هل للزمان وجود حقيقي؟ وماقيمته واثره

[faissal]

منقول
ارجو منكم في الاول ابداء الراي
وسياتي الشرح والتحليل فيما بعد

[faissal]

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العلمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، يارب لك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما تحب وترضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله، اللهم صلي وسلم عليه وبارك وعلى آله الطيبين وصحابته المباركين المحسنين وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين، سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، ربنا افتح علينا بالحق وأنت خير الفاتحين، علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً وفقهاً في الدين.

موضوع حديثنا يدور حول معضلة الزمان، هذه المشكلة التي يرى كثيراً من الدارسين من العلماء والفلاسفة والمفكرين أنها اللغز الأعظم أو السر الأكبر، هي أعوص المشكلات الفلسفية في نظر كثير من هؤلاء المذكورين، بالرغم من أن الزمان ذاته في نفس الوقت من ألصق الخبرات الحياتية بالإنسان، فحواسنا الغليظة تمدنا كل حين بمجموعة من الخبرات والمرئيات ومن المسموعات كلها متوافقة أو مبنية على مهاد من الزمان وفق مفهوم التوافق والتعاقب، فهي من ألصق الخبرات بنا.

مشكلة الزمان (فيزيقياً ونفسياً واجتماعيا):

[faissal]

قد لا يرى الإنسان العادي الذي يخضع للحس المشترك والذي لم يتعمق درس المسائل الفلسفية وليس له إلمام بطرائق البحث الطبيعي أو العلمي في العصر الحديث بالذات، قد لا يرى أن في هذه المسألة إشكال أصلاً، وأين الإشكال؟ فالزمان خلق من خلق الله كالمكان وهو موجود ذو سهم متجه في إتجاه واحد.

طبعاً هذه لغة أشبه لا أقول باللغة المجازية ولكن باللغة الحاكمة، كل هذا الكلام العامي لا معنى له، الأمر أعقد وأكثر من ذلك بكثير، طبعاً أنتم تلاحظون أن الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز دأب على أن يقسم بمظاهر يمكن أن تسمى مظاهر زمنية مرتبطة بقياس الزمن، مظاهر تجليات لهذا السر الأعظم كقوله تبارك وتعالى: {والفجر وليال عشر}،{والشمس وضحاها}، {والليل إذا يغشى} ..الخ، أمثال هذه الأيات كثيرة في كتاب الله تعالى.

حين نقول نحن العامة: أمس ولى وانقضى، ذهب وراح، حريّ بنا أن نتساءل أين ولى وأين راح، هل هناك بُعد أو وضع معين في الكون يبتلع هذا الزمان في الماضي، وأن غداً سيأتي، من أين سيأتي؟ إذن يبدوا فعلاً إن المسألة أعوص مما نتصور نحن عامة الناس.

هل للزمان وجود حقيقي؟ أم أنه موجود إنتزاعاً وتجريداً بلغة الفلسفة؟ فإذا تحدثنا الآن عن الحياة، هل يمكن لأحد أن يرى شئ إسمه الحياة؟ ليس هناك شيئ اسمه الحياة، فالحياة تجريد لظواهر كثيرة جداً حيوية في الموجودات التي تتصف بما انتزعناه أو انتزعنا له إسم الحياة، فهذا كائن حي وهذا كائن حي، فمن خلال ملاحظة هذه الأشياء جردَّنا كلمة أومصدراً وأسميناه "الحياة"، لكن ليس هناك شئ خلقه الله هكذا اسمه الحياة، فهذا مفهوم تجريدي أو كلي أو إنتزاعي، فهل يمكن أن يكون شأن الزمان كشأن هذه الألفاظ المجردة؟ على الأقل هذا ما يراه بعضهم كالفيلسوف الألماني النقدي الكبير عمنوائيل كانت في كتابه "نقد العقل المحض أو البحت"، فهو يرى أن الزمان مقولة أو مقوَّلة والأفصح أن نقول مقوَّلة تجريدية الذهن يتعاطى معها لكي يستطيع أن يستوعب الخبرات والأحداث اليومية فقط، لكن ليس هناك شيئاً موجوداً حقيقياً في الكون إسمه الزمان، حتى المكان، فالمكان أيضاً مفهوم تجريدي، هناك أشياء تتموضع أو تترتب إلى جانب بعضها البعض على اختلاف المسافات بينها، هذا التموضع وهذه التراتبية تُعطينا شعوراً بما اصطلحنا على تجريده بالمكان.

لذا لا يستطيع الإنسان العادي أن يتصور مثلاً أن لهذا الكون حدوداً معينة وبعد هذه الحدود ينتهي كل شئ، يقول مستحيل، حتى لو كان له حدوداً وكان مطوياً مثل الكرة أو الإسطوانة فلابد أن يوجد بعده شئ ما، لا، فعلمياً وعقلياً وفلسفياً، بالعقل المحض مش شرط، لا يوجد شئ، عدم، لكن العقل دائماً يفترض فراغاً، ومفهوم الفراغ مفهوم كاذب ومضلل جداً، فالمعنى الفلسفي الأرسطي ليس هناك فراغ، هناك فضاء تتموضع فيه ذرات أوجسيمات أو كائنات أو كوائن دقيقة جداً، لكن فراغ بمعنى أنه لا يوجد فيه أي شئ مطلقاً، لا يمكن، هذا شئ غير موجود.

الذهن العادي أو الحس المشترك عند الناس يقول هذا بالمطلق بالتحديد موجود، وكيف نتصوره؟ نتصوره فراغاً مضيئاً وليس معتماً، فضاءاً كأنه يضاء بجزيئات معينة غير مرئية مثل هذا الهواء، ويتصور الإنسان أن بعد حدود الكون الوهمية أو الصنعية أن بالإمكان أن يسبح جسم ما إذا خرج عن حدود الكون لأن هناك فراغاً يحتويه، غير صحيح، هذه أشياء تتحدى بديهيات العقل العامي، والعلم الطبيعي لم يتطور إلا لأنه كفر بكثير مما اصطلح على الإعتقاد بأنه بدهي، لا فالعلم لم يتطور إلا بعد أن كفر بكثير من هذه البديهيات وناقش الأمور بعقلية أكثر واقعية وأكثر رياضية.

[faissal]

فلسفة العلم هي لغة الرياضيات وليست اللغة المجازية ولغة التعابير الإستعارية والبلاغية المضللة التي تعكس فقط قدرة العقل ولا تعكس حقيقة الوجود، يعني مثلاً نحن نعيش على هذه الأرض، كل واحد لا يستطيع أن يتصور أن يعيش على هذه الأرض دون مفاهيم الجهات (فوق وتحت و..الخ)، العامي لا يعرف ويقول إنها قضية بديهية فأسفل رجلي هو التحت وأعلى رأسي هو الفوق، لكن إذا كان هناك شخص آخر يتموضع على نقطة أخرى مقابلة من الكرة الأرضية بحيث ما يكون في حقه هو فوق يكون في حقك أنت تحت والعكس، المسألة كلها مرتبطة كما يقول العلم بمؤشر معين هو مؤشر الثقالة أو التثاقل أو الجاذبية، مركز الأرض يكون دائماً هو التحت، أينما تموضعت على هذه الأرض فالمركز هو التحت وهذا هو المؤشر.

ولذا لو أن الإنسان أُقتلع من هذه الأرض ورمي به في أعماق الفضاء الكوني من غير أن يكون قريباً من أي جرم فضائي وهذا محتمل، لكن إذا كان قريباً لا يوجد في هذا الفضاء إلا مراكز الجاذبية وخطوط المجال، لابد، فهذا "الساتاليت" على سبيل المثال إذا رُمي في الفضاء فإنه يضطر إلى أن يأخذ مداراً دائرياً فلا توجد في الكون خطوطاً مستقيمة، ولذا فإن القرآن معجز، فلا يتحدث عن خطوط مستقيمة، دائماً يتحدث عن العروج {تعرج الملائكة}، والعروج هو السير في منحنيات أي السير الدوراني الإلتفائي، القرآن لا يقول إنها تسير وإنما تعرج، وهذا ما يقرره علم الكونيات الحديث، فما كان لمحمد عليه الصلاة والسلام ولاغير محمد قبل القرن العشرين أن يعرف هذا ولا يخطر على بال أحد.
فلو أُقتلع هذا الإنسان ورمي في الكون السحيق بعيداً عن أي مجال لأي جرم سماوي فإنه سوف يفقد الشعور بالمكان وسيصبح عائماً وكل الجهات مستوية لديه، سيختفي على الفور مفهوم الفوق والتحت، لكن هذا في حالاتنا العادية من المفاهيم البدهية التي لا يمكن للإنسان أن يتصور فيها عالم الدنيا وعالم الآخرة إلا بمفهوم الفوق والتحت، لا مش شرط، بالعكس ممكن أن تعيش في الجنة وليس هناك فوق وتحت، لذا تنبه المفسرين من قديم أن الله تبارك وتعالى يتحدث عن الجنات تجري تحتها الأنهار، وتجري من تحتها الأنهار، وتجري من تحتهم الأنهار (في موضعين في كتاب الله)، فبعضهم توصل بحسب فهم القرآن لغوياً إلى أن هذه الأنهار تجري في غير أخاديد وتجري معلقة في الهواء إن كان هناك هواء كهوائنا دون جاذبية، فقد سماها الله النشأة الأخرى، العالم الآخر، ليست كالدنيا، فمن الخطأ أن تقيس ما في الدنيا على مافي الآخرة.

[faissal]

في كتاب "الكون المعمور" قال جاتلاند العالم الفيزيائي الكبير أنه ليس من البعيد وليس من المستبعد علمياً أن توجد عوالم أخرى ومخلوقات أخرى وتخضع بالكلية لقوانين أخرى، وأن الروح الإنسانية ذاتها إذا تركت هذا العالم وصارت إلى عالم آخر، تستطيع أن تعيش الروح لكن ليست كما عاشت في الدنيا فالروح في الدنيا لا تتجسد، الإنسان يتجسد بدناً، لكن هناك تستطيع أن تعيش كما عاشت الأبدان في الدنيا من غير أبدان، هذا ممكن لكن ضمن أبعاد أخرى وضمن قوانين أخرى، هذا هو العلم الحديث يطرح إمكاناً وأحتمالية لمثل هذه الأشياء.

نعود إلى الزمان، فالزمان هو اللغز الأعظم والسر الأكبر، يقول واحد: الله هو السر الأعظم، بلا شك فالموضوع أعقد من ذلك بكثير، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تبارك وتعالى قال: "يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر"، ماالذي ندريه نحن عن الله تبارك وتعالى، مسألة معقدة جداً، نحن ندري أسمائه وصفاته، لكن ماالذي ندريه عن الذات الإلهية، لا نستطيع أن نقول طبيعة فهذه الكلمة تفضي مباشرة إلى إلتقاط بعض المفاهيم الفيزيائية مباشرة، المسألة أكبر من ذلك، فلنستخدم كلمة كن، لا ندري شئ، وما عرف حق المعرفة إلا الله، {وما قدروا الله حق قدره}.

كنا ونحن صغارنعتقد أن الدهر هو الليل والنهار وحركة عقارب الساعة وحركة الأرض وحركة الشمس والأجرام، وهذا لا علاقة له بالزمان، والمفروض بدئياً أن نبدأ من هنا، فالزمان ليس حركات الأفلاك، هذه كلها وسائل حسية بسيطة قياسية نقيس بها الزمان وهي أمور تحكمية، كان يمكن أن نقيس الزمان بطرق أخرى مختلفة تماماً وأن نستخدم أي معيار تقويمي آخر، لكن نحن اصطلحنا تحكماً كما يقول المناطقة لأننا قريبون من الشمس ونحن نعيش على أحد الكواكب التسعة التي تدور حول الشمس، فلنجعل نظاماً شمسياً، وهذا هو التقويم الشمسي، لكن لو افترضنا أن حركة الأرض توقفت وكذلك حركة الشمس حول محورها، هل يختفي الشعور بالزمان؟ لا فالزمان موجود، هذا ليس له علاقة بالزمان.

