فيما يعانق الموج الشاطئ السوري وتضرب كل موجة فيه صخوره التي تروي قصة الحضارات التي مرت به تأتي موجة جديدة تغزوه دون أن تقف أية صخرة في وجهها.
فبينما تمر بمنطقة الكورنيش الجنوبي ورأس البسيط يشد انتباهك تلك اللافتات المكتوب عليها عبارات (ارسم الوشم الذي تريد) أو (أوشم) فيستحضرك الفضول بأن تقف بين جمهور من يقف لترى ما الحكاية.
فأول ما يلفت الانتباه بأن هذا الجمهور هو مزيج عجيب من فتية في مقتبل العمر وشباب بدا عليهم علامات الانبهار والاندهاش بهذه الصرعة الجديدة، وإذا سألت أحدهم عن أصل هذا الوشم أو الفائدة منه فإن الإجابة تأتي بعدم المعرفة، ولكن الحافز لهذا العمل هو أنه شيء جميل ومختلف، لذلك حملنا سؤالنا هذا إلى أصحاب الشأن في هذا المجال علنا نجد الإجابة الشافية لسؤالٍ أختلج في صدورنا.
* أصل التسمية:
إذا عدنا إلى جذور هذه الظاهرة نجد أن الوشم قد عرف منذ آلاف السنين واستخدمته الشعوب القديمة لعدة أغراض في الماضي، فقد ارتبط الوشم بالديانات الوثنية التي انتشرت شرقاً وغرباً كحامل لرموزها الدينية وأشكال آلهتها، كما استخدم كتعويذة ضد الموت وضد العين الشريرة وللحماية من السحر، كما عرفته العقائد البدائية كقربان لفداء النفس أمام الآلهة، واستخدمه العرب كوسيلة للزينة وللتجميل ورمز للتميز في الانتماء إلى القبيلة، وأستخدمه المصريون القدماء كعلاج ظناً منهم أنه يمنع الحسد.


