صفحة 17 من 18 الأولىالأولى ... 71112131415161718 الأخيرةالأخيرة
النتائج 241 إلى 255 من 269
  1. #241
    الصورة الرمزية أبو عبد الله
    أبو عبد الله غير متواجد حالياً عضو المتداول العربي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2005
    المشاركات
    32,422

    افتراضي رد: قرأت لك : الآداب الشرعية



    مسألة: الجزء الثالث


    قال ابن عبد البر رحمه الله أجمعوا على القول بأن الله تعالى تفرد بالكمال ولم يبرأ أحد من النقصان وسبق في الأمر بالمعروف فيمن يجب هجره هل يجوز الهجر بخبر واحد ؟ وقول معاذ رضي الله عنه إذا كان لك أخ في الله تعالى فلا تماره : ولا تسمع فيه من أحد فربما قال لك ما ليس فيه فحال بينك وبينه وذكر ابن عبد البر في مكان آخر أنه قال ولا تسأل عنه أحدا فلربما أخبرك بما ليس فيه فحال بينك وبينه قال بعضهم :

    أردت لكيما أن ترى لي زلة
    ومن ذا الذي يعطى الكمال فيكمل

    قال جعفر بن محمد لقد عظمت منزلة الصديق عند أهل النار ألم تسمع إلى قوله تعالى حاكيا عنهم : { فما لنا من شافعين ولا صديق حميم } . وقال علي رضي الله عنه لا يكون الصديق صديقا حتى يحفظ الصديق في غيبته وبعد وفاته وكان أبو العباس السفاح إذا تعادى اثنان من أهل بطانته لا يسمع من أحدهما في صاحبه شيئا وإن كان عدلا ويقول العداوة تزيل العدالة .

    وقال علي رضي الله عنه ابذل لصديقك كل المروءة ولا تبذل له كل الطمأنينة وأعطه من نفسك كل المواساة ولا تفض إليه بكل الأسرار .

    وقال بعضهم من علامة الصديق أن يكون لصديق صديقه صديقا ولعدو صديقه عدوا , أنشد بعضهم :

    عدو صديقي داخل في عداوتي
    وإني لمن ود الصديق ودود
    فلا تقترب مني وأنت عدو من
    أصادقه فالخير منك بعيد

    وأنشد المبرد هذين البيتين على ما رواه بعضهم :

    صديق عدوي داخل في عداوتي
    وإني على ود الصديق صديق
    أعادي الذي عادى وأهوى له الهوى
    كأني منه في هواه شقيق


    قال بعض علماء أهل المدينة من ثقل على صديقه خف على عدوه ومن أسرع إلى الناس بما يكرهون : قالوا فيه ما لا يعلمون . جمع كسرى يوما مرازبته وعيون أصحابه فقال لهم من أي شيء أنتم أشد حذرا ؟ قالوا من العدو الفاجر والصديق الغادر .

    وقال موسى بن جعفر اتق العدو وكن من الصديق على حذر فإن القلوب إنما سميت قلوبا لتقلبها قال منصور الفقيه :

    احذر مودة ماذق
    مزج المرارة بالحلاوه
    يحصي الذنوب عليك
    أيام الصداقة للعداوه


    وقال صالح :

    إذا وترت امرأ فاحذر عداوته
    من يزرع الشوك لا يحصد به عنبا
    إن العدو وإن أبدى مسالمة
    إذا رأى منك يوما فرصة وثبا

    وقال ابن الرومي :

    عدوك من صديقك مستفاد
    وأقلل ما استطعت من الصحاب
    فإن الداء أكثر ما تراه
    يكون من الطعام أو الشراب

    وقال آخر :

    إذا ما المرء كان له صديق
    فبر صديقه فرض عليه
    وإن عنه الصديق أقام يوما
    فوجه البر أن يسعى إليه
    وإن كان الصديق قليل مال
    يضيق بذرعه ما في يديه
    فمن أسنى فعال المرء أن لا
    يضن على الصديق بما لديه



  2. #242
    الصورة الرمزية أبو عبد الله
    أبو عبد الله غير متواجد حالياً عضو المتداول العربي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2005
    المشاركات
    32,422

    افتراضي رد: قرأت لك : الآداب الشرعية



    مسألة: الجزء الثالث


    وقالت عائشة رضي الله عنها { لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشيا } ترجم عليه البخاري هل يزور صاحبه كل يوم أو بكرة وعشيا ؟ وفي الصحيحين قول عائشة لعبيد بن عمير ما يمنعك من زيارتنا قال ما قال الأول : زر غبا تزدد حبا . وروي بإسناد ضعيف مرفوعا { زر غبا تزدد حبا } أخذه الشاعر فقال :

    إذا شئت أن تقلى فزر متواترا
    وإن شئت أن تزداد حبا فزر غبا

    ولعلي بن أبي طالب الكاتب :

    إني رأيتك لي محبا
    ولي حين أغيب صبا
    فهجرت لا لملالة
    حدثت ولا استحدثت ذنبا
    إلا لقول نبينا
    زوروا على الأيام غبا
    ولقوله من زار غبا
    منكم يزداد حبا

    وقال سفيان بن عيينة

    فضع الزيارة حيث لا يزري بنا
    كرم المزور ولا يعاب الزائر


    وقال ابن عبد البر ولبعض أهل هذا العصر :

    أزور خليلي ما بدا لي هشه
    وقابلني منه البشاشة والبشر
    فإن لم يكن هش وبش تركته
    ولو كان في اللقيا الولاية والبشر
    وحق الذي ينتاب داري زائرا
    طعام وبر قد تقدمه بشر

    وقال بعضهم :

    إذا مرضتم أتيناكم نزوركم
    وتذنبون فنأتيكم ونعتذر

    وقال مصعب بن عبد الله الزبيري :

    ما لي مرضت فلم يعدني عائد
    منكم ويمرض كلبكم فأعود

    وأنشد المبرد :

    عليك بإقلال الزيارة إنها
    تكون إذا دامت إلى الهجر مسلكا
    فإني رأيت القطر يسأم دائما
    ويسأل بالأيدي إذا هو أمسكا

    وادعى أبو بشر البندنيجي أن البيتين له في شعر طويل .