[faissal]

نعود إلى موضوعنا، فعلاً هو من أعقد وأصعب المواضيع والبحث فيه له مستويات كثيرة جداً جداً، وقد ارتقيت أن أبحث فيه وأخصص له أكثر من درس، فإذا استطعنا أن نستوعب بعض الجوانب المتعلقة بهذا الموضوع، سيُسهِّل علينا جداً أن نستوعب كثيراً من حقائق الإعتقاد، كثيراً جداً مما يتعلق بالدنيا والآخرة، مما يتعلق بالبرزخ وبالحياة الأبدية، في الجنة أم في النار، وبتصرفات الأرواح، مما يتعلق بأفعال وعلم الله، مما يمكن أن يحل لنا من معضلة وسر القضاء والقدر، فالقوقعة التي ننطلق منها للحكم على الأمور لابد أن تُكسَر، فقوقعة العامي أقل من قوقعة المثقف، وقوقعة المثقف أقل من قوقعة المتعلم في حق المعين، وقوقعة المتعلم أقل بكثير من قوقعة الفيزيائي.

الآن علم الفيزياء حينما يُقرأ فيه، شئ أصعب من الفلسفة وأبعد من خيالات الشعراء والمتصوفة وحتى نظريات الفلسفة، وهو من أكثر العلوم التي تقرب إلى الله، من الصعب أن تجد فيزيائياً عالمياً ملحداً، الفيزياء تؤكد الحقائق بطريق غريبة جداً، فكم هي معقدة وكم تصدمنا في كل ما مانعتقد أنه من المصادفات الفكرية، هل يمكنك أن تتصور أن الكون كله من ألكترون واحد؟ هذه نظرية عظيمة ولها إعتبار، كل الكون بما فيه من مجرات من ملايير الملايير الملايير الملايير من الجزيئات، كلها من ألكترون واحد، وهذه نظرية من أقوى نظريات القرن العشرين.

هناك مستوى فلسفياً للبحث في الزمان، هذا لا نتعرض له الآن، وهناك مستوى علمي للبحث في معضلة الزمان وله فرعان رئيسيان: الفرع البيولوجي وسنتعرض له بعد ذلك وهو مهم جداً، أما الآن فسوف نتناول المستوى الفيزيقي (الطبيعي) لمعضلة الزمان، وهناك البحث السيكولوجي في الزمان

[faissal]

الزمان الفيزيقي )الطبيعي

بعض الناس يعتقد أن الزمان هو شئ مفطور عليه، أي على الشعور بالزمان وتقدير أشياء كثيرة والشعور بتوالي وتعاقب الأحداث، لا مش صحيح، الدراسات النفسية خاصة لدى مؤسس علم النفس "جامبيا جي" السويسري وهو من النوابغ الكبار، وقد بدأ التأليف وهو في سن الثانية عشر، وهو نابغة عبقري ومن أحسن علماء النفس الذين درسوا الأطفال ونفسياتهم وسلوكياتهم، أثبت أن شعور الطفل بالزمن يختلف عن شعور الكبير، الطفل الرضيع هل يشعر بالماضي؟ وهل يشعر بالمستقبل؟ غير وارد، إذن فهو كائن متزمن أكثر من البالغ، يعيش اللحظة والتَّو فقط، لكن عندما نقول اللحظة والحال فأي لحظة وأي حال؟ كم هذا يساوي، قديماً حاول بعض الناس الذين أرادوا أن يبسّطوا قالوا واحد على عشرة من الثانية، لماذا عشر الثانية؟ لماذا ليس واحد على ألف أو مليون أو على 15 ألف مليون مليون مليون من الثانية؟ ربما تسئل لماذا هذا الرقم بالذات، لأن هناك أجسام أو عوالم تعيش وتؤدي رسالتها وتموت وهذا عمرها، هذا هو العلم!

أن متوسط أعمارنا 70 - 60، هناك شجرة عمرها 5000 سنة، وهناك بعض الكائنات تعيش قليلاً أو كثيراً، فعلى سبيل المثال الذباب، تفاعلاتها تسير بسرعة أكبر بكثير من تفاعلات الإنسان، فلا يمكن أن تقول أنها تعيش أقل من الإنسان، فعمرها لا كما ترصده أنت، فهذه سريعة في تفاعلاتها وحركاتها حتى إذا أردت أن تباغتها تجدها في أكثر الحالات أسرع منك.

تعلمون أن نمط الحياة سيتسارع، وهذه الساعات لن تصلح، لماذا؟ لأننا وقتئذ سنحتاج إلى ساعات ذرية ترصد وتقيس الزمن في جزء من مليون من الثانية وهكذا الأوقات في العمل، ربما يتساءل شخص ماذا عن عمر الأمم وقتذاك؟ ربما ستكون أسعد الأمم حظاً من تعيش خمس ساعات مثلاً، طبعاً سيكون عدد السكان عدداً هائلاً وهذا غير مستبعد أخذاً من عالم الحشرات والمثال السابق ذكره، وإذا سار التسارع بهذا المستوى الرفيع جداً المحموم ستصبح الحياة ثرية ومليئة أكثر مما نظن وأكثر مما نتخيل، ففي ساعة زمن يمكنك أن تصنع أشياء كثيرة جداً لا تخطر على بالك، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: "يتقارب الزمان".

زمان كان الواحد يصرف من عمره ثلاثة أشهر حتى ينتقل من عابدان في فارس إلى مثلاً قرية أخرى في بلاد القوقاز، الآن ينتقل إليها في ساعة إلا ربع، حتى هذه الكائنات الدقيقة جداً المفروض أن يكون لها أنظمتة خاصة جداً ليس لها علاقة بالليل أو النهار ولا بساعتنا ولا بشمسنا، وعلم البيولوجي الحديث كشف قوانين ومعادلات تحكي عن هذه الأنظمة الدقيقة العجيبة.

هناك أيضاً البحث في مستوى المعتقدات الملِّية، الزمن كما عرضت له الكتب الدينية وفي معتقدات الناس، في الميثولوجيا وفي الأساطير لكن أقل أهمية، وهناك بحث أقل أهمية أيضاً في بحث الزمان ودوران الزمان في مستوى الدرس التاريخي وهذا أقل أهمية لأنه لا يتعلق بحقيقة المسألة، نعود إلى موضوع الزمان وندخل في الجانب العلمي الخاص بعلم الطبيعة.

أتفق علماء الطبيعة المحدثون (المعاصرون) على أن الزمان مفهوم تجريدي وليس مفهوم واقعي، قال نيوتن في مستهل كتابه "المبادئ الرياضية للفلسفة الطبيعية" الذي ألفه في آخر القرن السابع عشر: "الزمان الحقيقي الموضوعي الرياضي ينساب بدون التأثر بأي شكل خارجي"، هذه حقيقة إلهية مطلقة عنده وهذا الكلام في علم الطبيعة الحديث يعتبر بلا معنى على الإطلاق، المفهوم السائد والمعتقد الآن أن الزمان مفهوم تجريدي، مامعنى مفهوم تجريدي بالتحديد في علم الطبيعة وكيف يكون الزمان مفهوماً تجريدياً؟ قيل أن الزمان هو ما ينشأ في ذهن الإنسان من ملاحظة التتابع (تتابع الأحداث)، بمعنى أنه لو وقفت الحركة وليست حركة الأرض والشمس، وإنما الحركة بمفهومها الكامل، الذرات والجزيئات والجسيمات الدقيقة، سيقف أو بمعنى آخر سيختفي الزمان، إذن الزمان هو المعادل التجريدي لحركات الموجودات في الكون، يقول شخص ما هذا كلام غير صحيح، دع كل شئ يتوقف، لكني سأشعر بالزمان وبالقبل والبعد، هذا أيضاً كلام غير صحيح لأنه إذا توقف كل شئ فإنك لا تستطيع أن تفكروسوف تتوقف جميع التفاعلات الجسمية، فعلى المستوى العصبي كيف تدرك وكيف تشعر؟ فلديك تفاعلات لا عكوسة أي تسير باتجاه واحد أي الفعل نفسه يسير باتجاه واحد فقط، إذن عندما يتوقف كل شئ ينعدم التفكير أصلاً، ولو توقف ينهار الكون كله كما كان في البداية إلى نقطة أو إلى كرة صغيرة أو حسب جون هيلر أستاذ ريتشارد تايمر الذي أوعز إليه بأن فكرة الكون منسوج من ألكترون واحد وحاز بهذه النظرية على جائزة نوبل والذي مات قبل سنوات بالسرطان وهو من أكبر العلماء في القرن العشرين، هذا هو العلم! وهكذا يقول هؤلاء العمالقة الأفذاذ.

[faissal]

نحن نقول بكل يقين إن الزمان موجود بوجود الكون، أي أن الزمان توأم الوجود، لذا قال المسيحي الشهير أوغستين إن الله تبارك وتعالى لم يخلق الكون في الزمان بل خلق الزمان مع الكون، وهذا هو الصحيح، وهذا ما أكده أفلاطون الفيلسوف المثالي القديم، ولذا سأضرب لكم على المستوى العقدي الديني سخف هذا السؤال التقليدي، لماذا لم يخلق الله هذا الكون قبل اللحظة التي خلقه فيه؟ هذا كلام فارغ، هذه أسئلة يطرحها ابن سينا والقزويني في عجائب المخلوقات، الآن في علم الفيزياء الحديثة لا معنى لها، الزمان كما قلنا مفهوم تجريدي من التتابع، كيف نشعر بالتتابع؟ نشعر به بفعل قانون فيزيقي طبيعي فاعل بالكون في أكثر مظاهر الوجود إسمه قانون اللاعكوسية، فأكثر ظواهر الكون على الإطلاق لا عكوسية أي تسير في اتجاه واحد، فإذا دخَّن رجل سيجارة بالطبع سوف تتناقص هذه السيجارة وسوف ترى الدخان يدخل إلى فمه، فهل رأيت عكس ذلك أي أن السيجارة تطول كلما أحترقت وأن الدخان يخرج بالعكس، لا، هذا في التصوير السينيمائي، وكذلك إذا وقع فنجان على الأرض وانكسر، هل ممكن أن يعود لحالته قبل أن ينكسر؟ لا.

ضرب ريتشارد فايمان عالم فيزيائي كبير في كتابه "طبيعة القانون الطبيعي" هذا المثال: قال لو عندنا إناء من حوضين وبينهما فاصل بحيث يكون في إحدى الحوضين ماء مصبوغ باللون الأزرق، وفي الآخر مياه عادية بيضاء، ثم نسحب هذا الحاجز تدريجياً، ماذا سيحدث؟ سوف تختلط مياه الحوضين وتتحول إلى اللون الأزرق الفاتح، لا يمكن إذا انتظرت طويلاً، سنة أو مائة أو ألف سنة أن تتم هذه العملية بشكل معاكس بحيث تعود المياه إلى لونها التي كانت عليه من قبل أي إلى الأبيض والأزرق، أم أن هذا ممكن؟ رياضياً وإحتمالياً بقوانين علم الإحتمال لكن بعد كم هائل جداً من السنين.

إفترض العلماء أنه لدينا ملعب كرة قدم ولديه سور يحوطه من جميع الجوانب حتى لا تخرج الكرة خارج الملعب، وقُسِّم الملعب قسمين، قسم فيه مائة كرة والقسم الآخر خالي من الكرات، ثم وجهنا طاقة شديدة فاعلة إلى هذه الكرات المائة، ثم بدأت تتحرك كأن بها مس من الشيطان في جميع اتجاهات الملعب، بعد كم من الزمن يمكن أن تعود الكرات إلى وضعها الأول؟ حسبوها ثم وجدوا أنه سوف تكون ملايين ملايين ملايين السنين مضروبة في الألاف، في حين أن عمر الكون كله لا يسمح بعكوسية هذه الظاهرة، فالكون عمره الآن حسب معطيات العلم الحديث وأحدث الإحصائيات 12 بليون سنة تقريباً، ولو افترضنا أن هناك ثلاث جزيئات واحد أزرق والآخران أبيضان في الجهه المقابلة، ثم خلطوا جميعاً، فهل يمكن أن يعود كل جزئ إلى مكانه الطبيعي الذي كان عليه قبل ذلك؟ نعم وربما بعد مدة قصيرة، ربما بعد سنة ترى أن الجزئ الأزرق قد عاد لمكانه وكذلك الجزءان الآخران كأنك تشاهد مشهد تليفزيوني، لماذا؟ لأن العدد قليل، لكن الكون الواقع الذي أبدعه الله سواء أبدعه من عدد متكثر جداً كما هو الإعتقاد السائد أو من ألكترون واحد متكثر وسوف نشرح هذه النظرية لأننا نحتاجها، ولما تسلم فايمان جائزة نوبل على هذه النظرية قال للعالم كيف توصل إلى هذه النظرية: تعرفون أن هناك في علم الجسيمات الدقيقة توجد الجسيمات ونقائض الجسيمات، هناك ألكترون وألكترون نقيض (بوزيترون)، يقول: لقد رفع سماعة التليفون يوماً أستاذي د. هويلر ذات مساء وقال لي يا ريتشارد أتعلم لماذا أن شحنات الألكترونات والبوزيترونات متساوية (وهذا تقرره ما الفيزياء الحديثة)، قلت: لا، قال: لأنها واحد، من هنا بدأ ريتشارد يفكر حتى توصل إلى هذه النظرية وحصل على جائزة نوبل، كيف؟ يفترض ريتشارد أنه عند بداية الإنفجار العظيم (Big bang)، تكوَّن وتخلَّق ألكترون واحد في مدة هائلة الصغر (10 مرفوعة على 35 بالناقص طبعاً)، فما الذي صار؟ ثم أن هذا الألكترون انطلق بسرعة هائلة حتى اصطدم بحاجز النهاية كأن للزمان نهاية، ثم عاد هذا الألكترون ولكنه عاد بوزيترون، كل شئ انعكس لكن الشحنة واحدة، دعونا نوضح ذلك:

