صفحة 4 من 5 الأولىالأولى 12345 الأخيرةالأخيرة
النتائج 46 إلى 60 من 63

الموضوع: بحر الدموع

  1. #46
    الصورة الرمزية rosebox
    rosebox غير متواجد حالياً عضو المتداول العربي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2006
    الإقامة
    Egypt
    العمر
    48
    المشاركات
    347

    افتراضي الفصل الثالث والعشرون

    الفصل الثالث والعشرون

    يا من سوّف بالمتاب حتى شاب، يا من ضيّع في الغفلة أيام الشباب، يا مطرودا بذنوبه عن الباب، اذا كنت في الشباب غافلا، في المشيب مسوّفا، متى تقف بالباب؟ كم عوملت على الوفاء؟ ما هكذا فعل الأحباب، الظاهر منك عامر، والباطن ويحك، خراب، كم عصيان كم مخالفة، كم رياء, كم حجاب؟ ولّى طيب العمر في الخطايا، يا ترى تعود الى الصواب؟.
    ما بعد الشيب لهو، كيف يجمل بالشيخ التصاب؟ أنت لو قدمت في متقادم عمرك الطاعة، لخفف عنك الحساب. كيف والعمر ولى في الغفلة وفي طلب الأسباب؟ اذا أنذرك المشيب بالرحلة، ولم تقدّم الزاد ماذا يكون الجواب.
    ليت شعري أهل المعاصي كيف عيشهم يطيب { ولو ترى اذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب} سبأ 51.

    يروى أن محمد بن واسع رأى شبابا في المسجد، قد خاضوا في بحر الغيبة والضلالة، فقال لهم: أيجمل بأحدكم أن يكون له حبيب، فيخالفه ليفوز به غيره؟ فقالوا: لا. فقال: أنتم قعود في بيت الله تخالفون أمره، وتغتابون الناس. فقالوا: قد تبنا. فقال: يا أولادي، هو ربكم وحبيبكم، واذا عصيتموه، وأطاعه غيركم، خسرتموه. وربحه غيركم، أفلا يضرّكم ذلك؟ قالوا: نعم. فقال: ومن خالفه، وربما يعاقبه لو عاقبه، أفلا تغيرون على شبابكم كيف يعاقب بالنار والعذاب وغيركم يفوز بالجنة والثواب. قالوا: نعم وحسن رجوعهم الى اله تعالى.
    وأنشوا:
    ألا فاسلك الى المولى سبيلا ولا تطلب سوى التقوى دليلا
    وسر فيها بجد وانتهاض تجد فيخا المنى عرضا وطولا
    ولا تركن الى الدنيا وعوّل على مولاك واجعله وكيلا
    وان أحببت أن تعتزّ عزا يدوم فكن له عبدا ذليلا
    وواصل من أناب اليه واقطع وصال المسرفين تكن نبيلا
    ولا تفني شبابك واغتنمه ومثل بين عينيك الرحيلا
    ولا تصل الدنيا واهجر بنيها على طبقاتهم هجرا جميلا
    وعامل فيهم المولى بصدق يضع لك في قلوبهم القبولا

    ومن كتاب أنس المريدين وقدوة الزاهدين: قال يزيد بن الحباب: مررت بحمدونه المجنونة وهي قاعدة على قارعة الطريق وعليها جبّة صوف مكتوب بين كتفيها، بمداد هذا البيت المفرد:
    سلب الرقاد عن الجفون تشوقي فمتى اللقا يا وارث الأموات
    قال: فسلمت عليها، فردت السلام، فقالت: ألست أنت يزيد بن الحباب؟ قلت: لها، نعم، فبم عرفتيني؟! قالت: اتصلت المعرفة في الأسرار، فعرفتك بتعريف الملك الجبار، ثم قالت: أسالك. قلت: اسالي. قالت: ما هو السخاء في الدين؟ قلت لها: المسارعة الى طاعة المولى. قالت: يا يزيد. آه آه، ليس هذا مسارعة، انما المسارعة الى طاعة الله أن لا يطلع على قلبك وأنت تريد منه شيئا بشيء، ثم أنشأت تقول هذين البيتين:
    حسب من الحبيب بعلمه أن المحب ببابه مطروح
    فاذا تقلب في الدنا ففؤاده بسهام لوعات الهوى مجروح

    ويروى عن الحسن البصري رضي الله عنه أنه قرأ{ واتقوا يوما ترجعون فيه الى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون} البقرة 281، فقال: هذه موعظة وعظ الله بها المسلمين، وذلك أن الحور العين تقول لولي الله، وهو متكئ على نهر العسل وهي تعطيه الكأس، وهما في سرور ونعيم: أتدري يا حبيب الله متى زوجنيك الله ربي؟ فيقول: لاأدري. فتقول: نظر اليبك في يوم صائف بعيد ما بين الطرفين وأنت في ظمأ الهواجر، فتباهى بك الملائكة، وقال: أنظروا يا ملائكتي الى عبدي، ترك شهوته ولذته، وزوجته وطعامه وشرابه رغبة فيما عندي، أشهدكم أني قد غفرت له، فغفر لك يومئذ وزوجنيك.

    لله درّ أقوام لا طفهم بأنسه، فتقرّبوا اليه بقلب سليم، أذاقهم حلاوة مناجاته، فكل منهم بحبه يهيم، أسكن قلوبهمحبه، فليلهم بالأشواق ليل سليم، طهرها من الهوى، فحب الدنيا عنها راحل، وحب الآخرة مقيم على كل حال لا يعرفون سواه، فأهلا به من تنعّم، وأهلا به من نعيم.
    للصالحين كرامات وأسرار لهم من الله تخصيص وآثار
    صفت قلوبهم لله واتصفت بالصدق واكتنفت بالنور أنوار
    واستغرقت كل وقت من زمانهم في طاعة الله أوراد وأذكار
    صاموا النهار وقاموا الليل ما سئموا حتى تعرّفت على الظلماء أسحار
    خلو به وراق الليل منسدل حتى لهم قد تجلت منه أنوار
    طوبى لهم فلقد طابت حياتهم وشرّفت لهم في الناس أقدار
    فازوا من الله بالزلفى وأسكنهم جنات عدن فنعم الدار والجار

    ويروى عن ابراهيم بن أدهم رضي الله عنه أنه كان على بعض جبال مكة يحدّث أصحابه، فقال: لو أن وليا من أولياء الله تعالى قال لهذا الجبل: زل، لزال فتحرّك الجبل، فضربه ابراهيم برجله، وقال له اسكن، انما ضربتك مثلا لأصحابي.
    وروي عنه أيضا أنه ركب البحر فتحرك ريح عاصف فوضع ابراهيم رأسه ونام، فقال أصحابه: أما ترى ما نحن فيه من الشدة، فقال: أوهذه شدة؟ قالوا: نعم، قال: لا، وانما الشدة الحاجة للناس، ثم قال: الهي، أريتنا قدرتك، فأرنا عفوك، فصار البحر كأنه قدح زيت.
    وعنه أيضا أنه كان في بعض الطرق مع أصحابه، فتعرّض لهم أسد، فقال له أصحابه: يا ابراهيم، هذا السبع قد ظهر لنا، فقال: أرونيه، فلما نظر اليه ابراهيم، قال: يا قسورة، ان كنت أمرت فينا بشيء فامض لما أمرت به، والا فتنحّ عنا.
    قال: فضرب الأسد بذنبه، وولى هاربا، فتعجبنا منه حين فقه كلام ابراهيم، رضي الله عنه ونفعنا به.

  2. #47
    الصورة الرمزية rosebox
    rosebox غير متواجد حالياً عضو المتداول العربي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2006
    الإقامة
    Egypt
    العمر
    48
    المشاركات
    347

    افتراضي الفصل الرابع والعشرون

    الفصل الرابع والعشرون


    يا راحلا بلا زاد والسفر بعيد، العين جامدة والقلب أقسى من الحديد. من ألوى منك بالضراء وأنت تغرق في بحر المعاصي في كل يوم جديد. ما أيقظك الشباب ولا أنذرك الاكتهال، ولا نهاك المشيب، ما أرى صلاحك الا بعيد، فديت أهل العزائم، لقد نالوا من الفضل المزيد، طووا فراش النوم، فلهم بكاء وتعديد، دموعهم تجري على خدودهم، خدّدت في الخدود أي تخديد، ما أنت من أهل المحبة ولا من العشاق يا قليل الهمة يا طريد.
    لأمر ما تغيرا الليالي وأنت على البطالة لا تبالي
    تبيت منعّما في خفض عيش وتصبح في هواك رخيّ بال
    ألم تر ان أثقال الخطايا على كتفيك أمثال الجبال
    أتكسب ما اكتسبت ولا تبالي هل هو من حرام أو من حلال
    اذا ما كنت في الدنيا بصيرا كففت النفس عن طرق الضلال
    ألا بأبي خليل بات يحيى طويل الليل بالسبع الطوال
    بقلب لا يفيق عن اضطراب وجفن لا يكف عن انهمال
    أرى الأيام تنقلنا وشيكا الى الأجداث حالا بعد حال
    سأقنع ما حييت يشطر بر أشيّعه بريّ من زلال
    اذا كان المصيرالى هلاك فما لي والتنعّم ثم ما لي
    أما لي عبرة فيمن تفانى على الأيام من عم وخال
    كأن بنسوتي قد قمن خلفي ونعشي فوق أعناق الرجال
    يعجلن المسير ولست أدري لدار الفوز أم دار النكال
    يبيد الكل منا دون شك ويبقى الله بري ذو الجلال

    يروى عن رجل من أصحاب داود الطائي أنه قال: دخلت على داود، فقال لي: ما حاجتك؟ قلت: زيارتك، فقال: أما انت، فقد عملت خيرا حين زرتنا، ولكن أنظر ما ينزل بي اذا قيل لي: من أنت فتزار، أمن العبّاد أنت؟ لا والله. أمن الزهاد أنت؟ لا والله، ثم أقبل يوبّخ نفسه ويقول: كنت في الشباب فاسقا، وفي الكهولة مداهنا، فلما شخت صرت مرائيا. لا والله، الا المرائي أشد من الفاسق، وجعل يقول: يا اله السموات والأرض، هب لي رحمة من عندك تصلح شبابي وتقيني من كل سوء، وتعلى في أعلى مقامات الصالحيم مكاني.
    اسمع يا أخي مقامات الرجال، وكرامات ذوي الأحوال، الذين اختصهم مولاهم وحباهم بالافضال.

    وعن عبدالله بن عبدالرحمن قال: حج سفيان الثوري مع شيبان الراعي، فعرض لهم أسد في بعض الطرق، فقال له سفيان: أم ترى كيف قطع علينا الطريق، وأخاف الناس. قال شيبان: لا تخف، فلما سمع الأسد كلام شيبان، بصبص اليه، وأخذ شيبان بأذنه وفركها، فبصبص وحرك ذنبه وولى هاربا، فقال سفيان: ما هذه الشهرة يا شيبان؟ قال: أو هذه شهرة يا سفيان؟ لولا مكان الشهرة لوضعت زادي على ظهره حتى أتيت مكة.

    يروى عن عبدالرحمن بن أبي عباد المكّي أنه قال: قدم علينا شيخ يكنى بأبي عبدالله. قال: أقبلت في السحر الى بئر زمزم، واذا بشيخ قد سدل ثوبه على وجهه، وأتى البئر واستسقى، قال: فقمت الى فضلته، فشربت منها. فاذا هو ماء مضروب بعسل لم اذق ماء أطيب منه. فالتفتّ فاذا بالشيخ قد ذهب، فلما كان في السحر في الليلة الثانية أتيت البئر واذا بالشيخ دخل من باب المسجد قد سدل ثوبه على وجهه، فأتى البئر واستسقى، فشرب وخرج، فقمت الى فضلته، فاذا هو سويق ألذ ما يكون، فلما كان في الليلة الثالثة، أتى البئر أيضا، واستسقى. فأخذت طرف ملحفته، ولففته على يدي، ثم شربت فضلته، فاذا هو لبن مضروب بسكر لم أذق قط أطيب منه، فقلت يا شيخ، بحق هذا البيت عليك، من أنت؟ قال: تكتم عليّ. قلت: نعم. قال: سفيان الثوري.

