النتائج 1 إلى 7 من 7
  1. #1
    الصورة الرمزية بشير
    بشير غير متواجد حالياً عضو نشيط
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    الإقامة
    شرق السعودية
    المشاركات
    2,704

    افتراضي في البدء كانت الفكرة.. بقلم : د. بثينة شعبان

    في البدء كانت الفكرة.. بقلم : د. بثينة شعبان
    أعلن العديد من المتحدثين الاقتصاديين أنهم حاولوا جاهدين إجراء مقابلة مع أيّ من المسؤولين عن الشركات أو البنوك التي أعلنت إفلاسها ولكن دون أيّ نجاح، ولكن أحداً لم يثر ضجةً هنا عن التّكتم المريب عن الأسباب التي تكاد تودي بالاقتصاد العالمي الى الانهيار. حتى أنّ أحداً لا يعلم بدقة الفرق بين نتائج هذه الأزمة على المتقاعدين والفقراء والموظفين العاديين وبين نتائجها على كبار أصحاب رؤوس الأموال والأسهم، إذا ما كان لها من نتائج على هؤلاء. جميع التقارير المتخصّصة تشير الى أنّ الفئات الأفقر والأضعف هي الأكثر تضرراً، ولكن كلّ هذه الأسئلة الجوهرية لا تجد طريقها الى صفحات الصحف أو شاشات التلفزة لأن الذي يمتلك الحصة الأكبر في رأسمال الشركات هو ذاته الذي يمتلك الصحف والقنوات الفضائية، ولذلك فإنّ التحكم بالعملية الاقتصادية والإعلامية هو تحكم واحد وذو مركز واحد. ولكن، ورغم إحكام السيطرة، تقرأ أحياناً مقالات تحاول أن تسلّط الضوء على النتائج المستقبلية للأزمة والثورة الثقافية التي قد تنجم عن مثل هذه الأزمة المالية والاقتصادية. وفي هذا المنحى فقد نشر وزير الخارجية الأمريكي السابق هنري كيسنجر مقالاً هاماً بعنوان: «ماذا تعلمنا من فيتنام»، كما نشر الكاتب دافيد بروكس مقالاً هاماً آخر في الوقت نفسه بعنوان «ثورة التصرفات»، ومع أنّ المقالين مختلفان تماماً إلا أنهما يتوصّلان الى نتائج متقاربة جداً في المناحي الاجتماعية والاقتصادية، وهذه النتائج بحاجة الى توضيح وتعزيز وتفسير أحياناً.
    هنري كيسنجر ودافيد بروكس (الهيرالد تريبيون29/10/2008) يؤكدان من خلال الشرح والتحليل والموضوع المختلف تماماً في نقاشهما بأنّ هناك مشكلة في وعي الولايات المتحدة لما يجري في العالم حيث تعتقد النخبة الحاكمة أنها تدرك عمق وأبعاد ما يجري في العالم، ولكنّ التاريخ والأحداث تثبت عكس ذلك مرةً تلوَ الأخرى. يقول دافيد بروكس «إنّ النظر الى العالم وفهمه هي عملية صياغة المعاني التي تشكّل وتؤثر على سلسلة صناعة القرار». ويضيف بروكس «أنه وإلى حدّ نشوب الأزمة المالية كان الافتراض السائد هو أنّ أهمّ عملية في اتخاذ القرار هي إدراك مصلحتك، وأيّ الطريق الذي تسلكه يحقق مصلحتك بالشكل الأمثل، بغض النظر عن صوابية رؤيتك للوضع ككل، ولكنّ ذلك الافتراض فشل فشلاً ذريعاً خلال الأزمة المالية الحالية». كما صرّح آلان غرينسيان في شهادته أمام الكونغرس الأمريكي في الأسبوع الماضي، أنه صُدم لأن الأسواق لم تعمل كما كان متوقعاً منها. «لقد أخطأت في الافتراض بأن مصلحة المنظمات، وبشكل خاص البنوك، هي الأقدر على حماية مساهميها وحصصهم في هذه المؤسسات». ويضيف بروكس «وبالنظر الى