صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12
النتائج 16 إلى 27 من 27
  1. #16
    الصورة الرمزية faissal
    faissal غير متواجد حالياً عضو المتداول العربي
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    الإقامة
    فينا- حلب الشهباء
    المشاركات
    8,737

    افتراضي رد: هل للزمان وجود حقيقي؟ وماقيمته واثره

    نعود لما كنا فيه، فمثلاً موضع النبض أو الإيقاع النبضي هذا يصاحبنا منذ الأسابيع القليلة الأولى من حياتنا التخلقية في الرحم، ثم يصاحبنا إلى أن نموت، لكن الدورة التنفسية مثلاً لا تصاحبنا إلا بعد ولادتنا بوقت قصير جداً مع أول صرخة، ففي بعض الأشياء تتم من أسبوعين إلى خمسة أسابيع كدورة التبول، هناك هرمون الأدرينالين الذين يتم بعد ثلاث سنوات، والأيونات التي تدل على النشاط العصبي والعضلي، هذه من سنة ونصف إلى سنتين من ميلادك ثم تصير دورة بعد ذلك وتصاحبك إلى أن تموت.

    هل يمكن أن يضبط هذا الزمن بكل مؤشراته بالزمن الميقاتي؟ لا غلط، فربما قال قائل نحن نعرف مثلاً كم نبضة للقلب في الدقيقة، كل 3,4 ثانية دورة تنفسية، هذا في إطارك أنت ولكن لو تعمقنا في الدراسة فإن هذا ليس كالزمان الطبيعي الظاهري الخارجي الموضوعي، هذا زمان داخلي، زمان النظام الحيوي الداخلي، زمان الجسم، زمان الباطن، لابد أن يكون له إطار مرجعي مختلف، بمعنى أنه يمكن أن يكون الإطار المرجعي للزمان الفيزيائي حركة النجم، حركة الأرض، حركة القمر وأضبطها حركة النجم، لأن كل نجم يمر في خط الزوايا الفلكي في وقت دقيق جداً جداً، لذا فإن ساعاتنا هذه مضبوطة على النجم، وهذه كلها كما قلنا لا تصلح لقياس الزمن الباطن، كيف؟ ماهو الإطار المرجعي الذي يمكن أن نستخدمه لقياس الزمن الباطن والوظائف والأداءات البيولوجية الحيوية المختلفة؟ أشياء كثيرة، ممكن أن يكون وزن الجسم أو وزن الدماغ ضمن أشياء أخرى، أو نبضات القلب مثلاً.

    دعنا نرى النبض عند الإنسان (0,973) من الثانية، لكن عند الفأر (0,111) من الثانية، أي في وقت أقل، إذن يكون عدد النبضات في الدقيقة أكثر عند الإنسان بكثير.
    إلى الآن ما هو الإطار المرجعي لتوصيف هذا الأداء البيولوجي؟ الساعة، فكل 3,4 ثانية تكتمل الدورة التنفسية عند الإنسان، أما عند الفأر ففي زمن أقل من ذلك، الشئ الغريب هنا هو أنه لما قسمنا زمان الدورة التنفسية على زمان نبض القلب كان الحاصل هو 4 في الإنسان وفي الفأر، وهناك مفاجأة أكبر من ذلك، ففي كل الثديات مثل: القرد، الضفدع، الحوت، الأبقار ..الخ، إقسم زمان الدورة التنفسية على زمان نبض القلب يكون الحاصل 4 تقريباً، إذن يجب هنا أن نتخذ إطاراً مرجعياً جديداً لقياس كل صنوف الأداء البيولوجي في الإنسان.

    الزمان الباطن لابد أن يكون له إطاراً مرجعياً خاص به، ألا وهو إلى الآن نبضات القلب، ما هو السر في ذلك؟ هناك سر كبير جداً، هناك صفات مشتركة في الظاهر، والله يقول لنا أن هناك صفات مشتركة في الباطن أيضاً.

    نريد هنا أن تؤكد حقيقة ذكرناها قبل ذلك، وقلنا لا تغتر ياإنسان وتحسب أن الذباب يعيش فترة أيام قصيرة وأنت تعيش 60 سنة، لا، فقد أعطاهم الله نفس العمر، نعم هو يعيش أيام قليلة لكن عنده إيقاع حياة سريع جداً، وكيف يكون شعوره بالزمان مع هذا الإيقاع السريع حساس أو غير حساس؟ وعندما يكون شعوره بالزمان جداً حساس، هل يمر الزمن بسرعة أو ببطئ؟ ببطئ، هذا المبحث له بعد سيكولوجي وإجتماعي وسوف نتطرق له في حينه بعد ذلك.

    الذي أود أن أقوله هنا هو عندما يكون إيقاع الحياة عندك سريع وفي نشاط وفي غزارة وفي إنتاج وفي فعل، ما الذي يحدث؟ ترتفع حسَّاسيتك للزمان، وتشعر أن الزمان يمر ببطئ جداً، دعونا نتوغل أكثر، عند علماء الصيدلة والدواء إصطلاح إسمه "نصف عمر تخلص الجسم من الدواء"، الدواء له عمر كموني في داخل الجسم، بعدها يبدأ الجسم في التخلص من هذا الدواء عن طريق الكبد والكلى، فالعلماء يبحثون في نصف عمر تخلص الجسم من الدواء، فقد أحضروا مضاد حيوي معين وحقنوا به الإنسان والفأر والقرد والكلب وعدة حيوانات، طبعاً سيختلف نصف العمر من حيوان ثدي إلى حيوان ثدي آخر، وذلك في الزمان الميقاتي، لكن بالنبضات نفس الرقم عند الجميع 7523 نبضة، أي يكون الجسم قد تخلص من نصف كمية الدواء في الجسم بعد هذا الكم من النبضات.
    توغَّل العلماء بعد ذلك أكثر وقالوا دعونا نأخذ إطار مرجعي جديد وليكن الوزن مثلاً، لاحظوا أنه لو أخُذ وزن حيوان وراقبنا تأثر الحيوان بالدواء وفترة الكمون ونصف العمر، قالوا إنه يمكن أن تكون هناك علاقة، وعن طريق هذه العلاقة يمكن أن نعرف أو نتنبأ بحجم ووزن الهيكل العظمي، وإيقاع النبض القلبي، بمتوسط العمر، وبالتالي يمكن أن نخلص إلى معادلات خطية بسيطة وسهلة يسهل تدعيمها بحيث أننا نقوم بالتجارب على على حيوانات لا تساوي شيئاً للإستفادة منها فيما يخص الإنسان وعالم الإنسان، دون أن نجعل الإنسان موضع للتجارب، قالوا لا، هنا يصير حيود بسيط عن مقتضى هذا الكلام وهذه المعادلات في الإنسان فقط وجربوها، لماذا؟ لأن الإنسان مازه الله من بين سائر الحيوانات بميزتين:
    الميزة الأولى: أن متوسط عمره أعلى من أكثر الحيوانات، الميزة الثانية: وزن الدماغ إلى وزن الجسم أعلى من بقية الثديات، وقالوا سيأخذ بهذين الإعبارين، ولما أخذوهم وأدخلوهم اختفت ظاهرة الحيود.

    كيف وصلوا إلى هذه العبقرية الممتازة، وكله في خدمة ومصلحة الإنسان، وكل ذلك عبر إعتماد أُطر مرجعية جديدة للزمان الباطن، وهذا ما يسمى لدى بعضهم بالنسبية البيولوجية أو بمعنى أخص "النسبية الفسيولوجية".

    ما هي النسبية البيولوجية أو الفسيولوجية؟ تعنى أنك تقيس الأداء للهرموني المختلف (التنفس، النبض، الهرمونات ..الخ) أي شئ للإنسان بمراعاة تكرار ظاهر عضوية أو فسيولوجية واحدة، وتصدق معنا.


    يبدو أن هناك فعلاً زمناً فسيولوجياً وساعة بيولوجية ولها إطارها المرجعي ولها فعلها الخاص ولها إيقاعها الخاص ولا يصح أن نقيسها بالزمان الميقاتي المعروف، ولذا تستطيع أن تفهم بعمق كلمة أينشتين صحب النسبية حين قال: "كل نظام زمني لا يمكن أن يُفهم وأن يقاس زمنه على وجه الدقة والتحديد إلا بالنظر إلى إطاره المرجعي الخاص به"، فلا تجعل هناك إطاراً زمنياً واحداً وتقيس عليه جميع الظواهر الزمنية، غلط، فكل مجموعة معينة لابد أن يكون لها إطارها المرجعي الخاص بها.

    نعود الآن إلى مسألة تأثر شعور الإنسان بالزمان الداخلي، طبعاً شعوره بالزمان الداخلي سيخضع للزمان الميقاتي، عندما ترتفع حرارة الجسم مثل نوبات الحمى مثلاً، شعورك بالزمان حسَّاس أم لا؟ حسَّاس طبعاً، بدليل أنه في هذه النوبات تحس أن الزمان كأنه متوقف، فتشعر أنه مر عليك في الفراش 10 ساعات وفي الحقيقة هي ساعة ونصف فقط، إذن من هنا نستطيع أن نفهم شيئاً، أي دواء أو أي عقَّار يمكن أن يرفع حرارة الجسم سيؤدي إلى نفس النتيجة أي إلى إرتفاع حسَّاسية الإنسان بالزمان، ولذا نستطيع أن نفهم فقط في هذا المستوى أن الأطفال يشكون دوماً من تلكأ الزمان، والسبب العضوي لهذه الظاهرة عند الأطفال أن درجة حرارة الطفل أكثر من درجة حرارة البالغ، ولذا فإن تعاطي بعض العقَّاقير يؤدي لنفس النتيجة.

    الشيخ الكبير على المستوى السيكولوجي وعلى المستوى الفسيولوجي العضوي، تكون حركته أقل من الراشد وأقل من الطفل، كيف يكون شعوره بالزمان؟ سريع، فالشيخ يشعر أن الزمان يمر بسرعة جداً بعكس الطفل، وهناك تجربة على النحل، بعد أن أحضر العلماء مجموعة من النحل وعوَّدوه لفترة أشهر أن يغتذي في ساعة معينة، ثم أحضروا نفس النحل ووضعوه في جو حار دافئ، فكيف تكون حسَّاسيته للزمان؟ حسَّاسة، أي يمر الزمان ببطئ، لذا لما باتت في جو دافئ جاءت مبكراً، ثم فعلوا العكس بعد ذلك ووضعوا النحل في جو بارد فجاءت متأخرة.

    فبعض العقَّاقير تسرع من عمليات الأيض، وعندما تسرع يصير الإحساس بالزمان مرهفاً وبالتالي نشعر بالزمان يسير ببطئ، حتى أن بعض العقَّاقير يمكن أن تشوه شعورنا بالزمان، عكسها تماماً أكسيد الأزوت (النيتروجين) أو نقص الأكسجين، ماذا تفعل عند الإنسان؟ تبطئ عملية الإستقلاب، فيشعر الإنسان مع تبلد حساسيته للزمان بأن الزمان سريع جداً.

    الزمان نفسياً واجتماعياً:


    تحدثنا عن الزمان من وجه نظر فيزيائية أو طبيعية ثم من وجهة نظر فسيولوجية أو بيولوجية أو حيوية، والآن نتحدث عنه من وجه نظر نفسية ثم إجتماعية.

    طبعاً هناك مجال رحب ومتسع للقول أن يُتحدث عن هذه المعضلة اللغز من وجه نظر فلسفية، كما يمكن أن يُتحدث عنه من وجه نظر إنتروبولوجية، أي التحدث عن مفهوم الزمان عند الشعوب المختلفة في خلال الحقب التاريخية المختلفة.

    مامعنى الزمان نفسياً؟ عرف رائد علم النفس العالم السويسري التطوري الشهير جان بياجيه بقوله إنه إدراك تتابع الحوادث زمنياً كما يُحس بذلك نفسياً، وتتابع الأحداث هو الذي يمكننا من أن نجرد منه مفهوم الزمان، إذن مفهوم الزمان قضية إفتراضية وليست قضية موضوعية جامدة موجودة في الوجود، فهذا التتابع الحادثات زمنياً كما نُحس به نفسياً هو معنى الزمان السيكولوجي، وقد يكون التحدث عن الزمان السيكولوجي من أوضح ما تحدثنا لأنه يستند إلى خبراتنا المباشرة، كل منا له خبرة وخبرات متواصلة منذ طفولته ولكنها متطورة ونامية كما سنوضح.

    في زمان ألبرت أينشتين كُتب عن النسبية 4000 كتاب ودراسة، لكن كان هذا الفيلسوف والعالم الحكيم وبلا شك كان يتصف بقدر من الحكمة، كان إذا أراد أن يوضح وأن يبين نظربته البالغة التعقيد للعامة، فكان يقول بنوع من التظرف: "إذا جلست مع حسناء فاتنة ساعتين فإنهما تمران كدقيقتين، وإذا جلست دقيقتين على موقد (فرن) فإنهما تمران كساعتين"، وهذا حق فاللحظات السعيدة تتفلت منا وتهرب سريعاً ونحن نتابعها ولكن لا ندركها دوماً، هذا صحيح ولكن ليست هذه، هذا لا علاقة له بالنسبية، فالرجل كان يعلم بحكمته أن الجمهور وعامة الناس لن يستطيعوا فهم النسبية مهما حاولوا لأن فكرتهم حتى عن الزمان من ناحية علمية وموضوعية منعدمة تقريباً، فالعامي يفهم الزمان الميقاتي، زمان الحائط، زمان المواعيد، زمان الساعة، والزمان النفسي.

    قال أمرؤ القيس:
    وليل كموج البحر أرخى سدولـه عليّ بأمـواج الهمـــوم ليبتلـي
    فقلت لــه لمــا تمطَّى بصلبه وأردف أعجـازاً ونـــاء بكلكـل
    ألا أيها الليل الطويـل ألا أنجلـي بصبح وما الإصبــاح مـنك بأمثل
    فيالك من ليـل كــأن نجومـه بكل مُغار الفـتل شــدت بيــذبل


  2. #17
    الصورة الرمزية faissal
    faissal غير متواجد حالياً عضو المتداول العربي
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    الإقامة
    فينا- حلب الشهباء
    المشاركات
    8,737

    افتراضي رد: هل للزمان وجود حقيقي؟ وماقيمته واثره

    هو يشعر كأن النجوم في تلك الليالي الحالكة الكئيبة، كأنها شُدت بحبال قوية إلى الجبال أو إلى جبل معروف، هذا هو الزمان النفسي، تشعر أنت بتتابع الحادثات كما لا يشعر بهذا التتابع أحد آخر مثلك، يختلف هذا الشعور، فربما يشعر هو بهذا التتابع سريعاً جداً جداً في ساعات الهناء والصفاء، أما أنت فتشعر به ثقيل باهظ وشديد الوطئ على النفس بشكل كوابسي، هذا هو الزمان النفسي ببساطة ويعرض لكل واحد منا.