هناك أستاذ في الرياضيات والفيزياء كبير جداً اسمه مينكوفسكي، و هذا الرجل تحدث عن شئ اسمه خط العالم لكل جسم يتحرك في الكون، فإذا كان لدينا شئ نريد أن نحدده فبكم إحداث يمكن أن نحدده؟ بثلاثة طبعاً (الإحداثيات الديكارتية: X,Y,Z)، السؤال هنا هل هذا الخاتم مثلاً موجود فعلاً في نفس المكان في الكون دائماً؟ لا، فعندما ضربت هذا المثل كان الخاتم في مكان آخر، لماذا؟ لأن الأرض تتحرك، أنت عندما تقرأ هذه الأشياء لأول مرة وتستوعب بعض منها تأخذك دهشة وروعة وخشوع لله تعالى، نحن كما قال العارفين بالله أشبه بالخيال أو الوهم، في أي لحظة يمكن أن نتلاشى، يبدو أن سر وجودنا هو القبس الروحي الذي سماه الله الروح، الذي يعطيني الشعور بتقومي وبتجوهري وبوجودي، بكينونتي وأنني أفكر، وحتى على مستوى المعرفة يؤكد إمامنا حجة الإسلام أبو حامد الغزالي قدس الله سره الكريم وعنده عبارة غريبة جداً جداً يمكن لنظرية هويلر أن تعطينا طرفاً يوضح كلمة الإمام حين كان يقول: "العلم نقطة كثرها الجهل"، كما أن الصوفيون العارفون بالله يتحدثون على أن السر كله في نقطة الباء من بسم الله الرحمن الرحيم، أعتقد من خلال هذه النظرية يمكن أن نعرف هذه الكلمات

[faissal]

يسمي أينشتين حسب نظريته النسبية تحديد موضع أي شئ بأربع أبعاد بالحدث، الكون كله عبارة عن مجموعة أحداثات، ثلاثة أبعاد فضائية وبعد زماني متغير، حتى العلاقة بين الزمان والمكان متداخلة أكثر مما نتصور وقد قلنا أنه لو توقفت الحركة بالكامل يتلاشى الزمان، ينتهي مفهوم الزمان التجريدي، وأنت تلاحظ أن مفهوم الزمان باللغة العادية العامية المفهوم البسيط الجاهل، ماهو؟ هو مجرد إنتقالات في المكان، كيف؟ اليوم والليل والنهار، وهو عبارة عن دورة الأرض حول محورها في مدارها حول الشمس، فإذا دارت حول محورها 15 درجة يمر وقت اصطلحنا نحن على أن نسميه الساعة (360 = 24x15)، إذن دورة كاملة إذا دارت حول محورها دورة كاملة ينتج عنها ذلك الليل والنهار وذلك حسب مواجهتها لقرص الشمس، وإذا دارت الأرض دورة كاملة حول الشمس تصير السنة، إذن هي إنتقالات في الفضاء، فالحركات في الفضاء تعطينا مفهوم الزمان اليومي المفهوم العادي، حتى ساعة المعصم هذه عبارة عن حركة العقارب على ميناء الساعة، إذن هي إنتقالات مكانية، إذن هناك علاقة كبيرة جداً بين الزمان والمكان، لا تستطيع أن تحدد مكان وموضع أي جسم أو جسيم وبلغة أينشتين "حدث"، دون أن تنظر إلى إعتبار بعد الزمان.

إذن بلا تتابع لا يكون لمفهوم الزمان معنى، ثانياً: لماذا يكون هناك تتابع؟ لأنه هناك قانون اللاعكوسية، فيعطينا إحساس أن هذا جاء قبل هذا أو بعد هذا، هذه هي الطبيعة، أراد الله لهــذه الظـواهر أن تسير في اتجـاه واحــد (لا عكوسية)، أوبلغة الدكتور فايمان في كتابه المذكور آنفاً يقول: "يجب علينا أن نصل إلى مبدأ في الديناميكا يؤكد أن الطبيعة تتحرك من الآلية إلى الجهازية"، هناك آلة وهناك جهاز، الآلة عضو وهناك الجهاز كالجهاز الدوري والتنفسي والهضمي والتناسلي ..الخ، من أعقد الآن الآلة أم الجهاز؟ الجهاز طبعاً، فالطبيعة كذلك تسير من البساطة إلى التركيب مع أن البساطة رتيبة والتركيب فوضوي وتلاحظون هذا في مسألة إمتزاج الماء الأزرق بالماء الأبيض، يعنى أنك الآن تستطيع أن تجعل الماء الأبيض أزرق ولا تستطيع أن تفعل العكس، فكلما تعقد الأمر كثرت الفوضوية.

وهناك ظاهر فيزيائية عكوسية، وذلك عند مرور تيار كهربائي في ملف فسوف يتمغنط ويصبح مغناطيسياً، وإذا عكست التيار ماذا يصير؟ يصير القضب الشمالي جنوبي ويصير الجنوبي شمالي فقط، ما معنى أنها معكوسة؟ أي أنها لا تصطدم مع القانون الطبيعي المعمول به، وأيضاً حركات الأجرام السماوية تسير من الشرق إلى الغرب أو عكس عقارب الساعة، لو شاء الله أن يعكسها أي تسير مع عقارب الساعة. هل يظل القانون الطبيعي صحيح أو غير صحيح؟ صحيح، إذن هي معكوسة فحسب قانون كيبلر سيظل نصف القطر يقطع مساحات متساوية في أزمنة متساوية (القانون الطبيعي).

ربما نقول ما دامت هي عكوسة وعلى مستوى الذرات، لكن لماذا عندما تصير الذرات كثيرة جداً لا تصح أن تظل عكوسة، هذا صعب، وقد ضربنا لذلك مثل كرتين أو ثلاث كرات، فإنها يمكن أن تعود بعد سنة أو أقل سنة إلى وضعها الأول، لكن 100 كرة أصعب بكثير وكل هذا حسب قوانين الإحتمال، فزهرة النرد التي لديها ستة أوجه، من واحد إلى ستة، لو رميتها وتريد أن ترى متى وسوف يظهر لديك الوجه الأول الذي عليه ثلاث نقاط، ما مدى الإحتمال هنا، وما عدد المرات التي تضربها حتى يظهر لك الوجه الذي عليه النقاط الثلاث؟ واحد من ستة، لوضربتها ستة مرات عندك إحتمال واحد ومش شرط أن يظهر، هذه هي قوانين، لكن إذا أردت التأكد من ذلك لابد أن تضربها 600 مرة وإحتمال ظهور الوجه هو 100 مرة، ومش شرط 100 ممكن 80 أو 90، لكن بالقانون 1 من 6، لكن لو أردت أن تضربها مرتين متتاليتين بحيث تريد أن تظهر في كل مرة هذه الثلاث أوجه التي عليه النقاط، ما عدد المرات؟ 36 مرة، وإذا أردت أن تضربها بحيث تكون ثلاث مرات متتالية وفي كل مرة تظهر هذه الثلاث أوجه، ماذا سيكون عدد المرات؟ 6 x 6 x 6، ولكي تظهر أربع مرات متتالية 6 x 6 x 6 x 6، وكذلك خمس مرات 6 x 6 x 6 x 6 x 6 = 7776.

إذن يفسر هذا المبدأ لماذا أن قوانين الطبيعة لا عكوسية؟ لأن الكون ليس مكوناً من ثلاث ذرات أو ثلاث جزيئات، بل مكون من ملايير ملايير ملايير..الخ من الذرات، وهنا تصير العكوسية عملية صعبة جداً جداً لكي تنعكس الظاهرة، إذن ليس هناك أمل أن نعود أطفال صغار أو شباب، لأن التفاعلات الكيميائية والحيوية في جسم الإنسان تضطر أن تصبح عكوسة، وتبدأ تتراجع لكي تعود من الشيخوخة إلى الكهولة ثم الشباب ثم الصبا ثم الطفولة ثم إلى الرضاعة، هذا لا يصير، هذه في الروايات فقط في عالم الأدب، في إحدى روايات سكوت فيتزجيرالد التي تحكي لنا عن بنيامين الذي كان عمره 70 سنة وعلى 65 دخل المدرسة وتزوج وعمره 25 وعلى 18 سنة دخل الجامعة وهكذا يظل ينمو إلى الخلف وشب إلى الوراء (إصدار 1922)، هذا كلام فارغ، كلام أدباء، علمياً محتمل ولكن يحتاج إلى بلايير بلايير السنين، وهي عملية معقدة أكثر مما نتصور، هذا لا يصير إلا بإرادة الله.

[faissal]

هل أعطانا القرآن أمثلة على ذلك؟ في قصة ذكريا عندما قال الله تعالى له سوف نلبي لك ونعطيك ولد، كيف وأن أمرأته وصلت سن اليأس وليس هناك تبييض؟ قال له المولى تبارك وتعالى: {وأصلحنا له زوجه}، نحن نعتقد أنه هكذا معجزة، لا، الله فهَّمنا أنه يفعل ذلك بقوانين، خلق القوانين وهو يراعيها، ليس هناك شئ إسمه خارج للقوانين، يخلق المعتاد لأنك تعودت عليه، يخلقه لكن بقانون أيضاً بفعل، لأنه حسب القوانين والمبادئ هذه يمكن أن يصير ولكن يحتاج إلى زمن طويل جداً، المسألة هنا فارق توقيت فقط، لكنه ليس صعب على الله.

ماذا صار هنا؟ صارت هنا ظاهرة عكوسية، وصارت تفاعلات كيميائية وهرمونات عند زوجة زكريا عليه السلام أعادت لها مستوى كفاءة التبييض كأنها بنت 40 أو 35، إذن ممكن وليس مستحيل، إذن ليس هناك شئ إسمه معجزة، بالعلم والفلسفة والمنطق هي مستحيل، هذا كلام فارغ.

هناك مثال آخر، يقول الله تبارك وتعالى: {وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتى}، هذا مثل الفنجان الذي تكسَّر، فهذه ظاهرة عكوسية بقدرة الله، ربما تقول معجزة، نعم بلا شك، لكن هل هي مستحيل؟ لا علمياً ليس مستحيل، رياضياً وعلمياً ليس مستحيل ولكن يحتاج إلى زمن هائل جداً، القرآن يعرض لهذه الأمثلة في شكل معجزات ولكنها ليست مستحيلة، واحد يقول أستطيع أنا أن أفعل، لا، عليك هي مستحيل،على العلم أيضاً مستحيل، أقصد مستحيل بالمعنى الفلسفي، ماهو المستحيل الفلسفي؟ الذي يقوله العقل أنه يوجب التناقض، إنه لا يصير ولو صار يعنى ذلك أن العقل نفسه يفكر بطريقة خطأ ونفقد الثقة به، هي ليست مستحيلة بالمعنى المنطقي ولكنها مستحيلة عادة، وسأبسطها لك، هل تستطيع أنت الآن أن تذهب إلى كوكب المريخ مستحيل، كيف مستحيل، فعلى المستوى العلمى راحوا من زمان والآن يفكروا كيف يستعمروا المريخ، إذن علمياً ليس مستحيل، إذن منطقياً غير مستحيل، هناك أشياء مستحيلة عادة ومستحيلة علمياً ولا تكون مستحيلة منطقياً.

