النتائج 16 إلى 30 من 102
الموضوع: { مقالات الأستاذ أيمن بارود }
- 30-12-2007, 05:22 PM #16
رد: { مقالات الأستاذ أيمن بارود }
أهلا بك أخي الحمد لله بألف خير يعلم الله مقدار فرحتي على كلامك الطيب وأتمنا أن تتوفق في مسيرتك في الفوركس وعلم أن المتابرة سر النجاح كلنا تعلمنا من أساتدة ومازلنا نتعلم و دورنا أن نعلم ماتعلمنا وهاكدا
تحياتي لك أخي الغالي
فعلا استادنا خالد ومن لا يحب أيمن بارود حتي بدون معرفته فمقالاته كفيلة بجعلك تقدر هادا القلم المبدع و المضارب المتمرس
- 30-12-2007, 05:24 PM #17
رد: { مقالات الأستاذ أيمن بارود }
أدب الرفق بالأعصاب أو فن تحقيق الربح
ألأعصاب ! وما أدراك ما الأعصاب !
إن نحن بحثنا في المكونات البشرية البيولوجية والشعورية ، وسعينا الى كشف المستور من أبواب التمييز، وفصل المرئي من عناصر التمازج بينهما ، فلقد يتبين لنا أن الأعصاب من أقرب الكثيف الى اللطيف ، في ما يكوّن هذا المخلوق البديع الذي نسميه إنسانا . بل هي أقربها على الإطلاق .
والمتعامل في أسواق المال ، هو أشدّ الممتهنين لأية تجارة أخرى حاجة لإدراك هذه الحقيقة ، والغوص في أعماقها ، والعمل على تدريب طباعه ، لتكون أكثر تناغما مع حقائقها ، واستفادة من مسلّماتها .
ما من شكّ على الإطلاق ، في كون كل متعامل في هذا السوق يسعى من خلال تجارته الى تحقيق ربح ، وتسجيل نصر ، وإدراك فوز . ولا يختلف امرؤ مع امرئ على كون الربح مبعثا للّذة ، ومصدرا للفرح ، ومنبعا للسعادة ، يستلذه كل من حققه ، ويفرح به ، ويسعد لامتلاكه .
ومن لم يظفر بتحقيق مراده ، فما نصيبه الا النقيض :
ألم ومرارة وشعور بالإنخداع .
هنا بدأت لعبة الأعصاب ، وإن هي بدأت ، فلن يكون لنهايتها من مجال .
وإن بدأت لعبة الأعصاب ، فلن يكون من السهل بلوغ المراد ، ولن يكون من المستساغ تذوق لذة الإنتصار .
وكيف يمكن منع لعبة الأعصاب ، والحؤول دون انطلاقتها ؟ وهل لهذا من سبيل ؟
أنا ، علمتني الأيام انه ما من سبيل الى تحقيق أي ربح في هذا السوق ، إلا بعد إقفال كل الأبواب ، أو معظمها ، على لعبة الأعصاب المؤذية ، وكرّة الإنفعالات المدمرة .
أنا ، علمتني الأيام ألا أنخدع باللذة الخارجية ، معتقدا إنها قائمة في الأشياء المحيطة بي ، بما فيها الربح .
أنا ، علّمتني الأيام أن لا أنجذب إلى لذّة ممتطيا جواد جهلي ، متمثلا بحشرة تمّ وضع قطعة صغيرة من الزبدة فوق أنفها ، فتندفع في كل اتجاه ، باحثة عن مصدر هذه الرائحة ، مفترضة وجودها في كلّ مكان ، في كلّ مكان ، إلا حيث هي .
أنا ، علمتني الأيام أن ابحث عن اللذة في كلّ مكان إلا خارج ذاتي ، وبعيدا عن نفسي . اللذة في داخلي ، والسعادة في وجداني ، والفرح في قلبي .
أنا ، لم أستطع تحقيق ربح ، أو تسجيل نصر ، إلا بعد أن ادركت كلّ بارقة فكر في أنوار مفكرتي ، واقتنعت كلّ نبضة حياة في نسيج وجودي ، بأنه لا جدوى ، لا جدوى على الإطلاق من البحث عن الفرح ، واللذة ، والسعادة ، والنشوة ، والنصر ، والتميز ، في الربح الذي أسعى لتحقيقه .
أنا ، لم أستطع تحقيق ربح ، أو تسجيل نصر ، إلا بعد أن تمّت لي الحقيقة كاملة :
أن إفرح بالخسارة ، وأقبلها ، وهلّل لها ، ورحّب بها ، وأوسع لها مكانا في صدرك ، بالتمام ، كما أنت فاعل بالربح !
نعم أيها الأكارم .
أنا ، ما إن تمّت لي هذه الحقيقة ، حتى بدأت أحقق الربح ، وراء الربح ، دون أن أستشعر فيه لذة ، ودون أن انجذب إليه باشتهاء .
نعم أيّها الأكارم .
أنا ، ما إن تمت لي هذه الحقيقة ، حتى زالت لعبة الأعصاب عن مسرح عملي ، وسقطت من مفردات علمي ؛ فاذا بحلبة المصارعة مع السوق التي كنت أعيش عليها ، تتحول من تلقاء ذاتها الى فضاء فسيح تتناغم فيه الأصوات والألحان ، بحيث لا يمكن ان يكون مصدرا للفرح ، أو ينبوعا للسعادة ، لأنه هو الفرح عينه ، والسعادة عينها .
نعم أيها الأكارم .
أنا ، ما ان تمت لي هذه الحقيقة ، حتى أمسيت محققا للربح في الغالب ، وللخسارة في النادر ؛ دون أن أفرح به ، أو أحزن لها .
نعم أيها الاكارم .
إن تحقيق الربح لا يمكن أن يتمّ ، إلا ان ساوينا بين الربح والخسارة وقبلناهما على أرض سوية ، وتحت سقف سويّ .
إن تحقيق الربح لا يمكن أن يتمّ ، إلا ان عملنا من أجل العمل ، ومن أجل العمل فقط ، عنيت : ليس من أجل الربح .
إن تحقيق الربح لا يمكن أن يتم ، إلا ان عملنا من أجل الربح ، أو - أقول أو - من أجل الخسارة على السواء .
إن تحقيق الربح لا يمكن أن يتم ، إلا ان امتلكنا آدابا جليلة رفيعة سامية ، أسّها أدب الرفق بالأعصاب .
آخر تعديل بواسطة soufian ، 30-12-2007 الساعة 05:27 PM
- 31-12-2007, 05:42 PM #18
- 31-12-2007, 05:44 PM #19
رد: { مقالات الأستاذ أيمن بارود }
أدب الرفق بالأعصاب أو فن منع الخسارة{2}
حتى ولو سعى الكلّ لتضليلك ، بإخفاء ما دسُم وسما ، وإبراز ما وَضُع وتفه ، فأنا لن أفعل .
حتى ولو راوغ الجمعُ في ما ينصحون ، وكُذِبَ الكلّ في ما يصرّحون ، فصدّقني .
أنا لم أصرّح إلا بما خبرت ، ولن أبلّغ إلا بما عملت .
هذا السوق يبدو للكثيرين - إن لم أقل للجميع - غامضة حقائقه ، مبهمة تفاسيره ، مشفرة مفاتيحه ، مرصودة أبوابه ، عميقة لججه ، خطرة مراكبه .
هذا السوق يبدو لي - وللكثيرين غيري - جليّة صفحاته ، بهيّة طلعاته ، حريريّة لمساته ، ورديّة بسماته ، محمولة عثراته ، مقبولة صفعاته ، مأمونة مواعيده ، مأمومة موارده .
أنت وهو ، أنتم وهم ، الكلّ قادرون على أن يكونوا حيث أنا ، ليس في الأمر استحالة ، إن في الأمر لدقة .
المتعاملون في هذا السوق - من حيث الهدف الذي يسعَون اليه - فريقان ، لا ثالث لهما .
يسعى الفريق الأول ، ومنذ يومه الأول ، وفي خطوته الاولى ، إلى التعجيل في إجراء ضربة العمر ، ضربة تنيله المبتغى كلّ المبتغى ، وتميزه عن أقرانه كلّ أقرانه ، وتحمله الى النعيم ، والغنى ، والثروة ، والجّاه ، والعزّة ، والنفوذ ، والسّلطان .
ضربة العمرِ ، ويا لها من كذبةٍ مُخمليّةٍ ندّاها إبليسُ بعطورٍ جناها من بستانٍ مَكرِه ، وحبكها بشِباكٍ حاكها من أحابيل مُغرياته .
ويسعى الفريق الثاني ، إمّا منذ يومه الأول ، أو، بعدَ أن يكون قد استخفّ بالنصيحة ، وتلقى الصفعة ، وتلقن الدرس ، وفهم السرّ ، وفكّك الرموز ، وأدرك الأحجية ، وأشرك العقل ، وعطّل الجنون .
يسعى الفريق الثاني هذا الى تحويل العمل من مراهنة الى تجارة ، يسعى الى اتخاذ هذه التجارة مهنة أساسية ، يمتهنها ، يتقنها ، يمارسها ، يكسب رزقه منها .
يسعى الفريق الثاني هذا الى رزقه كلّ يوم ، راضيا بما قسمه الله له من رزق ، مُوسّعا كان أو مُقترا عليه به ، فترى الواحد راضيا بالدينار ، وممتنا للقنطار ،قانعا بالقليل ، راغبا بالكثير .
الى الفريق الثاني أتوجّه بحديثي ، واليه أسِرّ خفايا قلبي .
ألفريق الأول لا أعرفه ، أنا براء مما يفعل . أمقت غنى الظروف والمناسبات . أحِبّ جَنى فكري . أستلذ رغيفا دوّرته يداي .
أن تكون البورصة مهنتك ، يعني نجاحَك في أن تؤمن دخلا ثابتا لك منها ، دخلا يكون ثمنا لمجهود فردي فكري وروحي في آن ، دخلا يتراوح بين القلة والكثرة بحسب ما منّ الله عليك من رصيد مادي ، وما وسّع عليك به من حنكة ودراية وذكاء .
أن تكون البورصة مهنتك ، يعني بكل بساطة أن تكسب منها رزقا . ولتكسب منها رزقا ، لا بد أن تحقق منها ربحا . ولتحقق منها ربحا ، لا بد أن تمنع عن نفسك الخسارة .
نعم أخي المتعامل .
لكي تنجح في تحقيق الربح في هذا السوق الهائل العجيب ، يجب أن تبدأ من حيث انتهى غيرك - قصدت من حيث فشل - ، يجب أن تهتمّ في الدرجة الأولى بمنع الخسارة .
كلّ خسارة ، كبيرة كانت أو صغيرة . فإن نجحت في ذلك ، فقد نجحتَ في المرحلة التالية ، عنيتُ تحقيق الربح .
نعم أخي المتعامل .
إليك سرّي :" إنّ تحقيق الربح يبدأ من النقطة التي لا يجوز أن تصل إليها ، وليس من النقطة التي يجب أن تصل إليها ."
