النتائج 16 إلى 29 من 29
الموضوع: القصه التي أبكت العلماء
- 28-04-2007, 02:38 PM #16
رد: القصه التي أبكت العلماء
بانتظار باقي الاجزاء ..........................
و جزاك الله خيرا
- 02-05-2007, 03:56 PM #17
رد: القصه التي أبكت العلماء
أشكر الاخوه اللذين سألوا عن بقية القصه
وأعتذر عن التأخير
- 02-05-2007, 04:00 PM #18
رد: القصه التي أبكت العلماء
الحلقة الثالثة والخمسون
لم يكن البرنامج في تلك الأيام يسير على نمط واحد كما هو في رمضان
بل كان لكل يوم برنامج على حده ..
كان شيخنا يجلس في مكتب التوعية الساعات الطويلة يجيب على الفتاوى
وحيث أنني لا يمكنني الاستفادة من بقائي ..
استأذنت شيخنا لكي أقضي فراغي في المكتبة التابعة للتوعية..
وجدت أن المكتبة ليست غنية بالمراجع المتنوعة بل غالب كتبها
حول صنف أو صنفين من أصناف العلوم ..
و كان قد كلفني شيخنا سابقا بتدوين بعض البحوث
فاحتجت أن اطلع على عدد كبير من المراجع ..
فلم تشبع تلك المكتبة نهمي ولم تكن مناسبة لخصوص البحث..
فاخترت كتابا وقعدت لقراءته وكنت أحيانا من الإعياء يسقط رأسي على دفة
الكتاب وأنا لا أشعر...
لاحظت رجلا يداوم الجلوس في المكتبة ..
ووضع أمامه مجلدات ضخمة يراجع فيها ويقرأ منها
ويبدوا أنها رسائل علمية ويشرف هو عليها أو هي له ..!!
وجهه مستدير ولحيته بيضاء ووجهه أبيض وممتلئ الجسم
وليس بالطويل ولا بالقصير..
طويل الصمت واضح عليه شدة الحياء ..
ولقد جاورته ساعات طويلة دون أن أسمعه ينطق أو يهمس بكلمة..!!
سألت عنه فقيل : هذا العالم الجليل الشيخ صالح بن خزيم ..
ولقد توفي بعد سنوات في حادث مروري في بريدة رحمه الله وعفا عنه
زارنا في يوم الأيام وكنت مع شيخنا ..
رجل طالما أحببته وقدرته ..
إنه شيخي وأستاذي الدكتور الشيخ أحمد بن موسى السهلي..
أحد تلاميذ علامة الجنوب الشيخ حافظ الحكمي ..
داومت على حضور دروسه في الطائف لأكثر من عامين
ومع ذلك فلم يكن يعرفني فقد كان عدد الطلبة كبيرا
ولم يكن لي مع الشيخ احتكاك مباشر..
دخل على الشيخ محمد وسلم عليه وتحدث معه..
حيث هو أيضا من المشاركين في برامج التوعية في الحج ..
وبعد انتهاء لقاءه وحديثه مع الشيخ ..
استأذنت شيخنا محمد ولحقت الشيخ احمد..
فعرفته بنفسي ورويت له أنني أحد تلاميذه السابقين..
قال لي : ظننتك ابن الشيخ!!
وفرح بذلك وسر ودعا لي حيث أنني لم انقطع عن الطلب وقال لي:
استمسك بغرز هذا العالم الجليل .. وأنا والله أغبطك على هذه المزية
فاحرص على الاستفادة من علمه فهو فقيه نادر الطراز ..
صارت لي علاقة وثيقة بالشيخ أحمد استمرت حتى هذه
الأيام وإن له الفضل علي بعد الله في حبي للعلم وطلبه أول الأمر
فجزاه الله عني وعن الإسلام والمسلمين خير الجزاء..
بجوار منزل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في الششة ..
تقع عمارة جميلة ذات طوابق عديدة ..
أوقفها أحد المحسنين وهو الشيخ صالح التو يجري عليه رحمة الله
أحد الأخيار والوجهاء من سكان مكة..
أوقف هذه العمارة على الدعوة والدعاة فكانت في أيام الحج تغص
بالعلماء الأجلاء والدعاة و طلبة العلم الكبار والصغار ..
وكانوا جميعا في ضيافة مكتب التوعية الإسلامية ..
ومن هناك يكون انطلاق المجموعات الدعوية للمخيمات والمساجد والتجمعات
السكنية وغيرها
كانت تلك العمارة كأنك ترى فيها خلية نحل..!!
فهم جنود الإسلام وحماة العقيدة ..
جزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء..
كان لشيخنا أيضا غرفة خاصة في ذلك السكن ..
ولكنه حسب علمي لم ينزل فيها مطلقا..
والسبب أن لشيخنا مراجعين كثر
وحتى لا يشق على الناس رأى أن يستقل في مكان خاص له ..
فكان زوراه ومراجعوه يرتادون مكانه السابق الذكر..
من المشائخ الذين ينزلون ذلك السكن ..
سماحة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ المفتي العام الحالي..
ومنهم فضيلة الشيخ صالح الفوزان..
ومنهم أيضا الشيخ محمد الدريعي ..
ومنهم الشيخ عبد الله القصير..
والشيخ سليمان الشبانه رحمه الله..
والشيخ عبد الله الشبانه ...
وعدد من مدراء الدعوة في الداخل والخارج
وغيرهم كثر ممن أعجز عن عدهم .. ولا تحضرني أسماؤهم
وظني أن المشائخ يتجاوز عددهم المائة..غير الطلبة والدعاة..
ذات مرة دعانا أحد المحبين لشيخنا للغداء في ذلك السكن..
وكان رفيقه في الغرفة الشيخ صالح الفوزان..
كان الغداء الموضوع لنا هو عبارة عن علب بروست !!
أي والله هذا هو الغداء..!!
والسبب أن الغرفة ضيقة والمشائخ عددهم كثير فأين يضع لهم طعاما وفيرا
فكان اختياره اضطرارا قد فهمه الجميع وما لا موه عليه
والظاهر أن ذلك من عادتهم طوال تلك الأيام ..
حصل في ذلك اليوم موقف ظريف..
حيث جلس المشائخ منحشرين بجوار الأسرة المتواضعة ..
وكان أمامي في صف واحد كأنني أراهم أمامي ..
شيخنا ابن عثيمين رحمه الله
وبجواره عن يمينه الشيخ عبد العزيز آل الشيخ
وبجواره عن يساره الشيخ صالح الفوزان ..
بالإضافة لعدد من المشائخ والمرافقين ..
وقد وضع الطعام بين أيدينا ..
و لم نضع يدنا في الطعام انتظارا لأحد المشائخ..
انتظرناه وطال الانتظار..
وكاد الطعام يبرد..
وكان الشيخ المنتظر هو الشيخ محمد الدريعي..
والشيخ الدريعي لمن لا يعرفه رجل كفيف وهو رجل صاحب نكتة وطرفة ومزاح..
وشيخنا يحبه وقد زال بينهما حاجز التكلف ..
قال شيخنا للمضيف: اتصل لي على الأخ محمد وسوف أستعجل حضوره..
فأحضر جهاز الهاتف واتصل على غرفة الشيخ الدريعي ..
فلما رفع الدريعي السماعة .. وهو جهوري الصوت
و ربما من قوته لا يحتاج لميكرفون !!
غير شيخنا صوته وفخمه وصار يغمغم
ويقول: هل أنت محمد الدريعي ؟؟
فقال : من معي؟
فقال: يا أبا فلان أنزل وإلا فلن ننتظرك ..
وتبادلا الحديث والتعليقات وضحكنا من حديثهما ..
ولقد رأيت المشائخ يتمايلون من الضحك وخصوصا الشيخ عبد العزيز آل الشيخ
حتى دمعت أعينهم من الضحك!!
ولم يعرف الدريعي حتى أغلق سماعة الهاتف أن شيخنا هو محدثه ..
وعلق بتعليقات ساخرة على شيخنا وصوته وقال:
من هذا البزر الذي يكلمني ؟؟
وقال: الحين أنزل أؤدبك بعصاي!!
وحين نزل لنا وسمع صوت شيخنا وعرف انه هو من كلمه
انكب على شيخنا يقبله وضمه واعتذر منه ..
رحمهم الله وعفا عنهم..
وكما قلت فقد نزعت الكلفة بين شيخنا وبين الشيخ الدريعي ..
وعلى النقيض منه تماما شيخ آخر لم أرى شيخنا يتعامل بمثل هذا
الأسلوب سوى معه ومع شيخه سماحة الشيخ ابن باز..
حيث يجله إجلالا كبيرا ويتبسط معه في الكلام ويقوم له !!
فسألت شيخنا ذات مرة..
قلت:لاحظت عليكم حينما تقابلون هذا الشخص أنكم تجلونه وتقدرونه تقديرا
كبيرا؟؟
فقال لي: أنت لا تعرف هذا الرجل فله في قلبي مهابة ومحبة واحترام
وأخذ في الثناء عليه وذكر أعماله الجليلة ومواقفه في الحق حتى والله أحببته..
وهذا الرجل المعني هو الشيخ عبد الرحمن الفريان رحمه الله
مدير جمعية تحفيظ القرءان الكريم في الرياض ..
وهو علم من أعلام مدينة الرياض عليه رحمة الله..
ذات ليلة في تلك الأيام ألقى شيخنا درسا في العقيدة في جامع فقيه..
في العزيزية بمكة شرفها الله..
فلما انتهى الدرس قال لي الشيخ : هل سجلت كلامي؟؟
فقلت : لا والله ولم أكن احمل معي مسجلتي تلك الأيام!!
فقال: الدرس اليوم كان مفيدا فلعلك تبحث عمن سجله حتى ننسخه منه ..
فلحقت بشاب رأيته قد سجل الدرس ..
وهو طالب علم من دولة لبنان
فقلت له: اسمح لي أن ننسخ شريطكم ..
فقال لا بأس ..
وحينما ركب في السيارة معي ..
ففوجئ أنه سينسخ الشريط لشيخنا .. ؟؟
ولا عجب فشيخنا حريص على نشر علمه ويتعبد لله بذلك..
وتوجهنا لإحدى التسجيلات الإسلامية ونسخناه ..
وبعد رجوعنا لعنيزة سلمت لمؤسسة الاستقامة تلك الأشرطة وغيرها لكي
يضيفوها لآلاف الشرطة التي قاموا بتصفيتها ونشرها في الآفاق..
كنا في المساء نرجع لسكننا في منزل الشيخ إبراهيم آل الشيخ حفظه الله
وكان برفقته عائلته الكريمة ومنهم ابنه البكر الشيخ
صالح بن إبراهيم آل الشيخ والذي ورث عن والده صفاته وأخلاقه وسمته
قال لي : لم لا تستغل هذه الفرصة بوجودك مع الشيخ وتقرأ عليه بعض
الكتب؟؟
فعرضت الأمر على الشيخ فرحب بذلك
وقال : كونك تركز على كتاب واحد أفضل لك من أن تتنقل بين الكتب يمنة
ويسرة فعليك بضبط متن معين ضبطا كاملا ثم تنتقل لكتاب آخر.. وهكذا
فطلبت من الشيخ أن يختار لي كتابا هو يراه..
فاختار أن اقرأ عليه كتاب الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية
الذي جمعه علاء الدين أبو الحسن البعلي رحمه الله والمتوفى عام 803 للهجرة
وهو كتاب جليل عظيم النفع جمع فيه اغلب آراء شيخ الإسلام ابن تيمية
من خلال كتبه وفتاويه ونظمها في مجلدة واحدة ورتبه على أبواب الفقه
المعروفة ..
وقد سبق أن صور لي هذا الكتاب واحتفظ بتلك الصورة عندي وهي التي قرأتها
على شيخنا ودونت عليها تعليقاته وشروحه ..
كنت أقرأ على الشيخ في البيت أو المكتب أو في المسجد بين الأذان
والإقامة أو في الطائرة أو في السيارة إن كنا مع سائق غيري حسب ما يتيسر من
وقت فيعلق ويشرح على المسألة ثم يعطي رأيه في قول شيخ الإسلام
فيوافق أو يخالف ..
ولقد ظننت قبل أن أقرأ عليه هذا الكتاب أن شيخنا لايخالف شيخ
الإسلام ابن تيمية سوى في مسائل معدودة ..
حصرها احد الطلبة بستة عشر مسألة !!
ولكن تبين لي أن شيخنا يبحث عن الدليل ولا يتعصب لقول الشيخ
فإذا رأى انه خالف الدليل رد قوله كما هو عادة العلماء المجتهدين ..
يتبع إن شاء الله
- 02-05-2007, 04:03 PM #19
رد: القصه التي أبكت العلماء
الحلقة الرابعة والخمسون
كون شيخنا مشرفا على الدعوة في صالة الحجاج وكذلك في الميناء
فقد توجهنا لجدة لزيارة الميناء والصالة ..
حيث عينت الوزارة عددا من المشائخ والدعاة يقومون بتوعية الحجيج
القادمين من البحر والجو ..
في أحكام الحج والدين والعقيدة وغير ذلك ..
ويوزعون عليهم آلاف بل ملايين المناشير والكتب والمصاحف والأشرطة..
من الدعاة في صالة التفويج في الميناء صاحب الفضيلة الشيخ
عبد الله القصير وأكرم به وانعم من عالم جليل
لقد تعجبت والله حينما رأيته يقف بنفسه يوزع على الحجيج الكتب
ويجيب على أسئلتهم ..
رغم شدة الحر والزحام الخانق وانبعاث الروائح الكريهة بسبب القرب من
أحواض السفن ...
جاءه رجل من السودان يعترض عليه في مسألة عقدية ذكرت في كتاب قرأه
تتعلق بالقبور والزيارة ونحو ذلك..
فوقف له الشيخ عبد الله يحاوره بهدوء وأدب ويستمع لاعتراضاته ..
دون أن يضجر من كلامه وخزعبلاته!!
فلله در دعاتنا فما أحسن ما يقدمونه للأمة ..
ثم حظهم من البعض النيل من أعراضهم والقدح فيهم!!
يذكرني هو وأمثاله من الرجال بقول الشاعر :
وليس أخو الحاجات من بات نائما ولكن أخوها من يبيت على رحل!!
جعل الله ذلك في موازين حسناته هو وعشرات الجنود المجهولين
الذين يعملون تحت إشرافه..
أطمأن شيخنا على أحوالهم وتشاور مع المشائخ فيما يقترحون من برامج
ومناشط وكتب ونحو ذلك ..
ثم انطلقنا لزيارة صالة الحجاج في المطار..
كانت في تلك الأيام معرفتي بالطرق في جدة ليست بذاك..
ولقد تهنا في الوصول للصالات لأكثر من ساعتين..
أستغرقها شيخنا بقراءة ورده حتى تعب ونام !!
وصلنا لمدينة الحجاج أخيرا وقد بلغ بنا التعب مبلغه ..
وهي مدينة بما تعنيه الكلمة من معنى..
تقوم لعدة أسابيع ثم تختفي بين عشية وضحاها.. كما قامت!!
فيها أسواق وبنوك ومحال تجارية ومستشفيات وجوامع
وكل الخدمات العامة التي يحتاجها حجاج بيت الله ..
وصلنا هناك .. وكان ذلك بعد صلاة الظهر ..
وقد خرج الناس من المسجد الكبير في وسط الصالات..
حيث كان اللقاء متفق عليه في الجامع وسيلقي شيخنا كلمة للحجيج ..
ولكن لتأخرنا فقد خرج الناس وبقي المسجد شبه خال..
توضأنا ودخلنا للمسجد وصلينا الظهر ..
كان شيخنا مجهدا ومرهقا بسبب ضغط الأيام الماضية ..
كان الجو لطيفا في المسجد وبرودته معتدلة ..
فاستغل شيخنا تلك الدقائق ولف عمامته على وجهه وتوسد يده ونام..!!
فجاء المشائخ فأشرت لهم من بعيد !!
فأشاروا لي: هل هذا الشيخ ؟؟
فحنيت رأسي وقلت لهم : نعم ودعوه ينام قليلا..
فغط في نومة هنيئة حتى شخر ..!!
فسعدت بذلك.. واغتبطت ..
وجلست مع المشائخ في زاوية المسجد حتى لا نزعج الشيخ..
ذكر لي شيخنا رحمه الله ..
أنه كان في سنوات ماضية يلقي دروسا للحجاج من جميع الجنسيات
وغالبهم من أفر يقيا..
تقدم له رجل أفريقي ويتكلم العربية وقال للشيخ: أنت تعلم الناس مسائل
مهمة في العقيدة والأحكام ولكن يحول بينك وبينهم اللغة !!
فغالبهم لا يفهم العربية فما رأيك أن أترجم كلامكم بلغة قومي؟؟
فقال الشيخ : لا بأس ..
فترجم ذلك الرجل لشيخنا مدة من الزمن ..
وفي خلال كلام شيخنا سمع لغطا من خلف الصفوف ..
وقام رجل وقال: ياشيخ إن هذا المترجم رجل كذاب !!
فهو يحرف كلامكم ويبدله بعمد لفساد معتقده ..
فقام مجموعة من الناس وأكدوا كلام الرجل..
فالتفت شيخنا للمترجم وقال له: قم .. وسوف أتكلم بالعربية فمن يفهم
فليفهم وأمري على الله !!
روى لي احد طلبة العلم الثقات يقول: اجتمعت يوما في الحرم في شهر رمضان
بعدد من المسلمين الأفارقة من نيجيريا والذين تحلقوا لاستماع درس شيخنا
محمد رحمه الله في الحرم..
وكان بعضهم يبكي بحرقة ويرفع يديه بالدعاء بكلام لا افهمه!!
فسألتهم : لماذا يبكون ؟؟
فقالوا : كنا مجموعة من النصارى أهدانا أحد طلبة العلم في نيجيريا شريطا
للشيخ محمد في العقيدة فأسلم بسبب ذلك الشريط ثمانية عشر شابا
ومنهم هؤلاء الفتية الذين يبكون فرحا لرؤيتهم للشيخ
ويدعون الله له فالفضل له بعد الله في إسلامهم !!
وأذكر مرة أنه زار شيخنا في الحج مجموعة من الأمريكان السود ..
وكانوا يتكلمون العربية بفصاحة مطلقة وكأنهم عرب أقحاح؟؟
قالوا للشيخ : نحن تلاميذك!!
فقال: لا أذكر أنكم درستم عندي!!
فقالوا : ياشيخ لقد سمعنا شروحك من الأشرطة في الواسطية وكتاب التوحيد
وغيرها فنحن نعتبر أنفسنا تتلمذنا عليك!!
ذات ليلة قال لي الشيخ مازحا : لدي درس الليلة الساعة التاسعة في أمريكا!!
فقلت له ضاحكا ومتعجبا: أتسخر مني؟؟
فقال: هل تريد ترى هذا بنفسك؟؟
فدخلت معه لملحق بيته ، واتصل عليه شخص من أمريكا على هاتفه
وقال ياشيخ : نحن جاهزون ؟؟
فإذا هي محاضرة عبر الهاتف يلقيها شيخنا و يستمع لها في أكثر من خمسين
مركزا إسلاميا في الولايات المتحدة !!
استيقظ شيخنا من نومه وتلفت حوله ومسح بيديه على وجهه
فلما رآه المشائخ قاموا إليه..
وسلموا عليه وتحلقوا حوله واستمع لهم ولبرامجهم وحصروا بعض النواقص
والاحتياجات من كتب وغيرها ..
ثم رجعنا لمكة لكي نستعد لأداء مناسك الحج..
تكفل الشيخ إبراهيم آل الشيخ بتنظيم كل ما يتعلق بحجنا
من تنقل وسكن وخدمات وتغذية فجزاه الله خير الجزاء.
حيث أن لديه فريقا كبيرا من الرجال المخلصين كل قد حدد له عمله ووظيفته
أمرني الشيخ ذلك اليوم بالاغتسال للباس الإحرام كما هي السنة
واغتسل الشيخ ولبس إحرامه وتدهن بقارورة كاملة من الطيب
دهن بها شعر رأسه ولحيته
حتى رأيت الطيب يتقاطر من لحيته..
ولقد فعل شيخنا ذلك تعبدا لله تعالى واقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم
كما روت عائشة رضي الله عنها في إحرامه عليه السلام ..
ركبنا الباص الصغير المخصص لنا وبرفقتنا عائلة الشيخ إبراهيم في الخلف
كان شيخنا يلبي ويرفع صوته بالتلبية حتى بح صوته ..
كما كان يفعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم..
كان السائق محترفا وخبيرا بالطرق ..
فأوصلنا لمخيمنا في منى والملاصق لمخيم سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله
فأنعم بها من جيرة ..
يحتوي المخيم على عدد كثيرة من الخيام جزء منه مستقل للنساء
تتوسطه خيمة كبيرة للصلاة والدروس..
يلقي فيهنا الشيخ الدروس والكلمات بعد كل صلاة ..
ولا يجد شيخنا في تلك الأيام الفضيلة وقتا للراحة إلا ما ندر
فهو كما قال الشاعر:
فلو لم يجد في كفه غير روحه لجاد بها فليتق الله سائله..
فو الله لم ترى عيني ولا ادعي أنه لا يوجد!!
لم ترى عيني رجلا يبذل وقته للعلم والتعليم وتفقيه الناس مثل شيخنا
خلا شيخه وإمام الجميع الشيخ ابن باز رحمهما الله
كان الشيخ ابن باز رحمه الله يجل شيخنا ويحبه حبا جما
وكان شيخنا يبر بشيخه ويصله كما يفعل الولد مع أبيه ..