    لكن هناك عدة معايير وعدة عوامل تدخل في هذه القضية وكلها تؤثر على إحساسنا النفسي بالزمان، مثلاً الحرص وهي لفظة عامة، حرص على إستدعاء وحرص على إستبقاء، يختلف الموقف، فحين تنتظر عزيزاً أو صديقاً أو إبناً لك قادم من سفر، فإن الوقت يمر بطيئاً يتلكأ، يصاب بالكساح، تنتظره نصف ساعة وكأنها 10 ساعات ولما يحضر بعد، ولكن حين تودع نفس الشخص بعد فترة معينة بعدما نعمت بصحبته، فاللحظات التي تحرص على إستبقائه وأنت في إنتظار السيارة أو الحافلة لكي تُقلِّه إلى المطار، تشعر أنها تهرب كأنها ثواني، فاأنت حريص على إستبقائه، وفي الأول كنت حريص على إستدعائه، في الحرص على الإستدعاء تطول اللحظات، وفي الحرص على الإستبقاء تهرب منا اللحظات، فالإنسان حينما يكبر ويمتد به العمر وتتقدم به السن يصير حريصاً جداً على العمر وعلى السن ويصير يكره الشيب ويكره من يسأله عن سنه ويكره من يذكره بالموت ويكره كل هذه المعاني وإن كابر وتظاهر بعكس ذلك، إلا أنه في الباطن يكره كل هذه الأشياء، لأنه شعر وهو في خريف عمره فعلاً هو على أعتاب قبره أن العمر يتفلت منه بسرعة مذهلة.

    قال الشاعر بن تريس شعر ما ترجمته:
    عندما كنت في المهاد أنام وأبكي كأن الزمان يزحف، وحين صرت صبياً أضحك وألهو وألعب كان الزمان يخطو، وحين رأتني السنون رجلاً قوياً أيِّداً كان الزمان يجري، والآن وأنا في خريف العمر فإن الزمان يطير.

    الإطار المرجعي مفروض أن يكون إطاراً واحداً هنا، ونحن فهمنا معنى كلمة الإطار المرجعي، لكن السياق والعوامل اختلفت هنا، هذا هو ببساطة معنى الزمان سيكولوجياً، تتابع الحادثات زمنياً كما نشعر ونحس به نفسياً، هذا هو الزمان السيكولوجي أو النفسي.

    طبعاً في القديم قبل أن يأتي هذا الرائد الكبير جان بياجيه رائد علم النفس التطوري، وهذا الرجل فلتة من فلتات الدهر كما قلنا أكثر من مرة، قدَّم إسهامات وأيادي مشكورة ومقدورة للعلم وبالذات علم النفس، قبل جان بياجيه كان العلماء حين يتحدثون عن النمو يكتفون بالطريقة الوصفية، مركزين على الوصف وإبراز مظاهر النمو المختلفة الجسدية والعقلية والإنفعالية والإجتماعية، وهذا هو علم نفس النمو، لكن لم يكن معظمهم قط معنياً بمسألة بروز وتطور المفهومات لدى الطفل، كمفهوم ثبات الأشياء، المكان، الزمان، الكم، الكتلة، الوزن، كل هذه المفاهيم وأكثر منها بكثير درسها بدقة عجيبة وبتعمق مغر هذا العالم الكبير، وقد قسَّم حياة الطفل إلى ثلاث مراحل مشهورة جداً:

    1. الحسية الحركية 2 - 0 سنة.
    2. مرحلة التفكير التصوري (مرحلة ماقبل التفكير العقلاني).
    3. مرحلة التفكير العقلاني العياني والتجريدي.
    وربط بين الجهد والسرعة والزمان، ودرس بدقة متناهية في المرحلة الثانية مفهومي التتابع ومفهوم المدة ووصل إلى نتائج مذهلة وعجيبة، ملخص هذه النتائج أن هذه المفاهيم مفاهيم إفتراضية بمعنى أن الإنسان لا يولد مزوداً بها، في القديم كان يُظَن أن الإنسان يولد وهو مزوداً بهذه المفاهيم بالذات مفاهيم الزمان، أي أنها مفاهيم فطرية، الإنسان يدرك القبل ويدرك البعد، لا مستحيل، يعنى بعض الناس قد يفترض أن الطفل ساعة ولادته وبفعل غرزي أو فطري محض فإنه يرتضع من أمه بمص ثديها، وحين يشعر بالشبع يتركه، بعد ذلك حين يشعر بالجوع فإنه يبحث عن الثدي، معنى ذلك أنه يدرك مفهوم التتابع، أي أنه إذا إرتضع يتأدى به إلى الشبع، غير صحيح، هذا الرجل أثبت أن هذا غير صحيح، والطفل يفعل ذلك بطريقة غرزية، لا علاقة لها بالإدراك على الإطلاق، وعنده تجاربه التي تؤكد ذلك، وهذه مجرد إفتراضات، ومعنى كونها إفتراضية أن الطفل يحتاج إلى وقت وإلى مدة حتى يبدأ في تلقن وفي تعلم هذه المفاهيم شيئاً فشيئاً بطريقة تطورية.

    يعنى الراشد منا لو سُئل حين نقدم الساعة في الربيع ساعة واحدة لتقفز من الساعة 11 مساءاً إلى الساعة12 منتصف الليل، هل يؤثر هذا على نمونا؟ لا، ليس له علاقة، هذه مسألة عرف واصطلاح، لا علاقة لها أبداً على سير الزمان فلكياً ولا فسيولوجياً ولا حتى سيكولوجياً، فهي مسألة إصطلاح، الطفل لا يدرك ذلك، أفادت نتائج الإستبيانات المختلفة أن ثلاثة أرباع الأطفال في مرحلة معينة إلى سن العاشرة يحسبون أن تقديم الساعة أو تأخيرها يتأدى ضرورة إلى التأثير على نموهم وأعمارهم، لكن في سن الثالثة عشرة 50 % بدأوا يدركون أنها قضية إصطلاحية مواضعاتية لا علاقة لها على الإطلاق بالطريقة التي تنمو بها أجسامهم، هذه مسائل إفتراضية تنمو بنمو مدركات الطفل ذاته، أو مع مدركاته، لذا فإن الخلاصة في علم النفس التطوري أن شعور وإدراك الطفل ووعي الطفل للزمان يعتبر وظيفة بلغة الفسيولوجي وبلغة الرياضيات دالة لنمو الطفل عقلياً، لذا نلاحظ في دراسات علم النفس أن كثيراً من الباحثين والعلماء يربطون في استبيانات إختبارات الذكاء بين الأمور المتعلقة بالزمان والدائرة على الحس الزمني وبين معدل ......

    إذن فالشعور والإحساس بالزمان هو دالة لنمو الطفل عقلياً، إذن لا يأتي الإنسان إلى هذا الكون مزوداً بالحس الفطري للزمان، بالعكس، أبداً، الآن سنلاحظ من خلال تقسيم كلامنا والتفصيل في بعض النقاط مصداق هذه المقولة.

    يمكن أن يُخدع الطفل مثلاً بإدخال عناصر لا علاقة لها بالموضوع في ذاته، فلا يستطيع من بعد أن يقدر التتابع تقديراً دقيقاً، مما يجعلنا نخلص إلى أن الطفل يريط بين مفهوم الجهد ومفهوم التتابع أي مفهوم الزمان، هناك تجربة شهيرة قام بها جاي بياجيه؛ لو أعطينا طفلاً 15 قطعاً صغيرة من الخشب وطلبنا منه أن ينقلها من الموضع (أ) إلى الموضع (ب) فإنه سيقوم بنقلها، ثم أعطيناه فرصة 5 دقائق وأعطيناه هذه المرة 15 قطعة لكن من الحديد لينقلها أيضاً من الموضع (أ) إلى الموضع (ب) فإنه سيفعل لكن ستتطلب جهداً أكبر، ثم سألناه أي الوقتين كان أطول، فسيكون جوابه بلا تردد أن الوقت الثاني كان أطول، وبنفس المنطق لو أننا طلبنا من الطفل أن يرسم في 5 أو 10 دقائق مجموعة من الخطوط ولكن بعناية فائقة وبتدقيق فإنه سيفعل، ثم طلبنا منه أن يرسم أكبر عدد ممكن من الخطوط في نفس الوقت فإنه سيفعل، ثم سألناه من بعد أي الوقتين كان أطول، فإنه سيجيب بلا تردد أن الوقت الثاني أطول لأنه رسم خطوط أكثر، أي أنه بذل مجهوداً أكبر.

    من سن 7 - 6 يبدأ الطفل في الإحساس بالقيمة المعيارية للثواني والدقائق، ويثبت هذا الشعور والتحسس في سن الثامنة، في سن الرابعة يدرك الطفل فترات زمنية أطول بشكل محدد، في سن الخامسة يغدو مدركاً للفصول (الصيف والشتاء ..الخ)، بعد ذلك يبدأ الطفل يعيِّن مناسبات معينة كمحددات في العام كرأس السنة أو عيد ميلاده أو كعيد الفطر لدينا وعيد الأضحى، لكن الغريب أنه حتى الثامنة لو سُئل عن حدثين من هذه الأحداث، فإنه لا يستطيع التراتب بينهما، مع أنه يعرفهما وينتظرهما ولكن لا يستطيع أن يدركهما معاً بحيث يضعهما في تراتب منطقي.

    عملية صعبة جداً جداً، حتى أن هناك أشياء في علم وظائف الأعضاء ولها علاقة لكن من طرف خفي ولو ذكرناها لطال بنا المقام، تشعرك أن كثيراً جداً من مفردات جهازنا الإدراكي أو الجهاز الواعي لا تحصل إلا بالنمو والتطور التدريجي ولا علاقة لها كما يحسب كثير من الناس بالفطرة أو الإلهام الداخلي، أبداً، مسألة تطور.

    يعنى لو افترضنا الآن مثلاً أن إنساناً وُلد أكمه، وهذا الإنسان لو في سن العشرين أنعم الله عليه بنعمة البصر وصار يبصر، سيجد صعوبة قصوى في تعليمه وفي تلقينه مفردات الحياة، مثلاً هو كان يعلم ويكتب ويردد أن هناك فاكهة تسمى البرتقال ويعلم أن البرتقال لونه برتقالي، وحين يبصر في سن العشرين سنقول له هذا هو اللون البرتقالي، فإذا أحضرنا له البرتقالة لن يستطيع أن يتعرف عليها إلا بلمسها، لأنه كان لا يتعرف عليها إلا بهذه الطريقة وهو أكمه، الآن يرى جميع الصفات أمامه، لكن لا يستطيع أن يجمع بينها بطريقة إدراكية واعية آكامية بحيث يفهم أن هذه هي البرتقالة التي كنا نتحدث عنها أو كان يعرفها إلا بلمسها، وسيأخذ سنوات طويلة وسنجد معه صعوبات تجعله بعد ذلك من العسير جداً أن يتكيف مع الحياة ومع الناس، من الصعب جداً، هذه أشياء لابد أن تكون في أول سني العمر.

    فعلم النفس التطوري يُعنى بدراسة مثل هذه الأشياء بدقة وبطريقة تجريبية، هذه خلاصة بسيطة جداً ومشوهة ومبتسرة جداً إلى أقصى حدود الإبتسار، لكن على الأقل تعطينا فكرة عامة عن تطور الشعور أو الإحساس السيكولوجي بالزمان لدى الإنسان، فالمسألة ليست معطاة وفطرية وجاهزة ولكن مسألة تطورية نامية تتطور مع السن يوماً بيوم وشهراً بشهر وسنة بسنة، وهكذا.

    طبعاً نحن الكبار نختلف في مسألة إدراك التراتب والتتابع بين الحادثات، نحن تجاوزنا هذه المرحلة إلى مرحلة أخرى أكثر رشداً وعمقاً وهي مرحلة إستخدام هذه الذكريات أو هذه المحددات لتنظيم حياتنا وتنظيم مستقبلنا، هذه مسألة الطفل بعيد جداً عنها، يعني الطفل في سن معينة سنتين مثلاً حسب ما قال جان بياجيه، يمكن للطفل أن يتذكر أحداثاً تعود إلى شهر ماضي، لكنه لا يمكن أن يتوقع أكثر من يوم واحد فقط، لا يستطيع أن يبرمج ويهيئ نفسه وأن يثير توقعات لأكثر من يوم واحد فقط، مع أنه يستطيع أن يتذكر أحداث شهر لكن بغير طريقة التتابع كما تعلمون، أن أمه مثلاً أحضرت له قالب شيكولاتة، وشاهد الفيلم الفلاني، لكن أيهما قبل الآخر؟ لا يدري، أما الكبير يتوقع لـ 20 سنة أو لآخر عمره حتى مصيره في الآخرة وأشياء خيالية أخرى، وهذا تطور عجيب وينمو لديه شعور دقيق بالزمن وبالتتابع، لكن تبقى المرأة دائماً أقل حسَّاسية من الرجل في هذه النقطة، هذا معروف، لماذا؟ الآن لو جلست مجموعة من الرجال ومجموعة من النساء ثم طرحت سؤالاً، كم مكثنا في هذه المحاضرة مثلاُ، سيكون الرجال دائماً أدق من النساء، لماذا؟ لأن النساء أكثر تأثراً بالسياق من الرجال، ومعنى ذلك أنه حسب حالة المرأة المزاجية وحسب العوامل الكثيرة المتداخلة في ظرف هذه المحاضرة، لكن الرجل هنا أكثر تجريداً وأكثر موضوعية، ولذا يؤكد علماء وظائف الأعضاء وعلماء النفس معاً، أن المخ الأيمن لدى المرأة أنشط من المخ الأيسر، وأما الرجل على العكس من ذلك، وفعلاً هذا يعطينا برهاناً على ما نحن فيه.

