الاقتصادية - يوم الأربعاء عاد الجيشان إلى الأسواق المالية، في الوقت الذي أشعلت فيه المخاوف المتزايدة من الركود الاقتصادي فتيل موجة جديدة من العزوف عن المخاطر.

تدافع المستثمرون لتصفية العقود والتعاملات في الأسهم وعملات الأسواق الناشئة والسلع، وتوجهوا نحو السلامة النسبية للدولار والين وسندات الحكومات الغربية.

حتى العلامات المتزايدة على التحسن في سوق القروض بين البنوك لم تتمكن من تعزيز المزاج العام. في أسواق المال هبط سعر فائدة ليبور على قروض الدولار لأجل ثلاثة أشهر مرة أخرى بمقدار 29 نقطة أساس ليصل إلى 3.54 في المائة، وهو انخفاض لا يستهان به عن معدل الذروة الذي سجله في وقت مبكر من هذا الشهر عند 4.82 في المائة.

قال ستيف مايلون، من سكوشيا كابيتال Scotia Capital: "في حين أن التحسن في ظروف الائتمان هو أمر مشجع، إلا أنه أتاح كذلك للمستثمرين تحويل أنظارهم باتجاه الأساسيات المهمة، التي تصبح سالبة أكثر فأكثر كل يوم."

قال ستيف بارو، وهو محلل استراتيجي للعملات لدى ستاندارد بانك Standard Bank: "كنا نظن أن انخفاض أسعار فائدة ليبور يمكن أن يقلل من إحساس الناس بالمخاطر، على الأقل بصورة مؤقتة، وأن يجرجر معه الدولار والين إلى الأدنى. ولكن على ما يبدو كنا مخطئين".

شهدت أسواق العملات بعضاً من أقوى حالات الهبوط أثناء اليوم، وكان الاسترليني واحداً من أكبر الضحايا.

هبط الاسترليني مقابل الدولار إلى أدنى مستوى له منذ خمس سنوات، في الوقت الذي فسَّر فيه المستثمرون تحذير محافظ البنك المركزي البريطاني ميرفن كينج من أن بريطانيا في سبيلها إلى الدخول في ركود اقتصادي، فسروه على أنه علامة واضحة على أن البنك سيخفض أسعار الفائدة مرة أخرى.

تأكدت هذه النظرة واكتسبت المزيد من الصدقية من محاضر اجتماع لجنة السياسة النقدية في البنك، الذي عقد في وقت مبكر من هذا الشهر.

قالت فيكي ريدوود من كابيتال إيكونومكس Capital Economics: "صوّت جميع أعضاء اللجنة على القرار بتخفيض أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس. ليس هذا فحسب، ولكن اللهجة العامة للنقاش كانت لينة على نحو لا لبس فيه".

"أشارت لجنة السياسة النقدية إلى التدهور الكبير في آفاق النشاط الاقتصادي على مدى الشهر الماضي، وحكمت بأن ميزان المخاطر من حيث التضخم على المدى المتوسط "تحول على نحو حاسم إلى الأدنى". وبالتالي فإن من شبه المؤكد أن يقوم البنك بتخفيض أسعار الفائدة في اجتماع تشرين الثاني (نوفمبر)، وهناك احتمال طيب بأن مقدار التخفيض سيكون 50 نقطة أساس".

اندفع الدولار إلى الأعلى مقابل معظم العملات الرئيسية، حيث سجل أعلى مستوى له منذ سنتين أمام اليورو، في الوقت الذي أخذ فيه المستثمرون ينظرون إلى الدولار على أنه ملاذ آمن يمكن اللجوء إليه من جيشان الأسواق.

قال فريق التحليل الاستراتيجي للعملات الأجنبية في بنك التجارة Commerzbank: "المخاوف من الركود الاقتصادي، حتى وإن كانت تنطبق على جانبي الأطلسي، إلا أنها تعتبر إيجابية بالنسبة للدولار. المنطق القديم نفسه لا يزال ساري المفعول، بمعنى أن الولايات المتحدة تعتبَر قادرة على الصمود في وجه الركود الاقتصادي أكثر من منطقة اليورو".