إنّ السواد الأعظم من المتعاملين يبدأون عهدهم مع هذا السوق بالبحث عن الوسيلة المثلى التي تحقق لهم الربح .
انهم يسعون الى دراسة كل المؤشرات المتوفرة ، الكل يبدأ بالبحث عن وسيلة تؤمن له فهم أسرار الدفاع والمقاومة السحرية .
ألكل يريد ان يشترك بسباق باريس داكار . ألسواد الأعظم من المتسابقين يسعون الى امتلاك أفضل سيارة توصل الى الهدف .
ألسواد الأعظم يسعى الى ال IBM او ال APPLE .
ألسواد الأعظم يفخر بال WINDOWS XP او ال NT .
ألسواد الأعظم يفضل اليوم الشاشة المسطحة FLAT DISPLAY .
ألسواد الأعظم ينطلق من باريس ويريد بلوغ داكار قبل غيره .
ألقلة تهتم بكل المعوقات التي يمكن أن تحول دون الوصول الى الهدف .ألقلة انكبت قبل ساعة الصفر على هذه المعوقات وأوجدت حلا لكل منها .
هذه القلة هي المؤهلة بالوصول الى الهدف . هذه القلة هي التي وصلت فعلا . هذه القلة بوسعها ان تصير هي الكثرة .
يصل الى الهدف من أدرك موقع المنعطف ولم تنحرف سيارته عن الطريق . من استبق وجود حفرة ولم ينزل فيها متسببا بعطل يحتاج الى ساعات من التأخير . من لم يتجاهل عن قصد وعورة مسافة يعرف مخاطرها . من لم يركب مراكب هوسه وسار على رمال متحركة .
في السوق سباق ولا أمرّ . ليس بالضرورة أن يكون النصرُ من نصيب الأسرع . النصرُ هو غالبا من صنع الاذكى ، ألأدهى ، .
ألحظ يمكن أن يكون من نصيبك مرّة لكنّ عقلك وفطنتك معك دوما .
اخي المتعامل .
إن روحَ نخوتنا العربية ، وأعرافَ فروسيتنا العربية ، وذهنية بطلنا عنترة ، لا فائدة لها في هذا المكان .
نصحت واحدا من محدثيّ مرة بشعر عربي شاع واشتهر الى أن صار مثلا ، قلتُ :
ألعقل قبل شجاعة الشجعان --------- هو أوّل ٌوهي المحلّ الثاني .
أعجبه كلامي كقول ، أثنى عليه ، أيدني في ما أرى ، هنأني على مبدأي . مضت دقائق خمس ، خاطبني بقوله : راهنت على صفقة كبيرة ضد الدولار ، في الصباح اكون قد خسرت كلّ ما في حسابي ، أو اكون قد ضاعفته . سألته : هل راهنت ضد الدولار ؟ أم تراك بعت الدولار ؟ أدرك صاحبي ما رميت اليه . لم يجبني . خفت عليه .
عاد في الصباح ليقول : ليتني عملت بما أشرت عليّ . لم أفاجأ بما أسرّ إليّ . واسيته . أمِلت أن يفلح في التغلّب على هَوَسِهِ .
مُحدّثي كنت قد حدّثته بمشهد قلّ من لم يشاهده على شاشة التلفاز .
غزال يرعى في مرج أخضر ، هو يتلذذ عشبا طريا ساهيا عن كلّ ما سواه . على مسافة غير بعيدة أسدٌ يتربص اللحظة المناسبة للإنقضاض ، هو يمني النفس بلحم طري منصرفا عن كلّ ما سواه . في السماء جماعة من الكواسر تبحث عن حصّة في رزق قد يكون المولى ادخّرهُ لها في جعبة كرمه وإحسانه .
اللحظة دنت . ألأسد ينقضّ . الغزال ينهار . جماعة الاسود تشارك . جماعة الطير تنزل إلى الأرض . تتجمع على بعد امتار قليلة . هي تعرف قدرها . تعرف انها غير مدعوة . تقدّر الخطر .
البعض منها يغلبها طمعها ، تسيطر عليها شهوة غريزية ، تندفع الى المغامرة ، تحبّ المخاطرة ، تقترب من الفريسة مستغفلة شبلا ، تلتقط حينا ما تستطيعه من رزق ناجية من شرّ انتقام ، وتقع حينا في وزر جنونها فما تصيب إلا جروحا في عنق أو جناح عوضا عن نصيب في وليمة .
ألطيور المجرّبة تتصبر وتنتظر .
هي تعرف أن ساعتها لم تأتِ بعد . هي تراقب بدقة العالم الفهيم .
هي تدرك أنها ستصيب من الغذاء ما تحتاج اليه . هي لا تطمع بأكثر مما تحتاج اليه
دقّت الساعة . شبعت الأسود . انصرفت عن المكان . تسابقت الكواسر الى الفريسة . نالت كلها ما تحتاج اليه ، كل بحسب قدرته وحاجته .
أخي المتعامل .
إن شئت أن تلقى نصيبك في هذا السوق ، عليك :
1 - بالدرجة الاولى أن تسعى بكل ما أوتيت من حيلة وقدرة وحنكة ، حتى لا تكون الغزال .
2 - بالدرجة الثانية أن تقتنع بكل جوارحك ، وتدرك بكل مداركك ، أنّه ليس باستطاعتك أن تكون الأسد ، هذا دور غيرك من اللاعبين .
3 - بالدرجة الثالثة أن تعرف أنه قدّر لك أن تكون الطير الكاسر في هذا السوق ، فتشكرَ الله على نعمته ، وتراقبَ بدقة جماعة الطيرفي هذا المشهد التلفازي ، وتركزَ على كل حركة من حركاتها ، وتعملَ على التمثل بها ، وتقليد كل تصرّفاتها .
إن غامرت فكن طائرا سريع الحركة ، يحسنُ الإستعانة بجناحيه إن خانته قدماه ، كن حريصا على منع الخسارة ، أو في أسوأ الأحوال على تقليلها . وإن لم تغامر فانتظر ساعتك ، إذ لن يفيدك بشيء أن تلبس جلد أسد . ألأسود تعرف بعضها .
أخي المتعامل .
إن كنت مبتدئا في السوق فاعلم !
إنّ اول شرط لتحقيق الربح في هذا السوق هو تحاشي الخسارة ، التقليلُ منها ، منعُها كليا إن أمكن .
وكن على ثقة ، إن نجحت في ذلك ، فإن نصيبك من الربح لا بد ان يكون محفوظا .
أخي المتعامل .
أخبرني أحدُ معارفي قال : لقد سمعت نشرة الأحوال الجويّة في الصباح ، كانت تبشر بيوم ربيعي مشمس . بعد ساعتين رأيت الغيوم الدكناء تغطي صفحة السماء . هي تتكاثر بحيث انها حجبت كلّ نورٍ من الشمس . ظللت واثقا بأن خطر العاصفة بعيد .
ألم يؤكد مذيعُ الأخبار في الصباح إن النهارَ سيكون ربيعيا بامتياز ؟ لقد كنت أحمقا ، وما عرفت ذلك إلا بعد أن تبللت ثيابي ، وعدت الى منزلي في منظر جُرَّذٍ يخرج لتوّه من بركة ماء آسنة .
كُن شديدا في التنبّه ، سريعا في القرار ، حازما في التنفيذ . إيّاك والعناد ! . إيّاك وبلادة الذهن !
أخي المتعامل .
إن مصير صفقتك يتحدّد فور فتحها ، بل قبلَ فتحِها .
إعلم - وبخاصة إن كنت مبتدئا - إن فتحت صفقة ودخلت بها السوق دون أن تكون قد حدّدت كل ما يحيط بالصفقة من مخاطر، ومن حظوظ ، فانت قد ارتكبت أشدّ الأخطاء ، ووقعت في أخطر المحظورات .
إعلم - وبخاصة إن كنت مبتدئا - إن قدرتك الذهنية تكون حرّة من كلّ قيد ، متحرّرة من كل ضغط ، قادرة على كل قرار ، عارفة بكل قاعدة ، واعية لكل خطر قبل أن تفتحَ الصفقة وتصيرَ داخل اللعبة .
فإن فعلت ،
فاعلم - وبخاصة إن كنت مبتدئا - إن قدراتك العقلية هذه يختلف مردودُها ، فهي لا تلبث أن تصيرَ أسيرة المشاعر المدمّرة ، ولا يمكن لها أن تلبيَ النداء ، إن انت شعرت بحاجة ماسة لعونها .
خطّط لصفقتك قبل فتحها ، حدّد مسالكَ الكرّ ، أرسم مخارجَ الفرّ ، واحرص على ان يكون هدفك الأول في كلّ ذلك : منعَ الخسارة بأي ثمن .
أخي المتعامل .
هذا غيضٌ من فيضٍ . ولنا في الأمر كلامٌ وفير . أرجو لك التوفيق كلّه والخيركلّه .
- 31-12-2007, 05:51 PM #20
رد: { مقالات الأستاذ أيمن بارود }
ما شاء الله
بارك الله لك استادى على هدا النقل الجميل لمقالات للاستاد الفاضل ايمن بارود
متابع معك تكملة هدة المقالات الرائعة
- 02-01-2008, 12:56 AM #21
- 02-01-2008, 12:58 AM #22
رد: { مقالات الأستاذ أيمن بارود }
كيف يكون اتخاذ القرار ؟
" إجعل لحظة اتخاذ القرار نتيجة تحليل وتدقيق ، إجعلها خلاصة تشوّف وتكشف ، لا دُفعة شهوة جامحة لتحقيق ربح ، أو شُحنة رغبة متمكنة لممارسة لعبة البوكر . "
حادثني أحد معارفي ، قال :
ما فتحت عملية بيع أو شراء إلا وتحكم بي فور فتحها شعورٌ غريبٌ ، يكون أحيانا دغدغة ناعمة واثقة مريحة واعدة ، فيدخل ُالأمل ُالى نفسي ، والراحة الى أعصابي ، وأجدُني مستلقيا أراقب السوق بكل هدوء ، وهو يجري كمياه سبيل صافٍ في الاتجاه المُراد .
وإذا الربح يتحقق بسهولة ، ويزداد بمرونة . يا لها من لحظات !
ويكون هذا الشعورُ أحيانا في اللحظة التي أفتحُ فيها العملية شعورَ تشككٍ وترددٍ وتخوفٍ ، يكون شعورا تشوبُه الضبابيةُ ويغلفه التشويش ُ، أسمع صوتا من أعمق اعماقي يناديني :
لا ! لا تفتح هذه العملية .
هو صوت تشوّفي وتكشّفي . أعرفه جيدا . أكرهه ، لانه لا ينصاع لي .
أمقته ، لانه يعاندني دوما ، ويقف حائلا دون تنفيذ ما أخطط له .
أسارعُ الى إسكاته . أقتله في أعماقي . أخنقه في مهده . أفتح العملية رغما عن أنفه . أزرع في غرفتي خطوات تخايل وشغف .