ويفرح الشيخ ابن باز حين يعلم بوجود تلميذه البار..
ذات مرة جئنا لمنزل سماحة الشيخ ابن باز في مكة
فسلم عليه شيخنا وقبل رأس شيخه ..
ثم جلس شيخنا في مكان بعيد عن الشيخ قليلا..
وكان بجوار الشيخ ابن باز يجلس أحد المشائخ الفضلاء..
فقال الشيخ ابن باز: وين الشيخ محمد ؟؟
وضرب بيده على الكرسي الذي بجواره ..
فقام الشيخ الذي عن يمينه من مكانه واستبدله بمكان شيخنا..
فلا تسل عن الأنس وفرح الشيخ ابن باز بأن يوضع شيخنا في موضعه الذي
يستحقه ويقدر التقدير الذي يليق به..
لا اعلم أن شيخنا ذهب لمدينة يعلم أن شيخه ابن باز فيها
إلا وابتدأ بزيارته والسلام عليه قبل أي شيء آخر..
أذكر مرة ذهبنا لمكتب الشيخ ابن باز في الرياض..
فقيل لشيخنا : هو في اجتماع مع اللجنة الدائمة ..
فيهم سماحة الشيخ وكذلك الشيخ عبد العزيز آل الشيخ المفتي الحالي
والشيخ ابن غديان والشيخ الفوزان والشيخ بكر أبو زيد..
حينما دخلنا عليهم ..
رأيت الشيخ ابن باز مادا رجليه على طاولة وضعت أمامه
و حاسر الرأس..
فأراد المرافق أن يلبسه شماغه فقال الشيخ ابن باز:
لا .. لم يدخل علينا غريب!!
كما قلت كان التلميذ بجوار شيخه في المخيم..
وتحابا في القلوب وتجاورا في قبريهما بمكة في مقبرة العدل..
وأرجو المولى سبحانه أن يتجاورا في القصور في الفردوس الأعلى
يتبع إن شاء الله
- 02-05-2007, 04:08 PM #20
رد: القصه التي أبكت العلماء
الحلقة الخامسة والخمسون
منذ اليوم الأول لوصولنا لمنى ولا ترى شيخنا إلا في درس أو إجابة فتوى
أو عبادة وذكر وتلاوة ..
وفي فراغه إن وجد ليلا بعد العشاء كنت أجلس معه وأقرأ عليه مما ييسره الله
كانت الوفود والزوار لا تنقطع طوال تلك الأيام عن التوافد للمخيم ..
ممن سعدنا برفقتهم تلك الأيام في الحج الأخ الشيخ خالد الشريمي حفظه الله
وهذا الرجل من أصحاب شيخنا ومن محبيه لأكثر من عشرين سنة ..
قمت بتسجيل تلك الدروس والفتاوى طوال مكوثنا في منى في التروية وكذلك في
أيام التشريق .. وقد سلمت تلك النسخ لا حقا للإخوة في مؤسسة الاستقامة
كنت أتلوا على الشيخ أسئلة الناس وغالبها يتعلق بالحج والمناسك ..
وكانت بعض الأسئلة تحتاج لنقاش مع السائل لاستيضاح بعض التفاصيل
فكان الشيخ قبل أن يجيب على الفتوى يقول أين السائل ؟؟
فإن رفع السائل يده أجابه وإلا تركه !!
من المواقف التي أذكرها في تلك الليالي :
حيث صادف أن سأل أحد الناس سؤالا وكان من ضمن الحضور
الأمير بندر بن عبد العزيز.. ومعه مجموعة من حرسه وجنوده وحاشيته..
وكلهم جلوس منصتون لشيخنا وحديثه ..
يقول ذلك السائل في أول سؤاله : أنا رجل مقيم في المملكة من سنتين وليس لدي
إقامة وأكمل سؤاله ...
فقال الشيخ وهو يضحك: أين السائل ؟؟
فضج الناس بالضحك .. حيث علموا أنه لن يجرأ برفع يده !!
في اليوم التالي توجهنا بالباص إلى عرفات ..
وكان ذلك اليوم شديد السخونة والزحام حول المخيم هائلا ..
وتفرغ شيخنا ذلك اليوم كله تقريبا للتعبد والذكر وقراءة القرءان
ولا أذكر أنه ألقى دروسا أو محاضرات ..
أحضر لنا مذياع واستمعنا لخطبة مسجد نمرة ..
وبعد انتهاءها أمنا شيخنا بالظهر والعصر جمعا وقصرا
بعد صلاة العصر وانتشار الظلال وضعت بسط خارج المخيم ..
وجلس شيخنا عليها واستقبل القبلة ومكث رافعا يديه يدعوا ويستغيث
حتى غربت الشمس..
همست في أذنه وهو يدعو بكلام ..
وأرجوا الله تعالى المولى أن يستجيب لدعائه رحمه الله !!
بعد ذلك ركبنا سياراتنا وتوجهنا لمزدلفة ..
صلينا المغرب والعشاء وأوترنا ونمنا ..
عند منتصف الليل استيقظ الشيخ وتعشى .. بعد ذلك افترقنا فرقتين
الكبار في السن العوائل تذهب مبكرا للرمي كما رخص بذلك
والمجموعة الأخرى تمكث لترمي في اليوم التالي..
وكنت أنا والشيخ مع العوائل وكبار السن ..
قبل أن نصل للجمرة الكبرى أمر الشيخ سائق الباص بالتوقف ..
ثم قال لي: انظر هل غاب القمر؟؟
فخرجت ونظرت فرأيته على وشك الغياب..
فقال الشيخ : إلى أن نصل يكون قد غاب .. توجهنا للجمرة ورمينا ثم توجهنا
للحرم وطفنا الإفاضة وعدنا للمخيم بعد الصبح ..
حلقنا وتحللنا ولبسنا الثياب ..
ولا أدري هل حلقنا بعد الرمي مباشرة أم بعد رجوعنا للمخيم ؟؟
ومع ذلك فكله مباح !!
اغتسلت ذلك اليوم ولبست أحسن ثيابي ولم يكن معي سواه..!!
وتبخرت بالعود الذي أحضره الشيخ إبراهيم جزاه الله خيرا..
قال الشيخ لي: اتصل علي الملك ودعاني لقصره للمعايدة ..
فقلت له : هل ممكن أن أرافقكم؟؟
فقال : إن أردت!!
فقلت : بلى أريد..
وبما أننا متمتعون فقد بقي علينا الهدي..
وقد كلف شيخنا أحد رجال الشيخ إبراهيم العقلاء بشراء كبشين أحدهما عن
شيخنا والآخر عني..
جزا الله شيخنا عني خير الجزاء فقد تكفل عني بكل شيء..
فهل لمعاتب لي ، حق أن يلومني بكتابة هذه الرواية عن هذا الرجل الكريم ؟؟
ألا قاتل الله الظلم والبغي!!
قال الشيخ : هيا تعال اذبح هديك!!
فقلت له : والله لم يسبق لي أن ذبحت دجاجة فكيف تريدني أذبح هذا المخلوق
الكبير؟؟
فقال : اذبحه وغيرك يتولى سلخه وتقطيعه..
فقلت : أعفني..
فقال: أبدا لا أعفيك تعال وسأعلمك وافعل مثلما افعل أنا..
فقدم الكبش الأول ووضع شيخنا الشفرة على حلقه فذبحه ولم يبد لي ذلك
عسيرا .. !!
فتشجعت وقلت أنا لها!!
فأمسكت بالشفرة وقرب لي كبشي ووضعت الشفرة على حلقه ..
فلما رأيت عيون الكبش تزيغ من هول ما يقدم عليه ترددت!!
فقال الشيخ ومن حوله : هيا اذبح وسم وكبر ..
فحركت الشفرة فشخر الكبش وهاج وكاد يفلت فكبسه من بجواري وقال :
أجهز عليه !!
فأكملت ذبحه وتطاير الدم حتى امتلأ ثوبي ووجهي بالدم ..
وسكن الكبش ..
فنظرت لشيخنا فكان وجهه مضيئا كالصفيحة وهو مبتسم
رحمه الله ورضي عنه..
قلت له : لا أملك غير هذا الثوب حتى أرافقكم للملك..
فقال: مرة ثانيه إن شاء الله ..
تمنيت رفقة شيخنا فهي التجربة الأولى لي في رؤية هذه الشخصية الكبيرة
ولكن هذا قدر الله..
ولقد دخلت مع شيخنا للملك فهد رحمه الله عدة مرات ..
أذكر مرة أن شيخنا قال لي: سنذهب الليلة للملك فهد في جده ..
ولم يسبق لي رؤية الملك عيانا قبل ذلك اللقاء..
وكان ذلك بعد اجتماعات هيئة كبار العلماء في الطائف..
رجوت شيخنا أن يبدل ملابسه لذلك اللقاء
فهي شبه بالية ولديه ما هو أنظر منها وعباءته معرفطة!!
و نعله تليك مخيطة الأطراف!!
فأبى وقال : أقابلهم بما أقابل به ربي!!
وأردت أن أبدل ثيابي فقال لي: ثوبك جميل ولا داعي لتغييره !!
فقلت في نفسي: يسعني ما يسعه .. رحم الله هذا المربي والزاهد ..
نزلنا لجده ووصلنا للقصر ..قريبا من منتصف الليل..
حينما وقفنا على البوابة نظر الضابط في وجه الشيخ فعرفه ولم يطل ..
وقال للجنود : افتحوا الباب للشيخ ابن عثيمين ..
دلفنا للقصر الفخم والكبير والذي لم أشاهد له مثيلا حتى هذه الساعة
في بهائه وجماله وفخامته ..
رزقنا الله وإياكم القصور في الفردوس الأعلى..
بحثنا عن موقف لسيارتنا بجوار السيارات الفخمة والبهية .. وبالكاد وجدت
ولقد سبق أن رجوت الشيخ أن انزله أمام بوابة الإيوان
لكي ينزل هو وسوف ألحقه
فرفض وقال : ندخل معا ونخرج معا!!
وصلنا لبوابة الإيوان وكان الحرس وخدم القصر ورجاله كالذر عددا
عن اليمين والشمائل..
كل من رآنا جاء للشيخ وسلم عليه ..
فاجأني شيخنا بسرعة خطوه وعجزت عن مسايرته و كان يمر من تحت
أجهزة كشف المعادن ولا يتوقف لها ولا يعبأ بها ..
بالنسبة لي أنا فقد أمسك بيدي العسكر مرتين ليردوني للتفتيش
فكان الشيخ يشير لهم فيتركوني إكراما له ..
دخلنا الإيوان الأول ومن بعده إلى إيوان ابهر منه وأجمل وأفسح..
ومنه دخلنا لمجلس كبير وهائل ..
يكاد ضوءه وتوهجه يخطف الأبصار..
ومع كبر حجمه وفساحته واتساعه إلا أنه بلا أعمدة تحجب الرؤية!!
قد رصت في جميع أطرافه المقاعد الوثيرة والفخمة وعليها من البشر والخلق
من لا يحصيهم إلا الله ..
في صدره كان يجلس الملك .. وعرفته منذ أن رأيته ومنذا يخفاه ؟؟
رحمه الله وعفا عنه ..
حينما رأى الملك شيخنا قام فقام كل من في المجلس وهذا من عاداتهم
فخجلت واستحييت وهبت ذلك المنظر..
فدخلت عن يمين المجلس واختفيت خلف الصفوف..
وكنت أراقب ما جرى..
كنت أرى شيخنا يسير لوحده في وسط المجلس الفسيح ..
وتقدم له الملك فالتقيا في وسط المسافة .. فاحتضنا بعضهما بعضا ..
وقبل الملك على انف شيخنا كما هي عادتهم..
في إكرام العلماء..
سمعت رجلا بجواري متعجبا يقول: من هذا ؟؟
فقال الآخر وكان متكئا ويحرك سبحته قال: هذا المهندس ابن عثيمين!!
نرجع لمنى!!
من السنن أن لا يأكل المتمتع شيئا قبل أن يذوق من هديه
كما هو الحال في الأضحية..
طبخ لنا من كبد الكبشين فافطرنا عليهما ..
ثم خرج الشيخ من الخيمة ودخل على المخيم المجاور للسلام على شيخه ابن باز
للمباركة له بالعيد ..
فاستعرت ثوبا من احدهم ولحقت به ..
فوجدته مع الشيخ ومعهما الشيخ حمد الموسى
رفيق الشيخ ابن باز في حله وترحاله..
قال لي مرة الشيخ حمد: أغبطك على صحبة الشيخ محمد !!
قبلت رأس الشيخ ابن باز فسأل : من أنت ؟؟
فقال له شيخنا: هذا أحد تلاميذنا واسمه فلان بن فلان..
فدعا لي الشيخ ..
رحمهم الله ورضي عنهم وجمعنا بهم في جنات النعيم
يتبع إن شاء الله
- 02-05-2007, 04:15 PM #21
رد: القصه التي أبكت العلماء
الحلقة السادسة والخمسون
لم يطل شيخنا الغياب عند الملك ..
قال لي الشيخ ذلك اليوم: أنه فقد السائق الذي يوصله للمخيم فبقي واقفا
محتارا ولا يدري ما يفعل ..
فلمحه الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية وهو ذو علاقة ومعرفة عميقة
بشيخنا ..
فسلم عليه وقال : هل تنتظر أحدا ؟؟
لاحظتك واقفا لوحدك؟؟
فقال شيخنا : سائقنا تأخر..
فنادى الأمير سعود الفيصل على سيارته الخاصة وأمر سائقه بتوصيل الشيخ
فحمده شيخنا على ذلك وأكبرها منه ..
كنا في أغلب الأوقات نبقى في المسجد لاستماع الدروس والفتاوى ..
وهذا هو غالب أمرنا ..
وأما في الأوقات الأخرى فنجتمع بالشيخ في خيمة كبيرة عبارة عن مجلس
للضيوف ويستقبل فيها الوفود الزائرة من داخل وخارج المملكة..
جاء رجل في تلك الأيام وزعم للشيخ أن المسالخ التابعة للبنك الإسلامي
للتنمية في منى لا تقوم بنحر الإبل كما هي السنة وكذلك ذكر ملاحظات
حول التذكية الشرعية للأغنام..
فلم يرد شيخنا أن يجيبه على زعمه حتى يتأكد مما نقله له..
فكلفني أنا وشخصين اثنين بالذهاب لزيارة المسالخ والإدارة المشرفة
للتأكد من صحة تلك المعلومات خاصة وأن البنك يشرف سنويا على مئات
الألوف من الأضاحي والهدي ذبحا وتخزينا وتوزيعا حول العالم..
وصلنا للمسلخ بعد معاناة وبحثنا عن موقع نحر الإبل فقالوا لقد انتهوا من ذلك
فلما نتمكن من رؤيتها على الطبيعة ..
توجهنا للإدارة فأحالونا لشخص وقالوا : هو مدير هذا القسم ..
فدخلنا عليه مكتبه فاستقبلنا ببرود ولم يعرنا أي أهمية وكان يدخن بشراهة
طوال جلستنا معه..
شرحنا له هدفنا من الزيارة ومن كلفنا بذلك فازداد تجاهلا لنا!!
ولم يفدنا بشيء ولم يرد إعطائنا أي معلومات ..
فخرجنا من عنده وقد بلغ الحنق بالأخوين الآخرين مداه..
رجعنا للشيخ وشرحنا له ما حصل ..
فاسترجع وقال : خيرا إن شاء الله !!
في اليوم الثاني وهو الأول من أيام التشريق ..
زارنا في المخيم الدكتور محمد علي مدير عام البنك الإسلامي بنفسه!!
وقدم اعتذاره للشيخ عما حصل ولا ادري كيف بلغه الموضوع..
وأصر على شيخنا أن يرافقه بنفسه للمسالخ لرؤية الموضوع على الطبيعة
والدكتور محمد علي رجل مؤدب ومتواضع وخلقه وبشاشته تأسر القلوب
وهكذا كان!!
انطلقنا بسيارته وأصر على الشيخ أن يركب هو في الخلف وشيخنا بجوار
السائق وكانت لفتة كريمة منه ..
قبل دخولنا للمسالخ مر بنا الدكتور على مكان الذبح العام حيث يقوم الحجاج
بذبح هديهم وهذا خارج إشراف البنك ..
ويا للعجب!!
رأينا ذلك اليوم منظرا لا أنساه ما حييت ..
حيث تكدست عشرات الألوف من الأغنام المذبوحة على مد البصر
والملقاة بعضها على بعض وقد تعفنت وتجمعت عليها الحشرات وصدرت منها
روائح قاتلة ..
وكان غاية الدكتور أن يري الشيخ دور البنك في محاولة القضاء على تلك المشكلة
المزمنة ..
حيث رفع عن الناس حرجا شديدا واوجد لهم بديلا ملتزما بالضوابط
الشرعية ويبرئ الذمة ..
قال لنا الشيخ ذلك اليوم : قبل سنوات بعيدة في شبابي
اشتريت أنا وعدد من الإخوة والأصحاب جملا لكي نهديه عنا جميعا
وكنا سبعة..
وكان عدد الأضاحي ليس بالكثرة الآن والحجاج اقل..
يقول شيخنا نظرا لوجود عدد كبير من الفقراء حولنا وكل واحد منهم احضر
سكينه وساطوره بيده!!
فقد حاولنا الابتعاد عنهم حتى يسهل علينا النحر والسلخ وتقطيع الذبيحة..
قال الشيخ : ما إن سقط جملنا حتى تساقط الناس علينا من كل مكان
فقطعوا البعير وجزءوه في دقائق معدودة !!
أما الحال ألان فهذا الذي نراه والله مأساوي !!
تجولنا في المسالخ وتأكد الشيخ بنفسه من سلامة طريقة الذبح والنحر وأن
العتب على الناقل سامحه الله..
ونحن نتجول في المسلخ جاءنا رجل وعيونه غارقة بالدموع ..
فتأملت وجهه فإذا هو صاحبنا الذي دخلنا عليه بالأمس وتجاهلنا
وقد كان كسيرا حزينا فسلم على شيخنا واعتذر منه واعتذر منا جميعا
أخذه شيخنا على انفراد ..
وتحدث معه وابتسم في وجهه وتهلل وجه الرجل وضحك ..!!
وأخبرني الشيخ لا حقا انه نصحه بترك الدخان فوعده بذلك
ولعل الله تعالى عافاه..
مرت تلك الأيام بوتيرة واحدة ..
كنا نذهب لرمي الجمرات مشيا على الأقدام ..
حيث أن مخيمنا ليس ببعيد عنها..
وفي الطريق يجيب شيخنا عن أسئلة الناس ..
أذكر أننا في عودتنا ذات مرة من الرمي وكان ذلك قبل الغروب بدقائق..
وكانت منى شبه خالية حيث عجل كثير من الحجاج كما هي العادة..
فمررنا على رجال يشدون أمتعتهم على سياراتهم..
فلما رأى أحدهم شيخنا وكان في أعلى السيارة الجيب يربط متاعه
نادى على الشيخ مستفتيا ويشير بيده: ياشيخ محمد إحنا معجلين
ومثل ما ترى قد يؤذن علينا وما أكملنا متاعنا هل يجوز لنا التعجيل ؟؟
فقال الشيخ : لا باس عليكم إن شاء الله ..
فهذا رجل استفتاه وهو على سيارته دون أن يتكلف عناء النزول!!
ولا أدري هل سألهم هل طافوا للوداع أم لا ؟؟
روى لي أحد الطلبة الثقات يقول : مرة كنا نسير مع الشيخ بعد الصلاة
من مسجده لبيته .. فنادى رجل من سيارته على الشيخ :
ياشيخ محمد ياشيخ محمد أريد أن أسألكم ؟؟
فقال الشيخ له : تعال أنت وسأل فالعلم يؤتى إليه وحق عليك إكرام العلم وأهله..
ولم يرد الرجل على الشيخ حياء من جوابه ..
ولكن شيخنا لمح في خلف سيارة الرجل عكازا فعرف أنه مبتلى..
فرجع للرجل ودنا منه واستمع لأسئلته حتى انتهى ..
لم نعجل كما هو المتبع من شيخنا في كل عام وخلى المخيم وحوله تقريبا
جاءنا ذلك اليوم ضيف كريم وهو الأمير ممدوح بن عبد العزيز وفقه الله
كنت أنه وهو مع الشيخ ثلاتنا لا رابع لنا في السيارة وقال لشيخنا كلمة
أراد منها أن يشد من عضد الشيخ قال له في كلام طويل أذكر بعضه :
(ياشيخ محمد أنت وشيخنا ابن باز أقدما ولا تترددا فوا لله إن إخوتي الكبار
من الملك وإخوانه الكرام الآخرين يقولان دائما للوزراء والمسئولين
أطيعوا العلماء ولا تعصوهم وخصوصا هذين العالمين الجليلين ابن باز والعثيمين
فنحن بالله قمنا ثم بهما !!)
جزى الله الأمير ممدوح خير الجزاء فهو صادق النصح إن شاء الله ولا يبتغي من
ذاك شيئا بارك الله فيه
شهدت منه موقفا أكبرته منه ..
حيث أذكر مرة أنه بعث رجلا لشيخنا يستفتيه في أمر وهو:
أن هناك مشروع يدر على الأمير مدخولا كبيرا ولكنه يحتاج لهذا المشروع
لرخصة وكونه أميرا ومن أبناء الملك عبد العزيز فلن يعسر عليه الحصول على
تلك الرخصة .. ولكنه تحرج من ذلك خوفا من أن يجامل كونه أميرا !!
وهذا بلا شك سيكون!!