اشتدت وتيرة البيع المكثف في عملات الأسواق الناشئة، حيث سجل الراند (عملة جنوب إفريقيا) أدنى مستوى له منذ ست سنوات ونصف أمام الدولار، وهبطت الليرة التركية مرة أخرى بمقدار 4.3 في المائة.

رفع البنك المركزي الهنجاري أسعار الفائدة بنسبة ضخمة مقدارها 300 نقطة أساس، في مسعى للتصدي للهبوط الذي أصاب سعر الفورينت في الفترة الأخيرة. وتمكن الفورينت من تحقيق نسبة متواضعة من الارتفاع في مقابل اليورو، ولكن المحللين لم يقتنعوا بأن القرار القوي من البنك المركزي كان كافياً للحؤول دون المزيد من الهبوط في قيمة العملة.

قالت مايا بانداري، من مؤسسة لومبارد ستريت ريسيرتش Lombard Street Research: "تواجه هنجاريا المشكلة القديمة التي تعانيها الأسواق الناشئة، وهي الاعتماد الخارجي المفرط في سياق عالمي يتسم بالعزوف الكبير عن المخاطر".

المؤشر القياسي لأسهم الأسواق الناشئة، وهو مؤشر بنك مورجان ستانلي المركب MSCI’s EM equity index، هبط إلى أدنى مستوى له منذ ثلاث سنوات، وكذلك هوى مؤشر آر تي إس RTS في موسكو بمقدار 7.2 في المائة، وبحلول منتصف اليوم هوى مؤشر بوفيسبا Bovespa البرازيلي بمقدار 7.4 في المائة. اتسعت الفروق في أسعار الفائدة بين سندات الخزانة الأمريكية وسندات الأسواق الناشئة إلى ما فوق 700 نقطة أساس للمرة الأولى منذ عام 2003.

كذلك شهدت أسواق الأسهم في أسواق البلدان المتقدمة حالات من الهبوط الكبير. بحلول منتصف اليوم هبط مؤشر ستاندارد آند بورز 500 بمقدار 3.2 في المائة، في الوقت الذي هضم فيه المستثمرون مجموعة أخرى من التقارير المخيبة للآمال من الشركات. وهوى مؤشر فاينانشال تايمز يوروفيرست 300 لعموم أوروبا بمقدار 5.4 في المائة، ومؤشر نيكاي 225 في طوكيو بمقدار 6.8 في المائة.

هذه الخسائر كانت عوناً لأسواق السندات الحكومية في الولايات المتحدة وأوروبا. هبط العائد على سندات الخزانة الأمريكية لأجل عشر سنوات بمقدار تسع نقاط أساس ليصل إلى 3.65 في المائة، وهبط العائد على سندات الحكومة الألمانية لأجل عشر سنوات بمقدار 15 نقطة أساس ليصل إلى 3.9 في المائة، وهو أدنى مستوى لها منذ أسبوعين تقريباً.

ازدادت تكلفة التأمين على عقود التأمين المتقابلة على الائتمان والقروض، في الوقت الذي عملت فيه المخاوف المتزايدة حول الآفاق الاقتصادية على تعميق مشاعر القلق حول إعسار الشركات. سجل مؤشر آي تراكس، الذي يتألف معظمه من سندات خطرة، سجل رقماً قياسياً جديداً مقداره 795 نقطة أساس قبل أن يتراجع تراجعاً يسيراً.

في أسواق السلع، هبطت أسعار النفط الأمريكي إلى ما دون 70 دولاراً للبرميل، في الوقت الذي أعطت فيه بيانات المخزون المزيد من الأدلة على تراجع الطلب. حذرت شركة التعدين بي إتش بي بيليتون BHP Billiton من أن الطلب الصيني على المعادن في حالة تراجع، وأضر هذا التحذير بأسعار المعادن الخسيسة، في حين أن سعر الذهب هبط بنسبة 3.9 في المائة.