عن نافع رأى ابن عمر مسكينا فجعل يضع بين يديه ويضع بين يديه فجعل يأكل كثيرا قال لا تدخلن هذا علي فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { المؤمن يأكل في معى واحد , والكافر يأكل في سبعة أمعاء } .
وروى أيضا عن عمرو بن دينار قال كان أبو نهيك رجلا أكولا فقال له ابن عمر إن رسول الله قال { إن الكافر يأكل في سبعة أمعاء قال فأنا أومن بالله ورسوله } ولمسلم من حديث جابر ومن حديث أبي موسى { المؤمن يأكل في معى واحد , والكافر يأكل في سبعة أمعاء } .
وعن أبي هريرة { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضافه ضيف وهو كافر فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة فحلبت له فشرب حلابها حتى شرب حلاب سبع شياه , ثم إنه أصبح فأسلم فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة فشرب حلابها , ثم أمر له [ ص: 197 ] بأخرى فلم يتمها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمن يشرب في معى واحد , والكافر يشرب في سبعة أمعاء } رواه مسلم .
وروى البخاري عن أبي هريرة { أن رجلا كان يأكل أكلا كثيرا فأسلم فكان يأكل أكلا قليلا فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال إن المؤمن يأكل في معاء واحد , والكافر يأكل في سبعة أمعاء } .
قيل ذلك على ظاهره ولهذا احتج به ابن عمر فقيل المؤمن يقصد في أكله وقيل إنه يسمي الله فلا يشاركه فيه الشيطان , والكافر بالعكس قال الأطباء لكل إنسان سبعة أمعاء المعدة , ثم ثلاثة متصلة بها رقاق , ثم ثلاثة غلاظ فالمؤمن لاقتصاده وتسميته يكفيه ملء أحدها , والكافر بالعكس .
وقيل المراد الجنس فلا يلزم ذلك في كل فرد من مؤمن وكافر وقيل المراد سبع صفات الحرص , والشره وطول الأمل , والطمع وسوء الطبع , والحسد , والسمن , وقيل هذا في رجل بعينه قيل له على وجه التمثيل وإنما قال ابن عمر ما قال ; لأنه أشبه الكفار ومن أشبه الكفار كرهت مخالطته لغير حاجة وما يأكله هذا يسد خلة جماعة .
وقال الشيخ تقي الدين في موضع آخر الإسراف في المباحات هو مجاوزة الحد وهو من العدوان المحرم وترك فضولها هو من الزهد المباح وأما الامتناع من فعل المباحات مطلقا كالذي يمتنع من أكل اللحم أو أكل الخبز أو شرب الماء أو من لبس الكتان , والقطن ولا يلبس إلا الصوف ويمتنع من نكاح النساء ويظن أن هذا من الزهد المستحب , فهذا جاهل ضال إلى أن ذكر أن الله أمر بالأكل من الطيبات , والشكر له , والطيب هو ما ينفع الإنسان ويعينه على الطاعة وحرم الخبائث وهو ما يضره في دينه وأمر بشكره وهو العمل بطاعته بفعل المأمور به وترك المحظور قال فمن أكل من الطيبات ولم يشكر ربه ولم يعمل صالحا كان معاقبا على تركه من فعل الواجبات ولم يحل له الطيبات فإن الله تعالى إنما أحلها لمن يستعين بها على طاعته .
ولم يحلها لمن يستعين بها على معصيته كما قال تعالى : { ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا } الآية قال ولهذا لا يجوز أن يعان الإنسان بالمباحات على المعاصي مثل من يعطي اللحم , والخبز لمن يشرب عليه الخمر ويستعين به على الفواحش قال وقوله تعالى : { ثم لتسألن يومئذ عن النعيم } أي عن الشكر على النعيم فيطالب العبد بأداء شكر الله على النعيم فإن الله تعالى لا يعاقب على ما أباح وإنما يعاقب على ترك مأمور وفعل محذور انتهى كلامه .