  3. #243
    الصورة الرمزية أبو عبد الله
    أبو عبد الله غير متواجد حالياً عضو المتداول العربي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2005
    المشاركات
    32,422

    افتراضي رد: قرأت لك : الآداب الشرعية



    مسألة: الجزء الثالث



    وقال أبو تمام :

    وطول لقاء المرء في الحي مخلق
    لديباجتيه فاغترب تتجدد
    فإني رأيت الشمس زيدت محبة
    على الناس أن ليست عليهم بسرمد

    وقال ابن وكيع :

    إن كان قد بعد اللقاء فودنا
    باق ونحن على النوى أحباب
    كم قاطع للوصل يؤمن وده
    ومواصل بوداده من تاب

    وقال الطائي :

    ولئن جفوتك في العيادة إنني
    لبقاء جسمك في الدعاء لجاهد
    ولربما ترك العيادة مشفق
    وطوى على غل الضمير العائد

    وله أيضا :

    ذو الفضل لا يسلم من قدح
    وإن غدا أقوم من قدح


    وفي نوادر ابن الصيرفي الحنبلي أنشدوا :

    لا تضجرن عليلا في مساءلة
    إن العيادة يوما بين يومين
    بل سله عن حاله وادع الإله له
    واجلس بقدر فواق بين حلبين
    من زار غبا أخا دامت مودته
    وكان ذاك صلاحا للخليلين

    وفيها أيضا نقل عن إمامنا رضي الله عنه قال له ولده يا أبت إن جارنا فلانا مريض فما تعوده قال يا بني ما عادنا فنعوده .


  4. #244
    الصورة الرمزية أبو عبد الله
    أبو عبد الله غير متواجد حالياً عضو المتداول العربي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2005
    المشاركات
    32,422

    افتراضي رد: قرأت لك : الآداب الشرعية



    مسألة: الجزء الثالث


    وروى الخطابي عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال إذا كثر الأخلاء كثر الغرماء .

    وعن سفيان قال كثرة أصدقاء المرء من سخافة دينه قال الخطابي يريد أنه ما لم يداهنهم ولم يجابهم لم يكثروا ; لأن الكثرة إنما هي في أهل الريبة , إذا كان الرجل من أهل الدين لم يصحب إلا الأبرار والأتقياء وفيهم قلة وعن مالك أنه كان يشهد الجنائز , ويعود المرضى ويعطي الإخوان حقوقهم فترك واحدا واحدا واحدا حتى تركها كلها وكان يقول لا يتهيأ للمرء أن يخبر بكل عذر .

    وعن ابن وهب قال لا تعد إلا من يعودك ولا تشهد جنازة من لا يشهد جنازتك , ولا تؤد حق من لا يؤدي حقك فإن عدلت عن ذلك فأبشر بالجور قال الخطابي يراد به التأديب والتقويم دون المكافأة , والمجازاة وبعض هذا مما يراض به بعض الناس وقد روي فيما يشبه هذا المعنى حديث مرفوع , ثم روي بإسناده عن سهل بن سعد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا خير في صحبة من لا يرى لك مثل الذي ترى له } روى ذلك كله الخطابي في كتاب العزلة وغيره وفيه أيضا عن الشافعي قال رضى الناس غاية لا تدرك ليس إلى السلام من الناس سبيل فانظر ما فيه صلاح نفسك فالزمه ودع الناس وما هم فيه وعنه أيضا رحمه الله قال : أصل كل عداوة الصنيعة إلى الأنذال .

    روى الحاكم في تاريخه قال إذا أخطأت الصنيعة إلى من يتقي الله فاصطنعها إلى من يتقي العار وعن لقمان عليه السلام أنه قال لابنه يا بني لا تكن حلوا ولا تكن مرا فتلفظ ولأبي العتاهية من يكن للناس حلوا يثبت الناس عليه . وذكر ابن عبد البر في كتاب بهجة المجالس عن معاذ بن جبل رضي الله عنه
    قال : إياك وكل جليس لا يفيدك علما .

    وقال ابن مسعود ثلاث من كن فيه ملأ الله قلبه إيمانا صحبة الفقيه , وتلاوة القرآن , والصيام . وتباعد كعب الأحبار يوما في مجلس عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأنكر ذلك عليه , فقال يا أمير المؤمنين إن في حكمة لقمان ووصيته لابنه إذا جلست إلى ذي سلطان فليكن بينك وبينه مقعد رجل فلعله يأتيه من هو آثر عنده منك فينحيك فيكون نقصا عليك .

    وقال بعض الحكماء رجلان ظالمان يأخذان غير حقهما رجل وسع له في مجلس ضيق فتربع وانتفخ , ورجل أهديت له نصيحة فجعلها ذنبا وقال زياد يعجبني من الرجال من إذا أتى مجلسا يعرف أين يكون مجلسه وإني لآتي المجلس فأدع مالي مخافة أن أدفع عما ليس لي وكان الأحنف إذا أتاه رجل أوسع له فإن لم يكن له سعة أراه كأنه يوسع له .

    وقال عبد الرحمن بن أبي ليلى لا تجالس عدوك فإنه يحفظ عليك سقطاتك ويماريك في صوابك وقال بعضهم : إن الجليس يقول القول تحسبه خيرا , وهيهات ; فانظر ما به التمس . انتهى كلام ابن عبد البر .

    وقال الصاحب بن عباد :

    إذا أدناك سلطان فزده من
    التعظيم واحذره وراقب
    فما السلطان إلا البحر عظما
    وقرب البحر محذور العواقب

    وقيل إذا زادك الملك تأنيسا فزده إجلالا , وقد كان عمر يعظم ابن عباس ويحضره مع المهاجرين الأولين رضي الله عن الجميع وامتنع عن القول بعدم العول زمن عمر وقيل له في ذلك فقال كان رجلا مهيبا فهبته وقال بعض الحكماء من زال عن أبصار الملوك زال عن قلوبهم .



  5. #245
    الصورة الرمزية أبو عبد الله
    أبو عبد الله غير متواجد حالياً عضو المتداول العربي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2005
    المشاركات
    32,422

    افتراضي رد: قرأت لك : الآداب الشرعية



    مسألة: الجزء الثالث


    وقال الفضل بن الربيع من آداب صحبة الملوك أن لا يسأل الملك عن حاله ولا يشمت ولا يعلم ولا يسلم عليه , كذا قال والصواب اتباع السنة وهذا يختلف بحسب الزمان وعادة الملوك وقد قال يحيى بن معاذ أخوك من ذكرك العيوب وصديقك من حذرك الذنوب .