فقال شيخنا للوسيط : سلم على الأمير وبلغه أن الورع أن يتركه والله يخلف
عليه بخير
فتركه رغم أن ربحه مضمون وأرباحه كبيرة للغاية والله يخلف عليه خيرا منه
في ماله وولده وأهله ..
زار الأمير ممدوح القصيم في سنة من السنوات
وكان في اغلب بقاءه في القصيم تلك الأيام يكون في عنيزة
إما في بيت الشيخ أو في جامعه أو عند أحد المضيفين له من عنيزة..
طلب الأمير ممدوح من شيخنا أن يزور بيته الطين والذي حتى تلك السنوات
لم يهد وبقي شامخا في المكان المعروف ألان .. شمال مسجد الجعيفري
على شارع الشريمية ..
التقينا شيخنا والأمير وأنا وجمع من الإخوة أمام باب المنزل ضحى ..
وفتح شيخنا باب بيته القديم ..
وأخذ يشرح لنا تفاصيل البيت وتقسيماته ..
حينما تدخل من باب المنزل تواجهك ساحة في وسطها نخلة طويلة ..
وعليها حبل للتسلق ..
وذكر الشيخ انه كان يصعد لأعلى تلك النخلة فيلقحها أو يحصد تمرها
فقال لي الأمير مازحا: هل تستطيع الصعود لأعلاها يافلان؟؟
فحاولت الصعود وما عرفت طريقة شد الحبل خلف الظهر وهي تسهل كثير ا
الصعود..
فقام شيخنا بنفسه وشده وصعد حتى وصل قريبا من وسطها ونزل..
صعدنا من الدرج ليرينا مكتبته ..
فدخلناها فإذا هي غرفة متوسطة الحجم وفيها رفوف قديمة وشبه بالية
مكتوب عليها 1381 للهجرة ولعله تاريخ التركيب!!
وجدنا في زاويتها سلكا كهربائيا قويا قد عقف أعلاه على شكل عصى
وهو متماسك ومغلف ببلاستيك اسود قال الشيخ : هذه عصاي كنت استعملها
وأنا أسير في الظلام إلى المسجد قبل انتشار الكهرباء..
فحملها الأمير وكانت ثقيلة ..
واستأذن من شيخنا أن يهبه إياها ففعل..
وكذلك رأى الأمير سجادة صلاة قديمة قد حفر مقدمها من اثر السجود عليها
فقال للشيخ : هل هذه سجادكم ؟؟
قال: نعم ..
فاستو هبه إياها ففعل!!
خشيت أن يستو هب الأمير الشيخ كل شيء فهمست في أذنه وقلت :
أريد دواليب الكتب إن كنت لست في حاجتها !!
فقال: هي بالية !!
فقلت : حتى!!
فوافق..
فنقلتها لبيتي واحتفظت بها سنوات عديدة حتى سرقت مني!!
ولقد أعطاني الشيخ بناء على طلبي عددا من عباءاته القديمة جدا وما زالت
عندي حتى الآن ..
واحتفظ بها للذكرى لا للتبرك أو شيء آخر والحمد لله ..
يتبع إن شاء الله
الحلقة السابعة والخمسون
رجعنا لبيت الشيخ إبراهيم في العزيزية بمكة شرفها الله
بعد انتهاء المناسك
وكالعادة يشعر المرء بأثر الحج من جهد وكلل وإرهاق ..
خاصة أن شيخنا يبذل جهدا أكثر ممن سواه..
استرحنا قليلا يوما أو يومين ..
من عادة سماحة الشيخ بن باز رحمه الله في كل عام
أن يقيم شبه احتفال للدعاة الذين شاركوا في برنامج التوعية في الحج بمناسبة انتهاء برنامج التوعية السنوي في الحج
ويحضر ذلك الاجتماع بالإضافة للدعاة نخبة من العلماء والمفكرين
من العالم العربي والإسلامي ..
يتم في ذلك اللقاء التعريف بالمناشط التي تمت وذكر بعض
الإيجابيات والسلبيات وطرح الأفكار الجديدة..
أذكر ذلك اليوم أن سماحة الشيخ بن باز رحمه الله
وشيخنا ابن عثيمين رحمه الله ..
والشيخ صالح الفوزان حفظه الله ..
كانوا متجاورين وعليهم أثر الجهد والتعب..
ولقد رأيت رؤوسهم ثلاثتهم تخفق وتعلوا من النعاس عفى الله عنهم..
وبهذا الاحتفال يكون ختام برنامج التوعية السنوي اسأل الله تعالى أن يتقبل منا ومنهم والحمد لله ..
أوصلت شيخنا لجده ومنها سيواصل على القصيم أما أنا فقد رجعت لعائلتي
في الطائف لكي اقضي لديهم فترة نقاهة فقد كنت مصابا بالزكام والحمى
الطائف جوه منعش وجميل طوال العام تقريبا ..
ففي الصيف حرارته معتدلة ولا تتجاوز حدود المعقول!!
كما في القصيم والرياض مثلا..
أما في الشتاء فإن برودته ليست بشديدة كبرودة أبها والباحة مثلا..
أذكر أنني قرأت في كتاب المطالعة في إحدى سني الدراسة عن عالم غربي
مر على الطائف فمدح مناخها وقال هو من أفضل المناخات في العالم!!!
ولا يظنن ظان أني أمتدحها لأنني كنت يوما من أهلها أو عشت سنواتي الأولى فيها .. !!
أنا أحكي شيئا معلوما ومعروفا للجميع ..
مكثت أياما قليلة في الطائف ثم رجعت للقصيم ..
وصلت لعنيزة ليلا..
حيث غبت عنها حوالي الشهر..
وكان السكن كئيبا بسبب قلة الحركة وشعرت بانقباض وضيق ..
وهذا شيء طبيعي حيث يشعر الإنسان بتلك الآثار بعد الغياب الطويل
القصيم بالنسبة لي تلك الأيام هي موطني فقد كنت أتم صلاتي فيها
وحينما كنت أذهب للطائف فأنا أعتبر نفسي غير مقيم ..فتحل لي رخص السفر
منذ اليوم الأول لدخولي لغرفتي في السكن وأنا اشعر أن هناك
اختلافا فيها؟؟
بلغت الشيخ بذلك .. فاستغرب وقال : لعلك واهم ؟؟
فتشت في أغراضي وأوراقي وأمتعتي وكتبي فاكتشفت التالي:
وجدت عددا من كتبي قد سرقت !!
وهي عبارة عن كتب صورتها من شيخنا وعليها تعليقاته
وحواشيه بخط يده وهي كتب ثمينة جدا واحملها طوال تلك
السنوات في حلي وترحالي..
وكذلك فقدت عددا من أوراق الشخصية وتزكيات سبق أن كتبها لي
شيخنا في مناسبات معينة..
وكذلك افتقدت بعض الأمتعة المهداة أيضا من شيخنا!!
وكذلك افتقدت عددا من الرسائل التي كانت بيني وبين الشيخ ومما
كان يكتبه الشيخ للوالد وأحتفظ بنسخ منها..
توجست في الموضوع وقلت في نفسي: لا يملك مفتاح غرفتي
سوى أنا وشيخنا ورفيقي في السكن !!
ورفيقي رجل ثقة وهو الشيخ محبوب وما حاجته لمثل تلك
الأغراض وما مصلحته من أخذها؟؟
ولم ابلغ شيخنا حتى تأكدت أنها سرقت !!
وعلمت من سرقها وشهد شاهد على ذلك لي..
أبلغت شيخنا بالحاصل ..
أذكر ملامح وجهه حينما أخبرته الخبر ..
لقد حزن وتأثر ابلغ تأثير ..واسترجع وكأنه عرف الفاعل فورا ؟؟
دعا بهذا الدعاء: اسأل الله تعالى أن يضيق صدره كما ضيق
صدري حتى يرجع تلك الأشياء..
جميعكم من خلال القراءة السابقة للحلقات سيعرف من هو الفاعل؟؟
لقد أشترى الأستاذ أدوات لفتح الأبواب ودخل غرفتي في فترة
الحج وقلب كل حاجياتي ليبحث عن السحر المخفي في متاعي !!!
فلما لم يجد شيئا ولن يجده سوى في مخيلته المريضة التي أملاها
عليه شياطين الجن والإنس عليه !!
حينما لم يجد شيئا سرق تلك الحاجيات !!
لما؟؟
لا أدري ..
ولكن التفسير الوحيد لذلك واضح وضوح الشمس لمن له عينان ..
استجاب الله لدعاء شيخنا فلقد بلغني المؤذن عن ذلك الرجل انه
مرض وأصيب بصداع شديد في رأسه وتغيب عن الدرس فترة
طويلة ..
دعاني الشيخ يوما بعد الصلاة وسلمني كرتونا به جميع حاجياتي ..
فبحثت فيها فوجدت جميع الأشياء المسروقة كاملة موجودة سوى
بعض الأوراق والخطابات وجدت صورها ولم أجد النسخ الأصلية
استعادها لي شيخنا لاحقا وسلمها لي جزاه الله عني خير
الجزاء..
أسمحوا لي أيها القراء الكرام أن أنقل لكم هذه الرسالة التي كتبها
لي شيخنا رحمه الله .. واسترجعتها من يد ذلك المعتدي
وهي موجودة عندي ولعل في نشرها نفعا لمن تأمل وتدبر معانيها
وقد ذكر شيخنا في الرسالة ذاتها سبب كتابتها ..
يقول شيخنا رحمه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد الصالح العثيمين إلى الابن ( ) حفظه الله تعالى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد فقد سألتني بارك الله فيك
أن أضع لك منهجا تسير عليه في حياتك...
وإني لأسال الله تعالى أن يوفقنا جميعا لما فيه الهدى والرشاد
والصواب والسداد وأن يجعلنا هداة مهتدين صالحين مصلحين
فأقول:
أولا مع الله عز وجل
1- احرص على أن تكون دائما مع الله عز وجل مستحضرا
عظمته متفكرا في آياته الكونية مثل خلق السموات والأرض
وما أودع فيهما من بالغ حكمته وباهر قدرته وعظيم رحمته
ومنته .
وآياته الشرعية التي بعث بها رسله ولا سيما خاتمهم محمد
صلى الله عليه وسلم.
2- أن يكون قلبك مملوءا بمحبة الله تعالى لما يغذوك به من
النعم ويدفع عنك من النقم ولا سيما نعمة الإسلام والاستقامة
عليه حتى يكون أحب شيء إليك.
3- أن يكون قلبك مملوءا بتعظيم الله عز وجل حتى يكون في
نفسك أعظم شيء..
وباجتماع محبة الله تعالى وتعظيمه في قلبك تستقيم على
طاعته قائما بما أمر به لمحبتك إياه تاركا لما نهى عنه لتعظيمك
له.
4- أن تكون مخلصا له جل وعلا في عباداتك متوكلا عليه في
جميع أحوالك لتحقق بذلك مقام (إياك نعبد وإياك نستعين).
وتستحضر بقلبك أنك إنما تقوم بما أمر امتثالا لأمره وتترك ما
نهى عنه امتثالا لنهيه فإنك بذلك تجد للعبادة طعما لا تدركه مع
الغفلة وتجد في الأمور عونا منه لا يحصل لك مع الاعتماد على
نفسك.
ثانيا : مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
1- أن تقدم محبته على محبة كل مخلوق وهديه وسنته على كل
هدي وسنة .
2- أن تتخذه إماما لك في عباداتك وأخلاقك بحيث تستحضر عند
فعل العبادة أنك متبع له وكأنه أمامك تترسم خطاه وتنهج نهجه.
وكذلك في مخالقة الناس أنك متخلق بأخلاقه التي قال الله
عنها(وإنك لعلى خلق عظيم).
ومتى التزمت بهذا فستكون حريصا غاية الحرص على العلم
بشريعته وأخلاقه.
3- أن تكون داعيا لسنته ناصرا لها مدافعا عنها فإن الله تعالى
سينصرك بقدر نصرك لشريعته.
ثالثا : عملك اليومي غير المفروضات
1- إذا قمت من الليل فاذكر الله تعالى وادع الله بما شئت فإن
الدعاء في هذا الموطن حري بالإجابة واقرأ قول الله تعالى( إن
في خلق السموات والأرض ) حتى تختم سورة آل عمران وهي
عشر آيات.
2- صل ما كتب لك في آخر الليل واختم صلاتك بالوتر.
3- حافظ على ما تيسر لك من أذكار الصباح . قل مئة مرة : لا
إله إلا الله وحده لا شريك له ،له الملك وله الحمد وهو على كل
شيء قدير.
4- صل ركعتي الضحى.
5- حافظ على أذكار المساء ما تيسر لك منها.
رابعا: طريقة طلب العلم.
1-احرص على حفظ كتاب الله تعالى واجعل لك كل يوم شيئا
معينا تحافظ على قراءته ولتكن قراءتك بتدبر وتفهم .
وإذا عنت لك فائدة أثناء القراءة فقيدها.
2- احرص على حفظ ما تيسر من صحيح سنة الرسول صلى
الله عليه وسلم ومن ذلك حفظ عمدة الأحكام.
3-احرص على التركيز والثبات بحيث لا تأخذ العلم نتفا من هذا
شيء ومن هذا شيء لأن هذا يضيع وقتك ويشتت ذهنك.
4- أبدا بصغار الكتب وتأملها جيدا ثم انتقل إلى ما فوقها حتى
تحصل على العلم شيئا فشيئا على وجه يرسخ في قلبك وتطمئن
إليه نفسك.
5-احرص على معرفة أصول المسائل وقواعدها وقيد كل شيء
يمر بك من هذا القبيل فقد قيل: من حرم الأصول حرم الوصول.
5- ناقش المسائل مع شيخك أو من تثق به علما ودينا من
أقرانك ولو بأن تقدر في ذهنك أن أحدا يناقشك فيها إذا لم تمكن
المناقشة مع من سمينا.
هذا وأسال الله تعالى أن يعلمك ما ينفعك وينفعك بما علمك ويزيدك
علما ويجعلك من عباده الصالحين وحزبه المفلحين .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كتبه محمد الصالح العثيمين في 3 رجب 1412 هـ التوقيع.
رحمة الله على شيخنا وجزاه الله عني خير الجزاء
إن كلماته تلك تحمل في كلمة منها معاني سامية خرجت من قلب
رجل امتلأ علما وإيمانا وتقى احسبه كذلك والله حسيبه..
ولي عودة للتعليق على هذا الخصوص بالذات إن شاء الله تعالى
الحلقة الثامنة والخمسون
لا أرغب في الاسترسال حول التصرف الذي حدث من قبل صاحبنا
فبفضل المولى سبحانه منذ ذلك التصرف الأهوج الذي بدر منه
لم أتلقى أي تصرفات أخرى ملموسة من قبله سواء بالكلام أو الفعل
والله ربي وربه وحسيبي وحسيبه مطلع على الخفايا وعالم بالسرائر..
ويبدوا أنه شعر بخيبة أمل كبيرة حيث لم يصل لمبتغاه بفضل الله أولا
ثم بفضل شيخنا الحصيف والعاقل والمؤمن والعالم الراسخ..
فأين تجد مثل هذا ؟؟
ذلك فضل الله..
توقف النزاع والخصام ولعله إلى الأبد والحمد لله ..
وأؤكد للجميع أنني لم أسعى وأهتم بذكر هذا الرجل بعينه بسوء!!
أمام أحد من الناس كائنا من كان ..
مقابلة لجرمه بحقي وكذبه علي ..
ولو أنني أذكر أعماله وتصرفاته فليست سوى للعبرة ..
والله يهدينا ويهديه لصراطه المستقيم ..
حينما كتبت بالأمس تلك النصيحة التي وجهها شيخنا لي ..
تذكرت أنني قرأتها في تلك الأيام ولا شك أنني استفدت منها ..
وحرصت على العمل بها بقدر ما آتاني الله من بصيرة ..!!
ولكنها اليوم ذات طعم خاص ومذاق مختلف..
منذ فترة بعيدة جدا لم أقرأها ولعل هذا من حسنات هذه المقالة
أن جعلتني أتذكر تلك الوديعة الثمينة..
قرأتها بالأمس قراءة تمحيص وتدقيق..
تأملت حروفها .. حيث كتبها بيده وبخطه الجميل..
شممت عطرها الزكي.. على ذلك الورق المتواضع ..
أصغيت لها فتردد في سمعي رنينها العذب...
و ضعتها على صدري فامتزجت همساتها في الفؤاد ..
تذكرت الوقت الثمين الذي قضاه في تدوينها..
تذكرت كم أنه تأمل وفكر فيما هو يصلح حالي في ديني ودنياي فرقمه..
تذكرت يده حينما قبضت على القلم وأخذت تخط تلك الكلمات الصادقة..
تذكرت كيف كان قلبه في تلك اللحظات ينبض بالرحمة والشفقة علي..
خرجت بأمر واضح كالشمس:
أيقنت أنها صدرت من قلب كبير..
رحمك الله يا أبا عبد الله ..
رضي الله عنك ياشيخنا محمد..
فوا لله ما قدرتك حق قدرك وما أوفيتك الوفاء الجميل..
والله لو كان لي سبيل إليك لرأيت مني غير ما رأيت ..
ووالله ياوالدي لو تمكنت من رؤيتك والاجتماع بك
لتعبدت ربي سبحانه أن أكون خادمك المطيع حتى الممات..
أنت والدي فعلت بي ما يفعله الوالد بولده وأكثر..
كم مرة سمعت أبي أحمد رحمه الله يقول لي بحضور شيخنا:
هذا والدك دوني !!
قلت له : مه !!
فقال: لقد قدم لك كيت وكيت وفعل لك كذا وكذا..
إن للأمة حق على هذا الرجل حق عام!!
أما أنا وغيري فعلينا له حق خاص..
يجب علينا أن ندفعه له حتى الممات..
أقله الدعاء وهو من الوفاء له ..
ونشر علمه ..
وتعريف الناس بفضائله وهذا الذي سماه خليل الرحمن إبراهيم عليه الصلاة
والسلام( واجعل لي لسان صدق في الآخرين)
وهاأنذا أحكي بعض جميله ..
كنت في تلك الأيام رغم بري به والحمد لله والجميع يعرف ذلك
قليل الإدراك وهكذا المرء في فتوته وشبابه ..
قد يدرك ولا يدرك ..!!
يرى الأمور ويبصرها ولكن لا يفهم معانيها ومضامينها وروحها إلا، لاحقا..
لا يقرأ بين السطور..
وبالأحرى لا يملك آليات تلك القراءة !!
وهذه هي البصيرة الحقة..
أي منا لم تسهر والدته يوما بجواره وهو صغير حينما يئن من المرض ؟؟
أي منا لم يرى كم كان والده يخرج باكرا من منزلهم ويعود في المساء وقد بلغ به
الإعياء والتعب مبلغه..
كنا نرى تلك التصرفات ولكننا لا ندرك جوهرها ولا عمقها..
إنه الحنان ..
إنها الرحمة ..
والمحبة والشفقة والفداء والتضحية ..
وكل المعاني السامية تنبعث من تلك التصرفات جملة واحدة..
تلك المعاني تكتشفها للأسف لاحقا ..
بعد سنوات طويلة ..
وغالبا بعد رحيلهم..
فتبقى في القلب حسرات وآهات ..
وأقول : يا إخوتي وأخواتي
من وفقه الله فأبصر الحقيقة وعلم ذلك علم اليقين وما زال صاحب الفضل
حوله وقريبا منه..
فهذا والله المحظوظ فلا تفلت منه الفرصة..
فدونه الجنة فهي أقرب له من شراك نعله..!!
بعد موت والدي عليه رحمة الله ..
بشهر تقريبا كنت أسير بسيارتي بين الطائف والرياض..
وكنت حينها لم أستيقظ بعد من هول الصدمة بفقدانه..
كنت أقود السيارة وارى الطريق أمامي ولكن قلبي وعقلي معه رحمه الله
يسترجع شريط الذكريات الطويل ..
من الذكريات المحزنة..
وحصل ذلك قبل أسبوع من موته رحمه الله..
حيث أنني أثقلت عليه في موضوع ما!!
وأذكر أنه اتصل علي وعاتبني على ذلك..
حيث وقف ساعات وعانى من هذا الأمر ..
وكان ذلك على غير قصد مني..
ومع ذلك فإنني شعرت بألم في قلبي وحزن
فأوقفت سيارتي وبكيت حتى كدت افقد وعيي من البكاء والله ..
رحمهم الله ورضي عنهم وجمعنا وإياهم في مقعد صدق عند مليك مقتدر
مرت الأيام والساعات وتوالت الليالي والحمد لله استزدت تحصيلا..
من رعايته رحمه الله بي حيث درسنا في تلك الأيام مادة المواريث
وهذه المادة من أصعب علوم الفقه كما هو معلوم..
فكان شيخنا يهون علي المر ويقول : هي سهلة جدا!!
أذكر مرة أنني حضرت في مدينة الطائف درسا في علم المواريث ( الفرائض)
عند الشيخ علي بن محمل العتيبي وهو قاضي متقاعد من المحكمة
والشيخ علي متقن للغاية لهذا الفن..
حينما استمعت لكلامه طوال ساعة وأزيد
لم أستطع فهم كلمة واحدة ..وأغلق علي وعسر ذلك العلم من ذلك الدرس
فخرجت وأنا مصدوم من هذا العلم المعقد للغاية..
ولكن شيخنا رحمه الله كما هي قاعدته (الكيف لا الكم)..
جرد لي هذا العلم من كل تلك العقبات فصار ميسرا وسهل التناول
بحمد الله تعالى..
فكنت ادرس عنده في الليل مع الطلاب .. وفي الطريق لبيته يملي علي المسائل
ويختبرني ويكلفني بالبحوث حتى أدركته جميعا..