وآية المائدة ذكر معنى كلامه فيها بعض المفسرين كما هو ظاهرها . فأما السؤال عن النعيم فقيل يختص بالكفار ويعذبون على ترك الشكر وقيل عام , ثم النعيم هل هو عام أو خاص ؟ فيه قولان , ثم في تعيينه نحو عشرة أقوال , وظاهر اللفظ العموم فيها قال ابن الجوزي وهو الصحيح قال فالكافر يسأل توبيخا له إذا لم يشكر المنعم ولم يوحده , والمؤمن يسأل عن شكرها كذا قال فظاهره لا يسأل توبيخا وتعذيبا وهو ظاهر كلام بعض المفسرين .
قال ابن الجوزي بعد كلامه المذكور : وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { يقول الله عز وجل ثلاث لا أسأل عبدي عن شكرهن وأسأله عما سوى ذلك بيت يسكنه وما يقيم به صلبه من الطعام وما يواري به عورته من اللباس } ويأتي ما يتعلق بهذا في فصل تقبيل الخبز , ويوافق كلام الشيخ تقي الدين ما ذكره المهدوي في تفسيره في قوله تعالى { غير محلي الصيد } وسبق في الفصل قوله { لتسألن يومئذ عن النعيم } قال القاضي أي عن القيام بحق شكره .
وقال أبو زكريا النواوي سؤال تعداد النعم وإعلام بالامتنان بها لا سؤال توبيخ ومحاسبة , وقول الشيخ تقي الدين إن الامتناع من المباح رأسا جهل كذا قال غيره من العلماء ; لأنه خلاف فعل الرسول صلى الله عليه وسلم وطريقه فمن اتخذ طريقا إلى الله سبحانه خلاف طريقه فإنما يروم ذلك ويظن أنها أوصل إلى المقصود وأبلغ في حصول المطلوب لا سيما مع شدة طريقه وضيقها ولا يخفى أن هذا من الجهل , والضلال .
وقد ذكر أبو شامة عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي رحمه الله في كتاب الباعث على إنكار البدع , والحوادث ما رواه أبو بكر الخلال من أصحابنا رحمهم الله في كتاب الجامع أن رجلا جاء إلى مالك بن أنس رضي الله عنه فقال من أين أحرم قال من الميقات الذي وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحرم فقال الرجل فإني أو فإن أحرمت من أبعد منه قال مالك لا أرى ذلك , فقال ما تكره من ذلك قال أكره عليك الفتنة قال وأي فتنة في ازدياد الخير قال فإن الله تعالى يقول : { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } .
وأي فتنة أكبر من أنك خصصت بفعل لم يخصص به رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية أن رجلا قال لمالك بن أنس من أين أحرم قال من حيث أحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعاد عليه مرارا قال فإن زدت على ذلك قال فلا تفعل فإني أخاف عليك الفتنة قال وما في هذا من الفتنة إنما هي أميال أزيدها قال فإن الله تعالى يقول : { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } .
قال وأي فتنة في هذا قال مالك وأي فتنة أعظم من أن تري اختيارك لنفسك خيرا من اختيار الله تعالى واختيار رسول الله صلى الله عليه وسلم . وفي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه { أن نفرا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن عمله في السر فقال بعضهم لا أتزوج النساء وقال بعضهم لا آكل اللحم . وقال بعضهم لا أنام على فراش فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه , ثم قال أما بعد ما بال أقوام قالوا كذا , لكني أصلي وأنام وأصوم وأفطر وآكل اللحم وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني } . وفي مسلم عن عبد الله بن مسعود أن النبي قال { هلك المتنطعون قالها ثلاثا }
وهم المبالغون في الأمور , وقد روي عن صفوان بن سليم وهو من التابعين الصلحاء أنه عاهد الله أن لا يضع جنبه إلى الأرض ما بقي في الدنيا وعاش بعد ذلك ثلاثين سنة ووفى بذلك .
