السعوديون يتعجلون انجاز المدن الاقتصادية

Wed Aug 20, 2008 8:34am GMT





جدة (رويترز) - على مسافة ساعة بالسيارة الى الشمال من جدة وعلى ساحل البحر الأحمر يكدح 8000 عامل تحت شمس الصيف اللافحة لبناء مدينة تأمل السعودية أن تكون مفتاح مستقبلها الاجتماعي والاقتصادي.
واذا سارت الأمور وفق الخطة الموضوعة فان مدينة الملك عبدالله الاقتصادية وشقيقاتها الثلاث في حائل وجيزان والمدينة ستصبح بحلول عام 2020 على الاقل مراكز عمرانية تعج بالحياة في المملكة التي تعاني من ارتفاع البطالة وزيادة الاعتماد على النفط.
وسيسمح في هذه المدن للنساء بقيادة السيارات وربما يسمح باقامة دور للسينما لتصبح مراكز جديدة تضاف الى المراكز القليلة للحرية في السعودية التي شهدت تخفيف بعض قيود الفصل بين الجنسين في السنوات الأخيرة مما أثار حفيظة الكثير من المحافظين المتدينين.
الا أنه رغم وفرة الأموال حيث تقول الحكومة ان الخطة اجتذبت استثمارات تبلغ 35 مليار دولار من مستثمرين أجانب فان قوى عديدة من بينها المؤسسة الدينية وكذلك التوترات مع ايران والعراق قد تعرقل هذه العملية.
وقد حاولت السلطات الحد من بعض نفوذ رجال الدين منذ هجمات 11 سبتمبر ايلول عام 2001 في الولايات المتحدة التي كان 15 من المشاركين فيها سعوديين وأسفرت عن مقتل نحو ثلاثة الاف شخص وكذلك منذ تفجر حملة تنظيم القاعدة ضد الدولة عام 2003.
وفي المدن الاقتصادية يتوقع الكثيرون ابعاد رجال الدين عن الحياة الاجتماعية وأماكن العمل والتعليم.
وقال عبدالعزيز الجاسم رجل الدين الاصلاحي "تغير المجتمع تغيرا جوهريا ومقياس ذلك ان الفتوى الرسمية القديمة لم يعد لها السطوة التي كانت تتمتع بها."
وقال ان المحرمات الاجتماعية والسياسية انكسرت وأشار الى كشف النساء لوجوههن في بعض الاماكن العامة والمشاركة الشعبية عام 2005 في الانتخابات البلدية مما خفف من فكرة الطاعة المطلقة لاولي الامر التي يصر عليها رجال الدين.
وأضاف "البنت أو الشاب الذي يسمع فتوى لا يطيعها على الفور بل يذهب الى جوجل ويسمع اراء أخرى ويناقشها."
ورغم أن الاعمال مازالت في بدايتها فستكون مدينة الملك عبدالله درة تاج المدن الاقتصادية.
وتقف بوابة شامخة تحمل صورة الملك وشعار "رؤية قائدنا جسدت احلامنا" وحدها وسط الصحراء أمام مساحة تبلغ 388 كيلومترا مربعا.
لكن بعد البوابة يمتد طريق طويل تزينه لافتات على أعمدة المصابيح ليكشف ضخامة المشروع الطموح الذي يتكون من مزيج يقوم على الحفاظ على البيئة يضم مرفأ ومنطقة صناعية ومركزا ماليا وأحياء سكنية ومنتجعا فاخرا ومدارس وكليات جامعية.
ويضم نموذج المهندس المعماري في قاعة عرض تطل على البحر ناطحات سحاب وشاطئا ومنتجعا سياحيا ومدينة اعلامية.
وتتولى تطوير المدينة شركة اعمار المدينة الاقتصادية التابعة لشركة اعمار العقارية الاماراتية. وكانت المدينة هي أول المدن الاقتصادية الاربعة عندما أعلن عنها في عام 2006.
وقال مدير العلاقات العامة خلال جولة بالموقع "هل تعلم أن المدينة ستكون أكبر من واشنطن.." وتسع المدينة مليوني نسمة.
وتتجاوز أهداف المدن خلق فرص العمل الى التجديد العمراني والتعليم الحديث وتخفيف قبضة المؤسسة الدينية على مجتمع ارتفع عدد أفراده الى المثلين خلال 18 عاما ليصل الى 17 مليون سعودي من بين السكان البالغ عددهم 25 مليون نسمة.
ويطبق رجال الدين الفصل بين الجنسين في مختلف أنحاء المجتمع من مقاه ومطاعم ومدارس وجامعات.