وما زلت حتى الآن أحتفظ بتلك الواجبات وعليها تصحيحاته وتعليقاته
بالقلم الأحمر..
علمت أن شيخنا يعاني من قضية المساعدات التي يقدمها للناس حيث يأخذ
ترتيب تلك الأمور وتدوينها وجردها وقتا ثمينا منه..
فعرضت عليه أن أساعده في ذلك..
وأراد مرة أن يختبر جديتي في الموضوع!!
حيث اتصل علي شيخنا ذات يوم في السكن..
وقال لي : أريدك تحضر للبيت احتاجك في أمر..
فوصلت لبيته فخرج إلي وفي يده كيس ..وقال:
هذه النقود تذهب بها للبنك وتودعها في حساب الزكاة..
ولم يكن المبلغ كبيرا ولكنني لم احمل مثله من قبل!!
ذهبت للبنك مرورا بالبيوت الطينية الواقعة بين شارع الشريمية
والبنك في شارع الضليعة..
كانت الشوارع والأزقة خالية من الناس والمارة..
فكنت استعجل الخطى حتى أمر من تلك الدور المهجورة والمخيفة..
دفعت للبنك ذلك المبلغ ..
ومنذ ذلك اليوم ولسنوات صرت احمل نقود الزكوات والصدقات وغيرها
من البنك للشيخ والعكس..
ولقد كانت تبلغ المبالغ أحيانا أرقاما كبيرة ومخيفة ..
ومع ذلك فلم يحصل أي حادث يذكر سوى موقف وحيد وتافه لا يستحق
الذكر!!
في تلك الأيام حدثت حادثة غريبة لي ..
سأذكرها بالتفصيل في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى..
الحلقة التاسعة والخمسون
شعرت في تلك الأيام بألم شديد في الجزء الأيسر من رأسي..
ظننته صداعا عابرا ..فاستعملت المهدئات..
ولكن الألم استمر وزاد حتى صار عذابا لا يطاق..
توجهت لقسم الطوارئ في مستشفى الملك سعود..
قال لي الطبيب: يجب أن تنوم في المستشفى لنرى ما القصة؟؟
لا أشك أنه قد ظن أن في الأمر شيئا خطيرا فقرر تنويمي..
اتصلت على شيخنا وبلغته بالحاصل..
فقلق علي رحمه الله واتصل على المشرف العام ليستبين الموضوع..
وضعت في غرفة جميلة وهادئة وكنت فيها وحيدا ..
وهذه من جمائل الدكتور عبد الله البداح المشرف العام..
بعد صلاة العصر.. جاءني في المستشفى للزيارة شيخنا رحمه الله
ومعه جمع كبير من الطلاب ..
لم أكن اشعر بشيء خطير سوى تلك الآلام التي تأتي ثم تروح ..
ولم يكن يوقفها سوى المهدئات والمسكنات والتي سيكون لها آثار جانبية في
المستقبل كما سترون..!!
إن مجرد رؤية هذا الرجل الشهم والعالم الجليل وهؤلاء الكرام حوله
من طلبته الأخيار ..
أشعرني بالفخر والشرف أن أنتسب لتلك الطائفة الصالحة رضي الله عنهم
زارني المشرف العام مرارا ومعه المدير الطبي ورئيس شئون المرضى
وفي بعض الأحيان عدة مرات يوميا جزاهم الله خيرا..
كثرت علي التحاليل والأشعة حتى أيقنت أن في الأمر شيئا ما !!
قلت في نفسي: أخي الكبير محمد رحمه الله سبق وأن مات بسرطان في دماغه
فهل ياترى توارث المرض لي؟؟
كنت كلما تذكرت العذاب الذي وجده والداي ونحن الأبناء من مرض أخينا
الكبير محمد أصاب بالقلق والخوف..
ماذا لو تكرر الموضوع؟؟
أخي محمد رحمه الله له قصة أستميح القراء في روايتها وإن طالت ..
هذا الشاب الذي اذكر عنه أشياء بسيطة ،توفي رحمه الله وأنا ما زلت في سن
السابعة أو قريبا منها..
وذلك في سنة 1402 للهجرة ..
حيث شعر بآلام شديدة في رأسه .. وتعب الأطباء وعانوا في اكتشاف
سبب ذلك .. فقائل : هو ورم غير مرئي!!
وقائل : هو مرض نفسي ..
وقائل:هو دلع وتدلل صبياني!!
نقل على أثرها إلى الرياض لمستشفى الملك فيصل التخصصي ..
وهناك شخص المرض بأنه ورم خبيث في الدماغ..
أستأصل الأطباء الورم وادعوا نجاح العملية ..
ولكن الآلام لم تتوقف .. يئس الوالد رحمه الله من ذلك المستشفى
ونقله لمستشفى عرفان في جده
واستعملوا الإبر الصينية معه وأنفق مبالغ طائلة وبلا طائل!!
لم يسمع أبي بطبيب في شرق المملكة أو غربها أو قريبها وأقصاها إلا وذهب إليه
وتعب هو وشقي كما شقي أخي محمد أو كاد..
أستعمل الأدوية الشعبية والكوي..
أذكر مرة أنهم كووه المسكين حتى سمعت صراخه وأنينه ونحن في السيارة
وكنا نبكي لبكائه رحمه الله ..
أما الوالدة فلا تسل عن حالها ولا عن كربها خلف الله عليها خيرا..
كنا نتقل بين مدن المملكة لعلاج أخينا أينما حل فقد كنا صغارا ولا راعي لنا بعد الله سواه..
أشار على الوالد عدد من أصحابه أن يعالجه في الخارج..
فتردد الوالد ولكنه أخيرا عزم ولكن أين وكيف وكم؟؟؟؟
جمع الوالد مبلغا وفيرا من المال وأظنه استدان جزءا منه ..
وسافر بأخي والوالدة واثنين من إخوتي الصغار لأمريكا ..
إلى مدينة هيوستن بولاية تكساس( ولا أدري هل نطقتها صحيحة)..
بقي أخي محمد لشهرين تقريبا مدركا لما يجري حتى دخل في غيبوبة ..
لم يستيقظ منها أبدا..
قرر الأطباء أن الوقت تأخر كثيرا !!
وقالوا للوالد : لو أتيت به مبكرا لأمكن استئصال الورم ولكنه الآن انتشر في
دماغه ولو حاولنا إزالته فنجاح العملية فقط 1% (واحد في المائة )!!
ولك القرار؟؟
احتار الوالد ماذا يفعل واستخار ربه وأخيرا قرر أن لا يجري له العملية
فهي مخاطرة كبيرة وموت ابنه في بلده وبين أهله أهون على نفسه
من موته في أمريكا ..
وسلم أمره لله تعالى..
طالب المستشفى الوالد بتسديد ما بقي عليه من مبالغ متأخرة..
فأخبرهم أن ما لديه لا يغطي مصاريفهم ومصاريف السفر..
فقالوا له : أدفع مبالغنا المتبقية ولا يعنينا كيف ترجع لبلدكم هذه مشكلتك.!!
اتصل الوالد على عدد من شركات الطيران لكي يرتب للعودة..
وجميعها رفض أن يوافق على النقل بسبب خوفهم من موت أخي وهم في
السماء!!
قال لهم الوالد: أنا اكتب لكم إقرارا أنكم لا تتحملون أي مسئولية عن ذلك وتقع
كل المسئولية علي إن مات.. فأبوا وأصروا على الرفض!!
خوفا على سمعة شركاتهم..
تقول الوالدة : أخذت الحيرة بابيك ولم يدر ما يفعل..
كانت هناك مترجمة لبنانية وعملها الأصلي التمريض في نفس المستشفى ..
قالت لأبي : يا أخ أحمد يوجد أمير من العائلة المالكة السعودية يتعالج
في القسم الذي تحتنا مباشرة ..فلماذا لا تذهب لتتحدث معه عن مشكلتك!!
توجه والدي دون أن يرد عليها فورا إلى القسم المذكور ..
وبحث عن أناس بسحنات عربية .. فوجد مجموعة من الشباب ومعهم
رجل كبير في السن ويظهر عليه أنه ذو غناء وسلطة !!
سلم عليهم الوالد فردوا التحية وخصوصا ذلك الكبير منهم ورحبوا به ترحيبا كبيرا ..
وزاد سرورهم حينما علموا أنه من المملكة ومن أبناء بلدهم..
واستفسروا عن سبب وجوده ؟؟
فقال لهم : لأجل هذا جئتكم.. !!
وروى لهم حال الأخ محمد ووضعه مع المستشفى وشركات الطيران..
فقال له الأمير: هون عليك يا أخي واعتبر الموضوع منتهي وجهز حقائبك للسفر
غدا..
أي تيسير من الله تعالى هذا التيسير ؟؟
الحمد لله على نعمه..
سدد الأمير كل رسوم المستشفى وتكفل لهم بطائرة تنقلهم مباشرة إلى الرياض..
جزاه الله خيرا ..
بخصوص اسم الأمير ذاك فإن كنت اذكر قال لي الوالد رحمه الله أن اسمه :
محمد بن سعود الكبير فجزاه الله خيرا إن كان هو أو غيره !!
بقي أخي في الرياض لأسبوع واحد ثم نقل للطائف لمستشفى القوات المسلحة في
الهدى..
وفي صبيحة يوم خميس بعد أسبوع تقريبا من وصوله للطائف..
تقول أمي: كان أخوك ينظر إلى ما حوله دون أن يتكلم ..
فهو لا يشعر بمن حوله ولكنه يشير بأصبعه أحيانا..
في تلك اللحظات وحوالي الساعة التاسعة صباحا ..
جرك إصبعه وأشار إليها فنظرت في وجهه ..
فرأت اختلافا في ملامح وجهه ..
وكأنه يريد أن يقول لها شيئا ولكنه عاجز عن الكلام ..
قالت له : يامحمد ياقرة عيني ماذا تريد ياوالدي ؟؟
خرجت من عينيه دموع بسيطة ولكنها ذات معنى..
قبضت على يده وبقيت ترقب نبضه فقد كان يضعف ويضعف..
حتى فاضت روحه عليه رحمة الله وأسكنه جنات النعيم..
دار في مخيلتي وأنا في عنيزة تلك القصة وتلك المعاناة
هل ستتكرر معي..
دخل علي المشرف العام على المستشفى ومعه شخص أو شخصين..
وطلبوا رقم شيخنا وكأنهم يريدون تبليغي بأمر والشيخ يسمع!!
قال له الدكتور عبد الله : ياشيخنا الفاضل فلان يجب نقله بطائرة الإخلاء إلى
الرياض فورا !!
قال شيخنا: هل حالته تستلزم ذلك ؟؟
قال : نعم ، فقد ظهر لنا من خلال الأشعة وجود ورم في رأسه !!
كان الوالد والوالدة والعائلة تتصل علي يوميا للتابع الأخبار..
حينما أبلغت الوالد أنهم سينقلونني بطائرة الإخلاء..
طلب مني الانتظار حتى يقدم ..
وصلت طائرة الإخلاء والوالد معا في نفس الوقت..
نقلت بالإسعاف للمستشفى العسكري في الرياض..
لم أكن أشعر بآلام تلك الأيام ولكن يبقى رأي الأطباء هو الحكم هنا..
رجوت الوالد أن يرجع للطائف فقد كنت أعلم المعاناة والمشقة عليه في بقاءه معي
وترك عمله وعائلته خلفه ..
أستفسر من الأطباء عن وضعي فقالوا له : الموضوع هو اشتباه واطمئن ولا تقلق..
رافقني أحد زملائي وهو الأخ سعود الحربي وأنعم به وأكرم من أنيس ومعين..
كان يخدمني في تلك الأيام محتسبا جزاه الله عني خير الجزاء..
رغم أني أستطيع السير والتنقل ..
كان بجواري شاب مصاب بشلل نصفي مؤقت..
أصيب به في أمريكا وعاد للملكة للعلاج..
كان شيخنا رحمه الله يتصل علي في اليوم عدة مرات ليطمئن علي ويسمع
المستجدات..
سمعني ذلك الشاب وأنا أذكر اسم شيخنا فرجاني أن يكلم الشيخ ولو لكلمتين إن
اتصل علي مرة أخرى، وهذا ما حصل..
قال لي: هل هو والدك؟؟
قلت : نعم أنا لي والدين اثنين !!
والد بالنسب والدم .. ووالد بالبر والرحمة
وكلاهما عزيز على قلبي ولهما حق الأبوة علي..
رحمهما الله وأسكنهما الفردوس الأعلى ..
مكثت في المستشفى لأسبوعين اثنين ..
وكانت النتائج والحمد لله أنه مجرد اشتباه والورم هو انتفاخ في أوعية الدماغ ..
والآلام التي كنت أشعر بها هي مرض وصداع يسمى طبيا الصداع النصفي
وتسميه العرب الشقيقة ..
يتبع إن شاء الله
- 02-05-2007, 04:25 PM #22
رد: القصه التي أبكت العلماء
الحلقة الستون
حينما رجعت لعنيزة ..
استفسر شيخنا رحمه الله مني عن طبيعة الألم الذي أشعر به..
فشرحت له وفصلت فقال لي : مرني اليوم بعد صلاة العصر في المنزل..
وكان والدي قد قدم لعنيزة مرة أخرى للاطمئنان علي..
وكانت ضيافته طوال بقائه هناك في عنيزة في منزل شيخنا عليه رحمة الله..
ونشأت بينه وبين شيخنا محمد علاقة حميمة مليئة بالاحترام والتبجيل..
والدي رحمه الله رجل حيي وخجول ولكنه إن نطق فلسانه عذب ولبق رحمه
الله..
ولقد أعجب شيخنا به وبأخلاقه وبساطته في هيئته ولباسه وذكر ذلك لي عنه
وكأنه وشيخنا في هذا الخصوص صنعا من طينة واحدة!!
كما تقول العامة عندنا..
مررت أنا والوالد على شيخنا بعد العصر فناولني كيسا في يده وكان يتلفت
حوله وكأنه يستعجلنا بالذهاب وهذا ماكان..
فتشت الكيس فوجدت فيه بقايا طعام !!
من عظم وبقايا بطيخ مأكول ونحو ذلك!!
لحقنا الشيخ للسيارة وقال لي : أخلط بقايا الطعام في ماء واغتسل به واغسل به
رأسك على الخصوص!!
وهذا ما فعلته ولم أسأله لمن ذلك الطعام ولا أدري هو لمن حتى هذه الساعة..
كلفني شيخنا رحمه الله في تلك الأيام بعد اعتدال صحتي والحمد لله ..
بترتيب مخزن المكتبة الوطنية ..
وقال لي: إن وجدت كتابا مكررا فخذ نسخة منها لك..
فتحت المخزن فوجدت الأرضة قد أكلت جزءا لا يستهان به..
استعنت بعمال المسجد ونظفنا الكتب ووضعناها على الرفوف ..
وألقينا بالتالف جدا والأوساخ خارج المخزن..
حصلت على عدد لا بأس به من الكتب المكررة وكذلك أخذت بعض الكتب بإذن
شيخنا..
وأنا أقلب في تلك الكتب كان يلفت نظري تعليقات ورسائل قليلة أجدها
موضوعة بين دفتي الكتب..
قرأتها وكان غالبها بخط الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله..
ومؤرخة ..وتاريخها قديم يتجاوز الخمسين سنة وأكثر..
والظاهر أن مكتبة الشيخ ابن سعدي أوقفت أو أنه أهدى شيئا من كتبه للمكتبة
العامة والمسماة ( مكتبة عنيزة الوطنية)
وجدت كتيبا اسمه ( صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم)تأليف أبو عبد
الرحمن ناصر الدين نوح نجاتي الألباني الساعاتي!!
عرفت أنه كتاب صفة الصلاة المشهور والذي كتبه علامة الحديث الشيخ الألباني
رحمه الله .. وهذه هي الطبعة الأولى وكتب عليها الشيخ الألباني وبخط يده
(هدية المؤلف إلى حضرة الشيخ عبد الرحمن ابن ناصر السعدي
7/12/72هـ ناصر الدين نوح نجاتي الألباني) ..
الشيخ الألباني علم الحديث وشيخ العصر في ذلك ..
وليس مثلي من يثني عليه أو يسأل عنه .. رحمه الله
قرأت مرة كتابا منذ مدة ألفه الأستاذ الأديب عبد الله بن خميس يروي فيه
إحدى رحلاته للشام قبل حوالي الخمسين سنة وكان برفقته علامة الأنساب
والأدب وصديقه الحميم الشيخ حمد الجاسر رحمه الله ..
وأظن أن ثالثهما هو الأديب عبد الكريم الجهيمان ..
ذكر في كتابه أنه زار المكتبة الظاهرية في دمشق ..
و ذكر أنه شاهد هناك رجلا منهمكا في البحث والمطالعة وذكر اسمه وقال كلاما
بمعناه :ذلك هو علامة الشام المحدث الشيخ محمد ناصر الدين الألباني .
وكذلك قرأت للشيخ حمد الجاسر قريبا من هذا الكلام في مذكراته وقال عنه:
هو من أحلاس المكتبة الظاهرية..
كان مرة بيني وبين الشيخ علي الحلبي تلميذ الألباني المشهور اتصال ونقاش
حول بعض التخريجات الحديثية..
وكنت أشعر في نفسي أن هناك جفوة غير مفهومة بين شيخنا والشيخ الألباني
والظاهر أن سببها هو ما يثيره بعض المفسدين في الأرض بين الشيخين ..
مما سبب شيئا من تلك الجفوة وانقطاع التواصل..
ولا يأتيني قائل ويزعم أنني أختلق الموضوع من طرفي ..
فمن عاصر قضية حرب الخليج وما حصل فيها من اختلاف وشقاق وجفاء بين
رجالات الصحوة والعلم ،فهم ما أعنيه جيدا!!
قلت للشيخ علي: ما رأيك أن نرتب مكالمة هاتفية بين شيخنا محمد والشيخ
الألباني ..؟؟
ففرح بذلك وأثنى على الفكرة وأيدها وقال سوف أرتب مع الشيخ الألباني وأنت
رتب مع الشيخ محمد وسنرى ما يكون..
عرضت الأمر على الشيخ فقال فورا : لا بأس بذلك وأثنى على الفكرة ورغب في
ذلك.. وذكر لي أنه لم يراه من مدة بعيدة حيث كان آخر لقاء بينهما في جده أو
قال في مكة.. ( نسيت التاريخ ) و ذكر أنه تناقش معه حول موضوع الحجاب ..
ومن طرف الحلبي فقد كان التجاوب مماثلا والحمد لله..
حددنا الاتصال أن يكون في يوم من الأيام الساعة العاشرة صباحا ضحى ..
ولا أذكر التاريخ بالتحديد.. وأظنه كان يوم جمعة !!
حيث من عادة شيخنا في ذلك اليوم الاتصال على أقربائه والتواصل معهم..
قلت لشيخنا : هل تسمح لي بتسجيل مكالمتكما ؟؟
قال: لا بأس بذلك..
حضرت لبيته وثبت له جهاز التسجيل وأخبرته كيف يديره ..
في اليوم الثاني بعد صلاة الظهر ناولني شريطا وقال : هذا هو تسجيل المكالمة ..
توجهت للغرفة مسرعا واستمعت للشريط..
كان التسجيل رديئا وصوت الشيخ الألباني خافتا نوعا ما ..
ولكنني استوعبت كل ما فيه ..
أستفتح شيخنا كلامه وهو المتصل بعد السلام عليه قائلا له :
معكم أخوكم محمد بن صالح العثيمين ..
فرد عليه الألباني: قديما قال الفقهاء : المعرف لا يعرف ..
وفيه من التحية والسلام والدعاء والنصح بين العلماء كما عهدنا فيهم ذلك وهو
ظننا في مشائخنا جزاهم الله عنا خير الجزاء..
تحدث كل منهما عن نشاطه وقال الألباني: لدينا الحمد لله صحوة سلفية وإقبال
على طلب علم الحديث .. الخ كلامه
وتكلم شيخنا عن دروسه وقال : أدرس كتاب البلوغ ويحضره بحمد الله عدد
كبير .. الخ كلامه ..
ذكر الشيخ الألباني في آخر مكالمته أنه اتصل عليه اليوم شخص وزعم أن لديه
رسالة من الشيخ ابن عثيمين موجهة إليه !!
فقال الشيخ محمد : أبدا والله أنا لم أبعث أحدا برسالة لكم؟؟
فتعجب الشيخ الألباني من ذلك وقال : الله أكبر عليه!!
سوف أراه اليوم بعد صلاة الظهر أو قال الجمعة في جامع صلاح الدين وأرى ما
عنده!!
قال شيخنا : ما أكثر ما ينقل الناس عني الكذب ويلبسونه على الناس ، وأرجو
منك تتصل علي وتخبرني ما يقوله الرجل عني..
واتفقا على ذلك .. ولا أدري مالذي حصل بعد ذلك وهل جاء ذلك الرجل
برسالته المزعومة للشيخ الألباني أم لا !!
وانظر أخي القارئ أختي القارئة لحفظ الله تعالى لهذين الرجلين الصالحين
فلربما كان في تلك الرسالة شرا وفتنة حيكت بينهما فقدر الله تعالى كشف ذلك
بتوفيق من عنده .. والله أعلم وأحكم سبحانه ..
ليس هذا هو الموقف الوحيد الذي أحتفظ به بين هذين العلمين الجليلين ..
كنت مرة في جبال البوسنة والهرسك وسيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله ..
التقيت برجل أسمر البشرة يكني نفسه بابي عبد الله الليبي هذا الرجل أسد في
شجاعته وإقدامه وكان أميرا من أمراء المجاهدين قتل على يد قناص صربي
شل الله يده ..