والآن نعود لرواية سكوت فيتزجيرالد، مستحيل علمياً أن تحدث، على الأقل في كوكبنا هذا، تعرف لماذا؟ أنا الآن سأسألك لو أن إنساناً بعد أن بلغ الشيخوخة شاءت إرادة الله أن يعود إلى الشباب والصبا والطفولة، أي ينعكس زمانه، هل يمكن أن يحدث هذا في الكون الذي نعيش فيه؟ مستحيل، فحسب مبادئ الفيزياء الحديثة إلى الآن لا يستطيع أن يتصل بالكون من حوله إطلاقاً ولا نحن نتصل به ولا نراه ولا يرانا، لماذا؟ لأن زمانه سيصبح مضاداً لزماننا، لأن الضوء الخارج منه لابد أن يكون في اتجاه عكسي، لو افترضنا أنك رأيته وتريد أن تكلمه وتقول له يابنيامين مثلاً فإنه لن يسمعك، لأن أمواج الصوت الخارجة من فمك بالنسبة له ستكون داخلة في فمك، وهو لن يراك، سيرى بقعة ظلماء لأن الضوء الساقط عليك والمفروض أن ينعكس على عينيه على الشبكية سيكون بالعكس راجع إليك، إذن بنيامين هذا لو انعكس زمانه ليعود إلى الشباب والطفولة فلن يعيش كما قال فيتزجيرالد أي يتزوج ويدخل الجامعة ..الخ، هو سيعود ولكن إلى كون مظلم صامت أشبه بالعدم.

ما أحسن كلمة سقراط عميد فلاسفة اليونان: "لولا خشيتي أن يقول أهل أثينا أنني متكبر ومغرور أدَّعي كل شئ لقلت أنني لا أعلم شيئاً"، والمفروض أن يقول العكس، لماذا؟ لأن الذي يقول لا أفهم شئ فإنه ينم عن عقلية جبارة بعكس الذي يقول أنني أفهم كل شئ.

في علم الكونيات الحديث يفترض العلماء أن هناك أكوان نقيضة، بمعنى أن كوننا له كون نقيض، ومعنى نقيض أن سير الأحداث لديه يسير عكس كوننا، وهذا ما يسمونه بـ "صورة المرآة"، ربما يسئل سائل هل يمكن أن نراه؟ مستحيل، لأن الضوء المنعكس من أي كوكب لن ينعكس في اتجاهك ولكن في إتجاه آخر، والماضي لديهم هو المستقبل لدينا، المستقبل لديهم هو الماضي لدينا، وكيف عرف العلماء ذلك؟ بالرياضيات والمعادلات والدراسات، ولكها معرفة نسبية.

لدينا مفهوم شائع هو مفهوم التواقت أو التزامن، حسب تصور نيوتن للزمان المطلق الموضوعي، هل ممكن أن يكون التواقت في كل أجزاء الكون بمعنى أنه يمكن أن تقع حادثة في الشعرة اليمنية وتقع في كوكب الجبار وتقع على الأرض في نفس الوقت؟ في أي وقت؟ قال أينشتين في أي وقت، عن أي وقت نتحدث؟ عن وقت الله إن جاز هذا التعبير أي قوة مهيمنة فوق كونية، ممكن أو غير ممكن؟ هذه مسألة معقدة، دعنا نتحدث عنها بعد ذلك، قال أينشتين عن أي وقت نتحدث، المسألة ليست كذلك، ربما تقول هناك وقت معين مش شرط أن يكون وقت الشمس، اللحظة هذه، كأن في الكون زمان ينساب، هذا كلام غير صحيح، هناك زمان تجريد ذهني بأثر تتابع الحوادث، وعندما تتابع الحوادث، متى يمكن أن تحدث في نفس الوقت؟ في نظام متصل، فإذا كان هناك إمكانية للتواصل السريع ولكنه ليس آني ولكن أشبه بالآني ممكن أن نقول بمفهوم التزامن والتواقت، أما إذا كان هناك نظامان غير متواصلين مستحيل أن نقول أن هناك تواقت، كيف ذلك؟

إذا كان هناك شخص في نيويورك يرفع السماعة ويهاتف شخص آخر في لندن، فنقول تجاوزاً أنهم تكلموا في نفس اللحظة نظراً لأنهم ينتميان إلى نظام شمسي واحد، فنقول أن هناك إمكانية تواصل بينهما، لكن المسألة تصير أعقد لو أن واحد كلَّم واحد على كوب آخر يبعد عن كوكبنا سنة ضوئية، فلو أراد أن يكلمه بإشارات تسير بسرعة الضوء، علشان يقول يافلان فإن هذه الكلمة سوف تصل بعد سنة للطرف الآخر، وحينما يسمعها ويرد ويقول نعم، سوف تصل أيضاً بعد سنة، بمعنى أنهم لو أرادوا أن يتبادلوا أقل الكلمات لاحتاجوا إلى 15 أو 16 عاماً على الأقل، لأنهم صاروا في نظامين وأصبح هناك تباعد شديد وعدم التواصل.
إذن مسألة التوقيت نضع لها إعتبار، فلو سألت أحد هل تراني الآن في نفس اللحظة؟ تقول نعم، مش صحيح أنت لا تراني في نفس اللحظة، تراني بعد باستمرار، كيف أراك أنا؟ عبر الضوء عندما ينزل على الشبكية فينعكس عليك فأراك، وهل الضوء وسرعته مطلقة؟ لا محدودة، فهي 186 ألف ميل/ثانية أو 300 ألف كيلو/ثانية، لذلك فإن في عالم الفلك والأضواء العليا يظهر الضوء أنه ضعيف ويحتاج لوقت هائل، هناك أشياء تبعد عنا 15 بليون سنة ضوئية، أي أن الضوء يسير 15 ألف مليون سنة حتى يصل إلينا، إذن سرعته ليست مطلقة بل محددة، ونقصد بالمطلقة الذي ليس نهائياً، ومعناه أنك لو تبعد عني بمقدار متر واحد يلزمك أن تقول متر تقسيم 300 ألف كيلو وكل كيلو فيه 1000 مترנ1000 أي 300 مليون، معنى ذلك أنني أراك بعد 1 على 300 مليون من الثانية، ولو كنت تبعد عني ثلاث أمتار تصير العملية أعقد، فسوف أراك بعد 3 من مليار من الثانية ..الخ وهلم جر حسب البعد.

لو قال شخص ما أن هذا الكلام غير صحيح لأنني أرى هذا مثل ذلك، أرى القريب مثل البعيد، طبعاً لأن الجهاز الفسيولوجي والشبكية لدى الإنسان لا تستوعب هذه الفروق الزمنية الضئيلة، فإذا كان تردد الأشياء أو المشهد أمام العين أكثر من 16 مرة في الثانية فإنها لا تستطيع أن تراه، هناك علاقة وطيدة جداً نسيجية رحمية بين الزمان والحركة.

[faissal]

هل زمان الجسم الثابت كزمان الجسم المتحرك؟ نيوتن قال نعم، أما أينشتين فقال لا، الرياضيات تنبئني بعكس ذلك فالجسم كلما سار بسرعة أكبر تباطئ زمانه، ولذلك قانون زمان الجسم المتحرك:

زمان الجسم المتحرك = زمان الجسم الثابت
كما قال إن الجسم كلما زادت سرعته زادت كتلته، وقد درسنا من قبل أن الكتلة لا تتغير أما الوزن فيتغير، فوزن جسم على الأرض غير وزنه على كوكب المشترى، فعلى المشترى أثقل 1000 ألف مرة تقريباً، هذا لا دخل لنا به، فاهتمامنا هنا بالكتلة (كتلة القصور وكتلة الجذب).

قال أينشتين أي جسيم مهما كان صغيراً لو سار بسرعة الضوء فحسب الرياضيات تكون كتلته لا نهائية، لا يمكن أن يسير لأنك تحتاج لكل طاقة الكون ولن تستطيع أن تسيرها، ولذا فهو يقول أي جسيم يسير بسرعة عالية تقترب من سرعة الضوء لكن لا تبلغها، لكن افترضنا أن هذا الجسيم يسير بسرعة الضوء أو قريبة جداً منها، مالذي يحدث؟ محصلة الجزر التربيعي لـ 1 - 1 = 0، أي أن الزمان أصبح صفراً، وهذا يعطينا إمكانية الخلود، وهذا يدل على أن العلم بدأ يستوعب بحسب المبادئ الرياضية إمكانية الخلود.

إذن كلما تسارع الجسم كلما تباطئ زمانه ويقترب من الأبدية، فلو سار جسم بسرعة 186 ميل/ث، سوف يتباطئ جزء من عشرات الملايين من الثانية، وإذا سار هذا الجسم بسرعة 99,99 % من سرعة الضوء، ماذا سيحدث؟ سوف يتباطئ بشكل يساوي 98,5 %، لذا لو افترضنا أن راكباً ركب على سفينة فضائية تسير بسرعة 99,99 % من سرعة الضوء وسافر إلى مجرة المرأة المسلسلة (أندروميدا) التي تبعد عنا 2 مليون سنة ضوئية، هناك مجرة الشعرة اليمنية تبعد عنا بـ 8,7 مليون سنة ضوئية، فماذا سيكون عمره حين يعود؟ لو كان عمره وقتها 40 عام + 4 مليون سنة (ذهاب وعودة)، فهذا هو عمره، قال أينشتين هذا غلط لأنه سيعود وعمره 40 + 56 = 96 في الوقت الذي يكون قد مر على الأرض 4 مليون سنة.

إن الحدث الواحد يمكن أن يوقت بتوقيتات مختلفة، كل توقيت حسب النظام الذي ينتمي إليه الراصد، بدليل أنه لو صار حدث معين أُرسل منه شعاع ضوئي أو مجموعة أشعة تنطلق في إتجاهات مختلفة بلغت كوكب آخربعد مليون سنة وبلغت كوكب ثاني بعد 500 ألف سنة وكوكب ثالث بعد 500 مليون سنة، فسوف يرى الراصدين الثلاثة نفس الحدث ولكن بتوقيتات مختلفة، إذن ليس هنا تواقت، أعتقد بعد ذلك أنه سَهُل علينا الآن تقريب مفهوم القضاء والقدر إلى أذاهاننا، عند الله كل شئ في حالة حضور وتقسيمات القبل والبعد والليل والنهار تهيمن عليك أنت فقط، هذا في عالمك فقط، ليس هذا في حق الله، لذلك لما عُرج بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أقدره الله برؤية ما سيحدث لنا، وأراه مشاهد من يوم القيامة قبل أن تقوم القيامة، كل شئ حاصل في لحظة أبدية واحدة، وهي ليست لحظة، نحن نسميها هكذا مجازاً، هو حضور إلهي أبدي صلب قوي ومهيمن، هذا هو العلم الإلهي، إذن لا تقارن الله بك، عرف أم لم يعرف وقبل وبعد، كله كلام فارغ، لذا قلنا أنه إذا إستطعنا فهم مثل هذه القضايا، سنفك كثيراً جداً من ألغاز العقيدة، ويعظم إعتقادنا في الله ويرسخ، ونشعر أن الأمر أكبر بكثير مما نتصور وأبعد مما نتخيل.

دعونا نتعمق هذه الأفكار، هناك سؤال يطرحه الفيزيائيون وليس الحالمون، لو وقعت شجرة في غابة ولا يوجد كائن يتميز بقدرة السمع، هل سيخرج لها صوت؟ إذا قلت نعم فغلط وإذا قلت لا فغلط أيضاً، لماذا، ما هو الصوت؟ قوة إحتكاك الشجرة مع الهواء والإرتطام بالأرض فتخرج أصوات هذه الموجات، ليس هذا هو الصوت، إنما الصوت هو دخول هذه الموجات للأذن الوسطى ثم الداخلية ثم يترجمها المخ، هذه العملية هي الصوت، ليست الموجات وليس المخ فقط، إنما العملية كلها هذه إسمها الصوت.

عملية وقوع الشجرة هذه بالنسبة لله، ليس عند الله لما تقع، كل شئ عند الله حاضر، أشياء لا تستطيع أن نفهمها نحن وماهو حضور الأحداث عند الله؟ أنت تفهم الأحداث بتتابع، يعني وهي واقعة وهي قبل ما تقع ثم بعد ما وقعت بالنسبة لك، أما عند الله فهي حالة واحدة، ونظرية الألكترون الواحد الذي منه نُسج الكون كله هي التي تقرب إليك ذلك، كل شئ نقطة واحدة، قال الله تعالى: {ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة}، لا تسئل كيف يبعث الله 60 مليار من البشر وكيف يحاسبهم، كله نفس الشئ، كما خلق ألكترون واحد أيضاً خلق عدد لا نهائي من الألكترونات، لا نستطيع أن نفهم الأشياء إلهياً في علم الله كيف يصير، هذا هو التناقض، أنا لا أستطيع أن أتصور أن هناك شجرة صغيرة وواقفة وواقعة وصغيرة وكبيرة في نفس الوقت، لكن أستطيع أن أستوعبها في تتابعها، كيف نبتت ثم صارت كبيرة ثم أكبر جداً ثم قُصَّت من أعداء البيئة، هكذا يمكن أن أستوعبها، لكن أستوعبها كلها مرة واحدة بهذا التتابع، مستحيل، ولكن عند الله ليس مستحيل، شئ فعلاً مخيف.