وتمرّ لحظات .
وتدقّ لحظة الحقيقة . يتسرب الندم الى نفسي . أدرك أنني أخطأت . لقد فعلت ما لم يكن عليّ فعله . لقد فتحت الصفقة إشباعا لرغبة ، وإطفاء لنارطمع ، وإخمادا للهيب شهوة .
هذه هي الحقيقة .
تدقّ لحظة الحقيقة بعد دقائق على فتحي العملية ، وأحيانا بعد ثوانٍ . ولكن بعد أن يكون الأوانُ قد فات .
لقد فتحت العملية لأنني انتظرت طويلا .
انتظرت منذ الصباح ، إنتظرت اللحظة التي يجب عليّ أن أنقضّ فيها على السوق ، اللحظة التي أعرفها جيدا ، اللحظة التي طالما حققت لي الارباح ، ألكثيرالكثير من الارباح .
ولكن انتظاري طال . اللحظة لم تأت . غلبني طمعي . نسيت كلّ ما كنت قد رسمت لنفسي من حدود . أهملت مبادئ تشوفي وتكشفي .
دخلت المعركة دون سلاح . انا أعرف اني خاسر . وهكذا يكون . صفقتي خاسرة ، لا أملَ منها يُرتجى .
أنهى محدثي كلامه .
صعّد نفسا كان قد احتبسه صدرُهُ . طأطأ رأسا كان قد رفعه في سردِهِ . تحسّرعلى علّة لا يجد لها دواء .
رأيت من واجبي مواساة محدثي ، قلتُ :
وأنا أيضا ينتابني هذا الشعور ، وكلّ عامل في هذا السوق ينتابه هذا الشعور .
أنا أيضا أعيش هذه اللحظات ، وكل عامل في هذا السوق يعيش هذه اللحظات .
أنا ايضا أبلغ نفس المبلغ ، وكلّ عامل في هذا السوق يبلغ هذا المبلغ .
أنا ايضا أدخل السوق ، وسرعان ما أدرك بعد دخولي ، إن كان من الصفقة ربحٌ يُرتجى ، أم ان كان منها خسارة لا بدّ من تاديتها . أدرك ذلك غالبا لحظات بعد فتحي العملية .أدركُ ذلك في اللحظة التي يكون فيها الفكر قد تحرر كليا من وسوسات شيطان الطمع ، وتفلّت نهائيا من هلوسات غليان الجشع .
قلت ذلك لمحدثي مواساة له ، وتخفيفا عنه ، ورفقا به .
ولو وُهِبَت لي الحِدّةُ الواجبة في الكلمة ِ، ولو قدّرَت لي القسوة اللازمة في الموقفِ ، ، ولو رُميتُ باللامبالاة تجاه مشاعر محدثي .
لو كان لي كلّ هذا ، لكنت صَدَقتُ محدثي القولَ ، ولكنت أضفتُ :
كان ذلك يحدثُ لي في أوّل عهدي بهذه التجارة ، أما اليومَ فهو نادرا ما يحدثُ لي .
ولو اني قلت هذا ، لكان عليّ أن أضيف غير ممالق :
وأنت أيضا بعد فترة من التمرّس والدُربَةِ والدراية ، ستكونُ متحررا من هذه الآفة ، بإذن الله وعونه .
يتابع
- 02-01-2008, 02:14 AM #23
رد: { مقالات الأستاذ أيمن بارود }
مواضيع رائعة ومرتبة بعناية
مشكور خويا سفيان
تبارك الله عليك
سيمو
- 03-01-2008, 01:44 AM #24
- 03-01-2008, 01:49 AM #25
رد: { مقالات الأستاذ أيمن بارود }
صفقات المتعة .
وما هي إلا لحظات حتى فعل جوابي في نفس محدثي ما شئتُ له أن يفعلَ ، فبان الارتياح على محياه ، وأشرق وجهُهُ ، وعلت الابتسامة ثغرَه ، وعاودته الرغبة في معاودة السرد ، قال :
أعرف لحظاتٍ تتحكم بي فيها رغبة جامحة في دخول السوق ، وتتملكني احاسيس غريبة لا يسهلُ علي التفلتُ منها . أحاسيس تملأ علي مشاعري ، وتشل أفكاري ، وتعطل كل قدرة فيّ على التحليل .
احاسيس تستحيل صوتا ، بل أصواتا ، تطن في اذني :
ألآن ، ألآن ، إشترِ ، علامَ تنتظر ؟
ودون إرادة مني ، ودون شعور واعٍ ، - وهنا تكمن المشكلةُ - أجدُ نفسي قد ضغطت على حيث يرسَلُ أمرُ الشراء الى السوق ، وتتم لي العملية . وما إن تتمّ لي العمليةُ ، حتى أبدأ بالخوف منها ، وأشرعُ في كرهها .
وما من عملية مكروهة يمكنها أن تحقق الربحَ ، هي ساقطة لا مهربَ من ذلك .
ألأحاسيس هذه تحملني إلى طفولتي ، إلى الفرحة التي كانت تمتلكني إن فزتُ بلعبة جديدة ألهو بها ،
هي تذكرني بالنشوة التي كانت تتحكمُ بي عندما كنت أركب دراجتي الصغيرة ساعيا لإظهار مقدرتي .
هي تذكرني بفترة شبابي ، في أول عهدي بالقيادة ، بالمتعة التي كنت ابحث عنها وراء مقود السيارة ، فخورا بقدرتي على توجيهها حيث أشاء ، مزهوا بتميزي عن أقراني وتقدمي على رفاقي .
هذه اللذة ذاتها ، وهذه المتعة ذاتها ، وهذه النشوة ذاتها ، وهذه الفرحة ذاتها ، هي التي أبحث عنها الآن دون وعي مني ، في بحثي عن صفقة أفتحها .
هي لذة التغلب على شيء ما ، هي متعة التميز عن شيء ما ، هي نشوة امتلاك شيء ما ، هي رغبة تحقيق الغلبة والنصر والإمتلاك .
هذه اللذة ، وهذه المتعة ، وهذه الفرحة التي أبحث عنها ، كلما كانت هي السبب في فتحي لصفقة ، كانت الصفقة خاسرة لا مُحال !!
نعم ، أنا اعرفُ بيتَ الداء ، ولا اجدُ له الدواء !
أنا اعرفُ أن الصفقات التي أفتحها إرضاء للذة ، وإشباعا لرغبة ، وتحقيقا لنشوة ، إنما هي كلها صفقات خاسرة . أنا اعرفُ ذلك ، ولا أستطيعُ للبلية ردا .
صفقات الحظ
أنهى محدثي السرد ، مال الى فنجان كان قد نسيه على طاولة مجاورة ، ارتشف منه شيئا من القهوة ، صمت برهة ، ثم قال :
أقرأ احيانا تقارير الصحف الاقتصادية ، أبحث فيها عن المؤثرات التي يمكن ان توجه السوق أو تتحكم فيه ، أدقق في كل خبر وكل نبأ ، فلا يلفت ناظري شيئا بعينه ، ولا يرجح في تقديري رأي على رأي .
أعمد الى التحليل الفني وأبحث فيه عن ضالتي .
أريد صفقة تقنعني وأضمن الربح فيها . أدقق في كل المؤشرات . أرسم الخطوط وأحدد مناطق الدفاع والمقاومة . لا يلفت ناظري وجود حالة تستحق الوقوف عندها .
حالة يصعب علي وصفها ، لكنني أعرفها، أعرفها جيدا ، فيما لو رأيتها . حالة أصر على العثور عليها الآن ، ولكنها تعصي علي . أستنفذ صبري . أقول :
هذه مقاومة تبدو لي جيدة . أجرب البيع عليها . وأفتح بيعا عليها .
أفتح عملية البيع بعد أن أكونَ قد أدنتُ نفسي من فمي ، دون شعورٍ مني .
أما قلت : أجرب البيع عليها .
أليست التجربة ضربا من ضروب الحظ ؟
أليس الإتكال على الحظ أسوأ أبواب التعامل وأشدها خطرا ؟
بلى هو كذلك . أنا أعرف ذلك . ورغم معرفتي ، لا أقوى على التملك برغبتي ، فأقع في الفخ .
صفقتي حظها في الربح قليل . هي صفقة حظ .
توقف محدثي عن الكلام ، ونظر الي كأنه يطلب رأيي في ما سمعت ، لم يأنس في رغبة في التعليق ، عاودته الرغبة في الحديث
الحرامي بالمرصاد
كنت قد تركت صديقي في الجلسة السابقة واقعا في فخ صفقات الحظ ، عارفا ان الربح الممكن منها نادر وقليل ، متوقعا تعليقا مني على ما سرد ، غير ظافر بما توقعه .
وعُدت فالتقيته في هذه الجلسة على ما تركته فيه من همّ ، وبما هو عليه من غمّ . ان شيئا لم يفلح بعد في جعله على الدرب السليم ، ولا هو نفع في حمله الى الهدف القويم .
أكمل محدثي سرده قال :
سمعت في الأسبوع الفائت خبرا ينبئ بان الدولار يتعرض لضغط هائل بفعل إعصار " كاترينا " الذي ضرب ولاية " لويزيانا " .
أدركت انه من الصواب ان أكون في السوق بائعا للدولار . أسرعت الى حسابي . أمرت ببيع عشرة عقود دفعة واحدة .
حددت 50 نقطة وقفا لها . مفضلا عدم المخاطرة بما قد يفاجئني من أمور .
شعرت بكوني قد أديت واجبي بكل أمانة . جلست هادئا ، منتظرا ما سيكون .
الدولار يرتفع ببطء .
أقول : دقائق وتنقلب الصورة . لا بد من تحقق ما رسمت له .
الدولار يتابع الزحف ارتفاعا .
أقول : أتركُ الجهاز لفترة ، رحمة باعصابي .
أحددُ هدفا لصفقتي . أغيب ساعة . أعود . أجد الدولار وقد انخفض أكثر مما رجوت له أن ينخفض .يأخذني الطمعُ . أندم لتحديد هدف لصفقتي .
أقول : ليتني أبعدت الهدف أكثر مما فعلت .
أتلهف لرؤية ربحي المحقق . أبحث عنه في خانة الصفقات المقفولة . أتحضر للخبر السار . أصاب بصدمة .
يا لخيبتي ! لقد سرقها السوق مني قبل ان يتراجع . لقد سقط الستوب وضاع كل شيء .
أرمي محدثي بنظرة . اريدها مواساة ، ويظنها شماتة . يأخذه الغيظ . يثور ، يصيح .
أهدئ من روعه .
أقول : كان تحصل معي في أول عهدي بالتجارة ، يوم كنت أحتمي وراء حليف خائن ، إسمه الستوب . كنت أثور وأشتم وأهدد وأسعى الى الثأر . ألمؤكد أني لم افلح مرة في الثأر من السوق . الغلبة دوما له . يعطيك راضيا . ولا يعطيك مطلقا مرغما .