روى لي الأخ أبو عبد الله رحمه الله قال: هل تعرف الشيخ الألباني ؟؟
قلت له : ومن لا يعرف الألباني هو علم ومشهور..
قال : أريدك أن تحمل له هذه الرسالة !!
قلت له : وأي رسالة ؟؟
قال : رؤيا رآها أحد الصالحين وطلب مني أن أنقلها للشيخ وأنا كما ترى عاجز
وقد أقتل في أي لحظة!!
قلت له :حدثني..
قال : كان هناك شاب مصري اسمه وحي الدين حافظا لكتاب الله تعالى وكان
أميرا على جميع المقاتلين العرب في البوسنة وكان غاية في الشجاعة رغم صغر
سنه فقد قتل غدرا وعمره حوالي 23 سنة رحمه الله ..
كان وحي الدين هذا محنكا وداهية وكان يوجه المجموعات الكبيرة ويخرجها
من بين المصاعب المهلكة بتوفيق الله تعالى..
ذات مرة قادنا وحي الدين وكان أميرا علينا وعلى الجيش البوسنوي معا في تلك
العملية التي انتزعت فيها مناطق شاسعة في وسط البوسنة من يد الكروات
الخونة..
يقول أبو عبد الله : في تلك العملية قصفتنا مدفعية ولا ندري ما هي الجهة التي
تقصفنا فاحتار الجنود من ذلك وكثر فينا الإثخان والقتل فاكتشفنا أن الذي
يقصفنا هو الجيش البوسنوي خطأ!!
وسبب ذلك عدم توفر أجهزة للتوجيه وتحديد مواقع الأعداء ..
واستمر القصف علينا ولم نستطع التقدم لمطاردة الأعداء الهاربين ..
عندها أمر وحي الدين الجنود بإحراق كومات كبيرة من الحشائش ..
فانتشرت كومة كبيرة من الدخان واتصل على الجيش وقال لهم: نحن خلف
تلك الكومة المحترقة وبهذا نجونا من موت محقق !!
يقول أبو عبد الله : روى له ذلك الشاب وحي الدين أنه في ليلة من الليالي وقبل
قتله من قبل الكروات بفترة وجيزة رأى في ما يرى النائم رسول الله صلى الله
عليه وسلم بصفته الشرعية المعروفة ..
وتحدث معه في أمور وسأله عن أشياء وفي نهاية رؤياه قال له : يارسول الله
دلني على رجل أتعلم منه حديثك وسننك أو بهذا المعنى ..
فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم : أذهب إلى محمد ناصر الدين الألباني
أو قال له : عليك بكتب محمد ناصر الدين الألباني .. وأثنى عليه وعلى علمه
ودينه..
عندما رجعت للمملكة ..
حكيت لشيخنا ما رآه ذلك الشاب رحمه الله وكنا حينها في الطائف..
فقال لي الشيخ : هذي بشرى وينبغي عليك أن تبلغها الأخ الألباني ..
فقلت له : لدي رقمه !!
فناولني التلفون وقال : اتصل عليه الآن ..
اتصلت فردت عليه امرأة فرجوتها أن تعطيني الشيخ لأتحدث معه..
فاعتذرت من ذلك وقالت : الشيخ مريض ولا يستطيع أن يجيب على أحد..
بعد سنة أو أكثر رويت تلك الرؤيا لأحد طلبة العلم من الأردن يقول : ولقد
بلغ بها الشيخ الألباني في جمع من الناس فتأثر جدا وشهق وبكى ودعا
لشيخنا وتأثر من موقفه وحرصه على أن ابلغه ..
ففرحت أنني أوصلت تلك الأمانة ولو بعد سنوات ..
وبلغته البشرى والله يغفر له ويرحمه هو وشيخنا وجميع علمائنا ..
يتبع إن شاء الله
الحلقة الواحدة والستون
على ذكر المكتبة اتصل علي شيخنا رحمه الله يوما وقال:
سيأتيك أحد الأكاديميين ويريد تصوير بعض المخطوطات ..
حيث تحتوي المكتبة على خزانة بها عدد بسيط من المخطوطات القديمة وبعضها
كتبت منذ ثمانية قرون..
وقد سبق وقمت بفرزها وترتيبها وفهرستها بأمر شيخنا رحمه الله..
عجيب أمر المخطوطات!!
ما زلت أتذكر أنني كنت أجلس في جوف الليالي الهادئة والناس نيام
والشوارع ساكنة ..
كنت أشعل ضوء المكتبة الخافت وأجلس أتصفح تلك المخطوطات فأشعر بسكينة
عجيبة حيث أنني أنتقل لخمسة قرون خلت أو أكثر وأجلس مع ذلك الشيخ أو
ذلك الطالب الذي حنى ظهره وكلت يده في شدة الحر والجوع والمخمصة وهو
يدون تلك التحفة العظيمة ..
لا أدري لو أن الله تعالى قدر على طلبة علم هذا الزمان المترفين !!
أن يرجعوا لتلك الأزمان الغابرة مدة شهر واحد فقط ماهم فاعلون؟؟؟
جاءني ذلك الأكاديمي المذكور ..
وجهه أبيض مشرب بحمرة يلبس مرآة
نظر الوجه عذب اللسان بسيط أنيس ..
انشرح له قلبي منذ أن رأيته ..
عرفني بنفسي قال : أنا أخوك عمر السبيل !!
والذي صار لا حقا إمام الحرم الشريف ..
وفجعنا بموته رحمه الله بعد سنوات جعل الفردوس الأعلى مثواه..
كان يريد مخطوطة عن الألغاز ..
فتشت له عنها واستخرجتها له ..
أقفل المخطوطة ونسينا أمرها وبقينا في المكتبة نتحدث ولم نشعر حتى انتصف
الليل..
أمثال الشيخ عمر جلست معهم ساعات معدودة ولكن كلماتهم الصادقة
ولطفهم وسماحة نفوسهم تبقى خالدة في النفس حتى الممات ..
ووالله لو كنت أنظم النثر لرثيته فنعم الرجل عمر ..
رحمة الله عليه وخلف الله على والديه خيرا فيه..
استدعاني الشيخ في تلك الأيام وأدخلني لملحق بيته وقال لي وكان صارما:
أريدك أن تكون صادقا معي فيما أسألك عنه!!
نظرت في عينيه وقلت له : والله سأكون معك صادقا إن شاء الله ..
وانتابتني قشعريرة وخشيت أن يكون أحدهم ( وما أكثرهم) قد لبسني تهمة
جديدة!!
قال : هل تجيبني عما أسألك عنه مهما كان ..؟؟
قلت : أفعل إن شاء الله ..
قال : بلغني من أحدهم أن عليك دينا لبعض الأشخاص في الطائف قبل قدومك
لعنيزة هل هذا صحيح؟؟
خجلت والله واستحييت أن أكلم الشيخ في مثل هذه الأمور .. وكنت أعلم أن
الشخص الذي نقل له الخبر هو الأخ محمد زين العابدين ..
وقد أخبرت محمد منذ مدة عن ذلك حينما كانت الفتنة بيني وبين صاحبنا
حامية .. ولا أذكر مناسبة ذكر هذا الموضوع ولكنه الشخص الوحيد الذي
أخبرته..
رفعت رأسي وتشجعت وقلت له : نعم علي دين ..
أرخى رأسه وأحنى جفنه وأخفض صوته معاتبا..
قال : لم لم تخبرني ؟؟
ألم اقل لوالدك أنك تحت رعايتي ؟؟
لم أستطع الجواب واحترت !!
استجمعت قواي وقلت له: يا شيخنا تلك أمور حدثت في الماضي قبل قدومي
عليك ولم أكن تشرفت بمعرفتك ..
قال مقاطعا: ولكن المال ما زال في ذمتك .. والناس لن تتركك فكيف تريد أن
تطلب العلم وأنت مشغول بهم؟؟؟
آمرك بكتابة تلك الديون وسوف أسددها عنك ..
قلت له : أبدا والله !!
قاطعني وقال: يجب أن أسددها حتى تريح بالي وبالك ..
ثم قال:وثق تماما أنني سأوفي دينك من مالي الخاص وليس من أموال الزكاة
أو الصدقة حتى لا أكون مجاملا معك من أموال المسلمين!!
ثم ناولني ورقة وطلب مني تدوين تلك الأسماء ومالهم علي ..
فكتبت ودخل لبيته ولم يطل الغياب
ثم ناولني المبلغ كاملا وزاد عليه وقال لي :هذا هو المبلغ ومعه
نفقتك تسافر اليوم وتسدد للناس مالهم..
ثم اتبع ذلك قائلا لي وأشار بيده : أنت في حرج مني إن احتجت ريالا أو مئة
ألف إلا طلبت مني فأنا في مقام والدك فلا تتحرج مني!!
قبلته بين عينيه وقبلت يده ..
وخرجت من عنده وأنا محتار من كرم هذا الرجل ..
كنت أتساءل من قبل ولعلكم أنتم تساءلتم مثلي:
نرى كثيرا من المشائخ وأهل العلم ولكن قليل منهم من لهم قبول في القلوب
لماذا؟؟
حينما اختلطت بشيخنا وعاشرته كنت أراه رغم علمه وجلالة قدره بشرا ..
يأكل وينام ويمشي في الطرقات ويتعب ويمرض ويغضب ..الخ
ولكن حينما رأيت أفعاله وتصرفاته معي ومع غيري عرفت أن الله تعالى
المطلع على أفعال العباد في السر والشهادة هو الذي يبعث القبول للصالحين
في قلوب البشر..وغير البشر!!
لا تتعجبوا من ذلك إخوتي أخواتي ..
ذكر لي الشيخ بنفسه قال لي :
جاءه رجل من قراء عنيزة المعروفين وذكر له أنه قرأ على احد الممسوسين بالجن
وأنه تحدث معي الجني ومن حديثه انه قال له ( أي الجني): إن جدي مطوع
يحضر درس ابن عثيمين في الجامع!!
مرت الأيام والليالي وانتهى موسم الدراسة وجاءت الإجازة الصيفية..
حيث يتكثف برنامج الدروس ..
وتأتي لعنيزة كوكبة و دماء جديدة ووجوه أخرى من مناطق المملكة وخارجها ..
غالبها تأتي للدراسة في إجازة الصيف ثم ترجع لموطنها..
ومنهم من يحالفه الحظ فيبقى وإنه لذو حظ عظيم !!
وقد كان شيخنا يهتم بهؤلاء الطلبة كون غالبهم لا يستطيع المكوث طويلا
فيخصهم بمادة نحو الفرائض أو متن في الأصول أو النحو أو نحو ذلك
بحيث يرجع الواحد منهم وقد درس متنا كاملا بالإضافة للدروس الأخرى
أذكر أنه جاءنا في سنة من السنوات طلاب من دولة روسيا يدرسون في الجامعة
الإسلامية ....
وفي سنة من السنوات جاءنا حوالي العشرون شابا اهتدوا للسنة بعد أن كانوا
على المذهب الإسماعيلي الضال..
وقد اهتم بهم شيخنا جدا حتى أنه خصهم بدرس في بيته كل صباح في العقيدة..
استمعت مرة لشريط لشيخنا حيث أنه زاره في مسجده في عنيزة عدد من الجنود
الأمريكان الذين أسلموا في حرب الخليج يقول لي الشيخ عن تلك الجلسة..
كانوا ضخام الأجسام طوالا وأجلستهم في مكان الدرس المعتاد ..
وحيث أنهم يبدوا لم يعتادوا الجلوس على الأرض فقد تمدد بعضهم واتكئ
على يده أمام الشيخ ..!!
يقول الشيخ :ولم أرد أن أعلق على أن ذلك من سؤ الأدب رأفة بهم لحداثة
إسلامهم..
يستمر ذلك البرنامج الصيفي حوالي الشهر تقريبا بعده يسافر شيخنا
لمدينة الطائف لحضور اجتماع هيئة كبار العلماء كما هو معروف..
وكنت رفيق شيخنا في تلك السفرة للطائف..
توجهنا لجده ومنها توجهنا لمكة لأداء العمرة..
وكان في رفقتنا في تلك العمرة الأستاذ عبد الرحمن العثيمين أخا الشيخ
وكذلك ابنه الصغير عبد الرحيم..
بالإضافة للأخ علي السهلي..
انتهينا من أداء المناسك سريعا ثم توجهنا بعد العصر للطائف..
وكان مسيرنا عن طريق المسيال وليس عن طريق جبل الهدى ..
كان الجو ممطرا وكنت فرحا مسرورا للغاية وذلك أن شيخنا سوف يزورنا
في منزلنا في الطائف..
قلت له: والله بتنور بيتنا ياشيخ بقدومكم ..
فرد علي ابن الشيخ عبد الرحيم : بتنور كل الطائف مو بيتكم فقط!!
فضحكنا من جوابه ونباهته رغم حداثة سنه..
وصلنا فكان الوالد رحمه الله في استقبالنا عند باب البيت..
ولا تسل عن فرحه وابتهاجه بنزول الشيخ محمد عندنا..
كان الوقت عصر تقريبا ..
حينما وضع شيخنا قدمه في البيت ..
قلت في نفسي : ياسبحان الكريم الخالق ..
ابن عثيمين إمام المسلمين وعالمهم وفقهيهم بنفسه يدخل بيتنا ..
كأنني أقول لأبي حينها : قد أغضبتك أنت ووالدتي بهروبي وهاأنذا اثبت لك
يا أبي أن الله تعالى تولاني ورحمني ومن علي ..
فهذا الشيخ ابن عثيمين يأتيك زائرا بنفسه إكراما لك ولابنك وأهل بيتك
فهل تريد برهانا انصع من هذا البرهان؟؟
ولكأن أبي قال في نفسه : تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين !!
استغفر الله من زلل القلم فعفوا إخوتي ..
إن لطعم ذلك اليوم مذاق خاص ..
تستمر حلاوته كلما استذكرته فاللهم اغفر لأبي وشيخي يا ارحم الراحمين
حينما دخل شيخنا لمجلس المنزل وكان في صدره صورة كبيرة معلقة لأخي
الكبير محمد رحمه الله وكنت جهدت من قبل مع أبي أن ينزع تلك الصورة
كون تعليقها محرما ويمنع دخول الملائكة كما هو المشهور من كلام أهل العلم.
ولكنه رحمه الله كان يتحجج بحجج كثيرة ويرفض رفعها..
حينما دخل الشيخ لفت نظرة تلك الصورة ..
فقال لأبي : يابو محمد أطمس هذه الصورة ..
فقام أبي من فوره وأخفاها عن نظر الشيخ ولم يرجعها ابدا !!
يتبع إن شاء الله
الحلقة الثانية والستون
أذكر مرة أن التاجر المعروف في مكة علوي تونسي دعا شيخنا ابن عثيمين
للعشاء في بيته العامر..
وكان الأستاذ علوي قد دعا عددا كبيرا من وجهاء مكة وعلماءها وتجارها
احتفاء بشيخنا..
سبقت شيخنا للدخول للمجلس حيث الناس تصافحه وتسلم عليه عند الباب
حينما دخلت رأيت صورة بشرية وتكاد تملأ الجدار من ضخامتها..
توقعت أن ينكر شيخنا ولا يسكت فهو كما عهدته لا تأخذه في الحق لومة
لائم..
بقيت أنتظره وتساءلت في نفسي : مالذي سيحصل؟؟
وضعت في خاطري عددا من الاحتمالات ..
قطع صوت سلام الشيخ حبل التفكير وركزت النظر على عينيه ما هو انطباعه
وتصرفه..
حينما توسط المجلس الفسيح لا حظ تلك الصورة فتأملها ثم أطرق وهو يمشي
واحمر وجهه فهو بين خيارين اثنين : إما أن ينكر ويرضي ربه ومعنى هذا إما
أن تنزع الصورة أو أن يخرج من المجلس!!
فالأول متعذر وفيه مشقة هائلة وحرج والثاني أشق وأنكى !!
أو أن يسكت وهذا ما يأباه عليه دينه وخوفه من ربة ثم اقتداء الناس به..
هذا ما تخيلته أنا ..
قال الشيخ : يا أخ علوي تعليق هذه الصورة لا يجوز ويمنع دخول الملائكة فأي
بركة في مجلس لا تحضره الملائكة؟؟
رأيت وجه علوي تونسي تلون بألوان لا أميزها من الحرج والحياء..
أسعفه شيخنا وقال له : أحضروا لنا غطاء أو شرشفا وغطوا الصور ..
فتفرجت أساريره وكأن الشيخ أزاح جبلا هائلا عن صدره ..
فأمر أحد خدامه فغطى الصورة واسترحنا وانتهى الحال على ذلك ..
أذكر مرة أن شيخنا دخل بيت أحد أقرباءه وكان رجلا موسرا وفيه تعال
وإسراف على نفسه ..فأراد شيخنا تأليف قلبه ودعوته ..
زرناه في منزله في جده وكان مجلسه مليئا بالتماثيل والمجسمات الحيوانية
وغيرها ..
لم يتكلم شيخنا معه حول هذا الموضوع فيما بدا لي ..بل أنه ركز معه على
الأمر الأهم والذي له الأولوية وهو هداية هذا الرجل وإنقاذه من براثن الضياع
والضلال..
ولقد رأيت شيخنا يتألفه في الكلام ويتبسط معه ولكأنه يتكلم مع أعلى الناس
منزلة وسلطة ..
فكسب بذلك قلبه وأحب الرجل ذاك شيخنا من ذلك المجلس مع أنه استقبلنا في
أول الأمر بفتور وتعال..
وما خرجنا من بيته بعد ساعات إلا وقد امتلأت أسارير وجهه بشرا وحبا
وإجلالا للشيخ ..
ولقد زرناه في المرة التالية بعد شهور فلم أر تلك التماثيل والمجسمات أبدا ..
وهكذا هي الدعوة ياعباد الله !!
أكسبوا الناس وتألفوا قلوبهم دون أن تتنازلوا مثقال ذرة عن دينكم !!
فالحمد لله الأمر فيه سعة لمن هداه الله ووفقه ..
جعلني الله وإياكم منهم..
كنا مرة في دعوة من الدعوات في جده وحضرها عدد كبير من المثقفين ومنهم
وزير الإعلام الحالي إياد مدني وكان حينها مديرا لتحرير جريدة عكاظ..
و كذلك حضر عدد من التغريبيين من كتاب الصحف المشهورين والمحسوبين
على تيار العلمنة ..
دار بينهم وبين شيخنا نقاش طويل وعميق ..
كان شيخنا يلقمهم بكل حجة من حججهم عشرا ..
كان مستند شيخنا قال الله قال رسوله وهم يستندون للواقع وقال فلان وفلان..
قال إياد مدني لشيخنا بكل فظاظة : لماذا تحتكر العلم في شخصكم هل الدين ما
تراه أنت أو ابن باز فقط؟؟
فرد عليه شيخنا وأفحمه بكلام كثير وطويل ستملون من ذكره ..
وكنت أستغرب كيف مثله ومن هو في منصبه وحاله يقول مثل هذا الكلام
الساقط عن مشائخنا ؟؟
إن أصغر مثقف يستطيع الرد على مثل هذا الكلام البائس والذي خرج من واهم
أو صاحب هوى .. كما قال ربنا ( وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم )
أشفقت على شيخنا بسبب كثرتهم وكثرة لجاجهم وهم كما قال الأول:
حجج تساقط كالزجاج تخالها ذهبا وكل كاسر مكسور
ولم يكن من الأدب أن يشارك احد بحضور الشيخ فقد كنا جميعا تلاميذ له ولا
يسوغ لنا المشاركة معه فبقينا صامتين ..
ولكن حينما انتهى النقاش وقدم العشاء وفض المجلس لحقت بإياد مدني عند
المغاسل ..
فأسمعته كلاما شديدا فوقف ينظر إلي وقد اتسعت حدقة عينه حتى كادت
تسقط من وجهه ..!!
فلم يكن يتوقع أن يتلقى هذه الصفعة مني فقد كنت موتورا ولا أدرك حينها
التصرف الأمثل في مثل هذه المواطن ..
نرجع لتسلسل رحلتنا !!
عرض الوالد على شيخنا أن نستضيفه في بيتنا طوال بقاءه في الطائف..
فقال الشيخ : والله إنني أعتبر نفسي في بيتي ولكن يمنعني من ذلك بعد المسافة
فمنزلكم يا أبا محمد في الضواحي وهذا فيه مشقة علي فأنا أبحث عن مكان
قريب من مكان دروسي ودوامي اليومي في الهيئة ..
ألحيت على الشيخ وألح الوالد ولكنه أصر على ذلك..
وكانت غايتنا أن نتشرف بوجوده في بيتنا فأي شرف مثل هذا الشرف!!
ملاحظة: هذا آخر حلقة أنزلها وأنا مضطر للتوقف عن الكتابة لأمر طارئ وأعدكم بحول الله أن أعود لإكمال الحلقات لا حقا إن كتب الله في العمر بقية ..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
محبكم مالك الرحبي
- 02-05-2007, 04:29 PM #23
رد: القصه التي أبكت العلماء
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله
وصحبه الطاهرين وبعد..
تشاجرت في هذا الصباح مع قلمي ودار بيني وبينه الحوار التالي:
قال لي وهو غضبان أسفا ..
قلي يا مالك في رحلتك إلى النور متى ستلج النور ياهذا ؟؟
أما زلت تسير ولم تصل إليه بعد ؟؟
ثم ما هو النور الذي تبحث عنه ؟؟
أهو شيء محسوس أم هو هوس بالمغامرات واقتحام لدروب ومجاهل
في الحياة عجيبة ؟؟
متى ستنتهي حكاياتك ؟؟
متى ستتوقف روايتك..
