المشاركة الأصلية كتبت بواسطة HaniMedia
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على اشرف المرسلين سيد الخلق اجمعين....
من الأشياء المحببة الى نفسى ان اقوم من حين الى اخر بخلع رداء المضارب و ارتداء عباءة المحلل, فهذا التنوع و التغير فى المناخ العقلى هو ما يسمح للعقل بابتكار الحلول الموضوعية و الصحيحة فى مواقف كثيرة بل و يساعد على الابداع فى ترتيب الادوات اللازمة و استخدامها بصورة جيدة مجملا و ليس تفصيلا, كما ان التحليل نفسه من الفطرة, حيث ميز الله الانسان بعقل يجرب فيخطىء فيتعلم فيتوب فيغفر الله له, و هذا ما هو الا ترجمة للتدرج الطبيعى للعملية التحليلية و التى تتضمن تجميع معطيات و خبرات سابقة فى بوتقة واحدة قبل البدء فى عملية مقارنتها ببعضها و استكشاف اى الحلول هو الاصوب سواء باستخدام احدها منفردا او الخروج بتركيبة من الحلول سويا تفى بالغرض و هذا لا يتحقق الا بالمعرفة و البحث المستمر
و ان كانت الفطرة دائما تدفعنا للطريق الصحيح الا ان الشهوات يمكنها فى كثير من الاوقات ان تتغلب على الصحيح من الافعال طالما العقل مهيأ لاستقبال هذا النوع من التاثير و بالنسبة للمتداولين هو ما يتمثل فى شهوات الخوف و الطمع و التردد و فقدان الثقة بالنفس و اغلبها يندرج تحت مصنف الشهوات اللاارادية و التى تظهر نتيجة لاحتياج الخلايا لبعض العناصر او الاملاح او غياب العامل المحفز للعملية الكيميائية كما يظهر فى حالات التردد لكنها فى النهاية مؤثرات نفسية ان فسدت انقصت الكثير من نتائج المؤثرات المادية مهما كانت درجة اتقانها (و للتفريق بين الشهوات الارادية و اللاارادية يمكننا ان نمثل الاولى بشهوة الجنس التى لا تظهر طالما الانسان مبتعد عن المؤثرات المحفزة لها و يستطيع التحكم بها اما الثانية فمثل شهوة تعذيب الذات او الاكتئاب او الفوبيا بشىء معين و التى تصيب المريض مهما كانت درجة نجاحه و تفاعله مع المجتمع الخارجى نتيجة لخلل فى عنصر ما بالجسم و لا سبيل لعلاجها الا التحكم فى نسبة هذه العناصر دائما او السيطرة العقلية على المشاعر و سنفرد موضوعا مستقلا باذن الله تعالى للاستفاضة فى هذه النقطة إن اطال الله فى اعمارنا)
من السابق يمكننا استنتاج ان فترة ارتباط المتداول باسواق المال ما هى الا تمثيل لفترة حياة بكل ما فيها من مراحل و مؤثرات و ان معرفة كل مرحلة معرفة تامة ربما ياتى بقليل من الجهد و من ثم اختيار الطرق المناسبة للتعامل مع هذه المرحلة العمرية و من هنا ياتى موضوع اليوم:
المتداول العربى ما بين الطفولة و الكهولة
يمر المتعاملون مع اسواق المال بعدة مراحل تتشابه فيما بينها بالمراحل العمرية التى يجتازها كل انسان فى تاريخ حياته فيتأثر ببعضها و يؤثر فى بعضها الى ان يصل للمنظومة النهائية من الفهم و ان اردنا التركيز على هذه المراحل تفصيلا فربما نحتاج الى كتاب مؤلف من الاف الصفحات لسرد كل موقف يمر به الانسان و كيفية التعامل معه تبعا للمرحلة العمرية التى يمارسها عقله فى هذه اللحظة لكننا سنقوم فى هذا الموضوع بالتركيز اجمالا على كل مرحلة و صفات الحالة العقلية الخاصة بها و بالتالى امكانية التحكم فى توجيه العقل لاتخاذ اللازم تبعا لمقومات هذه المرحلة
و قبل ان نتطرق لتوصيف كل مرحلة على حدة بقى ان اوضح ان جميع المتداولين على مختلف جنسياتهم يمروا بنفس المراحل و بنفس الظروف لكن الفارق فى اجتياز مرحلة الى اخرى بصورة سليمة يظل مرهونا بتأثير العوامل الخارجية على المتداول نفسه و البيئة التى يتفاعل معها و الظروف المحيطة به فى بيئته الخاصة سواء الاقتصادية كانت او التعليمية او حتى المناخية و لذلك فقد قمت بالتركيز فى المادة التالية على المتداولين العرب لسببين اساسيين:
- ان البيئة الخارجية المؤثرة على المتداول فى الغرب تتميز بوجود المناخ التعليمى الصحيح و التهيئة النفسية السليمة منذ الصغر و تبعا لكل مرحلة و هو ما يؤثر بالايجاب فى اخراج اعداد اكبر من المتداولين بعد ان يجتازوا اغلب المراحل (طبعا ليس بالضرورة ان يجتاز الجميع المراحل بنجاح لكن اكتشاف عدم المقدرة على الاستكمال مبكرا يظل فارقا واضحا بين العرب و الاجانب و هى ما تسمى نقطة تحديد الهدف)