الأزمة المالية القائمة، من السهل أن يجد المدقق عشرات الأخطاء في المفاهيم. فقد فشل التجار والصناعيون أن يدركوا كم الأمور مترابطة على المستوى الكوني وكيف يمكن لحوادث صغرى أن تتحول الى كوارث كبرى». وكان الكاتب الاقتصادي نسيم نيكولاس طالب قد حذر من امكانية حدوث هذه الأزمة في كتابه «الوزّة السوداء» "The Black Swan" حيث أكد على الرؤية المأساوية للعالم التي تحاول تنميط أشياء عصيّة على التنميط ويضيف طالب: «أنّ هناك نواقص وثغرات متوارثة بالطريقة التي نفكر ونعمل وفقها، وأنه لابدّ من الاعتراف بهذه الحقيقة كأساس لأي عمل علاجي فردي أو جماعي، وإذا كانت الأحداث الأخيرة لا تبرهن على كارثية وضعف الرؤية للعالم فلن يبرهن عليه شيء».
    وفي موضوع يبدو مختلفاً تماماً ولكنه يستعرض التاريخ ليتوصل الى استنتاج مشابه جداً، يستعرض هنري كيسنجر كتاب «دروس في الكارثة: ماغرغر بوندي والطريق الى الحرب في فيتنام» (1961- 1966). وفي مراجعته لهذا الكتاب، يستغرب كيسنجر استسهال قرار الذهاب الى حرب فيتنام حيث أن بوندي والذي كان مستشار الأمن القومي للرئيس كندي في عام 1960 يكتب للرئيس في تشرين الثاني 1961: «لقد سألتني حين كنا في المسبح ما هو رأيي، واليك رأيي. يجب أن نتفق على إرسال حوالي فرقة وقت الحاجة من أجل عمل عسكري داخل فيتنام». ولم يرافق هذا الرأي خيارات أخرى أو تعريف لما تعنيه جملة «حوالي فرقة»، ولا النتيجة الاستراتيجية المتوخاة من هذا العمل. ويعلّق كيسنجر: «حين تذهب أميركا الى الحرب يجب أن تكون قادرة أن تصف لنفسها كيف تعرّف النصر وكيف تنوي تحقيقه، أو كيف يمكن أن تنهي انخراطها العسكري وبأيّ دبلوماسية. في فيتنام أرسلت الولايات المتحدة قواتها العسكرية من أجل فكرة عامة تتعلق بالمصداقية وبحثاً عن مفاوضات لم يتم تعريف محتواها أبداً». فكرة المصداقية عبّر عنها بوندي بالقول: «من الأفضل لمصداقية أميركا أن تخسر بعد إرسال مئة ألف رجل من ألا تقاوم هانوي على الإطلاق». ويضيف كيسنجر: «إنّ إحدى نقاط القصور الأساسية في الرؤية هي الإحجام عن رؤية منطقة الهند الصينية كمنطقة استراتيجية واحدة. وبعد هزيمة أمريكا في فيتنام فإن المؤسسة الفكرية قد عزت النتائج المأساوية الى فشل التجربة الأمريكية وعدم الكفاءة الأخلاقية للقيادة الأمريكية». إنّ ما يؤكد عليه كيسنجر في مراجعته لهذا الكتاب هو عدم الإدراك لأبعاد الخطوة التي تُقدم عليها حكومة الولايات المتحدة، وتبعات هذه الخطوة، وكيفية الخروج منها، والأهداف الاستراتيجية لها والتي كان يلفّها الغموض والسطحية وعدم التدقيق. ولا يستطيع القارئ وهو يقرأ عن تجربة اتخاذ القرار للذهاب الى فيتنام إلا وأن يقارن مع اتخاذ القرار بغزو أفغانستان واحتلال العراق، والذي برهن أيضاً أنه قرار كارثيّ ليس فقط على شعبيّ البلدين وإنما على شعب الولايات المتحدة ذاته. والمشكلة تبدو كما قال دافيد بروكس في الافتقار الى مفهوم واضح ورؤية سليمة للعالم.
