الاقتصادية - يجب رسم حدود الأدوار التي تلعبها البنوك المركزية بشكل واضح.

ما مستقبل التمويل؟ القرارات التي تتخذ بسرعة تعطي جوابين يمكن أن ينطويا على أهمية بالغة: التحول إلى البنوك مرة أخرى وبعيداً عن الأسواق كجهات وسيطة، وظهور قلة احتكارية من البنوك العملاقة التي يعتبر كل منها أكبر من أن يفشل. هذه التطورات تثير مخاوف كبيرة.
ويتناول مارك كارني، محافظ بنك كندا، بعض أكبر هذه المخاوف في عدد "فاينانشيال تايمز" لهذا اليوم. ويلاحظ في هذا الصدد أن "بعض الأسواق تعيش حالة من الجمود حالياً". ويضيف أن نتيجة ذلك تمثلت في عكس التحول السابق من البنوك إلى الأسواق وفي وجود ضغط هائل على رأسمال البنوك وقدرتها على الإقراض. وهذا الأمر يحوّل أزمة مالية إلى أزمة اقتصادية.
ولا يمكن المبالغة في مغزى وأهمية انهيار "نظام الظل المصرفي". ففي الولايات المتحدة خاصة، شكلت الوساطة غير البنكية نصف عمليات الوساطة. وفي المملكة المتحدة تسبب إغلاق أسواق البيع بالجملة في تراجع تمويل قروض الرهن العقاري بشكل كبير وألحق دماراً بالمؤسسات التي تعتمد عليها بشكل كبير.
ومن أهم المسائل التي أثارها كارني مسألة الدور الذي ينبغي أن تلعبه البنوك المركزية في إعادة فتح أسواق المال المغلقة. وجوابه على ذلك واضح ومثير للجدل. إن الجهات غير البنكية المشاركة في الأسواق ـ وهي صناديق أسواق المال، وصناديق التقاعد، وصناديق التحوط ـ تبدي تردداً في معاودة الدخول إلى الأسواق التي تعتبر فيها السيولة غير مضمونة. ويرى محافظ بنك كندا أن "هذا وضع يستوجب قيام البنوك المركزية بالنظر في العمل كصانع الملاذ الأخير للأسواق وذك بأن تصبح طرفاً مقابلاً لعدد واسع من المشاركين في السوق".
وما من شك في أن هذه فكرة مثيرة للجدل، لكن يجب على السلطات أن تواجه هذا الأمر، ويحسن بها أن تفعل ذلك بصورة جماعية.
وإذا لم تتمكن هذه الأسواق من معاودة فتح أبوابها، عندها ينبغي توفير أموال كافية للبنوك كي تحل محلها. ويتطلب هذا الأمر ضخ كميات ضخمة من الأموال التي تقدمها الحكومات. ومن شأنه أيضاً أن يعزز وجود قلة من البنوك الاحتكارية الجديدة.
لكن إذا عاودت الأسواق فتح أبوابها من خلال عمليات التدخل التي يوصي بها كارني، فقد تكون نتيجة ذلك بقاء الأسواق غير القادرة على تأدية وظيفتها. وزيادة على ذلك، فإن امتداد وظيفة مقرض الملاذ الأخير لهذه الأسواق الضعيفة يستلزم توسعة كبيرة للدور الإشرافي الذي تمارسه البنوك المركزية . وربما يفشل هذا بدوره.
إن الخيار الأول يبدو مروعاً ومخيفاً، أما الخيار الثاني فيعتبر خطيراً. لكن ربما أمكن التوصل إلى حل وسط تقتصر فيه وظيفة صنع الأسواق على الأوراق المالية التي يتم اعتمادها بشكل مسبق. ومن المؤكد أنه يجب حل الموضوع لأنه لا يحدد الكيفية التي يستطيع بها العالم أن يتجنب الأزمة الراهنة فحسب، بل يحدد أيضاً هيكل التمويل العالمي في المستقبل. إن المحافظ كارني على حق في طرح هذا التحدي. وعلى نظرائه أن يتحلوا بالجرأة والبدء بمعالجته.