النشوة التي نتجت عن قرار الحكومة الأمريكية إنقاذ وكالتي القروض السكنية المعتلتين فاني ماي وفريدي ماك أظهرت علامات التراجع يوم الثلاثاء في الوقت الذي عادت فيه المخاوف حول القطاع المالي، خصوصاًً بنك ليمان براذرز Lehman Brothers، وحول صحة الاقتصاد العالمي بصورة عامة، لتقض مضجع المستثمرين.

خسرت الأسهم بعضاً من مكاسب اليوم السابق القوية، واندفعت السندات الحكومية، وتراجع الدولار عن المكاسب التي سجلها في فترة التداول المبكرة، في الوقت الذي هبط فيه سعر النفط باتجاه الحاجز النفسي عند مستوى 100 دولار للبرميل. توقفت السندات المدعومة بالقروض السكنية التي أصدرتها فاني وفريدي لالتقاط الأنفاس بعد أن تمتعت بأكبر قدر من المكاسب يوم الإثنين.

قال دومنيك ويلسون، وهو محلل استراتيجي لدى بنك جولدمان ساكس Goldman Sachs، إن التقلب الكبير الذي شهدته أسواق الأسهم منذ الإعلان عن صفقة إنقاذ وكالتي فاني ماي وفريدي ماك أظهر بوضوح الآراء المتضاربة حول أهمية هذا الإجراء. وقال: "هناك قدر كبير من الأمور التي لم يطرأ عليها تغيير في البيئة الاقتصادية، وتظل الرياح المعاكسة في تلك الجبهة قوية على نحو لا يستهان به". ولكن ويلسون حذر من الإفراط في التشاؤم حول رد فعل البورصة، وذلك بالنظر إلى أن حالات التدخل السابقة من قبل السلطات الأمريكية خلال السنوات القليلة الماضية كانت تواجَه بالتشكك قبل أن تأخذ المؤشرات بالتحرك إلى الأعلى على مدى الأسابيع التالية.

ولكن لاي سكين من مؤسسة لومبارد ستريت ريسيرش Lombard Street Research، كان أكثر صراحة. وقال: "اندفاع البورصة يوم الإثنين كان مجرد تعاف مؤقت تعود بعده السوق للتراجع".
"أثنى الجميع على قرار الحكومة بالاستحواذ على وكالتي فاني وفريدي على اعتبار أنه حل لمشكلات الائتمان لأن أسعار الفائدة على القروض السكنية أخذت في الهبوط.

"ولكن هذا الأمر ليس ذا أهمية كبيرة بالنسبة للإنسان العادي. فلا أسعار الفائدة ولا السيولة هي من الأمور التي تهم الناس الذين لا يريدون الاقتراض. وأسعار المساكن لا تزال أعلى بكثير من ’القيمة العادلة‘، كما أن الطلب على القروض السكنية يشهد الآن هبوطاً سريعاً".

المزيد من الأدلة على الحالة المقلقة لسوق الإسكان الأمريكية جاءت من البيانات التي أظهرت هبوطاً مقداره 3.2 في المائة في مبيعات المساكن المعروضة للبيع في تموز (يوليو)، وهو اتجاه يقلب إلى حد ما ارتفاع المبيعات بنسبة 5.8 في المائة في حزيران (يونيو).

قالت ميشيل ماير، وهي اقتصادية لدى بنك ليمان براذرز، إن هبوط أسعار المساكن اجتذب إلى السوق الأشخاص الراغبين في الحصول على صفقات مربحة بأسعار رخيصة، رغم أن هذا لا يعني أن أسعار المساكن بلغت حدها الأدنى.

وقالت: "لا تزال سوق الإسكان بعيدة كل البعد عن الاستقرار والتوازن، على اعتبار أن هناك عدداً ضخماً فائضا ًمن المساكن المعروضة للبيع في السوق. ومن رأينا أن المساكن الخالية المعروضة للبيع التي ما تزال كاسدة بحاجة إلى الخروج من السوق قبل أن تجد أسعار المساكن لها مستقراً".