    لله درّ أقوام أفناهم شهوده عن وجودهم، فحالهم لشوقه مستديم، أقطعهم اقليم الكرى ما أبعده من اقليم، حماهم عن الأغيار غيرة عليهم، وخلع عليهم حلل الرضا والتسليم، سقاهم مدام الالهام، فيا له من مدام، ويا له من نديم، أسبل على المعاصي ستره، ليعود الى بابه الكريم، تقرّب برحمته للمذنبين، ليسكن روع المفلس من الطاعة العديم، أرسل اليه رسائل اللطف على يدي رسول كريم: { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم} الزمر 53.
    وأنشدوا:
    ألا قف بباب الجود واقرعه نادما تجده متى جئته غير مرتج
    وقل عبد سوء خوّفته ذنوبه فمدّ اليكم ضارعا كف مرتجي

    ويروى عن أبي ريحانة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ركب البحر، فكان يخيط في السفينة، فسقطت ابرته، فقال: أعزم عليك يا ربّ الا رددت عليّ ابرتي، فظهرت له حتى أخذها بيده.
    قال: واشتد عليهم البحر، فقال له: اسكن، انما أنت عبد حبشيّ، فسكن حتى صار مثل الزيت، رضي الله عنه، ونفعنا ببركاته.

  3. #48
    الصورة الرمزية rosebox
    rosebox غير متواجد حالياً عضو المتداول العربي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2006
    الإقامة
    Egypt
    العمر
    48
    المشاركات
    347

    افتراضي الفصل الخامس والعشرون

    الفصل الخامس والعشرون


    يا اخي، أفنيت عمرك في اللعب، وغيرك فاز بالمقصود وأنت منه بعيد، غيرك على الجادة، وأنت من الشهوات في أوجال وتنكيد، ترى متى يقال: فلان استقال ورجع. يا له من وقت سعيد، متى تخرج من الهوى وترجع الى مولاك العزيز الحميد، يا مسكين، لو عاينت قاق التائبين، وتململ الخائفين من هوال الوعيد، جعلوا قرّة أعينهم في الصلاة، والزكاة، والتزهيد، واهل الحرمان ضيعوا الشباب في الغفلة، والشيب في الحرص والأمل المديد، لا بالشباب انتفعت، ولا عند تامشيب ارتجعت، يا ضيعة الشباب والمشيب:{ ولو ترى اذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب سبأ 51.
    وأنشدوا:
    عملت على القبائح في شبابي فلما شبت عدت الى الرياء
    فلا حين الشباب حفظت ديني ولا حين المشيب طببت دائي
    فشاب عنده مصغر غويّ وشيخ عند مكبره مرائي
    قضاء سابق في علم غيب فيا لله من سوء القضاء

    يروى في بعض الأخبار أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لقي حذيفة بن اليمان وهو يومئذ أمير المؤمنين، فقال لحذيفة: كيف أصبحت يا حذيفة؟ قال: أصبحت يا أمير المؤمنين أحب الفتنة، وأكره الحق، وأقول بما لم يخلق، وأشهد بما لم أر، وأصلي بلا وضوء، ولي في الأرض ما ليس لله في السماء.
    فغضب عمر لذلك غضبا شديدا، وهمّ أن يبطش به، ثم تذكر صحبته من النبي، فأمسك، فهو كذلك اذ مرّ به عليّ ابن أبي طالب رضي الله عنه، فرأى الغضب في وجهه، فقال: ما أغضبك يا امير المؤمنين، فقصّ عليه القصّة.
    فقال: يا أمير المؤمنين لا يغضبك 1لك، أما قوله: انه يحب الفتنة، فهو تأويل قوله تعالى:{ انما أموالكم وأولادكم فتنة} التغابن 15.
    أما قوله: يكره الحق، فالحق هو الموت الذي لا بدّ منه ولا محيص عنه.
    وأما قوله: يقول بما لم يخلق: القرآن، فهو يقرأ القرآن وهو غير ومخلوق.
    وأما قوله: يشهد بما لم ير، فانه يصدق بالله ولم يره.
    واما قولخ: يصلي بغير وضوء، فانه يصلي على النبي صلى الله عليخ وسلم بغير وضوء.
    وأما قوله: ان له في الأرض ما ليس لله في السماء، فان له زوجة وبنين، وليس لله شيء من ذلك.
    فقال عمر: لله درّك: يا أبا الحسن، لقد كشفت عني هما عظيما.

    ويروى أن رجلا من أهل دمشق يسمى بأبي عبد ربه، وكان أكثر أهل دمشق مالا، وأنه خرج مسافرا، فأمسى الى جانب نهر ومرعى، فنزل فيه، فسمع صوتا يكثر حمدا لله في ناجية المرج. قال: فاتبعته، فوجدته رجلا ملفوفا في حصير، قال: فسلمت عليه، وقلت له: من أنت يا عبدالله؟.
    قال: رجل من المسلمين.
    فقلت له: فما هذه الحالة؟
    قال: نعمة يجب عليّ شكرها.
    فقلت: كيف وأنت ملفوف في حصير وأي نعمة عليك؟!.
    قال: ان الله خلقني، فأحسن خلقي، وجعل منشأي ومولدي في الاسلام، وألسني العافية في أركاني، وستر عليّ ما أكره ذكره، فمن أعظم نعمة ممن أمسى في مثل ما أنا فيه؟.
    فقلنا: رحمك الله، لعلك أن تقوم معي الى منزلي، فأنا نزول على النهر هاهنا بازائك.
    قال: ولم؟.
    قلت: لتصيب شيئا من الطعام، ونعطيك ما يغنيك عن لبس الحصير.
    قال: ما اي في ذلك من حاجة.
    فأبى أن يسير معي، فانصرفت وقد تقاصرت عندي نفسي ومقتها، وقلت: لم أخلّف بدمشق رجلا أكثر مني مالا، وأنا ألتمس الزيادة.
    فقلت: اللهم اني أتوب اليك مما أنا فيه، فتبت ولم يعلم أحد بما اجتمعت عليه، فلما كان في السحر، رحل الناس، وقدّموا اليّ دابتي، فصرفتها الى دمشق، وقلت: ما أنا بصادق في التوبة ان أنا مضيت الى متجري، فسألني القوم فأخبرتهم، فعاتبوني على المشي معهم فأبيت.
    فلما قدم على دمشق قال ناقل الحديث: فوضع يده في ماله وتصدق به، وفرّقه في سبيل الله، ولزم العبادة حتى توفي رضي الله عنه، فلما توفي لم يوجد عنده الا قدر حق الكفن.
    وأنشدوا:
    ذكر الوعيد فطرفه لا يهجع وجفا الرّقاد فبان عنه المضجع
    متفرّدا بغليله يشكو الذي منه الجوانح والحشا يتوجع
    لما تيقّن صدق ما جاءت به الـ آيات صار الى الانابة يسرع
    فجفا الأحبّة في محبّة ربّه وسما اليه بهمّة ما يقلع
    وتمتعت بوداده أعضاؤه اذ خصّها منه بودّ ينفع
    كم في الظلام له اذا نام الورى من زفرة في اثرها يتوجّع
    ويقول في دعواته يا سيدي العين يسعدها دموع رجع
    اني فزعت اليك فارحم عبرتي واليك من ذلّ الخطيئة أفزع
    من ذا سواك يجيرني من ذلتي يا من لعزته أذلّ وأخضع
    فامنن عليّ بتوبة أحيا بها اني بما اجترمت يداي مروّع
    قل التصبّر عنك يا من حبّه في الجارحات سقامه يتسرّع
    كيف اصطبار متيّم في حبّه قدما لكاسات الهوى يتجرّع
    لاحت وعن صدق المحبة ما بدت للناظرين نجوم ليل تطلع
    ما الفوز الا في محبّة سيده فيها المحبّ اذا تواضع يرفع

    يروى أن قتادة بن النعمان الأنصاري رضي الله عنه كان من الرماة المذكورين، شهد بدرا وأحدا، ورميت يومئذ عينه، فسالت على خدّه، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم وهي في يده، فقال: ما هذه يا قتادة؟ قال: هذا ما ترى يا رسول الله، فقال له رسول الله:" ان شئت صبرت ولك الجنة، وان شئت رددتها لك ودعوت الله لك فلم تفقد منها شيئا"، فقال: والله يا رسول الله ان الجنة لجزاء جزيل، وعطاء جليل، ولكني مبتلى بحب النساء، وأخاف أن يقلن: أعور فلا يردنني، ولكن أحبّ أن تردّها اليّ وتسأل الله لي الجنة، فقال:" أفعل ذلك يا قتادة" ثم أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، وأعادها الى موضعها، فعادت أحسن ما كانت ، الى أن مات ودعا الله له بالجنة.
    قال: فدخل ابنه على عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه، وهو خليفة فقال له عمر: من أنت يا فتى؟ فقال:
    أنا ابن الذي سالت على الخدّ عينه فردّت بكف المصطفى أحسن ردا
    فعادت كما كانت بأحسن حالها فيا حسن ما عين ويا حسن ما ردّ
    فقال عمر: بمثل هذا فليتوسل اليه المتوسلون، رضي الله عنه.

  4. #49
    الصورة الرمزية داي ترايدر
    داي ترايدر غير متواجد حالياً عضو نشيط
    تاريخ التسجيل
    Jan 2006
    الإقامة
    هولندا
    المشاركات
    7,524

    افتراضي رد: بحر الدموع

    نسأل الله سبحانه أن يغفر لنا و يرحمنا
    و الله لا ملجأ من الله الا اليه
    جزاكي الله خيرا أختي..
    توقيع العضو
    أستغفر الله العظيم
    http://forum.arabictrader.com/t231842.html

  5. #50
    الصورة الرمزية rosebox
    rosebox غير متواجد حالياً عضو المتداول العربي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2006
    الإقامة
    Egypt
    العمر
    48
    المشاركات
    347

    افتراضي رد: بحر الدموع

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة داي ترايدر مشاهدة المشاركة
    نسأل الله سبحانه أن يغفر لنا و يرحمنا
    و الله لا ملجأ من الله الا اليه
    جزاكي الله خيرا أختي..
    يا رب أنزل رحماتك و رضوانك و عفرانك على المسلمين أجمعين ببركه هذا الشهر الفضيل

    نورت الموضوع يا أخى و جزاك خير الجزاء

  6. #51
    الصورة الرمزية rosebox
    rosebox غير متواجد حالياً عضو المتداول العربي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2006
    الإقامة
    Egypt
    العمر
    48
    المشاركات
    347

    افتراضي الفصل السادس والعشرون

    الفصل السادس والعشرون


    يا هذا، لا يزال التائبون يهربون الى دير الخلوة هروب الخائف الى دار الأمان، لهم في سحر الليل تأنس بمدامع الأجفان، كتب السجود في ألواح جباههم خطوط العرفان، كم لأقدامهم في الدجى من جولان وكم لهم في وادي السحر من عيون تجري كالطوفان، فاذا لاحت أعلام الفجر كبّروا عند مشاهدة العيان، فديت طراق الدجى، فديت أرباب العزائم، فديت الفتيان.

    بادروا رواهب الخلوة، نحن لكم جيران، تركنا الأسباب والأهل والأوطان، فرقنا شهوات النفوس والأبدان، وخرّبنا ديار اللهو، فأقفرت منذ زمان، طلقنا الدنيا بتاتا، وهجرنا الدار والسكان، سقينا من شراب الأنس شربة ولو كان ما كان، لبسوا حلة الجوع بالنهار، وتركوا خدمة من جلّ وهان، عمروا القلوب بالتقوى، وبالذكر اللسان، لهم نزاحم على باب الدجى، فمنهم من صاح ومنهم نشوان، ومنهم من خامره بالشوق، فهو من الحب ولهان، ومنهم من غلبه الوجد، فهو هائم سكران، أفناهم الخوف وأذبلهم الأرق وهم من القلق كل يوم في شأن. سيّرهم ذكر الحبيب ولهم في التلاوة ألحان، نالوا منازل التوكل، وأصبحوا فيها قطان، باعوا شهوات النفوس بأبخس الأثمان، سجلوا على أنفسهم سجل الرضا بالقضاء، فأهلا بالرجال الشجعان، تتجافى جنوبهم عن المضاجع ولهم تلحين بالقرآن، خامرهم الخوف فسكروا من شرابه مخافة النيران، منهم من سقي شراب المحبة صرفا، وتزايدت لهم الأحزان، ومنهم من مزج له بالأشواق، فعاين منه ألوان، كم خرّبوا في حبه منازل، وكم أيتموا فيه من ولدان. تراهم أبدا سكارى عرايا في القفار وفي البلدان. قلوبهم مملوءة بالخوف، وظاهرهم مضمّخ بالأحزان، ينادي لسان شوقهم: لا كان من ألم السلوى ولا كان، خرق لهم حجاب العادات وعقد على رؤوسهم للولاية تيجان، مجلس أنسهم مضمذخ بالمشاهدة شديدة الأركان.