    وقال الصاحب بن عباد :

    لقد صدقوا وللراقصات إلى منى
    بأن مودات العدى ليس تنفع
    ولو أنني داريت دهري حية
    إذا استمكنت يوما من اللسع تلسع

    وقال ابن وكيع :

    لاق بالبشر من لقيت من الناس
    وعاشر بأحسن الإنصاف
    لا تخالف وإن أتوا بمحال
    تستفد ودهم بترك الخلاف

    وروى أحمد في الورع عن يونس بن عبيد قال ما أعلم شيئا أقل من درهم طيب ينفقه صاحبه في حقه أو أخ تسكن إليه في الإسلام وما يزدادان إلا قلة

    وقال ابن عبد البر في الخبر المرفوع { شيئان لا يزدادان إلا قلة : درهم حلال , أو أخ في الله تسكن إليه } وقال ابن عجلان ثلاثة لا أقل منهن ولا يزددن إلا قلة : درهم حلال تنفقه في حلال , وأخ في الله تسكن إليه وأمين تستريح إلى الثقة به .



  6. #246
    الصورة الرمزية أبو عبد الله
    أبو عبد الله غير متواجد حالياً عضو المتداول العربي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2005
    المشاركات
    32,422

    افتراضي رد: قرأت لك : الآداب الشرعية



    مسألة: الجزء الثالث



    وقد قال ابن عقيل في الفنون في أثناء كلام له أنا أقول الذي ينبغي أن يكون حد الصداقة اكتساب نفس إلى نفسك , وروح إلى روحك وهذا الحد يريحك عن طلب ما ليس في الوجود حصوله ; لأن نفسك الأصلية لا تعطيك محض النفع الذي لا يشوبه إضرار فالنفس المكتسبة لا تطلب منها هذا العيار وقد بينت العلة في تعذر الصفو الخالص وهي تغاير الأمزجة , وتغليب الأخلاط , واختلاف الأزمنة والأغذية فإن رطب وراق بالماء ورق بالهواء ثقل ورسب بالتراب , وإن شف وصفا بالروح كثف وكدر بالجسد , وإن استقام بالعقل ترنح بالهوى وإن خشع بالموعظة قسا بالغرور , وإن لطف بالفكر غلظ بالغفلة , وإن سخا بالرجاء بخل بالقنوط .

    فإذا كانت الخلال في الشخص الواحد بهذه المشاكلة من التنافر , كيف يطلب من الشخصين المتغايرين بالخلقة , والأخلاق الاتفاق , والائتلاف ؟ فإذا ثبتت هذه القاعدة أفادت شيئين : إقامة الأعذار وحسن التأويل الحافظ للمودات والدخول على بصيرة بأن ما يندر من الأخلاق المحمودة إذا غلب على أخلاق الشخص مع الشخص فهما الصديقان , فأما طلب الدوام والسلامة من الإخلال في ذلك والانخرام فهو الذي أوجب القول لمن قال إن الصديق اسم لمن لم يخرج إلى الوجود وإن تبع ذلك في الأسماء كلها وجب إفلاس المسميات .

    فأما تسمية الإنسان نفسه عبدا مع ارتكاب المخالفة فهي بعيدة عن الحقيقة إنما أنت عبد من طريق شواهد الصنعة التي تنطق بوحدته فيها بغير شريك له في إخراجه إلى الوجود , فأما من طريق إجابة عادة العبد المعبود فلا فمن لا يصفو له اسم عبد لرب أبدأه وأنشأه ولا يصفو لنفسه في اسم ناصح لها بطاعة عقله , وعصيان هواه يراد منه أن يصفو فيه اسم صديق فاقنع من الصداقة بما قنع الله سبحانه منك في العبودية , مع أنك ما صفوت في الاسم فأنت إلى أن تكون عبد هواك وشيطانك أقرب ; لأن موافقتها فيه أكثر إلى أن قال ولا اقتصر في ذاك على الآدمي بل كل موجود صدر عن الفاعل جلت عظمته لم يصف من شوب حتى الأغذية والأدوية ذات المضار والمنافع إلى أن قال وإذا كان الأمر كله كذا فطلب ما وراء الطباع طلب ما لا يستطاع , وذلك نوع من العنت , والتنطع ومن طلب العزيز الممتنع عذب نفسه وجهل عقله وضلل رأيه , وقبيح بالعقل أن يعتمد إضرار نفسه وإتعابها فيما لا يجدي نفعا بتعجيل التعب ضررا ومع كون النفس تطلب الكمال .



  7. #247
    الصورة الرمزية أبو عبد الله
    أبو عبد الله غير متواجد حالياً عضو المتداول العربي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2005
    المشاركات
    32,422

    افتراضي رد: قرأت لك : الآداب الشرعية



    مسألة: الجزء الثالث


    وروى الخلال في الأدب عن علي بن الحسين رحمه الله ورضي عن أبيه قال : ينبغي للمرء أن لا يصاحب خمسة : الماجن والكذاب , والأحمق والبخيل , والجبان فأما الماجن فعيب إن دخل عليك , وعيب إن خرج من عندك , لا يعين على معاد ويتمنى أنك مثله , وأما الكذاب فإنه ينقل حديث هؤلاء إلى هؤلاء , ويلقي الشحنة في الصدور وأما الأحمق فإنه لا يرشد لسوء يصرفه عنك , وربما أراد أن ينفعك فيضرك فبعده خير من قربه وموته خير من حياته , وأما البخيل فأحوج ما تكون إليه أبعد ما تكون منه , ففي أشد حالاته يهرب ويدعك . .

    ورواه القاضي المعافى بن زكريا وغيره بنحوه ومعناه .

    إلا أنهم لم يذكروا الماجن والجبان وذكروا الفاسق قال فإنه بائعك بأكلة أو أقل منها للطمع فيها , ثم لا ينالها وقاطع رحمه ; لأنه ملعون في كتاب الله في البقرة والرعد والذين كفروا .

    وقال الربيع سمعت الشافعي رحمه الله يقول ثلاثة إن أهنتهم أكرموك وإن أكرمتهم أهانوك المرأة والمملوك والنبطي وقال أيضا سمعت الشافعي رحمه الله يقول ما رفعت أحدا قط فوق قدره إلا غض مني بقدر ما رفعت منه وقال ابن الجوزي في كشف المشكل في الخبر الأول من مسند عمر من أفراد البخاري في قول ابن عمر ما سمعت عمر يقول الشيء قط أظنه كذا إلا كان كما يظن : وذكر الحديث قال صحة الظن من قوة الذكاء والفطنة فإن الفطن يرى من السمات والأمارات ما يستدل به على الخفي .

    وقد قال بعض العلماء ظن العاقل كهانة وقال آخر : إذا رأيت الرجل موليا علمت قيل فإن رأيت وجهه قال ذاك حين أقرأ ما في قلبه كالخط قال ابن الجوزي وقد كانوا يعتبرون أحوال الرجل بخلقه .