وعن داود الطائي أنه كان يسف السويق لئلا يشتغل بمضغ الخبز وغيره عن الذكر , وعن غيرهما من العباد معنى هذه الأحوال ولعل ذلك لا يصح عن عابد عالم , وعابد جاهل لا عبرة برأيه فإن صح ذلك فإنه محجوج برسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال مالك رضي الله عنه الكلام المشهور : كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب هذا القبر يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقد ذكر ابن الجوزي رحمه الله في صيد الخاطر بعض ذلك وغيره عن بعض العباد رحمهم الله قال ولعمري إن هذه خيرات ولكن عليك بالجادة طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم .
أو كما قال , وأما إن أسرف في تناول ذلك فقال ابن عقيل وجماعة ظاهر كلام أحمد رحمه الله أن التبذير والإسراف ما أخرجه في الحرام لقوله : لو أن الدنيا لقمة فوضعها في في أخيه لم يكن إسرافا .
وقال القاضي أبو يعلى إن لم يخف الفقر لم يكن مسرفا , وإلا فهو من السرف المنهي عنه وقال ابن الجوزي في التبذير قولان :
أحدهما أنه إنفاق المال في غير حق قاله ابن مسعود وابن عباس ومجاهد وقال الزجاج في غير طاعة .
( والثاني ) الإسراف المتلف المال { إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين } .
يوافقونهم فيما يدعونهم إليه ويشاكلونهم في معصية الله { وكان الشيطان لربه كفورا } أي جاحدا لنعمه قال ابن الجوزي : وهذا يتضمن أن المسرف كفور للنعم وذكر غير واحد من أصحابنا أن التبذير أن يصرفه في حرام أو في غير فائدة والمسألة مذكورة في الفقه في باب الحجر , وسبق كلام الشيخ تقي الدين أن الإسراف في المباحات محرم وقد يحتج لعدم التحريم بعموم القرآن وإطلاقه من غير نظر إلى السبب كقوله تعالى : { قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق } .
وكقوله : { ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا } . وبأنه إجماع سابق في البناء والعمارة كما يأتي في كلام ابن حزم فهذا أولى , ومن قال بخلاف ذلك يحتج بإطلاق قوله تعالى : { ولا تسرفوا } . ويحمل ما سبق على أن المراد الإباحة في الجملة لا مع السرف ; لأنه أخص وحيث لم يحرم فمعلوم أن تركه أولى , وهل يكره ؟ ظاهر ما ذكره بعضهم أنه لا يكره ; لأن الأصل عدم الكراهة وعدم دليلها ويأتي كلام ابن عقيل في فصول التكسب : أقسم بالله لو عبس الزمان في وجهك مرة لعبس في وجهك أهلك وجيرانك ثم حث على الإمساك , وقول أحمد في الكرم والبخل متمثلا :
قليل المال تصلحه فيبقى ولا يبقى الكثير على الفساد
وهذا يدل على الكرامة , وهذا معلوم في الشاهد والغائب , افتقر خلق كثير بالإسراف في اللذات والشهوات وظاهر كلام ابن الجوزي الكراهة قال في قوله تعالى : { ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا } .
قال المفسرون المراد بطيباتهم ما كانوا فيه من اللذات مشتغلين بها عن الآخرة معرضين عن شكرها , ولما وبخهم الله تعالى بذلك آثر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والصالحون بعدهم اجتناب نعيم العيش ولذته ليتكامل أجرهم ولئلا يلهيهم عن معادهم .
روى جابر قال رأى عمر لحما معلقا في يدي فقال : ما هذا يا جابر ؟ فقلت : اشتهيت لحما فاشتريته , فقال أو كلما اشتهيت اشتريت يا جابر ؟ أما تخاف هذه الآية : { أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا } .
وعن عمر رضي الله عنه أنه قيل له لو أمرت أن يصنع لك طعام ألين من هذا فقال : إني سمعت الله عير أقواما فقال : { أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا } انتهى كلامه .
الأثر عن جابر في الموطأ وفيه أنه اشترى لحما بدرهم , وأن عمر قال له : ما يريد أحدكم أن يطوي بطنه عن جاره وابن عمه أين يذهب عنكم قوله تعالى : { أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها } .
وما يروى عن السلف وأئمة الخلف المقتدى بهم في العلم والدين ما يدل على خلاف ذلك ولا يتحقق فيه إسراف والكلام فيه .
وقد قال أبو حازم لسهل بن سعد هل أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم النقي ؟ فقال : ما رأى النقي من حين ابتعثه الله حتى قبضه الله , فقلت هل كان لكم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مناخل ؟ قال : ما رأى منخلا من حيث ابتعثه الله حتى قبضه الله قلت : كيف كنتم تأكلون الشعير غير منخول ؟ قال : كنا نطحنه وننفخه فيطير ما طار وما بقي ثريناه رواه أحمد والبخاري والترمذي وزاد بعد قوله : النقي يعني الحواري ثرينا عجناه
وسيأتي في آداب المساجد حكم إنفاق المال في البناء والعمارة , وكلام الشيخ تقي الدين وأما إنفاقه في الصدقة فمذكور في الفقه في صدقة التطوع ويأتي في فصول التكسب والله أعلم .
- 05-05-2007, 06:40 AM #100
رد: قرأت لك : الآداب الشرعية
مسألة: الجزء الثالث
فصل ( في آداب أكل التمر ومنها تفتيشه لتنقيته ) .
عن ابن عمر قال : { أتي النبي صلى الله عليه وسلم بتمر عتيق فجعل يفتشه يخرج السوس منه } إسناده ثقات رواه أبو داود والبيهقي وقال : وروي عن { النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن شق التمر عما في جوفها } فإن صح فيشبه أن يكون المراد إذا كان التمر جديدا والذي رويناه في العتيق .
وقال الآمدي ولا بأس بتفتيش التمر وتنقيته وكلامه إنما يدل على ما فيه شيء وهو العتيق مع أنه صادق على ما تعلق به مما لا يؤكل معه شرعا وعرفا . ومثله في الحكم ما في معناه من فاكهة وغيرها , وقد دل الخبران المذكوران على أن ذلك لا يتحرى , ويقصد غالبا بل إن ظهر شيء أو ظنه أزاله , وإلا بني الأمر على الأصل والسلامة والله أعلم .
وعن أنس أنه كان يكره أن يضع النوى مع التمر على الطبق ذكره البيهقي وقال ابن الجوزي في آداب الأكل : ولا يجمع بين النوى والتمر في طبق ولا يجمعه في كفه بل يضعه من فيه على ظهر كفه ثم يلقيه وكذا كل ما له عجم وثفل , وهذا معنى كلام الآمدي والعجم بالتحريك النوى وكل ما كان في جوف مأكول كالزبيب وما أشبهه والواحدة عجمة مثل قصبة وقصب , يقال ليس لهذا الرمان عجم قال يعقوب والعامة يقولون عجم بالتسكين والثفل بضم الثاء المثلثة وسكون الفاء ما يثقل من كل شيء , وقولهم : تركت بني فلان مثافلين أي يأكلون الثفل يعنون الحب إذا لم يكن لهم لبن وكان طعامهم الحب وذلك أشد ما يكون حال البدوي . وهذا الأدب في المسألة الأخيرة والله أعلم بسبب مباشرة الرطوبة المنفصلة والعرف والعادة بخلاف ذلك لكن الحكم للشرع لا لعرف حادث .
وقد قال الإمام أحمد في رواية أبي بكر بن حماد وعبد الكريم بن الهيثم لا أعلم بتفتيش التمر إذا كان فيه الدود بأسا قال أبو بكر بن حماد رأيت أحمد يأكل التمر ويأخذ النوى على ظهر إصبعيه السبابة والوسطى ورأيته يكره أن يجعل النوى مع التمر في شيء واحد , ذكره الخلال في جامعه وصاحبه أبو بكر .