    والسؤال إذاً ماذا تفعل مراكز الأبحاث التي تنفق مليارات الدولارات والجامعات المشهود لها بعراقتها وقدرتها الأكاديمية والمعرفية؟ ومن المسؤول عن هذا النقص الخطير في فهم وإدراك الولايات المتحدة للعالم ولعواقب القرارات التي تتخذها إدارتها ورؤساؤها على البلدان المستهدفة وعليها هي ذاتها؟ في تعليقه على ضرورة إثارة بعض الأسئلة الجوهرية التي لم تتم إثارتها قبل الحرب على فيتنام، يقول كيسنجر: «على المرء أن يتذكر أن الحكومات تستمر من خلال احترام الحكمة التقليدية وليس من خلال تحديها.. ». إذاً كأيّ حكومة أخرى في العالم، فإنّ حكومة الولايات المتحدة في الستينات خاضت حرب فيتنام وخسرت حرب فيتنام جزئياً لعدم وجود من يمتلك الرؤية الدقيقة، ولعدم وجود من يمتلك الشجاعة ويطرح الأسئلة التي تتعارض مع الحكمة التقليدية. وها هو العالم اليوم يدفع ثمن استمرار النهج ذاته في الحكم، مع فرق واحد هو استخدام الإعلام لإظهار أنّ حكومة أقوى دولة في العالم تمتلك الحقيقة كلها، وأنها تعمل وفق وحي إلهي يقرّر لها الخطأ من الصواب ولا يمتلك أحد في العالم القدرة على تصحيح مسارها.
    علّ ديفيد بروكس وهنري كيسنجر ينجحان في تسليط الضوء على حقيقة هامة ألا وهي ضعف الإدراك، وضعف التصوّر، وضعف القيادة لدى من يتخذ قرارات بإرسال جيوش وأسلحة قبل أن ينفق الوقت والجهد اللازمين لإدراك حقيقة الوضع وما يتطلبه هذا الوضع والنتائج المتوخاة وكيفية تحقيق هذه النتائج والطرائق البديلة في حال مواجهة عقبات أو أوضاع غير متوقعة. إنّ ما تدعو اليه تداعيات أحداث الأزمة المالية اليوم هو أنّ الأهم من القوة العسكرية والمالية، هي القدرة على الرؤية والتفكير والفهم وصياغة تصوّر واضح للواقع الفعلي قبل إصدار الأوامر لإرسال الجيوش والأسلحة لشنّ حروب لم تتضح بعد أسباب شنّها أو الحصاد المتوقع من هذه الحروب.
    لقد أقرّت الشرائع السماوية والتجارب الانسانية أنّ الفكرة هي الأصل وأنّ أهم ما منحه الخالق للإنسان وميّزه به عن كلّ مخلوقات الكون هو فكره وعقله وقدرته على الفهم والحكم. ويمكن لنا جميعاً أن نتخيل ماذا يحدث للعالم حين تفتقر الدولة التي تمتلك أعتى قوة عسكرية إلى تصوّر سليم عن العالم، وتستسهل استخدام قواتها دون تمحيص وتدقيق وحساب مسؤول. بالتأكيد ستعود النتائج الكارثية على المناطق المستهدفة وعليها هي بالذات لأنّ الأمور الكونية أشدّ ارتباطاً ببعضها مما يتخيلون ويتوقعون. علّهم يتذكرون اليوم، بعد كلّ هذه الكوارث التي تسببوا بها منذ حرب فيتنام وحتى اليوم، أنه في البدء كانت الفكرة، وأن الفكرة الصحيحة والرؤية السليمة هما عماد القرار الناجح وليس إرسال القوات هنا وهناك دون تعقّل أو تفكير أو رؤية صائبة. ليست المشكلة أنهم لا يعرفون، ولكنّ المشكلة تبدو كأنهم لا يقرأون حتى حين يشهد شاهدٌ من أهلهم!!. إنّ ما نقرأه ونسمعه اليوم في كلّ المنتديات والمؤتمرات والوسائل الاعلامية يُري أنّ العالم برمته يستهجن ضعف الولايات المتحدة الثقافي والسياسي، واعتمادها فقط على إرسال قوات هنا وهناك. هل ستشهد الولايات المتحدة إدارةً جديدة تحاول إعادة التوازن إلى النظام السياسي وبشكل يتمّ