    قال الشافعي رحمه الله احذر الأعور والأحول والأعرج والأحدب والكوسج وكل من به عاهة في بدنه وكل ناقص الخلق فإنهم أصحاب خبث وقال مررت في طريقي بفناء دار رجل أزرق العين ناتئ الجبهة سناط فقلت هل من منزل قال نعم قال الشافعي وهذا النعت أخبث ما يكون في الفراسة فأنزلني وأكرمني فقلت أغسل كتب الفراسة إذا رأيت هذا فلما أصبحت قلت له إذا قدمت مكة فسل عن الشافعي فقال أمولى لأبيك كنت قلت لا قال أين ما تكلفت لك البارحة ؟ فوزنت له ما تكلف وقلت بقي شيء آخر ؟ قال كراء الدار ضيقت على نفسي , فوزنت له فقال امض أخزاك الله فما رأيت شرا منك .



  8. #248
    الصورة الرمزية أبو عبد الله
    أبو عبد الله غير متواجد حالياً عضو المتداول العربي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2005
    المشاركات
    32,422

    افتراضي رد: قرأت لك : الآداب الشرعية



    مسألة: الجزء الثالث


    وروى الحاكم في تاريخه عن المزني أنه قيل له فلان يبغضك فقال ليس في قربه أنس ولا في بعده وحشة وقال الأصمعي قال أبو عمرو بن العلاء يا عبد الملك كن من الكريم على حذر إذا أهنته ومن اللئيم إذا أكرمته ومن العاقل إذا أحرجته , ومن الأحمق إذا مازحته ومن الفاجر إذا عاشرته وليس من الأدب أن تجيب من لا يسألك أو تسأل من لا يجيبك أو تحدث من لا ينصت لك وقال الأصمعي سمعت أعرابيا يقول حمل المنن أثقل من الصبر على العدم وقال ابن نباتة :

    ما الذل إلا تحمل المنن فكن
    عزيزا إن شئت أو فهن

    وأنشد غلام هاشمي لنفطويه :

    كم صديق منحته صفو ودي
    فجفاني وملني وقلاني
    مل ما مل ثم عاود وصلي
    بعدما مل صحبة الإخوان

    وفي هذا المعنى أشعار كثيرة والبيت السائر في هذا المعنى .

    وقال آخر :

    عتبت على بشر فلما جفوته
    وصاحبت أقواما بكيت على بشر


    وقال آخر :

    عتبت على سعد فلما فقدته
    وجربت أقواما بكيت على سعد

    وقال آخر :

    ونعتب أحيانا عليه ولو مضى
    لكنا على الباقي من الناس أعتبا



  9. #249
    الصورة الرمزية أبو عبد الله
    أبو عبد الله غير متواجد حالياً عضو المتداول العربي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2005
    المشاركات
    32,422

    افتراضي رد: قرأت لك : الآداب الشرعية



    مسألة: الجزء الثالث


    وروى القاضي المعافى بن زكريا بإسناده ورواه أيضا غيره والإسناد ضعيف عن عبد الله قال { صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحبا فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم غيضته فقطع غصنين أحدهما أعوج , والآخر مستقيم فدفع إلى صاحبه المستقيم , وأمسك الأعوج فقال الرجل يا رسول الله أنت أحق بهذا فقال : كلا , ما من صاحب يصحب صاحبا وهو مسئول عنه يوم القيامة ولو ساعة من نهار } .

    ورووا أيضا عن سهل بن سعد مرفوعا { المرء كبير بأخيه ولا خير في صحبة من لا يرى لك مثل ما ترى له } وقال الشاعر :

    وإني لأستحيي أخي أن أرى له
    علي من الحق الذي لا يرى ليا

    قيل معناه أن لا يرى أن لي عليه حقا حسب ما أرى له من وجوب حقه على هذا يوافق معنى خبر سهل المذكور وقيل : المعنى إني أستحيي أخي أن أرى له عندي من فضل سابق منه ما لا يرى لي عنده من فضل فيكون قد أثبت عندي حقا لم أثبت لنفسي عنده من الحق مثله .

    قال القاضي المعافى وهذا أصح وخبر سهل جار على عكس هذا الطريق وإنما يصح حمله على هذا النحو لو كان قيل فيه ولا خير لمن صحبته في صحبتك إذا لم تر له من الحق مثل الذي يرى لك .

    وذكر ابن عبد البر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لا خير في صحبة من لا يرى لك كالذي يرى لنفسه } قال الشاعر :

    وإني لأستحيي أخي أن أبره
    قريبا وأن أجفوه وهو بعيد

    وقال أبو عبد الله الخراساني من استخف بالعلماء ذهبت آخرته ومن استخف بإخوانه قلت معونته ومن استخف بالسلطان ذهبت دنياه .

    ونظيره قول معاوية رضي الله عنه نحن الزمان من رفعناه ارتفع ومن وضعناه اتضع وقال الأصمعي لم يقل أحد في التفرح بالمفاوضة إلى الإخوان والتشكي إلى أهل الحفظ والأقدار وذوي الرعاية والأخطار مثل قول بشار :

    وأبثثت عمرا بعض ما في جوانحي
    وجرعته من مر ما أتجرع
    ولا بد من شكوى إلى ذي حفيظة
    إذا جعلت أسرار نفس تطلع

    وقال الحسن بن علي أبو محمد البربهاري من أصحابنا المتقدمين رحمه الله تعالى في كتابه شرح السنة : وإذا رأيت الرجل رديء الطريق والمذهب فاسقا فاجرا صاحب معاص ظالما وهو من أهل السنة فاصحبه واجلس معه فإنك لن تضرك معصيته وإذا رأيت عابدا مجتهدا متقشفا متحرفا بالعبادة صاحب هوى فلا تجلس معه ولا تسمع كلامه ولا تمش معه في طريق , فإني لا آمن أن تستحلي طريقته فتهلك معه .

    وقال أبو الفرج الشيرازي من أصحابنا رحمه الله في كتاب التبصرة له قال أحمد بن حنبل رضي الله عنه وإذا رأيت الشاب أول ما ينشأ مع أهل السنة والجماعة فأرجه وإذا رأيته مع أصحاب البدع فايئس منه فإن الشاب على أول نشوئه انتهى كلامه .

    وقال ابن الجوزي في كتابه السر المكتوم لما ذكر المعتزلة وغيرهم والفلاسفة قال الله الله من مصاحبة هؤلاء , ويجب منع الصبيان من مخالطتهم لئلا يثبت في قلوبهم من ذلك شيء واشغلوهم بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لتعجن بها طبائعهم انتهى كلامه .



