زدادت حدة المشاعر التي يسودها اللبس والتي تحيط بالأسواق المالية يوم الثلاثاء في الوقت الذي انتظر فيه المستثمرون القلقون أنباءً حول ما إذا كانت مجموعة التأمين الأمريكية المعتلة إيه آي جي AIG ستصبح الضحية المقبلة في الأزمة المالية.

وعملت مشاعر التفاؤل بأن من الممكن التوصل إلى صفقة لإنقاذ المجموعة، على الحد من عملية البيع المكثفة في أسواق الأسهم والسندات، رغم أن الإحساس الكامن بالخوف بين المستثمرين تعمَّق وتأكد بفعل التدافع اليائس للحصول على الأموال النقدية قصيرة الأجل.

عانت أسواق المال عملياً من حالة تشبه الشلل، في الوقت الذي ارتفعت فيه بحدة أسعار الفائدة على القروض بين البنوك، ما يشير إلى مخاوف متصاعدة حول مخاطر الأطراف التعاقدية المقابلة.

قال دانييل فايندلر، رئيس قسم اقتصاديات واستراتيجية مجموعة البلدان العشرة لدى بنك دريزدنر كلاينفورت Dresdner Kleinwort: "أصبحت الأموال النقدية هي رأس الأمر كله الآن في الوقت الذي تشق واقعة إفلاس بنك ليمان براذرز طريقها ضمن الأسواق المالية".

"التفكك العظيم، أي تفكك فقاعات الموجودات، والقدر الزائد عن الحد من التمويل بالديون الثقيلة في القطاع المالي والأسر الخاصة، إلى جانب الاختلالات الاقتصادية بصورة عامة، كل هذا يفعل فعله الآن ويفرض نتائجه على الواقع.

"والأثر المباشر لذلك هو العزوف عن المخاطر وتخفيف الاقتراض بالديون الثقيلة، ما يرفع من درجة التقلب ويضر بالعملات، وبتقييمات الائتمان والأسهم، وفي نهاية الأمر النمو الاقتصادي".

قفز سعر الفائدة على قروض الدولار لليلة واحدة ليصل إلى 6.44 في المائة، أي أكثر من ثلاثة أضعاف سعر الفائدة الذي وضعه البنك المركزي الأمريكي، وهو أعلى مستوى له منذ كانون الثاني (يناير) 2001. وارتفعت الفائدة على قروض الاسترليني لليلة واحدة لتصل إلى 6.79 في المائة، في حين أن سعر الفائدة الأساسي الذي حدده البنك المركزي البريطاني هو 5 في المائة.

كما توسعت الفجوة بين سعر فائدة ليبور على قروض الدولار لأجل ثلاثة أشهر وبين سعر الفائدة على عقود التأمين المتقابلة على الائتمان، التي تعتبر مقياساً لاستعداد البنوك لإقراض بعضها بعضاً، توسعت إلى 116 نقطة أساس، وهو أعلى مستوى منذ اندلاع الأزمة الائتمانية في شهر آب (أغسطس) الماضي.

جاء التوتر العميق حتى في الوقت الذي قامت فيه البنوك المركزية بضخ مليارات الدولارات من الأموال الطارئة في الأسواق لليوم الثاني على التوالي.

وقالت موسسة آي كاب يوروب: "يكاد يكون من المؤكد أن التدخل سيتواصل في الوقت الذي أصبحت فيه أعصاب المستثمرين حطاماً، وأصبحت السيولة بين البنوك لا وجود لها من الناحية العملية".

كان المستثمرون ينتظرون ليروا ما إذا كان البنك المركزي الأمريكي سيخفض أسعار الفائدة يوم الثلاثاء، في سعي لتقديم المزيد من المساندة والتخفيف إلى الأسواق.

عملت المخاوف من عجز الشركات عن السداد على توسيع الفروق بين أسعار الفائدة الرسمية والفوائد على سندات الشركات بصورة حادة، رغم أن الحديث عن تقديم حبل نجاة إلى مجموعة التأمين إيه آي جي أعاد هذه الفروق إلى مستوى كاد أن يصل إلى أعلى الأرقام التاريخية تقريباً.