السؤال هنا كيف هذه الأشياء في علم الله، إذا كنت أنا بالنسبة لي لا أستطيع أن أقول بصوت أو بلا صوت، إذا كنت أنا موجود إذن هناك صوت، والصوت ليس شئ من الشجرة وليس من مخي، شئ معقد، علاقتي أنا بهذا الشئ، شئ إسمه الصوت مثل الضوء ومثل اللون البنفسجي مثلاً، أنت تراه كذلك أما الحصان يراه لون آخر، وهناك بعض الحيوانات ترى اللون أحمر فقط وهناك حيوانات ترى عدد قليل من الألوان، أما الإنسان فيرى عدد أكثر من الألوان وليس كل الألوان، وغلط أن تقول كل الألوان، لأنه ليس هناك شئ إسمه لون في الكون، فاللون هو تفاعل العين فتتلفى الأمواج التي تخرج من الأجسام والأشياء.

الآن يعود السؤال القديم إذا لم يكن هناك في الوجود شئ إسمه لون، فإذا كنت تراه أفلاطوني أو بنفسجي، فكيف يراه الحصان والقط وكذلك الجن؟ الله أعلم، وكيف يراه الله؟ لا تعتقد أن لله عز وجل عين كعينك وفيها شبكية وطبقات، أستغفر الله العظيم، هذا كله عندك ياإنسان، كيف هذا؟ لا تستطيع أن تعرف.

ذكرت لكم مرة مثال لطيف جداً؛ إذا اجتمع إثنان كم يتحصل منهما؟ 6 وهذا له علاقة بعلم النفس وعلم الإجتماع وسبب مشاكلنا، لأن كل واحد مكوِّن فكرة عن نفسه، فهو يرى نفسه مثلاً عبقري وذكي وظريف ولطيف ..الخ (واحدة)، والآخر مكون فكرة عن نفسه كذلك (إثنان)، الأول يرى الثاني غير ما يرى الثاني نفسه (ثلاثة)، والثاني يرى الأول غير ما يرى الأول نفسه (أربعة)، ويعلم الله كيف الأول في حقيقة الأمر (خمسة)، وكذلك الثاني في حقيقة الأمر غير ما أنت تراه وغير ما هو يرى نفسه (ستة)، وإضافة إلى ذلك خطر لي صورتين آخرين، صورة الأول عن نفسه كما يظنها عند الثاني، فالأول يكوِّن صورة عن نفسه يظنها منطبعة في مخيلة الثاني (سبعة)، وكذلك صورة الثاني عن نفسه كما يظنها عند الأول (ثمانية)، في الحالة الأولى كانت سهلة ولها قانون رياضي:

(س1 + ) נس= (1 + 2) נ2 = 6، ولو كنا ثلاثة: (1 + 3) נ3 = 12، وكذلك خمسة ..الخ، لكني عملت قانون آخر:
(س + س) נس = (2 + 2) נ2 = 8 .. وهكذا.

نحن الآن ذكرنا كيف أنت في حقيقة نفسك في الواقع، هذا الواقع غير موجود وغير مفهوم ولا أحد يستطيع أن يصل إليه غير الله، الله وحده يعرف كل شئ بغض النظر دون قيد أو شرط، والكون نفسه كيف هو مخلوق وكيف حجمه وكيف لونه وأصواته، كل هذه الأسئلة غلط طبعاً، لماذا؟ لأن هذه الظواهر لا تصح في حق علم الله، هل سننتهي إلى أنه ليس هناك شئ، طبعاً هناك شئ، سميه كون، سميه X، سميه أي شئ، كيف هو في علم الله، الله هو كقدرة وحيدة في الوجود هي التي تعرف ذلك، وما عدا ذلك فالقضية كلها نسبية.

رأينا كيف يتقلص الزمان أو يبدأ يتجمد مع زيادة السرعة، هل هناك تأثير للجاذبية على الزمان؟ نعم وهذه صدمة أخرى مما صدم أينشتين بها العالم، ما دخل الجاذبية بالزمان؟ أنت الآن لو موجود على القمر الأقل جاذبية من الأرض لأن كتلة القمر أقل من كتلة الأرض، الكثافة متشابهة، عندنا أجرام سماوية إسمها الأقزام البيضاء، هذه كثافتها هائلة جداً وهي تشكل 3% من السماء، البوصة المكعبة منها قد تبلغ آلاف الأطنان، المادة منضغطة بالكامل، فلو كُتب لك أن تعيش على قزم أبيض حجمه 1 على 1000 من حجم الأرض، فإنك يمكن أن تعيش مليون سنة فسوف يطول الزمن ويتجمد بقدر قوة جاذبية هذا القزم، هذا كلام أينشتين وعنده في هذا معادلة صعبة، وأنت على القمر وزنك أخف، معنى ذلك أن جاذبية القمر أقل من الأرض، أي يصير الزمان أسرع، ولكن كمية بسيطة جداً لا تُلحظ، أما لو انتقلت إلى كوكب المشتري وحجمه كحجم الأرض ألف مرة وجاذبية كذلك أقوى من جاذبية الأرض بكثير، فسوف يتباطئ الزمان بشكل بسيط أيضاً لا يُلحظ، ولكن لو انتقلت إلى الثقوب السوداء، وهذه بالكامل مهروسة وجاذبيتها هائلة ولا تُرى لقوة جاذبيتها، لذلك سميت الثقوب السوداء أو البقع السوداء، وسوف يتجمد الزمان بقوة الجاذبية، ليس لها علاقة بالسرعة، الجاذبية شئ والسرعة شئ آخر، ربما يسئل سائل هل وصلوا للقزم الأبيض ورأوه؟ لا، ولكنهم تلقوا منه إشارات وموجاته طويلة، فكلما تكون الجاذبية أعلى كلما كان الزمان أطول، ربما تسئل أي زمان؟ هذا هو تتابع الأحداث، وكل شئ في جسمك سوف يصبح بطئ، تفكيرك وتوصيلاتك العصبية، ستصبح بليداً، وستدفع بدل طول العمر بلادة، قال الأديب مصطفى صادق الرافعي: "إن الله أخذ اللذة من أفواه الأغنياء ووضعها في عيون الفقراء"، ما أحسن هذه العبارة، هذا هو التوازن الإلهي.

[faissal]

من صغري بفضل الله تعالى فهمت أسماء الله وصفاته فهماً تركيبياً، قلت لا يمكن أن تتعطل صفة لله أو إسم، بمعنى أن الله تعالى لا ينتقم لأنه منتقم، لا ولكن منتقم ورحيم في نفس الوقت، وحكيم وقدير وعليم وواحد وماجد وقادر، كله في نفس الوقت، لذا يقول علماؤنا لم يزل رحيماً، لم يزل عليماً، أي في حالة استمرارية، لا تعتقد أن الله يتجلى بالنقمة فقط، حتى النقمة فإن في مطاويها رحمة، فعندما يسلط الله الحرب على أمة تُبيد نصفها أو كثير منها فهي رحمة، فربما أبادت هذه الأمة البشرية جمعاء، لذلك فالمرض رحمة ونقمة، نقمة من الكبرياء والغرور، ولكن هذه النقمة في مطاويها تتفتح أكمامها عن رحمة، فسوف تراجع نفسك وستحاسب حالك، وتضعف وتصير تبكي، كل هذا بالنقمة، وقد أعطاك الله الجزاء بالعقاب.
أخيراً لا يفوتني أن أضرب المثال الذي قرأته للناقد الإنجليزي الكبير كون ويلسون في كتابه بعنوان "العرافة"، الذي تحدث فيه عن مسألة الزمان في صفحة واحدة من هذا الكتاب، وقال: لو افترضنا أن مجموعة من الناس وُلِدَت في قطار يسير بعجلة منتظمة يعيشون حياتهم كلها فيه، ماذا يرى هؤلاء الناس من نوافذ القطار؟ زروع وحقول وأزهار وبيوت ..الخ، بالطبع سيتولد لديهم شعور ويظنون ذلك مسألة فطرية، هي ليست فطرية، هي مسألة تتابع، ويظنون أنها مسألة فطرية بأن هناك شئ ما لا يسميه الزمن هنا ولكن سماه شئ آخر وليكن "ظايم"، هكذا سماه ويلسون من عنده وليس لهذه الكلمة معنى في القاموس الإنجليزي، وسيقولون أن هذا الظايم يمشي في اتجاه واحد للأمام، لو توقف هذا القطار يقولوا توقف الظايم، ولو تبدلت حركة القطار بحيث يسير للخلف بدلاً من الأمام، سيقولون إن الظايم يسير بطريقة عكوسية، في الحقيقة ليس هناك شئ في الوجود إسمه "ظايم"، الآن لدينا قطار وراصد في القطار، ومشاهد ثابتة نسبية، وحركة القطار تعطي الراصدين في داخل القطار إحساس بأن الأشياء الخارجية هي التي تتحرك في تواتر رتيب بسرعة منتظمة، وفي الواقع أن القطار هو الذي يتحرك، لا القطار ولا الراصد ولا مجموع المشاهد هي "الظايم"، لكن "الظايم" هو ما ينتج عن كل ذلك، عن وجود راصد جالس في القطار، والقطار يتحرك وهناك مشاهد خارجية، ولأن القطار يتحرك بسرعة منتظمة، فهم يظنون أن المشاهد هي التي تتحرك بهذه السرعة المنتظمة ويتولد لديهم مفهوم "الظايم"، ويظنون أنه فعلاً شيئاً موجود في الكون، كما وقع لدينا نحن البشر في مسألة الزمان.

من ذلك يتحصل لدينا أن هذا الكون كله بأحداثه التي هي بلغاتنا، حدثت وستحدث هو كله في الأخير في علم الله وفي نظر الله هو حضور، ليس هناك ليل ولا نهار ولا أمس ولا غداً، كل هذا يصدق علينا فقط نحن البشر.

يمكن أن نختصر ما توصلنا إليه بكلمات سريعة؛ أولاً حسب معطيات الفيزياء الحديثة لا وجود أصلاً ولا صحة لفرضية الزمان المطلق، وهذا لا ينفي وجود ظاهرة أو شئ ما إسمه الزمان، فالفيزياء كانت وما زالت وربما ستظل تعني دائماً بالمقاييس لا بالمفاهيم، فالفيزياء لا يستطيع أن يحدد تعريفاً لشئ ما أو لظاهرة ما إلا بعد أن يدرسها بل من بعد أن يتوصل إلى شئ، وهذا من حسن حظ الظواهر الطبيعية، لأن الفيزيائي لو كان عنيداً وصلباً ولا يدرس ظاهرة إلا بعد أن ينتهي أولاً من تعريفها لما تمت عملية البحث الطبيعي.

إذن فالفيزياء تعني بالمقاييس لا بالمافهيم، نحن عنايتنا هنا في هذا الموضوع ربما تنصب أكثر على إستخلاص المفاهيم وأن تكون مجردة، أي أننا نسلك طريقاً وسطاً تقريباً، وقد عرضنا لوجه النظر الطبيعية بشئ من التبسيط، إذن هذا لا ينفي وجود هذه الظاهرة أصلاً (الزمان) مع عدم تعريف محدد فيها.

كان الفلكيون القدامى يعنون بالمعايير وبالمقاييس التي نقيس بها الزمان، هل هي الدورة الأرضية؟ هل هي حركة الشمس؟ هل هي حركة النجوم (التوقيت الفلكي) وهي أضبط بكثير من حركة القمر، أو حركة الأرض أو ما إلى ذلك، إذن هي تعترف بوجود هذه الظاهرة وإن لم تحدد تعريفاً جامعاً مانعاً واضحاً باصطلاح المناطقة لهذه الظاهرة المعضلة، فلا تعترف بوجود الزمان المطلق، مامعنى لا وجود للزمان المطلق؟ الزمان المطلق كما ذكره إسحاق نيوتن في كتابه الفذ "المبادئ الرياضية للفلسفة الطبيعية"، فقد ذكر أن الزمان المطلق هو شئ ينساب في الكون وفي الوجود مفصلاً وغير منظور إليه بلحاظ الظروف التي ولَّدته، أو المقاييس التي يمكن أن يقاس بها.