  10. #250
    الصورة الرمزية أبو عبد الله
    أبو عبد الله غير متواجد حالياً عضو المتداول العربي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2005
    المشاركات
    32,422

    افتراضي رد: قرأت لك : الآداب الشرعية



    مسألة: الجزء الثالث


    وقال الإمام أحمد في رسالته إلى مسدد : ولا تشاور صاحب بدعة في دينك , ولا ترافقه في سفرك وكان القاضي أبو يعلى رحمه الله ينهى عن مخالطة أبناء الدنيا وعن النظر إليهم والاجتماع بهم , ويأمر بالاشتغال بالعلم ومخالطة الصالحين . قال ابن عبد البر في بهجة المجالس : أنشد أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب ويقال إنها له :

    إن صحبنا الملوك تاهوا وعقوا
    واستخفوا كبرا بحق الجليس
    أو صحبنا التجار صرنا إلى البؤس
    وعدنا إلى عداد الفلوس
    فلزمنا البيوت نستخرج العلم
    ونملأ به بطون الطروس
    وقال القاضي يروي عن شيخنا إبراهيم الحربي رحمه الله أنه استزاره المعتضد وقربه وأجازه فرد جائزته فقال له : اكتم مجلسنا ولا تخبر بما فعلنا وبما قابلتنا به فقال له الحربي لي إخوان لو علموا باجتماعي لهجروني .

    وفي هذا المعنى وما يتعلق بهذا الفضل أشياء كثيرة وتقدم ما يتعلق به في غير موضع وهذه إشارة فيها كفاية إن شاء الله تعالى .


    وقال ابن الجوزي في أثناء كلام له : العاقل من لم يثق بأحد ولم يسكن إلى مخلوق , ومع هذا فالمباينة للكل لا تصلح إذ لا بد منهم وإنما تبتغى المداراة لا المودة , والمسايرة بالأحوال لا المجاهرة , وكتمان الأمور من الخلق كلهم مهما أمكن الأقارب والأباعد , والنظر للنفس في مصالحها إلى أن قال عن الفقير لا ينفق إلا على الخالق سبحانه فأقبل عليه ترى أعجب العجب وإياك أن تثق بغيره أو تميل إلى سواه فتلقى العطب وهو وعزته الذي يجده المضطر في الشدائد والمحزون عند الهموم , والمكروب عند الغموم احذر من مخالفته فإن عقوبتها داء دفين لا يؤمن تحركه .

    وقال أيضا : متى رأيت الشخص معتدل الخلقة حسن الصورة فهو إلى الصلاح أقرب ومتى رأيت ذا عيب فاحذره مثل الكوسج , والأعور , والأعمى فقل أن ترى بأحد آفة في بدنه إلا وفي بطنه مثلها , وإذا رأيت عيبا في شخص فلا تلحن عليه بالتأديب , فالطبع عليه أغلب وداره فحسب .

    واعلم أن التأديب مثله كمثل البذر , والمؤدب كالأرض متى كانت الأرض رديئة ضاع البذر فيها ومتى كانت صالحة نشأ ونما فتأمل بفراستك من تخاطبه وتؤدبه وتعاشره , ومل إليه بقدر صلاح ما ترى من بدنه وآدابه [ ص: 581 ] فانظر إلى الصناع ولا تنظر إلى حائك أو معلم أو صاحب صناعة خسيسة فإنك وإن رأيت منه خلة جميلة فالكدر أثبت والتجربة قبل الثقة , والحذر بعد المعاملة وقل من يصفو فإن صفا فقل أن يثبت خذ من الناس جانبا .

    وقال أيضا : ينبغي لمن صحب سلطانا أو محتشما أن يكون ظاهره معه وباطنه سواء فإنه قد يدس إليه من يختبره فربما افتضح في الابتلاء وأكثر الكلام في هذا المعنى .

    وقال أيضا كان لي أصدقاء وإخوان فرأيت منهم الجفاء فأخذت أعتب فقلت , وما ينفع العتاب ؟ فإنهم إن صلحوا فللعتاب لا للصفاء فهممت بمقاطعتهم فقلت لا تصلح مقاطعتهم ينبغي أن تنقلهم إلى ديوان الصداقة الظاهرة فإن لم يصلحوا لها فإلى جملة المعارف ومن الغلط أن تعاتبهم .
    الصداقة وفي العيش وغير ذلك مما قد ظهر إلى الوجود ناقصا فلا بد أن يكون في طي القدرة والعلم الإلهي ذلك ويستخرجه إلى الوجود وقت الإعادة وإرادة الحياة الدائمة ومنحه النعيم الباقي .

    ثم ذكر صفة الجنة والنار إلى أن قال : يقطع الكلام في هذا المقام أن يقال إن وجدت من نفسك خلال الصداقة وشروطها مع النقد والاختبار من الهوى لم تجد لنفسك ثانيا فقل ما شئت من اللوم , والعذل والتوبيخ ونح على أبناء الزمان بالوحدة في هذا المقام , فأما إذا لم تجد ذاك في نفسك لعجز البنية عنه فاقطع القول في ذلك فلا مؤاخذة على ما لا يدخل تحت القدرة , وقال أيضا صداقة العقلاء قرابة الأبد , ومحبة الدخلاء فرح ساعة .



  11. #251
    الصورة الرمزية أبو عبد الله
    أبو عبد الله غير متواجد حالياً عضو المتداول العربي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2005
    المشاركات
    32,422

    افتراضي رد: قرأت لك : الآداب الشرعية



    مسألة: الجزء الثالث

    وقال يحيى بن معاذ : بئس الأخ أخ تحتاج أن تقول له اذكرني في دعائك , وجمهور الناس اليوم معارف ويندر منهم صديق في الظاهر , وأما الأخوة والمصافاة فذلك شيء نسخ فلا تطمع فيه وما أرى الإنسان يصفو له أخوه من النسب ولا ولده ولا زوجته فدع الطمع في الصفاء وخذ عن الكل جانبا وعاملهم معاملة الغرباء وإياك أن تخدع بمن يظهر لك الود , فإنه مع الزمان يبين لك الخلل فيما أظهره وقد قال الفضيل : إذا أردت أن تصادق صديقا فأغضبه فإن رأيته كما ينبغي فصادقه وهذا اليوم مخاطرة ; لأنك إذا أغضبت أحدا صار عدوا في الحال , والسبب في نسخ حكم الصفاء أن السلف كانت همتهم الآخرة وحدها فصفت نياتهم في الأخوة والمخالطة فكانت دينا لا دنيا , والآن فقد استولى حب الدنيا على القلوب فإن رأيت متعلقا في باب الدين فأخبر تقله