النزول في المحطة الخطأ .
صمت محدثي مرة جديدة . بدت علائم القهر على محيّاه . رأيت ان استفزه ليكمل السرد . فعلت . اتهمته بالفشل .
قلت : دع ما ليس لك ، أعط خبزك للخباز .
لعل محدثي أصيب في كبريائه . عاد فورا الى السرد . نجحت في ما رميت اليه . بلغت مقصدي .
قال :
مضى علي وقت غير يسير مع السوق ، صرت أحسّ غالبا انه مني ، واني منه . بتت أشعر بقدرة على فك رموز كانت تعصي علي في ما مضى .
أنا اراقب تحركات بعينها . انتظرها . أشعر بنبض في السوق اعتدت عليه . أعرف أن هذا وقت شراء . أسمع هاتفا داخليا يهمس اليّ :
الآن ، الآن ، علامَ تنتظر ؟
هو يدفعني ، يزرع الثقة في نفسي ، ينزع كلّ شكّ منها .
أراني مقداما . أعملُ ما يجب عمله . انتظرُ . لا يخيب ظني . تسير صفقتي في الربح المرتجى . أحقق نقاط عشرة ، ثم خمس عشرة نقطة . تزداد دقات قلبي . يملأني شعور بالخشية والرغبة . خشية من فقد ما تحقق ، والرغبة بالحفاظ على برهان نجاحي .
بلا شعور مني ، وبحركة تنطلق من لاوعيي ، وبقرار متسرع ارتجالي أكسر به كل ما أكون قد رسمت من خطط ، أعمد الى اقفال الصفقة ، مهللا للخمس عشرة نقطة المحققة ، مفضلا إياها على النقاط المئة التي أشعر انها آتية .
أقول : عصفور باليد خير من عشرة على الشجرة . أما كها علمونا في المدرسة الابتدائية ؟
ومن يحقق نقاط عشرة ، ألا يستحق كأسا من الشاي ؟
وما ان ارشف الرشفة الاولى حتى يبدأ السوق بالجري ، نقاطي العشرة كانت ستكون خمسين ، لو انني لا ازال صامدا ، وبعد لحظات ، كانت ستكون مئة ، ومئة وخمسين ، يا لحظي التعس .
أغضب وأثور . أقفل الجهاز . أخرج من البيت الى حيث لا سوق ولا تجار في سوق .
يتوقف محدثي عن الكلام . أتقصد ألا أؤذي مشاعره . أحاول أن أخفي عنه ابتسامة . أخشى أن يسيء فهمي . لا أستطيع !
أحول الابتسامة الى ضحكة مدوية . استدرك قائلا :
وانا ايضا في اول عهدي كنت اعيش هذه اللحظات .
الصعود في القطار الخطأ .
وهذه غلطة الغلطات ، قد تكون مدمرة ، سردها لي محدثي ، وساسردها لمن يحب الاتعاظ في الحلقة التالية
يتابع
آخر تعديل بواسطة soufian ، 03-01-2008 الساعة 01:51 AM
- 03-01-2008, 09:07 PM #26
رد: { مقالات الأستاذ أيمن بارود }
السفر في القطار والاتجاه الخطأ .
ويعود محدثي الى سرد وقائع جولة جديدة من جولاته مع السوق . يقول :
بعد هذه الحادثة ، أو بعد حادثة مشابهة ، آخذ على نفسي ألا أقفل صفقة إلا في الوقت والمكان المحددين لها ، وأن لا أدع الستوب اللعين من الإيقاع بي . أتحين فرصة أراها مناسبة .
ألأخبار اليوم تشير الى امكانية تفوق اليورو على الدولار ، بيانات اميركا لا يرى المحللون لها تأثيرا إيجابيا على الدولار .
أفتح صفقة شراء على اليورو ، أزيد عقودها أكثر من صفقة الأمس ، أحدد كعادتي للصفقة هدفا ، أتردد في تحديد الستوب ، أعود فأقرر تحديده تحسبا لطارئ كارثي .
أديت عملي ، وما عليّ الان إلا الإنتظار .
أترقب السوق وفي نفسي رغبة بالإنتقام من السوق على فعلته السابقة بي ، أنوي مسبقا عدم السماح له بسرقة صفقتي مني بأي ثمن .
في البدء تسير صفقتي بحسب ما اشتهيت ، أحقق منها عشرين نقطة في دقائق قلائل ، أقرر ألا أقع في ما وقعت به بالأمس من خطأ ، أقول لن أقفل صفقتي قبل بلوغ الهدف .
في هذا الوقت يصدر تصريح عن عضو في المركزي الاوروبي ، هو يحذر من تباطؤ في النمو بحيث يكون قاصرا عن بلوغ الهدف المحدد له .
بعد دقائق يرد نبأ فشل المحادثات بين الحزبين الكبيرين في ألمانيا لتأليف الحكومة الجديدة .يرتد السوق في الاتجاه المعاكس .
أعرف انه من الافضل أن أعمد الى منع الخسارة عن صفقتي . أحاول التحرر من الأجواء التي كنت أعيشها لحظة فتح الصفقة ، أحاول التخلص من دغدغات الأمل في إمكانية ردّ الخسارة التي تكبدتها بالأمس ، من الثقة الراسخة في كون هذه الصفقة مميزة ، وهي كفيلة بالتعويض لي ان انا صمدت فيها حتى النهاية . لا اقوى على ذلك !
أتعلق إذن بصفقتي ضاربا عرض الحائط مرة جديدة بقاعدة ذهبية كنت قد تعلمتها ، وهي تقضي بضرورة تغيير رأيي في اللحظة التي ترد فيها أخبار مستجدة ، أو تبدو على الشارت مؤشرات جديدة ، تحتم عليّ أن أعدل المخطط الذي أكون قد انطلقت منه .
أتعلق إذن بصفقتي مستعيضا عن الحكمة بالرغبة ، وعن الحنكة بالأمل ، وعن الاقتناع بالعناد ، وعن الموضوعية بالهوس . وكيف لي أن أحقق ربحا إن كانت هذه حالتي !
ويعود السوق الى المستوى الذي فتحت فيه صفقتي ، ويشتد أملي بان الإرتداد سيكون قريبا .
أقول في نفسي :
لن أضيع الصفقة ، سأصمد ولن أكرر غلطة الأمس .
ولا يفلح محيط فتح الصفقة على وقف التراجع الذي يتتابع . تحقق صفقتي خسارة عشرين نقطة . ألوم نفسي أشد اللوم .
أقول : لو انني جنيت عشرين نقطة ربحا ، أما كان أجدى لي وأفيد ؟
ومن اللحظة التي أطرح فيها هذا السؤال ، تسوء أحوالي ، وتزداد كلّ لحظة سوءا .
السعر يقترب من الستوب الذي أكون قد حددته .
أقول : ألغي هذا الستوب ، لا بد للسوق أن يرتد في الاتجاه المعاكس ، لن أدعه يسرق صفقتي مني .
ألغي الستوب على أمل ان يتم ما أرغب فيه ، وليس على ثقة أن يتم ما رسمت له .
ألغي الستوب اذا ، ألستوب الذي أكون قد حددته في لحظة وعي سليم مخطط ، ألغيه في لحظة إنفعال شعوري مستسلم .
أعرف في عقلي المفكر أنني أرتكب خطأ لا يُغتفر ، أعرف أنني أهمّ في ولوج النفق المظلم .
رغم ذلك فأنا لا أقوى على التحرر من قوة الجذب العاطفي الشعوري الذي يشلّ قدرتي على تحويل يقيني الى فعل ، وصهر عمق معرفتي وقوة إرادتي ، بحيث أكون قادرا على تحويل المشيئة الى قرار، والقرار الى واقع نافذ .
يجتاز السوق حاجز الستوب . يتابع اليورو جريه ، وتتابع صفقتي جريها ، في الخسارة طبعا . لقد وقعت في فخ جديد ، أشد قساوة وأدهى .
مئة نقطة خسارة .
أقول : لن أقفل صفقتي بالخسارة ، سوف أنتظر ان يعيد لي السوق ما سرقه مني . أقرر الانتظار ، ويطول انتظاري .
السوق لا يعود ، أنا لم يعد بمقدوري إقفال صفقتي الآن . العقود كثيرة ، الخسارة كبيرة . ما تبقى في حسابي لا يمكنه تغطية تراجع جديد للسوق إن حصل .
أنا ، صرت عاجزا عن التدخل في السوق لانقاذ شيء ما . صار دوري مقتصرا على التأمل ، والمراقبة ، والدعاء .
ألآن كل شيء بات بيد القدر . الحظ هو الذي سيقرر النتيجة .
ويفعل الحظ فعلته بي . يقرر عني ما كان عليّ أنا تقريره . يتراجع السوق بعض النقاط القليلة . تسقط صفقتي في ما يسمى ال "مارجن كولل " ، أي نفاد الإحتياط اللازم في حسابي لتغطية خسارة اضافية .
صفقة جديدة فتحتها !
حماقة جديدة ارتكبتها !
خسارة جديدة حققتها !
لو اني اكتفيت بالربح القليل لحصلت ربحا عوضا عن الخسارة .
لو اني منعت الخسارة عند مستوى فتح الصفقة ، لكنت قد منعت الخسارة .
لو اني اقفلت الصفقة على مستوى الستوب ، لكنت وفرت على نفسي هذه الخسارة .
لو ، لو ، لو !
كلمة لا يرددها الا الحمقى ، وها أنا أبرهن مرة جديدة على انتسابي الى ناديهم .
أصغيت لمحدثي في هذه المرة كما لم أصغي إليه في المرات الماضية .
أخذتني بعضٌ من رحمة . رثيت لحاله .
رأيت بمواجهتي نفسا حائرة متألمة ، تبحث عن النجاح ولا تجده ، رغم كونها قد اجتازت مسافة غير قليلة إليه .
أحسست ولأول مرة رغبة عميقة بمحاورته ، لعلها رغبة مدفوعة بشعور خفي ينبئني عادة بوجود إمكانية للمساعدة . الحالة ليست من الحالات الميئوسة .
شعر هو أيضا بهذا التحول المفاجئ في موقفي . رأيت في عينيه بريقا لم أعهده في ساعات السرد .
أيكون قد استبشر بنجاحه في فك الخواتم عن لساني ؟
أيكون قد استبشر بسماع ما قد يفتح له أبوابا تعينه في تلمس الطريق ؟
لا اعرف إن كنت قد نجحت ، أو إن كنت سأنجح في مساعدة محدثي للخروج من النفق الذي أدخل نفسه فيه .
أنا أعرف بحق أنني سألته وأخبرته ، نبهته و حذرته ، خففت عنه وأشرت اليه ، نهيته عن أمور ووافقته على أخرى .
لا اعرف حتى الآن إن كنت قد نجحت في إقناع محدثي بصوابية مذهبي وأحقية آرائي .