قلت لقلمي: أليست الحياة مواقف ..؟؟
قال: بلى ولكن كل شيء له نهاية..
قلت : ما دام في العمر بقية فستبقى الحياة دروسا وعبر..
قال : أليس للناس شغل إلا بك وبحياتك ؟؟
قلت : بالتأكيد أن لدى الآخرين مثل ما لدي وقد لا تجتمع لهم بعض ما
عندي ولكن يبقى لكل قصته..
ولكن أعاهدك يا قلمي أن لا اكتب سوى ما أراه مفيدا لي وللآخرين ..
أحس قلمي بالملل فهو يدرك أنه لن يخرج بفائدة من المراء معي..
و قال هات ما لديك فإني أوشك أن أنعس ..
قلت له : أكتب يا صديقي ..
اتكأت على الأريكة ..ووضعت يدي على موضع جرح العملية الجديدة ..
فأحسست بوخزة الألم ..
وأغمضت عيني فعادت بي الذكرى ..
فسبحت في عالم بعيد ..
عاد بي لعشر سنوات تقريبا
ثم بدأت أملي عليه
يقول لي خالد وهو جندي بوسني يبلغ من العمر خمسة وخمسون سنة
بالله عليك يا مالك اقرأ لي تلك الورقة ..
قلت له أنا لا أفهم حروف قومك ..
زم شفتيه التي لا أسنان تحتها حيث لم يعد في حلقه ريق من العطش؟؟
عطش في سراييفو؟؟
حيث الأنهار تجري من حولنا ؟؟
لا تعجبوا يا أخوتي ..
فخالد روى لي في تلك الليلة عجبا..
قال لي خالد : تصدق يا مالك ..
أنني حوصرت ومعي مائة وخمسون من أبناء قريتنا من كتيبة صربية لمدة
ثمانية أيام وما معنا سلاح سوى بنادق الصيد وشيئا من الفؤوس والسلاح
الأبيض..
وكنا نسمع خلفنا في القرية بكاء الصبية وصراخ النساء من الجوع
والخوف..
والقائد المسلم الذي يقودنا يقول :لو غادرنا القرية فسوف يستبيح الصرب ما تبقى لنا من كرامة ..
ستغتصب النساء وسيذبح الأطفال وسيذبح الشيوخ ..
صبرنا يا مالك والصرب من حولنا يصرخون ويزمرون ..
أين إخوانكم المسلمين ؟؟
سنبيدكم ونبيد الإسلام من سراييفو إلى مكة ..
ثمانية ليال لم نذق النوم ولم نطعم فيه لقمة ولم نشرب فيه شربة
بلى شربنا ..
شربنا البول يامالك..
..
ثم هز رأسه كأنه لا يريد إكمال الحكاية .
قال لي خالد..
أرجوك إقرا الورقة..
قلت هات ..
أخرج الورقة من جيبه وكانت ملفوفة بعناية ففتحتها وأضأت نورا خافتا
من ساعتي
خوفا أن يرقبني القناصة الصرب الذين لا يبعدون عنا سوى
عشرات الأمتار..
حينها دوى في الوادي صوت المدفع الصربي..
حيث يقصفنا الأصراب كل نصف ساعة ..
ليتأكدوا أننا ما زلنا مستيقظين؟؟
لم نعبا بالصوت فقد اعتدنا عليه ..
فالقذائف تمر من حولنا وترتطم في البيوت الهالكة خلفنا فتتشظى ولا تكاد
تصيب أحدا..
الورقة مكتوبة بالعربية ..!!
يا خالد؟؟
خرجت من وجهه الكئيب ابتسامة أضاءت ما تبقى من شحوبة وجهه
الكهل..
قال : أعلم ذلك..اقرأها لي أرجوك..
فقرأت..
الحاج عثمان هوتشش 1123 هـ الفاتحة آمين!!
لم افهم منها شيء..
سحب خالد مني الورقة ونظر في وجهي نظرة افتخار وهز الورقة ثم
طواها وأدخلها في جيبه..
وقال لي حينما لم يجد الصرب شيئا في قريتنا قصفوا القبور فوجدت على
قبر جدي جصا حفرت عليه تلك العبارات فنسخت ما كتب عليه حتى أعيده
بعد ننتقم من هؤلاء الأوغاد..
قلت له يا خالد ..ألا تحكي لي قصة حصار تلك الليالي المرعبة ..
نظر في وجهي نظرة غريبة وأرخى رأسه وتدحرجت من عينه الغائرة
دمعة أكاد اشعر أن الأرض اهتزت لها حينما ارتطمت بها..
قال : يا مالك يابني ..
بما ذا أحدثك والله ما عاد لي عقل يذكر شيئا ..
ثم مسح رأسه بكفه التي ترجف ورفع حاجبه للقمر المحاط بكومة من
السحب كأنه يستلهمه شيئا ..
وقال غدا سأرويها لك إن شاء الله..
قال لي خالد وكأنه يريد تغيير الحديث ..
بالأمس يا مالك حدث موقف غريب ..
قلت : وهو؟
كنت جالسا في مكاني هذا أراقب الجبهة أمامي وأتبادل السباب مع
الصربي الذي يسمعني واسمعه ..
وفجأة
سمعت جلبة خفيفة خلفي ..
فرأيت رجلا عجوزا يسير راكعا في الخنادق المحفورة ..
ويحيط به رجلان جلدان تكاد تظنهما أسدان من استواء اجسامهما !!
متأهبان بالسلاح
تساءلت في نفسي من هذا الرجل؟؟
رأيته يتقدم ببطيء في الخنادق يمر على العسكر ويتكلم معهم ويهمس في
آذانهم ويربت على ظهورهم..
قال لي خالد ..
من تظن الرجل..؟؟
قلت وما يدريني؟؟
قال خالد:
اقترب مني ذلك الكهل ..
فقال : السلام عليكم..
فرددت عليه السلام..
حاولت أن أميز وجهه ولكنه أدرك خطورة الموقف فجلس بجواري وأشار
لي حرسه بالجلوس والصمت ..
وخلع قبعته العسكرية ...
وتجلت لي صورته ..
إنه علي عزة بيخوفيتش ؟؟
رئيس جمهورية البوسنة والهرسك؟؟
حدثنا يا مالك ..
ارجع بنا للخلف لماذا قفزت بنا بعيدا ..
ارو لنا عن شيخك فأنت لم تنهي القصة بعد..
يقول لي القلم ذلك بعد أن أخذته الحماسة هيا أكمل ياهذا ..
حدثنا عن فوزي عسيري ؟؟
ذلك الشاب الصالح المؤمن الذي يقيم في مستشفى القوات المسلحة في
الهدى في الطائف من عشرات السنين ؟؟
والذي كنت في زياراتك له تستمع إليه يقول:
أمنيتي في الحياة أن أرى الشيخ ابن عثيمين..
أرو لهم كيف كانت مشاعر فوزي عسيري حينما يرى نفسه في غرفته
الصغيرة في المستشفى أنا وهو والشيخ ابن عثيمين ..
وبعد أيها القراء الأفاضل ..
يتجدد بكم اللقاء ويعود بنا القلم لأكمل الحكاية سائلا المولى سبحانه
أن يلهمني الحق والصواب وان يجنبني الزلل ويصلح النية ويجعلها
خالصة لوجهه الكريم ..
كم تزدحم الذكريات في رأسي..
والله من يومين لم أذق للنوم طعما حيرة ترددا. بما ذا أبدأ ؟؟
مع ما في القلب من شواغل وما في الجسد من آلام بسبب الأدوية الكثيرة
فالعذر يتقدم لكل قاريء عزيز أن يدرك الحال ويتفهم الوضع
وعلى الله التكلان سبحانه
وأخيرا عزمت على الكتابة كيفما يكون وكيفما يرد ..
أيها الأخوة الكرام
قبل عدة أيام وهو الخامس عشر من شوال وافق ذلك التاريخ يوم رحيل
شيخنا محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
وذلك في الساعة الخامسة وربع عصر يوم الأربعاء الخامس عشر من
شهر شوال سنة 1421 للهجرة في مدينة جده ..
وستأتي تلك القصة مفصلة في حينها إن شاء الله تعالى ..
فاللهم اغفر لشيخنا وارض عنه واجعل قبره روضة من رياض الجنة
واجمعنا به ووالدينا وذرياتنا وأهلنا في فردوسك الأعلى
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين..
أخوكم
مالك الرحبي
- 02-05-2007, 04:39 PM #24
رد: القصه التي أبكت العلماء
الحلقة الثالثة والستون
كان منزلنا في ذلك العام قريبا من منطقة البلد ..
في وسط الطائف وأظن أن المنزل كان مستأجرا من عائلة نسيب الشيخ
الشيخ خالد المصلح ..
مكث الأخ علي معنا طوال الأيام تلك وغادرنا ابنه وأخوه الأستاذ عبد
الرحمن....
كنت في الغالب أنا من يتولى قيادة الشيخ في مشاويره..
فأنا ابن الطائف..
تعجب الناس والأصحاب من هذه الإنتقالة الهائلة في وضعي من الشيخ..
ومن قرأ منهم ما سطرته هنا سيفهم تماما ما الذي حدث !!
فالحمد لله الذي كفاني مئونة تفسير ذلك؟؟
على كل تقبل الناس سريعا هذه الوضعية الجديدة..
أذكر أنه في إحدى زيارات الشيخ لبيتنا حضر حوالي الخمسين شخصا..
تلون وجه أبي وتلبدت على وجهه غيمة حياء فمن سيضيف هؤلاء ..
وأين سيجمعهم..
أصعدناهم للمجلس ولا تسل عن عناءنا وحرجنا ..
ويعلم المولى سبحانه أننا ما ضقنا بعددهم ولا بوجودهم فهذه ضريبة
صحبة العلماء ولكن لم نكن مقدرين لتلك الزيارة المفاجئة..
ولذلك فهمت ما لذي كان يعنيه شيخنا من إصراره على عدم السكنى في
منزلنا أو غيره وفضل المكوث قريبا من أحد الجوامع الكبيرة ..
ليتمكن مريدوه من إيجاده والاستفادة من علمه ..
وأفضل مكان لا شك هو الجامع..
كنا نصلي في الجامع الواقع شمال مواقف التكاسي المسماة مواقف مكة..
ويلقي شيخنا هناك دروسه بعد العصر..
وكان إمام الجامع من إخواننا اليمنيين ويظهر أن شيخنا يعرفه حيث اعتاد
إلقاء الدروس في مسجده في السنوات الماضية..
لم يكن بالجامع الفسيح واقترحت على شيخنا أن يجعل درسه في جامع
آخر..
قال الشيخ : بعد العصر سأستمر بالتدريس في هذا الجامع للعامة ..
أما الدروس اليومية بين العشاوين ( أي المغرب والعشاء)
فقال لي وللأخ علي أنتما اختارا الجامع المناسب وعجلا علي..
ذكر لي الأخ علي جامع ابن سند ..
قلت له إن طلبة العلم في الطائف اعتادوا على الدروس لكبار المشائخ
في جامعين معروفين بكثرة مرتاديه الأول جامع ابن عباس الكبير
والثاني جامع الأمير احمد..
والأخير فيه دروس شيخنا احمد السهلي ويحضر فيه عدد كبير من طلبة العلم ..
أستقر رأينا أخيرا ذلك العام أن تكون دروس شيخنا في جامع الأمير احمد
وحينما رأى الشيخ كثرة الحضور وامتلاؤه بالحضور فرح بذلك وأثنى
على رأيي فالحمد لله ..
تسائل الناس عن ذلك الشاب الصغير والذي هو مالك!!
يجلس بين يدي شيخنا
ويقرأ عليه أسئلة المستفتين !!
يا للعجب!!
لا تسل عن حيائي وعن ضعفي أمام نظرات الناس التي لم اعتد عليها إلا
بعد حين..
قائل يقول : هذا من أبناء الشيخ!!
وقائل يقول : هو نسيبه!!
وقائل يقول : هو من اليمن !!
ولم يصل للحقيقة سوى من قرأ كلامي هذا كله !!
كلمات سمعتها من هنا وهناك ولكن مع الزمن لم اعد أعيرها أي انتباه..
في تلك السنة انتشرت حمى الدشوش أو ما يسمى الأجهزة اللاقطة..
والتي تكلم عنها الشيخ ناصر العمر بارك الله فيها قبل سنوات في شريطة
المشهور البث المباشر والذي طبع لاحقا في كتاب وانتشر..
حذر شيخنا منها كما حذر غيره وناصح الناس والمسئولين وراسلهم
ولقد رايته مهموما بهذا الشأن وكأنه رحمه الله ثكل من كثرة ما يتكلم
وينصح من هذا الشر المستطير..
استأذنته مرة ونحن في السيارة لأسمعه مقطعا من شريط للشيخ
عبد الوهاب الطريري حول موضوع الدشوش..
فقال اسمعني: كان اجتماعا بين الطريري وعدد من المثقفين أو الأكاديميين
قال أحد المتفيقهين !!
يا إخوان أنتم كبرتم المسالة وأعطيتموها اكبر من حجمها !!
إن مجتمعنا متماسك وعقيدتنا صلبه ولا يمكن أن تهتز بمثل هذه اللواقط
وثوابتنا راسخة الخ كلامه ..
فرد عليه الطريري بكلام معناه : إذا ليكن الانفتاح شاملا !!
قال كيف ؟؟
قال ليشمل الانفتاح في الأمور التي تهدم الدين وتهدم سياسات الدول
فأنت تعرف أن المتربصين بالدولة والحكومة وخاصة حكومتنا كثير فهل
ستسمح لك انفتاحك بفتح المجال في كل شيء؟؟
فأسقط في يد الرجل وصمت ..
وأعجب شيخنا بجواب الطريري وفي اليوم التالي حث الناس على سماع
شريطه ذاك وأثنى عليه!!
لا شك أن الأمور تغيرت الآن وبعد دخول الانترنت وامتلاء فضائنا بمآت
القنوات الفضائية قد لا يتصور بعضكم وقع المصيبة حينما بدأت بما
يقارنه الآن من حال..
في تلك الليالي حصل لنا موقف طريف..
حيث نسينا مفتاح شقتنا في داخل المنزل ..
ولم يكن سوى شيخنا للأسف يحمل مفتاحا للباب رغم حرصه الشديد
وتيقظه في مثل هذه الأمور..
فهو يحمل در زانة من المفاتيح ويضعها في جيبه ومرتبة بنسق عجيب
قلت لعلي لا بد أن نحضر شخصا ليفتح الباب..
رافقنا الشيخ بالطبع !!
توجهنا بسيارتنا الكراسيدا وتوقفنا أمام محلات المفاتيح ..
توسمت في وجوه الناس..
فرأيت شابا قصيرا عليه مرآه يظهر عليه أنه هاديء الطباع ..
فوقفت بين يديه ولم يكن عنده أحد وقلت له الحاصل ..
فقال لي : وما يدريني أن هذا منزلكم؟؟
نظرت للأخ علي وقلت له: يا أخي نحن ثلاثة أشخاص نقيم في منزل
مضيفنا ..
قال : دع مضيفكم يأتي !!
لاطفناه بالعبارة وقلنا سنصور لك هوياتنا إن شئت ..
وبعد تردد حمل حقيبته وركب في سيارتنا ..
حينما رأى ذلك الشاب شيخنا كأنه ارتاح واطمأنت نفسه ..!!
ولكنه لم يعرف من يرافق على كل حال..
أخذ شيخنا يسأله عن نفسه ..
ويسأله عن أحواله ..
أذكر انه قال أنه من قبيلة بني مالك وأظن اسمه نايف أو شيئا من هذا
القبيل..
وصلنا للشقة ثم نظر إلي كأنه يريد مني شيئا فوضعت بطاقة أحوالي في
يده فنظر فيها ..
ثم أرجعها لي ..
كان اختياره موفقا فما عن وضع يده على الباب حتى فتحه باحترافية
عجيبة ..
أرجعته لدكانه فسألني من هذا الرجل الذي وجهه يشع نورا ؟؟
قلت له هذا الشيخ ابن عثيمين!!
قال لي : حرام عليك يارجل هلا أخبرتني من قبل
والله لن آخذ منك ريالا مقابل ذلك!!
كانت للشيخ محاضرات ودروس في الأقاليم المحيطة بالطائف ..
في الحوية والهدى والشفا وجمعيات التحفيظ والمراكز الصيفية والمعاهد
ويجتمع في مدينة الطائف سنويا في تلك الفترة كوكبة كبيرة من العلماء
والمشائخ ممن لا يكاد يحصرهم عاد..
كنا في الجمع ننزل للصلاة في الحرم وكان شيخنا يتعجب من الناس ويقول
لو كنت مقيما في جده أو الطائف لما فاتت علي مائة ألف جمعة في
الحرم!!
نسقنا مرة محاضرة للشيخ في جامع الملك فهد في الهدى وكان يوم جمعة ..
وانطلقنا من مكة بعد صلاة العصر حيث لا يستغرق وصولنا للهدى سوى
ساعة وربع تقريبا ..
ولكن حدث مالم يكن في الحسبان ..
حيث نزلت الأمطار على الهدى وحين وصولنا لجبل الكر..
أوقفت الدوريات السيارات وإمرتها بالرجوع لمكة والذهاب للطائف من
طريق المسيل..
وقال الطريق خطر ولا يمكن السماح للسيارات بالعبور..
فاسقط في يد الشيخ وتحرج وكان من أصعب الأمور على نفسه أن يفوت
وعدا وخاصة أنها محاضرة عامة ..
ولم يكن لدينا وسيلة اتصال..
قال لي : لا ترجع ودعنا نمكث لعل وعسى الطريق يفتح..
هممت أن انزل للجندي واستأذنه واشرح له الوضع ..
ولكن هيهات فلو سمح لنا بالعبور لثارت عليه مئات السيارة من حولنا
فدوني نجوم السماء !!
بقيت والشيخ حتى قريبا من العشاء..
حتى اطمأنت نفسه وعرف انه لا حيلة لنا ..
وبعد وقت يسير سمح لنا بالعبور..
فلم يكن هم الشيخ إلا أن نذهب للجامع ونبلغ الناس بما حصل..
وصلنا للجامع وقد خرج الناس من الصلاة ..
توجهنا للإمام ..
فلما رأى الشيخ انكب عليه واحتضنه وقال والله لقد قلقنا عليك والناس
تساءلت ما لذي حصل لكم ..
وبعضهم ذهب للشيخ ابن باز يسأل عنك..
وأجرينا اتصالات عديدة بالمسئولين !!
بلغه الشيخ بما حصل ..
وكان الرجل نبيها!!
قال يا شيخ محمد: لا يعوضنا منك سوى أن تشرف أهل المنطقة
بعشاء!!
فقال يا ولدي : أنا متعب لو تعفيني!!
أصر الرجل ورتب عشاء في إحدى مزارع منطقة الهدى الجميلة
وحضرها جمع كبير من الناس يكادون يبلغون المئة!!
ولا تسل عن فرح الشيخ باجتماعهم حيث
شعر انه عوضهم بتلك المحاضرة لتطيب نفوسهم بتلك الجلسة التي لم تخل
من فوائد وتوجيهات..
يتبع إن شاء الله
الحلقة الرابعة والستون
أذكر مرة بعد سنوات من موقفي مع الشيخ حينما أغلق جبل الهدى
بسبب الأمطار..
موقفا لن أنساه حيث تجرعت فيه مرارة اسمحوا لي بروايتها لكم ولو
طالت..
فقد يكون فيها شيء من الطرافة ..
كنت عائدا من جده وكنت في ضيافة أحد الزملاء ..
وقد حملت في جيبي مبلغا بسيطا من المال..
أظنه لا يتجاوز المئة وخمسون ريالا..
ولم تكن تلك الأيام قد شاعت في الناس بطاقات الصراف الآلي بل اظنها
معدومة..
والمال وفير والحمد لله ولكن لم يكن يدر بخلدي أن احتاج للقليل منه فلا
أجده..
في الطريق من بيت صاحبي ..
أشار لي رجل مسن بالتوقف ..
وكانت حالته مرثية ويظهر عليه البؤس والإعياء بل كان يمشي بثقل على
عكازين.. فتوقفت بجواره ..وقلت له : نعم ياعم..
فقال : لو قدمتني معك يا ولدي لأطراف المدينة..
ففتحت له الباب وجلس بجواري..
أخذ يدعو لي ويشكرني فقلت له: لا داعي أنا لم افعل شيئا يستاهل الشكر
ومقصدك على طريقي..
قال لي: وددت أنك كنت معي في جيزان فأكرمك كما فعلت معي فانا من
ساعة أشير للناس فلم يتوقف لي احد يظنني الناس أتسول..
سكت قليلا ثم تنهد وكأنه يريد أن يروي لي معاناته ..
يقول من أي المناطق أنت ؟؟
قلت له :أنا حاليا أقيم في منطقة القصيم
قال :من أي القبائل ..
ثم قال: أنا من قبيلة كذا من جيزان وأحترف الزراعة وعندي بستان فيه
ما لذ وطاب من الفواكه والأشجار الظليلة ..ياليتك إن جئت لجيزان تعرج
علي فأكرمك ..
قلت له : وهل عندك أحد تقيم عنده في جده ..
قال : أبدا أنا كما ترى رجل كبير ومريض جئت هنا لأحد الأمراء لكي
احصل منه على توصية للعلاج في إحدى مستشفيات جده ..
ولكن للأسف لم أتمكن من الوصول للأمير مباشرة لكثرة الناس فوضعت
مظروفا مع الناس وسأرجع أدراجي لجيزان الآن..