    في البدء كانت الفكرة.. بقلم : د. بثينة شعبان

  2. #2
    الصورة الرمزية الرقم الالكتروني
    الرقم الالكتروني غير متواجد حالياً عضو المتداول العربي
    تاريخ التسجيل
    Oct 2008
    الإقامة
    المملكة العربية السعودية
    المشاركات
    864

    افتراضي رد: في البدء كانت الفكرة.. بقلم : د. بثينة شعبان

    اشكرك اخي ولي عوده للموضوع
    توقيع العضو
    ++ سبحان الله و بحمده سبحان الله العظيم ++

  3. #3
    الصورة الرمزية عبدالكريم
    عبدالكريم غير متواجد حالياً عضو المتداول العربي
    تاريخ التسجيل
    Sep 2007
    الإقامة
    ليبيا
    المشاركات
    6,082

    افتراضي رد: في البدء كانت الفكرة.. بقلم : د. بثينة شعبان

    السلام عليكم ورحمة الله

    مقال رائع

    بارك الله فيك أخونا بشيرعلى هذا النقل الطيب



  4. #4
    الصورة الرمزية رانيا وجدي
    رانيا وجدي غير متواجد حالياً متـــداول بلاتـيـــــني
    تاريخ التسجيل
    Jul 2006
    الإقامة
    مصر
    المشاركات
    16,854

    افتراضي رد: في البدء كانت الفكرة.. بقلم : د. بثينة شعبان

    جزاك الله خيرا أخى بشير
    توقيع العضو
    متداول ومحلل محترف للأسواق المالية أسهم وعملات منذ 2006

  5. #5
    الصورة الرمزية Q8_FOREX
    Q8_FOREX غير متواجد حالياً عضو المتداول العربي
    تاريخ التسجيل
    Nov 2008
    المشاركات
    783

    افتراضي رد: في البدء كانت الفكرة.. بقلم : د. بثينة شعبان

    شكرا لك اخي بشير

  6. #6
    الصورة الرمزية بشير
    بشير غير متواجد حالياً عضو نشيط
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    الإقامة
    شرق السعودية
    المشاركات
    2,704

    افتراضي رد: في البدء كانت الفكرة.. بقلم : د. بثينة شعبان

    شكراً جزيلاً لكم جميعاً لمروركم الطيب
    الدكتورة بثينة يحس الانسان بالفخر وهو يقرأ لها
    امرأة عربية على قدر عال جداً من الوعي والثقافة وقريبة جداً من مركز القرار
    بصراحة انا معجب جداً بشخصيتها وبلغتها في الخطاب والكتابة
    الدبلماسية السورية شيء خيال
    الدكتور الشرع والدكتور المعلم والدكتورة بثينة يشعر الانسان بالاعتزاز والفخار قدر عال من الثقافة والوعي والحصافة وسرعة البديهة
    الله يرحمك يبوسليمان
    وبالخليجي(يبيضوا الوجه)

  7. #7
    الصورة الرمزية mahmoudh7
    mahmoudh7 غير متواجد حالياً عضو نشيط
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    الإقامة
    Egypt
    المشاركات
    6,605

    افتراضي رد: في البدء كانت الفكرة.. بقلم : د. بثينة شعبان

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بشير مشاهدة المشاركة
    في البدء كانت الفكرة.. بقلم : د. بثينة شعبان