    ماهي قضية المخ الأيمن والمخ الأيسر؟ هي باختصار أنه منذ زمن حديث نسبياً اكتشف العالم الشهير آر دبليو سبيريا أنه يخضع داخل أمخاخنا ذاتان، في نصف الكرة الأيمن يقبع إنسان وفي نصف الكرة الأيسر يقبع إنسان آخر، النصف الأيمن هو فنان، والنصف الأيسر عالم، حين نقول فنان لها علاقة بالتمييز وبالتعرف وبالتفوق والكشف والرؤى، لها علاقة بالجانب الديني، بالحدس وبالإستبصار، أما النصف الأيسر فله علاقة بالحساب، بالمنطق، بالعقل، بالسطوح، بالأشكال، بظواهر الأشكال، بالتزامن، ولذا فإن النصف الأيسر أكثر حساسية للزمان ويظهر ذلك عند الرجل أكثر من المرأة، النصف الأيمن لا زماني، هذا لا يعني أنه يفتقد القدرة على تقدير الزمان، بالعكس هو الذي يفعل ذلك، فقد قلنا حين تحدثنا عن الزمان فسيولوجياً أن الإنسان حين يبرمج نفسه ليقوم الساعة الخامسة مثلاً فإنه يقوم بمعدل خطأ بسيط، من الذي يفعل ذلك؟ النصف الأيمن هو الذي يفعل ذلك وليس النصف الأيسر، إذن لديه القدرة على تقدير الزمان بشكل دقيق ولكن هو لا يبالي الزمان، يمشي متلكعاً ويديه في بنطاله.

    المتصوفة والروحانيون في جميع الأديان، المسلمون وغيرهم دائماً ينمَّون طاقات المخ الأيمن على حساب المخ الأيسر، ولذا يصل هؤلاء المتصوفة إلى درجة معينة فعلاً يتمتعون فيها بالهدؤ العميق وبالسكينة والطمأنينة اللازمة، يمكن لأحدهم أن يجلس 20 ساعة دون أن يتحرك أن أن يطرف له جفن، ففي الهند رفع أحدهم يده أربعون سنة، يأكل ويشرب وهي مرفوعة حتى جاء طائر وعشش عليها ولما مات هذا الرجل لم يستطيع الناس أن يعيدوا يده إلى وضعها الطبيعي، لأنها تخشبت، فقد طوروا عمل وفعل النصف الأيمن من الدماغ وهو نصف لا زماني.

    الذي يثير أعصابنا وسبب لنا أمراض الإكتئاب والقرحة والضغوط النفسية والعصبية هو الصراع المحموم الثائر في نصف الكرة الأيسر، هذا النصف الأيسر يعمل بلا كلل ولا ملل ودائماً ليل نهار، ودائماً يعالج المشكلات ويعيش في ترقب وينتهب الزمان إنتهاباً، بعكس النصف الآخر الذي يعتبره النصف الأيسر عبيط القرية كما يقول ونسون، ولذا فإن النصف الأيسر لا يبالي بالنصف الأيمن ودائماً يحاول أن يخمد أنفاسه وأن يسيطر عليه ويتحكم فيه، ومن هنا يفتقد إنسان الحضارة المعاصر الكثير جداً من ثمرات الحدس والإلهام والإستبصار والصفاء الداخلي، هذه الثمرات التي لا يعطيها إلا النصف الأيمن حين يفعل فعله.

    لماذا دائماً أصحاب اليمين هم الأسعد وهم الأرجى لرحمة الله؟ فعلى المستوى العضوي والوظيفي والتشريحي، النصف الأيمن أهم وله علاقة بالدين والآخرة والميتافيزيقا، الحضارة الحديثة هي حضارة النصف الأيسر، وحضارة الإنسان الأبتر، حضارة نصف الإنسان، الحضارة الإسلامية هي الحضارة الوحيدة التي أمكن لها وبنجاح باهر أن تكون حضارة الإنسان الكامل، وهذا ثابت في تاريخ علومنا وفلسفتنا، والقرآن نفسه هو كتاب الإنسان الكامل الذي يخاطب الجانبين في الإنسان، إذن فهذا النصف يؤثر جداً في الزمان وحساس في الزمان، وأما الأيمن وإن كانت لديه القدرة إلا أنه لايبالي الزمان، وهذا يكون كما قلنا أكثر فعالية في النساء وهذا أكثر فعالية في الرجال.

    ومن هنا قلنا أن المرأة تتأثر بالسياقات أكثر من الرجل وتقديرها للزمان وللفترات الزمنية أقل دقة من الرجل دوماً، لذا تلاحظون في نفس الوقت أن المرأة تمتاز بالحدس أكثر من الرجل وتستطيع أن تستشعر أشياء بدقة غريبة غير معللة، هي لا تعرف لها تعليلاً، وهي أصدق فراسة وأصدق حدساً من الرجل وذلك بسيطرة النصف الأيمن.

    يمكن أن نتحدث عن الزمان السيكولوجي أن النفسي من خلال حديثنا عن ثلاثة أشياء:

    1. الزمان اليومي.
    2. إدراك فترة زمنية أو إدراك الديمومة.
    3. التوقع وسَبَحَان أو سباحة الذاكرة في الماضي وسباحة الحدس في المستقبل.
    ثلاثة معالم يمكن أن ندير عليها حديثنا عن الزمان النفسي.
    نتحدث أولاً عن الزمان اليومي، فلا شك أننا في ظل هذه المدنية الحديثة والمعاصرة لا نستطيع بتة أن نتغافل عن التقاويم الحائطية وعن مواعيد القطارات والطائرات ومواعيد العمل والإنصراف ومواعيد الأكل، فالحضارة الحديثة تجعلنا نتحسس ضرورة الزمان اليومي أي التقسيمات الفنية للزمان اليومي، فالحضارة الصناعية مبنية هكذا، والوقت عندهم كما يقول الإنجليز هو النقود، وهذا له علاقة بالجانب السيكولوجي.

    الشعوب المتقدمة أو المتحضرة أو الصناعية كما تسمي نفسها، يكون للزمن إعتبار كبير جداً حتى الرجال أنفسهم يختلف تحسسهم للزمان اليومي، فالرجال أمثال المحامين مثلاً ورجال الأعمال فإن تحسسهم للزمان واضح جداً بدرجة أولى، لأن الساعة في بعض الأحيان قد تكلفه ملايين الدولارات، لذا فهو حريص جداً على ضبط المواعيد وتحسس التقسيمات الفنية للزمن اليومي التي تضبط السلوك والأحداث اليومية.
    نحن كلنا نشعر بهذه القضية، فلا نستطيع أن نفلت من قبضتها إلا في أيام العطل، لذا لاحظ أنت أن هذه الشعور ينخفض مستواه في عطلة نهاية الأسبوع، أيضاً الذين يأخذون عطلة لمدة 4 أو 5 أسابيع ويقضونها في أماكن أخرى، ومن ثم يستريحون من مراعاة هذه التقسيمات الفنية الضرورية في الحياة اليومية، أما فيما عدا ذلك علينا أن نراعي ذلك، هذا تطور ويختلف من مجتمع إلى مجتمع آخر.

    هناك بعض الملاحظات المتناقضة، كيف أن الشعوب المتقدمة التي تراعي هذا الأمر المذكور تشعر أن الزمان في حالة مسخ أو تقزّم أو حالة تقلص، أي يمر بسرعة؟ لأنهم يعرفون قيمته، إذن الزمان يغدو بحد ذاته أداة من أدوات الإنسان في التقدم.
    كتب الفيلسوف المسلم الكبير مالك بن نبي مجموعة مؤلفات كلها تحت عنوان مشكلات الحضارة، فمشكلة المسلمين الآن هي مشكلة حضارية يعني عندما يقول الله تعالى {كنتم خير أمة أخرجت للناس}، هذا دور حضاري رائد، فمشكلتنا مشكلة حضارية على جميع المستويات، فكل مؤلفاته وضعها تحت عنوان "مشكلات الحضارة"، وعنده كتاب واحد مهم جداً إسمه "شروط النهضة" جعل فيها المشكلة النهضاوية مشكلة مركبة من ثلاثة أجزاء: الإنسان، التراب، الوقت، ونحن حديثنا في الزمان، أي الإنسان والعناصر الخام الأولية المسخرة والزمن.

    عند الشعوب البدائية التي لا تساهم في قافلة أو عطاء الحضارة، الزمان يحدث له نوع من الإمتداد، لذا فالزمان عند هذه الشعوب ونحن منها، أي الشعوب العربية والإسلامية للأسف، الزمان متوفر وبكثرة، ولذا نحن لا نبالي في صرفه في أتفه الأسباب ولأتفه المناسبات، فالواحد منا لديه القدرة أن يجلس أمام مسرحية ثلاث ساعات في الوقت الذي يبخل فيه بالإشتراك في نشاط إجتماعي أو علمي أو نشاط يخدم الأمة، وقد يضحي الإنسان بثلاث ساعات بزيادة ساعتين عن المعتاد لقضاء بعض حوائج المنزل في الوقت الذي يستطيع فيه أن يقضي هذه الحوائج في ساعة واحدة فقط، ومن أقرب المحلات إليه، لا هو يفضل أن يذهب بعيد جداً حتى يوفر مبلغ زهيد جداً.

    هل هذا المبلغ الذي توفره فعلاً يساوي ساعتين مهدرتين منك أنت يامسلم، لأن الزمان تافه ورخيص ومتوفر ولأنه في نفس الوقت لا يستطيع أن ينجز في ساعتين أي شئ ذا قيمة، فتراه إما ينام أو يشاهد التلفاز أو في زيارات تافهه، كالماء الذي يتسرب من ساقية خربة، الوقت يتأدى إلى العدم بلغة مالك بن نبي.
    لاحظ أحد علماء الأنثروبولوجي على الأطفال البدائيين الذي قام بتدريسهم في إفريقيا أنهم يفتقدون الإنضباط بشكل كامل، قال لا يعرفون متى يحضرون إلى المدرسة، إنهم يحاولون ذلك لكن لا يستطيعون لأنهم يفتقدون الإحساس بالزمان، وسوف نرى أخيراً كيف أن الإسلام لوفهمناه حقاً وطبقناه صدقاً، فهو حريص جداً عن وعي وعن إدراك على أن ينمي فينا هذا الإحساس حتى في العبادات بشكل دقيق جداً لكن أهدرناه لأننا لا نفهمه جيداً ولا نطبقه حقاً وصدقاً، فلا نستفيد من ثمراته فبقى طقوساً جوفاء.

    هناك بعض الملاحظات، لعل بعض الموظفين يلاحظون أنه في اليوم الأول من الأسبوع بعد العطلة أنه يمر سريعاً، أما اليوم الأخير فيشعرون أنه يوم كئيب شديد الوطأة، مع أنه هو نفس العمل، إذن لماذا هذا الشعور، هل يدل ذلك على أن الإنسان لديه طاقة معينة من العمل تُستنفَذ خلال الأسبوع، وقد يكون ذلك بحسب التوقع لأن الإنسان في أول الأسبوع يبرمج نفسه على أنه سوف يعمل 40 ساعة مثلاً أو خمسة أيام خلال الأسبوع أما في آخر الأسبوع فهو يبرمج نفسه على أن غداً هي العطلة، إذن بدأ يتوقع، أي أنه دخل مرحلة الإنتظار والإنتظار موت أحمر.

    شئ آخر، إذا أخذت عطلة من عملك لمدة أسبوع لقضاء أجازة في بلدك مثلاُ، هذه الأجازة مليئة، تزور فيها الأصدقاء والجيران والأهل وتفعل فيها أشياء كثيرة، ثم تعود وتقول سبحان الله الزمان في بلدنا مبارك، جلست أسبوعاً مثل ثلاثة أشهر، لماذا؟ لأن هذا الأسبوع مليئ جداً، لذلك شعرت أنك قضيت وقت طويل.

    لو كانت هناك محاضرة فيزيائية مثلاً، وكان هناك فيزيائيون وأيضاً أناس في مجالات أخرى، أدب وتاريخ ولغات ..الخ، فسوف يُلاحَظ أنه كلما كانت المعلومات في حق الشخص أكثر تعقيداً وتستدعي بذل جهد شاق عقلي طبعاً حتى تفهم وتهضم وتُستوَعَب، كان دائماً التقدير يرتفع، لكن الآخر الفيزيائي الذي ينتمي لنفس التخصص وفاهم كل شئ كان تقديره أقرب للواقع وربما أقل، إذن بحسب ما تبذل أنت من جهد تستطيع أن تشعر بالزمن، لأن الزمن إجتماعياً هو ظرف الفعل أو ظرف النشاط، إذا كان هناك فعل على مستوى الأمة إذن هناك زمن، ليس هناك فعل ليس هناك زمن، عدم، فكلما كان هذا الظرف مليئاً بمظروفات أكثر كلما شعرنا بالزمن أكثر والعكس.

    لاحظ أنت عندما تجلس ولا تفعل شيئاً أن الزمان طويل وثقيل جداً، هذه مسألة تختلف من شخص لشخص، فالشخص الذي تعوَّد وعوَّد نفسه على أن ينجز وأن يستغل ساعات عمره، يشعر بهذا الشعور، إذا جلس يوماً لم يفعل فيه شئ كأنه مر عليه دهر، والمسألة مملة وثقيلة، أما الشخص الذي تربَّى ونما بطريقة يهدر معها الزمان كظرف الحدث والفعل، بالعكس تمر عليه السنة والسنتين وكأنهما ساعتين ويقول لسه أمامي وقت طويل، فتمر الأيام والسنون وهو لم يفعل شيئاً وحتى إذا استيقظ فإنه لا يشعر بالمصيبة، لا يشعر بسر هذه الورطة التي وقع فيها
    وعاجز الرأي مضياع لفرصته حتى إذا فات أمراً عاتب القدر
    فهذه مسألة موضعية، ليست تختلف بحسب الأشخاص وطبائعهم، الشخص الفارغ البطال العاطل لا يشعر بذلك، بالعكس فإنه يشعر أن الزمان قصير ومر بسرعة مع أنه لا يفعل شيئاً، أما الشخص الآخر فإنه يشعر بالملل والضيف وبأن الزمان له وطأة ثقيلة عليه لأنه لم يملأه بشئ، فهناك بعض المتناقضات تحتاج إلى نوع من التدبر والفهم الأعمق حتى نفهم وإلا تفضي بنا إلى المفارقة.

    كذلك زمان الإمتحان، فالطالب الذي تكون رأسه مليئة بالمعلومات يشعر أن الوقت قصير جداً وعنده معلومات كثيرة يريد أن يسكبها على ورقة الإمتحان، أما الطالب الفارغ فالزمان ثقيلاً وطويلاً جداً عليه، لأنه قد كتب كل ما عنده فيشعر أن زمان الإمتحان ثقيل جداً وربما يلوم واضعي الإمتحان

  3. #18
    الصورة الرمزية faissal
    faissal غير متواجد حالياً عضو المتداول العربي
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    الإقامة
    فينا- حلب الشهباء
    المشاركات
    8,737

    افتراضي رد: هل للزمان وجود حقيقي؟ وماقيمته واثره

    من أقسام الزمان النفسي: زمان الإبداع، زمان الشعور، زمان الأحلام، الزمان الإجتماعي، كل هذه الأزمنة تعتبر ضمن الزمان السيكولوجي في التصنيف العلمي، فزمان الأحلام مثلاً، لا يجري الزمان في الأحلام بنفس الوتيرة أو التسارع الذي يجري به في زمن اليقظة، يبدو أنه دائماً أسرع.