- ان المناخ الاجتماعى المحيط بالعرب و تاثره برباط الدين و صلة الرحم و ترسيخ عادات التواصل مع الاخرين هو ما يجعل النفسية العربية اكثر عرضة للمؤثرات الخارجية نتيجة تراكم خبرات التفاعل و مساعدة الغير و هو ما لا نجده فى دول الغرب لطغيان الفكر المادى على الفكر الروحى
يتضح من هذا ان الفجوة ما بين العالمين تتسع باستمرار و بات على كل جانب ان يحتاط لهذا البعد و ستجد ان الغرب يقلد الكثير من العادات العربية بدون احساس ايمانا منه بفاعليتها مثل عادة الالتزام و غيرها من العادات الانسانية الغير متأصلة فى المجتمع الغربى بعكس انها من اساسيات التنشئة فى المجتمعات العربية
بعد هذا يمكننا ان نبدأ فى مرحلة توصيف المراحل العمرية للمتداول و خصائص كل منها و كيفية التعامل معها بطريقة اقرب الى الصواب لاحداث الاستفادة المثلى من المرحلة قبل تخطيها الى ما بعدها و ان لم يحدث هذا بصورة صحية فهى مسألة وقت قبل ان تنهار مرحلة ما فى وقت معين لم تجد الاساس الصحيح لاستمرارها و سيتضح المعنى اكثر بعد معرفة هذه المراحل بالترتيب من الاقل عمرا الى الاكبر
*مرحلة الطفولة:
نجد المتداول لا يملك رؤية واضحة عن الهدف من دخول عالم المال و فى الغالب يسير على حسب خطط الاخرين ممن يلتقى بهم من حوله فى هذا المجال سواء كان الانترنت بصفة عامة او مراكز التنفيذ الفعلية لعمليات التداول و الوضع متشابه ما بين اسواق الاسهم و اسواق العملات و يظل الاختلاف الجوهرى فيما بينهما ان الحركة المستمرة لاسواق العملات تعد مؤثر اقوى على تفكير المتداول فى هذه المرحلة و التى يكون فيها دقيق الملاحظة لكل ما حوله فيتاثر بالاشخاص الاكثر ابهارا و يقلدهم دون وعى فى حين ان هذه المرحلة هى الاهم و تشهد نموا سريعا لعقلية المتداول الطفل لان الاطفال بطبعهم يعشقون الحديث مع الذات و تخيل الصور و التجريب الذاتى بدون مساعدة الاخرين و تطبيق كل ذلك بكفاءة لا تتوافر فى بعض الكبار
------------------------------------------
**مرحلة المراهقة:
تتميز هذه الفترة لدى المراهق المتداول بالاصرار على تحقيق النجاح و الربح لاثبات الذات و التركيز اكثر على العمل اكثر من الابتكار و الانجاز لذا فربما تجد مراهقا متداولا ناجحا لكن يندر ان تجد مراهقا قائدا لافتقار عامل الخبرة و قد اعجبنى تشبيه احدهم حين قال انك ربما تجد لاعب كرة ماهر او عازف بيانو ممتاز فى سن الخامسة عشر لكنك نادرا ما ستجد مدرب ناجح او مؤلف تحفة فنية موسيقية فى هذا العمر
فى رايى الشخصى تعد هذه المرحلة هى نقطة الفصل ما بين النجاح و الاستمرار او الفشل و السقوط فى المراحل التالية الا من رحم ربى و بالتركيز على اصلاح العادات فى هذه المرحلة يمكننا اجتيازها بنجاح و اكثر العادات الواضحة فى هذه المرحلة تتمثل فى:
- التأثر: غالبا ما يعجب المراهق باستراتيجية معينة او اتجاه تحليلى معين دون غيره و يؤمن بذلك كليا الى حد التعصب و اللجوء الى تقليد نفس المنهج مما يفقده ميزة الابتكار و الابداع مع الوقت
- العناد: لا يتقبل المراهق المتداول افكار من سبقوه فى المجال ايمانا منه بقدراته اللامتناهية و ان عليه ان يكتشف كل قناعة بنفسه و هذا يسبب اهدار الكثير من الوقت فى غير محله الصحيح
- الملل: غالبا ما يقوم المراهق المتداول باستكشاف استراتيجية او طريقة تحليل جديدة عليه قبل ان ينهى طريقة اخرى بدء فيها مما يسبب عدم التركيز و الاحساس بالسير فى دوائر مغلقة فى حين ان اى منها لم يغلق بعد لترى حدوده كاملة