    أعلن العديد من المتحدثين الاقتصاديين أنهم حاولوا جاهدين إجراء مقابلة مع أيّ من المسؤولين عن الشركات أو البنوك التي أعلنت إفلاسها ولكن دون أيّ نجاح، ولكن أحداً لم يثر ضجةً هنا عن التّكتم المريب عن الأسباب التي تكاد تودي بالاقتصاد العالمي الى الانهيار. حتى أنّ أحداً لا يعلم بدقة الفرق بين نتائج هذه الأزمة على المتقاعدين والفقراء والموظفين العاديين وبين نتائجها على كبار أصحاب رؤوس الأموال والأسهم، إذا ما كان لها من نتائج على هؤلاء. جميع التقارير المتخصّصة تشير الى أنّ الفئات الأفقر والأضعف هي الأكثر تضرراً، ولكن كلّ هذه الأسئلة الجوهرية لا تجد طريقها الى صفحات الصحف أو شاشات التلفزة لأن الذي يمتلك الحصة الأكبر في رأسمال الشركات هو ذاته الذي يمتلك الصحف والقنوات الفضائية، ولذلك فإنّ التحكم بالعملية الاقتصادية والإعلامية هو تحكم واحد وذو مركز واحد. ولكن، ورغم إحكام السيطرة، تقرأ أحياناً مقالات تحاول أن تسلّط الضوء على النتائج المستقبلية للأزمة والثورة الثقافية التي قد تنجم عن مثل هذه الأزمة المالية والاقتصادية. وفي هذا المنحى فقد نشر وزير الخارجية الأمريكي السابق هنري كيسنجر مقالاً هاماً بعنوان: «ماذا تعلمنا من فيتنام»، كما نشر الكاتب دافيد بروكس مقالاً هاماً آخر في الوقت نفسه بعنوان «ثورة التصرفات»، ومع أنّ المقالين مختلفان تماماً إلا أنهما يتوصّلان الى نتائج متقاربة جداً في المناحي الاجتماعية والاقتصادية، وهذه النتائج بحاجة الى توضيح وتعزيز وتفسير أحياناً.
    هنري كيسنجر ودافيد بروكس (الهيرالد تريبيون29/10/2008) يؤكدان من خلال الشرح والتحليل والموضوع المختلف تماماً في نقاشهما بأنّ هناك مشكلة في وعي الولايات المتحدة لما يجري في العالم حيث تعتقد النخبة الحاكمة أنها تدرك عمق وأبعاد ما يجري في العالم، ولكنّ التاريخ والأحداث تثبت عكس ذلك مرةً تلوَ الأخرى. يقول دافيد بروكس «إنّ النظر الى العالم وفهمه هي عملية صياغة المعاني التي تشكّل وتؤثر على سلسلة صناعة القرار». ويضيف بروكس «أنه وإلى حدّ نشوب الأزمة المالية كان الافتراض السائد هو أنّ أهمّ عملية في اتخاذ القرار هي إدراك مصلحتك، وأيّ الطريق الذي تسلكه يحقق مصلحتك بالشكل الأمثل، بغض النظر عن صوابية رؤيتك للوضع ككل، ولكنّ ذلك الافتراض فشل فشلاً ذريعاً خلال الأزمة المالية الحالية». كما صرّح آلان غرينسيان في شهادته أمام الكونغرس الأمريكي في الأسبوع الماضي، أنه صُدم لأن الأسواق لم تعمل كما كان متوقعاً منها. «لقد أخطأت في الافتراض بأن مصلحة المنظمات، وبشكل خاص البنوك، هي الأقدر على حماية مساهميها وحصصهم في هذه المؤسسات». ويضيف بروكس «وبالنظر الى الأزمة المالية القائمة، من السهل أن يجد المدقق عشرات الأخطاء في المفاهيم. فقد فشل التجار والصناعيون أن يدركوا كم الأمور مترابطة على المستوى الكوني وكيف يمكن لحوادث صغرى أن تتحول الى كوارث كبرى». وكان الكاتب الاقتصادي نسيم نيكولاس طالب قد حذر من امكانية حدوث هذه الأزمة في كتابه «الوزّة السوداء» "The Black Swan" حيث أكد على الرؤية المأساوية للعالم التي تحاول تنميط أشياء عصيّة على التنميط ويضيف طالب: «أنّ هناك نواقص وثغرات متوارثة بالطريقة التي نفكر ونعمل وفقها، وأنه لابدّ من الاعتراف بهذه الحقيقة كأساس لأي عمل علاجي فردي أو جماعي، وإذا كانت الأحداث الأخيرة لا تبرهن على كارثية وضعف الرؤية للعالم فلن يبرهن عليه شيء».