قلت : ولماذا لا تمكث في جده حتى تنتهي معاملتك؟
قال : أبنائي صغار ولا يقوم عليهم احد سواي ومزرعتي تحتاج لرعاية
فلا بد أن ارجع لهم وبعد أسبوع سأعود لمكتب الأمير لأرى النتيجة!!
قلت له :ولماذا لا ترجع بالطائرة إلى جيزان فأنت مثقل وطريق العودة
طويل..
قال : لم اركب الطائرة في حياتي ولست اقدر على قيمتها..
والحمد لله سأقف على الطريق العام وسوف أجد من يتجه على جيزان
وسأركب معه !!
تأسفت في نفسي لحال هذا المسكين وتمنيت في تلك اللحظات لو كنت
احمل مالا أتوجه به للمطار فلا أغادره حتى يرجع لأولاده وينام معهم تلك
الليلة ولكن هيهات..
حينما وصلنا لمقصده قال لي : يابني كم تطلبني؟؟
قلت له : لا شيء..
ثم أخرجت محفظة نقودي فسحبت منها مبلغا دون أن أراه وقلت له خذ
هذا المال استعن به في طريقك..
فدعا لي وشكرني حتى كدت أذوب من الخجل منه ..
ما إن غادر ذلك المسكين حتى أضاءت إشارة نفاذ الوقود في سيارتي..
وجدت محطة وقود قريبة فأشرت للعامل وقلت له املأه!!
تفقدت محفظتي فوجدت فيها مبلغا لا يتجاوز الخمسة عشر ريالا!!
فقفزت خارج السيارة وأطفئت مكينة البنزين وقلت للعامل يكفي فقط خمسة
عشر ريالا!!
وسيارتي من نوع المرسيدس و بالتأكيد لن توصلني إلى مكة بهذه الكمية
فكيف إلى الطائف!!
وهنا تبدأ الحكاية !!
خرجت من جده وأنا أراقب عداد البنزين وسرعتي متوسطة وأطفأت جهاز
التكييف وبقيت استغفر واهلل وأقول في نفسي ما الذي سأفعله لو انتهى
بي الوقود؟؟
لاحظت أن البرق يضيء على جبال الهدى والتي ترى للداخل إلى مكة
فتوجست خيفة ..
وقلت في نفسي ماذا لو أغلقوا الطريق؟؟
قبل أن ادخل لمكة أضاء العداد بقرب نفاذ الوقود!!
مررت على مكة وأخذت أبحث في رأسي عن حل لهذه الورطة فلم أشعر
إلا وأنا في أطراف مكة على طريق الطائف السريع..
لاحظت من بعيد دورية مرور تقف في وسط الطريق ..ورأيت كثيرا من
السيارات تعود أدراجها على مكة!!
وقفت أمام الجندي ففتل شواربه وقال : وين رايح؟؟
قلت : الطائف ..
قال الطريق مغلق رح من المسيال!!
قلت له : ومتى سيفتح ؟
قال : والله ما أدري يمكن ساعة يمكن يوم يمكن يومين؟؟
قلت له : وهل يمنع الذهاب للجبل ؟؟
قال : أفضل لك تروح من المسيال ، وإذا تبغى تروح على مسئوليتك
تفضل..
شكرته وتوجهت للجبل..
وليتني سمعت نصيحته وبقيت في مكة حتى يفرجها المولى سبحانه..
بقيت أسير بهدوء وأراقب العداد وأقول في نفسي ماذا لو توقفت بي في
منتصف الطريق الموحشة المظلمة ؟؟
ما لذي سأفعله ؟؟
بمن سأتصل ؟؟
وبالتأكيد سوف يقلق علي أولادي ولا وسيلة اتصال لدي !!
وصلت للجبل وفي ذات الموقع الذي توقفت أنا وشيخنا بجواره قبل سنوات
ولكنني هذه المرة وحيدا فريدا وبلا مال!!
وجدت عشرات السيارات متوقفة وكلهم مثلي يأمل أن يفتح الطريق في
ساعة أو بضع ساعات أما أنا فكنت احمل هما اكبر هو هم الوقود!!
نزلت من سيارتي وتوجهت للعسكر لعلي أجد عندهم حلا لمشكلتي
التافهة!!
كانوا في جدال وجلبة مع الناس وكل يروي
مأساته يقول أحدهم دوامي والآخر يقول أنا مواصل للجنوب وثالث يقول:
أريد أن أوصل أبنائي للمدرسة..
فيرد عليهم الجنود عودوا للمسيال !!
والمسيال لمن لا يعرف المنطقة هو الطريق الآخر للطائف وهو أبعد قليلا
من طريق الهدى ..
يقول الجنود:
الطريق خطير والسيول قد جرفت الصخور والأوامر تقضي بمنع التحرك
حتى تصلح الإعطاب ويزول الخطر..
عدت لسيارتي وأطرقت أفكر في حل لهذه المشكلة ..
ومرت حوالي الساعتين وكانت كعشر ساعات على نفسي..
شعرت بالهدوء من حولي وخفت جلبة الناس وعاد كثير منهم لطريق
المسيال ..
رفعت رأسي فرأيت الجنود قد جلسوا على بسط في وسط الطريق وأخذوا
يتبادلون الحديث وشرب القهوة والشاي وكان الجو عليلا ونسيم الرياح
بعد منتصف الليل أضفى على المكان الأنس..
تشجعت وقلت في نفسي: لما لا أذهب إليهم فأحكي لهم حالي!!
فالناس لبعضها والخطب يسير وهونت الأمر على نفسي ..
نزلت من السيارة وقصدتهم ..
فلما اقتربت منهم أطفأ احدهم سيجارته وصافحته وقال : ليش ما تنام
يا مطوع؟؟
ولم يدعني للجلوس ..
قلت له : هل من جديد ؟؟
التفت وراءه للجبل فلمعت في السماء أضواء البرق ..
وقال : شوفت عينك ما اظنك بتمر الليلة !!
قلت له : لعله بكره الصباح بدري !!
قال : لين تجي الشركة في الصباح وتنظف الطرق لعله الظهر بكره!!
وأفضل لك تروح من المسيال !!
هممت أن أقول للعسكري سبب تأخري ولكنني استحييت وخجلت فرجعت
من عنده وأنا في هم لا يعلمه إلا الله..
قلت في نفسي كيف يجرأ الناس على السؤال ؟؟
أعوذ بالله من الذل..
رغم أني محتاج ومستحق ولكن لا أدري !!
الحمد لله على المعافاة..
رجعت لسيارتي وفتحت نوافذها وتوسدت يدي ونمت نوم المتوجس
والمهموم..
أذن علينا الصبح ..
فتوجهت للمسجد الواقع بجوار محطة البنزين ..
وقدمني المؤذن البنجلاديشي للصلاة ..
وصليت بالناس الفجر..
بعد الصلاة بقيت في المسجد والعامل ينتظر خروجي حتى يغلق
المسجد .. وكنت أتكلم معه وألاطفه واسأله عن بلده وكل ذلك أنني
هممت والله أن اطلب منه أن يقرظني أو يهبني عشرين ريالا !!
لكي املأ السيارة بوقود يرجعني لمكة ولكن هيهات كيف لهذا المسكين أن
يثق بشاب عليه اثر الترف وسيارته فارهة يطلب منه عشرون ريالا ..
أو حتى عشرة ريالات..
ومرة أخرى منعتني كرامتي وصون وجهي عن السؤال ..
فالحمد لله على المعافاة..
تكاثرت السيارات بعد صلاة الفجر وجاءت من كل حدب وصوب
وصار المكان غاصا بالخلق وطلبة المدراس والمعلمون وتدافع الناس على العسكر ..
وزاد الأمر سؤا انه مر موكب رسمي فلم يتردد الجنود بالسماح لهم
بالمرور فضج الناس وارتفعت الأصوات وقالوا : ونحن أليس لدينا
مصالح ؟؟
فقالوا هذا موكب رسمي ..
فقال الناس ونحن نذهب على مسئوليتنا دعونا نمر..
فلم يفلح ذلك في إقناع الجنود..
بقيت ارقب الموقف وبدأ الجوع يدب في بطني ..
كنت أسير وأهيم بين السيارات وأتفرس وجوه الناس لعلي أجد أحدا اعرفه
لم يحفل بي احد فكل بهمه اشتغل..
توجهت لمحطة الوقود..
وهممت أن اكلم العامل أن يضع لي وقودا على أن أرجع له بعد يوم بماله ..
فتوسمت في وجهه فعلمت أن كواكب السماء اقرب لي من ذلك!!
رجعت للسيارة وحميت الشمس حتى صار الجو خانقا ..
في الضحى توجهت للعسكر مرة أخرى وكانت الوجوه جديدة فقد تغير
فريق العمل..
ولم يكن الجو مشجعا وعلامات الإعياء بادية عليهم..
اقتربت منهم فلما انتصفت الطريق عدت أدراجي!!
حيرة وحياء من ذل سؤالهم..
وما عساني سأقول لهم : أعطني بالله عشرة ريالات ؟؟
أو أنني محتاج أو جائع ؟؟
كيف سيكون وجهي حينما يسحب ذلك المتعجرف من جيبه عشرة ريالات
فيلقيها في يدي فوالله لباطن الأرض خير من ظاهرها ..
توجهت للمسجد وتوضأت وبقيت في ركنه ورفعت رأسي للسماء ودعوت
الله بالفرج ..
وصليت الظهر مع الجماعة ثم عزمت على العودة لمكة وقلت وليكن ما
يكن!!
جلست على المقعد وذكرت الله تعالى ..
أدرت السيارة فعملت ..
وانطلقت بها وسرت بها سيرا خفيفا..
وبقيت أسبح الله تعالى ..
وطلبت من المولى سبحانه اللطف ..
قطعت ربع المسافة ونصفها وفي كل مرة أقول هاهي ستتوقف..!!
ولكنها لم تخذلني..
في الطريق ..
تذكرت احد زملاء الدراسة في عنيزة وهو مقيم في مكة ..
وما أكثر من اعرفهم في مكة من المشائخ والعلماء وطلبة العلم ولكن
كوني اسألهم في مثل هذا الحال وفي مثل هذه القضية فهذا حرج لا يقدره
سوى من يفهم واقع الحال..والله المستعان..
الذي حصل يا إخوتي الكرام أنني بفضل المولى سبحانه وصلت لمكة!!
ولم يكن لي هم سوى أن اصل لمكان صاحبي ذاك..
توجهت من فوري فوجدته واقفا أمام محله فشده لرؤيتي فهو من سنوات لم يرني!!
فلما رآني ابتسم لي ابتسامة أنستني كل الهم الذي كنت فيه ..
سحبته من محله وطرت به لمحطة الوقود وقلت له :املأ لي السيارة
بالوقود وكنت عليه جريئا !!
فاخرج بوكه فنثر كنانته جزاه الله خيرا ولم يسألني وملئها فودعته
وقال لي انتظر !!
أين ستذهب..
ما هي قصتك يا رجل تغد معي!!
قلت له : قصتي طويلة سأحكيها لك لاحقا ..
فغادرته وهو حائر !!
وعدت له بعد أيام بوجه غير وجهي فحكيت له القصة فغص بالضحك حتى
سقط على وجهه..
وصلت لأولادي عصر ذلك اليوم ..
وكانوا في غاية القلق ومع ذلك حتى هذا اليوم لم ارو لهم ما حصل
فليقرؤها هنا ..
وليت شيخنا كان حيا فيقرأها رحمة الله عليه
يتبع إن شاء الله..
الحلقة الخامسة والستون
نعود لحكايتنا ..
سمعت عن شاب مصاب بمرض عضال ..
وذلك قبل ذهابي للقصيم ومعرفتي بشيخنا رحمة الله عليه..
وقالوا لي أنه منذ سنوات يعيش وحيدا فريدا في مستشفى القوات المسلحة
في الطائف..
وحثني أصحابي على زيارته حتى قال لي أحدهم : والله إن رؤية هذا
الشاب سترفع همتك
وستزيد إيمانك!!
طمعت بذلك ومن ذا لا يريد زيادة إيمانه ورفع همته؟؟
تحدثت مع احد جيراننا في الحي في الطائف عن ذلك الشاب ..
فرق له وقال سوف أرافقك ..
وذهبنا بعد أيام للمستشفى المذكور..
وصلنا للاستقبال..
فسألنا عن الشاب..
قلت لهم اسمه فواز العسيري)..
فقال : لعلك تقصد فوزي العسيري!!
فقلت : نعم هو ..
فابتسم في وجهي وقال ..ستجده في غرفته أو سيكون الآن في الحديقة
يتنزه !!
ثم ناولني بطاقة الزيارة وأعطاني رقم غرفته ..
صعدت للغرفة وكنت اتعجب في نفسي لماذا ابتسم الرجل من سؤالي!!
لما وصلت الغرفة وجدتها خالية سوى من ممرضة ترتب السرير ..
قلت لها : وين فوزي ؟؟
قالت : سيأتي بعد قليل هو يتنزه في الخارج..
قلت لها : ممكن نجلس؟؟
قالت : نعم ..
جلست أنا وصاحبي وقلبت نظري في غرفة فوزي..
لم تكن غرفة مريض !!
كأنني في غرفتي في عنيزة بعد سنوات!!
رفوف كتب آلاف الأشرطة ..
مجلات إسلامية كل شيء يدل على العلم ..
قال لي صاحبي: هل أنت متأكد أن هذا صاحبك؟؟
قطع علينا صوت عربية تقترب من الغرفة ..
فكان نظرنا على الداخل..
قالت الممرضة وابتسمت ابتسامة عريضة هذا فوزي وصل..
دعوني اصف لكم فوزي..
مقعد على العربية جسمه كأنه عمرة ست سنوات أو عشر!!
ورأسه مكتمل النمو يزيد على العشرين سنة!!
وجهه كأنه كوكب دري..
جميل وأنت تعجز أن تقول انه جميل..
ابتسم في وجهنا ابتسامة اعجز عن وصفها ..
رقيقة عذبة و جميلة ..
كان يلبس ثوبا ازرق وعلى رأسه طاقية بيضاء ناصعة البياض
نبتت على وجهه لحية صفراء جميلة ..
ووجهه مستدير وصاف كالعسل..
لما رأيناه قمنا له ..
فسلم علينا فدنوت منه لأصافحه..
فأرخى رأسه حياء لأنه يعجز عن مصافحتي فربت على يده وقبلت
جبينه..
وفعل صاحبي مثل ما فعلت..
عرفناه بأنفسنا فرحب بنا وشكرنا على زيارته ..
وقال : أنا افرح بزيارة الناس لي ..
كان يتكلم و كنت أفكر في كلام الفقهاء أن من أدب الزيارة للمريض عدم
الإطالة عنده حتى لا تشق عليه
ولكن فوزي هذا من طراز مختلف ..
يأسرك بمنطقه وأدبه حتى لا تريد مغادرته والله ..
لم نجرأ عن سؤاله عن مرضه وعن مدة بقائة وما لذي حدث له ..
ولكنه بادرنا بذلك من خلال كلامه ..
قال : مرضي غريب وسماه لنا وهو مرض يتوقف فيه نمو الجسم ماعدى
الرأس والعقل ..
حيث تبقى الأعضاء كما هي دون الرأس فينمو مع السنين..
وقال لنا : أنا منذ ست سنوات مقيم هنا !!
وعائلتي في منطقة عسير ونظرا لحاجتي الماسة للمستشفى فقد أصريت
على المكوث هنا حتى لا اشق عليهم بإحضاري دوما ..
وكان هذا هو رأي الأطباء..
روى لنا تفاصيل حياته وبرنامجه وقراءته وانه حفظ جزءا كبيرا من
القرءان وأنه يستمع للدروس والمحاضرات ويقرأ في الكتب ..
وأنه لا يمل من القراءة ولا تضيع عليه دقيقة في فراغ..
وقال : أن الناس تزوره دوما وأغلبهم لا يعرفهم..
وأحيانا تتوقف الزيارات فتمر عليه الأسابيع ولا يرى أحدا ..
ولم يتأفف من مرضه وحاله ولم يشك من صحته بل كان يحمد الله تعالى
ويشكره على أن أبقى له عقله ليتمكن من الاستفادة والدراسة وطلب
العلم..
كان فوزي يتحدث وكنت أتأمل وجهه وكلامه وعباراته وأقول في نفسي..
كم نحن محرومون؟؟
لله دره ..
كم نحن ضعفاء أمام بهارج الحياة ومشاغلها ..
كان صاحبي يستمع لفوزي فأرى في عينيه الدموع محتبسة مما يسمع ..
خرجنا من عند فوزي ونحن واجمون ..
أصر على مرافقتنا للخارج ..
فخرج معنا حتى وصلنا للمصعد ..
وكان الجميع بلا استثناء يسلم على فوزي من ممرضات وأطباء وعمال
كلهم يعرفه ويضحك ويبش في وجهه ..
ماهي أخبارك يا فوزي اليوم..
أهلا يا فوزي..
وكأنه ليس بمريض..
قال لنا ونحن نغادره ..
لعلكم تزوروني مرة أخرى !!
قلت له : بكل سرور والله ..
فابتسم ابتسامة جميلة أسرت قلبي ولا أنساها ما حييت ..
بقيت أنا وصاحبي نتحدث في الطريق عن ذلك الشاب فقال لي:
لم أفرح بزيارة احد كما فرحت اليوم..
رجعت للبيت فحكيت للوالدة عما رأيت ..
وحكيت لكل من اعرف ما رأيت ..
لأساتذتي وأصحابي قلت لهم :
أذهبوا وزورا هذا الرجل ..
فوالله ليس من رأى كمن سمع..
لم أنقطع عن زيارة فوزي ..
كنت كلما شعرت بضعف في همتي وحاجتي للأنيس ذهبت لزيارته بأي
وسيلة ممكنة..
بالسيارة بالتاكسي مع زميل كيفما يتيسر لي..
في إحدى زياراتي له وقد أصبحت كالتلميذ له..
قال لي : تصدق يا مالك لي أمنية ؟؟
قلت وما هي ؟
قال : أحب رجلا حبا عظيما ..
وليتني أستطيع رؤيته رؤيا العين ..
قلت : ومن هو..
قال : الشيخ ابن عثيمين ..!!
قلت له : يا فوزي هداك الله وكيف تريد أن نجر لك ابن عثيمين في
المستشفى؟؟؟
دع أمنياتك معقولة يارجل!!
وجم ثم ضحك وقال : على كل هذه أمنيتي..
ثم اخذ يحدثني بشغف عن الشيخ وعن سعة علمه ودروسه وانه يستمع
لأشرطته يوميا
وكأنه حاضر معه في الدرس وقال : هل رأيت الشيخ ؟؟
قلت نعم رأيته في دروس الحرم..
فقال لي : صفه لي يا مالك ..
وصفت له الشيخ كما رأيته ..
فقال : هنيئا لك هذه النعمة ..
مرت الأيام والليالي وحدث لمالك ما حدث وطارت به الدنيا جنوبا وشمالا
واستقر في القصيم وصار من سكان عنيزة وانقطعت عني أخبار فوزي
مدة من الزمن وشغل مالك بنفسه وحياته الجديدة ..
وفي تلك السنة أو التي تليها ..
يقدر الله تعالى أن يحصل للشيخ عبد الله بن منيع عضو هيئة كبار العلماء
حادث في مدينة الطائف حيث ارتطمت به سيارة وهو خارج من صلاة
العصر..
فسقط الشيخ وكاد أن يهلك ..
وكانت في تلك اللحظات سيارة إسعاف مرت بغير ميعاد فحملت الشيخ وهم
لا يعرفونه إلى مستشفى الملك فيصل في الطائف..
فلما رأى الأطباء الشيخ وجدوا أن وسط جسمه وخاصة منطقة الحوض قد
تكسرت وان حالته حرجة ..
تسامع أبناء الشيخ بالحادث وتسامع المسئولون بالأمر..
فنقل على الفور إلى مستشفى القوات المسلحة في الهدى ..
فأجريت له العمليات تلو العمليات وعانى من ذلك اشد المعاناة ..
ومكث شهورا هناك حتى عافاه الله وهو الآن بحمد الله في نشاط وعافية
سمع شيخنا بالحادث ..
وكان ذلك قبل وصولنا للطائف..
وكان الشيخ ابن منيع زميل شيخنا في هيئة كبار العلماء وكانت علاقتهما
وثيقة ولعلي في حلقات قادمة احكي مواقف جرت بينهما يصلح المقام
لذكرها..
وصلنا للطائف بعد أسابيع ..
وكان الحادث قد حصل في أول إجازة الصيف ..
لم اسمع بخبر الحادث سوى من الشيخ حينما قال لي:
غدا سنذهب لرؤية الشيخ ابن منيع في المستشفى..
قلت له : أي مستشفى ياشيخنا !!
فأخرج ورقة من جيبه فقال:هذا اسمه وعنوانه ورقم غرفة الشيخ ..
في اليوم التالي انطلقنا للمستشفى ..
وكان شيخنا مرهقا بعد يوم عناء واجتماعات ..
نام قليلا وأنا صامت ..
والصمت يفتح باب التفكير والهواجس !!
وأنا في صمتي ذاك تذكرت فوزي عسيري!!
لا أدري والله كيف خطر على بالي ..
بعد سنوات تذكرته ..
تذكرت الزيارة الأولى ..وعشرات الزيارات التي تمت بيني وبينه..
نظرت لوجه الشيخ فكان نائما فلم ارد إزعاجه..
تنحنحت وما أخف نومه فاستيقظ..
قال : هل وصلنا ؟؟
قلت : تقريبا ..
وما زلنا في منتصف الطريق ولكنني فرحت باستيقاظه !!