    هناك في بعض المحاولات التفسيرية ألمعت إليها قبل ذلك تحاول أن تتخلص من هذه المشكلة العلمية فتقول ويستشهد بعضهم بحادثة وقعت لإستاذ تشريح وهو إبن إستاذ تشريح أيضاً أنه رأى في المنام كيف دق الجرس واستدعاه أبوه الأستاذ الكبير ودخل صالة التشريح ثم أوتي بالجثة وبدأوا يشرحونها حتى انقضت ساعة كاملة ودق الجرس مرة أخرى وانتهت الحصة الدراسية وكل ذلك وقع تقريباً في ثانية أو ثانيتين، فسر العلماء هذه الحادثة وهذه الرؤية العجيبة بأنها مجرد ثلاث مشاهد: مشهد الجرس والدخول، مشهد الوجود في صالة التشريح، مشهد الجرس والخروج فقط، ثم قام العقل الباطن بتتمة المشاهد كلها من مخزونه، وفعلاً هذه المشاهد البسيطة الثلاثة لا تستغرق أكثر من ثانيتين، هذا كلام جميل وقد يكون صادق ولكن تنتصب أمامه مجموعة تحديات.
    يقول ديفيز في بحثه عن زمان الجسم، ولكن كيف يمكن لمثل هذا النموذج التفسيري أن يفسر لنا القدرات العجيبة للآلات الحسابية البشرية، فالمعروف أن الإنسان لكي يقوم بعملية حسابية معينة لابد أن يستغرق زمناً، لا هناك نوع من البشر لا يستغرق عُشر هذا الزمن، معجزات سبحان الله، يعنى مثلاً معجزة الحساب الكندي الشهير كولبورون، فحين سألوه هل العدد 294967297 عدد أولي أم لا، ومن مبادئ الحساب كما تعلمون أن العدد الأولي هو الذي لا ينقسم على عدد آخر، فقال على الفور كلا، إنه ينقسم على 641 في لحظة مباشرة، كيف استطاع كولبورون أن يحسب في أقل من ثانية، مباشرة أنت أعطيته السؤال وأعطاك الجواب في ثانية، ربما يستغرق الكومبيوتر وقتاً أكثر من ذلك، وهذا يجعلنا نتوقف عند زمان الأحلام حسب ما قال الأستاذ ديفيز، لما لا يقال كما قال مارش: "إن الإنسان في وقت النوم أو في وقت الأحلام يتحرر كيانه أو يتحرر وعيه أو يتحرر الجهاز المدرك فيه من القصور الذاتي الفاعل والمسيطر على أجسامنا الفيزيقية في حال اليقظة".

    في الحالة العادية نعيش في حالة قصور ذاتي بحكم أننا كائنات فيزيقية طبيعية، لكن حين ننام ربما فينا جزء، فينا جوهر، في سر، في قدرة معينة، بغض النظر سميها الإدراك سميها الوعي سميها الروح سميها النفس، المهم أن هناك مكون يتحرر من القصور الذاتي وتصبح العملية تخضع لتسارع أكبر بكثير من زمان اليقظة، لماذا لا يقال هكذا؟ لأن هذه المسألة تحدث لبعض الناس في اليقظة مثل كولبورون، كم محاولة صح وغلط قام بها حتى توصل للنتيجة الصحيحة في أقل من لحظة، فهو بنوع من البصيرة الداخلية في لحظة استطاع أن يصل إلى الجواب.

    هل للمخ الأيمن علاقة بذلك؟ ومن هنا يفترض بعض العلماء وبعض الدارسين أن نوابغ الرياضيات والحساب لم يخضعوا للسيطرة الباطشة الغاشمة للمخ الأيسر على المخ الأيمن، نحن كلنا ضحايا سيطرة المخ الأيسر على المخ الأيمن.

    فولفجانج موتسارت نابغة الموسيقى النمساوي الشهير جداً ويسمى الطفل الإلهي والطفل المعجزة وموسيقار الموسيقيين لأنه تعلَّم في ثلاث سنين مالم يمكن لأحد أن يتعلمه في عشرين سنة، كان يرى أباه يعلم أخته مقطوعة موسيقية طويلة معقدة في ساعات، فيذهب هو ويعيدها بكل سهولة، وعندما كان عمره 4 سنوات وضع مقطوعات موسيقية معقدة، ولما كان ابن أربعة عشر سنة ذهب إلى الفاتيكان والتي كانت ولسنوات طويلة تُعزَف فيها أوبيرا "البؤس" التي وضعها الراهب الشهير جريجوري أليجري في القرن السابع عشر، وقد حرَّم البابا والفاتيكان على جميع الموسيقيين أن ينسخوا تلك المقطوعة أو يكتبوها، وتستمر هذه الأوبيرا لمدة ثلاث ساعات متواصلة، ذهب موتسارت وسمعها ثم عاد إلى النمسا وكتبها مباشرة من الذاكرة وصار يلحنها، وكان البابا قد أصدر مرسوماً على كل من يسرق هذه المقطوعة أو يكتبها فإنه سيصدر بحقة قرار حرمان، فلما سمع بهذه المعجزة الخارقة استدعى موتسارت ومنحه وساماً ذهبياً تقديراً لهذه العبقرية.

    كيف أمكن لهذا العقل أن يدرك في زمن قصير كل هذه الأشياء المعقدة التي يحتاج الإنسان لحفظها ربما لأشهر طويلة مع الجهد الشاق، لا يستطيع نموذج التفسير الذي ذكرناه أن يفسر لنا ذلك، مستحيل هناك قدرات معينة، حتى في العملية التعليمية تؤكد كما يقول بعض علماء النفس أن قدرتنا التعليمية قد ترتبط بتوقعاتنا عن أنفسنا أكثر من العوامل الفسيولوجية العضوية، وهذه عملية تنفسية معقدة وتحتاج إلى إلى نوع من البرمجة النفسية وهذه صعبة لا يستطيع أن يتميز بها أي إنسان، تبقى كأنها شبه عطاء، شبه هبة إلهية، هذه عملية حتى لها علاقة بمفهوم الديمومة كما قلنا وتتابع الأحداث في تناسقها وفي تراتبها.

    الزمان الإجتماعي:

    أريد أن أركز فقط على موقف الإسلام من هذه القضية، طبعاً هناك عدة ملاحظات حتى لا تفوتني، ملاحظات كثيرة منها؛ ما هو سر الإهتمام والتشبث الكبير والمحموم من المسلمين في الفترة الأخيرة بالحديث عن الوعود والذي يمكن أن نسميه الحديث الأشراطي، يتحدث عن أشراط الساعة وظهور المهدي والدجال وظهور عيسى وإنتهاء الدنيا، هل يمكن أن يفسر هذا الإهتمام المحموم والجاد بهذه المفاهيم الأشراطية والأحاديث الأخراوية بأنه نوع شعور بثقل الزمان على صدر الأمة، هذا الزمان الذي لا نستطيع أن نستغله كظرف للفعل، ليس عندنا فعل على جميع المستويات.

    النبي صلى الله عليه وسلم حين يقول: "إنكم اليوم في المضمار وغداً أنتم في السباق، السبق الجنة، والغاية النار، وبعفو الله تنجون وبرحمته تدخلون وبأعمالكم تقتسمون".

    "هب أن المسيئ قد غفر له أفلا يفوته ثواب المحسنين"، بلا يفوته، هناك إقتسام ودرجات، إذن الدنيا حسب هذا النص النبوي أو هذا العالم حلبة فيها مضمار، لابد أن نتسابق فعلاً، ظرف الفعل، هكذا يفهمنا عليه الصلاة والسلام.

    وأحاديث كثيرة أخرى: "اغتنم خمساً قبل خمس"، لها علاقة مباشرة بالزمان الإجتماعي، ماهي هذه الخمس هي: "حياتك قبل موتك، وفراغك قبل شغلك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وشبابك قبل هرمك".

    أين أمة محمد عليه السلام من هذه النصوص أو من فهم هذه النصوص أو من تكييف عقلها وتربيتها وفق هذه النصوص، ليس لهذه النصوص أثر في حياتنا، نقولها على المنابر فقط كوعظ، الوعظ شئ والتربية شئ آخر، فالوعظ إحدى وسائل التربية البسيطة وتأثيرها بسيط جداً جداً، هناك أشياء أخطر من ذلك وأعمق، التي لها علاقة حقيقية بالمسألة التربوية والتنشأية علاقة حقيقية في بناء النفوس ونضج الإنسان الوجداني والعقلي، لكن نحن عنها غافلون إلا ما شاء الله.


    قوله عليه الصلاة وأفضل السلام في الحديث الذي أخرجه مثلاً أبو نعيم في الحلية وابن حمزة وغيرهم كثيرون، عن معقل بن يسار، قال عليه السلام: "ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي يابن آدم أنا خلق جديد وعلى عملك شهيد، وفي بعض الرويات وعلى ما تعمل فيَّ شهيد، فاغتنم مني خيراً، وفي بعض الروايات فاعمل فيَّ خيراً لعلي أشهد لك به، فإني إن مضيت لا أعود إلا يوم القيامة".
    يقول الإمام على عليه السلام وكرم الله وجهه: من استوى يوماه فهو مغبون، أي إذا فعلت اليوم كما فعلت أمس في الخيرات على المستوى الفردي والإجتماعي فأنت خسران، لأنك في مكانك سر، ليس هذا منطق المسلم، ديننا دين التقدم والحركة والنهوض، دين الترقي، {يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه}، ثم يكمل الإمام على ويقول: ومن فضل أمسه يومه فهو ملعون، أي مطرود من رحمة الله، ومن رحمة الله قسمة الأرزاق، منها الطاعات والحسنات ورزق العقول والنفوس ورزق الأذكار والمبرات والفتوحات الإلهية للإنسان، يعني الآن ما فائدة إنسان مرزوق رزق الدواب، أي يأكل ويشرب ويلبس وينام، حتى الدابة فقد رزقها الله مثل ذلك، {وما من دآبة في الأرض إلا على الله رزقها}، وآخر مرزوق هذا الرزق أو أقل منه لكن مرزوق رزق العقول، كل يوم يزداد علماً وصلاحاً، ويزداد قرباً من الله، وكل يوم يزداد إنكشافاً ينكشف الحجب عن بصيرته ويعرف سر الوجود، ويعرف لماذا خلقه الله، يعرف كل هذه الأشياء، هذا هو الإنسان الحقيقي، هذا أشبه بالدابة وهذا أقرب إلى الملاك، أليس كذلك، وهذا هو الرزق الحقيقي.

    يقول عليه السلام: "بادروا بالأعمال ستاً"، أي سارعوا بها لتسبقوا بها ستة أمور، أي لابد أن تعمل العمل قبل أن يعرض لك شئ من هذه الأمور الستة، ماهي هذه الأعمال؟ هل تنتظرون إلا غنى مطغياً، أي أحسن لك تعمل قبل ما تغتني، واحد يقول الغنى نعمة، لا والله فلا تجد مدى عمرك أفقه من رسول الله ولا أكبر عقلاً من رسول الله ولا أرسخ حكمة منه والله العظيم، ولا أقوى فلسفة في فهم كل شئ في الوجود، مستحيل لكن بأي شئ تتلقى كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وبأي عقلية، كلامه عجيب عليه الصلاة والسلام، لا يلحق به ولا يدركه أحد في العالمين، لو وزنت كل عقول البشر مع عقل رسول الله فيزنهم والله ويفوقهم كمان، فالنبي عليه السلام يقول إعمل قبل ماتغتني، تقول لماذا، لما أغتني سوف أتصدق وأعطي للشيشان وللمساجد و..الخ، لا أنت تقول فقط هكذا وستصير أكثر بخلاً وأكثر شحاً وستصير عدو نفسك وعدواً لله وعدواً حتى للناس إلا أن يرحمك الله، وقليل ماهم.

    قليل من ينجى من فتنة الغنى، لذا فقد تواتر عن الصالحون تقريباً أنهم يعتقدون ويظنون فيمن أغناه الله وموَّله وأثله المال، ولم يطغه هذا المال واستخدمه في مرضاه الله وفي القربى منه، يعتقدون في هؤلاء أبداً أنهم من كبار الأولياء، فالذي أعطاه الله مال كثير ولم يطغه هذا المال ولم يشمخ به على الناس، بل متواضع ومعطاء وكريم هذا إنسان مستحيل إلا أن يكون من أولياء الله الكبار جداً الذي اقتحم العقبة، تغلب على نفسه وانتصر على ذاته، انتصر على الهوى، انتصر على الشيطان، انتصر على كل الأهوية، هذا اقتحم العقبة، واستطاع أن يفلت من قبضة القصور الذاتي، كل إنسان فينا محكوم بقانون القصور الذاتي

    ولابد للمرء أن ينزع مرة إلى الحمأ المسنون ضربة لازم
    نحن لا ننزع مرة بل مرات طول حياتنا، دائماً تحكمنا وتشدنا شهواتنا، هذا هو القصور الذاتي، دائماً للأرض باستمرار، قال الله تعالى {فلا اقتحم العقبة} قاوم هذا القصور الذاتي، أقفز حاول أن تعمل قفزة، كيف؟ كل يوم عندك هذا المشهد وهذه الظاهرة وفرصة اقتحام العقبة، فحين تكون هناك فرصة للتبرعات يأتيك الشيطان ويقول لك إقبض يدك، لديك أشياء تريد شرائها، تريد أن تفعل كذا وكذا، لم تقدر القصور الذاتي، هناك آخر يقول سأعطي مهما كان {وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه} هل أنت رزقت نفسك؟ الله هو الذي يرزق، تعطي واحد الله يعطيك عشرة، بهذا الفعل الآن تكون قد اقتحمت العقبة وكمؤمن تشعر بسعادة غير عادية وتشعر بقوة ولا تشعر بضعف الفقر، تشعر فعلاً أنك اقتحمت العقبة.

    وسبحان الله الخير يأتي بالخير وتصبح هذه عادة عندك، تجد نفسك في العطاء وكلما اقتحمت عقبة أكبر امتد السهل أمامك في مدى أوسع وأطول، الماء لا يمكن أن يصعد لأعلى إلا بوسائل ضغط وضخ، والإنسان مثل ذلك وكذلك الحجر ترميه لفوق يعود إلى الأرض.

    إذن الغنى ليس كما نتصور بل فتنة ويمنعك عن كثير من الأعمال الصالحة وربما عن أكثرها، هناك مثل لطيف وفيه حكمة يقول "لا تهون إلا على الفقير".