وعن عبد الله بن بسر قال { نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي فقربنا إليه طعاما ووطبة فأكل منها ثم أتي بتمر فكان يأكله ويلقي النوى بين إصبعيه ويجمع السبابة والوسطى ثم أتي بشراب فشربه ثم ناوله الذي عن يمينه قال فقال أبي وأخذ بلجام دابته : ادع الله لنا فقال اللهم بارك لهم فيما رزقتهم واغفر لهم وارحمهم } رواه مسلم . الوطبة بفتح الواو وسكون الطاء المهملة وبعدها باء مفتوحة وهي الحيس , يجمع التمر البرني والأقط المدقوق والسمن , وضبطها بعضهم وطئة بفتح الواو وكسر الطاء وبعدها همزة قيل كان عليه السلام يلقي النوى بين إصبعيه أي : يجعله بينهما لقلته وقيل كان يجمعه على ظهر إصبعيه ثم يرمى به .
ورواه أحمد وعنده فكان يأكل التمر ويلقي النوى , وصف يعني شعبة بأصبعيه الوسطى والسبابة بظهرهما من فيه ورواه أبو داود وعنده فجعل يلقي النوى على ظهر إصبعيه السبابة والوسطى . وفيه طلب الدعاء من الضيف وإجابته إلى ذلك .
- 05-05-2007, 06:43 AM #101
رد: قرأت لك : الآداب الشرعية
مسألة: الجزء الثالث
فصل ( في استحباب إكرام الخبز دون تقبيله وشكر النعم ) .
هل يستحب تقبيل الخبز كما يفعله بعض الناس كلام الإمام أحمد رحمه الله في مسألة تقبيل المصحف يدل على عدم التقبيل وهو ظاهر كلام الشيخ تقي الدين فإنه ذكر أنه لا يشرع تقبيل الجمادات , إلا ما استثناه الشرع , وقد ذكر القاضي أبو الحسين أنه هل يستحب وضع اليد على القبر ; لأنه في معنى مصافحة الحي صححهما أبو الحسين أو لا يستحب ; لأن ما طريقه القربة يقف على التوقيف بدليل قول عمر في الحجر الأسود { لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك } , وليس في هذا توقيف ؟ فيه عن أحمد روايتان .
وقد تقدم كلام والده في تقبيل المصحف بهذا المعنى وروى ابن أبي الدنيا في كتاب الشكر له عن عائشة رضي الله عنها قالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى كسرة ملقاة فقال { يا عائشة أحسني جوار نعم الله عليك فإنها قل إن نفرت عن قوم فكادت ترجع إليهم } ورواه ابن ماجه ولفظه فدخل علي , فرأى كسرة ملقاة فأخذها فمسحها ثم أكلها وقال { يا عائشة أكرمي كريمك فإنها ما نفرت عن قوم فعادت إليهم } فهذا الخبر يدل على عدم التقبيل ; لأن هذا محله كما يفعل في هذا الزمان .
ومما ينبغي أن يعرف أن الاعتراف بالنعم ومن أنعم بها وشكره سبب لبقائها وزيادتها كما قال بعض الأدباء : قيدوا النعم بالشكر فإنها كالنعم لها أوابد , أي تشرد وتنفر كما في الصحيحين من حديث أبي رافع { أن لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش } , وقد قال تعالى : { فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون } .
وقد قال أبو حازم الأعرج التابعي الجليل رحمه الله : كل نعمة لم يشكر الله عليها فهي بلية وقال أيضا : إذا رأيت الله يتابع نعمه عليك وأنت تعصيه فإنما هو استدراج فاحذره وقد قال تعالى : { سنستدرجهم من حيث لا يعلمون } وقال تعالى : { فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون } .
وقد سبق ما يتعلق بهذا قريبا وقد قال تعالى : { كلوا من رزق ربكم واشكروا له } وقال تعالى : { اعملوا آل داود شكرا } .