    يا معشر الفقراء، طوفوا بهذا الدير، وزاحموا على بابه، وباكروا هذه الدنّات، طيبوا على هذا السماع، وتواجدوا على هذه الألحان، معكم جمال المحبوب، في الكون والحال.

    يا معشر الفتيان، ما أطيب عيش الصدّيقين، شربوا هذا الشراب وباحوا بالكتمان، فما تراهم الا بين واجد وهائم وخائف وراج وولهان.

    فعندما تجلى لهم محبوبهم في قلوبهم، أغناهم عن مشاهدة العيان. لا طفهم بملاطفة: يا عبادي لا خوف عليكم، اليوم لكم الأمان. بعيني ما تحملتم من أجلي، فكم من جفنت ساهر، وكم من كبد من الشوق ملآن، سأكشف لكم لمألم الحجاب عن وجهي فتتنعمون بما لم يخطر على قلب انسان. ألبسكم حلل الرضا، وأبسط مجالسكم بالرضوان، أسقيكم شراب التوحيد صرفا خالصا، وانا الحنّان المنّان.

    يا أهل السماع تواجدوا، ويا معشر الاخوان، أين المشتاق؟ هذا الشراب، هذا كأس المتاب ملآن.

    أين أنت من أهل الصفا يا مضيّعا عمره في العصيان؟ بادر قبل تغيّر الحال، فتعود بالخيبة والخسران، واعص من لامك وخالف من عدلك، وأطع من نصحك ودع قالا وقيلا.
    { فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرءون كتابهم ولا يظلمون فتيلا ومن كان في هذه أعمى فهو في الاخرة أعمى وأضل سبيلا} الاسراء 71ـ 72.

    قال عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر، فقام في الركعة الأولى، حتى ظننا أنه لا يرفع رأسه، فرفع رأسه، ورفعنا بعده، فلما قضيت الصلاة، انفتل من محرابه صلى الله عليه وسلم وقال:" أين أخي وابن عمي علي ابن أبي طالب؟" فأجابه علي رضي الله عنه من آخر الصفوف، وهو يقول لبيك يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أدن مني يا أبا الحسن"، فدنا منه، فلم يزل يدنيه حتى جلس بين يديه. فقال:" يا أبا الحسن، أما سمعت ما أنزل الله عليّ في فضل الصف الأول، والتكبيرة الأولى؟" فقال: بلى يا رسول الله. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:" فما الذي أبطأك عن الصف الأول والتكبيرة الأولى، فهل شغلك حب الحسن والحسين عن ذلك؟" فقال له علي رضي الله عنه: وهل يشغلني حبهما عن حب الله تعالى؟! قال له:" فما الذي شغلك عن ذلك يا عليّ" قال: يا رسول الله، أذن بلال وأنا في المسجد، فركعت ركعتين، وأقام بلال الصلاة فكبّرت معك التكبيرة الأولى، فوسوسني شيء من أمر الوضوء، فخرجت من المسجد الى منول فاطمة رضي الله عنها، فناديت، يا حسن، يا حسين، فلم يجيبني أحد، فبينما أنا كالمرأة الثكلى، أو كالحبة في المقلى، وأنا أطلب ماء لوضوئي، اذ هتف بي هاتف عن يميني، فاذا أنا بقدح من الذهب الأحمر، وعليه منديل أخضر، فكشفت المنديل، فاذا هو ماء أشد بياضا من اللبن، وأحلى من الشهد، وألين من الزبد، فتطهرت للصلاة، تمندلت بالمنديل، ورددته على القدح، والتفت فلم أره، ولم أر من وضعه ولا من رفعه.
    فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال:" بخ بخ، هل تعلم من اتاك بالمنديل والقدح يا أبا الحسن؟" قال: الله ورسوله أعلم. قال:" أتاك بالقدح جبريل عليه السلام، والماء من حظيرة القدس، والذي مندلك بالمنديل ميكائيل عليه السلام، والذي أمسك يدي على ركبتي حتى أدركت الركعة الأولى اسرافيل عليه السلام. يا أبا الحسن من أحبّك، أحبّه الله، ومن أبغضك أبغضه الله".

    ويروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس ذات يوم مع أصحابه، فاذا بيهودية قد أقبلت تبكي، حتى وقفت بين يديه، وجعلت تقول هذه الأبيات، وهي تبكي:
    بأبي أفديك يا نور الفلك ليت شعري أن شيء قتلك
    غبت عني غيبة موحشة أترى ذئب يهودي أكلك
    ان تكن ميتا فما اسرع ما كان من أمر الليالي من اجلك
    أو تكن حيا فلا بدّ لمن عاش أن يرجع من حيث سلك
    فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:" مالك أيتها المرأة؟"
    قالت: يا محمد بينما أنا وولدي يلعب بين يدي، اذ خطف، وبقي المكان منه بلقعة.
    قال لها:" يا هذه ان ردّ الله ولدك على يدي، أتؤمنين بي؟"
    قالت: نعم وحق الأنبياء الكرام، ابراهيم، واسحاق، ويعقوب عليهم الصلاة والسلام.
    فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى ركعتين، ثم دعا بدعوات، فما استكملها حتى وضع الطفل بين يديه صلى الله عليه وسلم.
    فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:" أين كنت أيها الطفل؟"
    قال: بينما كنت ألعب بين أمي، اذا أقبل عليّ عفريت كافر، فاختطفني وذهب بي من وراء البحر، فلما دعوت الله عز وجل، سلط الله عليه جنا مؤمنا أشد منه بطشا، وأعظم خلقا فانتزعني منه، وساقني اليك، فها أنا بين يديك صلى الله عليك.
    فقلت المرأة: أشهد أن لا اله الا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

  7. #52
    الصورة الرمزية rosebox
    rosebox غير متواجد حالياً عضو المتداول العربي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2006
    الإقامة
    Egypt
    العمر
    48
    المشاركات
    347

    افتراضي الفصل السابع و العشرون

    الفصل السابع والعشرون


    اعلم أن الزمنى من أكبر الكابائر، وهو شؤم على صاحبه في الدنيا والآخرة، ووبال على صاحبه.
    وقد نهى الله تعالى عنه في مواضع من كتابه، فقال تعالى:{ ولا تقربوا الزنى انه كان فاحشة وشاء سبيلا} الاسراء 32. وقال تعالى:{ والذين هم للزكاة فاعلون والذين هم لفروجهم حافظون الا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فانهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون} المؤمنون 5، 7.
    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن" أخرجه مسلم 58، أراد بذلك أن الزاني مبعد عن الله تعالى، مستوجب المقت من الله عز وجل.

    وفي الخبر أن شابا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أتأذن لي في الزنى، فصاح الناس به، فقال:" اتركوه، أدن مني"، فقال:" أتحبه لأمك؟" قال: لا، جعلني الله فداك. قال:" كذلك الناس لا يحبونه لأمهاتهم، ثم قا ل له أتحبه لأبنتك؟" قال: لا. قال:" كذلك الناس لا يحبونه لبناتهم". حتى ذكر الأخت، والخالات والعمات وهو يقول: لا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" كذلك الناس لا يحبونه"، ثم وضع يده الكريمة على صدره، وقال:" اللهم طهر قلبه، واغفر ذنبه، وحصن فرجه"، فلم يكن بعد ذلك شيء أبغض اليه من الزنى. رواه أحمد واسناده صحصح.

    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لما خلقت المرأة، قال لها ابليس: أنت نصف جندي، وأنت موضع سري، وأنت سهمي الذي أرمي به فلا أخطئ" فتحفظ رحمك الله نت سهام الشيطان.
    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" الزنى من أكبر الكبائر، والزاني عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين الى يوم القيامة، فان تاب، تاب الله عليه" أبو داود 4690.
    وقال صلى الله عليه وسلم:" من علامة المؤمن أن يجعل الله شهوته في الصلاة والصيام، وعلامة المنافق أن يجعل الله شهوته في بطنه وفرجه".
    وقال صلى الله عليه وسلم:" الزنى يورث الفقر، ويذهب بهاء الوجه" يقول تعالى:" آليت على نفسي أن أفقر الزاني ولو بعد حين". والزنى يذخب بالمال، وبنور الوجه، ويخلد صاحبه في النار.
    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه:" ما لقي الله العبد بذنب بعد الشرك بالله، أعظم من الزنى، ومن امرئ يضع نطفته في رحم حرام، وان الزاني يسيل من فرجه يوم القيامة صديد لو وضعت منه قطرة على وجه الأرض، لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم نتنا". وقال صلى الله عليه وسلم:" اياكم والزنى فانه ذهاب البهاء، وطول الفقر، وقصار العمر، وأما اللواتي في الآخرة فسخط الله، وسوء الحساب، والخلود في النار".
    يا من عصى الله في الشباب وقد أدركه الشيب راقب الله
    صحفك بالسيئات قد ملئت بأي وجه تراك تقراها
    أعدد جوابا اذا سئلت غدا وقرّب النار منك مولاها
    يا معشر المسلمين كم رجل تلومه النار حين يصلاها

    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ما من أحد أغير من الله تعالى أن يرى عبده أو أمته يزني، والله لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرا، ألا وان في النار لتوابيت من نار، فيها أقوام محبوسون في تلك التوابيت، فاذا سألوا الراحة، فتحت لهم تلك التوابيت فاذا فتحت بلغ شررها أهل جهنم، فيستغيث أهل جهنم بصوت واحد، ويقولون: اللهم العن اهل التوابيت، وهم الذين يغتصبون فروج النساء حراما".
    وقال صلى الله عليه وسلم:" ان الله لما خلق الجنة، قال لها: تكلمي. قالت: سعد من دخلني، فقال الجبار جل جلاله: وعزتي وجلالي لا يسكن فيك ثمانية نفر من الناس، مدمن خمر، ولا مصرّ على الزنى، ولا نمّام، ولا ديّوث، ولا شرطيّ، ولا مخنّث، ولا قاطع رحم، ولا الذي يقول: عليّ عهد الله أن أفعل كذا وكذا ولا يفعله".

    فليس المصر على الزنى هو المداوم عليه، ولا مدمن الخمر هو الملازم لشربه، ولكنه هو اذا وجد الخمر شربها، ولم يمنعه منها خوف الله تعالى، ومتى تهيأ له الزنى، ولم يتب من ذلك، ومن لم ينه النفس عن الهوى فان الجحيم هي المأوى.
    وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول لغلمانه: ان أردتم النكاح نكحتم، أي تزوّجتم، فان العبد اذا زنى، خرج الايمان من قلبه فلا يبقى للعبد ايمان.
    وقال لقمان لابنه: اياك والزنى، فان أوله مخافة آخره ندامة، ومن بعد تلقى آثامه.
    وأنشدوا:
    يا من خلا بمعاصي الله في الظلم في اللوح يكتب فعل السوء بالقلم
    بها خلوت وعين الله ناظرة وأنت بالاثم منه غير مكتتم
    فهل أمنت المولى من عقوبته يا من عصى الله بعد الشيب والهرم
    واعلم أن من غلبه هواه افتضح، فما نال الكرامات من نالها الا بفلبة الهوى.