لا أعرف إن كنت قد بلغت مرادي في خنق شخصية المضارب فيه وخلق شخصية التاجر .
لكنني اعرفُ !
أعرف أنني ما ضننت عليه بالحقيقة التي أعرف .
أعرف أنني ما اخفيت عنه سرا كان خفيا عنه .
أعرف أنني حاورته
- 05-01-2008, 01:54 AM #27
رد: { مقالات الأستاذ أيمن بارود }
البورصة : للنخبة أم للجميع ؟ ( 1 )
أنا أعرف جيدا أن مقدمي خدمة التجارة في البورصة وفي سوق العملات ( الفوركس ) - أو أكثرهم على الأقل - يعملون على إقناع كل من يصادفون في طريقهم للإقبال على هذه التجارة ، وإغرائه بكونها أفضل أنواع التجارة على الإطلاق ، وإن هم أبرزوا المخاطر فإنما خضوعا لأحكام القانون ، لا غيرة على مصلحة العميل .
أنا اعرف أن بعض هذه الشركات باتت تستعمل خبراء في الدعاية لتعريف أوسع جمهور ممكن على مبادئ هذه التجارة ، فإذا بهم يسمونها مصلحة ، ويبرزون سهولة تعلمها ، وسهولة ممارستها ، وسهولة الربح فيها .
وإن هم توقفوا في برامجهم الدعائية لفاصل إعلاني ، فالفاصل هو في معظم الأحيان سلعة لا بد من تحقيق ثروة لشرائها ، مثل سيارة رياضية أو شقة فخمة في حي راق .
هذا جزء من الطُعم بحيث ان الاقناع يصير سهلا :
انت تمتلك مبلغا صغيرا من المال . لشراء السيارة أو الشقة ، أنت تحتاج لمبلغ كبير . ألمبلغ الكبير لا يمكن تكوينه الا من التعامل في البورصة إنطلاقا من المبلغ الصغير .
نحن نعلمك وندربك على الطريقة ؛ يقول مقدم الدعاية .
إن ما ينقص هؤلاء المروجين في كلامهم هي كلمة صغيرة اسمها " قد " .
هم يقولون : نحن نعلمك مصلحة تستطيع منها تكوين ثروة .
كان عليهم أن يقولوا : قد تستطيع منها تكوين ثروة .
ولو قالوا ، لانخفض مباشرة عدد الزبائن الى النصف ، وكانت لتكون كارثة بالنسبة لهم.
هؤلاء قوم محنكون ، يعرفون موضع الوتر الحساس ، فيتعمدون الضرب عليه . أسمعهم فأفكر مباشرة بمسوقي البضائع في المخازن الكبرى .
يرتبون البضائع التي تلفت نظر الاولاد في الرفوف السفلى من الخزائن ، على مستوى مناسب لعيون الأطفال ، وغالبا قرب صناديق الدفع . يتعلق الطفل بما يراه فتتحاشى أمه حرمانه منها ، إستحياء وخجلا من موظفة الصندوق التي ترميها بابتسامة تستعجل فيها قدومها اليها ، فتضم السلعة الى المشتريات ، وتدفع .
أنا أعرف ذلك وأتحفظ على بعض هذه التصرفات ، وأسعى على الدوام الى فصل الخيط الأبيض عن الأسود .
أنا أوافق على بعض ما يقوله هؤلاء المروجون .
هذا صحيح : قد يمكنك ، أخي القارئ ، تكوين ثروة مما انت قادم عليه ، ولكن ، قد يمكن أيضا - وبنسبة لا يستهان بها من الخطر - أن تفقد ثروتك الصغيرة .
حذار ، حذار ، لا تصدق كل ما يقال لك . كن حريصا لبيبا نبيها . تجارة البورصة - بما فيها الفوركس طبعا - قد لا تكون مؤهلا لممارستها . أنت وحدك يمكنك أن تقدّر ما تقوى عليه ، وما لا تقوى عليه . وفّ الموضوع حقه من التفكير والدرس .
هل يعني أن تجارة البورصة لا تزال اليوم في عصر الانترنت للنخبة ولا علاقة للعامة فيها ؟
هل يعني انك حسمت الموضوع قبل البداية بالبحث ؟
هل هذا ما تريد أن تقوله لنا ؟
أكاد أسمع آلاف الأصوات المعترضة ، ومن ضمنها العشرات المتضررة الشاتمة !
نعم ، أخي القارئ ، أنا أعني ما اقول . أرى الكثيرين مؤهلين لهذه التجارة ، وأرى الكثيرين أيضا غير مؤهلين لها .
أرى أن تجارة البورصة هي للنخبة ، لن أخفي قناعاتي ، ولكن نخبتي هي غير النخبة المتعارف عليها . النخبة التي أعترف بها لها مميزاتها ، وهي، هي وحدها المؤهلة لتعلم هذه التجارة ؛ وهي ، هي وحدها المرشحة للبراعة في ممارستها .
إن رغبت بالتعرف على نخبتي تابع قراءة البحث واسأل نفسك في آخر المطاف عما اذا كنت واحدا منها ؛ وإن لم ترغب ، فانصرف عن موضع لا شأن لك فيه لتوفرَ على نفسك جهدا ، وأقلع عن تجارة لم تولد لها فتوفرَ على جيبك خسارة .
( أقول هذا ، وأنا عارف أن الشتيمة ستكون من نصيبي من ناحية صيادي العملاء الباحثين عن رزقهم كيفما كان .. المعذرة .)
إنه لمن السائد عند العامة من الناس ، كما عند علية القوم منهم ، أن العمل في البورصة ، وامتلاك فنونها هو مدعاة للفخر والإعتزاز .
كم رجلا شمخ برأسه زهوا ، ورفع أنفه اعتزازا ، إن هو شاء الرد على سائل خطر له أن يستفسر منه عن نوع عمله ، فيقول : أنا أعمل في البورصة !
كم امرأة أغاظت امرأة ، إثارة لمشاعر الغيرة في نفسها ، باستعجالها الحديث عن الاعمال ، ووسائل الكسب
، فقط لتقول : أنا زوجي يعمل في البورصة !
البورصة ، البورصة ، البورصة ، يا لسحرها !
أنا أعمل في البورصة . أنا زوجي يعمل في البورصة .
هل يعني ذلك : أنا أعلى منك شأنا ، أو زوجي أعلى من زوجكِ شأنا ؟
هل العمل في البورصة يعني مباشرة : نحن نفوقكم مرتبة ونعلوكم قدرا ؟ هل يعني نحن من النخبة وأنتم من العامة ؟
سؤال جدير بالطرح ، وبالاجابة ، لكنه من الحرج بمكان .
حسنا لنأتِ الامرَ من باب آخر . لنقل : من هي النخبة ؟
لا يخفى أن البعض يرى في النخبة طبقة المتنفذين ، الممسكين بالثروات ، المصيبين للغنى ، القادرين المقتدرين ، الآمرين الناهين . هم في الغالب أولي الأمر وأصحاب القرار .
البعض الآخر يذهب في تحديده للنخبة بحصرها في طبقة من المؤهلين علميا ، باكتسابهم معرفة تبقى عصية على غيرهم من أبناء العامة ، وهم بذلك يوفرون لأنفسهم أسلوب حياة متميز يوصف عادة بالرفاه والترف .
هؤلاء الممسكين إذا بمفاتيح المعرفة هم بنظر الجميع أقدر على بلوغ قمة ، وأبرع بتحقيق ثروة ، وأسرع في بلوغ هدف . هؤلاء إذا بحسب المفاهيم السائدة هم النخبة .
هل نسلم بهذا القول ونقبل بهذا المذهب ؟
هل يصح فعلا حصر النخبة بمن امتلكوا العلوم والمعارف العالية ، أو بمن امتلكوا الثروات والنفوذ وفرض القرار ؟
حسنا ، لنتروَ قليلا في أحكامنا ، ولنتلمس بهدوء طريقنا .
ان سلمنا جدلا بأن الفئات السابق ذكرها هي نخبة الخلق وأميزها فماذا نقول برجلين :
برجلين اثنين ، متعلم وأمي ، - والقصد هنا رجل أو امرأة طبعا - صادفا نملة تناضل في سحب حبة حنطة ، فتعمد الأول ان يدهسها تحت حذائه واجدا في ذلك لذة جهنمية شهوانية ، وتحاشى الآخر أن يؤذيها شاعرا في ذلك بلذة سماوية ناعمة .
ألم يمتلك الثاني كل الشروط التي تؤهله لان ينتسب الى نادي النخبويين ، بينما افتقر السها الأول على تعلمه وتمدنه ؟
برجلين اثتين ، أمي ومتعلم ، - والقصد هنا رجل وليس امرأة - سمعا كلاهما عصفورا يطلق تلاحينه على غصن شجرة قريبة ، فطرب الأول للنغم ، وتفاعل مع اللحن الى حد السمو ، فإذا هو يرتقي من سماع الترنيمة الى حد رؤية موسيقاها تتمايل تقاطيعها ألوانا عبر الاثير ؛ أما الآخر فما رأى في العصفور المسكين إلا كتلة من اللحم ، تطحنها أضراسه وتذوب في لعابه ، فتمنى لو كان يحمل بندقيته .
رجلان اثنان ، أمي ومتعلم ، ألم يمتلك أولهما كل الشروط التي تؤهله ان ينتسب الى نادي النخبويين ؟
حسنا لن نطيل ، ألفضاء هذا رحب ، وللطيران فيه لذة ، لكن لنعد الى أرض البشر ونعالج موضوعنا .
هل يجب أن يُفهم من كلامي أن الرجل الذي تعمد إبعاد قدمه عن النملة هو مؤهل للعمل في البورصة ، بينما زميله الذي داسها بحذائه يفتقر بالمقابل الى المعطيات التي تؤهله لذلك ؟
أو هل أريد الإيحاء بأن من وُهب نعمة رؤية لحن الكنار وليس فقط سماعه هو الذي سيكون بمقدوره ، ودون سواه ، سماع ما يختبئ وراء رموز الرسم البياني لليورو أو الدولار من أصوات ؟
لا ، لست من السذاجة ، اخي القارئ ، بحيث أظن أن بامكانك أن تقبل مثل هذا الإدعاء ، ولكن ، أستطيع أن أؤكد بكل اليقين ، وبكل الثقة والخبرة والمعرفة والممارسة ، أن الرجلين المذكورين هما أقدر من غيرهما على فهم ما يصعب فهمه ، وإدراك ما لا يستساغ إدراكه ، واستيعاب ما يثقل استيعابه . هما اقدر على كل ذلك لما وُهبا من نعمة ، وما أوتيا من هبة ، وما خُصا به من مكانة ، وما فُتح لهما من أبواب .
وبعدُ ،
فمن هي النخبة إذا ؟
وكيف لنا أن نحدد شروط الإنتماء اليها ؟
ومن هو القادر ان يدخل الى حيث نحن ؟
غريب أمر هذا البحث ، فهو يحملني تباعا الى استطرادات . ثمة حادثة لفتتني ولن أمر دون التوقف عندها .