- الحماس: و هو يعد مثالا جيدا لمؤثر لا ارادى بحت حيث ان الحماس الزائد يجعلك تقبل على الشىء غير مدركا لصعوباته لعدم توافر الخبرات السابقة معتقدا ان الحماس و التفاؤل وحده يكفى لاجتياز عقبات السوق و لا يمكن التحكم فى هذا المؤثر الا باجتياز المرحلة العمرية نفسها الى ما بعدها او الالتزام التام بصالح الاعمال و العادات الصحية للتداول و التى ذكرها من هم فى مرحلة عمرية اكبر ككبار المتداولين او المضاربين او المحللين
------------------------------------------
***مرحلة الشباب:
فى هذه المرحلة سيجد المتداول الشاب نفسه كثير التفكير و التقييم لكل ادوات التداول التى حصلها سابقا و انها لم تعد تبهره كما فى الماضى لانه اصبح يلاحظ عيوبها بوعى اكبر و هو يعلم هنا ان اسلوب المراهقة فى التطبيق و البحث لم يعد مجديا و لا يعطى نتائج ايجابية فى نهاية عملية التداول و بالتالى يشعر بحاجة ماسة للتعلم و التجربة و التطبيق و لكن فى اطار منظم و بعيدا عن الحماس الزائد و فى هذه المرحلة تجد المتداول قد قل حماسه و بالتالى قل انتاجه لكنه اصبح اكثر تركيزا على النقاط الايجابية سواء فى طريقة او فى خطة تداوله لعلمه ان النجاح لن ياتى الا مع الوقت و الصبر و التعلم المستمر
------------------------------------------
****مرحلة البلوغ:
تعتبر هذه هى مرحلة الانجاز الفعلى فى حياة المتداول فهى ثمرة تجميع خبراته و تجاربه فى المراحل العمرية السابقة, و من الامور المسلم بها انه كلما بذل المتداول الشاب مجهودا اكبر فى البحث و التطبيق و اكتساب المعرفة كلما تمت ترجمة ذلك على شكل نتائج ايجابية فى مرحلة البلوغ و هذا ما يحدث التفاوت الدائم ما بين نتائج المضاربين الكبار دون الاعتماد الكلى على مدى الاحتكاك الفعلى بالسوق او الالتفات الى اسلوب التعامل نفسه
------------------------------------------
*****مرحلة الكهولة:
ربما تكون هذه المرحلة هى مرحلة السلام مع النفس و فيها ستدرك انك قد عرفت الكثير و الكثير عن اسواق المال اكثر مما كنت تريد و لم يعد هناك ما تستطيع تقديمه غير ان تكون تجربة للاخرين ليستنيروا بها و الايمان الحقيقى هو ما يدفعك للاستمرار فى التعايش مع هذه المرحلة فانت تعلم ان الكهولة و بعدها الموت هو النهاية الطبيعية لكل متداول مهما بلغت درجة اتقانه لادواته جنبنا الله و اياكم شرور هذه المرحلة
يمكنك ان تدرك من كل ذلك ان تخطى مرحلة دون فهمها فهما كاملا يعرض كل حياتك التداولية للخطر فيما بعد, و ان التدرج الطبيعى ما بين المراحل هو الاسلم و الاصح للوصول الى نتيجة, فما فائدة طفل يقلد بلا طموح او شاب طامح بلا معرفة حقيقية او بالغ يعرف و لا يستطيع الانجاز او حتى كهلا لم يفعل طوال حياته ما يعينه على هذه المرحلة
و فى النهاية اود ان أوضح ان التعامل بروح العلم يختلف كثيرا عن التعامل باساسياته و الفاظه, فان كان المتداول الطفل او المبتدىء يرى ان من يعلمه الصيد هو من يعطيه استراتيجية متكاملة العناصر , و يدربه عليها لفترة حتى يتقنها, الا ان العقل يقول انك حتى ان اعطيت سفينة صيد بكل معداتها لطفل و دربته جيدا لاستخدامها ففى وقت ما سينهار تحت ضغوط ما لم يرى من خبرات على حسب طاقته فى التحمل, و هنا انت عجلت بموت هذا المتداول دون ان تعلم, و لا يصلح ان تعامله بمبدأ انه بالغ يستطيع التفريق بين الصالح و الفاسد قبل ان يصل لمرحلة البلوغ فعليا, غير ان تقييم مستقبل المعلومة بصورة خاطئة يجعلك لا تعطى للعقل ما يريده من هذه المرحلة و بالتالى يحدث خلل ما فى ايصال المعنى الصحيح و تجد ان هناك متداولين اصبحوا كهولا بدون المرور بمرحلتى الشباب و البلوغ او متداولين توقف تطورهم عن اجتياز مرحلة المراهقة
بقى القول انه يستلزم على المتداول من فترة لاخرى ان يقوم بتقييم فترته العمرية و معدل التطور بها و هذا لا ياتى الا بالتركيز على عيوب كل مرحلة على حدة و استخدام ادواتها المتاحة بالصورة الامثل لاحداث الانتقال السليم للمرحلة التى تليها و المتداول الرجل غير المرأة فى هذا فلكل جنس خصائص هى المؤثر الاول فى اختيار العادات المكتسبة لكن هذا موضوع قادم باذن الله تعالى..........
شكرا جزيلا و بالتوفيق للجميع........