    بقية الحديث: "بادروا بالأعمال ستاً، هل تنتظرون إلا غنى مطغياً، أو فقراً منسياً"، حتى الفقر يجعلك لا تبحث عن كمالات ولا تبحث عن آخرة، تكره روحك وتكره نفسك، تريد أن تسكت هذه الكباد الجائعة وهذه الأفواه الصائحة فقط
    وقد يعقل الفقر الفتى دون همه وقد كان لولا الفقرُ طلاعُ أمره
    ثم يقول الحديث: "أو مرضاً مفنِّداً"، تمرض وتصيبك الشيخوخة، تخرف وتصير في حكم غير المكلف، وهذا تلاحظه في كثير من الناس، عندما يصبح عمره 70 سنة تصير تصرفاته غير متزنة حتى يصير يخجل منه أبناؤه، هذه هي سنة الحياة.

    طبعاً الشيخوخة مرض وتصنف في الطب الآن على أنها مرض، وهي مرض الأمراض وتأتي بكل الأمراض، تكون صحيحاً سليماً وفجأة تمرض وقد تكون أول وآخر مرض تمرضه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لكل داء دواء إلا الهرم"، فهي مسألة مرضية، وقد رأينا لا عكوسية الزمان.

    بقية الحديث: "أو موتاً مجهزاً"، لا تؤجل عمل الخير وتقول سوف أعمل وأعمل، كلمة سوف هي أكبر جند من جند إبليس، ولن تعمل وربما تموت في لحظة، "أو الدجال، فشر غائب منتظر، أو الساعة والساعة أدهى وأمر".

    "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ" (البخاري - الترمزي)، ذكرت لكم مرة لو تذكرون التفسير الحضاري الذي بدا لي لقوله عليه السلام: "أعمار أمتي مابين الستين إلى السبعين"، لماذا؟ لها دلالة حضارية، أمة محمد أمة الخير والعطاء، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، أمة طيبة جداً، يعني كان المفروض بالعقل أن يعطيها الله أعماراً أطول من التسعين أو المائة مثلاً، لا، في السنن الكونية منذ أن يتعدى الإنسان الـ 70 يصير صعب أن يعطي، ويصبح عبئ على أهله وعلى المجتمع فهو يستهلك أكثر مما ينتج، فصعب أن نعتبره إضافة حضارية في أمته، لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا كانت لديك الإمكانية أن تعمل وتضيف، إذن تستحق أن تعيش، هذا هو معنى الحديث، لأنك إلى الـ 70 ممكن تعطي وإن تناقص العطاء لكن بعد ذلك صعب أن تعطي، لذا إنتهى دورك بإنتهاء القدرة على العطاء.

    نحن لو نفهم هذا الحديث نعرف أن وجودنا بهذا النظر ليس له قيمة وليس له مبرر ولا معلل إلا بالدور، كل حسب دوره الذي يؤديه، لابد أن يكون لنا دور نؤديه وإلا نحن بالطريقة هذه مفروض أن تكون أعمارنا إلى الـ 20 فقط، "وماربك بظلام للعبيد"، وهذه ليست شماتة، نحن لو نستحق أن نعيش ما سلط الله علينا الذي نراه حالياً في الشيشان وفلسطين والبوسنة وكوسوفا، واحد يقول أنا لا أفهم هذه الفلسفة المعكوسة؟ طبعاً لا تستحق أن تعيش لأنك لست عايش كالناس، أنت متخلف، أنت في آخر القافلة يامسلم، لذلك سلط الله عليك من يجتث خضرائك ويبيدك حتى تفهم كيف المعادلة، لابد أن تكون الأول في كل شئ، في السلاح والعلم والسياسة والحكمة، أنت من خير أمة أخرجت للناس لكن بشروطها، لو أهل لأن تبقى ستبقى بسنن الشرع وبسنن القدر والكون.

    واحد مثل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب كان يحاسب نفسه على الأنفس وليس مثلنا على الأيام والسنين، هذا ابن الإسلام الذي يستحق أن يعيش، من الذين اخترعوا الساعات؟ أبو الحسن المراكشي، فقد وضع الدين والقرآن فيهم هذا الحس {وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً}، والشكر ليس باللسان لكن بالفعل
    أفادتكم النعماء مني ثلاثة يدي ولساني والضمير المحجب
    قال العلماء إن الشكر أبلغ من الحمد ومن الثناء، الشكر يكون باللسان وبالقلب وبالجوارح {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها}، {ولئن شكرتم لأزيدنكم}، فشكر نعمة المال أداء حق هذا المال، وشكر نعمة العلم ليس تأليف الكتب والمجلدات ومنافقة الحكام والسلاطين والتواطأ معهم لتضليل عقل ووعي الأمة حتى يصير الشيخ أو الوزير الفلاني، أمن أجل مناصب دنيوية وتضليل وعي الأمة وتزييف كلمة الحق، يامجرم في حق نفسك وفي حق أمتك، وهذا أكبر شئ وأكبر جريمة وخيانة لله ولرسوله وللمؤمنين.

    فهذا هو الشكر الحقيقي، أنت عالم تؤدي وظيف العلم، ما هي وظيفة العلم؟ الإلتزام، أن تلتزم بقضايا أمتك وتحاول أن تصوغ الوعي بكل أمانة وبكل صدق، لمَّا نقيس علماء اليوم بعلماء الأمس، ليس علماء الدين فقط بل في كل التخصصات، فالآن مثلاً نرى كم تطورت العلوم إلى حد كبير لكن لا يمكن أن تجد عالماً عربياً أو مسلماً يمكن أن يؤلف موسوعة في علم النبات في 450 مجلداً، ففي الأندلس ألَّف أحد علمائنا من المسلمين موسوعة النبات هذه مع أن العلوم لم تكن متطورة كما هي عليه الآن، فالعلوم متطورة الآن بألف مرة أكثر مما كانت عليه في السابق.

    أما أن تكون طبيب أو شيخ أو عالم تدرس أربع سنوات ثم تنام بعد ذلك، تصعد على المنبر خمسين سنة تحكي للناس نفس الكلام ونفس المعلومات، الناس حافظة هذا الكلام كله بنصه، أصبح ديننا دين مناسبات، الذي يظهر في التلفاز هو الذي يقال على المنبر، مثلاً في شهر رمضان نفس المعلومات ونفس الديباجات وكذلك الإسراء والمعراج والهجرة، الإسلام دين مناسبات، ويظهر العالم في التلفاز ويتكلم عن أشياء متكررة ومملة مثل موضوعات الربا، الحيض، القرض الربوي ..الخ، لماذ؟ لأن الأمة غلبانة مستواها صفر أو تحت الصفر، لكن أنت كعالم لابد أن ترتقي بوعى وفكر وتعلمهم كيف يفكرون جيداً ويرتقون بفكرهم ويتناولوا قضايا أعمق وأحسن وأكثر إعتلاقاً بمستقبلهم وحاضرهم ومصيرهم، وهذا لا يحدث إلا أجهدت نفسك، ففاقد الشئ لا يعطيه، "ضل من كانت العميان تهديه"، سيدنا عمر كان يحاسب نفسه كما قلنا على الأنفاس.


    الصلوات الخمس هذه، لماذا كل هذا الحرص الشديد جداً عليها؟ معروف فالصلاة هي الركن الركين في الدين، والمهم العظيم في الإسلام وقد قال النبي عليه السلام: "لا حظ في الإسلام لمن لا صلاة له"، كطالب جامعي لا حظ له من العلم الجامعي، لماذا؟ لأنه لا يداوم، لا يحضر الدروس ولا يلخص، لا يفهم ولا يدخل الإمتحان، هناك تركيز هائل وبالذات على عبادة الصلاة في الدين عندنا، معروف، والنبي عليه السلام لم يكفر تارك الزكاة ولا تارك الصيام، أما تارك الصلاة فمن باب التغليظ والتشديد قال: "من تركها فقد كفر"، واختلف العلماء في مسألة التكفير والرأي الأرجح لا يكفر وهذا على المذاهب الأربعة ولا يكفر إلا بجحده وهذا موضوع آخر غير موضوع الترك، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك من باب التغليظ.

    كما قال عليه السلام "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر"، وهذا معناه كالكفر من باب التغليظ والتشديد، كذلك عندما تقول فلان أسد، هو ليس أسد حقيقي ولكن كالأسد، تشبيه بليغ، وقال الله تعالى: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً}، قضية الوقت مهمة جداً، وهذا ما نريده، واختلف العلماء فقال بعضهم تجب في جماعة وقال به كثير من الصحابة، قالوا تجب الصلاة في جماعة على كل من سمع النداء، فلو علمنا هذا الشئ ونشأنا عليه وتلقيناه التلقي الصحيح، ألا يثبِّت فينا ويرسخ مفهوم الزمن وإحترام الوقت والتقسيمات، فينمو فينا فعلاً هذا الحس الرهيب للزمن وللوقت.

    قال الفيلسوف والمفكر الإسلامي مالك بن نبي إذا كانت هذه هي أهمية الوقت، كيف يمكن أن نربي الأجيال؟ قال "الأم في بيتها والطفل منذ صغره تفهمه أن عليه نصف ساعة لإنجاز عمل ما محدد"، أين ذلك من الصلاة، قال النبي عليه السلام: "مروا أولادكم بالصلاة لسبع"، وقد قلنا أن جان بياجيه قال من 7 -6 يبدأ الطفل يدرك القيمة المعيارية للثواني والدقائق، سبحان الله، كنفس السن، أما قبل فلا يستطيع الطفل أن يستوعب هذه القيمة المعيارية، أما في هذا السن فيبدأ يدرك الثواني والدقائق، صحيح أنه لا يدرك التراتب كما شرحنا لكن يدرك هذا الشئ.

    إذن هنا مناسب جداً أن نربط هذا الإدراك وهذا التطور النامي لهذه القضية بواجبات الصلاة الخمس، ولها بعد نفسي، لكن هناك بعض الناس أصلا لا يصلي وإذا صلى الصلوات دائماً في آخر أوقاتها ويجمعها بسبب وبغير سبب ..الخ، وفعلاً عنده حس الزمان متعطل بالكامل أو شبه بالكامل، مستحيل أن يكون المسلم ملتزماً بالصلوات وفي أوقاتها ولا يتحسس الزمن بدقة، هذه مسألة نفسية متكاملة، فموضوع الصلاة هذا موضوع مهم جداً، وعندما جاء جبريل فسأله النبي صلى الله عليه وسلم، ياجبريل هل دخل وقت الصلاة وكان وقت الظهر قال: لا نعم، قال كيف؟ قال أتدري يا أخي يامحمد ما بين لا ونعم كم قطعت الشمس في الفلك.

    إذن حتى مسألة قوله تعالى كتاباً موقوتاً مقصودة، فعلاً موقوتة بحركة الفلك الأعلى، مسألة دقيقة جداً جداً وينبغي عليك يامسلم أن تلتزم، فاليوم عار وشئ مخجل أن الغرب هو الذي أدرك هذا الشئ وبدأ يقسِّم الزمان وقال إنه شئ أقل من الثانية بكثير، هناك واحد من ألف من الثانية، وهناك البيكو ثانية، والنانو ثانية، والآن يوجد الفيمتو ثانية (جزء من مليون من بليون من الثانية)، وقد دخل هذا المصطلح في علم الطب وفي علوم أخرى كثيرة، وكل هذا تطويع وتدعيم لأبحاث الليزر، وقد كان المسلم أولى بهذه الأشياء.

    لعل الأمم في لحظات النزع وفي لحظات التهديد بالفناء، والأمة المسلمة مهددة بالفناء، وأنتم ترون ما يحدث في كل أنحاء العالم، والعالم كله فعلاً بنوع من التواطأ والهدوء المصطنع الكاذب، يقابل ببرود هذه المشاكل، لأن هناك نية وموافقة ضمنية لإفناء هذه الأمة، فالأمم في لحظات شهورها بالتهديد أو بالفناء يسيقظ فيها الشعور بأهمية الزمن مدعماً بغريزة المحافظة على البقاء، هذا كلام مالك بن نبي، حينئذ تصبح لكل دقيقة أهميتها ويصبح الزمان ظرفاً للفعل لا سبيلاً إلى العدم، لأنه في الوضع العادي يتأدى الزمان إلى العدم باستمرار، إلى التسرب والإهدار، يقول هذا المفكر رحمة الله عليه: "وحين تدق الساعة تنادي الكبار والنساء والصغار إلى العمل في الشعوب المتحضرة"، فالمسألة الأكيدة والمؤلمة هنا، فما الذي نفعله نحن؟ لا نفعل شئ، لأنه ليس هناك عمل ولا خطة عمل ولا إستجابة للعمل، للأسف الشديد، فنسأل الله تبارك وتعالى أن يمن علينا وأن تكون أمتنا أمة الجد.

    أختم بطرح تصور واحد فقط، منذ سنين بعيدة يؤلمني حتى طريقة الطرح الديني لبعض المسائل، يعني بعض الناس يأتي يسأل: الشئ الفلاني حلال أم حرام؟ يعني دعنا نأخذ نموذج، مسألة الموسيقى والغناء مثلاً وهي من أشهر الأسئلة التي تُطرح في الفضائيات وكذلك فوائد البنوك، واللحية والحجاب وبعض الأسئلة النمطية، يعني لو أنت تتابع عشر حلقات فقط، يمكنك بعدها أن تعمل إحصائية، فبالنسبة للموسيقى، يؤذينا أن يُكرر هذا السؤال ببلاهة، حلال أم حرام، ليست هذه هي القضية، فلو قلنا أنه حرام هل ستمتنع الأمة في مجموعها الفنان بفتوى من الشيخ الفلاني؟ صعب جداً، فالقضية مختلفة تماماً، وهي أين اتجاه الأمة، في ماذا تتهمم، وبماذا تهتم الأمة، بحسب همك وحسب منهجك وحسب خطتك في الحياة بحسب سيرك ..الخ، ستلاحظ أن أسئلتك ستتميز وتمتاز عن غيرك بحسب الهم، فلو كان هناك لديه هم ومهموم فلن يسأل هذه الأسئلة أصلاً عن الموسيقى والغناء واللحية..الخ، تعرف لماذا؟ لأنه ليس لديه وقت يسمع الغناء وليس عنده ذوق لسماع الموسيقى، أعتقد فقط أنه إنسان مفصوم في الشخصية، هو الذي يرى ما يحدث الآن في الشيشان وغيرها ثم يسمع الموسيقى وينطرب، هذا شخص غير عادي، وبعد ذلك ربما يبكي إن رأى إخوانه يذبَّحون في الشيشان، لو كان شخص متسق ومتكامل مع نفسه، ومتصالح ظهره مع بطنه، هو بطريقة تلقائية ستختفي قضية الطرب هذه ولن يوليها أي اهتمام، ليس لأنها حلال وحرام، حتى لو حلال، فالمسألة لها خلفية نفسية وإجتماعية غير الخلفية الفقهية حلال أم حرام، أنا لا يهمني حلال أم حرام، أنا الذي يهمنى لماذا تصر الأمة على أن تسأل مثل هذه المسائل، معنى ذلك أن مستوى النضج النفسي للأمة مستوى غير مشرِّف، فهذا المسلم يحتاج إلى إعادة صياغة كاملة، وهذا لا يتم إلا بوعي عميق، يضع الأصبع على القرحة على أصل الجرثومة وأصل المرض.

    ونسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلني وإياكم هداة مهتدين وصالحين مصلحين والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين.

    ولكون الموضوع تخصيصاً فسأكتفي بذكر بعض النتائج والخلاصات :
    إن الطفل يقيم الزمن في ضوء النشاط الذي يقوم به والجهد الذي يبذله، فالنشاط الأكبر يقابله في نظر الطفل زمن الطول، فلو طلبنا إلى طفل أن يحمل في فترةٍ زمنيةٍ محددة ولتكن 20 دقيقة؛ قطعاً من الخشب وينقلها من مكان إلى مكان، ثم يحمل أيضاً خلال فترة مساوية صفائح صغيرة من الحديد وينقلها من مكان إلى آخر، ثم سألناه: أي الفترتين كانت أطول؟ فإنه لن يتردد في القول بأن الفترة الثانية كانت أطول، فلدى الطفل نزعة لإخضاع الزمن للمكان والسرعة والجهد، ومفاهيم الزمن والسرعة والحركة تكوينات إفتراضية
    Constracts لا توجد في البداية عند الطفل، بل يتطلب توصل الطفل إليها عمليات بنائية تدريجية، فمثلها مثل باقي المفاهيم التي يتم بناؤها خطوة خطوة من خلال تكوينات العمليات المنطقية التي يمر بها ذهن الطفل.

    بينت التجارب أنَّ حوالي الأطفال في سن العاشرة لم ينظروا إلى الزمن بعدُ كتجربة، وأن التغير في الزمن من شأنه أن يحدث تغيراً في أعمارهم، فقد سألوا عن تأثير تقديم الساعة ساعة واحدة في الربيع ليتقرب الوقت من الـ 11 - 12 أي إلى منتصف الليل، فلم يدروا أنَّ هذه التغيرات التي تعزى إلى السن مستقلة تماما عن الساعة التي نزيدها أو ننقصها من الوقت.

    ففي حوالي الثالثة عشر فإنَّ زهاء 50 % يكشفون عن إدراك أنَّ زمان الساعة إن هو إلا إصطلاح
    Convention أو عرف لا يؤثر على التغيرات التي يقيسها. وبذلك يضح لنا أنَّ مفهوم الزمن هو دالة أو وظيفة للنمو العقلي للفرد، وليس غريباً أن يجد نفر من الباحثين إرتباطاً وثيقاً بين إختبارات الذكاء والنتائج التي وصلوا إليها من تطبيق إستبيانات تتصل بالإتجاه الزمني وتقسيمات الزمن وطرق تاريخ الأحداث وغيرها من النواحي المتصلة بفكرة الزمن.

    إنَّ القدرة على تقدير طول حادثة ما في حدود ثواني الساعة المعيارية تنمو أول ما تنمو في الأطفال الذين هم في سن السادسة إلى السابعة لتستقر في الثامنة، ومما يلاحظ على الأطفال مغالاتهم في تقدير طول أي فترة، فالزمن عجوز واهن يتلكأ ويسير سلحفائياً، وبلغة إيقاعات الجسم يمكن أن نقول: إنَّ ساعتهم النفسية تجري بسرعة، وبملاحظة الإضطراب الذي يصيب قدرة الكبار على تقدير فترات الزمن في حالات خاصة، أمكن معرفة سبب هذه الظاهرة لدى الأطفال، فالكبار الذين يعانون من الإصابة بالحمى وإرتفاع درجة الحرارة يخبرون نفس الشعور بتلكأ الزمن وتباطئه، مما يدل على أنهم يعدون الزمن أسرع مما يفعلون في الحالة العادية أي أنَّ ساعتهم تجري سريعاً، وفي تجربة قام بها العلماء على النحل تبين أنه حين يتدرب على الإغتذاء كل يوم في ساعةٍ بعينها، ثم يقضي ليلة كاملة في مكان بارد فإنه يصل متأخراً عن الساعة التي إعتاد أن يغتذي فيها كل يوم، أما إن قضى الليلة في مكان دافئ فإنه يغتذي أبكر من المعتاد، أي أنَّ لدرجة الحرارة تأثيراً على تقدير الفترات الزمنية يشبه تماماً تأثيرها على سرعة التفاعل الكيميائي البسيط، مما قد يوحي بأن الألية التي نستعملها لقياس الفترات القصيرة تشتمل على الساعة الأيضية
    Metabolic شديدة البساطة، ولما كانت أجسام الأطفال أدفأ من أجسامنا فلا جرم أنهم يشكون من تباطؤ الزمان وكسله، وفي المقابل لما كانت أجسام الشيوخ أبرد فإن الزمان يتحرك بسرعة أكبر فيما يبدو لهم، ولقد ضرب لنا (دابليو جي فيبس) مثالاً يبين أنَّ هناك بالتأكيد عوامل أخرى تتدخل في هذه المسألة: فإذا سُئل شخص أن يحدد طول فترة يتلقى خلالها شيئاً من المعلومات على هيئة شريط سينمائي مثلاً فإن تقديره لطول الفترة الزمنية يزداد مع إزدياد مستوى التعقيد للمعلومات المفروضة وبمقدار ما يتذكره منها، ومن ثم فإن الإنطباع الذي يكوِّنه عقل الإنسان عن طول أي فترة زمنية يتوقف في شطر منه على مدى نشاطه خلال تلك الفترة، ولذلك يشعر أحدنا بطول يوم يقضيه حافلاً بأنشطةٍ وأعمال متعددة، بينما لو قضاه في روتين يومي للعمل فإنه يشعر بقصره، وكذلك ستبدو محاضرة معقدة عملاً طويلاً، إذ لا يجد العقل مفراً من الإجتهاد الشاق في محاولة هضمها وإستيعابها، فهل يصلح هذا أيضاً تفسيراً وإن جزئياً لإنطباع الطفل عن تلكؤ الزمن، فكل يوم من أيامه تتزاحم فيه أشياء جديدة وهي في الغالب غير مفهومة، والعقل في طور النمو والتكوين مندهشاً سآلاً جوعان إلى إدراك كل شئ لا يستبعد شئ على أنه عادي مبتذل، إنَّ عالم الطفل أكثر ثراءً وإغراءً حتى أصوات الصمت يحاول الطفل أن يصغي إليها.

    ولو تركنا تأثير السياق وتأثير المعلومات التي لا تتصل بالموضوع في تضليل قدرتنا على تقدير الزمن، ومن المعلوم أنَّ النساء يُظهرن في كل الأعمال دقةً أقل من الرجال في تقديرهن للزمن لأنهن أشد تأثراً بالسياق من الرجال، لو تركنا هذا جانباً فإنَّ هناك عوامل أخرى تشوه إحساسنا بالزمن فبينما تعمل أملاح حامض البربيتوريك أو أكسيد النتروجين أو نقص الأوكسجين في إبطاء سرعة الزمان الذاتي، فإن عقاقير مخدرة مثل الآمضينامينات
    Amphetamines أوLSD أو التيروكسين Thyroxine تقوم بإسراع ساعاتنا وتجعلنا نبالغ في طول الفترة الزمنية، إن عمل هذه الوسائل الكيماوية يذكرنا بالأصول الفسيولوجية لإدراك الزمان، ويبدو أن القاعدة هي أن العقاقير التي تزيد من سرعة عملية الأيض Metabolism تدفع ساعاتنا الباطئة إلى الإسراع، هنا لا يفوتنا أن نشير - بناءاً على نظريات فرويد Freud - إلى أنَّ هناك مناسبات يبدو فيها أن عملياتنا الذهنية تعمل تماماً خارج الإنسياب العادي للزمان، فوفق سيجموند فرويد عمليات النسق اللاشعوري لا زمانية بمعنى أنها لا تترتب في الزمان، ولا يطرأ عليها تعديل بمرور الزمن، إنها لا تمت بصلة إلى الزمن، ولعلكم الطفل الصغير لا يكف عن إبداء إعجابه وإكباره للكبار الراشدين، وكثيراً ما يتقمص أدوارهم وينتحل شخصياتهم، في المقابل يشكل الماضي حجر الزاوية في إهتمامات الشيوخ، فإذا كانت عبارة (عندما أشب عن الطوق .. ) هي لازمة المقبلين على الحياة في فصولها الأولى، فإنها ما تلبث أن تستحيل تدريجياً إلى (عندما كنت شاباً) لدى الشيوخ، فهل يوحي إلينا هذا المعنى المعيار الذي نستطيع الحكم به على أمة ما أنها أمة شابة أو عجوزة في الغابرين؟ إنَّ شأن الأمة الشابة كشأن الشباب من الناس، عظم إهتمامها ووكدها فيما تصير إليه وفيما تريده لنفسها أنها تنظر أبداً إلى الغد، إلى الأفق البعيد أما الأمة العجوزة فإنها تنفق من رصيد الماضي، رصيد الأسلاف والجدود تمدحاً وفخراً لعله يجدي شيئاً من العزاء والسلوان.

    من المسائل التي خبرتها بنفسي -ولا زلت- شعوري بطول اليوم الأخير من أيام أسبوع العمل، إنه طويل بشكلٍ ملحوظ بالقياس إلى سائر أيام الأسبوع، بالضد من اليوم الأول من أيام الأسبوع. إن الزمن يتهرب سريعاً ويتسلل لائذاً خفيف الوطأة، قد ترون أنَّ هذا يتناقص مع ما سبق الإشارة إليه على أننا لدى التأمل نجد أنَّ الوضع مختلف في الحالتين، فطبعية النشاط هنا واحدة، إنه نشاط روتيني وَتْري -يجري على وتيرة واحدة- فليست إذن طبعية النشاط هي المسؤولة عن هذا الشعور، يبدو لي أن المسؤول عن ذلك أمران، الأول : التوقع ، فقد تمت برمجة للتوقع أخذت في حسابها عوامل كثيرة منها: عطلة نهاية الأسبوع، حيث الإخلاء إلى قليل -أو كثير- من الراحة، الترويح عن النفس بفسحةٍ أو نزهة أو زيارة للمعارف والأحباب، بتعبير آخر لون من ألوان التغيير والتجديد، إنجاز بعض المهام التي ليست من جنس العمل (المفروض)، ثم الفراغ من رقِّ الوظيفة فقد كان الأستاذ العقاد يرى أن الوظيفة هي رقُّ العصر، والهروب إلى الحرية وربما أيضاً إلى السلطة، حيث يستحيل المأمور آمراً والمقيد مطلقاً، أياً ما كان فالتوقع في جانب منه (إنتظار) والإنتظار كما تقول العرب موت أحمر إلخ، فهل يصح أنَّ قدرتنا على تقدير إنسياب الزمن مقيدة بالتوقعات، وأحياناً بمعزل عن أي قيود فسيولوجية أو بلغة المنهج التجريبي، هل تصح هذه الفرضية بجعل التوقع متغيراً مستقلاً؟ لا بد من إختبار ذلك علمياً.

    الأمر الثاني الذي لا بد من إعتباره في هذا الصدد ، هو القدرة على متابعة العمل ومواصلته، والمدى الذي تتحرك فيه هذه القدرة قبل أن تستنفذ وتستنزف أو تبدأ في ذلك، وبديهي أن ذلك يخضع لعدد هائل من العوامل قد يصعب حصرها من جهة، ومن جهة أخرى فإن لدى الإنسان إستعداداً مميزاً لمضاعفة إستعداده وتضعيف إستجاباته، الأمر الذي يعيدنا مرة أخرى إلى مبدأ (التوقع )، فالتوقع حاكم هنا أيضاً على ( القدرة والإستعداد )، فالقدرة عامل تابع للعامل المستقل (التوقع)، فقد يمكننا إذن أن نكتفي بالتوقع وحده كمبدأ يفسر لنا الظاهرة المشار إليها .

  4. #19
    الصورة الرمزية faissal
    faissal غير متواجد حالياً عضو المتداول العربي
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    الإقامة
    فينا- حلب الشهباء
    المشاركات
    8,737

    افتراضي رد: هل للزمان وجود حقيقي؟ وماقيمته واثره

    هناك حدود لا يبلغها الدرس السيكولوجي المألوف لا بد من الإستعانة بما وراء السيكولوجي لنفهم بعض الشئ, وأسارع إلى القول إنَّ العالم أو المشهد الفيزيائي ليس إلا وجهاً واحداً للواقع وللوجود، ومهما أصررنا على أن نتشبث بهذا المشهد وحده متجاهلين الوجوه الأخرى فلن نفلح في فك كثيرٍ من الألغاز التي نتعثر بها كل حين، والإنسان على وجه الخصوص ظاهرة برزخية ذات فرادة من نوع خاص، برزخية بين عالم المادة وما وراء المادة، بين المطلق والنسبي، بين الملك والشيطان ، بين الجماد والحيوان إنه عالم التناقضات، ومن الخطأ التعاطي معه وفق المناهج التي تصلح للتعاطي مع عالم المجردات بطرائق الرياضة والترميز، أو مع عالم الماديات، لا بد من إختطاط خطة ملائمة تنسجم مع فرادة وإمتياز هذه الظاهرة الأَلغز (الإنسان).