    كما روي أنه في بني اسرائيل رجل تزوج امرأة من بلد آخر، فأرسل بثقته اليها ليسوقها اليه، فراودته نفسه، وطالبته بها، فزجرها، واستعصم بالله، قال: فنبأه الله تعالى بترك هواه، وكان نبيا من بني اسرائيل.
    وأنشدوا:
    توق نفسك لا تأمن غوائلها فالنفس أخبث من سبعين شيطانا

    وحكى ابن عباس عن كعب الأحبار رضي الله عنهما أنه قال: كان في بني اسرائيل صدّيق منفرد للعبادة، فأقام في صومعته دهرا طويلا، وكان يأتيه ملك في كل غدوّة وعشيّة، فيقول له الملك: ألك حاجة؟ فيقول: الله أعلم بحاجتي.
    وأنبت الله له فوق الصومعة كرمة، تحمل في كل يوم بالعنب، وكان اذا عطش مد يده، فينبع منها الماء، فيشرب منه.
    فلما كان بعد مدة مرت به امرأة لها حسن وجمال، عند المغرب، فنادته: يا عبدالله. فقال لها: لبيك. فقالت له: أيراك ربك؟ قال لها: هو الله الواحد القهار، الحيّ القيّوم، العالم بما في الصدور وباعث من في القبور. قالت له: البلد مني بعيد. قال لها: اصعدي.
    فلما صارت في صومعته، رمت بثيابها، وقامت عريانة، تجلو نفسها عليه، فغضّ بصره عنها. وقال لها: ويلك، استري نفسك. قالت له: ما يضرّك اذا تمتعت بي في هذه الليلة؟.
    فقال لنفسه: يا نفس، وما تقولين؟ قالت: والله اني أتمتع بها.
    قال لها: ويحك: أتريدين سرابيل القطران، مقطعات وتذهبين بعبادتي هذه المدة، وليس كل من زنى عفي عنه، وان الزاني يكبّ على وجهه في النار، وهي نار لا تطفأ، وعذابها لا يفنى، وأخاف أن يغضب الله عليك، ولا يرضى أبدا عنك.
    فراودته نفسه على ذلك، فقال: أعرض عليك نارا صغيرة، فان صبرت عليها، متعتك بهذه الجارية الليلة.
    قال: فملأ السراج دهنا، وأغلظ الفتيلة، والمرأة تسمع وتبصر، ثم ألقى يده الى الفتيلة، وهي تتقد، فصاح بالفتيلة: ما لك؟ أحرقي، فأكلت ابهامه، ثم اكلت أصابعه، ثم أكلت يده، فصاحت الجارية صيحة عظيمة، فارقت الدنيا، فسترها بثوبها.
    فلما اصبح صرخ ابليس لعنه الله: أيها الناس ان العابد قد زنى بفلانة بنت فلان، وقتلها.
    فركب الملك في جنده وأهل مملكته، فلما انتهى الى الصومعة، صاح، فأجابه العابد، فقال له: أين فلانة بنت فلان؟ قال له: عندي ها هنا. قال له: قل لها أن تنزل. قال له: انها قد ماتت.
    قال له الملك: ما رضيت بالزنى حتى قتلت النفس التي حرّم الله؟ فهدم الصومعة، وجعل في عنق العابد سلسلة، فجرّه بها، وحملت المرأة، وجيء بالعابد ملفوفة في كمه وهو لا يعلمهم بقصته.
    فوضع المنشار على رأسه، وقيل لأصحاب العذاب: جرّوا، فجرّوا.
    فلما بلغ المنشار الى دماغه، تأوّه، فأوحى الله تعالى الى جبريل عليه السلام: قل له: لا ينطق بشيء، وها أنا أنظر اليك، وقد أبكى حملة عرشي، وسكان سماواتي، فوعزتي وجلالي لئن تأوّه الثانية، لأهدمنّ السموات على الأرض، فما تأوه ولا تكلم حتى مات رحمه الله.
    فلما مات، ردّ الله الروح على المرأة، وقالت: مات والله مظلوما، ما زنى وما أنا الا بخاتمي بكر.
    ثم قصت عليهم القصة، فأخرجوا يده، فاذا هي محروقة كما قالت الجارية. فقالوا: لو علمنا ما نشرناه، وخرّ العابد نصفين على الأرض، وعادت الجارية كما كانت، فحفروا لهما قبرا واحدا، فوجدوا في القبر مسكا وعنبرا وكافورا. ثم أتوا بهما ليصلوا عليهما، فناداهم مناد من السماء: اصبروا حتى تصلي عليهما الملائكة، ثم صلى عليهما الناس ودفنوهما، فأنبت الله على قبرهما الياسمين، ووجدوا على قبرهما رق مكتوب فيه:
    بسم الله الرحمن الرحيم، من الله عز وجل الى عبدي ووليي، اني نصبت المنبر تحت عرشي، وجمعت ملائكتي، وخطب جبريل عليه السلام، وأشهدت الملائكة أني زوّجتك خمسين ألف عروس من الفردوس، وهكذا أفعل بأهل طاعتي وأهل مراقبتي.

    وقال صلى الله عليه وسلم:" النظر الى محاسن المرأة سهم من سهام ابليس، فمن غضّ بصره، أذاقه الله تعالى عبادة يجد حلاوة تلك العبادة في قلبه". رواه الحاكم.

    وفي المناجاة أن الله تعالى قال لموسى عليه السلام: يا موسى، حرمت على النار ثلاثة أعين: عين سهرت في سبيل الله، وعين غضّت عن محارم الله، وعين بكت من خشيتي، ولكل شيء جزاء، الا الدمعة، فلا جزاء لها الا الرحمة والمغفرة ودخول الجنة. والله تعالى أعلم.


  8. #53
    الصورة الرمزية ام صلاح الدين
    ام صلاح الدين غير متواجد حالياً عضو المتداول العربي
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    الإقامة
    مصر- السعودية
    المشاركات
    697

    افتراضي رد: بحر الدموع

    متابعين يا اختى جزاك الله خير عن كل كلمه

  9. #54
    الصورة الرمزية rosebox
    rosebox غير متواجد حالياً عضو المتداول العربي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2006
    الإقامة
    Egypt
    العمر
    48
    المشاركات
    347

    افتراضي رد: بحر الدموع

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ام صلاح الدين مشاهدة المشاركة
    متابعين يا اختى جزاك الله خير عن كل كلمه
    و جزاكى يا أختى بارك الله فيكى و تقبل صيامك و قيامك

  10. #55
    الصورة الرمزية rosebox
    rosebox غير متواجد حالياً عضو المتداول العربي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2006
    الإقامة
    Egypt
    العمر
    48
    المشاركات
    347

    افتراضي الفصل الثامن و العشرين هام جدا جدا جدا

    الفصل الثامن والعشرون


    وفي الخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم فقد كعبا فسأل عنه، فقيل انه مريض، فخرج يمشي حتى أتاه، فلما دخل عليه قال: أبشر يا كعب، فقالت له أمه: هنيئا لك الجنة يا كعب. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من هذه المتألية على الله؟" قال: أمي. قال:" وما يدريك يا أم كعب، لعل كعبا قال ما لا يعنيه أو سمع ما لا يعنيه؟".

    وقال صلى الله عليه وسلم:" العبادة تسعة أجزاء في الصمت، وجزء في الفرار من الناس".

    وفي الحكمة: تسعة أعشار العبادة في الصمت.

    وحكي أن مريم لما نذرت ألا تتكلم، وحبست لسانها لأجل الله تعالى، أطلق الله سبحانه وتعالى لسان صبي لا يعرف الخطاب، أنطقه الله لأجلها.
    فمن حفظ لسانه لأجل الله تعالى في الدنيا، أطلق الله لسانه بالشهادة عند الموت ولقاء الله تعالى. ومن سرّح لسانه في أعراض المسلمين، واتبع عوراتهم أمسك الله لسانه عن الشهاجة عند الموت.

    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه، كثرت ذنوبه، ومن كثرت ذنوبه، كانت النار أولى به"
    فلذلك كان الصّدّيق رضي الله عنه يضع فيه حجرا ليمنع نفسه عن الكلام.
    وسأل معاذ رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيّ الأعمال أفضل، فأخرج لسانه، ووضع يده عليه.
    وأوصى عليّ ابن أبي طالب عنه ولده الحسن، فقال له: أمسك عليك لسانك، فان تلاف المرء في منطقه.

    وذكر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب الناس يوما، فقال: ان ربكم تعالى يقول: يا ابن آدم، لم تحرّض الناس على الخير، وتدع ذلك من نفسك؟ يا ابن آدم، لم تذكّر الناس وتنسى نفسك؟ يا ابن آدم، لم تدعوني وتفرّ مني؟ ان كان كما تقول، فاحبس لسانك، واذكر خطيئتك، واقعد في بيتك.

    وفي صحائف ابراهيم عليه السلام: على العاقل أن يكونبصيرا بزمانه، مقبلا على شأنه، حافظا للسانه.
    وعن مالك بن دينار رحمه الله تعالى أنه قال: اذا رأيت قساوة في قلبك، أو وهنا في بدنك، أو حرمانا في رزقك، فاعلم أنك تكلمت بما لا يعنيك.
    وقال لقمان الحكيم لابنه: يا بنيّ، من رحم يرحم، ومن يصمت يسلم، ومن يفعل الخير يغنم، ومن يفعل الشر يأثم، ومن لا يملك لسانه يندم.
    وأنشدوا:
    احفظ لسانك أيها الانسان لا يقتلنك انه ثعبان
    كم في المقابر من قتيل لسانه كانت تهاب لقاءه الشجعان

    ويقال: انجميع الأعضاء تبكّر كل يوم للسان، وتقول له: ناشدتك الله تعالى أن تستقيم، فانك ان استقمت استقمنا، وان اعوججت اعوججنا.
    وقال بعض الحكماء: احبس لسانك قبل أن يطول حبسك، وتتلف نفك، فلا شيء أولى بطول حبس من اللسان ليقصر على الصواب ويسرع الى الجواب.
    قال بعض الحكماء: ترك فضول الكلام يثمر النطق بالحكمة، وترك فضول النظر يثمر الخشوع والخشية، وترك فضول الطعام يثمر حلاوة العبادة، وترك الضحك يثمر حلاوة لهيبة، وترك الرغبة في الحرام يثمر المحبة، وترك التجسس عن عيوب الناس يثمر صلاح العيوب، وترك التوهم في الله ينفي الشك والشرك والنفاق.
    وأنشدوا:
    الصمت نفع والكلام مضرة فلربّ صمت في الكلام شفاء
    فاذا أردت من الكلام شفاء لسقام قلبك فالقرآن دواء
    واعلم أن التجسس عن عيوب الناس، وتطلب مساوئهم، يبدي العورات، ويكشف المخبّآت.
    وقد نهى الله عز وجل عن ذلك في كتابه العزيز بقوله:{ ولا تجسّسوا ولا يغتب بعضكم بعضا} الحجرات 12.

    فاتق الله واشتغل بعيوبك عن عيوب الناس، ولا تكن كمثل الذباب الذي لا يعرج على المواضع السليمة من الجسد، ولا ينزل عليها، وانما يقع على القروح فيدميها.
    فمن بحث عن مساوئ الناسن واتبع عوراتهم، واشتغل بعيب غيره، وترك عيبه، سلط الله تعالى عليه من يبحث في عيبه ومساوئه ليشهّرها، ويتبع عورته ويبديها وينشرها.
    فالعاقل السعيد من نظر في عيبه، وشغل بذلك عن عيوب غيره، وعن كل شيء سوى الله تعالى.
    وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم عن جبريل عليه السلام عن الله تعالى، أنه قال: يا موسى خمس كلمات ختمت بهن التوراة، فان عملت بهن، نفعك علم التوراة، وان لم تعمل بهنّ، لم ينفعك علم التوراة:
    أولهنّ: يا موسى، كن واثقا برزقي المضمون لك ما لم تر خزائني نفدت.
    الثانية: يا موسى، لا تخافنّ سلطان الأرض ما لم تر سلطاني زائلا.
    والثالثة: يا موسى، لا تجسس عن عيب أحد ما لم تخل من العيوب.
    الرابعة: يا موسى، لا تدعنّ محاربة الشيطان ما دام روحك في جسدك.
    الخامسة: يا موسى، لا تأمن عقابي ولو رأيت نفسك في الجنة.