ويمكن تأسيساً على فكرة الزمان المطلق أو فرضية الزمان المطلق أن يقال إن هناك تواقتاً أو تزامناً مطلقاً أيضاً في الكون، الآن حسب معطيات الفيزياء الحديثة وخاصة النسبية فإن الزمان عبارة عن تسلسل الحوادث منظوراً إليه (التسلسل) من خلال إطار مرجعي، فمثلاً ما هو الإطار المرجعي الذي يمكن أن نعتمده لمجلسنا هذا؟ نقول جلسنا تقريباً 50 دقيقة، هذا الإطار المرجعي يمكن أن يكون لبعض الناس الليل والنهار أو هذه الساعة، لكن هذا ليس صحيحاً، لكن محاضرتنا تنصب على الزمان الباطن، على الزمان الفسيولوجي أو البيولوجي بشكل عام، وسنخلص إلى أن هناك نسبية فسيولوجية وبيولوجية لا يمكن أن يعتبر هذا الزمان (الكرونولوجي) إطار مرجعياً لهذا الزمان الباطن، مما سيعمق فكرتنا حقيقة عن هذه الحقيقة اللغز، سنراها أصعب بكثير وأعقد مما نتعاطى وأياها عادة.

لو لم تقع حوادث، أي لو فُرض وجود كون خالي من الحوادث كيف سيكون وضع الزمان فيه؟ لن يكون هناك زمان إطلاقاً ولن يُفهم هذا المصطلح في الكون الخالي، سيختفي بالكامل مفهوم الزمان والمكان، طبعاً الحوادث في إصطلاح النسبية لا تعني فقط الفعل، بل تعني حركة أو فعل في إطار أبعاد 4 دائماً، في عالم منكوبسكي ضمن نقاط وخطوط العالم، كل شئ لا بد أن يكون ضمن خط قدر وخط عالم مكون من الفضاء والزمان ملتحمين.

هذا معنى الحوادث في إصطلاح النسبية كما يحددها أينشتين في نسبيته، إذن منظوراً إليه (التسلسل) من خلال إطار مرجعي، ولذا فإن هذا التسلسل لا يغدوا واحداً إلى أُطُر مرجعية مختلفة وأيضاً بالنسبة إلى راصدين مختلفين، قد يكون أحدهما ثابت والآخر متحركاً، وهذا مؤثر على التسلسل ويؤثر على التواقت، ولنضرب مثالاً ضربه أينشتين في أحد كتبه، حين افترض قطاراً يسير بسرعة الضوء وهذا مستحيل ولكن فرضياً أو بسرعة قريبة جداً من سرعة الضوء، في منتصف هذا القطار يجلس رجل ومعه مصدر يطلق شعاعين ضوئيين واحد يتجه يميناً والآخر يتجه يساراً أو نستطيع أن نقول أن شعاعين ضوئيين ينطلقان من أقصى اليمين ومن أقصى اليسار في نفس الوقت، وأن هذا الرجل الجالس في القطار لديه مرآتان عاكستان بحيث تمكنانه في نفس الوقت أن يلمح البرقتين أو الشعاعين حين ينطلقان، الآن هذا الرجل حين يحدث هذا الأمر المفترض المتخيل، فعلاً سيلاحظ أن اللمعتين أو البرقتين وقعتا في نفس الوقت، إذن تحقق لدينا مفهوم التواقت، لكن راصداً خارجياً يجلس على رصيف والقطار متحرك، سيلاحظ أن شعاع الضوء الذي يسير في اتجاه معاكس لاتجاه القطار من اليمين إلى اليسار وفي اتجاه آخر من اليسار إلى اليمين لن يلاحظ البرقتين في نفس الوقت، ولكن سيلاحظ أولاً الذي يسير مخالف، وهنا يختل التواقت مع أنه نفس الحدث.

ومن هنا خلصت الفيزياء الحديثة أنه لا وجود لزمان مطلق كلي منساب في الكون، مفصولاً عن ظروف نشأته وعن مقاييسه وعن أحوال الراصدين، هذا غير موجود، طبعاً الفيزياء الحديثة لا تنفي وجود الزمان، الزمان موجود لكن بأي معنى؟ تسلسل الحوادث ضمن أن يكون ملحوظاً بإطار مرجعي، لكن ليس هناك شئ هكذا خلقه الله في الكون إسمه الزمان كالروح مثلاً.

[faissal]

أيضاً من أعمدة النسبية في عصرنا هذا، افتراض أن سرعة الضوء هي السرعة القصوى المطلقة التي لا يمكن لأي جسم أو جسيم أن يتعداها في عالمنا، إذن هي محدودة لا نهائية، قديماً كان يفترض بعض الفلاسفة أن هناك مواد معينة يمكن أن تنطلق فيها الأشياء مثلاً بطريقة آنية فورية أي لا تأخذ زمناً، هذا كلام فارغ، في الفيزياء كل شئ لابد أن يأخذ وقتاً حتى الضوء، فالضوء سرعة مطلقة ومع هذا له حد وسرعته محدودة، ربما تسئل ما معنى أن تقول وتستثني الضوء وتقول هو الشئ الوحيد في الكون الذي من المفروض أن يكون نسبياً (هكذا تقول النسبية)، مامعنى مطلق؟ أن سرعته لا تتأثر بأي ظرف، حتى لا تتأثر بحركة المصدر، كيف؟

الآن طائرة تسير مع حركة الأرض من الشرق إلى الغرب وطائرة تسير في نفس الإتجاه، هل سيطول الزمان أم سيقصر؟ (قانون مربع السرعات)، فلو كانت حركة الأرض X وحركة الطائرة C، إذن C + X وتصبح مضاعفة، فلو كنت جالس في سفينة والسفينة تنخر عباب الماء، الآن أنت حين بدأنا نرصد حركتك والمسافة التي ستقطعها على الماء، لكن ضمن حركتك على السفينة (الحركة النسبية) وهذه غير نسبية أينشتين، فهي حركة على الماء لكن ضمن حركة السفينة وحركتك على السفينة، وتسير السفينة بسرعة 50 ميل/ساعة، وأنت تسير على ظهر السفينة بسرعة 5 ميل/ساعة، إذن أصبحت سرعتك الآن 55 ميل/ساعة، أما في الضوء فلا، فلو افترضنا أن الضوء يسير في حركة الأرض وشعاع آخر يسير في عكس اتجاه حركة الأرض، المفروض حسب قانون جمع السرعات أن يخرج فارق نسبي يساوي R2 (R = المسافة)، لكن نسبية أينشتين تؤكد أن هذا الكلام غير موجود، صفر، سواء كان مع حركة الأرض أو ضد حركة الأرض، لا يتأثر بحركة المصدر، ولذا لو أن شعاع ضوئي يسير مع قطار يسير بسرعة الضوء، ستصبح السرعة مضاعفة، هي سرعة الضوء نفسه، أو عكسه نفس السرعة أيضاً، ولذا فهو الشئ المطلق الوحيد في الكون، والمعادلات والتجارب تؤكد ذلك، وهذا شئ عجيب إستثنائي، قال الله تعالى: {الله نور السموات والأرض}، ليس هذا النور الذي نراه، حاش لله، هذا معنى أن الضوء شئ مطلق.

أول ما بحث أينشتين في النسبية وبدأت تأتيه أفكار النسبية تساءل، لو أن رجل جالس في سفينة فضائية تسير بسرعة هائلة تقترب من سرعة الضوء في ظلام الفضاء المظلم جداً وبارد جداً وتبلغ فيه درجة الحرارة أحياناً درجة الصفر المطلق (273-)، الغلاف الجوي الأزرق حسب قانون ريليف للإنكسار، لكن الفضاء الذي بعده أسود مظلم {أأنتم أشد خلقاً أم السماء}، لم يفهم العالم زمان كيف أن السماء عندها ليل، فهم يرونها زرقاء، قالوا {أغطش ليلها}، أي ليل الأرض، أي أرض! فدائماً يعود الضمير على أقرب مذكور والمذكور هو السماء، قالوا لا الأرض بعد السماء {والأرض بعدذلك دحاها}، مستحيل، كلام فارغ، هذا تكسير لكل قواعد النحو أيضاً، المهم فهذا الإنسان أطلق شعاعاً حتى ينير السفينة الفضائية ولكي يتمكن من حلق ذقنه كما قال أينشتين، هل سوف يستطيع حلق ذقنه بشكل طبيعي، لأن السفينة تسير بسرعة قرية من سرعة الضوء ولو افترضنا أنها تسير بسرعة الضوء لعملية التسهيل، والآن عندما يخرج الشعاع من المصدر لابد أن يتجه في نفس الإتجاه ولن يستطيع أن يعوض الفارق بين الوجه وبين المرآه، إذن المفروض ألا يرى وجهه حتى لو أطلق الضوء، هذه هي أول قصة لطيفة وقعت لأينشتين ثم بعد ذلك قال إنه سوف يستطيع أن يحلق ذقنه، لماذا؟ لما ذكرناه من أن الضوء مطلق بغض النظر، لا يتأثر بحركة المصدر.

لو أنت تسير بسرعة أكبر من سرعة الصوت وهناك منبع أطلق إشارة صوتية في اتجاهك وأنت أسرع، فلن تبلغك ولن تسمعها، ولو أنك تسير في هذا الإتجاه، ومن مركبة أخرى أطلق عليك شخص ما رصاصة، وأنت تسير بسرعة أكبر من سرعة الرصاصة، لا تصلك هذه الرصاصة ولو بنفس السرعة فسوف تراها مدلاة في الهواء بفارق المسافة بين السفينتين.

الآن يفترض أينشتين أنه ليس هنا جسم في هذا الكون أو في هذا العالم يمكن أن يسير بسرعة الضوء، وسرعة الضوء هي سقف السرعات، ولا يمكن لجسم مامدي أن يسير بسرعة الضوء، مستحيل، فضلاً على أن يتحداها، هل معنى ذلك أن أعظم سرعة في الوجود كله هي سرعة الضوء؟ تعالوا نرى ما قاله القرآن، وما قاله أينشتين.

يقول القرآن: {يدبر الأمر من السماء إلى الأرض في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون}، المقارنة هنا نسبية، طبعاً هذا الذي يعرج ليس الله، استغفر الله حاشى لله، الملائكة أو ملك التدبير، هذا معروف وهذا من بلاغة القرآن، القرآن يحذف أشياء كثيرة لضرورة معلوميتها كمثل قوله تعالى: {حتى توارت بالحجاب}، والتي توارت ليست الصافنات الجياد وإنما الشمس، كيف والكلام هنا عن الصافنات الجياد، قالوا معروف أن التي تتوارى بالحجاب هي الشمس، هذا من إستعارات العرب، كذلك هنا في هذا الموضع، فلو أردنا أن نحسب المسافة التي يقطعها القمر في ألف سنة، ولماذا القمر؟ لأن توقيتنا قمري وهو أدق من التوقيت الشمسي والحمد لله {وقدَّره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب}، إذن ما يقطعه القمر في مداره في ألف سنة يقطعه الملك (ملك التدبير) في يوم.

وتعلمون أن الملائكة مخلوقة من نور، إذن كأن القرآن يريد أن يعلمنا أن سرعة النور (لأن الملك هو نور)، يسير النور في 24 ساعة נ60 נ60 في الثانية الواحدة، ما يقطعه القمر في ألف سنة، إقسم هذا على هذا يتحصل لدينا سرعة الضوء المسجلة عالمياً، سبحان الله، كيف عرف محمد صلى الله عليه وسلم هذا الكلام، لكن القضية هنا نسبياً وهذه سرعة الضوء حقيقة، هذا شئ مخيف، فكيف قال الله تبارك وتعالى: {تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة}، هل قال الله مما تعدون؟ لا قال سنة ووقف، التي تعرج هي الملائكة، أي النور هنا يقطع في اليوم ما يقطعه القمر في 50 000 سنة، إذن كأن هناك تضعيف كمي بنسبة 50 ضعفاً، لا بل أكثر بنسبة 18 250 000 %، وكيف ذلك؟ لأنه لم يقل مما تعدون، إذن هذا بُعد آخر وقياسـات أخــرى لا تنتـــمي إلى عالمـــنا، إذن لا بـد أن تكــون الـ 50 000 سنة كما يقول الرياضيون معامل تضعيف، معامل تضعيف للسرعة أو معامل تجميد للزمان.

