فرنسا24- بعد أن توالت فصول الأزمة المالية العالمية وانهارت بعض أكبر المؤسسات المصرفية في الولايات المتحدة، بدأت ترتسم ملامح الجهات المستفيدة من هذا التدهور المالي.

كما الحروب، تعرف الأزمات المالية رابحين وخاسرين. وإذا جرى التركيز في الآونة الأخيرة على التداعيات السلبية والخسائر الفاضحة التي مُني بها البعض، فإن الحديث عن المستفيدين من "مصائب" الخاسرين جزء لا يتجزأ من المعادلة الحالية.

مصائب قوم عند قوم فوائد
ها هو مصرف "باركليز" البريطاني يقتني مصرف " ليمان براذرز" رابع أكبر مصرف استثمار في الولايات المتحدة بعد أن أشهر هذا الأخير إفلاسه. وها هو "بنك أو أميركا" يحقق صفقة القرن بدفع 50 مليار دولار (أي حوالي 35 مليار يورو) لابتلاع عملاق الاستثمارات الأمريكي "ميريل لينش" بعد أن تكبّد هذا المصرف خسائر تقدر بـ52 مليار دولار جراء أزمة القروض العالية المخاطر. وما إنقاذ المصرف البريطاني "أيتش بي أو أس"، وهو أكبر مصرف للتسليف العقاري في بريطانيا من جانب منافسه "لويدس تي أس بي" سوى حلقة إضافية تضاف إلى سلسلة عمليات الدمج والاقتناء الجارية في خضم الأزمة العالمية الراهنة.

مكامن القوة
وتتّسم مختلف المؤسسات المالية المستفيدة من التدهور الحالي بعدد من الخصائص لعل أبرزها يتلخّص بالعناصر التالية: توفّر السيولة، وتنويع الأنشطة المصرفية، واعتماد ممارسات سليمة.

لا شك في أن أكبر المستفيدين من الأزمة المتعاظمة هي الشركات والمصارف التي تتوفر لديها السيولة والأصول المادية على حد قول مدير معهد الدراسات المالية العالية وأستاذ علم الاقتصاد في جامعة "باريس10 نانتير" فيليب ديسيرتين. ويتابع هذا الخبير في الشؤون الاقتصادية بالقول "الخاسرون هم الذين عوّلوا على الخدمات والمهارات مع كلفة باهظة لليد العاملة وبدون توفر أي إمكانية لجمع الرساميل". فالعديد من المصارف والمؤسسات قد تحيّن تدهور الوضع المالي في بعض كبرى الشركات كما انهيار أسعار العقارات جراء أزمة الرهون ليسارع إلى اقتنائها بأسعار بخسة.

نوّع تسُد
كما كان لتنويع الأنشطة المصرفية وقع كبير على متانة المؤسسات المالية. فالمصارف الاستثمارية التي ركزت جلّ نشاطها في مجال الأعمال قد تضررت أكثر من غيرها. وبعد الأزمة المالية العظمى التي عصفت بالعالم سنة 1929، جرى تقسيم المصارف إلى نوعين أساسيين: مصارف الأعمال ومصارف الودائع. وابتداء من سبعينيات القرن الماضي، راح هذا التقسيم الجامد يتلاشى فبدأ ينوّع عدد من المصارف أنشطته ويطوّر جناحين واحد يُعنى بالأعمال والاستثمارات وآخر يهتمّ بالودائع. ويعلّق الباحث في كلية الحقوق بكليرمون-فيران التابعة لجامعة أوفيرنيه والمتخصص في شؤون الأزمات النظامية التي تضرب الوسط المصرفي فنسان كاتييون بالقول: "هذه المصارف التي تنوع أنشطتها قد أبلت بلاء حسنا في خضم الأزمة لأنها تمكنت من التعويل على ودائعها". من جهته يقول أوليفييه غرفيث، مدير غرفة التجارة الأمريكية في باريس: "مصارف تجارية مثل "سيتي بنك" قد منيت بخسائر لكن بما أنها تملك ذراعين إحداها استثمارية والأخرى قائمة على الزبائن، فقد تأثرت بالانتكاسة الاقتصادية بصورة أخف من مصارف الاستثمارات".

نحو ممارسات مسؤولة
وإذا كان توفر السيولة وتنويع الأنشطة من مكامن القوة التي تحصّن المؤسسة المالية، هناك أيضًا سلوكية معينة لا بد من انتهاجها للاتقاء من مخاطر الأزمات المالية. وهكذا، فإن اعتماد ممارسات سليمة من شأنه أن يجنب المصارف مزالق هالكة. ويعلق كاتييون على هذا الشأن بالقول: "انتهجت مصارف عديدة، على غرار "ليمان برذرز"، ممارسات غير مسؤولة بموجب مبدأ يعرف باسم "الخطر المعنوي" يسوّغ لبعض المصارف المجازفة بإفراط في مجال الأعمال لأنها تعلم أنه في نهاية المطاف، هناك من سيسعى إلى انتشالها من المأزق". لكنه يتابع بالقول "هذه المرة، حين رفضت السلطات المالية الأمريكية إنقاذ "ليمان برذرز" بعثت برسالة قوية إلى القطاع المالي مفاده أنه من الآن فصاعدا لا بد من تحمل عواقب التصرفات المتهوّرة".