    وقال: يا أخي، اياك أن تعيّر أحدا بما فيه، فاني أخشى أن يبتليك الله ويعافيه، ولا تستر على الفاجر الظاهر فجوره، ولا على من لا يستتر بالمعصية ويعلن بها.
    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا يرى امرؤ من أخيه عورة، فيسترها عليه الا أدخله الله الجنة".
    وقال صلى الله عليه وسلم:" من أقال مسلما عثرته، أقال الله عثرته يوم القيامة" أبو داود 3460، ابن ماجه 2199.

    ويقال ان أبا حنيفة رضي الله عنه كان يسكن بجواره شاب مولّع بشرب الخمر، فكان أبو حنيفة يسهر الليل على النظر في الكتب والقراءة، وكان بينه وبين الشاب جدار، فكان يشرب ويتمثل:
    سأنشدهم اذا ما هم جفوني أضاعوني وأي فتى أضاعوا
    ويكثر التردد بهذا البيت، فكان أبو حنيفة يستأنس بكلامه.
    فلما كان ذات ليلة، لم يسمع له أبو حنيفة حسا، فلما خرج لصلاة الصبح سأل عنه فقيل له: ان صاحب الشرطة لقاه مخمورا، فحمله الى السجن، فلما صلى أبو حنيفة، مضى الى منزل صاحب الشرطة، واستأذن عليه، واعلمه بنفسه، فخرج اليه صاحب الشرطة حافي القدمين، عاري الرأس، وقبّل يده، وقال: يا سيدي، وما بلغ من قدري حتى تأتيني الى منزلي؟ فقال أبو حنيفة: اني جئتك في قضية جار لي سجن الليلة، فقال: أشهدك يا سيدي أني أطلقته وجميع من سجن في تلك الليلة.
    قال: وانصرف أبو حنيفة والرجل معه. ثم التفت اليه، وقال: هل ضيّعناك يا أخي، أم قمنا بحقك رعيا لقولك: أضاعوني وأي فتى اضاعوا؟ فقال: لا والله لم تضيّعني، بل رعيتني، جزاك الله عن الجوار خيرا، وأشهدك أني تائب لوجه الله تعالى.
    قال: فلزم الامام، وعبد الله تعالى حتى أتاه اليقين.
    آخر تعديل بواسطة rosebox ، 22-09-2007 الساعة 07:42 PM سبب آخر: تعديل العنوان

  11. #56
    الصورة الرمزية rosebox
    rosebox غير متواجد حالياً عضو المتداول العربي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2006
    الإقامة
    Egypt
    العمر
    48
    المشاركات
    347

    افتراضي الفصل التاسع و العشرون

    الفصل التاسع والعشرون

    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة:" يا أبا هريرة، ان أحببت أن يفشي الله لك الثناء، الحسن الجميل في الدنيا والآخرة، فكف لسانك عن المسلمين".
    وقال صلى الله عليه وسلم:" ما صام من ظل ياكل لحوم الناس".
    وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أبغض عباد الله الى الله كل طعّان لعّان.
    وقال سعيد بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم:" ان العبد يعطى كتابه يوم القيامة، فيرى فيه حسنات لم يكن عملها قط، فيقول: يا رب، من أين هذه الحسنات؟ فيقول: باغتياب الناس فيك وأنت لا تعلم".
    وقال حاتم الأصمّ: ثلاثة اذا منّ في مجلس فالرحمة مصروفة عنه: ذكر الدنيا، والضحك، والوقيعة في الناس.
    واعلم رحمك الله، أن النميمة تفسد الدين والدنيا، وتغيّر القلزب، وتولّد البغضاء، وسفك الدماء، والشتات. قال الله العظيم:{ ولا تطع كل حلاف مهين همّاز مشّاء بنميم منّاع للخير معتد أثيم عتّل بعد ذلك زنيم} القلم 10-13.
    وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغيبة فقال:" أن تذكر أخاك بما هو فيه غائب عنك، وان ذكرته بما ليس فيه فقد بهته".
    وقال صلى الله عليه وسلم:" شرّ عباد الله المشاؤون بالنميمة، المفرّقون بين الأحبّة".
    وقال صلى الله عليه وسلم:" لا يدخل الجنة قتات".
    وقال صلى الله عليه وسلم:" من مشى بين اثنين بالنميمة، سلط الله عليه نارا في قبره تحرقه الى يوم القيامة. وحيّة تنهشه حتى يدخل النار".
    قال صلى الله عليه وسلم:" من ألقى بين اثنين عداوة، فليتبوأ مقعده من النار، ومن أصلح بينهما، فقد وجبت له على الله الجنة".
    قال بعض الحكماء: النميمة تهدي الى القلوب البغضاء، ومن واجهك فقد شتمك، ومن نقل اليك فقد نقل عنك، والسّاعي بالنميمة كاذب لمن يسعى اليه، وخائن لمن يسعى به.
    قال الشاعر:
    احفظ لسانك لا تؤذي به أحدا من قال في الناس عيبا قيل فيه بمثله
    قال الأصمعي: شاهدت أعرابية وهي توصي ابنها، فقالت: يا بنيّ، أمنحك وصيّتي وبالله التوفيق، فاياك والنميمة، فانها تورث العداوة بين الأهلين، وتفرّق بين المحبين، واياك والتعرّض للعيوب، فتصير لها أهلا، وايّاك والجود بدينك، والبخل بمالك، ومثل لنفسك مثالا من غيرك، فما استحسنته من الناس فافعله، وما استقبحته منهم فاجتنبه، فان المرء لا يرى عيب نفسه.
    ثم أمسكت، فقلت: يا أعرابية، بالله ألا زدتيه، فقالت: يا حضريّ، أعجبك كلام العرب؟ فقلت: أى والله.
    فقالت: يا بني، اياك والغدر فانه أقبح ما تعامل به الناس، واجمع بين السخاء والعلم، والتواضع والحياء، وأستودعك الله، وعليكم السلام.
    واعلم رحمك الله أن الغيبة أشد من ثلاثين زنية في الاسلام.
    وقال بعض أهل العلم: الغيبة تنقض الوضوء، وتفطّر الصائم.
    وكان بعض الفقهاء يعيد الوضوء من الغيبة.
    وقيل: مثل صاحب الغيبة كمثل من نصب منجنيقا، فهو يرمي به حسناته يمينا وشمالا، وشرقا وغربا.
    وأوحى الله تعالى الى موسى عليه السلام: أتحب أن أنصرك على عدوّك؟ قال: بم؟ قال: بردّك الغيبة عن المسلمين.
    ومن مات تائبا عن الغيبة والنميمة، فهو آخر من يدخل الجنة، ومن مات وهو مصر عليهما، فهو أول من يدخل النار.
    وقال سليمان عليه السلام: يا رب، أي الأعمال أفضل وأحب اليك؟ فقال تعالى عشر خصال يا سليمان، أدها أن لا تذكر أحدا من عبادي الا بخير، ولا تغتب أحدا ولا تجسّه.
    فقال: ربّ، احبس عني السبعة فقد كربني هؤلاء.
    وقال عطاء السليمي: عذاب القبر ثلاث أثلاث: ثلث من البول وثلث من الغيبة، وثلث من النميمة.
    فايّاك يا أخي والتعرّض للأقدار، وأن تغتاب أحدا بما أودع فيه الجبار، فان المولى جل جلاله أعلم به، وأحكم ولو شاء لأهلكه وانتقم.
    يروى أن عيسى عليه السلام مرّ ببعض الأنهار، فاذا بصبيان يلعبون في ذلك النهر، ومعهم صبي أعمى قد كف بصره، وهم يغمسونه في الماء، ويفرّون منه يمينا وشمالا، وهو يطلبهم ولا يظفر بهم.
    ففكر عيسى عليه السلام في أمره، ودعا ربه أن يردّ عليه بصره، وأن يساوي بينه وبين أصحابه.
    فردّ عليه بصره، فلما فتح عينيه ورآهم وثب على واحد منهم، فتعلق به ولم يزل يغمسه في الماء حتى قتله، وطلب آخر فتعلق به كذلك حتى مات، وهرب الباقون.
    فرأى عيسى عليه السلام ذلك، فتعجب، وقال: يا الهي، وسيدي ومولاي، أنت بخلقك أعلم، فدعا ربه أن يردّه كماكان ويكفيهم أمره.
    فأوحى الله تعالى الى عيسى عليه السلام: قد كنت اعلمتك وتعرّضت اليّ في حكمي وتدبيري، فخرّ عيسى عليه السلام ساجدا.
    واعلم أنه لا يجري في هذا العالم أمر الا وللمولى فيه حكم تدبير.
    عن بعض السلف أنه قال: اذا كان يوم القيامة، اجتمع القوم الذين كان يتجالسون على غير طاعة الله تعالى، ويتعاونون على المعاصي، فيجثون على الرّكب، ويعض بعضهم بعضا، وينهش بعضهم بعضا، كالكلاب، وهم الذين خرجوا من الدنيا على غير توبة.
    قال الفقيه أبو الحسن علي بن فرحون القرطبي رحمه الله في كتابه المعروف بالزاهر، كان لي عم، وتوفى في مدينة قاس سنة خمس وخمسين وخمسمائة، فرأيته بعد ذلك في المنام وهو داخل عليّ في داري، فقمت اليه ولاقيته بقرب الباب، وسلمت عليه، ودخلت خلفه، فلما توسّط في البيت، قعد واستند بظهره الى الجدار، فقعدت بين يديه، فرأيته شاحب اللون متغيّرا، فقلت له: يا عمّاه، ماذا لقيت من ربك؟ قال: ما يلقى من الكريم يا بنيّ، سمح لي في كل شيء الا في الغيبة، فاني منذ فرقت الدنيا الى الآن محبوس فيها، ما سمح لي بعد فيها، فأنا أوصيك يا بنيّ: ايّاك والغيبة والنميمة، فما رأيت في هذه الدار شيئا أشد بطشا وطلبا من الغيبة. وتركني وانصرف.
    وأنشدوا: يموت كل الأنام طرّا من صالح كان أو خبيث
    فمستريح ومستراح منه كما جاء في الحديث
    وقال سعيد بن جبير رضي الله عنه قال: يؤتى بالعبد يوم القيامة فيدفع له كتابه، فلا يرى فيه صلاته ولا صيامه، ويرى أعماله الصالحة، فيقول يا رب، هذا كتاب غيري، كانت لي حسنات ليس في هذا الكتاب، فيقال له: ان ربك لا يضل ولا ينسى، ذهب عملك باغتيابك الناس.
    فايّاك يا أخي والغيبة والنميمة، فانهما يضرّان بالدين، ويحبطان عمل العاملين، وتورث العداوة بين المسلمين، أعاذنا الله منهم.
    **

  12. #57
    الصورة الرمزية rosebox
    rosebox غير متواجد حالياً عضو المتداول العربي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2006
    الإقامة
    Egypt
    العمر
    48
    المشاركات
    347

    افتراضي الفصل الموفى ثلاثين

    الفصل الموفى ثلاثين

    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ان الله تعالى حرّم من المسلم دمه وماله وعرضه".
    فالغيبة بالقلب حرام، كما هي باللسان حرام، الا أن يضطرّ لمعرفته، بحيث لا يمكنه التجاهل، فحدّ الغيبة كما بيّنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أن تذكر أخاك بما يكرهه ان بلغه أو سمعه، وان كنت صادقا سواء ذكرت نقصانا في نفسه، أو عقله، أو ثوبه، أو في فعله، أو في قوله أو في دينه، أو في داره، أو في دابته، أو في وولده، أو في عبده، أو في أمته، او بشء ما يتعلق به، حتى قولك: انه واسع الكم، طويل الذيل.

    وقد ذكر رجل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل: ما أعجزه، فقال:" اغتبتموه".
    وأشارت عائشة رضي الله عنها الى صفيّة، وقالت لها كذا وكذا، وأشارت بيدها، تعني قصرها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" اغتبتها يا عائشة"، فقالت: يا رسول اله، اليس هي قصيرة؟ قال:" انك ذكرت أقبح شيء فيها".
    والغيبة لا تقتصر على اللسان، بل كل ما يفهم منه عرض يكرهه المذكور فيه ان بلغه أو سمعه، باليد، أو بالرجل، أو بالاشارة، أو بالحركة، أو بالتعرّيض أو بالمحاكاة، فهي غيبة.
    وقد عظم الله تعالى أمر الغيبة، فقال تعالى:{ ولا يغتب بعضكم بعضا أيحبّ أحدكم أن ياكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه} الحجرات 12. وقال تعالى:{ ويل لكل همزة لمزة} الهمزة 1.
    فقيل معناه الطاعن في الناس، الذي يأكل لحوم الناس.