    وقال أيضا رأيت نفسي تأنس بخلطاء تسميهم أصدقاء فبحثت التجارب فإذا أكثرهم حساد على النعم , وأعداء لا يسترون زلة , ولا يعرفون لجليس حقا ولا يواسون من مالهم صديقا فتأملت الأمر فإذا أكثرهم حساد على النعم , فإذا الحق سبحانه يغار على قلب المؤمن أن يجعل به شيئا يأنس به فهو يكدر الدنيا وأهلها ليكون أنسه به , فينبغي أن تعد الخلق كلهم معارف ولا تظهر سرك لمخلوق منهم ولا تعدن فيهم من لا يصلح لشدة بل عاملهم بالظاهر ولا تخالطهم إلا حالة الضرورة وبالتوقي لحظة , ثم انفر عنهم وأقبل على شأنك متوكلا على خالقك , فإنه لا يجلب الخير سواه ولا يصرف السوء إلا إياه في كلام كثير .

    وعن المقدام مرفوعا { إذا أحب الرجل أخاه فليعلمه } رواه أحمد وقال لأحمد جعفر الوكيعي : إني لأحبك , ثم روى هذا الحديث بإسناده ورواه أبو داود والترمذي وصححه .

    وروى الترمذي عن هناد وقتادة عن حاتم بن إسماعيل عن عمران بن مسلم القصير عن هناد بن سليمان عن يزيد ابن نعامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إذا آخى الرجل الرجل فليسأله عن اسمه واسم أبيه وممن هو ؟ فإنه واصل للمودة . } يزيد لا صحبة له عندهم خلافا للبخاري وسعيد تفرد عنه عمران ووثقه ابن حبان قال الترمذي غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه .




  12. #252
    الصورة الرمزية أبو عبد الله
    أبو عبد الله غير متواجد حالياً عضو المتداول العربي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2005
    المشاركات
    32,422

    افتراضي رد: قرأت لك : الآداب الشرعية



    مسألة: الجزء الثالث

    وقال في الفنون أيضا من كمال الآداب تلمح النفس وإزالة كل ما يكره منها ويؤذي عند المخالطة وإن أمكن ذاك , وإلا فإراحة الناس بالانفراد والاعتزال فالثقيل المخالط سقم في الأبدان ومؤنة على القلوب , وتضييق للأنفاس , وحصر للحواس والألم يعري الأرواح تفضلا عن الأشباح , والقذر نقضه المجالس , والمستعلم عما يستره الناس مكشف لأستار التجمل , والأرعن مرتعد الطباع المغلوبة بالحكمة , والأحمق مفسد للقوانين ومحوج إلى سوء أخلاق المعلمين , ومزر على أهل الدنيا والدين , والمهازل مسقط لوقار المجالس مذهب لحشمة المنازل وما حط شرفا مثل هزل . وقطع الروائح الكريهة , والبعد عن مجالس الأنس فكم من أنيس بين جلساء أوحشه مداخلة ثقيل يجهل ثقل نفسه على الناس , وتقليل الكلام من حسن الإصغاء والإنصات , والبعد عن العاملين ذوي النشاط إذا اعتراك التثاؤب والنعاس فذلك يكسل العمال ويفتر الصناع , وانتقاد الألفاظ قبل إخراجها إلى الأسماع فكم من نم أراق دماءكم من حرف جر حنقا وإياك والكلام فيما ليس من مجارك فذاك يحط قدرك , ويكشف عن محلك وأنت مع سكوتك مخبوء تحت لسانك تترامى ظنون

    وقال من الغلط العظيم أن يتكلم في حاكم معزول بما لا يصلح فإنه لا يؤمن أن يلي فينتقم , وفي الجملة لا ينبغي أن يظهر العداوة لأحد أصلا وينبغي أن يحسن إلى كل أحد خصوصا من يجوز أن تكون له ولاية وأن يخدم المعزول فربما نفع في ولايته إلى أن قال فالعاقل من تأمل العواقب وراعاها وصور كل ما لا يجوز أن يقع فعمل بمقتضى الحزم , وأبلغ من هذا تصور وجود الموت عاجلا ; لأنه يجوز أن يأتي بغتة من غير مرض فالحازم من استعد له وعمل عملا لا يندم إذا جاء انتهى كلامه .

    وقال أيضا من جرت بينك وبينه مخاشنة فإياك أن تطمع في مصافاته وأن تأمله فإنه لا يزال يرى ما فعلت والحقد كامن , وقال أما العوام فالبعد عنهم متعين ; لأنهم ليسوا من الجنس فإذا اضطررت إلى مجالستهم فلحظة يسيرة بالهيبة والحذر , فربما قلت كلمة فشنعوها ولا تلق الجاهل بالعلم ولا اللاهي بالفقه , ولا الغبي بالبيان بل مل إلى مسالمتهم بلطف [مع هيبة وأما الأعداء فلا ينبغي أن تحتقرهم , فإن لهم حيلا باطنة والواجب مداراتهم ومصالحتهم في الظاهر ومن جنسهم الحساد فلا ينبغي أن يطلعوا على النعم فإن العين حق ومداراتهم لازمة وقال أبو بكر الأرجاني :

    ولما بلوت الناس أطلب منهم
    أخا ثقة عند اعتراض الشدائد
    تطمعت في حالي رخاء وشدة
    وناديت في الأحياء هل من مساعد
    فلم أر فيما ساءني غير شامت
    ولم أر فيما سرني غير حاسد

    وقال آخر :

    من كان يأمل أن يسود عشيرة
    فعليه بالتقوى ولين الجانب
    ويغض طرفا عن مساوي من أسى
    منهم ويحلم عند جهل الصاحب



  13. #253
    الصورة الرمزية أبو عبد الله
    أبو عبد الله غير متواجد حالياً عضو المتداول العربي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2005
    المشاركات
    32,422

    افتراضي رد: قرأت لك : الآداب الشرعية



    مسألة: الجزء الثالث

    وقال ابن عقيل في الفنون : إن حدثتك نفسك بوفاء أصحاب الزمان فقد كذبتك الحديث ما صدقتك الخبر هذا سيد البشر مات وحقوقه على الخلق أجمعين لحكم البلاغ , والشفاعة في الأخرى .

