الجزيرة - أظهرت ردود أفعال الأسواق قلق المستثمرين إزاء خطة الإنقاذ الأميركية التي ستكلف الحكومة الأميركية نحو 700 مليار دولار لمنع النظام المالي الأميركي من الانهيار.



وقال تقرير نشرته صحيفة كريستيان ساينس مونيتور الأميركية الثلاثاء إن الارتفاع الكبير في أسعار النفط الاثنين الذي صاحبه قفزة في أسعار الذهب مقابل انخفاض أسعار الدولار، كلها أعراض لحالة القلق هذه.



وقالت الصحيفة ان الأزمة اثارت سؤالين رئيسيين لدى المستثمرين: أولهما يتمحور حول ما إذا كانت الخطة ستزعزع الثقة الائتمانية للخزانة الأميركية, وثانيهما حول ما إذا كانت ستنجح في تهدئة الأزمة الائتمانية وتؤدي إلى تعافي النظام المصرفي.



وقد قفزت أسعار النفط نحو 16 دولارا الاثنين، وهو أعلى ارتفاع في يوم واحد على الإطلاق. وقفز سعر الذهب 43 دولارا إلى أكثر من 900 دولار، في حين حقق اليورو أكبر ارتفاع له مقابل الدولار في يوم واحد.



وانخفض مؤشر داو جونز الصناعي نحو 400 نقطة، متخليا عن المكاسب التي حققها يوم الجمعة الماضي إثر الإعلان عن خطة الإنقاذ الأميركية.



وعلق بول كاسرييل مدير قسم البحوث الاقتصادي في نورذرن تراست كو في شيكاغو بالقول "إن الأسواق قالت كلمتها".



وقالت كريستيان ساينس مونيتور في التقرير إن المستثمرين لم يظهروا احتجاجا على الخطة بقدر ما أبدوا من تساؤلات حول معناها.



أعباء الخزانة


ويرى بعض الاقتصاديين أن زيادة أعباء ديون الخزانة الأميركية سيتزامن مع ارتفاع أسعار الفائدة والتضخم في المستقبل.



وفي تقرير منفصل أشارت وكالة أنباء بلومبيرغ الاقتصادية إلى أن خطة الإنقاذ ستزيد سقف الدين القومي الأميركي بنسبة 6.6% إلى 11.315 تريليون دولار, كما سيزيد العجز في الموازنة الأميركية إلى 438 مليار دولار العام القادم من 407 مليارات حاليا.



ويرى المستثمرون أن الذهب والسلع الإستراتيجية مثل النفط هي الملاذ الآمن لدرء الخطر القادم. وفي مثل هذا السيناريو، سيتم بالطبع نبذ الدولار جانبا.



ويقول كاسرييل إن المستثمرين قد يرغبون في الاحتفاظ بأصول حقيقية غير الدولار، مضيفا أن الاقتصاد الأميركي غارق في الديون بينما تعني خطة الإنقاذ قذف أسوأ الديون من بيانات الحساب في البنوك إلى بيانات حسابات دافعي الضرائب.



يضاف إلى هذه الأعباء -بحسب ما أشار إليه الاقتصادي بمؤسسة ميرل لينش المالية أليكس باتيليس- المبالغ التي ستتحملها الخزانة الأميركية لإنقاذ شركة أميركان إنترناشيونال غروب وهي 85 مليار دولار، إضافة إلى 10 مليارات أخرى لشراء قروض الرهن العقاري لفاني ماي وفريدي ماك، و100 مليار لدعم الحسابات المالية للاحتياطي الاتحادي الأميركي، و50 مليارا للتأمين على صناديق الاستثمار في أسواق المال.



ورغم أن بعض هذه الأموال ستعود إلى الخزانة بعد بيع بعض الأصول في المستقبل فإنه يبدو أن بيان حسابات الحكومة يتضخم كل أسبوع، ما يثير التساؤلات لدى المستثمرين حول صحة العملة الأميركية.



ويقول كبير اقتصاديي الاستثمار في ميرل لينش في نيويورك ريتشارد بيرنستاين إنه كان يجب دعم الأسواق المالية بعد الهزة التي تعرضت لها العام الماضي بسبب أزمة قروض الرهن العقاري.



ويضيف أن من بعض فوائد خطة الإنقاذ الحكومية أن التخلص من القروض الهالكة لدى البنوك قد يؤدي إلى تبديد أجواء عدم الثقة التي جعلت من الصعب على البنوك الإقدام على رفع رأسمالها عن طريق إصدار أسهم للمستثمرين.



كيفية المعالجة


وقالت صحيفة نيويورك تايمز في تقرير إن معظم الاقتصاديين يجمعون على أن الأزمة المالية وصلت إلى أبعاد خطيرة، ما يستدعي التدخل. لكن الاختلاف يرتكز بشكل أساسي حول كيفية معالجتها.



ونقلت الصحيفة عن الاقتصادي السابق بالخزينة الأميركية وبالاحتياطي الاتحادي يوغلاس إلمندورف أن ما يقلقه هو أن الخزانة الأميركية تصرفت على عجل دون إعطاء الوقت الكافي لاستطلاع الآراء.



وقالت نيويورك تايمز إن العديد من الاقتصاديين يعتقدون بأن دافعي الضرائب يجب أن يحصلوا على شيء أكبر من تفادي انخفاض قيمة الدولار فقط، بل يجب أن يحصلوا على حصة في الشركات التي يتم ضخ أموالهم فيها لإنقاذها.



كما تتمحور الأسئلة حول كيفية تقييم الديون التي ستشتريها الخزانة الأميركية، وهي أسئلة تلمس لب الأزمة. وتتعقد الاستثمارات وتتشابك بحيث لا يستطيع أحد أن يعطي تقييما حقيقيا لقيمة الديون التي يتم شراؤها من قبل الخزانة.







ويقول بروس بارتليت الذي عمل كأحد اقتصاديي البيت الأبيض في عهد الرئيس رونالد ريغان، إنه إذا كان وزير الخزانة هنري بولسون يدفع سعر السوق فقط للأصول التي يشتريها فإن ذلك لن يكون كافيا لإقناع البنوك بالبيع وإلا لكانت باعت من قبل.



ويضيف بارتليت أنه لأجل نجاح الخطة فإنه يجب على الخزانة الأميركية دفع علاوة إضافية عن سعر السوق.



ووصف مارتن بيلي الرئيس السابق لمجلس خبراء الاقتصاد في عهد الرئيس بيل كلينتون، الخطة بأنها "دعم حكومي مباشر للمؤسسات المالية".



وأضاف "إنني أريد توضيحا أكبر لما نخشى حدوثه في المستقبل بحيث يبرر هذا الخوف خطة إنقاذ بـ700 مليار دولار.. إنهم قد لا يريدون الحديث عن هذا الشيء المخيف لأنه سيخيف الجميع.. لكن حجم الخطة يثير التساؤلات".