المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عدي عرار
تبيّن في المقالات السابقة أن السبب الرئيس للأزمة هو التدخل الحكومي، وأن الأزمة لا علاقة لها بالرأسمالية أو حرية الأسواق.
كما تبيّن في المقال الماضي أن صحيفة "نيويورك تايمز" نشرت مقالا منذ نحو تسع سنوات تنبأت فيه بالأزمة بسبب "التدخل الحكومي" في ذلك الوقت، الذي أجبر البنوك على إقراض من لا يمكن إقراضه.
أعيش في وسط معمعة الأزمة المالية بحكم عملي في شركة استثمارية في الولايات المتحدة، وعلى الرغم من دهشتي من تسارع الأحداث في الأسابيع الأخيرة، والانخفاض المريع في أسعار النفط، إلا أن دهشتي من ردة فعل آلاف الأئمة والخطباء والكتّاب في عالمنا الإسلامي كانت أكبر. فعلى الرغم من عجز عباقرة أسواق المال عن إيجاد حلول للأزمة، اكتشفنا أن لدينا في عالمنا العربي آلاف الخبراء.
العلماء لم يأتوا بهذا الكلام من عندهم ولم يطبقوا خبرتهم هم قرأوا القران والسنة وشرحوا الايات والاحاديث في قضية الربا . وعلى الرغم من إيماني بأن الإسلام، الدين الشامل والكامل، هو الحل، وعلى الرغم من إيماني الكامل بأن الربا بجميع أشكاله حرام، وأن جميع البيوع التي تتحايل على الربا حرام، إلا أنني لا أستطيع أن أخفي دهشتي من المقالات التي نعت الرأسمالية والعولمة وحرية الأسواق، والمقالات والتعليقات التي يقصر فيها كتابها سبب الأزمة على الربا، موحين بأنه لو حرّمت أمريكا الربا لما حصلت الكارثة.
طبعا لم أفاجأ بهذه المقالات، ولكن فاجأني منطقها. مثلا، ماذا سيكون موقف هؤلاء الخطباء والكتّاب والمعلقين لو تجاوز الاقتصاد الأمريكي هذه الأزمة وبدأ بالنمو من جديد؟
يمهل ولا يهمل
وماذا لو حصل هذا النمو والازدهار في فترة انخفضت فيها أسعار النفط وبدأت دول الخليج بتحقيق عجز في موازناتها وبدأت بالاستدانة من الدول التي يشمت بعضهم فيها الآن؟ والأنكى من ذلك، ماذا لو بدأت هذه الدول بالاستدانة من البنوك نفسها التي يشمت بعضهم فيها الآن؟ هل ما أقوله ضرب من الخيال، أم أنه يمكن أن يتحقق بين عشية وضحاها؟
الرسول ( ص ) حين حاصروه كفار قريش وكانت بيدهم كل وسائل الحياة والموارد وهو واصحابه لا يأكلون الا ورق الشجر هل معنى ذلك ان ماكان يقولة الرسول لكفار قريش غير صحيح ولابد ان يكف عن ما ينادي به من القيم والمبادي لانه احتاج لهم وان الطعام والشراب لدى اهل قريش ؟؟؟ الأزمة بين العاطفة والمنطق
لقد قام كثيرون بإقحام الإسلام في وسط الأزمة، كما أقحموا عديداً من الآيات القرآنية، متناسين أن الحلول الإسلامية لا تكون لمشكلات أنظمة أخرى.
فالإسلام نظام يمكن أن يحل مكان نظام آخر، ولكن لا يتوقع لقوانين نظام ما أن تحل مشكلات نظام آخر.
الاسلام لم يأتي للعرب الاسلام منهج حياة واي استحداث لامور الحياة يجب ان تتوافق مع الكتاب والسنة , والاسلام لم يأتي للعرب فقط وانما أتى لكل سكان المعمورة( وما خلقت الانس والجن إلا ليعبدون) .
السؤال الذي يجب أن يجيب عنه من أقحم الإسلام في الأزمة هو: لو كان هناك إنسان غير مسلم يقرأ ما تكتبوه، أو يسمع ما تقولوه، وأن الله "محق" أموال الأمريكيين بسبب الربا، ثم نما الاقتصاد الأمريكي وحققت البنوك الأمريكية أرباحا ضخمة، ماذا سيقول؟ من المخطئ، الإسلام، أم هؤلاء الذين أقحموا الإسلام والآيات القرآنية في الأزمة؟ ماذا سيقول هذا الشخص غير المسلم إذا رأى أنه في الفترة نفسها التي نمت فيها أرباح البنوك الأمريكية، تبخرت أموال دول الخليج، وتدهور اقتصادها بسبب انخفاض أسعار النفط؟
نقول له ماعقوبة فعله طبقا لما جاء في الكتاب والسنة لكن متى العقوبة وأين تقع و على من تقع في الدنيا وعلى من تقع العقوبة في الآخرة فهذه الامورهي مقادير نحن بني الانس والجن لا نعلمها انما هي في علم الغيب عنده عز وجل
(ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار )
والأنكى من ذلك كله، ماذا سيقول هذا الشخص الأمريكي غير المسلم إذا ربطنا الموضوع بالإسلام، ورأى معاملة المسلمين لزوجاتهم وإخوانهم؟ أو قيادتهم للسيارات في شوارع المدن الإسلامية؟ وماذا يقول هذا الشخص غير المسلم الذي وقف في الطابور أمام الجوازات أو خطوط الطيران في المطار ليرى الأشخاص أنفسهم الذي ينادون بـ "أسلمة" الأنظمة الأمريكية يتجاوزون الطابور وكأن بقية الناس لا قيمة لهم؟ وماذا سيقول عن الشخص الذي يصر على أن الربا سبب الأزمة، ولكنه لم يعط العمال في شركته أجورهم منذ شهور؟ وماذا سيقول عندما يرى إشارة ممنوع التدخين، وأحد المسؤولين يدخن تحتها؟
كوننا لانطبق الاسلام هذا لايعيبه هذا العيب فينا وما يحصل في المجتمعات الاسلامية من ظلم وتجاوزات هو نتيجة طبيعية لعدم تطبيق المنهج الاسلامي في المجتمع ,أقرأ كيف اللذين طبقوا الاسلام وين وصلوا ( عهد الخلفاء الراشدين , الخلافة الاموية .... الخ ونحن وين وصلنا وماذا سيقول هذا الشخص عندما يسمع بعضهم يقول إن السبب هو الربا، وأمامه شخصان اشتريا بيتين متماثلين، واستدانا المبلغ نفسه من البنك نفسه، وبمعدلات الفائدة "الربا" نفسها، أحدهما راتبه ألفي دولار وخسر بيته لعدم قدرته على الدفع، والآخر بقي في بيته لأن راتبه ثلاثة آلاف دولار وقادر على الدفع؟ إن الذين يقصرون الأمر على الربا يقعون في مأزق كبير: هل "المَحق" يقتصر على الفقراء فقط؟ لماذا خسر غير القادر على الدفع بيته، وبقي القادر على الدفع في بيته؟
والمدهش في الأمر أيضاً أن الأشخاص الشامتين بأمريكا وأوروبا، والذين يرون أن الحل في تطبيق الاقتصاد الإسلامي، يستشهدون بما كتبه ديفيد وجون وتوماس ضد آراء محمد وعبد الله وأنس! لماذا؟ هل لأن تلك الكتابات تتفق مع أهوائهم، بغض النظر عن مؤهلات جون وديفيد وتوماس؟ يبدو أنه يكفي لدى بعضهم أن يكون الاسم "فرنجيا" ليعطي مصداقية لفكرة "إسلامية"! وما أذهلني أن بعض الشامتين مستعدون لبيع الغالي والنفيس للعيش في أمريكا، وسيكون لهذا الموضوع مقال آخر.
خذ وتعلم منهم ما وصلوا إليه من العلوم بما لايخالف الكتاب والسنة وكن في معاملتك كرسول الله حين يعامل اهل الكتاب وغير المسلمين في عهده صلى الله وعليه وسلم ولا تأخذ منهم سفاسف الامور وتقلدهم ( من تشبه بقوم فهو منهم ) أما الذين توقعوا أن هذه الأزمة ستؤدي إلى سقوط الولايات المتحدة، فقد تناسوا أمورا كثيرة، منها أن الأمريكيين أكثر تطبيقا للمبادئ الإسلامية في حياتهم اليومية من شعوب الدول الإسلامية، وأن أمريكا تجدد دمها باستمرار عن طريق تجنيس مئات الألوف من شتى أنحاء الأرض كل عام، وأنه حتى لو أخطأ زعماء الولايات المتحدة أخطاء فادحة، فإن النظام يصحح نفسه بسرعة عن طريق انتخابات الكونغرس كل سنتين، وانتخابات الرئاسة كل أربع سنوات، وانتخابات مجلس الشيوخ كل ست سنوات.
أقول لكل من شمت بالأزمة، ولكل من تنبأ بسقوط الرأسمالية بسبب هذه الأزمة بالذات، ولكل من نظر إليها بسطحية وربطها بالربا، الأفضل أن تجهزوا أجوبتكم من الآن، لأن النمو قادم! وكنت قد حضرت نقاشا بين شباب مسلمين وأمريكيين، واحتد أحد الشباب المسلمين مشيرا إلى تحريم الربا، ثم استشهد بالآيات، فصعقه جواب أحد الأمريكيين "لا أؤمن بكتابك ولا برسولك، فكيف لي أن أقتنع بأدلتك القرآنية؟" الدرس كان بليغا: إذا كانت مهمة المسلم هي الدعوة إلى الله، فالشماتة ليست الطريق الذي يحقق هذا الهدف، وموضوع الربا ليس الطريق الصحيح لطرح الإسلام على غير المسلمين. خبرة المغتربين أثبتت أن "الدعوة الصامتة" متمثلة في السلوك الحسن هي أفضل طريق لقلوب الآخرين.
إنما هي دورة من دورات الزمن ، وإن الزمن لن يقف عند هذا الحد ، وإن التاريخ لن ينتهي بهذا المشهد بل ستمر دورات ودورات تحقيقاً لقول الله تعالى : { وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ } [آل عمران:140]. هذا المقطع منقول
نحن لسنا بحاجة إلى من يتشدق بأمجاد الإسلام، ومنجزات الإسلام التاريخية، وبقدرة الاقتصاد الإسلامي على حل المشكلات الاقتصادية. نحن بحاجة إلى أن يكون الشخص أفضل أخ، وأفضل ابن، وأفضل أب، وأفضل زوج، وأفضل صديق، وأفضل طالب، وأفضل مدرس، وأفضل موظف، وأفضل سائق، وأفضل مسافر، وأفضل مالك، وأفضل مستأجر، وأفضل مدير، وأفضل باحث، وأفضل طبيب وأفضل مهندس، وأفضل صحافي، وأفضل...وأفضل. عندها لن يكون هناك أزمات مالية! هل عرفتم سبب الأزمة الآن؟
د. أنس بن فيصل الحجي - أكاديمي وخبير في شؤون النفط