ما زلت أحمل ذكرى قديمة من زمن دراستي الثانوية . أستاذ الادب العربي كان وقتها من المميزين العقلانيين الموضوعيين الباحثن دوما عن الحقيقة ، باعتماد المناهج العلمية القائمة على المقارنة والقياس والاستنباط .
كان رحمه الله - بحسب ما ذكراي له - من نخبة النخبة.
حدثنا يوما عن شاعر عربي قل من طلاب المدارس الثانوية من لا يعرفه قال :
ابن الرومي هو.... ..... ..... كان شاعرا مبدعا ... .... ..... ويقال إن وزير المعتضد القاسم بن عبيد الله كان يخاف من هجائه فدس له طعاماً مسموماً فمات.
من قصة ابن الرومي كلها تهمني فقط الجملة الاخيرة . هذا ما ورد في كتب الادب كلها . هذا ما تعلمه طلاب الادب كلهم . الوزير خاف من هجاء ابن الرومي فدس له السم فمات .
استاذ الادب العربي الذي أقدر ، توقف عند هذه الحادثة . رأى فيها خللا . هي تناقض منهجه العلمي . لم تقنعه . مضى يبحث عن كلام مقنع . وجد التفاصيل التالية الثابتة :
لابن الرومي قصيدة أبدع فيها في وصف الحلوى ، وبدا منها مقدار حبه لأصنافها ، واستساغته لأنواعها : منطلق جيد للبحث والتدقيق المنطقي . المنطلق للبحث عن الحقيقة هو من كلام قاله المغدور- المفترض - نفسه ( قصيدة شعر ) .
العوارض التي نقلها المؤرخون عن مرض ابن الرومي قبل موته ومرحلة احتضاره ، تقارب ، ان لم نقل تطابق العوارض التي تصيب مرضى السكري في مثل هذه الحالات : نقطة ثانية تدعم البحث العلمي .
ابن الرومي كان معروفا بحبه للوحدة . هو ككل الرومنطيقيين مكتئبا . زاد من حاله فقدُهُ لأولاده الثلاثة واحدا تلو الآخر . كان يقفل داره أياما على نفسه فلا يخرج منها .
كان يحب الحلوى ويأكل منها كلما سنحت له الفرصة ، لم يكن يقوم بأعمال جسدية تتطلب مجهودا ، كل هذه النقاط تجعل من إصابته بالسكري إحتمالا عاليا .
مرض السكري لم يكن معروفا في ذلك العصر . التفسير الأقرب للتصديق بالنسبة لناقلي الخبر من مؤرخين ورواة : خوفٌ من الهجاء ، مؤامرة ، دس السم ، الموت .
تفسير استاذي - الذي أظنه واحدا من الذين زرعوا في نفسي حب البحث المنهجي الموضوعي العلمي في تفسير النتائج الصادرة عن مسببات ، والذي لازمني طيلة حياتي - هو اذا :
وزير المعتضد أراد أن يأمن شر هجاء ابن الرومي المحتمل ، فلجأ الى إكرامه والإفراط في إطعامه ، فقدم له أشهى الحلويات وأغناها بالسكر . الرجل الذي نقدر إصابته بالسكري ،أكثرَ من طعام يُمنع اليوم منعا تاما عن كل مصاب بهذا المرض . فكان ان وافته المنية .
الفارق كبير بين الاحتمالين : إحتمال الإغتيال ، واحتمال الإكرام .
أنا لا اتردد أبدا في ترجيح الاحتمال الثاني ، ليس حبا بمن أطلقه ، بل إحتراما لمبدأ الاعتماد على العقل في كل أحكامنا .
أنا لا يهمني اليوم سبب موت ابن الرومي ، أنا لا أتوقف عند حادثة جرت منذ قرون ، سيّان عندي إن كان خبر المؤرخين هو الأصح أم تحليل أستاذي ، أنا أهتم فقط إلى طريقة جديدة علمية في التفكير والبحث والتدقيق قبل إصدار الأحكام .
أنا على يقين بأن أستاذي لمادة الأدب العربي منذ ما يقارب الاربعين عاما ، كان سيكون تاجرا مبدعا في البورصة لو قدر له أن يتعرف على هذه التجارة فيمتهنها .
آه منك أمتي !
منذ اربعين عاما ، سمعت هذا الكلام . لو انك اعتمدت منذ اربعين عاما مثل هذا المنهج في اختيار نُخبك ! ترى أين كان سيكون مقامنا اليوم ؟
آ
هاتي عليك أمتي !
والى استطراد ثان ، ألمعذرة فقد أطلنا !
كنت منذ فترة وجيزة أتابع حوارا على إحدى القنوات الفضائية حول موضوع سياسي يتعلق بأحداث مأساوية يعيشها واحد من البلدان العربية في المرحلة الراهنة . الحوار بين اثنين من حملة شهادة الدكتوراه . كلاهما يحمل لقب دكتور .
بدأ الحديث هادئا ومضت الدقائق الأولى على خير . وفجأة ثارت ثائرة واحد من السيدين المحترمين لكلمة تلفظ بها زميله لا تتماشى مع معتقداته ، فكال له ما تيسر من التهم والشتائم ، وما صمت إلا وقد سال لعابُه على شفتيه وبدت الرغوة بيضاء بشعة عند نقطتي التقائهما .
وجاء دور الثاني فأمِلت أن يكون نموذجا للدكتور العقلاني الهادئ المتزن ولكن الخيبة كانت من نصيبي . كان همّ الرجل أن يثأر لا أن يُقنع . ألثأر ، ثم الثأر ، ثم الثأر . وهكذا كانت له جولات وصولات استعمل فيها يديه في حراك مستديم ، وعينيه في جحوظ مقيت ، أكثر من استعماله للسانه ، وبلغ به الحنق أن وقف وانحنى فوق الطاولة التي تفصله عن زميله - عفوا عن غريمه - لعله يُسمعه بشكل أفضل فيتمكن من إقناعه بسلامة وجهة نظره .
وفي كل هذه الحفلة المضحكة ، كان الأكثر سخرية موقف مقدم البرنامج - هو دكتور ايضا - . إن صراخه لم يكن أقل وقعا ولا أضعف حدة من صراخ ضيفيه .
جاء الوقت المخصص لاتصالات المشاهدين . خطرت لي خاطرة . أسرعت الى الهاتف . طلبت الرقم وانتظرت طويلا . أردت أن أسأل الضيفين ، كما مقدم البرنامج سؤالا .
أحجمت في اللحظة الأخيرة عن طرح السؤال . لم أشأ أن أحرج العناتر الثلاثة في بث تلفزيوني مباشر .
هل تريد أن تعرف ، أخي القارئ ، أي سؤال كنت أريد طرحه ؟
حسنا لن أبخل عليك . وددت أن أتحدى الدكاترة الثلاثة بأن يبرهن واحدٌ منهم على الأقل معرفته لعدد أسنانه . كنت على ثقة تامة بأن كل واحد من الثلاثة سوف يسارع الى إدخال أصبعه - على الأرجح أبهامه - في فمه متلمسا أسنانه ساعيا لإحصاء عددها .
لا ، لا يمكن باي حال من الأحوال ، لأي واحد من الثلاثة ان يكون تاجرا في البورصة ، كلهم غير مؤهلين لهذه الصفة ، كلهم غير جديرين بهذه المرتبة ، حتى ولو حمل الواحد منهم عشرة ألقاب ، إلى جانب لقب " دكتور " الذي يحمله .
يا ثلاثة يسارع واحدكم قبل كل شيء ، وفي كل رد الى الثأر !
يا ثلاثة لا يحتمل واحد منكم القدرة على تقبل نقد ولو بناء !
يا ثلاثة لا يعرف واحد منكم أن يجري نقدا ولو ذاتيا !
يا ثلاثة يعتقد كل واحد منكم أنه دوما على حق !
يا ثلاثة لا يقبل واحدكم رأيا مخالفا لما يراه !
يا ثلاثة ، أنتم السوقة والنخبة منكم براء !
يا ثلاثة ، أنتم السوقة والنخبة هي نحن !
النخبة إخواني هي نحن ، جماعة القادرين على تمييز الصواب من الخطأ . هكذا بالإختصار كله ، وبالبساطة كلها .
النخبة إخواني هي نحن ، أهل الصفاء القادرين على اتخاذ القرار الصائب ، القرار المبني على التحليل والتدقيق والاختبار والمقارنة والقياس والاستنتاج والاستنباط ، بصرف النظر عن أهواء النفس وميولها ، وعن تسلط المشاعر وشذوذها .
ألنخبة إخواني هي نحن ، أهل الواقعية القادرين على الأعتراف بالخطأ إن عثرنا ، والساعين الى تصحيح الخطأ إن قدرنا .
النخبة إخواني هي نحن ، أهل الهوى والعشق ؛ هوى العقل ، وعشق المنطق . هوى الموضوعية في البحث ، وعشق المنهجية في إصدار الأحكام .
النخبة لا تعترف بألقاب أو مراتب . عرفت في حياتي الكثيرين من أصحاب العلم والفكر الذين لم ينطقوا الا بالكفر والضلال ، كما عرفت الكثيرين من الأميين المتواضعين الذين إن نطقوا أصغى الى كلامهم أعقل العقلاء
قلنا حتى الان الكثير ، ولم نقل بعد ، اخي القارئ ، ما تتشوق لسماعه عمن هو مؤهل ، ومن هو غير مؤهل للعمل في البورصة .
أعذرني فقد تقدم الليل ، وتمكنت من نفسي بعد ما مر من أفكار وأقوال كآبة ، قد تحول دون الحكم الذي أطمح اليه . فإلى القسم التالي من المقال ، في الاسبوع القادم أو الذي يليه ، حيث نبدي في الأمر رأيا ، نأمل أن يقارب الصواب ، إن شاء الله .
- 05-01-2008, 08:23 PM #28
رد: { مقالات الأستاذ أيمن بارود }
الرفع للأهمية
- 09-01-2008, 08:20 PM #29
رد: { مقالات الأستاذ أيمن بارود }
البورصة: للنخبة أم للجميع ؟ ( 2 )
البورصة اذا ليست لكل من دفعه التوق اليها ، هي تصد الكثيرين وتفتح لغيرهم ذراعيها .
فئة معينة هي التي تفلح في الوصول الى المُراد ، سمّها ما شئت .
هي النخبة من بين المتقدمين ، هي صفوة الراغبين ، هي خلاصة التواقين .
المهم هو أن هذه الفئة تميزت عن غيرها بامتلاكها عنصرين اثنين ، يكوّنان شروط النجاح ، ويؤمّنان تحقيقه إن هما توفرا . عنيت بهما المعرفة والقدرة .
هناك بين الراغبين من يعرف كيف يحقق النجاح ، ولكنه للأسف لا يستطيع . يرى الربح على قاب قوسين منه ، ولا يبلغ منه شيئا .