    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" مررت ليلة أسري بي على قوم يخمشون وجوههم بأظفارهم، فقيل لي: هؤلاء الذين يغتابون الناس".
    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ما النار في اليبس بأسرع من الغيبة في حسنات العبد".

    روي عن عبدالملك بن حبيب رحمه الله تعالى باسناده عمّن حدّثه أنه قال لمعاذ بن جبل: يا معاذ حدّثني حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:" يا معاذ اني محدثك حديثا، ان أنت حفظته نفعك الله، وان ضيّعته ولم تحفظه، انقطعت حجتك عند الله يوم القيامة.
    يا معاذ: الله خلق سبع أملاك قبل أن يخلق السموات والأرض، فجعل لكل سماء ملكا بوّابا عليها، فتصعد الحفظة بعمل العبد من حين يصبح الى حين يمسي، له نور كنور الشمس، حتى اذا بلغت به الى سماء الدنيا، فتزكيه وتكثره، فيقول الملك الموكل بها للحفظة: اضربوا بهذا العمل وجه صاحبه، أنا صاحب الغيبة أمرني ربي أن لا أدع عمل من اغتاب الناس يجاوزني الى غير.
    ثم تأتي الحفظة بعمل صالح من العبد، فتزكيه وتكثره، حتى تبلغ به الى السماء الثانية، فيقول لهم الملك الموكل بها: قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه، انه أراد بهذا العمل عرض الدنيا، أمرني ربي أن لا أدع عمله يجاوزني الى غيري، انه كان يفتخر على الناس في مجالسهم.
    قال: وتصعد الحفظة بعمل العبد يبتهج نورا من صدقة وصيام، وقد اعجب الحفظة، فيجاوزون به الى السماء الثالثة، فيقول لهم الملك الموكل بها: قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه، أنا ملك الكبر، أمرني ربي ألا أدع عمله يجاوزني الى غيري، انه كان يتكبّر على الناس.
    قال: وتصعد الحفظة بعمل العبد يزهر كما يزهر الكوكب الدري وله دويّ من صلاة وتسبيح وحج وعمرة، حتى يجاوزوا به الى السماء الرابعة فيقول لهم الملك الموكل بها، قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه ظاهره وباطنه، أنا صاحب العجب، امرني ربي أن لا أدع عمله يجاوزني الى غيري، انه كان اذا عمل عملا أدخل العجب فيه.
    قال: وتصعد الحفظة بعمل العبد من صلاة وصوم وصدقة وزكاة وحج وعمرة، حتى يجاوزوا بها الى السماء الخامسة كأنه العروس المزفوفة، فيقول لهم الملك الموكل بها: قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه، واحملوه على عاتقه، أنا ملك الحسد، انه كان يحسد من يتعلم، ولا يعمل بمثل عمله، وكل من كان يأخذ فضلا من العبادة كان يحسده، أمرني ربي أن لا أدع عمله يجاوزني الى غيري.
    قال: وتصعد الحفظة بعمل العبد من صلاة وزكاة وحج وعمرة وصيام، فيجاوزون به الى السماء السادسة، فيقول لهم الملك، قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه، انه كان لا يرحم انسانا ولا مسكينا من عباد الله تعالى قط اذا أصابه بلاء أو ضرّ، بل كان يشمت به، أنا ملك الرحمة، أمرني ربي أن لا أدع عمله يجاوزني الى غيري.
    قال: وتصعد الحفظة بعمل العبد من صلاة وصوم وجهاد وورع، له دويّ كدويّ النحل، وضوء كضوء الشمس، ومعه ثلاث آلاف ملك، فيجاوزون به السماء السابعة: فيقول لهم الملك الم كل بها: قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه، واقفلوا على قلبه، اني أحجب عن ربي كل عمل لم يرد به ربي، انما أراد بعمله رفعة عند الفقهاء، وذكرا عند العلماء، وصيتا في المدائن، أمرني ربي أن لا أدع عمله يجاوزني الى غيري، وكل عمل لم يكن لوجه الله خالصا، فهو رياء ولا يقبل الله عمل المرائي.
    قال: وتصعد الحفظة بعمل العبد من صلاة وزكاة وعمرة وخلق وحسن وصمت، وذكر الله تعالى، فتشيّعه ملائكة السموات السبع، حتى يقطعوا الحجب كلها، ويقفوا بين يدي الله تعالى، ويشهدوا له بالعمل الصالح لله تعالى، فيقول لهم: أنتم الحفظة على عبدي، وانا الرقيب على قلبه، انه لم يردني بهذا العمل، وأراد به غيري، فعليه لعنتي ولعنة أهل السموات والأرض، فتقول الملائكة كلها: عليه لعنتك ولعنتنا، وتقول السموات كلها: عليه لعنة الله ولعنتنا، وتلعنه السموات السبع ومن فيهنّ".
    قال نعاذ: قلت: يا رسول الله، انت رسول الله، وأنا معاذ. قال:" اقتد بي، وان كان في عملك نقص، يا معاذ، احفظ لسانك من الوقيعة في لسانك من اخوانك من حملة القرآن، واحمل ذنوبك، ولا تحملها عنهم، ولا تركّ نفسك بذمّهم ولا توقع نفسك عليهم، ولا تدخل الدنيا في عمل الآخرة، ولا تتكبّر في مجلسك لكي يحذر الناس من سوء خلقك، ولا تمازح رجلا وعندك آخر، ولا تتعاظم على الناس، فتقطع عنك خيرات الدنيا والآخرة، ولا تمزق لحوم الناس بلسانك، فتمزقك كلاب النار يوم القيامة بالنار، قال الله تعالى:{ والناشطات نشطا} النازعات 2. هل تدري ما هنّ يا معاذ؟" قلت: ما هنّ بأبي وأمي يا رسول الله؟ قال:" كلاب من نار تنشط العظم واللحم". قال: قلت: يا رسول الله من يطيق هذه الخصال، ومن ينجو منها؟ قال:" يا معاذ، انه يسير على من يسّره الله تعالى عليه".
    قال: فما رأيت أحدا أكثر تلاوة للقرآن من هذا الحديث. أورده المصنف في كتاب الموضوعات حديث موضوع.

  13. #58
    الصورة الرمزية rosebox
    rosebox غير متواجد حالياً عضو المتداول العربي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2006
    الإقامة
    Egypt
    العمر
    48
    المشاركات
    347

    افتراضي الفصل الحادي والثلاثون

    الفصل الحادي والثلاثون

    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده". مسلم 40.
    وقال:" المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه". مسلم 2580.
    وقال:" المسلمون كرجل واحد، اذا اشتكى رأسه، تداعى بقيّة جسده بالحمّى السهر". البخاري ومسلم.
    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من سرّه ان يسلمك فليلزم الصمت".
    وقال معاذ رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، أنؤاخذ بما نقول؟ فقال:" ثكلتك أمك يا ابن جبل، وهل يكبّ الناس في النار على مناخرهم الا حصائد ألسنتهم؟!". الترمذي 2616.
    وقيل لعيسى عليه السلام: دلنا على عمل ندخل به الجنة، قال: فلا تنطقوا أبدا.
    قالوا: لا بدّ لنا من ذلك. قال: فلا تنطقوا الا بخير.
    وقال صلى الله عليه وسلم:" اخزن لسانك الا من خير، فانك بذلك تغلب الشيطان" ابن أبي الدنيا.
    وقال صلى الله عليه وسلم:" ان الله تعالى عند كل لسان ناطق، فليتق الله امرؤ علم ما يقول". ابن المبارك في الوهد.
    وقال صلى الله عليه وسلم:" من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت". مسلم 48.
    وقال صلى الله عليه وسلم:" رحم الله عبدا قال خيرا أو صمت". الطبراني.
    وقال صلى الله عليه وسلم:" ان أكثر خطايا ابن آدم في لسانه". ابن أبي الدنيا.
    وقال صلى الله عليه وسلم:" لسان العاقل من وراء قلبه، فاذا أراد الكلام رجع الى قلبه، فان كان له تكلم، وان كان عليه امسك، وقلب الجاهل من وراء لسانه، فهو يتكلم بكلّ ما عرض له".
    وقال صلى الله عليه وسلم:" ان الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى، ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله له بها رضوانه الى يوم القيامة". الترمذي وابن ماجه.
    وقال صلى الله عليه وسلم:" ان الرجل ليتكلم بالكلمة ما يلقي لها بالا يهوي بها في نار جهنم، وان الرجل ليتكلم بالكلمة ما يلقي لها بالا يرفعه الله بها الى الجنة". البخاري.
    واياك يا أخي، والعجب، فانه مذموم كيف كان: بالنفس أو بالفعل أو بالقول، ولا تغترّ بفعلك ولا بقولك، فان الله تعالى يقول:{ فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى}. النجم 32.
    وقال صلى الله عليه وسلم:" ثلاث مهلكات: شحّ مطاع، وهوى متبع، واعجاب المرء بنفسه" الترغيب والترهيب.
    وقال صلى الله عليه وسلم:" لو لم تذنبوا، لخشيت عليكم ما هو أشد من الذنب، وهو العجب". الترغيب والترهيب.
    وقيل لعائشة رضي الله عنها: متى يكون الرجل مسئا؟ قالت: اذا ظنّ أنه محسن.
    وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: الهلاك في اثنتين القنوط والعجب.
    وانما جمع بينهما، لأن القانط لا يطلب السعادة لقنوطه، وان المعجب لا يطلبها لظنه أنه ظفر بها.
    وذكر ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال يوما: أنا من الراسخين في العلم، وقال يوما: سلوني قبل أن تفقدوني، فلما انصرف الى منزله، بعث الله ملكا في صورة آدمي، فدق عليه الباب، فخرج اليه عبدالله بن عباس، فقال له الملك: يا ابن عباس: ما تقول في النملة مع صغرها، أين روحها في مقدّمها، أو في مؤخرها؟ فلم يجد جوابا فدخل منزله، وأغلق بابه، وآلى على نفسه أن لا يدّعي علما أبدا.
    قال الله تعالى:{ وفوق كل ذي علم عليم} يوسف 76.
    وذكر أنه حضر بعض النحويين في مجلس ابن شمعون الوعظ، وكان من الزهاد، فكأن النحويّ أخذ على الشيخ لحنا في لسانه، وغلظا في كلامه، فانقطع عنه النحويّ، ولم يأت الى مجلسه، فكتب اليه ابن شمعون: أراك من الاعجاب رضيت أن تقف دون الباب، أما سمعت رسالة بعض العارفين الى بعض المتأدبين. كتب اليه: من اعتمد على ضبط أقواله، لحن في أفعاله، انك رفعت وخفضت وجزمت وتهت وانقطعت.
    ألا رفعت الى الله جميع الحاجات؟ ألا خفضت صوتك عن المنكرات؟ ألا نصبت بين عينيك ميزان الممات، أما علمت أنه لا يقال غدا لعبد: لم لم تكن معربا وانما يقال له: لم كنت مذنبا.
    يا هذا، ليس المرغوب الفصاحة في المقال، وانما المرغوب الفصاحة في الفعال. ولو كانت الفصاحة محمودة في المقال دون الفعال، لكان هارون أولى بالرسالة من موسى عليهما السلام، قال الله تعالى اخبارا عن قول موسى:{ وأخي هارون هو أفصح مني لسانا} القصص 34. فجعلت الرسالة لموسى لفصاحة أفعاله، والله أعلم حيث يجعل رسالته.
    وأنشدوا:
    ولاحن في الفعال ذو زلل حتى اذا جاء قوله وزنه
    قال وقد أكسبه لفظه تيها وعجبا أخطأن يا لحنه
    قلت أخطأ الذي يقوم غدا ولا يرى في كتابه حسنه
    روي أن رجلا نظر الى بشر بن منصور السليمي رضي الله تعالى عنه وهو يطيل الصلاة، ويحسن العبادة، فلما فرغ قال له: لا يغرّنك ما رأيت مني، فان ابليس، لعنه الله، عبدالله آلافا من السنين ثم صار الى ما صار اليه.
    فمن سعادة المرء أن يقرّ على نفسه بالعجز والتقصير في جميع أفعاله وأقواله.
    قيل المهلكات أربع هي: أنا، ونحن، ولي، وعندي.
    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" النادم على الذنب كمن لا ذنب له" ابن ماجه.
    " النادم ينتظر الرحمة، والمعجب ينتظر المقت من الله تعالى". الطبراني.
    قال أبو الدرادء رضي الله عنه: ان ناقدت الناس ناقدوك، وان تركتهم لم يتركوك، وان هربت منهم أدركوك، فالعاقل من وهب نفسه وعرضه ليوم فقره، وما تجرّع مؤمن أحب الى الله عز وجل من غيظ كظمه، فاعفوا يعزكم الله، واياكم ودمعة اليتيم، ودعوة المظلوم، فانها تسري بالليل والناس نيام.
    وقال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: أعظم الخطايا الكذب، وسب المؤمن فسوق، وقتاله كفر، وحرمة ماله كحرمة دمه، ومن يعف يعف الله عنه، ومن يكظم الغيظ يأجره الله ومن يغفر، يغفر الله له، ومن يصبر على الرزيّة يعقبه الله خيرا منها.
    وعن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لما أخذ موسى عليه السلام الألواح، نظر فيها، وقال: الهي، أكرمتني بكرامة لم تكرم بها أحدا من قبلي، فأوحى الله تعالى اليه: أتدري لما فعلت ذلك بك؟ قال: لا. قال: نظرت الى قلوب عبادي، فلم اجد قلبا أشد تواضعا من قلبك، فلذلك:{ اني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين} الأعراف 144.
    يا موسى: انما أقبل من تواضعي لعظمتي، ولم يتعاظم على خلقي، وألزم قلبه خوفي، وقطع نهاره بذكري، وكفّ لسانه عن الشهوات لأجلي.
    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ما من جرعة أحب الى الله تعالى من جرعة غيظ كظمها رجل، ومن كظم غيظا هو قادر على انفاذه، ملأ الله قلبه أمنا وايمانا".
    وحكي أن غلاما لجعفر الصادق رضي الله عنه سكب على يده الماء في الطشت، فطار الماء على ثوبه، فنظر اليه جعفر نظرة منكرة، فقال العبد: يا مولاي:{ والكاظمين الغيظ} قال: كظمت غيظي. قال الغلام:{ والعافين عن الناس} قال عفوت عنك. قال الغلام:{ والله يحب المحسنين} آل عمران 134، قال اذهب، أنت حرّ لوجه الله تعالى، ولكن من مالي ألف دينا.
    وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، قال: ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله، اذا الناس نائمون، وبنهاره اذا الناس مفطرون، وبحزنه اذا الناس يفرحون، وببكائه اذا الناس يضحكون، وبصمته اذا الناس يخالطون، وبخشوعه اذا الناس يختالون، وينبغي لحامل القرآن أن يكون باكيا محزونا، حليما سكوتا، ولا ينبغي لحامل القرآن أن يكون جافيا، ولا غافلا، ولا سخابا، ولا صيّاحا، لا حديدا، ولا منزعجا.
    قال بعض الزاهدين: اغتنموا من زمانكم خمسا: ان حضرتم لم تعرفوا، وان غبتم لم تفقدوا، وان شهدتم لم تشاوروا، وان قلتم شيئا لم يقبل قولكم، وان عملتم شيئا لم تغبطوا به. وأوصيكم بخمس أيضا: ان ظلمتم لم تظلموا، ون مدحتم لم تفرحوا، وان ذممتم لم تجزعوا، وان كذبتم لم تغضبوا، وان خانوكم فلا تحزنوا.
    **

