الاقتصادية - في كتاب (الجشع والعظمة في وول ستريت) للمؤلف كين أوليتا، حول آخر مرة انهار فيها "ليمان براذرز"، في 1984، يبدو ريتشارد فولد وكأنه رئيس تداول السندات القاسي، والفخور، والانطوائي. وحتى في النهاية، بعد أن أدى العداء الداخلي إلى وقف أعمال الشركة، قاوم فكرة أنها يجب أن تباع.

في النهاية تم بيع الشركة إلى "أمريكان اكسبريس"، وأصبح ديك فولد فيما بعد رئيسها التنفيذي. وقام بإصلاح "ليمان" كبنك مستقل في 1994، ولم يبدُ أنه ينظر إلى الخلف على الإطلاق، وتحدى المتشككين الذين قالوا إن "ليمان" سيبقى على الدوام في ظل شركات "وول ستريت"، من أمثال "غولدمان ساتش".

تغير "ليمان" لأن فولد أصر أنه يجب أن يتغير. وقضى على المجادلات الداخلية بدفع فكرة عمل الفريق بإصرار. ووسع عمليات البنك، وقام ببناء إدارة أصوله، وعمليات الأسهم، لموازنة مركز قوة تداول السندات.

غير أن فلود لم يتغير على الإطلاق، ليس فعلياًَ. وكان لا يزال الموالي الغامض العنيد لـ "ليمان" كما كان دوماً – رجل لم يرد على الإطلاق أن تباع شركته. وفي نهاية المطاف، وقف كبرياء وعناد فلود في طريق جهود "ليمان" اليائسة لتصويب نفسه في منتصف العام الماضي.

بعد أن دفع "ليمان" ليصبح رابع أكبر بنك في "وول ستريت"، لم يستطع قبول أن البنك اضطر إلى القيام بأمور غير مستساغة. ولكي يحصل على رأس المال الذي كان بحاجة ماسة إليه، توجب عليه أن يبيع حصة كبيرة من "ليمان" بقيمة متدنية، أو مقايضة ذراع إدارة الصندوق التابعة له. وانتهى به الأمر إلى عدم تنفيذ أي من الأمرين مع مرور الوقت.

يقول أحد المصرفيين: "أعتقد أن ديك كان غير قادر على البيع بشكل مَرَضي". وحتى عندما كانت أسهم "ليمان" تنخفض، وبدأت الشكوك تحيط بالبنك، رفض إقرار أي حقن لرأس المال – الأكثر احتمالاً من جانب بنك كوريا للتنمية – ما أسهم في تقييم "ليمان" بأقل من قيمته الدفترية.

بقيامه بذلك، فسيعترف ضمنياً بأن قيمة "ليمان" كانت فقط مجموع أقسامه. وبعبارة أخرى، فإن جميع الجهود التي استثمرها طوال حياته المهنية لجعل "ليمان" اسماً يضاهي "غولدمان ساتش"، و"مورغان ستانلي"، و"ميريل لينش"، كانت ستكون بلا طائل. وكانت تلك مقايضة بعيدة للغاية بالنسبة لفولد.

غير أن فشله يتجاوز مجرد رفض إجراء مقايضة لا يرغبها، إذ إن "ليمان" أظهر أيضاً الفوضى والغموض بشأن كيفية معالجة أزمة الائتمان التي اجتاحت "وول ستريت" العام الماضي. وعانى البنك الاستثماري من عدم نقل رسالة واضحة سواء داخلياً أو خارجياً.

على الصعيد الداخلي، كان البنك متأخراً في إدراك كيف أن الأزمة غيرت عالمه بشكل عميق. وفي تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي، نفذ عملية شراء شاملة بلغت قيمتها 22 مليار دولار، للاستحواذ على "أركستون – سميث"، وهي شركة عقارات، بالشراكة مع "تيشمان سبير". ورغم الشكوك بعد أن ضربت الشحة الائتمانية "وول ستريت" في آب (أغسطس) من العام الماضي، والتزم بالصفقة.

إن الصفقات مثل "أركستون – سميث" زادت من انكشافه المتعلق بالعقارات في وقت ثبت أنه كان خطيراً. وفي غضون ذلك، يقول مصرفيو "ليمان" إن جو غريغوري، رئيسه السابق، ومسؤول التشغيل الأعلى، قاوم فكرة تخفيض ملف مخاطره في قطاع الدخل الثابت العام الماضي. ولم يرد أن ييأس بشأن الأرباح المحتملة.

بحلول حزيران (يونيو) من هذا العام، عندما تكبد خسائر الربع الثاني البالغة 2.8 مليار دولار (ملياري يورو، 1.5 مليار جنيه استرليني)، وجمع حقناً من رأس المال بنحو ستة مليارات دولار، كانت الأحداث تخرج عن نطاق سيطرته. وقام فولد بفصل غريغوري، وإيرن كلان، المسؤول المالي الأعلى، من منصبيهما، ولكنه لم يستطع استعادة النظام. ويقول أحد المصرفيين: "في كل خطوة من الطريق، كان ليمان خلف المنحنى".

اعترف فولد في نهاية المطاف بنطاق المشكلة عندما تحدث إلى جهاز الموظفين في "ليمان" عندئذ. وتحدث عن "خمسة أرباع من القرارات السيئة"، وقال إنه كان يجب أن يكبح نفسه بقوة أكبر. وكان الأمل الوحيد عندئذ، هو الحصول على المزيد من رأس المال بطرق لم يجدها فولد منطقية.

على الصعيد الخارجي، أدى ذلك إلى الشكوك بشأن ما كان "ليمان" يفعل لإنقاذ نفسه. وتسربت الأنباء بشأن مفاوضاته مع بنك التنمية الكوري، واحتمال بيع جزء من نيوبيرغر بيرمان، أو جميعه، ذراع إدارة الصندوق المؤسسي التابع له.

إن انهيار "ليمان" يسبب القلق لأسواق المال، ولـ "وول ستريت" برمته. وإنها مأساة أيضاً لموظفيه البالغ عددهم 24 ألف موظف الذين تم تدريبهم على الولاء والتضامن الثابت من قبل فولد. والعديد منهم كان يحتفظ بثروته في أسهم "ليمان" التي فقدت معظم قيمتها.

وإنها مأساة أيضاً لفولد، بالمعنى اليوناني الكلاسيكي. وإنه كرس جانباً كبيراً من حياته وشخصيته لتشكيل البنك الذي لم يستطع قبول انهياره. فلو أنه باع في وقت مبكر، ربما استطاع "ليمان" البقاء، ولكنه كان مغروراً للغاية. وكان الأمر اعتداداً بالنفس، تبعه انتقام.