منقول"أثبت القطاع المصرفي في مصر أنه يقف على أرض صلبة في مواجهة الأزمة المالية التي ضربت الأسواق العالمية في أواخر العام 2008. حيث يتميز هذا القطاع بوفرة السيولة وذلك بفضل المشاريع السريعة التي نفذها العديد من المستثمرين في القطاعات المزدهرة على مدى الأعوام الثلاثة الماضية.
وخلال الأعوام الخمسة الماضية الممتدة من العام 2002/2003 إلى 2007/2008، نمت السيولة المحلية (M2) بمعدل سنوي مركب بلغت نسبته 14.8 في المائة، في حين ارتفع عرض النقد بمعناه الضيق (M1) بنسبة 29.9 في المائة، كما ارتفعت أشباه النقود بنسبة 12.2 في المائة.

وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2008، بلغ عرض النقد (M2) 784.8 مليار جنيه مصري، ليشكل انخفاضا بنسبة 11.4 في المائة مقارنة بنفس الفترة من العام السابق. جاء ذلك في تقرير لبيت الاستثمار العالمي (غلوبل)، والذي أكد أن الفائض في السيولة المحلية ساعد على تعزيز الموجودات والمطلوبات لدى المصارف المصرية، حيث نما إجمالي المطلوبات بمعدل سنوي مركب نسبته 13.4 في المائة خلال فترة الأعوام الخمسة التي بدأت من العام 2002/2003 وشكل زيادة سنوية بلغت نسبتها 15.5 في المائة مقارنة بالمستوى المسجل في العام 2006/2007. إضافة إلى ذلك، ارتفع إجمالي المطلوبات خلال نوفمبر من العام 2008 بنسبة 3.2 في المائة مقارنة بشهر نوفمبر للعام 2007. ويرجع هذا الانخفاض الطفيف بصفة أساسية إلى تراجع الالتزامات للبنوك المصرية.

كذلك، ارتفع إجمالي الودائع في القطاع المصرفي المصري بمعدل 15.0 في المائة على أساس سنوي، ليشكل 69.0 في المائة من إجمالي المطلوبات في العام 2007/2008. كما استحوذ القطاع ‎العائلي على الحصة الكبرى من الودائع غير الحكومية، إذ شكل 73.4 في المائة من الودائع المقومة بالعملة المحلية و54.8 في المائة من الودائع بالعملة الأجنبية. ‎

أدى تزايد مصادر التمويل إلى تسارع معدل نمو الموجودات الإجمالية في القطاع المصرفي المصري. وارتفعت أرصدة الإقراض والخصم بنسبة 13.5 في المائة في العام 2007/2008. من ناحية أخرى، ارتفع إجمالي الموجودات في نوفمبر من العام 2008 ارتفاعا طفيفا بلغت نسبته 3.2 في مقارنة بمستواه في الفترة ذاتها من العام السابق، وذلك نتيجة لتخفيض الأرصدة لدى البنوك الخارجية بنسبة 44.0 في المائة، خوفا من تداعيات الاضطرابات المالية العالمية.

والجدير بالذكر أن 29.0 في المائة من القروض غير الحكومية بالجنيه المصري كانت من نصيب قطاع الصناعة في نوفمبر من العام 2008. تلاه القطاع العائلي والخارجي بنسبة 28.4 في المائة من المجموع الكلي للقروض. وفيما يتعلّق بالقروض غير الحكومية المقومة بالعملة الأجنبية، فقد ساهم فيها قطاع الصناعة بنسبة 39.5 في المائة في نوفمبر 2008، في حين جاء قطاع الخدمات في المرتبة الثانية بنسبة بلغت 30.4 في المائة.
وخلال الفترة الممتدة من العام 2002/2003 إلى العام 2007/2008، نما إجمالي ودائع القطاع المصرفي بنسبة فاقت نسبة نمو إجمالي أرصدة الإقراض والخصم. ما أدى إلى انخفاض نسبة القروض إلى الودائع خلال الفترة ذاتها من 70.6 في المائة إلى 53.7 في المائة. ويشير هذا الانخفاض إلى أن المصارف في مصر تتفادى استثمار نسبة كبيرة من أموالها في أنشطة الإقراض خوفا من مخاطر عدم السداد.