القضية ليست نسبية، إذن 50 000 נ365,25 = 18 250 000 يوم، وكل يوم منها بألف سنة مما تعدون، وقد حسبناها أخيراً لتكون النتيجة أن الملك يتحرك بسرعة 57 % سنة ضوئية في الثانية، أي أكثر من نصف سنة ضوئية في الثانية، أي ما يقطعه الضوء في أكثر من نصف سنة يقطعه هذا الملك العجيب في الثانية، شئ مخيف، إذن قطعاً يؤكد القرآن لنا بأن هناك سرعة أكبر من سرعة الضوء.

وهذه مشكلة بعض المتعلمين عندنا، يعارضون القرآن بالعلم، يقولون قال أينشتين كأنه نبي أو نصف آله، أينشتين نفسه في معادلات النسبية قال بإمكانية وجود أجسام فرضية مفترضة ذات كتلة تخيلية أي بالسالب، فكتلة الفوتون صفر وهناك كتل تخيلية بالسالب كالبوزيترون نسميه "تاكيون"، وهذا يمكن أن يسير بسرعة تفوق سرعة الضوء، إذن هناك إمكانية طبيعية فيزيائية، إقرأوا كل كلام أينشتين، ولكن هذا "التاكيون" لم نراه وممكن أن ينتمي لعالم آخر، تماماً مثلما تنبأت نظرية "الوتر الفائق" وهي نظرية حديثة جداً في تفسير الكون، تنبأت هذه النظرية بوجود كون سداسي الأبعاد متداخل مع كوننا، السرعات فيه تجاوز سرعة الضوء، لكن في كلتا الحالتين سرعة الأشياء أو الأجسام أو الأحداث في هذا الكون السداسي المتداخل مع كوننا، وسرعة "التاكيونات" لا تخضع لقياساتنا، إذن هناك إمكانية رياضية علمية لوجود سرعات تفوق سرعة الضوء.

[faissal]

الآن نتساءل ما الذي يمنع أن تكون الملائكة والروح وأشياء كثيرة تنتمي إلى عوالم أخرى من جنس "التاكيونات" ذات كتل بالنسبة لعالمنا تعتبر كتل تخيلية، وبالتالي تسير بسرعة تفوق سرعة الضوء، إذن هناك إمكانية فيزيائية، على الأقل هناك إمكانية لتصور هذه القضية، وبعد ذلك يمكن أن نخلص إلى أن سرعة الضوء تدعيماً للمفاهيم النسبية هي: "الحد الذي لا يمكن لأي جسم أو جسيم في عالم الشهادة في عالمنا أن يتجاوزها"، وفي الوقت نفسه يؤكد القرآن ذلك عندما قال الله تعالى {ألف سنة مما تعدون}، وفي عالم آخر ليس مما تعدون يتجاوز ذلك بكثير {خمسين ألف سنة}، والفيزياء الآن تؤكد ذلك، إذن في عالمنا هذا المشهود سرعة الضوء برزخ لا ينبغي لأي جسم أو جسيم أن يتجاوزها وينبغي ألا تنزل عنه سرعة الملائكة.
الآن الذي حدث لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أُسري به بوسيلة لكن عرج به بوسيلة أخرى، حين أُسري به كان على متن البراق، والبراق كلمة مشتقة من البرق، أي تحرك من الحرم المكي إلى المسجد الأقصى بسرعة الضوء على ظهر هذه الدابة، لكن هذه السرعة ليست ملائمة ولا مناسبة لكي يقطع بها الأكوان وقد انتهى دور البراق، هنا أوتي بالمعراج، فقد قال عليه السلام: "ثم نصب لي المعراج"، فالمعراج كأنه آلة، لأننا نحن كعرب ونعرف اللغة العربية أو نتزوقها ولو بعض التزوق، فالمعراج لدينا مصدر ولكن هنا جاء إسماً، عرج عروجاً، وقد يكون إسم مصدر، لكن حسب ما تنص عليه الأحاديث وكتب السيرة، المعراج هو آلة، مركبة فضائية أو فوق فضائية، المهم هو آلة.
قال عليه السلام ثم نصب لي المعراج، هو تحرك في هذا المعراج مع جبريل وكان في رفقة جبريل، هذا أكيد جبريل أبو السرعة القصوى، عنده 600 جناح وأعظم الملائكة، تخيل إذا كان لديه 600 جناح، بالطبع ستتضاعف السرعة، لكن كيف؟ الله أعلم، فقد تصل إلى 18 250 000 سرعة الضوء، أي أكثر من نصف سنة ضوئية في الثانية الواحدة.

الآن ما الذي يحدث لو أن إنساناً سافر في عالمنا هذا بسرعة أكبر من سرعة الضوء إفتراضاً، وهذا مستحيل لكن نفترض ذلك، واحد يقول هل النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج من هذا الكون بالمعراج جاوزه إلى أكوان أخرى؟ لا مش شرط، الآن الأفكار المعقدة الحديثة جداً في علم الكونيات وخاصة النظريات هذه التي تختص بالأبعاد وبالأكوان النقيضة أو الضد، كلها تؤكد أنها عوالم متداخلة، مش شرط أنك تتخيل أنها إسطوانه وأن النبي عليه السلام لابد أن يقطعها من أولها إلى آخرها إلى السماء الثانية ثم إلى أكوان أخري، لا، فعلم الكونيات يقول إنها متداخلة، ممكن أن يكون بهذا المعراج، الله أعلم بأي حركة بأي طريقة في أي إتجاه بأي قانون بأي معادلة، يتحرك حركة فيصير في بعد آخر وينتمي إلى عالم آخر إلى قوانين أخرى، يتحرك على إثرها مباشرة بسرعة تفوق سرعة الضوء وفي عالمك هذا لكن ضمن أبعاد الكون.

قلنا إن روجر بن روز من أكبر العلماء في هذا الصدد ويعمل مع ستيفن هوكنج سوياً وأصدرا كتاباً سوياً حديث عن الزمان والفضاء، قال هذا الرجل أنه لابد أن نفترض أكثر من بعد وأن ندرس هذه الأبعاد على الأقل على المستوى النظري الرياضي، لأنه يوجد في الكون ظواهر تؤكد علينا مثل هذا الطرح أو التصور، أن هذا الكون يحتوي على أبواب وعلى شبابيك وعلى مداخل غير مرئية ولا تخضع للفيزياء العادية في هذا العالم، وبالتالي يسهل علينا أن نتصور وجود الملائكة وكذلك وجود الجن، فلا تتخيل الكون هذا التخيل الساذج البسيط، الأمر أعقد وأبسط من ذلك بكثير.

السؤال هنا، هل سيبحر إلى المستقبل أم سيبحر إلى الماضي؟ سيبحر إلى الماضي باعتبار وإلى المستقبل باعتبار آخر، كيف؟ لو سلطنا ضوء على تمثال الحرية مثلاً فسينعكس الضوء ويعطي صورة، وهذا الضوء يظل ماشياً إلى ما شاء الله وهو مطلق، ويريد أن يتجاوز الأرض الآن، نفترض أنه ذهب إلى مجرة أخرى تبعد عنا 2,3 مليون سنة ضوئية (المرأة المسلسلة مثلاً) أو كما تسمى "أندروميدا"، الآن لو أنت سافرت بسرعة الضوء أو أقل منها، لا يمكن أن ترى هذا الحدث، لكن لو سافرت بسرعة تفوق سرعة الضوء وذهبت إلى مجرة "أندروميدا" وسبقت الضوء الخارج من تمثال الحرية وانتظرت، ممكن أن يأتيك بحسب الفارق، وترى تمثال الحرية كما كان من 2,3 مليون سنة، أي أنك ترى الماضي، وبالتالي يمكنك أن ترى يوليوس قيصر يُغتال في بابل، وكذلك محمد صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يخرجان مهاجران من المدينة إلى الغار، وهكذا يمكنك رؤية خروج موسى وبني اسرائيل من مصر وانفلاق البحر، وحينئذ سيختفي علم التاريخ، حقائق التاريخ ستصبح هي الحاضر، الآن المشكلة هو أني رأيت الماضي، فماذا لو عدت إلى الأرض؟ خلاص، أنت ستجد الأرض بعد 2,3 مليون سنة، إذن أنت تعيش في مستقبل الأرض وأنت في الحاضر، أي أنك تعيش في المستقبل، لكن بغير إمكانية للإرتداد، تعيش مستقبل الأرض في حاضرك أنت، شئ غريب.

طبعاً عندنا مفهوم الحاضر مفهوم إنتزاعي وغير دقيق، قلنا ما هو زمن الحاضر؟ قال بعضهم 1 على 10 من الثانية، هذا كلام فارغ، ثم قالوا كم يقطع الضوء قطر الألكترون؟ في لا زمن، قالوا دعونا نجعلها أصغر وحدة زمنية "كرون"، وتكون النتيجة: 10 مرفوعة للأس السالب 24، يعني ذلك أن الضوء يقطع قطر الألكترون في جزء من مليون مليون مليون مليون جزء، ونقول هذا هو الحاضر.

نعود إلى ما كنا فيه، النبي صلى الله عليه وسلم رأى ليلة الإسراء والمعراج الجنة وأهلها ورأى النار وأهلها، وقطعاً رأى أناس يعرفهم يعذبوا، إذن النبي عليه السلام أبحر في المستقبل، فالشئ الذي لم يحدث كيف يُرى قبل أن يحدث؟ ومن قال أنه لم يحدث، يبدوا أن الأمور كلها موجودة، وهذا التفريق في تسلسل الأحداث يلتقطه وعي الإنسان وذاكرته وإدراكه فقط، كل شئ موجود ومتاح.

هناك جزء واحد في الإنسان ويسمى لدى علماء الباراسيكولوجي الجزء المتحرك للوعي أو الإدراك، ربما الروح السر العجيب في الإنسان، السر الإلهي، وهو جزء غير متزمن ولا يشيخ ولا يكبر أبداً، سر جوهري كبير في الإنسان، هذا الجزء المتحرك للوعي والإدراك ممكن أن يتحرك في شبكة الأحداث، في شبكة النسيج الكوني ويلتقط الماضي ويلتقط الحاضر ويلتقط المستقبل في نفس اللحظة، وهذا يصير مع بعضنا في الأحلام والرؤى الصادقة، نرى أشياء لم تقع ثم تتحقق كما رأيناها بعد عشر أو عشرين سنة.

هل الزمان الفيزيائي زمان باطني داخلي أو زمان خارجي أقرب إلى الموضوعية؟ طبعاً خارجي أقرب إلى الموضوعية، ولذا يمكن قياسه بوسائل مختلفة من وسائل القياس لسنا معنيين الآن بسردها، هناك زمان باطن منسوج فينا وهذه تعبيرات رمزية وبلاغية غير علمية، نحن مطبوعون به داخلنا باطنياً كأنه مع جيناتنا، كأنه مع خلايانا الحسية، يمكن أن نسميه الزمان الحي أو الزمان الحيوي أو البيولوجي.
نحن ننظم إيقاع نشاطاتنا اليومية عبر الزمان الميقاتي (الساعة، الليل والنهار ..الخ)، لكن أحياناً وهذا يحدث لـ 7 % من الناس على الأقل وجرَّبه تقريباً كل الناس، ويحدث بشكل دائم لـ 7% من الناس، بعيداً عن هذا الزمن الميقاتي لكن متأثرين به، نستطيع أن نضبط إيقاع حياتنا أو يقظتنا أو نومنا مثلاً، فإذا أراد شخص أن يستيقظ مثلاً الساعة الخامسة والنصف، تجده يقوم من نومه قبل ذلك أو بعده بـ 5 دقائق فقط من غير ساعة ولا منبه ولا أي وسيلة من وسائل الإيقاظ، وهذا يحدث لـ 7 % من الناس.

كيف ذلك؟ هل في المخ عداد من الداخل، أو هل هناك جينات معينة في خلاياه؟ إفترض العلماء شئ موهوم، لكن هذا الشئ الموهوم تبرره أمثال هذه المظاهر التي سنتوسع في شرحها وسموا هذا الشئ "الساعة البيولوجية" أو الساعة الحيوية، قالوا إن عندنا في أجسامنا هذه الساعة الحيوية لكن لا نراها، هل هي تشريحية أم وظيفية؟ وظيفية، وربما أمكن في المستقبل إثبات وجودها على مستوى الجينات فعلاً، لكن حتى الآن لم تثبت.

