بسم الله الرحمن الرحيم




في اعماق كل انسان كتاب ، فيه قصص وحكايا وروايات ولكن القليل منهم من يواتيه الحظ او المصادفة او الحظ والصدفة معا والسعي الدؤوب اللجوج لاستخراج الكتاب من مكمنه في الصدر او الذهن وعرضه للنور وعيون القراء.


القادة التاريخيون يصنعون ولكن الكاتب يولد كاتبا .للتاجر رأس المال وللحداد كورة النار والمطرقة وللطبيب آلة الفحص وللمهندس القمباز وللكاتب بذرة الموهبة وجمهرة الكلمات وقوافل الكتب والفهارس والمعاجم والقواميس وساعات التأمل والبحث وتلك الوخزة المقدسة التي لا تهدأ الا بأبداع ويسمونها " اللمعة" او حرقة الروح ، ويطلق عليها ابن الاثير " الطبع القابل لمعرفة التأليف".


هذه النزعة الخلاقة لا شيء ولا شخص على وجه الارض يقدر على سلبك اياها او الحيلولة بينك وبين الاستجابة لدواعيها .


ان نزعة الكتابة لا تدرس في مدرسة خاصة ولا تحويها الكتب . يقول سارتر في سيرته الذاتية : كان هناك من يتكلم داخل رأسي.


للكاتب عشق للكلمات حد الهيام والوله.الكاتب يحيا بالقارىء يتجدد من خلاله ينمو ويتطور وكاتب بلا قراء كاتب فاشل وكلما كان الكاتب يزين آمال جنسه ويجسد آمالهم كانت كتابته مطلوبة ومعتمدة وجديرة بالتأمل والملاحظة والقبول.واذا كان القارىء بعض عدة الكاتب وعمادا من اعمدة ديمومته فان همسة ارباب صناعة الكلام تغدو صرخة مدوية وهي تنظم العلاقة بينهما: لا تتعال على القارىء ولا تستغفله او تخدعه بمعلومة خاطئة او رأي مضلل وحذار من الغطرسة او الوعظ او الادعاء واول واقل ما يقال ان تحترم القارىء.


من منا من لم يسترجع همس حبيبة او عتاب صديق او ملامة ام ؟ قليل من اولئك من يتجرأ على وضع افكاره على الورق بالكلمات وقلة من يتسنى له نشر ما كتب؟


يخطىء من يظن ان الكتابة حكر على نفر معين من الناس دون سواهم لذلك يتهيب كثيرون من الدخول الى عالم الكتابة اعتقادا الا يسمح بذلك الا للمشاهير والاغنياء او كبار رجال الاعمال او الذين لديهم من يزكيهم للناشر او رئيس التحرير.لكن تلك الخواطر التي تختلج في جنبات النفس دون تشذيب او تهذيب او صقل قد تتمخض عن كاتب عادي ولكنها لا تخلق كاتبا مبدعا . والكتابة التي لا تتميز بميزة ما قصيرة العمر قليلة التأثير وعديمة الاثر.فهل للكاتب المبدع شخصية تختلف عن سواها من الناس العاديين الذين يأكلون الطعام ويمشون في الاسواق؟ نعم هذه هي الصفات ..


صفات الكاتب المبدع


نعم ، للكاتب المبدع شخصية متفردة ترتكز على جوهره وذاته وما يعتمل في صدره من نزوع نحو الجمال والحق والعدالة وفي التغيير والتصويب والتصحيح والتعديل واستقباح المظالم والسعي لدفع الشرور وتجميل وجه العالم بالكلمات.


الكاتب المبدع هو بالدرجة الاولى القادر على تفجير المفردة كما الصاعق واعادة تركيبها من جديد بشحن الكلمة لتعبر عن جملة وتكثيف الجملة لتعبر عن مقال واغناء مقال ليعبر عن كتاب توهج متلاحق مستمر يضيء ولا يحرق .


في فؤاد الكاتب المبدع حب للغة يبلغ درجة العشق والوله. في داخله عفوية ودهشة الطفل مضافا اليها معرفة شيخ وحكمة مجرب وصبر حكيم.


الكاتب المبدع انسان متعدد المواهب كثير الاهتمامات شديد التعاطف مع من حوله وما حوله،متعطش للمعارف،شديد الاخلاص للعمل حريص على التجويد فيه رغم المشاق والعقبات التي يصادفها او تصادفه،متذوق للجمال ولو كان في شوكة،اقل قبولا او استجابة او اطاعة لاراء العامة من الناس .


الكاتب المبدع محرض كبير ففي تاريخ البشرية الطويل الموغل في القدم كان هناك جمهرة يمشون على الارض ،لكن كان ثمة اناس يحلمون بالطيران.


والكاتب المبدع تتجلى موهبته باكرا هو الذي يخترع مناسبة للحديث يقول سارتر : كنت وانا طفل اصنع دوري بنفسي دائما اختار دور البطل لم يكن يستهويني أي دور ثانوي عداه.





كل كاتب لا بد ان تتجلى فيه بعض الصفات ، ان لم تكن كلها مثل الميل البالغ للقراءة ، الجنوح الواضح للعزلة ، لا لدرجة الانطواء المرضي ، الشغف بالتأمل والاستغراق ، سهولة التعبير وتكوين الجمل واختراع كلام منمق واستهواء ما لا يستهويه الاقران.


الكاتب المبدع هو مع المجموع وغريب عنهم فهو يستثمر في الكتابة آخر شهقة عجب ، واول صيحة انبهار، ويحصد ثمار مزاجه الغريب وحساسيته المفرطة ، ويستغل عواطفه الانسانية من ندم او حسرة او جذل او نشوة او كراهية ويجعلها الملح والسكر في طبيخ الكتابة.


الكاتب المبدع يرى المخلوقات كلها كأنها منحة ابدعها الخالق للمتعة والسلوى او العزاء ويكتشف الوشائج العميقة بين الشيء والشيء والانسان والانسان والانسان وتلك المخترعات التي تمنح الطراوة والطلاوة للمشاعر ومن ثم تنتقل بالعدوى الى الكلمات فتوقدها جمرا او تنثرها زهرا او تفجرها صواعق وبراكين وتجعل من ذلك الموهوب كاتبا ، بل كاتبا منفردا.


الكاتب المبدع يكتب عن الاشياء المألوفة بطريقة غير مألوفة





للكاتب عشق للكلمات حد الهيام والوله.الكاتب يحيا بالقارىء يتجدد من خلاله ينمو ويتطور وكاتب بلا قراء كاتب فاشل وكلما كان الكاتب يزين آمال جنسه ويجسد آمالهم كانت كتابته مطلوبة ومعتمدة وجديرة بالتأمل والملاحظة والقبول.