هناك بينهم من يمتلك الإستطاعة بما توفر له من قدرات نفسية ضرورية ، ولكنه للأسف لا يعرف كيف يبلغ الربح .
هناك طبعا من الراغبين من لا يعرف كيف يبلغ الربح ولا يستطيع تحقيقه فيما لو قدر له أن يعرف .
فقط تحقق الربح فئة أكاد أن أجزمَ بأنها تقل عن نصف أعداد المتقدمين ، هي التي
(تعرف كيف ) و ( تستطيع أن ) .
هي النخبة التي لا بد من الانتساب اليها قبل اكتساب حق الدخول الى ناديها !
هل يمكن أن أصير من النخبة وكيف ؟
بدون تردد ، وبثقة وصدق تامّين ، أؤمن بأن من أراد استطاع . وإن كان الدربُ مسلكه وعر ، تسلق قممه شاق ، حجارته الصوّانية تدمي القدمين .
المعرفة لا بد منها كخطوة اولى .
ثمة معارف ضرورية لا بد من توفيرها بالدرجة الأولى لكل من أراد أن يدخل الى رحاب هذا العالم :
فهم المبادئ الاساسية للفوركس أو للبورصة بشكل عام ، التعرف الى آلية العمل ، طريقة البيع والشراء ، التعرف الى برنامج التعامل ، التدرب على استعماله ، إجراء الكثير من الصفقات الوهمية للتمرس على معايشة البرنامج وفهم كل أسرار عمله .
بعد التعرف على البرنامج يبرز سؤال مهم فارضا نفسه على كل راغب في هذا العمل :
ألآن أنا أعرف آلية إجراء الصفقات ، لكن عقبة جديدة تقف في طريقي .
متى عليّ أن أبيع أو أشتري ؟
إن عمليات البيع والشراء هي نتيجة لعملية تحليل للسوق ، يكون بدوره نتيجة للتعرف على فن التحليل التقني الذي يحتاج اتقانه للتعرف على مبادئ مرتكز اليها وهي كثيرة ، ثم بالتالي الى الكثير من الخبرة من أجل إتقانه واكتساب القدرة على إصدار أحكام تغلب فيها النتيجة الصائبة على المخطئة . إن درس مبادئ التحليل التقني والتعرف الى كل فصوله وفنونه ليس بالامر المستسهل لكثرة تشعباته ووفرة المؤشرات المستعملة فيه ، لذلك نرى البعض يكتفي بدراسة بعض منها ويعمل على تطبيقها بحيث اننا نسمع من يقول :
أنا اعمل فقط على هذا المؤشر ، أو على ذاك ، وأستخلص منه ما يفيدني في اتخاذ القرار .
إن درس مبادئ التحليل التقني هو أمر مهم وضروري لكل من أراد الوصول الى مرحلة استصدار الأحكام والاستقلالية التامة في عمله ، ولكنه من الضروري الاشارة الى ان دراسة هذه المعطيات ليست الا خطوة أولية على درب طويل يجب سلوكه لبلوغ مرحلة اصدار الأحكام الصائبة . هذا الدرب اسمه الخبرة والممارسة .
درب طويل . وهل يعني ذلك أن كل متعامل مبتدئ يتوجب عليه أن ينتظر سنوات وسنوات ليتمكن من اكتساب هذه الخبرة كوسيلة لتحقيق نجاح ؟
هنا لا بد من الإقرار بأن الاعتماد على التحاليل الصادرة عن خبراء موثوقين والإفادة منها كوسيلة داعمة للمعلومات ومثبتة للخبرة يمكن ان يكون الحل الأسلم في المرحلة الاولى .
من جهة أخرى لا بد من الاشارة الى ان التحليل التقني والعمل عليه رغم اعتماده من قبل فئة لا يُستهان بها من المتعاملين دون غيره من السبل ، يحتمل أيضا بعض التشكك في مراحل معينة من مراحل العمل ، إذ غالبا ما نشهد كسرا لكل نتائجه المنطقية بنتائج بيانات اقتصادية ، أو بإعلان عن خبر مستجد على الساحة السياسية او غيرها ، فإذا الموازين تنقلب فتتعطل مفاعيل التحليل التقني ، لتحل مكانها مفاهيم أخرى خاضعة فقط للتأثيرات التي تركها هذا الخبر في نفوس جمهرة المتعاملين ، وإذا النتيجة تنعكس هلعا وهروبا من السوق ، أو رغبة وإقبالا جنونيا عليه .
بناء على كل ما تقدم فإن القرار الأفضل والرأي الأرجح يكون باعتماد الوسيلتين مندمجتين متلازمتين .
عنيت بكلامي : التحليل التقني ومتابعة الاخبار المستجدة بالسرعة والدقة الممكنة ، ومحاولة تحليلها واستصدار الحكم المناسب المتعلق بانعكاسها على السوق ، لبناء الخطة المناسبة انطلاقا من التحليلين بشكل متواز
( التحليل التقني + تأثير الأخبار والبيانات عليه ) .
هاتين الوسيلتين الضروريتين لتسهيل النجاح - عنيت خلاصة التحاليل التقنية المتجددة والاخبار المؤثرة المستجدة - هي ما نعمل على توفيرها مساعدة لكل من يرغب أن يخطو خطواته الاولى في هذا الدرب ، سعيا الى تحقيق نجاحات توصل فيما بعد الى الاستقلالية التامة في العمل .
علم التطبيق الناتج عن مرحلة اكتساب المعرفة .
والآن ؟
امتلكت المعرفة ، أو تلقيتها من صاحب خبرة .
هل تحققت الشروط اللازمة لتحقيق النجاح ؟
هل يتم تصنيفي من اهل النخبة ؟
قطعا لا .
لا بد من التنبه الى المعادلة التي تبنى عليها التجارة في البورصة : هي علم التطبيق الناتج والتابع لمرحلة اكتساب المعرفة .
أنتسبُ الى النخبة إن انا نجحت في تحويل المعرفة الى ربح .
لكي يتيسر لي ذلك يجب علي أن ألتفت الى الناحية النفسية المعنوية المكونة لشخصيتي فأسهرً على بنائها لترتفعً وأرتفع معها الى ما فوق التصرف الغريزي المدمر .
1 - لا يحق لي أن ألجأ للرد على الإساءة بالثأر .
وإن كنت من الفئة التي تستسلم فورا في حياتها الخاصة وعلاقاتها الاجتماعية الى مشاعر الانتقام تنفيسا لكل غضب وإخمادا لكل ثورة متأتية من ضرر لحق بها من خصم أو عدو ، فعلي أن أسعى وبكل جهد لتهذيب هذه الطباع وتخريجها من دائرة الانغلاق المدمر في عتمة هذه المشاعر الغرائزية المعتمة .
أنا لا أقول ما أقول رغبة في التحول الى جو الإصلاح الإجتماعي الرحب - على كِبَر وعِظم هذه المهمة - بل لما تحتويه هذه الملاحظة من أهمية في حياة التاجر في أسواق المال .
لطالما سمعت استغاثة من ملدوغ في السوق يصرخ الي بانفعال عميق وحرقة مؤثرة :
أشر عليّ بشيء ، لقد ظلمني السوق وأبغي الثأر منه .
وها أنذا أقولها بكل وضوح وشفافية . ما ازعجني كلام سمعته من متعامل بمقدار ما أزعجني هذا الكلام . وما أشفقت يوما على محدث من محدثيّ بمقدار شفقتي على ناطق بهذا الكلام . أشفقت عليه لعلمي المسبق بانه خاسر في ثأره وانتقامه ، كما كان خاسرا في منازلته الاولى .
فليعلم كل مناضل في هذا السوق ان النضال فيه سياسي فقط ، وفقط سياسي . كل الاسلحة الدبلوماسية مباحة ، لكن مجرد التفكير بالحرب تعني الخسارة .
السوق دوما على حق . الغلبة له دوما بمجرد التفكير بمخاصمته .
عرفت الكثيرين من الذين خسروا أرصدتهم العالية في يوم واحد . البدايةكانت بصفقة خاسرة . التالية كانت انتقاما للأولى . الثالثة كانت ثأرا للثانية وبعقود أكثر ليغسل الثأر بعضا من دماء الصفقة الأولى . أما الرابعة فكانت صفقة الاستسلام النهائي المخزي .
عرفت الكثيرين من هؤلاء ، أسديت النصح لكل من عرفتهم ، سمع البعض ونجا ، إستسلم البعض لغريزة الثأر والانتقام ممن جعلوا منه خصما لئيما غدارا قهارا لا يسهل سحقه ، والنتيجة كانت محتومة لجميعهم .
أسفي عليهم جميعا ، أسفي ومرارتي على من أحببت منهم .
هنا لا أنصاف حلول ، إما أن أكون نخبويا ، أو لا أكون !
هكذا نبهت الكثرة ، وهكذا أنبهكم !
2 - لا يحق لي أن أكون غضوبا .
وإن كنت في حياتي الخاصة سريع الغضب ، فوّار الدماء ، فعلي أن أسعى بكل جهدي ، وأعمل بكل قوتي ، إلى تليين طباعي وتهدئة اندفاع إنفعالاتي ، قبل أن أباشر عملا مع شريك - السوق شريكي - لا يمكن أن يتعايش مع غضوب ثائر قهار .
الغضب لا ينتج عنه إلا قرارا خاطئا ، هذا في حياتنا الخاصة .
كيف اذا في سوق المال الذي يتطلب الكثير الكثير من الاناة والتؤدة والتروي ؟
في هذا المكان الغضب حق حصري للسوق فقط .
الثورة شيمة مرصودة للسوق فقط .
القهر خلق معقود للسوق فقط .
حذار من التعدي على ما يعرف السوق انه له ! وإن غضب السوق أو ثار ، حذار من التصدي له، إلزم الحذر والصمت والمراقبة ، إلى أن تنجلي العاصفة .
هكذا تفعل النخبة !
بهذا أشرت على الكثيرين ، وبهذا أشير عليكم !
3 - لا يحق لي أن أكون طامعا ، يجب أن أكون طامحا . والفارق كبير بين الحالتين .
ما عرفت طامعا بالربح وقد ربح . مصير صفقاته الخسارة ، لا للعنة حلّت عليه أو عليها ، بل لخطأ في المنطلق وعلّة في التخطيط .
الطماع رجل يسعى الى ما ليس له ، والسوق لا يعطيك إلا ما هو لك .الكلام ليس مبهما اخي الراغب ، هو واضح كلّ الوضوح . تبصّر به معي وستنجلي لك الحقيقة بشموسها .
الطمع شعور شيطاني وفعل جهنمي مدمر للتفكر وللتبصر وللتروي . هو لا يؤدي إلا الى طغيان الانفعالات ، ولا يثمر الا تسرعا مدمرا . الطموح فعل مبارك تنمو به القدرات الفكرية فتزهر وتثمر صوابا وصحة أحكام .
الطمّاع في الحياة ينظر بعين الحاسد الفارغة ، فيقع حيث لا يدري .