وقال فهد الرشيد الرئيس التنفيذي لاعمار المدينة الاقتصادية "السعودية اليوم لا تعرض الخدمات المطلوبة. هناك نقص في البنية التحتية والجانب الجمالي العمراني الاساسي مفقود أيضا.
"لدينا 60 في المئة من سكاننا دون سن الثلاثين وهؤلاء يحتاجون لاماكن يعيشون فيها. لذلك سنخلق لهم الفرص التعليمية لكي يأتوا ويتعلموا ويعملوا."
وتقضي الخطط باقامة عشرة الاف وحدة سكنية بحلول عام 2010 في مدينة الملك عبدالله واستكمال عشرة في المئة من المدينة.
وقالت سمر فطاني الاذاعية والكاتبة في مدينة جدة حيث تطبق قواعد الفصل بين الجنسين بقدر من التحرر "نحن نتطلع اليها."
ويقول منتقدون انه حتى هذه المراكز لن تكفي لجذب الاهتمام العالمي أو حتى اهتمام السعوديين في ضوء سهولة العيش والعمل في مدن قريبة مثل دبي حيث لا يوجد على سبيل المثال أفراد مؤسسة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في الشوارع.
وربما تكون البيروقراطية وسلطة رجال الدين في المجتمع ككل كافية لتثبيط همم الكثير من الاجانب بما في ذلك العرب عن العيش والاستثمار في المملكة وخاصة في منطقة جيزان التي تقع قرب اليمن ومدينة حائل الصحراوية.
وستهدف مدينة المعرفة الاقتصادية التي تقتصر على المسلمين بالمدينة المنورة لجذب خبراء تكنولوجيا المعلومات من الدول الاسلامية في اسيا.
وقال دبلوماسي رفيع طلب عدم الكشف عن هويته لحساسية الموضوع ان هذه المدن باهظة التكلفة للغاية وغير قابلة للبقاء اقتصاديا دون دعم كبير من الدولة.
وأضاف "من الصعب العثور على خبراء اقتصاديين جادين لا يتقاضون مرتباتهم من السعوديين يرون انها قابلة للبقاء."
وكذلك لم يستسلم رجال الدين وشبكة أنصارهم الواسعة بالاضافة الى الاتجاه المحافظ الذي يسود المجتمع.
وقال الكاتب عبدالله العلمي من الخبر وهي جيب اخر من جيوب الليبرالية في السعودية وتقع في المنطقة الشرقية ان الملك يتحدث أمام مجلس الشوري عن ضرورة مشاركة النساء لكن هذا الحديث لا طائل من ورائه لانه رغم أن الملك لديه نوايا طيبة فعندما يصل الامر الى مستويات أدنى تظهر المقاومة.
وأشار الى استمرار الاصرار على الفصل بين الجنسين في العمل والمدارس والجامعات باعتباره دليلا على أن رجال الدين يعززون سيطرتهم مقابل تنازلات في المناطق الجديدة.
ويقول دبلوماسيون ان الملك عبدالله ومستشاريه يخشون أن يخبو بريق المدينة الاقتصادية بسرعة ويعملون على تحقيق انجازات بمدينة الملك عبدالله.
ومنذ عام 2006 تولى شركة اعمار المدينة الاقتصادية ثلاثة رؤساء تنفيذيين وتقول شخصيات بقطاع الاعمال في جدة ان الهيئة العامة للاستثمار المكلفة بالاشراف على المشروع تتعرض لضغوط للاسراع بتحقيق نتائج.
وكان ايقاع الانجازات أسرع بجامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا المجاورة للمدينة الاقتصادية والتي تتولى شركة أرامكو السعودية أمرها.
ومن المقرر ان تبدأ الدراسة بالجامعة في أكتوبر تشرين الأول والا يتم الفصل فيها بين الجنسين. وكان العاهل السعودي افتتح الجامعة العام الماضي.
لكن مما يزيد المخاوف احساس بأن مستقبل المدن مرتبط بمصير الاصلاحات الاجتماعية والسياسية. ويخشى كثير من الليبراليين أن يكون من سيخلف الملك عبدالله أقل اهتماما بالانفتاح وتخفيف الرقابة الدينية.
وقالت فطاني "نحن نضع ثقتنا بالملك عبدالله لان من الواضح انه اصلاحي. فهو يمثل التفاؤل والتسامح وطريقة تفكير تقدمية."
لكن اراء الحكام قد تنقلب مرة أخرى بكل سهولة في ضوء التوترات السياسية التي تعاني منها المنطقة.
ويقول الجاسم رجل الدين الاصلاحي "اذا تدخلت ايران بدرجة أكبر في العراق وحاول الأمريكيون تأييد الشيعة...فسنلجأ مرة أخرى الى المؤسسة الدينية."