    وقد قال تعالى : { قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى } وقد شبع به الجائع , وعز به الذليل فقطعوا رحمه وضل أولاده بين أسير , وقتيل , وأصحابه قتلى : عمر في المسجد وعثمان في داره هذا مع إسداء الفضائل وإقامة العدل والزهد , اطلب لخلفك ما كان لسلفك وقال لا ينبغي لعاقل أن يعرف بعادة فيدهى منها مثل أن يصعب عليه أمر فيقصد به ويؤذى , أو يعرف أنه يحب أمرا فيؤاخذ به وحكي أن رجلا كان معروفا بأخذ الفأل فاشترك جماعة على حيلة يأخذون بها مالا فقصده واحد منهم على دفعه بضاعة أو قرضا وجلس الشركاء في الحيلة على بعد فنادى أحدهم صاحبه استخر الله فهذه جهة مباركة وقال الآخر نعم ما هو إلا صواب فلما سمع ذلك قويت عزيمته على دفعه وكان آخر يأكل ما يجده من الفتات , فجعل له في فتاته سم فأكله فمات , فاحذر من اغتفال الأعداء .

    وقال أيضا إن أبناء الزمان لا بقاء لهم على حال بينما نرى أحدهم على المحبة والشغف , حتى ترى أحدهم على ضد ذلك من الملل والضجر , فالعاتب لهم ظالم , كما أن الواثق بهم خائب ; لأنهم إذا حقق النظر في أحوالهم يراهم في أسر المقادير مسلطات الأقضية والتصريف , ثم الدهر موصوف بالاستحالة فكيف أبناؤه فإذا أوقع الله سبحانه الوحشة بينك وبين الخلق فإنما يصرفك إليه ويندبك إلى التعلق به , فاحمد إساءتهم إليك فإنهم لو أحسنوا معك الصنيع لقطعوك عنه ; لأنك ابن لقمة وابن كلمة طيبة أدنى شيء يقتطعك إليهم .

    وقال أيضا : لا تطلب من متجدد الرياسة أخلاقه معك حال العطلة فيرفضك ويؤذيك فتكون كالمعلم يتخلق مع من كان يعلمه بعد كبره كتخلقه معه حال كونه في الكتب , وذاك بمثابة من يطلب من السكران أخلاق الصحابي فإن للرياسة سكرا ولولا ذاك ما قال الله عز وجل : { فقولا له قولا لينا } .

    وبينه في قوله تعالى : { هل لك إلى أن تزكى } .

    فأخرجه مخرج السؤال لا الأمر لموضع تجبره وكذلك من كان له أو لسلفه ولاية ومنصب ودولة وقد أفضى به الدهر إلى العطلة لا يقتضي أو لا ينبغي معاملته بماضي الرياسة وقال في قصيدة كبيرة :

    أخوك الذي إن تدعه لعظيمة
    يجبك وإن تغضب إلى السبق يغضب


    الناس فيك بين من يعتقدك بذلك عالما فإذا ظهر مقدارك من لفظك تعجل سقوط قدرك .

    لا تواكلن جائعا إلا بالإيثار , ولا تواكلن غنيا إلا بالأدب , ولا تواكلن ضيفا إلا بالنهمة والانبساط ولا تلقين أحدا بما يكره وإن كنت ناصحا فإن ذلك ينفره عن القبول لنصحك ولا تدعه من الأسماء إلا بأحبها إليه , وتغافل عن هفوات الناس فذلك داعية لدوام العشرة , وسلامة الود , وخفف مؤنتك بترك الشكوى , وإذا كرهت من غيرك خلقا فلا تأته , وإذا حمدته فتخلق به , ولا تستصغر كبير الذنب فتعرى , ولا تستكبر صغيرها فتيأس , وأعط كل ذنب حقه من عقوبته إن قدرت , ومن اللائمة والهجران إن عن العقوبة عجزت ولا تقتض الناس بجراء إحسانك اقتضاء البائع بثمن سلعته , ولا تمنن عليهم فالمن استيفاء لمعروفك أو تكدير لبرك فإن قدرت على هذه الخلائق في معاشرتك وإلا فالعزلة خير لك وخير للناس , فإنك بستر نفسك تستريح من احتقاب الآثام بإسقاط جرم الأنام , والسلام .

    وروى ابن عقيل في الفنون بإسناده عن هشام بن سليمان المخزومي عن أبيه قال أذن معاوية للناس إذنا عاما فلما احتفل المجلس قال أنشدوني ثلاثة أبيات لرجل من العرب كل بيت منها مستقل بمعناه , فسكتوا فلما سكتوا علم أنهم قد أعيوا إذ طلع عبد الله بن الزبير فقيل : مقول العرب وعلامتها , فقال أبا خبيب فقال مهيم قال أنشدني ثلاثة أبيات لرجل من العرب كل بيت قائم بمعناه قال بستمائة ألف قال وتساوي قال فأنت بالخيار وأنت واف كاف فأنشده للأفوه الأودي :

    بلوت الناس قرنا بعد قرن
    فلم أر غير ختال وقال

    قال : صدقت هيه قل البيت الثاني , فقال :
    وذقت مرارة الأشياء طرا
    فما طعم أمر من السؤال
    قال : صدقت قل البيت الثالث فقال :

    ولم أر في الخطوب أشد وقعا
    وأصعب من معاداة الرجال



  14. #254
    الصورة الرمزية أبو عبد الله
    أبو عبد الله غير متواجد حالياً عضو المتداول العربي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2005
    المشاركات
    32,422

    افتراضي رد: قرأت لك : الآداب الشرعية



    مسألة: الجزء الثالث

    فصل ( في وصايا نافعة , وحكم رائعة , من الأخبار والآثار والأشعار ) .

    عن أبي هريرة مرفوعا { لا تكثروا الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب } . وعن سعد { ابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا } رواهما ابن ماجه وروى الترمذي خبر أبي هريرة وقالت عائشة { ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعا ضاحكا حتى أرى منه لهواته إنما كان يبتسم } وعنها أيضا مرفوعا { لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا } متفق عليهما .