هل هي موجودة عند الإنسان فقط؟ لا، موجودة عند النبات أيضاً وفي الحيوانات، وتعلمون أن هناك بعض أنواع النباتات والأزهار تغلق مع إقبال الليل والعكس مع النهار، وهناك نباتات تفعل العكس، فلولا هذه الساعة البيولوجية لدى الحيوانات والنباتات لانقرض أكثرها من على وجه الأرض، لا تستطيع أن تعيش، لأن الحياة على الأرض شبكة متواصلة ومعقدة ومتراكبة ومترابطة، حياة حيوان مربوطة بحياة نبات وحياة نبات مربوطة بحياة حيوان ثاني وحياة هذا الحيوان مربوطة بحياة الحيوان الأول، كلها مربوطة بعضها ببعض، فلابد له من ساعة داخلية تدله على تنظيم حركته، متى يهاجر ومتى يهرب ومتى يتزاوج ومتى يبحث عن بيضه، هناك مثلاً بعض الحيوانات الضخمة كأنها أحفاد الديناصورات، تضع بيضها وتدفنه وتتركه ثم تعود إليه بعد 9 شهور وأيام وساعات محدودة، تفعل ذلك كل سنة.

[faissal]

وكذلك هجرة الكابوريا، تهاجر في أوقات محددة ولها إرتباط دقيق مع دورة القمر في ليلة محددة حتى تصل إلى جزيرة الكريسماني وتضع بيضها في هذا الوقت المحسوب مع المد والجزر وألا سوف تهلك كلها، وكذلك هناك نوع معين من الأوز يعيش على الشواطئ الغربية لسيبيريا، لاحظ العلماء أن هذا الأوز قبيل حلول فصل الشتاء يتصرف وكأنه تخبَّل أو داخله مس من الشياطين، يتصرف بتصرفات غير مفهومة، هذا الأوز لا يستطيع أن يتحمل درجة البرودة القارسة في فصل الشتاء ولابد له أن يهاجر جنوباً مسافة تمتد 4000 كيلومتر حتى يحط رحاله على شواطئ نهر الجانج بالهند، الغريب أنه يسير في جهة الجنوب سيراً على الأقدام في جماعات، تبلغ الجماعة أحياناً 100 000 وزة، فتتعرض للكلاب البرية وللوحوش والسباع، فيهلك منها عدد كبير، يسير 160 كيلومتر بمعدل كل يوم 15 كيلومتر فقط، أي يلزمه 11 يوم تقريباً لقطع هذه المسافة، فيصل وقد أنهكه التعب وبعد هلك الكثير منهم، فيأتي إلى بحيرة يلتقي بنفسه فيها بضعة أيام فيسترد عافيته ثم يبدأ تكملة المشوار نحو الجنوب لكن تحليقاً حتى نهر الجانج وتنتهي الرحلة.

كل مفهوم هذه القصة هي الـ 160 كيلومتر هذه، فقد لاحظ العلماء أن له موطن آخر غير سيبيريا غلبه عليه الإنسان، ويعيش في هذا الموطن فترة الربيع والصيف والخريف قبل حلول فصل الشتاء، فيعيش ويتكاثر ويتناسل، منذ ملايين السنين تعيش أجدادهم في هذا المكان حتى جاء الإنسان واستعمر الأرض وخرَّبها وغلبه عليه وحركه بضع مئات من الكيلومترات من الشمال للجنوب وهي تساوي فارق توقيت، وكأن الشتاء حسب الساعة البيولوجية الداخلية قد تقدم 10 أيام، ويتحرك هذه المسافة مشياً لأن صغاره لم يكن قد اكتمل نموها ولا تستطيع الطيران، ولما يصلوا إلى هذه البحيرة بعد 10 أو 11 يوم تكون الصغار وقتئذ قادرة على التحليق.

إذن لو لم تكن هذه الحيوانات تمتاز بهذه الخاصية الباطنية العجيبة لا نقرضت منذ زمن بعيد، وكذلك دودة في باطن الأرض لا تسمع ولا ترى، كيف تنظم حياتها بهذا الشكل العجيب، فلا دخل للشمس هنا ولا للقمر، سبحان الله!

نعود إلى هذا الإنسان العجيب، فالإنسان عنده هذه الظاهرة بشكل واضح جداً، الآن لو جرَّب أحدكم وسافر في طائرة نفاثة من الشرق إلى الغرب أو من الغرب إلى الشرق مسافة بحيث يفترق معه التوقيت 10 أو 12 ساعة، ماالذي يحدث له؟ تحدث له ظواهر عصبية وفسيولوجية غريبة جداً جداً، ويشعر أحياناً بالجوع الشديد مع أنه قد يكون قد أكل منذ ثلاث ساعات، وقد يشعر بإعياء وتعب غير مفسَّر وقد يكون نائم طيل الوقت في الطائرة، وقد يشعر بالبلادة الذهنية.

ولذا فإن علماء النفس الصناعي وعلماء الطب المهني ينصحون أصحاب القرارات الخطرة على مستوى الإقتصاد والسياسة والتجارة بألا يقدمون على أي قرار إذا سافروا من الشرق للغرب أو العكس، ولا يوقِّعون على أي عقد مطلقاً على الأقل قبل أن تمر عليهم 24 ساعة، ما أساس هذا الخلل؟ الساعة البيولوجية.
في آواخر عام 68 وأوائل عام 69 قام العلماء بالتجارب على شخصين عُزِلا في كهفين لمدة 5 شهور عزلة تامة عن العالم بهدف إختبار تأثر الساعة البيولوجية الداخلية بإعادة ترتيب الإيقاع اليومي للحياة، قالوا في هذه الـ 5 شهور: صار اليوم يومين، أي أصبح اليوم 48 ساعة، ولوحظ فعلاً بعد فترة معينة أن الجسم والساعة البيولوجية قد تأقلمت على هذا الوضع الجديد وأصبح يأكل كل منهما ثلاث وجبات فقط في الـ 48 ساعة، وينام كل منهما من 16 - 12 ساعة، ويشعر كل منهما حين يستيقظ كأنه نام من 10 - 8 ساعات على الأكثر، في حين أنه نام 16 ساعة، ويعمل بيقظة وكامل كفاءة من 32 -28 ساعة، إذن فعلاً يمكن إعادة لبرمجة هذه الساعة البيولوجية.

قال العالم الألماني فون هويمر في كتابه "أطفال الكون"، وقد تكلم في أحد الفصول عن الساعة البيولوجية وقال: "هذا الإيقاع الذي نعيشه وهو لا يلائم طبيعتنا ويسلخنا عن نظام الطبيعة ودورة الليل والنهار".

ويتساءل هويمر، "من منا يأكل حين يشعر بالجوع، أم يأكل حين تلزمه اللوائح بذلك"، الإيقاع الجديد للحياة (مصباح أديسون)، هذا الذي جعلنا نحيل الليل نهاراً وهذا ليس في صالحنا، فقد صارت ساعات النهار دائماً أطول من ساعات الليل بغض النظر عن الصيف والشتاء، هل هذا يؤثر على أعصابنا وصحتنا النفسية؟ طبعاً لأنه مخالف لنظام الفطرة، قال الله تعالى: {ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه والنهار مبصراً}، كثير جداً من أمراض العصر النفسية سببها هذا الإيقاع المصطنع الجديد، ولذا يقول أحد علماء النفس عبارة طريفة جداً لا أنساها، أذكرها منذ زمن بعيد تقول: "ليس من قبيل المصادفة أن اخترع الإنسان برشامات ضد الأرق وتهدئة الأعصاب، وبرشامات إستجلاب النوم مع ظهور المصباح الكهربائي"، لأن هذا النظام الصناعي الجديد أتعب أعصاب الإنسان وسلخه عن نظام الطبيعة.

المفروض أن هذا هو نظامنا كمسلمين، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان لا يحب السمر بعد العشاء، كان يسمر بعض الأحيان ولكن قليل جداً، ليس حرام ولكن نادراً جداً، ففي ليلة المعراج عندما قُدِّم له كوبان وفي رواية ثلاث أكواب، كوب فيه ماء وكوب فيه خمر وكوب فيه لبن، فاختار اللبن دون الماء والخمر وفي هذا إشارة واضحة إلى أن الإسلام يسلك بأتباعه الطريق الوسط بين طريق الرهبانية وطريق اللذة، إشارة أخرى صرح بمعناها جبريل عندما قال: لقد اخترت الفطرة، وفي هذا هداية الأمة.

لماذا يدل اللبن على الفطرة؟ لأن اللبن مادة طبيعية لم تخرج عن أصلها، خلقها الله لبن وظلت لبن، لكن هل كان الخمر خمر؟ لا، كان عنب وخمروه وأخرجوه عن أصلة وسموه خمر، أما الفطرة فهي المادة التي لم تتغير طبيعتها {فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله}، حتى الماء يمكن أن يتغير طعمه ولونه وريحه ومع ذلك يسمى ماء، هناك ماء مطلق وهناك ماء مضاف، ولو قلنا أنه لم يتغير، فاختيار النبي صلى الله عليه وسلم للبن هو اختيار للسلوك الوسط كما قلنا.

في الإنسان أشياء كثيرة تتأثر بإيقاع الزمن الباطن، من أشهرها دورة النوم واليقظة، فإذا تعودت مثلاً أن تنام كل يوم الساعة الحادية عشر والنصف، فقبل أن تتم الساعة هذا الوقت بقليل تجد عينيك تنغلقان وتجد رغبة شديدة في النوم، وشعور بالإعياء يستمر هذا الشعور حوالى ساعة تقريباً، وإذا تحديت هذه الأعراض ممكن تختفي ويعود إليك نشاطك وكامل اليقظة ويمكنك أن تواصل، ويشعر الجسم بالراحة مع أنه لم يأخذ قسطه من النوم.

كل هذه الظواهر التي مرت هي مؤشرات زمنية لها علاقة بالساعة البيولوجية الداخلية، كذلك يلاحظ على الشخص الذي تعوَّد أن ينام ويصحى في ساعة محددة، لو أنه تأخر ليلة ونام بعدها بأربع ساعات وبدلاً من أن يستيقظ الساعة الثامنة، يستيقظ بعدها بـ 3 أو 4 ساعات، إلا أن الإيقاع الداخلي يظل يعطيك إشارات حتى تستيقظ في نفس الميعاد.

كذلك الطمث عند السيدات، من 30 - 28 يوم، هي دورة قمرية، وتأتي الهرمونات لتلعب لعبتها، هرمون يطلع وهرمون ينزل، من أصعب الأجهزة في جسم الإنسان هي الأجهزة الهرمونية، لذلك فالعلاج الهرموني صعب جداً وعنده مشاكل وافتراضات غريبة جداً، لأن الهرمونات لا تعمل منفردة ولكن تعمل كسيمفونية، شئ معقد جداً وصعب لا تستطيع أن تتحكم فيه أنت، الله هو الذي يتحكم فيه، وهذه الظاهرة الغريبة تفرز لنا ظاهرة الطمث بتوقيت معين، فكل يوم من الساعة 4 - 2 صباحاً تبلغ درجة حرارة الجسم أدنى درجاتها، هكذا خلقها الله، ولذا تطرقنا النوائب والأحداث الأليمة في حياتنا في هذا الوقت أكثر من غيره، كالأزمات القلبية والولادة، فأكثر حالات الولادة تتم في هذا الوقت لأنها تأتي في وقت انخفاض حرارة الإنسان مما يؤثرعلى مقاومة الجسم ككل، مسألة إيقاعية.

الآن ثابت في علم الأدوية أن الجسم الإنساني يتفاعل مع الدواء تفاعلات متفاوتة مختلفة بحسب أوقات النهار والليل، كذلك التحسس للأشعة السينية يختلف من وقت لوقت، وإفراز الغدد يختلف كذلك من وقت لآخر، ويكون أكثر شئ في الصباح، لأن الجسم يعلم أنه سوف تقابله مشاغل كثيرة، أشياء كثيرة جداً مضبوطة بالساعة الداخلية البيولوجية للجسم، هل هي ساعة فطرية؟ لا ساعة مكتسبة يكتسبها الجسم لكن عبر أنظمة الحياة المرعية، كالذين ناموا في الكهف، فلو علمتنا الحياة أن اليوم 72 ساعة، يصير اليوم 72 ساعة، لكن اتفق الناس على أن اليوم 24 ساعة وضبطوا أمورهم وأحوالهم على هذا، فهم يستطيعوا أن يفعلوا العكس وسيكتسبها الإنسان، ولذا فإن هذه الدورات الحيوية البيولوجية في جسم الإنسان تنشأ في أوقات متفاوتة ثم تثبت تقريباً، النبض أداء إيقاعي معروف كم نبضة في الدقيقة عند البالغ وكم عند الصغير، هل لهذه الأشياء تأثير على شعور الإنسان بالزمان؟ نعم، ولكن أي زمان؟ تسلسل الحوادث.