    وفي موضوع يبدو مختلفاً تماماً ولكنه يستعرض التاريخ ليتوصل الى استنتاج مشابه جداً، يستعرض هنري كيسنجر كتاب «دروس في الكارثة: ماغرغر بوندي والطريق الى الحرب في فيتنام» (1961- 1966). وفي مراجعته لهذا الكتاب، يستغرب كيسنجر استسهال قرار الذهاب الى حرب فيتنام حيث أن بوندي والذي كان مستشار الأمن القومي للرئيس كندي في عام 1960 يكتب للرئيس في تشرين الثاني 1961: «لقد سألتني حين كنا في المسبح ما هو رأيي، واليك رأيي. يجب أن نتفق على إرسال حوالي فرقة وقت الحاجة من أجل عمل عسكري داخل فيتنام». ولم يرافق هذا الرأي خيارات أخرى أو تعريف لما تعنيه جملة «حوالي فرقة»، ولا النتيجة الاستراتيجية المتوخاة من هذا العمل. ويعلّق كيسنجر: «حين تذهب أميركا الى الحرب يجب أن تكون قادرة أن تصف لنفسها كيف تعرّف النصر وكيف تنوي تحقيقه، أو كيف يمكن أن تنهي انخراطها العسكري وبأيّ دبلوماسية. في فيتنام أرسلت الولايات المتحدة قواتها العسكرية من أجل فكرة عامة تتعلق بالمصداقية وبحثاً عن مفاوضات لم يتم تعريف محتواها أبداً». فكرة المصداقية عبّر عنها بوندي بالقول: «من الأفضل لمصداقية أميركا أن تخسر بعد إرسال مئة ألف رجل من ألا تقاوم هانوي على الإطلاق». ويضيف كيسنجر: «إنّ إحدى نقاط القصور الأساسية في الرؤية هي الإحجام عن رؤية منطقة الهند الصينية كمنطقة استراتيجية واحدة. وبعد هزيمة أمريكا في فيتنام فإن المؤسسة الفكرية قد عزت النتائج المأساوية الى فشل التجربة الأمريكية وعدم الكفاءة الأخلاقية للقيادة الأمريكية». إنّ ما يؤكد عليه كيسنجر في مراجعته لهذا الكتاب هو عدم الإدراك لأبعاد الخطوة التي تُقدم عليها حكومة الولايات المتحدة، وتبعات هذه الخطوة، وكيفية الخروج منها، والأهداف الاستراتيجية لها والتي كان يلفّها الغموض والسطحية وعدم التدقيق. ولا يستطيع القارئ وهو يقرأ عن تجربة اتخاذ القرار للذهاب الى فيتنام إلا وأن يقارن مع اتخاذ القرار بغزو أفغانستان واحتلال العراق، والذي برهن أيضاً أنه قرار كارثيّ ليس فقط على شعبيّ البلدين وإنما على شعب الولايات المتحدة ذاته. والمشكلة تبدو كما قال دافيد بروكس في الافتقار الى مفهوم واضح ورؤية سليمة للعالم.
    والسؤال إذاً ماذا تفعل مراكز الأبحاث التي تنفق مليارات الدولارات والجامعات المشهود لها بعراقتها وقدرتها الأكاديمية والمعرفية؟ ومن المسؤول عن هذا النقص الخطير في فهم وإدراك الولايات المتحدة للعالم ولعواقب القرارات التي تتخذها إدارتها ورؤساؤها على البلدان المستهدفة وعليها هي ذاتها؟ في تعليقه على ضرورة إثارة بعض الأسئلة الجوهرية التي لم تتم إثارتها قبل الحرب على فيتنام، يقول كيسنجر: «على المرء أن يتذكر أن الحكومات تستمر من خلال احترام الحكمة التقليدية وليس من خلال تحديها.. ». إذاً كأيّ حكومة أخرى في العالم، فإنّ حكومة الولايات المتحدة في الستينات خاضت حرب فيتنام وخسرت حرب فيتنام جزئياً لعدم وجود من يمتلك الرؤية الدقيقة، ولعدم وجود من يمتلك الشجاعة ويطرح الأسئلة التي تتعارض مع الحكمة التقليدية. وها هو العالم اليوم يدفع ثمن استمرار النهج ذاته في الحكم، مع فرق واحد هو استخدام الإعلام لإظهار أنّ حكومة أقوى دولة في العالم تمتلك الحقيقة كلها، وأنها تعمل وفق وحي إلهي يقرّر لها الخطأ من الصواب ولا يمتلك أحد في العالم القدرة على تصحيح مسارها.