قال ابن الجوزي المعنى وقلنا : اعملوا بطاعة الله شكرا على ما آتاكم وقال ابن عبد البر قال بعضهم الطاعات كلها شكر وأفضل الشكر الحمد وذكر ابن عبد البر في كتاب بهجة المجالس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { ما أنعم الله على عبد نعمة فعلم أنها من عند الله إلا كتب الله عز وجل له شكرها وما علم الله من عبد ندامة على ذنب إلا غفر الله له قبل أن يستغفر , وإن الرجل ليلبس الثوب فيحمد الله فما يبلغ ركبتيه حتى يغفر له } ومكتوب في التوراة اشكر لمن أنعم عليك وأنعم على من شكرك فإنه لا زوال للنعم إذا شكرت , ولا مقام لها إذا كفرت والشكر زيادة في النعم وأمان من الغير قال أبو بجيلة :
شكرتك إن الشكر حبل من التقى
وما كل من أوليته نعمة يقضي
وأحييت من ذكري وما كنت خاملا
ولكن بعض الذكر أنبه من بعض
وقال حذيفة بن اليمان ما عظمت نعمة الله على حد إلا زاد حق الله عظما قال عروة بن الزبير من لم يعرف سوء ما يبلى , لم يعرف خير ما يولى وقال جعفر بن محمد ما أنعم الله على عبد نعمة فعرفها بقلبه وشكرها بلسانه فيبرح حتى يزداد .
- 06-05-2007, 05:44 AM #102
رد: قرأت لك : الآداب الشرعية
مسألة: الجزء الثالث
فصل ( في الانتشار في الأرض بعد الطعام ) .
قال الله تعالى : { فإذا طعمتم فانتشروا } أي فاخرجوا { ولا مستأنسين } أي طالبين الأنس لحديث قال ابن الجوزي ما ذكره غيره كانوا يجلسون بعد الأكل فيتحدثون طويلا وكان ذلك يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم ويستحي أن يقول لهم : قوموا فعلمهم الله الأدب { والله لا يستحي من الحق } .
أي لا يترك أن يبين لهم ما هو الحق فأما إن دلت قرينة على الإذن في الجلوس جاز ثم قد يكون مستحبا لميل صاحب الطعام إلى ذلك وقد يكون مباحا .
قال الحسن البصري نزلت هذه الآية في الثقلاء وقال السدي ذكر الله الثقلاء في القرآن في قوله { فإذا طعمتم فانتشروا } .
وينبغي للإنسان أن يجتهد في أن لا يستثقل فإن ذلك أذى له ولغيره والمؤمن سهل لين هين كما سبق في حسن الخلق قال ابن عبد البر سئل جعفر بن محمد عن المؤمن يكون بغيضا قال لا يكون بغيضا ولكن يكون ثقيلا .
وقال سفيان بن عيينة قلت لأيوب السختياني ما لك لم تكتب عن طاووس قال أتيته فوجدته بين ثقيلين وسماهما كان أبو هريرة إذا استثقل رجلا قال : اللهم اغفر لنا وله وأرحنا منه وكان حماد بن سلمة إذا رأى من يستثقله قال { ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون } .
وعن حماد أيضا أنه قال في الصوم في البستان من الثقل كذا قال وليس هو على ظاهره بل يختلف بحسب الحال كان يقال : مجالسة الثقيل حمى الروح قيل لأبي عمرو الشيباني لأي شيء يكون الثقيل أثقل على الإنسان من الحمل الثقيل فقال : لأن الثقيل يعقد على القلب , والقلب لا يحتمل ما يحتمل الرأس والبدن من الثقل كان فلاسفة الهند يقولون : النظر إلى الثقيل يورث موت الفجأة قال ثقيل لمريض ما تشتهي قال أشتهي أن لا أراك .
وقال معمر ما بقي من لذات الدنيا إلا ثلاث محادثة الإخوان وحك الجرب والوقيعة في الثقلاء وهي أفضل الثلاث وقال آخر :
إذا جلس الثقيل إليك يوما أتتك عقوبة من كل باب
فهل لك يا ثقيل إلى خصال
تنال ببعضها كرم المآب
إلى مالي فتأخذه جميعا
أحل لديك من ماء السحاب
وتنتف لحيتي وتدق أنفي
وما في في من ضرس وناب
على أن لا أراك ولا تراني
مقاطعة إلى يوم الحساب
وكان يقال مجالسة الثقيل , عذاب وبيل , وأنشد بعضهم :
ليتني كنت ساعة ملك الموت
فأفني الثقال حتى يبيدوا
سلم ثقيل على إبراهيم بن عبد الله القاري صاحب هارون فقال له يا هذا : قد والله بلغت منك غاية الأذى أسلفني سلام شهر وأرحني منك .
