الاقتصادية - قائمة المخاطر التي تواجهها المملكة المتحدة طويلة وتزداد طولاً. وزيادة على ذلك، تزداد طولاً في ظل حكومة ضعيفة. لكن هذه الحكومة هي الحكومة الوحيدة الموجودة في البلاد. ولذلك عليها أن تتصرف. والسؤال أين وكيف؟

بالنسبة للمملكة المتحدة، التي تعتبر موطناً للمركز المالي الدولي الرائد في العالم، فإن الأزمة المالية العالمية لا مناص أزمة محلية أيضاً. لكن اجتماع عاملي ارتفاع أسعار السلع وتراجع قيمة العملة، الأمر الذي دفع التضخم إلى معدل أعلى بكثير من المعدل المستهدف وأجبر بنك إنجلترا على الإبقاء على أسعار الفائدة عالية عند 5 في المائة، يضرب الاقتصاد بعنف أيضا.

في هذه الأثناء، هناك فقاعة إسكان واسعة تنتشر في اقتصاد يتسم بأعلى مستوى من المديونية الشخصية بين مجموعة الدول السبع الأعلى دخلاً. ومع اختفاء التمويل المورَّق انهار تدفق القروض السكنية. وفوق كل ذلك، النظام المالي – البنوك الأكثر اعتماداً على التمويل المورَّق - هو نظام متذبذب كما يستدل من المصير الذي آل إليه بنك نورثرن روك والآن بنك HBOS . وزيادة على ذلك، هذا يجري في وقت ما زال فيه تراجع أسعار المنازل في مرحلة مبكرة.

إذن، ما الذي يجب على الحكومة أن تفعله في ضوء هذه الخلفية للأخذ بيد المملكة المتحدة لتجاوز ما سيكون بالتأكيد فترة مؤلمة من التعديل وتخفيف المديونية؟ فيما يلي أربعة أشياء ينبغي عملها وأربعة أشياء ينبغي أن تتجنبها حكومة تتصف بالحكمة.

أولاً، إدامة النظام المالي الأساسي مع القبول في الوقت نفسه بأن الكثير من المؤسسات الفردية ستختفي. ذلك أن معظم المؤسسات المتخصصة في تقديم القروض لسوق الإسكان ستختفي وتنضوي تحت لواء مؤسسات أكبر وأكثر تنوعاً. وجراء قلة المنافسة، سترتفع هوامش الربح وتصبح تكلفة الاقتراض أعلى. فليكن. ولا ينبغي للمملكة المتحدة أن ترغب في أن يعود مرة أخرى تمويل البيوت إلى سابق عهده في السنوات حتى آب (أغسطس) 2007 مرة أخرى.

ثانياً، إذا انتهى الأمر بالحكومة إلى إنقاذ البنوك أو تسهيل الاندماجات، فعليها أن تتأكد أيضاً من احتواء المخاطر التي يتعرض لها دافعو الضرائب. وإذا كانت هذه المخاطر بلا سقف، فيجب على الحكومة أن تأخذ زمام السيطرة على النحو الذي تفعله حكومة الولايات المتحدة مع مؤسستي فاني ماي وفريدي ماك والمجموعة الدولية الأمريكية للتأمين AIG.

ثالثاً، إعداد خطة طوارئ لإنقاذ النظام المالي بأكمله. ويمكن للمرء أن يتصور، رغم أن ذلك أمر غير مرجح الحدوث، أن تتراجع رسملة النظام المالي للمملكة المتحدة بحيث يعجز عن تأدية وظيفته بالشكل المناسب. لذلك ينبغي أن تكون لدى الحكومة خطة للتعامل مع هذا الاحتمال.

رابعاً، إعداد منظومة أكثر صدقية من الترتيبات المؤسسية المستقلة كي تحل محل القواعد المالية الداخلية والتي على وشك أن ُتضعِف الثقة كلية. فعندما يعاني القطاع الخاص من مجاعة ائتمانية ويضطر إلى خفض استهلاكه، ستنتهي الحكومة بصورة شبه مؤكدة إلى عجز مالي أكبر بكثير مما يستطيع أي شخص أن يتصوره. ومن حسن الحظ أن الدين العام للمملكة المتحدة متدن لدرجة تكفي للسماح بهذه التجاوزات في الظروف الراهنة. لكن سيكون جزءا لا بأس به من العجز الزائد هيكلياً. ويجب القبول به الآن، والتعامل معه بشكل صارم عندما يتعافى الاقتصاد.

والآن قائمة النواهي التي اقترحها.
أولاً، لا تكترث أكثر مما ينبغي بشكاوى القطاع المالي الذي لا يهتم إلا بنفسه. ففي أزمات من هذا النوع على الحكومات أن تتخذ قرارات صعبة وجاهزة، لأنها هي الضامن الأخير للنظام المالي. لقد أوقع القطاع المالي الاقتصاد في مشكلة. وإذا اضطرت الحكومة لتحمل جزء من الخطر المتمثل في إعادة لملمة النظام مرة أخرى، فيجب عليها أن تحمي المصالح العامة أولاً.

ثانياً، لا تغير الإطار النقدي. فهو الملاذ الوحيد الذي تبقى لصناعة السياسة في المملكة المتحدة. وإذا ما تغير، في وقت سيكون فيه بالتأكيد تجاوز مالي ضخم، يمكن أن تتعرض الثقة للدمار، الأمر الذي ستكون له نتائج مدمرة. وينبغي أن يستمر بنك إنجلترا في استهداف التضخم، وأن يسمح له في الوقت ذاته بالعودة إلى معدله المستهدف خلال فترة تمتد إلى سنتين.

ثالثاً، عدم إنقاذ قروض الرهن عن طريق الإعانات الحكومية، لكن ينبغي أن يكون واضحاً الآن أن هوس البريطانيين بتملك البيوت المحفوفة بالمخاطر إنما هو شرك وتضليل. يجب ترك السوق تنكمش، وهذا ما ينبغي أن يكون، وفي الوقت نفسه يتم تقديم مساعدات مباشرة للناس الذين يواجهون المصاعب، وذلك عن طريق نظام الميزات السكنية. وإذا أقدمت الحكومة على تأميم تمويل المنازل، فستعتبر مسؤولة عن نشاطه إلى الأبد. وبدلاً من ذلك تستطيع أن تسهل تطوير أنظمة تمويل جديدة، كالسندات المغطاة. وتستطيع أيضا أن تنظر في فرض ضريبة على قيمة الأرض كبديل للضرائب الأخرى على الممتلكات.

وأخيراً، يجب عدم الشعور بالذعر. فاقتصاد المملكة المتحدة ينبغي أن يكون قادراً على تجاوز هذه الأزمة دون أن يتعرض لركود بعمق الركودين اللذين تعرض لهما في أوائل ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي. ومن حسن الحظ أن قدراً كبيراً من وطأة الأزمة يقع على عبء حكومة الولايات المتحدة. وكل ما تحتاجه الحكومة البريطانية هو التعامل مع المصاعب الداخلية وما أكثرها. لكن من المؤكد أنه يمكن تدبر أمرها.

ربما لا يكون جوردون براون رئيساً للوزراء بعد الانتخابات المقبلة، فلينذر نفسه الآن لأن يكون في مركز يمكنه من الادعاء بأنه تعامل مع هذه الأزمة بالقدر الممكن من الهدوء والحسم، وفي الوقت نفسه يترك خلفه إرثاً جيداً بالقدر الممكن. قد لا يكون هذا هو النجاح الذي كان يأمل فيه في وقت من الأوقات، لكنه إنجاز، لا فرق.