  14. #59
    الصورة الرمزية rosebox
    rosebox غير متواجد حالياً عضو المتداول العربي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2006
    الإقامة
    Egypt
    العمر
    48
    المشاركات
    347

    افتراضي الجزء الأول من الفصل الثانى و الثلاثون

    الفصل الثاني والثلاثون

    اعلم أن الربا من المهلكات وهو أخفى من دبيب النمل على الصفاء في الليلة الظلماء، وان أدنى الربا كالذي يزني مع أمه والزنية مع الأم أعظم الأمور وزرا من سبعين زنية مع غيرها.
    قال الله تعالى:{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا ان كنتم مؤمنين} البقرة 278. وقال تعالى:{ الذين يأكلون الربا لا يقومون الا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المسّ ذلك بأنهم قالوا انما البيع مثل الربا وأحلّ الله البيع وحرّم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره الى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} البقرة 275.
    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" درهم الربا أشد عند الله من ست وثلاثين زنية في الاسلام". رواه أحمد.
    وقال سمرة بن جندب رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا صلى صلاة الغداة، اقبل علينا بوجهه الشريف، وقال:" هل رأى أحد منك رؤيا؟" قلنا: لا يا رسول الله، فذكر صلى الله عليه وسلم حديث الربا. قال: ثم انتقلنا حتى أتينا على نهر من دم وفيه رجل قائم، وعلى شاطئ النهر رجل قائم، وبين يديه حجارة، فأقبل الرجل الذي في النهر ليخرج، فلما أراد أن يخرج، رماه الرجل بحجر فيه، فردّه حيث كان، فجعل كلما جاء ليخرج رمى فيه حجرا، فرجع كما كان.
    قال:" فسألت عنه فقيل لي: هذا آكل الربا يفعل به هكذا يوم القيامة.
    وقال موسى عليه السلام: يا رب، ما جزاء من يأكل الربا ولم يتب منه؟ قال: يا موسى أطعمه يوم القيامة من شجر الزقوم.
    وأنشدوا:
    أيا الذي قلبه ميّت بأكل الربا ازدجر وانتبه
    فكم نائم نام في غبطة أتته المنيّة في نومته
    وكم من مقيم على لذة دهته الحوداث في لذته
    وكم من جديد على ظهرها سيأتي الزمان على جدته
    وأما آكل الحرام، قال الله تعالى في كتابه العزيز:{ يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان انه لكم عدو مبين} البقرة 168.
    وقال صلى الله عليه وسلم:" ان لله تبارك وتعالى ملكا على بيت المقدس ينادي في كل يوم وليلة: من أكل حراما، لم يقبل الله منه صرفا ولا عدلا حتى يخرج ذلك الحرام من بيته، فان مات على ذلك، فأنا بريء منه".
    وقال صلى الله عليه وسلم:" أخرجوا الأمانة من بيوتكم، وردّوها الى أربابها، فانلم تفعلوا فلن تنفعكم أعمالكم شيئا، ولا ينفعكم قول لا اله الا الله مع الحرام في البيت".
    وقال صلى الله عليه وسلم:" طلب الحلال فرض على كل مسلم" أي بعد فريضة الايمان.
    وقال صلى الله عليه وسلم:" من أكل لقمة الحرام، لم يقبل الله تعالى منه صلاة أربعين يوما".
    " وكل لحم أنبته السحت والحرام، فالنار أولى به". الترمذي.
    وقال صلى الله عليه وسلم:" من اكتسب مالا حراما، لم يقبل الله منه صدقة، ولا عتقا، ولا حجا، ولا عمرة، وكانت له بعدده أوزارا، وما بقي منه بعد موته كان زاده الى النار".
    وقال صلى الله عليه وسلم": لو أن رجلا اشترى ثوبا بعشرة دراهم، وكان فيهم دراهم حرام، لم يقبل الله تعالى منه عملا حتى يؤديه الى أهله".
    ويروى في حديث آخر:" لم يقبل منه عملا ما دام عليه شيء منه" رواه أحمد.
    وقال صلى الله عليه وسلم:" لو أن أصحاب المال الحرام استشهدوا في سبيل الله تعالى سبعين مرة لم تكن الشهادة لهم توبة، وتوبة الحرام ردّه الى أربابه، والاستحلال منهم".
    وقال صلى الله عليه وسلم:" من أكل الحلال أربعين يوما، نوّر الله تعالى قلبه، وأجرى ينابيع الحكمة على لسانه، ويهديه الله في الدنيا والآخرة".
    وفي المناجاة:أن الله تعالى يقول لموسى عليه السلام: ان أردت أن تدعوني، فصن بطنك عن الحرام، وقل: يا ذا المنّ القديم، والفضل العميم، يا ذا الرحمة الواسعة، فأنّى أجيبك فيما سألتني.
    وقال عبدالله بن عمر رضي الله عنه: لو صمتم حتى تكونوا كالحنايا، وصليّتم حتى تكونوا كالأوتار، لم يقبل منكم الا بورع حاجز.
    وقال بعض أهل العلم: الدنيا حلالها حساب، وحرامها عقاب، والحرام داء لا دواء له الا الفرار للرحمن من أكله.
    وأنشدوا في المعنى:
    أشبّه من يتوب على حرام كبيض فاسد تحت الحمام
    يطول عناؤه في غير شغل وآخره يقوم بلا تمام
    اذا كان المقام على حرام فلا معنى لتطويل القيام
    وقال يحيى بن معاذ رضي الله تعالى عنه: الطاعة مخزونة في خزائن الله تعالى، ومفتاحها الدعاء، وأسنانها أكل الحلال، فاذا لم يكن في المفتاح أسنان، فلا يفتح الباب، واذا لم تفتح الخزانة كيف يتوصل الى ما فيها من الطاعة.
    فصن لقمتك، وأطب طعمتك حتى يتبين لك مبيض صالح العمل من مسود خيط الأمل من فجر الأجل، ثم أتم صيام الجوارح عن حرام طعام الآثام الى ليل القيام فتفطر على فوائد موائد{ كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية}.الحاقة 24

  15. #60
    الصورة الرمزية rosebox
    rosebox غير متواجد حالياً عضو المتداول العربي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2006
    الإقامة
    Egypt
    العمر
    48
    المشاركات
    347

    افتراضي الجزء الأخير من الفصل الثانى و الثلاثون

    ومن لم يجتنب الحرام من الطعام، أفطر بعد طول الصيام على مرارة حرارة ثمرة الزقوم، فيا له من طعام، ما أعظم ضرره، بفتت الفؤاد، ويقطع الأكباد، ويمزق الأجسدا، ويورث الأنكاد في الميعاد.

    وقال سفيان الثوري رضي الله تعالى عنه: كنت أقرأ الآية فيفتح لي فيها سبعون بابا من العلم، فلما أكلت مال هؤلاء الأمراء، صرت أقرأ الآية فلم يفتح لي فيها باب واحد.

    فالحرام من القوت نار تذيب شحمة الفكر، وتذهب لذة حلاوة الذكر، وتحرّق ثياب اخلاص النيّات، ومن الحرام يتولد عمى البصيرة وظلام السريرة.
    فاكتسب مالا حلالا، وأنفقه في قصد، واجتنب الحرام وأهله، ولا تجالسهم، ولا تأكل طعامهم، ولا تصحب من كسبه من الحرام، ان كنت صادقا في ورعك، ولا تدلّن أحدا على الحرام فيأكله هو وتحاسب أنت عليه، ولا تعنه أيضا على طلبه، فان المعين شريك.
    واعلم أنه انما تقبل الأعمال من آكل الحلال.

    ويتعلق بذلك كتمان الفاقة والحسرات واخفاء الأنين والزفرات، والركون في الخلوات.
    وأما أكل مال اليتيم فلو لم يكن فيه الا ما نطق القرآن الكريم على لسان نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم حيث قال جل وعلا:{ ان الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما انما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا} النساء 10.
    وقال تعالى:{ ولا تقربوا مال اليتيم الا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشدّه وأوفوا بالعهد ان العهد كان مسؤولا} الاسراء 34.

    وأما الخيانة في الوزن والكيل، فاجتنب ذلك يا اخي ما استطعت، فان الله تعالى قد أمرك بالعهد فيهما في قوله تعالى:{ ويل للمطففين الذين اذا اكتالوا على الناس يستوفون واذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون} المطففين 1،3.