أما الوشم كتعريف

فهو ثقوب تحدث في الجلد يضاف إليها بعد حصول النزف مواد وأصباغ تكسبه ألواناً ثابتة تدوم لفترات طويلة، أما عن كيفية إحداث الوشم فيجب عليك اختيار الوشم الذي تريد من خلال رسوم معدة سلفاً على ورقٍ، يطرح أمامك نماذج تحمل عدة أشكال تختار منها ما يناسبك، أو بطلب رسم معين يلزم به الواشم، وبعد ذلك يقوم بطبع هذا النموذج على المكان الذي تختاره من جسدك شريطة الملائمة بين حجم الوشم و المساحة المخصصة له، ثم يأتي عمل الإبرة المتصلة بقلم دوار فتسمع أزيزها عند إدخالها في الجلد حيث تقوم هذه الإبرة بإدخال الصبغة في الطبقة السفلية للجلد بدقة لتحصل في النهاية على الوشم الذي طلبته في المساحة المخصصة من جسدك، وغالباً ما يكون هؤلاء الواشمين متقنين لعملهم ويعرفون كيف يؤدون عملهم بإتقان لكن المشكلة تبقى في الأدوات التي يتم استخدامها، فبرغم تعقيم الإبرة إلا أن ذلك لا يمنع من التسبب بنقل أمراض عدة كالإيدز مثلاً ،
وهنا يبقى السؤال الذي يطرح نفسه بقوة لماذا الوشم وما الفائدة منه؟
البعض يرى أن الوشم هو للحصول على جسم أجمل أو صورة أبهى للذراع أو الجسد، أو للفت الانتباه إلى مكان وجود الوشم وإبراز القوة والصلابة، حيث إن الوشم يعبر عن قوة الشخصية وخصوصاً إذا حمل معاني ودلالات مرعبة كصور الجماجم والأفاعي وغيرها، وبعضهم يعتبرها تخليداً لذكرى معينة تحمل في أنفسهم أثرا ًكحب جارف أو ثأر دفين أو عرفان بجميل لشخص معين، وذلك بتحميل بعض الرسوم كتابات معينة أو الاكتفاء بالكتابة أو بوشم شكل يحمل صورة تعبر عن هذه الحالة، فيما كان البعض ممن يقفون أمام هذا المشهد يعارضون هذه الآراء ويعتبرونها نوعا من الاختلال النفسي وتقليدا لنجوم الأغنية الصاخبة أمثال المغني ايمينين وعبدة الشيطان وغيرهم ممن تظهرهم شاشاتنا بصورة أبطال ونجوم، فيأتي منا التقليد لتلك الأمثلة دون التفكير في معاني ما يحملون على أجسادهم، والبعض يعتبرها تغيرات تطرأ على شخصية الموشوم تجعله يأتي على هذا النوع للتعبير عن سخطه وتميزه في المجتمع.
* للطب رأي أخر:
يرى بعض الأخصائيين في أمراض الجلد بأن الوشم من الناحية الطبية له أنواع، فهو إما وشم بسبب الحوادث والجروح ويأتي نتيجة اختلاط الدم بالتراب أو غيره خلال التعرض لجرح فيترك ندبة أو أثرا دائما، ووشم الهواة وهو وشم من شخص غير محترف، والوشم الاحترافي الذي يقوم به غالباً فنان في رسم الوشم. أما بالنسبة لاستخدامه في الطب فالوشم عرف طبياً على أنه أحد أساليب التجميل التي تأتي لإخفاء أثار الجروح أو الحروق في أماكن معينة من الوجه أو كنوع من الزينة الدائمة التي تستخدمها النسوة لرسم الحاجبين وحول الشفاه والرموش أو لتلوين المناطق البيضاء في الجلد المصاب بالبقع البيضاء بلون الجلد. وعن الأثر السلبي للوشم على صحة الموشوم فإن استخدام الوشم ينطوي على مخاطر منها: إمكانية الإصابة بسرطان الجلد والصدفية والحساسية التي تحصل في الجلد في بعض الحالات والالتهاب الحاد بسبب التسمم وخاصة عند استخدام صباغ صنع لأغراض أخرى كلطلاء السيارات أو حبر الكتابة، وسوء التعقيم الذي يؤدي إلى انتقال العدوى بأمراض الالتهاب الكبدي وفيروس الإيدز والزهري، وقد تصل إلى التأثير في الحالة النفسية للموشوم فتؤدي إلى تغيرات سلوكية في شخصيته.
أما طبيعة المواد المستخدمة فهي ملونات ذات أصل حيواني ومساحيق من الكحل والفحم وعصارة النباتات أو أكسيد المعادن كالحديد والكوبالت، وهنا تكون الطامة الكبرى لأن الموشوم لا يدرك بأن البقع والألوان المستخدمة في الوشم هي مواد خاملة لذلك فهي تصبح جزءًا دائماً من مكونات خلايا البشرة، وأن إزالة هذا الوشم توجب إزالة هذه الخلايا في حال قرر مستقبلاً ذلك، وهذه العملية تتم إما باستئصال الجلد في منطقة الوشم أو بصنفرة البشرة وخاصة السطحي منها، وهذه الطريقة يؤخذ عليها احتمال ابيضاض المنطقة المعالجة بها، والإزالة باستخدام الليزر أو بعمل رسم فوق الوشم الأصلي غير المرغوب به إما بالجراحة أو بوشم احترافي، وأخيراً بطريقة كيميائية كاستخدام الغبار الكالدوني أو سائل الآزوت.
* الدين يحرم :
أما عن رأي الدين فيما يخص حرمة أو جواز الوشم فكانت الإجابة على لسان أحد المشايخ تؤكد الاتفاق الكامل حول حرمة الوشم مع ذكر أدلة من السنة النبوية والقرآن الكريم تدل على رجس هذا العمل ومنافاته للشرع والأخلاق الدينية، وقد بدا الاستهجان والاستغراب على وجهه عند الحديث عن الوشم كناحية جمالية، وهو تشويه لخلق الله تعالى والتصرف في وديعة هي الجسد بغير حق، حتى أن ابن مسعود رضي الله عنه روى قول الرسول صلى الله عليه وسلم (( لعن الله الواشمة والمستوشمة )) - البخاري ومسلم- فقد طرد كلا من الواشم والموشوم من رحمة الله، وهذا يدل على عظم هذا الذنب، كما أن الوشم يحمل في طياته أسرارا أبعد من الناحية الجمالية كالشعوذة والسحر والشرك، وهي انصياع لأمر الشيطان الذي توعد الخلق ((ولآمرنهم فليغيرن خلق الله)) وهذه العادات تضرب بجذورها في مستنقع الشرك، فكيف بمن يفخر برسوم تحمل رموزا لعبادة الشيطان والأفعال الخبيثة، فيما أحل الله كثيراً من الأشياء التي تعوض عن الوشم كالتخضب بالحناء والاكتحال دون اللجوء إلى تشويه خلق الله.
وهنا يبقى السؤال ماإذا كان الوشم تقليدا لشخصيات تاريخية وشمت جسدها أمثال (( فرنكلين ، روزفيلت ، ترومن ، كندي ، ستالين ، تيتو )) أم هو تقليد لعبدة الشيطان وآخر صرعات الموضة وفتيان الأزقة الأمريكان والسجناء والجنود والبحارة الذين أبعدوا عن وسطهم الاجتماعي فبدؤوا برسم ذكرياتهم على أيديهم وطبع مآسيهم.

منقول للفائده