بالإضافة إلى ذلك، ونظرا لكون المصارف قد أخذت على عاتقها الالتزام بالحد الأدنى من متطلبات السيولة، حيث يتعين عليها الاحتفاظ بنسبة 20 في المائة كحد أدنى في الموجودات السائلة المقومة بالجنيه المصري و25 في المائة في الموجودات السائلة المقومة بالعملة الأجنبية، فهي تفضل الاستثمار في أذونات الخزانة لتدني مخاطرها ولكونها معفاة من الضرائب. كما سجلت الأوراق المالية والاستثمارات في أذونات الخزانة نمو سنوي مركب نسبته 12.6 في المائة خلال الفترة الممتدة من العام 2002/2003 إلى 2007/2008. والجدير بالذكر، أن الإعفاء الضريبي على أذونات الخزانة والسندات قد تم إلغاؤه في شهر مايو من العام 2008.
وعلى مدى العام 2007/2008، شهد فارق أسعار الفائدة المصرفية انخفاضا طفيفا بسبب تراجع معدل الإقراض، حيث لم يتم تعويضه بتخفيض ملائم في تكلفة التمويل. وفي أكتوبر من العام 2008، ارتفعت تكلفة التمويل بمعدل أعلى من ‎معدل الإقراض في العام السابق مما نتج عنه أيضا انخفاضا في فارق أسعار الفائدة.
الفارق في أسعار الفائدة

كان بنك القاهرة، ثالث أكبر المصارف في مصر، مرشحا للخصخصة في العام 2008، من خلال بيع 67 في المائة من أسهمه إلى مستثمر استراتيجي وذلك بطرح 28 في المائة في عرض عام أولي، وتوزيع النسبة المتبقية من الأسهم على موظفي البنك. ولكن الحكومة أعلنت في يونيو من العام 2008 عن إلغاء الصفقة وأنه سيتم تأجيل عملية الخصخصة بسبب تدني قيمة العروض المقدمة عن السعر المحدد للشراء.
ولما كانت نسبة الاحتياطي النقدي تعد من بين أهم العوامل التي تنشط النمو الاقتصادي، أعلن البنك المركزي المصري مؤخرا عن إسقاط نسبة الاحتياطي، البالغة 14 في المائة المطلوبة من البنوك لتلبية متطلبات الودائع، المفروضة على التمويلات المقدمة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة. وفي إطار سعيه لزيادة تحسين أداء القطاع المصرفي، وقع البنك المركزي المصري على مذكرة تفاهم مع البنك المركزي الأوروبي تتعلق بالمرحلة الثانية من برنامج الإصلاح الاقتصادي والذي يتوقع أن ينتهي خلال الأعوام الأربعة المقبلة اعتبار من شهر يناير من العام الجاري.

بما أن القطاع المصرفي أول القطاعات التي تتأثّر بالحالة الاقتصادية للبلاد، نعتقدُ أن القطاع المصرفي المصري سيبقى منعزلا عن المشكلات المصرفية الحاصلة في الأسواق العالمية، خصوصا أنّ تدني نسبة القروض إلى الودائع إلى أقل من 60 في المائة يشير إلى أنّ البنوك لديها ما يكفي لتقديم القروض. علاوة على ذلك، تدعم التوقّعات السكانية إمكانات نمو القطاع المصرفي. وفي ظل ارتفاع معدل النمو السكاني بمعدّل سنوي مركب قدره 3.4 في المائة خلال الأعوام الخمسة الممتدة من العام 2002/2003 إلى 2007/2008 ونظرا لكون نسبة كبيرة من السكان لا تتعامل مع القطاع المصرفي الذي تقدر نسبة انتشاره في البلاد حوالي 30 في المائة، هناك ‎طلبا هائلا غير مُلبّى في قطاع التجزئة المصرفية. بالإضافة إلى ذلك، تعمل معظم البنوك المصرية حاليا على تحديث أنظمتها المعلوماتية وتوسيع شبكة فروعها لتَحسين كفاءتها. وأخيراً، ما زال قطاع الإقراض العقاري يعتبر غير مستغلا ولديه الكثير من فرص النمو.