    لو حصرنا أنفسنا في إلتقاط الظواهر النفسية المتعلقة بمعضلتنا (الزمان) مما يصنف ضمن الظواهر الميتافيزيقية أو فوق العادية
    Paranormal الباراسيكولوجية مثل: التكهن النفسي Psychometry والتنبؤProphecy وإستشراف المستقبل Precognition، للتكهن النفسي قدرة على قراءة ماضي الأشياء، يمسك الشخص بأي شيء فيرى ماضيه معه !! ؟ ولكأن الأشياء تحمل تاريخها معها مطبوعاً فيها أو عليها على نحو ما، كما أن هناك أشخاصاً يقرؤون قطعاً من الماضي كما لو كانت حاضرةً ماثلة، يحدث أن يدخل أحدهم مسجداً أو بيتاً فلا يراه كما نراه نحن إنه يراه كما كان قبل كذا وكذا سنة، أحياناً تخترق هذه الرؤية القرون، طبعاً هذا يكون للحظات وليس بشكل دائم، ولدى المقارنة والتحري يتبرهن أن هذه الرؤية -أو الرؤيا- تتطابق مع المعطيات التاريخية المعمارية عن هذا المكان، أما في التنبؤ وإستشراف المستقبل فالرؤيا تخترق حجاب ما لم يأت -كما نظن- وتقرأ سطوراً من سطور الغيب أحياناً بدقة تبعث على الدهشة، وهذه الرؤيا ليس شرطاً أن تكون منامية، بل قد تكون في حال اليقظة، ومن قصور اللغة أو غلطها أن تسمي هذه الحالة بـ(اليقظة)، وفي الواقع فما نسميه يقظة هو ما لا يسمح لنا بالإنطلاق والتحرر، إنه لون من الحسَّاسية العالية المحكومة بمعطيات جامدة ترفدها الثقافة والمواضعات وقوالب التفكير الجاهزة والمعدة سلفاً، إنَّ أفقر الناس إلى هذه اليقظة هم المبدعون والحالمون، فيقظتهم من نوع مختلف تماماً وهي إذا ما حوكمت إلى مقاييسنا العامة ذهول وغياب، على أنها في حقيقة الأمر أقرب إلى اليقظة الحقيقية، أما يقظتنا نحن فأقرب إلى السلبية والإنغلاق، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا)، كما يقول تبارك وتعالى (فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد). والأيقاظ يمارسون تجربة الموت هذه بالإنفصال عن المألوف والمعتاد والمبتذل والمعد والجاهز كثيراً، إنهم لا يكفون عن خوض هذه التجربة الفريدة .. ولوليم جيمس: "لو قارنا ما يجب أن نكون عليه لوجدنا أنفسنا نصنف يقظين"، هذه الحالة من اليقظة -حيث تمَّحي تخوم الزمان وعلائم المكان وتنال النفس هبة معانقة حقائق الأشياء في بساطتها وتجردها من الأركان والعلامات والحدود في توحدها، في دتمومتها وطلاقتها معاً- وهي التي وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بالمعرفة في قوله لحارثة: عرفت فالزم وهي التي يتوق إليها الباحثون عن العرفان لينضووا تحت لواء العارفين.

    في الكتب المختصة بهذه الظواهر فوق العادية نقرأ عن شاعر ألمانيا (جوته) ما دوَّنه في مذكراته، فقد كان يمتطي صهوة جواده ذات يوم وفجأة في أحد الممرات وعلى الجهة المقابلة رآه، رأى نفسه يركب حصاناً ويرتدي زياً لم يسبق له أن ارتداه، لازمه لحظة ذهول ليستفيق منها وقد غاب كل شئ، وبعد مرور ثمانية أعوام بينما كان على ظهر جواده انتبه ليجد نفسه في نفس المكان مرتدياً ذات الزي الذي رآه على (جوته الصورة أو المثال !!؟؟).

    في الواقع يمكن الإستشهاد بكثير من أمثال هذه القصة مما يعزى لمشاهير الغربيين من أمثال تشارلز ديكنز الروائي الإنكليزي الشهير، ويعقوب بومه
    Boehme المتصوف الألماني المعروف، واسترندبرج August Strindberg الأديب السويدي الذي كان معاصراً لكانط، وقد روى كانط نفسه عنه بعض الحكايات العجائبية، والراهب الروسي الشهير راسبوتين وعصريه جورجيف .. وغير هؤلاء، إلا أن ما يفيض به تراثنا الصوفي يسمح بسرد مئات أضعاف هذه الحكايات إن لم يكن آلاف، بل حاضر نفر كثيرين من صوفية المسلمين جاهز لتقديم أوثق الأدلة وأرجح البراهين على تمتعهم بأمثال هذه القدرات والخوارق العادية، كل ما ذلك أن القوم يرصدون كل شيء بدقة ومتى سمحت الشاهدات بإثبات الحالات كظاهرة شرعوا في وصفها وتفسيرها وتعليلها في محاولة لإنشاء علم جديد.

    وهذا هو ملخص (الباراسيكولوجي) لديهم أما نحن فنسلك الطريق السهل، طريق التشكيك والتكذيب والإكتفاء بوصف هذه الحالات بأنها حالات من الشعوذة والإستعانة بالشياطين، وكأننا نفهم جيداً الشعوذة وندرك كيف تكون الإستعانة بالشياطين، إننا نفسر المجهول بمجهول فنزيد في الشطرنج بغلاً، أو يكتفي ذوو النوايا الحسنة ممن يتمتعون بقابلية أن يصيروا دراويش ومجاذيب بالتسليم بخارقية هذه الحالات وأنها كرامة الله لأوليائه الصالحين. فالأمر واضح جداً، فلم التهوك والحيرة؟؟ مع أن ملاحظة هذه الظاهرة في عمومها حيث يبدي بعض فقراء الهنود وأرثوذكس الروس بل ملاحدتهم وأتباع ديانة الزن وأتباع مختلف الديانات، بالأحرى الإنسان كإنسان بصرف النظر عن دينه ومعتقده، يبدي أحيانا مثل هذه القدرات المعجة مما يؤكد أنها ليست بالضرورة من حيث الأصل كرامة إلهية لعبد صالح مع تسليمنا بإمكان ذلك.


    وقد تحدث علماؤنا بدقة في هذه المسألة وفرقوا بين المعجزة والكرامة والإستدراج، وسموا للإستدراج أسامي أخرى منها الكيد والمكر والإملاء، وللشيخ الكبير محي الدين ابن عربي:
    خرق العوائد أقسـام مقسمـة أتى به النظر الفكري محصــورة
    منها معنية بالحــق قائمــة كالمعجزات على الإرسال مقصورة
    وما سواها من الأقسام محتمـل وليس للعلم في تعيينـه صــورة
    وكلها في كتــاب الله بينــة فقف عليها تجدها فيه مسطــورة
    بشرى وسحر ومكر أو علامته كلها في كتــاب الله مذكــورة
    فبهذه خمسة أقسامها انحصرت للناظرين وفي الأكوان مشهــورة
    ولا يفوتنا هنا أن نشير إلى ظاهرة النوابغ والموهبين الذين ينجزون أعمالاً حسابية معقدة في زمن قصير جداً، كالفتاة البرهمية شاكونتالا ديفي shakuntal divi التي استطاعت وعلى الفور استخلاص الجزر العشرين لإثنين وأربعين رقماً دون تجريب ودون تروٍّ، أو النابغة الحسابي الكندي زيراه كولبرن Zerah Culburn الذي حينما سئل عما إذا كان العدد 2294967297 من الأعداد الأولية -أي لا ينقسم بواسطة إلى عدد آخر- أجاب من فوره: كلا إنه ينقسم بالعدد 641، وفي مثل هذه الحالة لا يوجد أي منهج رياضي يحدد ما إذا كان عدد ما عدداً أولياً إلا المنهج الوعي، منهج المحاولة والخطأ، فكيف تم الأمر إذن بهذه السرعة الخاطفة؟

    إنه أشبه بتلقي الجواب، رؤيته في لمحة، فهل هو عقل يتسارع فيه كل شيء بطريقة غير مألوفة؟ في تاريخنا رصد لتجارب عدد كبير من الأئمة والعلماء كانوا يقرؤون في ليلة واحدة آلاف الصفحات مع استيعابها، بل إن منهم من وزعت مؤلفاتهم على أيام حياتهم، فوجد أنها لا تفي بها نسخاً فقط فضلاً عن التصنيف وما يقتضيه من التأنق في الأسلوب والتدقيق والتنقيح في المسائل وما إلى ذلك، الإمام النووي رحمه الله في كتاب (التبيان في آداب حملة القرآن) ذكر أن ابن الكاتب الصوفي كان يختم القرآن الكريم أربع ختمات بالليل وأربعاً بالنهار وقال: وهذا أكثر ما بلغنا في اليوم والليلة، وفي صحيح البخاري يخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن النبي داوود سلام الله عليه أمر أن تسرج له دابته، فبينا هي تسج إذ قرأ القرآن -يريد الزبور-، مثل هذه الظواهر يتحدث عنها العلماء على أنها من باب نشر الزمان، والطريف أن التاج السبكي حين عرض لأنواع الكرامات ذكر نوعان يتعلقان بموضوعنا: طي الزمان وعكسه نشر الزمان، وقال: وفي تقدير هذين القسمين عُسرٌ على الإفهام،.. والحكايات فيها كثيرة.

    ولو عدنا إلى العلم مرة أخرى فسنضطر أن نستمع إلى حديث المخ المنقسم، فكل منا يسكنه شخصان، فالنصف الأيسر من كرة المخ عالِمٌ أما الأيمن ففنَّان، ببساطة ونحن مدينون لـ
    R.W.Sperry في هذا التمييز بين هذين النصفين فسيولوجياً، وفي الآونة الأخيرة كثرت الدراسات والأبحاث والكتب حول هذه المسألة المغرية فكتب آدم سميث ( قوى العقل the Powerof Mind ) وبوب سامبلز Bob Samples (العقل الرمزي The MetaphoricMind ) وصالي سبرنجر وجورج دوتشيك (المخ الأيسر والمخ الأيمن Right Brain , Left Brain ) وريتشارد م. رستاك (المخ آخر خطوط الكشوفات The Brain : The last Frontier ) وتوني بوزايد (إستعمل كلا جانبي فكك Use bothsides of your Brain )وغيرها كثير، فسامبلز يرى أن في الإنسان عقلين إثنين: عقل منطقي LogicalMind الموجود في الجانب الأيسر، وثانٍ يسميه العقل الرمزي MetaphoricMind الموجود في الجانب الأيمن، ويقول نحن نرى آثار العقل المنطقي في الكشوفات العلمية، بينما نرى آثار العقل الرمزي في الإلهام والإبداع الفني وهو الذي يصل الإنسان بعالم الغيب ويربط بين المحسوس وما وراء المحسوس: إنه يتبعنا بعناد ويزعجنا بحضوره ونحن نتجول في الممرات العقلية، إنه الرباط الرمزي الذي يربطنا بالمجهول الذي يخبرنا عنه الدين، ويدفعنا لبناء المعابد، ولقد سمى آينشتين العقل الرمزي (الهدية المقدسة) بينما سمى العقل المنطقي (الخادم الأمين). وسامبلز يرى أن حضارتنا أولت العقل المنطقي رعايتها وإهتمامها، فيما ينتظر العقل الرمزي هذه الرعاية، فحضارة العصر إذن هي حضارة المخ الأيسر (أصحاب الشمال لا أصحاب اليمين) !! وما الإنفصال الكارثي في هذه الحضارة بين الدين والعلم، بين الوحي والعقل إلا مظهراً من مظاهر أزمة الإنسان الذي لم يلتئم شقاه، الإنسان الكسر، كسر إنسان لا إنسان كامل، الإنسان الذي تاه عن نفسه (فأنساهم أنفسهم)، يعاني الفقر والحاجة ولا يقدر إلا على إنفاق الملاليم لأنه ذاهل عما يملكه من الملايين .. إن نصفنا الأيسر يأتي دائماً في المقدمة ليتكلم باسمنا وأما النصف الآخر فهو في المؤخرة، في الظل، ومن الأمور ذات الدلالة أن المخ الأيسر لديه إحساس قوي بالزمان، على حين أن الأيمن لا يملك شيئاً من هذا الإحساس، وهذا لا يعني أنه يفتقر إلى القدرة على حساب الزمان، بل على العكس، إنه هو الذي يوقظك في تمام الساعة التي هيأت نفسك قبل النوم للإستيقاظ فيها، إلا أنه يأبى أن يأخذ الزمان مأخذ الجد .. إن النصف الأيسر في عجلة من أمره دائماً، ولذلك فهو يميل إلى معاملة النصف الأيمن في شيء من نفاذ الصبر، ولعل هذا هو السبب في أن إنسان العصر لا يملك من الحدس إلا القلة .. يظن بعضهم أن نوابغ الحساب الذين يقعون على الحلول بسرعة دونما عناء، لم يقعوا ضحية لسيطرة النصف الأيسر كذلك فالعارفون وأمثالهم ممن ينعمون بحالة من الهدوء العميق والسكينة الوادعة إنما يدينون للنصف الأيمن بإحساسه باللازمانية والطمأنينة بينما كفكف الأيسر من غلوائه وأدرك أنه يستطيع أن يتوقف عن العدو واللهاث.

    ترى هل لهيمنة المخ الأيمن -في ضوء ما ذكرنا- علاقة بما يبديه بعضهم من القدرة على التحصيل السريع والوصول إلى المعرفة من طرقٍ تبدو لنا مختصرة جداً .. إن له أساليبه الخاصة في التعامل مع الزمان، والظاهر أن الظواهر فوق العادية والإدراكات فوق الحاسية لها علاقة بالنصف الأيمن منا لا بالنصف الأيسر.

    وأخيراً:

    لا بد من كلمة نختم بها، فلنجعلها عن موقف الأمم من الزمان .. فالأمم المتقدمة تقيم للزمان إعتباراً كبيراً، يظهر في الإدارة الجيدة والتنظيم الدقيق وتقسيم الأعمال وإحترام المواعيد، وتتحسس التقسيمات الفنية للزمن بشكل كبير، وهي في سباق مع الزمان مستمر، تسعر أنه يتهرب دوماً في حالة إنطواء وتقلص فلا بد من ملاحقته ولا بد من إستثماره على أحسن صورة، هذه الأمم تدرك تماماً أن الزمان هو ظرف الحدث، ظرف الفعل الحضاري، لقد كتب المفكر الكبير (مالك بن نبي) عن معادلة النهضة من ثلاثة عوامل: (الإنسان ـ والتراب ـ والوقت) في المقابل تلحظ الأمم العاجزة في عهود إنحطاطها وقعودها وقد امتلكت فائضاً هائلاً من الزمن، فهي تعجز عن تصريفه وتجهل كيف يكون تدبيره، الزمان هنا في حالة تمددdilitation لكن من غير كرامة، في حالة تثاؤب واسترخاء، يتسرب كما يتسرب الماء من ساقية خربة، يتأدى إلى العدم، والمعادلة المؤلفة منه ومن الإنسان والتراب غير ملحوظة، فالأمة لا تفهمها ولا تقدر على بلورتها والأفراد كذلك، ولذا ليس غريباً أن يقضي الفرد ثلاث ساعات أمام مسرحية في التلفاز، ويعززها بسبع ساعات أخرى فيما لا يعني ولا يجدي من قبيل حديث (نسوان الحمامات)، فإذا ما طُلب إليه أن يساهم بشيء من وقته في عمل يعود بالنفع على بلده أو حتى أهل حيِّه ومحلته استيقظ فيه الشعور بشحاحة الوقت وأهمية الزمن؟!