فتوسط في جلسته ومسح وجهه وتمطى قليلا ..
ثم أخذ يتحدث معي..
انتظرته حتى ينهي حديثه ثم بادرته بقصة فوزي..
لم يعر الموضوع كثيرا في البداية نظرا لأن هموم المسلمين كثيرة والشيخ
يسمع يوميا الآف القصص الشبيهة فكان يدعو له بالعافية ..
غيرت أسلوبي وطرحت الموضوع بصيغة جديدة ..
فأنصت الشيخ وأخذ يتعجب من كلامي عن ذلك الشاب..
وعلو همته وجده رغم حاله الغريبة ..
فزاد اهتمام شيخنا به ..
حتى قال لي : لم لا نحضره عنيزة ليدرس عندنا !!
أسوة بسامي العقيل!!
وهو احد طلبة الشيخ المجدين وسيأتي ذكره لاحقا عن شاء الله..
قلت له يا شيخنا : الرجل وضعه مختلف تماما ..
قلت له : حتى أن الرجل له أمنية في الحياة كم مرة سمعتها يتمناها..
قال : وهي؟؟
قلت : أن يراك!!
فقال الشيخ: وأين هو ؟
قلت له : هو مقيم في المستشفى دائما ..
فسكت الشيخ ثم قال : ومتى أجد الوقت لزيارته أنت تعرف أشغالي..
قلت : هو الآن في نفس المستشفى الذي نقصده..
فقال: خلاص رتب لي بعد زيارة الشيخ عبد الله ..
طرت فرحا بهذا الخبر وانتشيت وقلت في نفسي ..
يا فوزي لعل مناك سيتحقق وأنت غافل لا تدري..
وصلنا للمستشفى وتوجهنا لغرفة الشيخ عبد الله ..
فوجدناه على حال جيدة وهو ممدد على سريره
وعنده جمع من الزوار ومنهم التاجر المعروف
عبد العزيز الجميح ..
قبل شيخنا رأس الشيخ ابن منيع فأمسك الشيخ ابن منيع رأس شيخنا
فقبله ..
وتركتهما في حالهما وانطلقت ابحث عن فوزي.. لا الوي على شيء
سألت عنه فقيل لي موجود!!
ففرحت فقلبت المستشفى رأسا على عقب..
ووجهت له نداء بالسماعات حتى بلغوه ..
فوجدته وبالكاد عرفني فقد تغيرت ملامحي وسمنت قليلا ..
فقال لي اينك..؟؟
فقلت له : دعك من خبري الان ..
ألزم غرفتك سآتي لك بشيء بعد قليل..
وخرجت من عنده وتوجهت لغرفة الشيخ ابن منيع ..
فوجدت شيخنا واقفا يريد المغادرة ..
والناس تصافحه ..
نظر شيخنا في وجهي واخرج ساعته من جيبه ونظر فيها كأنه ينتظر
موعدا..
فتجاهلت ذلك وقلت له : الرجل في انتظاركم..
قال : هل وجدته ؟؟
قلت : نعم..
ما شاء الله عليك جزاك الله خير..
دخلت على فوزي
فوجدته على سريره
فدخل الشيخ وسلم عليه ..
فلما وقعت عين فوزي على الشيخ كادت عينه تخرج من رأسه ..
لا تسألوني إخوتي عن مشاعره ..
لا أستطيع وصفها والله ..
قلت له:
هذه أمنيتك يا فوزي تحققت ..
ابن عثيمين بلحمه ودمه بين يديك!!
اقترب شيخنا منه وجلس على سريره ..
ودنا من رأسه ومسح عليه ودعى له ..
وقال له وهو مبتسم : كيف حالك يافوزي؟؟
لقد حدثني عنك مالك ..
بقي فوزي صامتا لا يدري ما يقول..
ينظر للشيخ وينظر في وجهي..
كأنه يقول : هل هذا هو!!
والشيخ صامت ويبتسم من مشاعر فوزي المتضاربة..
هززت رأسي لفوزي حتى يتكلم ..
فقال : هذه اسعد لحظة في حياتي والله أن تزورني ياشيخنا
في هذه المكان ..
كنت أراك في التلفزيون والجرائد وأتمنى أن ألقاك..
وكنت أدع الله أن يحقق لي ذلك ..
ولكنني توقعت أن يحصل لي ذلك بأن أزورك أنا ولقد رجوت الناس أن
أزور درسك في الحرم أو في دروسك في المحاضرات فلم يتحصل لي
ذلك..
قال له شيخنا : ها انذا أمامك وجزى الله الابن مالك على أن دعاني
لزيارتك..
دار بينهما حديث وبقيت استمتع بهذه اللحظات دون أن أتكلم بحرف
واحد..
وأقول في نفسي : دع فوزي يستمتع فربما لن يتمكن من تكرار ذلك أبدا..
مكث الشيخ عنده لعشر دقائق ثم طلب منه الأذن فخرجنا ..
وودعت فوزي
ومنذ ذلك التاريخ انقطعت أخباره عني للأسف
فاللهم إن كان حيا فوفقه وارض عنه واجمعنا به على خير..
وإن كان ميتا فاغفر له وادخله فردوسك الأعلى واجمعه بشيخنا في جنات النعيم..
يتبع إن شاء الله
الحلقة السادسة والستون
انتهى برنامج شيخنا في الطائف ..
وعدنا لعنيزة ..
وكما العادة لم يتغير من برنامجي المعتاد شيء
فقد كنت طوال فترة بقائي هناك أستزيد بفضل المولى سبحانه من علم
شيخنا كما هو حال الزملاء جميعا..
غير أن الله خصني بفضل الله بشيخنا فكان يزيدني عناية ويرفع همتي
ويتابعني في تفاصيل الأمور ومجملها، فلله الحمد سبحانه على فضله
ومنته..
التحق بحلقة شيخنا أحد أقاربي وهو ابن عمتي أحمد ..
وسكن عندي في غرفتي مدة .
ثم انتقل لرفيق له في ذات السكن..
وأقبل على العلم وفقه الله وحصل خيرا كثيرا
وتعرفت في تلك المدة عن طريق أحمد بعدد لا بأس له من الطلبة ..
وكلهم من خيرة الطلبة جدا واجتهادا ..
وكانت أعمارنا متقاربة ..
ويجمع بيننا حب العلم والحرص عليه ..
ومنهم الأخ سعود الحربي ..وهو من أهل جده ..
توثقت علاقتنا نحن الثلاثة حتى جاءت لنا فكرة السكنى سويا خارج سكن
الطلاب!!!
لم يكن شيخنا رغم مشاغله العظيمة لتخفى عليه هواجسي ..
فهو يدركها من فلتات لساني وارتباكي..
ولم يكن ابغض شيء لديه عندي من ذلك!!
فكان يقول لي دوما : الثبات الثبات يابني !!
عليك بالاستقرار على رأي واحد إن بورك لك فيه فالزمه ولا تحيد عنه..
قال لي مرة أحد كبار طلبته : والله ما خالفت شيخنا في أمر رآه إلا ندمت
عليه ولا سمعت توصيته ولزمتها إلا ووجدت التوفيق حليفي..
هذا ماقاله الأخ عن نفسه وواقع حاله ..
كان شيخنا يراني غضا قليل الخبرة ضعيف وما زلت في أول الطريق ..
وهذا هو الواقع لا شك!!
ولذلك كان القرار في مثل هذه الأمور راجعا إليه هو الذي يحكم فيه بما
يتناسب مع وضعي..
حينما فاتحته في الموضوع ولمحت له فيه ..
رفض واستهجن وغضب..
وقال : ألحين توك واصل تدرس وقلنا فلان ماشي ومجتهد وتريد تطلع !!
خلك في العلم ولا يشغلك عنه شيء..
غيرت الموضوع وتناسيت القصة ..
ومرت شهور بعد ذلك ..
وأنا بحمد لله في خير حال ونسينا موضوع الخروج من السكن..
إلى أن جاء موقف لا أنساه وفتح الموضوع من جديد..
ولكن قبل ذلك سأحكي قصة ..
في إحدى الاجتماعات الشهرية مع الشيخ ..
اقترح أحد الطلاب أن نعد رحلة شهرية لطلاب السكن ..
لمدة يوم واحد للاستجمام ..
وأيده جميع الطلبة وفرحوا بهذا الاقتراح ..
وافق شيخنا على ذلك..
بل قال : سأكون رفيقكم في رحلتكم..!!
وافق ذلك هوى في النفوس وشعرنا بنشوة عجيبة أن يرافقنا هذا الحبر
رغم أشغاله العظيمة..
فجزاه الله عنا خير الجزاء..
في اليوم الموعود وكان يوم خميس..
رتب المشرفون ذلك البرنامج وحدد الموقع ..
وكان ذلك لاستراحة التاجر المعروف الهويش..
والواقعة على طريق المذنب على ما أعتقد !!
شمال عنيزة..
بخصوص تنقلات الشيخ في عنيزة ففي الغالب ليس لي بها علاقة..
ولكنني طلبت منه ذلك وقلت له : أنا تحت تصرفك شيخنا ..
غير أن الوضع في عنيزة يختلف ..
فأبناؤه موجودون وهم تحت تصرف والدهم فحاجته لي غير واردة ..
قال لي شيخنا قبل موعد الرحلة بأيام
: نسق مع شخص حتى يوصلنا للاستراحة..
نسقت مع صديقنا القديم الأخ محمد زين العابدين..
انطلق الطلبة باكرا في الصباح ..
أما شيخنا فلم يتحصل له سوى أن يحضر بعد صلاة الظهر..
مكثت أنا في غرفتي حتى أرافق شيخنا..
استغرب الطلبة من عدم حضوري ..
وقال لي بعضهم معاتبا : تواضع يارجل !!
ابتسمت في وجه معاتبي ولم اجبه..
بعد الصلاة توجهنا مع شيخنا والأخ محمد للاستراحة المذكورة..
قال الشيخ : ايش البرنامج ..؟؟
قال له محمد : هناك غداء ثم أنت تقرر ماذا يكون بعد ذلك ..
وصلنا بعد حوالي عشرين دقيقة ..
دخلنا من البوابة الرئيسية ..
وصعدنا بالسيارة على طريق مرصوف للإيوان الكبير ..
فلما علونا ظهرت لنا الاستراحة كاملة ..
كان ترتيبها ومنظرها ساحرا ..
أشجارها منسقه قد رصت على الطرق وانتشر ظلالها
وتحيط بها الألوف من شجر النخيل ..
وزاد المنظر جمالا تلك البساتين المحيطة الغاصة بكل ما يبهر ..
وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء..
توقفنا أمام الإيوان وكان طلبة الشيخ في انتظاره..
نزل فاجتمعوا حوله وسلموا عليه ولا تسل عن فرحهم وابتهاجهم بوجود
الشيخ معهم..
دخلنا للإيوان الفسيح ..
فشممنا رائحة الطعام ..
وجلس الشيخ وتحلق حوله طلبته ..
ثم بدأ في الحديث معهم وقال : كيف كان يومكم؟؟
فكان الحديث حديثا غير متكلف كما يتحدث الولد مع أبيه ..
وهذا ما كان يريده شيخنا رحمه الله ..
قدمت القهوة والعصيرات الباردة ..
تسابق الطلبة في خدمة شيخهم والتحدث معه ..
فكل يدلي بدلوه وكان الحديث عاما بكل تكلف ولا شطط وبأدب مع الشيخ..
من فوائد تلك الرحلات هو اكتشاف المواهب كما يقولون !!
اكتشفنا أن بيننا طالبا مغمورا ولكنه موهوب !!
موهوب في مجال الطرافة ..
رغم جده واجتهاده في العلم..
في البداية استحى من شيخنا ولكن إصرار الطلبة عليه وكأنهم خبروه ذلك
النهار كله أجبره على الحديث ..
الأخ عبد الله باطرفي !!
وهو من سكان جده واصله من بلاد اليمن..
كان جاري في الغرفة المجاورة في السكن ..
ولكن الجو العلمي وانشغالنا بالطلب يقلل لقاءاتنا سوى في المطعم أو في
الدرس ..
فنادرا ما نتواصل!!
استلم عبد الله الشيخ !!
فكان يسمع تعليقاته من خلف الصفوف ولا يراه فيضحك الطلبة ويضحك
شيخنا له ولا يراه!!
وكان نظر شيخنا ضعيفا ..
ولكنه يعرف هذا الصوت !!
فنادى على هذا الطالب وقال : من هذا خلوه يتقدم عندي..
أذكر جيدا وكأنني أرى ذلك المنظر أمامي الساعة..
حينما وقف عبد الله من خلف الصفوف وتقدم خجلا حتى جلس بين يدي
شيخنا ..
فلما رآه الشيخ عرفه وقال له:
إيه ياعبدالله ايش عندك ؟؟
أتحفنا عبد الله وأسرنا بسواليفه مع الشيخ حتى قدم طعام الغداء..
قدم الطعام والذي طبخه الطلبة مع العمال ..
فكان جوا عائليا بين الطلبة وشيخهم..
نزع الشيخ بشته ورمى عمامته فوق رأسه ..
وقام من بين الصفوف وتوجه للمغاسل ..
ثم جلس بين الجميع وأكل معهم ..
وكان عبد الله باطرفي يسأله في مسائل علمية فيقول له الشيخ :
ياعبد الله أنت الآن تسألني وأنا أجيب أسألتك فتلتهم الطعام وأنا أجيبك !!
فضحكنا على عبد الله لأن الشيخ ألجمه قليلا !!
ولكن شيخنا كان يتحدث بكل بساطة فيضاحك هذا ويرد على كلام هذا
ذكر أحدهم السباحة وقالوا المسبح ..
فقال شيخنا : هل سبحتم ؟؟
قالوا : يوجد مسبح في الخارج ..
قال الشيخ : كنا في أيام الطلب نخرج مع شيخنا ابن سعدي رحمه الله
فنسبح في البرك والوديان ..
فقال عبد الله : هذا في أيام الطلب!!
فقال الشيخ : كأنك تقول أنني كبرت ولم اقدر على ذلك الآن!!
فقال : ما أظنك تقدر يا شيخنا !!
فلمعت في وجه الشيخ ابتسامة وقال : سنرى!!
تغدينا ثم قدم الشاي ..
وجلسنا حول الشيخ لننظر ما هو فاعل ..
جاء عبد الله وكان الشيخ ينتظره ..
وقال : هاه ياعبد الله فيك حيل..
وكان عبد الله رجلا سمينا ..ويسير بتثاقل..
قال : على أي شيء ؟؟
قال : السباحة !!
قال : بالتحدي ياشيخ ..
فقام الشيخ من فوره ..وتوجه لخارج الإيوان ..
خرجنا معهم فلحقت بالشيخ ..وهمست في أذنه ..
وقلت له : هل ستسبح بثوبك ..
فقال لي : هل عندك ملابس سباحة ..؟؟؟
قلت : نعم سأحضرها من السيارة ..
دخل الشيخ لغرفة التغيير وخلع ثيابه ولبس ذلك اللباس ولم يخلع فلينته ..
خرج الشيخ بغير ما دخل ..
دخل بثوبه وغترته ..
وخرج حاسر الرأس لحيته بيضاء ناصعة ووجهه أبيض تلمع فيه وجهه
ابتسامة أضاءت المكان..
لما رأى الطلبة الشيخ وخصوصا عبد الله ..
اجتمعوا حول المسبح ..
فقال شيخنا : طب ياعبد الله ..
فقال : أنت أولا !!
حتى إذا غرقت أنقذناك !!
فضحكنا ..
فقفز شيخنا في الماء وسبح وكان عمره حينها حوالي الأربعة وستون سنة..
ثم لحقه عبد الله ..
ونزلت أنا وغيرنا ..
سبح الشيخ مع تلاميذه ودار في المسبح ..
وتوسط الماء ووقف فيه بحيث يثبت في وسط الماء ولا يتحرك
وقال : هكذا كنا نفعل مع شيخنا ..
حاولت أنا ولكنني لم اقدر ..
أما عبد الله المطرفي فاكتشفنا انه لا يسبح !!
استمتعنا في تلك الرحلة مع شيخنا وتواضعه وسماحته رحمه الله ..
لقد كانت تلك الرحلة مؤثرة في نفوس الطلبة مع شيخهم ..
فقد عمقت الصلة وقوت الرابطة وزادت المحبة ..
فجزاه الله عنا خير الجزاء..
استأذن الشيخ وخرجت معه برفقة محمد وكان العصر قريبا ..
فقال الشيخ في طريقنا : أريد أن أقيل ولو عشر دقائق قبل العصر ..
فعرضت عليه أن يأتي غرفتي المتواضعة في السكن!!
فقال : لا بأس..
توجهنا للسكن وكان شبه فارغ..
وصعدنا لغرفتي ..
والحمد لله أنها كانت مرتبة ونظيفة!!
وضعت له الفراش فنام حتى أذن العصر ..
حينما سمع النداء استيقظ ..
وتوضئ في مواضئ السكن ..
ثم دخل الغرفة وتسنن أربع ركعات ..
ثم جلس ينتظر موعد الإقامة ..
قلب نظره في غرفتي فرآها ضيقة جدا !!
وقال : ما شاء الله عليك هذا وأنت الحالك!!
حيث تكومت الكتب في الرفوف وغصت فوضعتها في أطراف الغرفة
بطريقة مبعثرة ولا يمكن الاستفادة منها إلا بصعوبة ..
هذا غير كتب الأخ محبوب..
فقال شيخنا : تبي نغير لك غرفة أوسع ؟؟
قلت له : الغرف كلها متقاربة ..
قال : صحيح حنا يوم بنينا السكن ما كنا نتوقع هذا الإقبال من الطلبة ..
ولكن سنجد حل لك إن شاء الله ..
يتبع إن شاء الله
- 02-05-2007, 04:50 PM #25
رد: القصه التي أبكت العلماء
كانت الحلقه 66 السابقه هي آخر ماكتبه الشيخ مالك الرحبي
حيث وافته المنيّه يوم الجمعه الموافق 13/12/1426هـ
بعد عملية جراحيه أجريت له في أحد مستشفيات الرياض
ليلحق بشيخه ووالده الروحي ابن عثيمين بعد وفاته بـ 4 سنوات
اللهم أغفر لعبدك الشيخ مازن بن أحمد الغامدي ( مالك الرحبي ) .. وأرحمه .. وعافه .. وأعف عنه .. وأكرم نزله .. ووسع مدخله .. وأغسله بالماء والثلج والبرد .. ونقه من الذنوب والخطايا .. كم ينقى الثوب الأبيض من الدنس .. اللهم جازه بالحسنات إحسانا .. وبالسيئات عفواً وصفحاً وغفرانا .. اللهم أنقله من ضيق اللحود ومراتع الدود .. إلى جنات الخلود .. في سدر مخضود وطلح منضود وظل ممدود وماء مسكوب .. اللهم أنزل على قبره الفسحة والسرور .. والضياء والنور .. اللهم أبدله داراً خيراً من داره .. وأهلاً خيراً من أهله .. اللهم لا تحرمنا أجره .. ولا تفتنا بعده .. وأغفر لنا وله ..
لله ما أخذ .. وله ما أعطى .. وكل شيء عنده بأجل مسمى ..
إنا لله وإنا إليه راجعون
- 02-05-2007, 06:41 PM #26
- 06-05-2007, 04:10 PM #27
رد: القصه التي أبكت العلماء
السلام عليكم الاخ اكسبريت وجزاك الله خير على هذة القصة
لكن انت من وين لك هذة القصة وكيف حصلت عليها ؟؟؟؟؟
طب وليش مرة اسمه مازن الغامدي وليش مرة اسمه مالك الرحبي
اسال الله العظيم رب العرش العظيم ان يكتبلي السكن في المملكةومعاشرة اهلها الطيبين وانه لامل ورجاء اسال الله ان يحققه لنا ونرتاح فوالله من قريت هذة القصة حبيت اهل السعودية وبارك الله لكم في علمائكم ومشائخكم
وشكراآخر تعديل بواسطة كرم القيسي ، 06-05-2007 الساعة 04:15 PM
- 10-05-2007, 09:32 PM #28
رد: القصه التي أبكت العلماء
جزاك الله كل خير أخوي فلسطين
أخي هدهد/
كان لي شرف معرفة هذا الشيخ الفاضل
رحمه الله وأسكنه فسيح جناته
أما القصه فقد نقلتها لكم كما كتبها هو بنفسه
في منتدى أنا المسلم
http://www.muslm.net/vb/showthread.php?t=135394
------------------
- 02-06-2007, 04:32 AM #29
رد: القصه التي أبكت العلماء
بارك الله فيك.......فعلا قصة جميله
راحت اعيوني وانا اقراها ونامو الناس وطله الصبح وانا مادريت من قوت هذه القصة .
رحم الله موتانا وموتاكم .....
المواضيع المتشابهه
-
حصار غزة : الطفلة التي أبكت الرجال
By faissal in forum استراحة اعضاء المتداول العربيمشاركات: 1آخر مشاركة: 31-12-2008, 10:21 PM -
القصيدة التي أبكت العلامة ابن باز رحمه الله ...
By abo_malek_ali in forum استراحة اعضاء المتداول العربيمشاركات: 1آخر مشاركة: 02-02-2008, 08:49 PM -
القصه التى ابكت رسول الله صلى على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين
By helal in forum سوق تداول العملات الأجنبية والسلع والنفط والمعادنمشاركات: 1آخر مشاركة: 04-10-2007, 09:35 PM -
القصه التى ابكت رسول الله صلى على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين
By helal in forum استراحة اعضاء المتداول العربيمشاركات: 1آخر مشاركة: 04-10-2007, 09:35 PM