من جانب آخر تراجعت أسواق الأسهم في الوقت الذي خسرت فيه أسهم بنك ليمان براذرز أكثرمن ثلث قيمتها وسط المخاوف المتزايدة حول قدرة البنك على الحصول على رأسمال هو في أشد الحاجة إليه. وكانت هناك أقوال بأن البنك يمكن أن يعلن عن نتائجه في وقت مبكر.

كان من شأن ذلك التأثير سلباً في أسهم الشركات المالية الأمريكية والمساعدة على دفع مؤشر ستاندارد آند بورز 500 بمقدار 1.4 في المائة باتجاه الأدنى بحلول منتصف اليوم في نيويورك. وفي أوروبا هبط مؤشر فاينانشال تايمز يوروفيرست 300 بمقدار 0.6 في المائة ليصل إلى 1155.66 نقطة بعد أن قفز بنسبة 3.3 في المائة يوم الإثنين. من جانب آخر هبط مؤشر نيكاي 225 في طوكيو بمقدار 1.8 في المائة.

عملت المخاوف حول بنك ليمان براذرز على توسيع الفروق بين أسعار الفائدة الحكومية والفائدة على سندات الشركات في الولايات المتحدة وأوروبا. وتوسعت أسعار التأمين على العقود المتبادلة على الائتمان حول البنك نفسه بمقدار 125 نقطة أساس لتصل إلى 450 نقطة أساس، في حين أن مؤشر سي دي إكس نورث أمريكا CDX North America للسندات الممتازة ارتفع بمقدار ست نقاط أساس ليصل إلى 144 نقطة أساس. وارتفع مؤشر آي تراكس أوروبا iTraxx Europe بمقدار 2.5 نقطة أساس ليصل إلى 101.5 نقطة أساس.

من جانب آخر، عملت المخاوف حول ازدياد المطلوبات التي تواجه الحكومة الأمريكية من جراء قرار إنقاذ الوكالتين فاني وفريدي على دفع مؤشر سي دي إكس على سندات الخزانة الأمريكية لأجل خمس سنوات وعشر سنوات إلى مستويات قياسية واسعة.

أشعلت الخسائر في أسواق الأسهم حركة هجرة نحو ما يُعتبَر أنه الملاذ الآمن في ظل السندات الحكومية. هبط العائد على سندات الخزانة الأمريكية لأجل عشر سنوات بمقدار تسع نقاط أساس ليصل إلى 3.60 في المائة، في حين أن العائد على السندات لأجل سنتين هبط كذلك بمقدار تسع نقاط أساس ليصل إلى 2.23 في المائة. وفي أوروبا هبط العائد على السندات الحكومية الألمانية لأجل عشر سنوات بمقدار ثلاث نقاط أساس ليصل إلى 4.04 في المائة، وهبط العائد على سندات الخزانة البريطانية لأجل عشر سنوات بمقدار خمس نقاط أساس ليصل إلى 4.44 في المائة. وهبط العائد على سندات الحكومة اليابانية بمقدار ثلاث نقاط أساس ليصل إلى 1.50 في المائة.

في أسواق المال ظلت أسعار الفائدة للإقراض بين البنوك في لندن (ليبور) ثابتة في معظمها، رغم أن أسعار الفائدة على قروض اليورو لليلة واحدة هبطت بأكبر قدر خلال سنة تقريباً. وفي أسواق العملات سجل الدولار أعلى مستوى له منذ سنة في مقابل سلة من العملات، وسجل أعلى مستوى خلال 11 شهراً في مقابل اليورو، رغم أنه خسر بعض مكاسبه في التداولات المتأخرة.

في أسواق السلع هبطت أسعار النفط في الوقت الذي تعزز فيه وضع الدولار وانتظر المستثمرون نتائج آخر اجتماعات أوبك. هبط سعر الخام الأمريكي الخفيف بأكثر من دولارين للبرميل ليصل إلى 104 دولارات للبرميل، في حين أن الذهب تراجع من جديد واخترق هابطاً حاجز 800 دولار للأونصة.