    هذا هو الإدراك الضائع .. فرد كهذا قد ينفق ساعتين إضافيتين يدور فيهما على المحال البعيدة في المدينة ليوفر بضعة قروش في شراء ما يحتاجه للمنزل، فهل هذه القروش اليسيرة تساوي ساعتين من الزمن؟ إن حال هذا الفرد كحال الذي يشتري بعشرة آلاف قرش ما لا تمس حاجته إليه الآن فإذا جاء وقت الدفع خاض معركة ضروساً ليضع عنه البائع بضعة قروش ليشعر بعدها بالإنتصار مع أنه مهزوم منذ البداية، فهو فقير إلى حس حسن التقدير للأمور.

    لقد قرأت عن علامة الشام الشيخ محمد جمال الدين القاسمي رحمه الله - والذي توفي وهو في التاسعة والأربعين من عمره 1914 لكنه ترك زهاء مئة مؤلف -منها تفسيره للقرآن العظيم في عشر مجلدات- قرأت عنه أنه إذا مرَّ بقوم جلوس على المقاهي يزجون أوقاتهم في البطالة، يتحسر ويقول: "لو أن الأوقات تشترى بالمال لاشتريت أوقات هؤلاء بحُرِّ مالي فأنا محتاج إلى أوقات كثيرة" .. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ"، وهو القائل: "إغتنم خمساً قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك" وله أيضاً صلى الله عليه وسلم: "بادروا بالأعمال سبعاً: هل تنتظرون إلا فقراً مُنسياً أو غنى مطغياً أو مرضاً مفسداً أو هرماً مفنداً أو موتاً مجهزاً أو الدجال فشر غائب ينتظر أو الساعة فالساعة أدهى وأمر".

    فهل نحن حقاً أتباع هذا الرسول الكريم ؟؟ إن الواهمين يظنون أن الإتباع يكون مجرد الإعلان أن تقول: أنا من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم ولكن الحقيقة تؤكد أن محمداً الذي تجهله وتجهل حقيقة رسالته وروح دعوته هو كماركس الذي تجهله تماماً، إنَّ محمداً صلى الله عليه وسلم هو الذي أخبرنا أنه لن تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يُسأل عن عمره فيما أفناه؟ الحديث.

    محمد عليه الصلاة والسلام هو الذي قال: "أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين"، وأنا أنظر إلى الوجه الرسالي الحضاري لهذا القول الكريم، ذلك أن الإنسان في هذه الحدود العمرية يقدر على الإنتاج والعطاء، يستطيع أن يمارس دوره باقتدار أما بعد ذلك فيبدو أن الأمر يغدو صعباً فقد يصير إلى حالة يحسب معها على الأمة بحساب الناقص لا بحساب الزائد، فالتبرير الإلهي لهذه القضية رسالي حضاري، وحين تنتهي مهمة الإنسان فليفسح الميدان لغيره:
    أتينا إلى الدنيا فلو عاش أهلها منعنا بها من جيئة وذهـوب
    تملكها الآتي تمـلك سالــب وفارقها الماضي فراق سليب
    رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يأمرنا إذا قامت القيامة وفي يد أحدنا فسيلة، فإن استطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليغرسها، إن عمارة الأرض قيمة مطلقة فيما يبدو، ذلك أن هذه الفسيلة لن تنبت ولن تؤدي إلى شيء .. فالمعمار الكوني كله يتداعى إلى السقوط، ولكن يبقى استعمار الأرض قيمة مرعية .. ولذا فالزمان بحد ذاته كظرف لهذه المناشط شيء له وزنه فينبغي الضن به والحرص على استثماره، إلا أن حالنا اليوم يؤكد أنه عبء علينا ثقيل، كما نود التخلص منه، فلسنا واعين بأنه ثمة رسالة يجب علينا الإضطلاع بحملها لعمارة الدنيا وارتفاق الكون.

    يا أخواني، لقد استبطأنا الساعة (النهاية الشاملة) فنحن نستعجلها بالحديث المحموم عن أشراطها وأماراتها، وكم يطيب لنا أن نبرهن على وقوعها، إن ارتفاع وتيرة هذا الحديث الأشراطي يؤكد أننا أمة تجهل رسالتها ويوشك إن بقيت على ذلك أن تنعزل عن وظيفتها بالكلية (وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم) ولئن رمز صعود المسيح عليه السلام إلى الهروب من عالم ضرب الفساد مفاصلة، فإن استعجال الساعة يترجم عن رغبة في إنهاء قصة الحضارة وإجهاض المشروع الإلهي .. فإلى يومنا هذا ظل ظن الملائكة هو ما صدقه التاريخ (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء)، فبقيت البقية التي سيتجلى فيها (إني أعلم ما لا تعلمون) العلم الإلهي بإزاء ظنون الملائكة، إن استعجال المعاندين الأول محمداً صلى الله عليه وسلم الساعة كان تحدياً لأمله صلى الله عليه وسلم في بلوغ لحظة الرشد الهاربة أمام الصلف والكبرياء والجحود، واستعجالنا نحن اليوم الأقدار الساعة هو تعبير عن يأسنا في بلوغ رشدنا الذي نؤدي به رسالتنا وشهادتنا على الناس (وتكونوا شهداء على الناس).

    أيها الأخوة ليست المسألة مسألة وعظ تتبرر به ذمتنا الثقافية فالوعظ عنصر واحد من عناصر العملية التربوية، وهنالك عناصر أخرى أعمق أثراً وأبعد فعلاً لا بد من استغلالها لنعود قادرين على بلورة معادلة النهضة في دنيا الناس، فعسى أن يكون يومنا خيراً من أمسنا وغدنا خيراً من يومنا فتزايلنا اللعنة، لعنة السلبية والحرمان، يقول الإمام علي كرم الله وجهه:

    "من استوى يوماه فهو مغبون ومن فضل أمسه يومه فهو ملعون"!! نعم ليس غريباً على دين يرى الغباوة خطيئة (وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير، فاعترفوا بذنبهم ..) وأن يعد الكسل والسلبية لعنة .. واللعنة هي حالة طرد واستثناء من عموم رحمة الله، ومن رحمته سبحانه ما يسوقه إلى خلقه من صنوف الأرزاق، وما يفتح سبحانه للناس من كنوز معرفة الكون وارتفاقه واستخراج كظائمه هو من أفضل الأرزاق، فما هو حظ أمة كسول من هذه الأرزاق، أما رزق الدواب فلا داعي للقلق بشأنه (فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها) لكن ما فائدة امرئ مرزوق رزق الدواب وحسب، حتى هذا الرزق قد تعدمه الأمم أحياناً فتقضي جوعاً وعطشاً.

    أيها الأخوة، في لحظة الشعور بالتهدد بالفناء والضياع يستيقظ الإحساس بأهمية الزمن مدعماً معززاً بغريزة البقاء، وحينئذٍ يستحيل الزمان - حقاً وفعلاً ظرفاً للفعل لا سبيلاً إلى العدم، شيفرة بناء الماهية وطلسم إنجاز المعنى وتبليغ الرسالة ولا أظن إلا أننا في حالة ضاغطة تشي وتبوح بنذر الفناء، فهل من يقظة ؟؟؟.
    و الله تبارك و تعالى أعلم.
    الفقير إلى رحمة ربه و عفوه
    عدنان إبراهيم


  5. #20
    الصورة الرمزية faissal
    faissal غير متواجد حالياً عضو المتداول العربي
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    الإقامة
    فينا- حلب الشهباء
    المشاركات
    8,737

    افتراضي رد: هل للزمان وجود حقيقي؟ وماقيمته واثره

    الحمد لله الذي اعانني ووفقني الى نشر هذه الدراسه الرائعه
    وارجو من الاخوة الا يملوا من القراءة ففي هذه الدراسه الفائده ان شاء الله وانه والله لعلم يفتح الاذهان
    والحمد لله رب العالمين

  6. #21
    الصورة الرمزية mobtd2_msry
    mobtd2_msry غير متواجد حالياً عضو المتداول العربي
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    المشاركات
    836

    افتراضي رد: هل للزمان وجود حقيقي؟ وماقيمته واثره

    والله هو اهم حاجة ان البنى ادم تكون نيته صافية ..ويسيبها على ربنا .. واهو محدش بياخد اكتر من رزقه.. وربنا يكرم الجميع ان شاء الله --- مشكور على الموضوع الجميل ( سؤال: هو الكلام ده معناه اننا ممكن نرجع الشارت لورا ? اصل فيه صفقة باوند ضربتهالى الاخبار الاسبوع اللى فات)

  7. #22
    الصورة الرمزية faissal
    faissal غير متواجد حالياً عضو المتداول العربي
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    الإقامة
    فينا- حلب الشهباء
    المشاركات
    8,737

    افتراضي رد: هل للزمان وجود حقيقي؟ وماقيمته واثره

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة mobtd2_msry مشاهدة المشاركة
    والله هو اهم حاجة ان البنى ادم تكون نيته صافية ..ويسيبها على ربنا .. واهو محدش بياخد اكتر من رزقه.. وربنا يكرم الجميع ان شاء الله --- مشكور على الموضوع الجميل ( سؤال: هو الكلام ده معناه اننا ممكن نرجع الشارت لورا ? اصل فيه صفقة باوند ضربتهالى الاخبار الاسبوع اللى فات)
    لا تعليق افهمها

  8. #23
    الصورة الرمزية mr13
    mr13 غير متواجد حالياً عضو المتداول العربي
    تاريخ التسجيل
    Oct 2004
    الإقامة
    C:\Program Files
    المشاركات
    353

    افتراضي رد: هل للزمان وجود حقيقي؟ وماقيمته واثره

    السلام عليكم
    أشكرك عزيزي من كل قلبي على نقلك هدا المقال الجميل المفيد.
    انا أيضا من المهتمين بهده المواضيع وكل ما يتعلق بالفيزياء النظرية والكونية..
    لي تعليق صغير ..وهو حبدا لو ابتعدت في طرحك عن الربط بين الدين ( القرآن ) وهاتيك الأطروحات العلمية..لسبب واحد..هو أن كل ما يطرح من نظريات علمية إنما هو حقائق نسبية قد تثبث وقد تتغير مع الزمن..بينما القرآن حقيقة مطلقة. فهل إن توافقت حاليا الآية مع النظرية..قلنا سبحان الله..وإن تغيرت لاحقا ( قد تكون قرونا من الزمن..كما حال ميكانيكا نيوتن والميكانيك الكوانتي ) قلنا حاشا لله...إنما هم المخطئون.
    إدن هده الإسقاطات قد تورطك عزيزي في متاهات أنت في غنى عنها..
    شكرا مرة أخرى..
    دمت بود
    منير

  9. #24
    الصورة الرمزية faissal
    faissal غير متواجد حالياً عضو المتداول العربي
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    الإقامة
    فينا- حلب الشهباء
    المشاركات
    8,737

    افتراضي رد: هل للزمان وجود حقيقي؟ وماقيمته واثره

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة mr13 مشاهدة المشاركة
    السلام عليكم
    أشكرك عزيزي من كل قلبي على نقلك هدا المقال الجميل المفيد.
    انا أيضا من المهتمين بهده المواضيع وكل ما يتعلق بالفيزياء النظرية والكونية..
    لي تعليق صغير ..وهو حبدا لو ابتعدت في طرحك عن الربط بين الدين ( القرآن ) وهاتيك الأطروحات العلمية..لسبب واحد..هو أن كل ما يطرح من نظريات علمية إنما هو حقائق نسبية قد تثبث وقد تتغير مع الزمن..بينما القرآن حقيقة مطلقة. فهل إن توافقت حاليا الآية مع النظرية..قلنا سبحان الله..وإن تغيرت لاحقا ( قد تكون قرونا من الزمن..كما حال ميكانيكا نيوتن والميكانيك الكوانتي ) قلنا حاشا لله...إنما هم المخطئون.
    إدن هده الإسقاطات قد تورطك عزيزي في متاهات أنت في غنى عنها..
    شكرا مرة أخرى..
    دمت بود
    منير
    المهم اخي انك قرأت المقال جيدا واستوعبته وانت تعرف انه لايمكن فصل العلم عن الدين
    وشكرا لك على ردك الجميل نفعنا الله واياك
    وسوف تصل لنتيجه جيده
    ربط العلم بالقران يقرب الى الله اكثر ويفتح افاق العلم والمعرفه بالله

  10. #25
    الصورة الرمزية ahmed hanafy
    ahmed hanafy غير متواجد حالياً عضو المتداول العربي
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    الإقامة
    Cairo-Egypt
    العمر
    72
    المشاركات
    6,986

    افتراضي رد: هل للزمان وجود حقيقي؟ وماقيمته واثره

    مشكور اخى فيصل
    موضوع مفيد و دسم
    و يحتاج القراءة اكثر من مرة
    جزاك الله خيرا
    انت و كاتبه

  11. #26
    الصورة الرمزية faissal
    faissal غير متواجد حالياً عضو المتداول العربي
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    الإقامة
    فينا- حلب الشهباء
    المشاركات
    8,737

    افتراضي رد: هل للزمان وجود حقيقي؟ وماقيمته واثره

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ahmed hanafy مشاهدة المشاركة
    مشكور اخى فيصل
    موضوع مفيد و دسم
    و يحتاج القراءة اكثر من مرة
    جزاك الله خيرا
    انت و كاتبه
    عندك حق اخي احمد في ذلك ويحتاج لمتابعه عند القراءه والحمد لله

  12. #27
    الصورة الرمزية faissal
    faissal غير متواجد حالياً عضو المتداول العربي
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    الإقامة
    فينا- حلب الشهباء
    المشاركات
    8,737

    افتراضي رد: هل للزمان وجود حقيقي؟ وماقيمته واثره

    للتذكير بهذا الموضوع المهم

صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12

المواضيع المتشابهه

  1. خبر الميزان التجارى الساعه 1.50 واثره على الين
    By $100000 in forum سوق تداول العملات الأجنبية والسلع والنفط والمعادن
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 08-09-2009, 06:12 AM
  2. خبر التغير في التوظيف غدا واثره على الدولار
    By Nader87 in forum سوق تداول العملات الأجنبية والسلع والنفط والمعادن
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 29-05-2007, 08:53 PM
  3. الضغط النفسي واثره على تجارتك....
    By الترايدر in forum سوق تداول العملات الأجنبية والسلع والنفط والمعادن
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 18-01-2006, 12:57 PM
  4. اعصار ويلما واثره على الدولار
    By sas1000 in forum سوق تداول العملات الأجنبية والسلع والنفط والمعادن
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 19-10-2005, 08:06 AM

الاوسمة لهذا الموضوع


1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17