    نظم الشيخ شمس الدين بن عبد القوي من أصحابنا المتأخرين رحمه الله بعض ما تقدم ذكره نثرا وذكر أيضا أشياء حسنة ينبغي الاعتناء بها فقال :

    فكابد إلى أن تبلغ النفس عذرها
    وكن في اقتباس العلم طلاع أنجد
    ولا يذهبن العمر منك سبهللا
    ولا تغبنن في النعمتين بل اجهد

    قال عمر رضي الله عنه إني أكره الرجل أن أراه يمشي سبهللا أي : لا في أمر الدنيا , ولا في أمر آخرة . وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ } ورأيت أنا الإمام أحمد رحمه الله روى في الزهد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : إني لأبغض الرجل فارغا لا في عمل دنيا ولا في عمل الآخرة قال ابن عبد القوي : رحمه الله

    فمن هجر اللذات نال المنى
    ومن أكب على اللذات عض على اليد
    وفي قمع أهواء النفوس اعتزازها
    وفي نيلها ما تشتهي ذل سرمد
    ولا تشتغل إلا بما يكسب العلا
    ولا ترض النفس النفيسة بالردي
    وفي خلوة الإنسان بالعلم أنسه
    ويسلم دين المرء عند التوحد
    ويسلم من قيل وقال ومن أذى
    جليس ومن واش بغيض وحسد
    فكن حلس بيت فهو ستر لعورة
    وحرز الفتى عن كل غاو ومفسد
    وخير جليس المرء كتب تفيده
    علوما وآدابا وعقلا مؤيد
    وخالط إذا خالطت كل موفق
    من العلماء أهل التقى والتسدد
    يفيدك من علم وينهاك عن هوى
    فصاحبه تهد من هداه وترشد
    وإياك والهماز إن قمت عنه وال
    بذي فإن المرء بالمرء يقتدي
    ولا تصحب الحمقى فذو الجهل إن يرم
    صلاحا لشيء يا أخا الحزم يفسد
    وخير مقام قمت فيه وخصلة
    تحليتها ذكر الإله بمسجد
    وكف عن العورا لسانك وليكن
    دواما بذكر الله يا صاحبي ندي
    وحصن عن الفحشا الجوارح كلها
    تكن لك في يوم الجزا خير شاهد
    وواظب على درس القران فإنه
    يلين قلبا قاسيا مثل جلمد
    وحافظ على فعل الفروض لوقتها
    وخذ بنصيب في الدجى من تهجد
    وناد إذا ما قمت في الليل سامعا
    قريبا مجيبا بالفواصل يبتدي
    ومد إليه كف فقرك ضارعا
    بقلب منيب وادع تعط وتسعد
    ولا تسأمن العلم واسهر لنيله
    بلا ضجر تحمد سرى السير في غد
    وكن صابرا للفقر وادرع الرضى
    بما قدر الرحمن واشكره واحمد
    فما العز إلا في القناعة والرضى
    بأدنى كفاف حاصل والتزهد
    فمن لم يقنعه الكفاف فما إلى
    رضاه سبيل فاقتنع وتقصد



  15. #255
    الصورة الرمزية أبو عبد الله
    أبو عبد الله غير متواجد حالياً عضو المتداول العربي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2005
    المشاركات
    32,422

    افتراضي رد: قرأت لك : الآداب الشرعية



    مسألة: الجزء الثالث

    روي هذا من كلام إدريس النبي عليه السلام

    فمن يتغن يغنه الله والغنى
    غنى النفس لا عن كثرة المتعدد
    ولا تطلبن العلم للمال والريا
    فإن ملاك الأمر في حسن مقصد
    وكن عاملا بالعلم فيما استطعته
    ليهدى بك المرء الذي كان يقتدي
    حريصا على نفع الورى وهداهم
    تنل كل خير في نعيم مؤبد
    وإياك والإعجاب والكبر تحظ بالس
    عادة في الدارين فارشد وأرشد
    وها قد بذلت النصح جهدي وإنني
    مقر بتقصيري وبالله أهتدي


    انتهى كلامه .

    وقد نظم قبله الشيخ جمال الدين يحيى بن يوسف الصرصري الحنبلي رحمه الله كثيرا في معنى ما تقدم وغيره فمن ذلك

    نح وابك فالمعروف أقفر رسمه
    والمنكر استعلى وأثر وسمه
    لم يبق إلا بدعة فتانة
    يهوي مضل مستطير سمه
    وطعام سوء من مكاسب مرة
    يعمي الفؤاد بدائه ويصمه
    ففشا الرياء وغيبة ونميمة
    وقساوة منه وأثمر إثمه
    لم يبق زرع أو مبيع أو شرى
    إلا أزيل عن الشريعة حكمه
    فلكيف يفلح عابد وعظامه
    نشأت على السحت الحرام ولحمه
    هذا الذي وعد النبي المصطفى
    بظهوره وعدا توثق حتمه
    هذا لعمر إلهك الزمن الذي
    تبدو جهالته ويرفع علمه
    هذا الزمان الآخر الكدر الذي
    تزداد شرته وينقص حلمه
    وهت الأمانة فيه وانفصمت عرى الت
    قوى به والبر أدبر نجمه
    كثر الربا وفشا الزنا ونما الخنا
    ورمى الهوى فيه فأقصد سهمه
    ذهب النصيح لربه ونبيه
    وإمامه نصحا تحقق عزمه
    لم يبق إلا عالم هو مرتش
    أو حاكم تخشى الرعية ظلمه
    والصالحون على الذهاب تتابعوا
    فكأنهم عقد تناثر نظمه
    لم يبق إلا راغب هو مظهر
    للزهد والدنيا الدنية همه
    لولا بقايا سنة ورجالها
    لم يبق نهج واضح نأتمه
    يا مقبلا في جمع دنيا أدبرت
    كبناء استولى عليه هدمه
    هذي أمارات القيامة قد بدت
    لمبصر سبر العواقب فهمه
    ظهرت طغاة الترك واجتاحوا الورى
    وأبادهم هرج شديد حطمه
    والشمس آن طلوعها من غربها
    وخروج دجال فظيع غشمه
    وأنى ليأجوج الخروج عقيبه
    من خلف سد سوف يفتح ردمه
    فاعمل ليوم لا مرد لوقعه
    يقصي الوليد به أبوه وأمه





صفحة 17 من 18 الأولىالأولى ... 71112131415161718 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. تاثير المياة المعدنية على الاطفال رائع
    By keeper207 in forum استراحة اعضاء المتداول العربي
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 05-03-2010, 01:52 PM
  2. حافظو على تنظيف برادات المياة دوريا والا ........!؟
    By jamal_2022 in forum استراحة اعضاء المتداول العربي
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 16-02-2010, 01:45 AM
  3. أجمل ما قرأت ..... والله المستعان
    By amr alaa in forum استراحة اعضاء المتداول العربي
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 08-06-2009, 09:00 PM
  4. من أروع ما قرأت×××
    By ليالينا in forum استراحة اعضاء المتداول العربي
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 09-01-2007, 11:27 AM
  5. تربية الأولاد على الآداب الشرعية
    By يورو2006 in forum استراحة اعضاء المتداول العربي
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 13-09-2006, 08:22 PM

الاوسمة لهذا الموضوع


1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17