    واياك يا اخي أن تغتبط بشيء من حقوق المسلمين، فان البركة لا تكون مع الخيانة، وان قليلا من الحرام يتلف كثيرا من الحلال.
    واياك يا اخي ان خنت درهما، خانك ابليس في سبعين درهما.
    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ثلاثة من كنّ فيه فهو منافق، وان صلى وصام: من اذا حدّث كذب، واذا وعد أخلف، واذا ائتمن خان} البخاري ومسلم.

    وقال بعضهم: دخلت لزيارة جار لي كان يبيع الحنطة، فلما قعدت عند رأسه وهو يقول: جبلان من نار، فسألت زوجته، فقالت: انه كال له مدّان، أحدهما كبير والآخر صغير، فاذا ابتاع من أحد شيئا اكتال بالمدّ الكبير، واذا باع هو لأحد شيئا، كال له بالمد الصغير، فعلمت أن المدّين هما الذان تصورا له جبلين من نار.

    قيل، وكان رجل بالبادية لبان يخلط اللبن بالماء، فجاء السيل، فذهب بالغنم، فجعل يبكي ويقول: اجتمعت تلك القطرات، فصارت سيلا، ولسان الجزاء يناديه:{ ذلك بما قدّمت يداك وأن الله ليس بظلام للعبيد} الحج 10.
    واعلم ان السرقة والخيانة أمران مهلكان ضارّان بالدين.

    وفي المناجاة أن الله تبارك وتعالى قال لموسى عليه السلام: ستة ناري وغضبي، فأولهم من طال عمره وساء خلق، وغنيّ سارق، وعالم فاسق، ومن أتاني على غير توبة، ومن لقيني بدم مؤمن متعمدا، ومن منع حق امرئ مسلم وأكله غضبا.
    وقال صلى الله عليه وسلم: من غشنا فليس منا.

    ذكر أنه وجدت على صخرة بيت المقدس مكتوب عليها ست كلمات: كل عاص مستوحش، وكل مطيع مستأنس، وكل خائف هارب، وكل راج طالب، وكل مقتنع غني، وكل حريص فقير.
    وأما الايمان الكاذبة، فانه روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:" الحلف الحنث أو ندم"

    وقيل: مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل من أصحابه وهو يضرب عبدا له، والعبد يقول له: أسألك بوجه الله تعالى الا ما تركتني، وهو يزيد في ضربه، فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صياح العبد، فانطلق اليه، فلما رآه السيّد أمسك فقال رسول الله:" سألك بوجه الله العظيم، فلم تعف عنه، فلما رأيتني، أمسكت يدك"، فقال: يا رسول الله أشهدك انه حر لوجه الله تعالى العظيم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لو لم تفعل، للفحت النار وجهك". فاياك والتعرض لمقت الله تعالى بكثرة الايمان، فان الله تعالى يقول:{ ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم} البقرة 224.

    وفي الاسرائيليات أن موسى عليه السلام قال: يا رب، ما لمن يحلف بك كاذبا؟ قال: أجعل لسانه بين جمرتين أحقابا. قال: يا رب فما على من اقتطع مال مسلم بيمين فاجرة؟ قال: أقطع حظه من الجنة.

    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ان الله تعالى أذن لي أن أحدّث عن ملك من حملة العرش ورجلاه قد خرقت الأرض السفلى، وعنقه مثنيّ تحت العرش، فيرفع رأسه وهو يقول: يا الهي وسيدي، ما أعظمك! فيقول الله تعالى: ما عرف ذلك من حلف بي كاذبا". رواه الحاكم.

    وأما شرب الخمر، فانه من أكبر الكبائر، وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول:" من شرب من الخمر شربة لم تقبل منه صلاة سبعة أيام، ولم يقبل منه صيام". ابن ماجه.

    واعلم أن في شربها عشرة خصال مذمومة:
    أولها: أنها تذهب في عقل شاربها حتى يصير مضحكة للصبيان، ومهزأة كما روي عن ابن أبي الدنيا أنه قال: رأيت سكران يبوّل ويمسح وجهه ببوله، وهو يقول: اللهم اجععلني من التوّابين، واجعلني من المتطهرين.
    ورأى سكران قد تقيأ والكلب يلحس فاه، والسكران يقول: أكرمك الله يا سيدي كرامة أوليائه.
    والثانية أنها تتلف المال وتفسده، وتعقب الفقر، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: اللهم أرنا في الخمر فانها متلفة للمال مذهبة للعقل. سنن أبي داود.
    والثالثة: أنها توقع العداوة والبغضاء. قال الله تعالى:{ انما يريد الشيطان أن يوقع لبنكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدّكم عن ذكؤ الله وعن الصلاة فهل انتم منتهون} المائدة 91. ويريد: انتهوا عنهما. قال عمر: انتهيت يا رب، انتهيت.
    والرابعة: يحرم صاحبها لذة الطعام وصواب الكلام.
    والخامسة: أنه تحرم عليه زوجته، فتكون معه على الزنى، وذلك أن اكثر كلامه بالطلاق، فربما حنث ولم يشعر، فيكون معها زانيا، فانه روي عن بعض الصحابة رضي الله عنهم: من أنكح كريمته شارب الخمر، فقد ساقه للزنى.
    والسادسة: أنها مفتاح كل شر توقعه في جميع المعاصي، كما روي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال في خطبته: أيها الناس، اتقوا شرب الخمر، فانها أم الخبائث.
    والسابعة: انها تؤذي حفظته بادخالها في مجلس الفسوق والفجور والروائح الكريهة.
    والثامنة: أنه أوجب على نفسه الحد ثمانين جلدة، فان لم يضربها في الدنيا ضرب في الآخرة على رؤوس الأشهاد.
    والتاسعة: أنها تسدّ دونه أبواب السماء، فلا يرفع له عمل ولا دعاء أربعين يوما.
    والعاشرة: أنه خاطر بنفسه وبدينه، فيخاف عليه أن ينزع منه الايمان عند الموت.

    كما روي عن بعضهم أنه قال: رأيت انسانا يجود بنفسه عند الموت وهو يقال له: قل لا اله الا الله، فكان يقول: اشرب واسقني. وذكر عن عبدالله بن مسعود أنه قال: اذا مات العبد المخمور، فادفنوه واحبسوني، واحفروا عليه، فان لم تجدوا وجهه مصروفا عن القبلة، والا اضربوا عنقي.
    فهذه عقوبته في الدنيا، وأما عقوبته في الآخرة، فانها لا تحصى من شرب الحميم والزقوم وعصارة أهل النار في النار، الى غير ذلك من العذاب والنكال. أعاذنا الله منه.

    وأما ما أعدّ الله تعالى لتارك الصلاة على صحة البدن، فمنه ما روي عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس بين الكافر والمسلم الا ترك الصلاة، فان تارك الصلاة على صحة البدن يبتليه الله تعالى بخمسة عشر عقوبة، منها ستة في الدنيا، وثلاثة عند موته، وثلاثة في قبره، وثلاثة عند لقاء ربه.
    فأما التي تصيبه في الدنيا، فيرفع الله تعالى البركة من عمره.
    والثانية: يرفع الله البركة من رزقه.
    والثالثة: تزول سيما الخير من وجهه.
    والرابعة: كل عمل يعمله لا يقبل منه شيء.
    والخامسة: كل دعائه لا يسمع.
    والسادسة: لا حظ له في الاسلام.

    قيل يا رسول الله فما الثلاثة التي تصيبه عند الموت؟ قال صلى الله عليه وسلم:" يموت حيرانا ذليلا ولا يدري على أي دين يموت، ويموت عطشانا جيعانا ولو سقي أنهار الدنيا كلها ما روي".
    قيل يا رسول الله فما الثلاثة التي تصيبه في قبره؟ قال:" ظلمة القبر وضيقه، ومسألة منكر ونكير".
    قيل يا رسول الله، فما الثلاثة التي تصيبه عند لقاء ربه؟ قال:" يلقى الله تعالى وهو غضبان عليه، ويبعث الله له ملكا يكّبه على وجهه في النار، ويعذبه الله تعالى بالوادي الذي يقال له ويل". حديث موضوع أنظر تنزيه الشريعة.

    قال الله تعالى:{ فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون} الماعون 4-5.
    وقال صلى الله عليه وسلم:" عشرة من أمتي سخط الله تعالى عليهم ولعنهم وأعد لهم عذابا أليما، ويأمر الله تعالى بهم يوم القيامة الى النار" قيل من هم يا رسول الله؟.
    قال:" أولهم الشيخ الزاني. والثاني: الامام الظالم. والثالث: مدمن الخمر. والرابع: مانع الزكاة. والخامس: شاهد الزور. والسادس: الماشي بين الناس بالنميمة. والسابع: الذي ينظر لوالديه بنظر الغضب. والثامن: من يطلق زوجته ثم يمسكها على الحرام. والتاسع: الذي يحكم بالجور. والعاشر:تارك الصلاة على صحة البدن".
    وسئل ابن عباس رضي الله عنهما عن تارك الصلاة على صحة البدن: هل يقبل منه التوحيد؟ قال: من لا صلاة له لا توحيد له، ومن لا صلاة له، لا زكاة له، ومن لا صلاة له، لا صيام له. قال تعالى:{ فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيّا} مريم 59.
    وغيّا واد في جهنم لا يدخله الا تارك الصلاة.

    قال ابن عباس: أول ما يسأل العبد يوم القيامة عن الصلاة، فان قبلت منه، قبل سائر عمله.
    وتارك الصلاة على صحة البدن اذا رفع اللقمة من القصعة، تقول: رفعني عدو الله الى فم لم يذكر الله.
    وتارك الصلاة على صحة البدن يسوّد الله وجهه، ويضيّق خلقه، ويقتر رزقه، وتتقمّل ثيابه، ويبغضه الله تعالى، ويبغضه جيرانه ويجور عليه سلطانه.
    وتارك الصلاة على صحة البدن، لا تجوز شهادته، ولا يحل لمسلم أن يؤاكله أو يزوّجه ابنته، ولا يدخل معه تحت سقف واحد.
    وتارك الصلاة على صحة البدن يأتي يوم القيامة على جبهته مكتوب ثلاثة أسطر:
    في السطر الأول: يا مضيّع حقوق الله.
    وفي الثاني: يا مخصوصا بغضب الله تعلى.
    وفي الثالث: كما ضيّعت حق الله، فأيس اليوم من رحمة الله تعالى.

    وفي الخبر ان النار تقول لتارك الصلاة: أنت لي وليّ، يا ليت أن الله جمع بيني وبينك، فأنتقم للصلاة منك، أنت عدو للصلاة، والله عدو لك.

    وتقول له الجنة: يا عدو الله، ضيّعت أمانة الله تعالى، وتهاونت بفريضة الله، فاني محرّمة عليك حين يتبوأ عباد الله مني حيث يشاؤون، ما جرت أنهاري، وتجاوبت أطياري، وسطع نوري، وتزيّن حوري، فأنا وما في الحور والسرور والولدان والقصور، حرام عليك أبد الآبدين.
    تمّ بحمد الله


صفحة 4 من 5 الأولىالأولى 12345 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. الطفلة التي تذرف الحجارة بدلا من الدموع
    By شذى22 in forum استراحة اعضاء المتداول العربي
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 30-08-2010, 11:21 PM
  2. المشاكل الناجمه عن حبس الدموع
    By شذى22 in forum استراحة اعضاء المتداول العربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 11-08-2010, 10:56 AM
  3. عندما يبكي الباكون .. تتشابه الدموع ولكن !!
    By قحطانية كوووول in forum استراحة اعضاء المتداول العربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 25-02-2010, 08:48 PM
  4. أجمل أنواع الدموع وأكثرها تأثيرا
    By قحطانية كوووول in forum استراحة اعضاء المتداول العربي
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 04-06-2009, 09:52 PM
  5. أين نحن من هذه المرأه؟؟ قصة جعلت الدموع تنهمر
    By قحطانية كوووول in forum استراحة اعضاء المتداول العربي
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 05-09-2008, 03:33 AM

الاوسمة لهذا الموضوع


1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17