وعملت الآمال حول مجموعة إيه آي جي على دفع أسواق الأسهم الأمريكية والأوروبية بعيداً نسبياً عن أدنى مستوياتها خلال اليوم.

بحلول منتصف اليوم هبط مؤشر "ستاندارد آند بورز 500" بمقدار 0.2 في المائة، بعد أن هبط في إحدى مراحل التداول بمقدار 2 في المائة. يوم الإثنين أقفل هذا المؤشر القياسي عند أدنى مستوى له منذ نحو ثلاث سنوات. وهبطت أسهم مجموعة إيه آي جي بأكثر من 40 في المائة في إحدى المراحل أثناء جلسة تداول يوم الثلاثاء.

في أوروبا، هبط مؤشر "فاينانشال تايمز يوروفيرست 300" بمقدار 2.6 في المائة ليصل إلى أدنى مستوى له منذ أيار (مايو) 2005. وووجهت طوكيو بجدار من البائعين في الوقت الذي افتتحت فيه جلسة التداول بعد عطلة الإثنين، وهبط مؤشر "نيكاي 225" بمقدار 5 في المائة، ليسجل أدنى مستوى له منذ ثلاث سنوات.

شهدت أسواق الأسهم في اقتصادات الأسواق الناشئة المزيد من حركات البيع المكثفة في الوقت الذي تعمق فيه إحساس المستثمرين بالعزوف عن المخاطر. هبط مؤشر بنك مورجان ستانلي المركب لأسهم الأسواق الناشئة MSCI EM index إلى أدنى مستوى له منذ عام 2006 في الوقت الذي هوى فيه مؤشر آر تي إس للأسهم الروسية بمقدار 11.5 في المائة، وهو أسوأ هبوط في يوم واحد خلال عقد من الزمان. وتم تعليق التداول في الساعة الأخيرة من جلسة التداول.

توسعت الفروق بين الفوائد على السندات السيادية وبين سندات الخزانة الأمريكية إلى أكبر مستوى لها منذ تشرين الأول (أكتوبر) 2004. كذلك كانت عملات الأسواق الناشئة تشهد حالة من الضعف، حيث عانى الون الكوري الحنوبي أسوأ خسارة له أثناء يوم واحد مقابل الدولار منذ عشر سنوات.

خسرت السندات الحكومية الأمريكية بعضاً من مكاسبها السابقة في الوقت الذي ازدادت فيه المضاربات والأقاويل حول إمكانية إنقاذ مجموعة إيه آي جي. سجل العائد على سندات الخزانة لأجل عشر سنوات أدنى مستوى له منذ خمس سنوات عند 3.25 في المائة قبل أن يرتد إلى مستوى 3.42 في المائة بحلول منتصف اليوم، أي بزيادة مقدارها نقطة أساس واحدة أثناء اليوم.

احتفظت السندات الحكومية الأوروبية بوضعها في المنطقة الموجبة، حيث هبط العائد على سندات الخزانة الألمانية بمقدار خمس نقاط أساس، ولكنها ظلت بعيدة إلى حد كبير عن المستوى المتدني الذي سجلته من قبل عند 3.59 في المائة.

في أسواق العملات واصل الدولار تقدمه في الوقت الذي عمل فيه الإحساس بالعزوف عن المخاطر على تعميق جاذبية العملة الأمريكية، واستمرت أسعار السلع في الهبوط. كذلك واصل الين والفرنك السويسري الاستفادة من صورتهما في أذهان المستثمرين على أنهما يمثلان وضع الملاذ الآمن.

في أسواق السلع واصل الخام الأمريكي هبوطه الأخير إلى ما دون مستوى 100 دولار للبرميل، وضعفت المعادن الخسيسة. شهد الذهب بعض عمليات الشراء في الملاذ الآمن ولكنه أخفق في عبور العلامة الفارقة عند 800 دولار للأونصة.

على خلفية الجيشان الذي تشهده الأسواق منذ أيام لم يكن هناك أثر يذكر لبيانات التضخم الأمريكية المشجعة وارتفاع مؤشر المزاج العام في ألمانيا ZEW.