الطمّاع في السوق يربح ويريد أكثر ، فإذا هو يضيّع ما كان ربحا .
الطمّاع في السوق مهووس بتحقيق الربح غير ساع اليه ، مهووس به ولا يبلغ المهووس مراده إلا في ما ندر .
الطمّاع متسرع في كل شيء ، في تخطيطه للقرار تراه متسرعا ، في اتخاذه للقرار تلقاه مغمضا ، في تعديله للقرار خشية ، في تراجعه عن القرار ندما .
وهل يصدق مخلوق عاقل أن متسرعا مغفلا نادما خاش قد أصاب يوما نجاحا .
أصدقكم القول : أنا ما عرفت .
الطامح راض بقسمة الله له . الطامح لا يقول إلا هذا نصيبي ، آكل من خير ربي وأدع لغيري ما يصيبه أيضا . الطامح لا يفتح صفقته لانه يريد ، أو لأنه يجب ، أو لأنه لا بد ، أو لانه يصمم على تحقيق الربح . هو يفتح صفقته داعيا ربّه أن يخصه بقسط من الربح ، ويرضى بما يحققه منه ، حتى ولو حققت الصفقة التي كان يحملها مئات النقاط بعد أن يكون قد جنى حصته منها . ما سمعته الا قائلا : لغيري أيضا الحق بان يصيب مقدارا . الطامح غالبا ما يربح شيئا .
أنا اعرف ذلك ،
وأنا أصدقكم القول : النخبوي طامح وما من نخبة تقرّ بالطمع منهجا لسلوكها .
بهذه الحقيقة واجهت الكثيرين ، وبها أواجهكم !
4 - لا يحق لي بأن ارى العنزة وقد طارت ، وأستمر بالإصرار على كونها عنزة . علي بالإعتراف انها طائر .
ألإعتراف أسلم وأرقى وأسهل من الإثبات أو الإقناع بأن هناك من بين الماعز ما يطير . هذا قانون مهم في نادي النخبويين .
ألإعتراف بالخطأ مدرج للعودة عنه وتجنب المزيد من الخسائر .
ألإعتراف بالخطأ هو الشرط الأساسي لعدم الوقوع به مرة جديدة .
إقفال صفقة مفتوحة بعد تكشف الخطأ في فتحها ، هو تنفيذ لقرار شجاع عاقل موضوعي وعقلاني . تعليق إقفال صفقة عنادا وتشبثا يتضمن الخطر الذي يمكن ان يكون هائلا ومدمرا .
ما هاكدا تكون النخبة .
5- الموضوعية ، الروح العلمية ، البحث عن الطريق الصواب ، التحليل والمقارنة ، صفات نخبوية لا يصح التقليل من أهميتها .
تعنيني قضايا سياسية معاصرة كثيرة ، هي مطروحة حاليا كما كانت غيرها مطروحة سابقا في وقت ما . قد أؤيد رأيا يتبناه حزب أو زعيم أو فريق .
أؤيد رأي الزعيم أو الرئيس ، ولا أؤيد الزعيم أو الرئيس . إن انزلقت الى الخلط بين الاثنين فقد شذذت عن طريق النخبة وعلي أن أصحح المسير .
خلطي بين الحالتين يعني خروجي عن شرط الموضوعية ، والروح العلمية ، والتحليل العقلي المجرد .
لا يحق لي أن اعاند . السوق لا يُعاند . ليكن شريكي ولو لدودا .
الخروج عن هذه الشروط تعني الخروج من ناد اسمه : نادي النخبة .
هذا هو الدرب الذي سلكت ، وعليه ادلكم !
6 - الانتماء للنخبة يعني : لا للانتماء الى فريق القطعان الهالعة والراغبة .
القطعان !
هم لا يركضون الا سوية ، لا يعرفون الى أين ، ويجهلون السبب . تكفي إثارة إشاعة ما ، سلبية أو إيجابية ، لينطلق القطيع .
ألقطيع ليس النخبة . يأتي الشيء ولا يعرف سبب إتيانه له .
أما لاحظت مرة اندفاع السوق بشكل جنوني صعودا ولو نزولا ؟
أما سبق لك وتساءلت عن السبب ؟
أما تحسرت على عدم مشاركتك في الجري الحاصل ؟ أما قفزت مرة الى القطار المسرع فحققت ربحا كبيرا ؟ أما جربت مرة ثانية ووقعت من القطار مهشما ؟
أخي المتعامل لا تندم ، ولا تتحسر على عدم وجودك في سوق يجري بجنون . لا تندم على ذلك ولا تجرب البتة القفز الى قطار مسرع . سلامتك هي المطلوبة . إن ربحا يتحقق في مثل هذه الصفقات وتحت هذه الظروف ليس ربح الشاطر ولا ربح الشجاع ، إن هو إلا ربح الظروف التي آتت ، والظروف لا تؤاتي في مرة لتعود فتعاكس في أخرى .
ربح النخبة لا يكون بهذه الطريقة .
هكذا علمت من احببت ، وهكذا اعلمكم !
أخي القارئ : ثق بما أسره لك !
النجاح في عالم المال هذا هو لنخبة منتقاة .
لا تجزع . بمقدورك أن تدخل هذا النادي .
نصيحتي لك : حتى لا يرفض طلبك بالانتساب اليه ، فتصب بالصدمة المدمرة ، جهّز نفسك ، تأبط قوس المعرفة مرفقا ببعض السّهام . وهذا ليس إلا خطوة أولى .
إلتفت إلى طباعك ، هذبها ، شذب ما بَطل فيها ، إبنٍ شخصية التاجر الأديب .
ثم بعزم الشجعان لا تطرق الباب . أدخل ، ونحن بك مرحبين !
- 14-01-2008, 11:19 PM #30
رد: { مقالات الأستاذ أيمن بارود }
السوق دوما على حق
كان السوق أمس صعب المراس ! السوق دوما صعب المراس .
كان السوق أمس معدوم الشفافية ! السوق دوما معدوم الشفافية .
ليس من العدل ان تعج كلمة " تريشه " بالايجابيات ثم نفاجأ بتراجع اليورو ! صحيح في الامر ظلم للكثيرين .
ليست كلمة " تريشه " هي التي تحدد مسار السوق بل فهم السوق لها وتفاعله معها .
ما يحرك السوق باتجاه معين هي الرساميل التي تصب بهذا الاتجاه أو ذاك ، وغالبا ما يحصل ذلك لسبب عاطفي أكثر منه عقلاني .
هذه هي البورصة وهي دائما على حق .
حدثان شديدا الشبه يوم أمس :
تراجع اليورو الذي سبب خسارة للبعض ، وتدافع الحجاج في مكة المكرمة الذي سبب مأساة للكثيرن .
كلاهما نتيجة لسبب واحد .
في الحالتين هناك من يهرب ولا يعرف من أي خطر ، هذا هو السوق . وان صار كامل الشفافية بطل كونه سوقا . لو صار كامل الشفافية لأمسى كل داخل اليه رابحا ، ولأفتقرنا الى من يصنع الخبز والثياب والبيوت وغيرها من حوائج الحياة .
بوضوح أكثر : تكلم السيد " تريشه " رئيس المركزي الاوروبي .
ألقى بيانه بكل هدوء . كل شيء تقريبا إيجابي . لا مدعاة للقلق . جاءت ساعة أسئلة الصحافيين الذين غالبا ما يتحولون الى محققين عدليين .
ظهر على السيد تريشه بعض التردد حيال بعض الاسئلة الحساسة . هو غير واثق من كون النمو قد خطا الخطوات الكاملة لتعدي دائرة الخطر . هو لا يستطيع ان يؤكد وان يحدد متى سيأتي وقت الخطوة التالية لرفع الفائدة . هو لا يستطيع أن يسمي الامور بأسمائها . يريد ان يكون متحررا من التزام ما . أسقطه الصحافيون في الامتحان وتعلق المتعاملون بكلمتين تحملان معنى السلبية متناسين كل الايجابيات التي سبقت .
هكذا هو السوق !!
ولكن هل يصح القول بأن ارتفاع الدولار وتراجع اليورو وغيره من العملات الرئيسية كان فقط لهذا السبب ؟
طبعا لا !
لا يجب نسيان الميزان التجاري الاميركي الذي أظهر تراجعا للعجز بنسبة فاقت ما كان السوق يتوقع لها اذ تراجعت الى ما دون ال 65 مليارا .
اذن الحيرة كانت قائمة والميزان يتأرجح . يتأرجح بين ايجابيات البيان الاميركي الذي يسمح بارتفاع الدولار وبين بيان المركزي الذي يسمح بارتفاع اليورو . في هذا الوقت جاءت كلمات " تريشه " المترددة فغلبت كفة الدولار على اليورو ورجح الميزان الى ناحيته .
هل هذا فقط ؟
طبعا لا .
بل كما يحصل دوما في مثل هذه الحالات فقد تفعلت ستوبات كثيرة كانت تتواجد تباعا في السوق فوق المقاومات المتتابعة وتحت الدفاعات المتتالية فكان الهلع وكانت كرة الثلج وكان ما كان .
هل يعني ذلك ان الدولار قد استعاد شبابه وجدد عافيته ؟
لنكن واقعيين . طبعا الجواب نفيا .
ان تراجع العجز التجاري بضع المليارات ليس كافيا للذهاب هذا المذهب . لا بد من انتظار مؤشرات أكثر تعبيرا . مؤشرات توحي بالثقة إنتاجا وبطالة واستهلاكا وهذا ما سيعطي الاسابيع القادمة أهمية متجددة لعلها تحمل الخبر اليقين .
حتى الان لا نزال في نطاق التخمين . التخمين على الصعيدين الاميركي والاوروبي . ما هو مؤكد الان ان نهاية الجاري سترفع الفائدة مرة واحدة على الدولار . ما هو مرجح جدا انه في مارس سترفع الفائدة مرة واحدة على اليورو .
البيانات القادمة ستنبئ اذا بما يلي
المواضيع المتشابهه
-
راس الحكمة منع الخسارة - (أيمن بارود) ،،،
By محمد البدر in forum سوق تداول العملات الأجنبية والسلع والنفط والمعادنمشاركات: 25آخر مشاركة: 16-09-2012, 09:38 PM -
مقالة من مقالات الاستاذ ايمن بارود
By albahr in forum سوق تداول العملات الأجنبية والسلع والنفط والمعادنمشاركات: 8آخر مشاركة: 24-08-2010, 08:32 PM -
البورصة : للنخبة أم للجميع ؟ ( 1 ) - أيمن بارود
By محسن محمد in forum سوق تداول العملات الأجنبية والسلع والنفط والمعادنمشاركات: 2آخر مشاركة: 20-01-2006, 06:47 PM -
حديث الأسبوع (غلطان يامعاند بحر) أيمن بارود
By محسن محمد in forum سوق تداول العملات الأجنبية والسلع والنفط والمعادنمشاركات: 4آخر مشاركة: 22-10-2005, 04:48 PM