    علّ ديفيد بروكس وهنري كيسنجر ينجحان في تسليط الضوء على حقيقة هامة ألا وهي ضعف الإدراك، وضعف التصوّر، وضعف القيادة لدى من يتخذ قرارات بإرسال جيوش وأسلحة قبل أن ينفق الوقت والجهد اللازمين لإدراك حقيقة الوضع وما يتطلبه هذا الوضع والنتائج المتوخاة وكيفية تحقيق هذه النتائج والطرائق البديلة في حال مواجهة عقبات أو أوضاع غير متوقعة. إنّ ما تدعو اليه تداعيات أحداث الأزمة المالية اليوم هو أنّ الأهم من القوة العسكرية والمالية، هي القدرة على الرؤية والتفكير والفهم وصياغة تصوّر واضح للواقع الفعلي قبل إصدار الأوامر لإرسال الجيوش والأسلحة لشنّ حروب لم تتضح بعد أسباب شنّها أو الحصاد المتوقع من هذه الحروب.
    لقد أقرّت الشرائع السماوية والتجارب الانسانية أنّ الفكرة هي الأصل وأنّ أهم ما منحه الخالق للإنسان وميّزه به عن كلّ مخلوقات الكون هو فكره وعقله وقدرته على الفهم والحكم. ويمكن لنا جميعاً أن نتخيل ماذا يحدث للعالم حين تفتقر الدولة التي تمتلك أعتى قوة عسكرية إلى تصوّر سليم عن العالم، وتستسهل استخدام قواتها دون تمحيص وتدقيق وحساب مسؤول. بالتأكيد ستعود النتائج الكارثية على المناطق المستهدفة وعليها هي بالذات لأنّ الأمور الكونية أشدّ ارتباطاً ببعضها مما يتخيلون ويتوقعون. علّهم يتذكرون اليوم، بعد كلّ هذه الكوارث التي تسببوا بها منذ حرب فيتنام وحتى اليوم، أنه في البدء كانت الفكرة، وأن الفكرة الصحيحة والرؤية السليمة هما عماد القرار الناجح وليس إرسال القوات هنا وهناك دون تعقّل أو تفكير أو رؤية صائبة. ليست المشكلة أنهم لا يعرفون، ولكنّ المشكلة تبدو كأنهم لا يقرأون حتى حين يشهد شاهدٌ من أهلهم!!. إنّ ما نقرأه ونسمعه اليوم في كلّ المنتديات والمؤتمرات والوسائل الاعلامية يُري أنّ العالم برمته يستهجن ضعف الولايات المتحدة الثقافي والسياسي، واعتمادها فقط على إرسال قوات هنا وهناك. هل ستشهد الولايات المتحدة إدارةً جديدة تحاول إعادة التوازن إلى النظام السياسي وبشكل يتمّ



    في البدء كانت الفكرة.. بقلم : د. بثينة شعبان
    خدمة التكبير لاصحاب النظر الضعيف امثالي

المواضيع المتشابهه

  1. كيف تتجنب سوء الهضم في رمضان
    By محمدسالمان in forum استراحة اعضاء المتداول العربي
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 12-09-2010, 06:53 AM
  2. بالنشويات تتجنب الصداع فى الصيام
    By احمد ابراهيم in forum استراحة اعضاء المتداول العربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 17-08-2010, 12:17 PM
  3. رؤية تم البدء بها
    By مازن راح يشيب in forum توقعات وتوصيات سوق العملات
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 22-04-2009, 02:23 PM
  4. صناديق التحوط تتجنب العملات بعد التراجع الحاد للاسترليني
    By التحليلات والأخبار in forum سوق تداول العملات الأجنبية والسلع والنفط والمعادن
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 04-12-2008, 06:57 AM
  5. كيف تتجنب البلاء
    By محمود علي in forum استراحة اعضاء المتداول العربي
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 30-11-2008, 12:46 AM

الاوسمة لهذا الموضوع


1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17