قال الشاعر :
أنت يا هذا ثقيل وثقيل وثقيل
أنت في المنظر إنسان وفي الميزان فيل
قال أبو حازم عود نفسك الصبر على السوء فإنه لا يزال يخطئك .
- 07-05-2007, 02:42 AM #103
رد: قرأت لك : الآداب الشرعية
مسألة: الجزء الثالث
فصل ( في تمسك الناس بالخرافات وتهاونهم بالشرعيات ) .
قال أبو الوفاء ابن عقيل في الفنون لو تمسك الناس بالشرعيات تمسكهم بالخرافات لاستقامت أمورهم ; لأنهم لا يقدمون إدخال مسافر على مريض , ولا ينقب الرغيف من غير قطع حرفه , ولا يكب الرغيف على وجهه , ولا يتزوج في صفر , ولا يترك يديه مشبكة في ركني الباب ولا يخيط قميصه عليه إلا ويضع فيه ليطة , ولعل الواحد منهم لو عوتب على ترك الجمعة أو الجماعات أو لبس الحرير لأهون بالعتبة .
فهذا قدر الإسلام عندهم يدعون أنهم من أهله ولعل أحدهم يقول : لا يحل طرح الرغيف على وجهه ثقة بما يسمع من النساء البله والسفساف انتهى كلامه . ومن هذا ترك عيادة المريض يوم السبت وغير ذلك مما لا أصل له في الشرع ومنه تخصيص بعض الأيام بشيء كتخصيص بعضهم يوم الأربعاء بدخول الحمام والاستراحة , وبعضهم له بالدعاء وزيارة القبور .
وقد قال في الفنون : كنت أرى الناس يكثرون الدعاء وزيارة القبور يوم الأربعاء ولا أعلم هل يرجعون إلى شيء فوجدت في سماع القاضي أبي الطيب عن الغطريفي بإسناده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : { دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد الأحزاب يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء فاستجيب له يوم الأربعاء بين الصلاتين الظهر والعصر فعرفنا السرور في وجهه } قال جابر فما نزل بي أمر مهم عارض إلا توخيت تلك الساعة من ذلك اليوم فدعوت فعرفت الإجابة .
- 07-05-2007, 02:43 AM #104
رد: قرأت لك : الآداب الشرعية
مسألة: الجزء الثالث
فصل قال الخلال في الجامع ( باب ما يكره أن تطعم البهائم الخبز )
ثنا حرب قلت لإسحاق نطعم البهيمة الخبز قال عند الضرورة وإذا أمرت بذلك فلا بأس , فأما أن يتخذ طعام البهيمة فلا خير فيه انتهى كلامه , وظاهر كلام أصحابنا أنه لا كراهة في ذلك ; لأنه لا دليل عليها وعدم اعتياده وفعله لا يدل على كراهته والله أعلم .
فصل قال الخلال في الجامع ( باب ما يكره أن تطعم البهائم الخبز )
ثنا حرب قلت لإسحاق نطعم البهيمة الخبز قال عند الضرورة وإذا أمرت بذلك فلا بأس , فأما أن يتخذ طعام البهيمة فلا خير فيه انتهى كلامه , وظاهر كلام أصحابنا أنه لا كراهة في ذلك ; لأنه لا دليل عليها وعدم اعتياده وفعله لا يدل على كراهته والله أعلم .
فصل عن جابر { أن أم مالك كانت تهدي للنبي صلى الله عليه وسلم في عكة لها فيأتيها بنو عمها فيسألون الأدم وليس عندهم شيء فتعمد إلى الذي كانت تهدي فيه للنبي صلى الله عليه وسلم فتجد فيه سمنا قال فما زال يقيم لها أدم بيتها حتى عصرته فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال عصرتها ؟ فقالت نعم فقال لو تركتها ما زال قائما } .
وعنه أيضا { أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم يستطعمه فأطعمه وسقا من شعير فما زال الرجل يأكل منه وامرأته وضيفهما حتى كاله فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال لو لم تكله لأكلتم منه ولقام لكم } رواه مسلم , ومثله حديث عائشة حين كالت الشعير ففني . قال في شرح مسلم قال العلماء الحكمة في ذلك أن عصرها وكيله مضاد للتسليم والتوكل على رزق الله تعالى , ويتضمن التدبير والأخذ بالحول والقوة وتكلف الإحاطة بأسرار حكم الله وفضله فعوقب فاعله بزواله .
آخر تعديل بواسطة أبو عبد الله ، 07-05-2007 الساعة 02:47 AM
- 08-05-2007, 09:50 PM #105
رد: قرأت لك : الآداب الشرعية
مسألة: الجزء الثالث
فصل ( في الخروج مع الضيف إلى باب الدار والأخذ بركابه ) .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن من السنة أن يخرج الرجل مع ضيفه إلى باب الدار } رواه ابن ماجه وغيره بإسناد ضعيف . وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال " إن من السنة إذا دعوت أحدا إلى منزلك أن تخرج معه حتى يخرج " ذكره ابن عبد البر .
وروى أبو بكر بن أبي الدنيا قال : قال أبو عبيد القاسم بن سلام زرت أحمد بن حنبل فلما دخلت عليه بيته قام فاعتنقني وأجلسني في صدر مجلسه فقلت يا أبا عبد الله أليس يقال صاحب البيت والمجلس أحق بصدر بيته أو مجلسه قال نعم يقعد , ويقعد من يريد قال قلت في نفسي خذ يا أبا عبيد إليك فائدة . ثم قلت يا أبا عبد الله لو كنت آتيك على حق ما تستحق لأتيتك كل يوم , فقال لا تقل ذلك فإن لي إخوانا ما ألقاهم في كل سنة إلا مرة أنا أوثق في مودتهم ممن ألقى كل يوم قلت هذه أخرى يا أبا عبيد فلما أردت القيام قام معي قلت : لا تفعل يا أبا عبد الله قال : فقال قال الشعبي من تمام زيارة الزائر أن تمشي معه إلى باب الدار وتأخذ بركابه قال قلت يا أبا عبد الله من عن الشعبي ؟ قال ابن زائدة عن مجالد عن الشعبي قال قلت يا أبا عبيد هذه ثالثة .
وروي عن ابن عباس مرفوعا { أن من أخذ بركاب رجل لا يرجوه ولا يخافه غفر له } ومسك ابن عباس بركاب زيد بن ثابت رضي الله عنهما فقال أتمسك لي وأنت ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال إنا هكذا نصنع بالعلماء قال ابن الجوزي وينبغي أن يتواضع في مجلسه إذا حضر , وأن لا يتصدر , وإن عين له صاحب الدار مكانا لم يتعده .
وذكر ابن عبد البر في بهجة المجالس عن أبي قلابة أنه طرح لحليس له وسادة فردها فقال أما سمعت الحديث { لا تردن على أخيك كرامته . }
المواضيع المتشابهه
-
تاثير المياة المعدنية على الاطفال رائع
By keeper207 in forum استراحة اعضاء المتداول العربيمشاركات: 1آخر مشاركة: 05-03-2010, 01:52 PM -
حافظو على تنظيف برادات المياة دوريا والا ........!؟
By jamal_2022 in forum استراحة اعضاء المتداول العربيمشاركات: 10آخر مشاركة: 16-02-2010, 01:45 AM -
أجمل ما قرأت ..... والله المستعان
By amr alaa in forum استراحة اعضاء المتداول العربيمشاركات: 4آخر مشاركة: 08-06-2009, 09:00 PM -
من أروع ما قرأت×××
By ليالينا in forum استراحة اعضاء المتداول العربيمشاركات: 5آخر مشاركة: 09-01-2007, 11:27 AM -
تربية الأولاد على الآداب الشرعية
By يورو2006 in forum استراحة اعضاء المتداول العربيمشاركات: 1آخر مشاركة: 13-09-2006, 08:22 PM