النتائج 1 إلى 3 من 3
  1. #1
    الصورة الرمزية كشف_حساب
    كشف_حساب غير متواجد حالياً عضو المتداول العربي
    تاريخ التسجيل
    Jun 2023
    الإقامة
    ليبيا
    المشاركات
    519

    افتراضي الاغتيال الاقتصادي

    وعلى الفور، أُوفِد "بيركنز" إلى السعودية، لمعالجة الأمر وقيادة المفاوضات الاقتصادية مع العائلة المالكة. دراسات اقتصادية حول استثمارات بالملايين في البنية التحتية للبلد البترولي البدائي، وأرقام وهمية من الأرباح التي لا تصب في مصلحة الشعب بقدر ما تُحقِّق الثراء السريع لطبقة الحاكمين وذويهم، وفي النهاية، ديون تتراكم على عاتق الدولة -كما حدث في مصر خلال الانفتاح الساداتي (7)-، ولكن ما حدث في السعودية كان أمرا مختلفا بعض الشيء؛ لأن دولة بهذا الثراء لن تُمثِّل لها الديون عوائق ذات بال.
    انتهت المفاوضات المُرهِقة -على حد وصف "جون"- إلى إنشاء "وكالة التنمية الأكثر غرابة في التاريخ وهي اللجنة الأميركية السعودية للتعاون الاقتصادي"، التي اعتمدت على الأموال السعودية لتمويل الشركات الأميركية في بناء البنى التحتية والتحديثية للمملكة، وكانت اللجنة تحت إشراف وزارة الخزانة الأميركية التي لجأت إلى القتلة الاقتصاديين وطلبت منهم إخراج تقارير غاية في الإبداع لتبرير استنزاف مئات الملايين من الدولارات من اقتصاد السعودية (8).
    لم يكن الهدف هذه المرة إغراق الدولة بالديون، بل كان محاولة لاسترداد الملايين التي خسرتها أميركا بسبب حظر البترول (9). ثم يردف "بيركنز" أنه، لتلاشي الخطر المحتمل لقيمة الدولار بعد صدمة نيكسون[*]، شهد بنفسه على الصفقة التاريخية التي تُقدِّم فيها السعودية ميزة خاصة لأميركا بتسعير البترول -دائما- بالدولار، وفي المقابل يتعهَّد البيت الأبيض بحماية مُلك آل سعود في المملكة ما أمكنته الوسائل من ذلك، ويقول "بيركنز" في حواره مع قناة "روسيا اليوم": "وقد كان التدخُّل الأميركي في حرب الكويت تجليا لهذا الاتفاق بعدما هدَّد "صدام حسين" عروش العائلات المالكة بالخليج" (10) (11).


    2 مايو/أيار 1945، برلين تستسلم للحلفاء بعد يومين من انتحار "هتلر"، وتنتهي الحرب باندحار قوى المحور وسيطرة المعسكر المتناقض (الأميركي – السوفيتي) على مقاليد الأمور. لكن لأنك لا تجمع النقيضين في السِّلم كما قد تجمعهما الحرب، برز الخلاف الشاسع بين القوتين المركزيتين في العالم على طريقة إدارة المشهد العالمي. ولأن العالم لن يحتمل حربا جنونية ثالثة، ظهرت الحرب الباردة بين الفريقين من أواخر الأربعينيات وحتى سقوط الاتحاد السوفيتي في أوائل التسعينيات من القرن الماضي. وخلال الفترة المذكورة اشتركت القوتان في عمليات بناء عسكرية وصراعات سياسية من أجل المساندة، وما لبثت الحرب الباردة أن انتشرت خارج أوروبا إلى كل مكان في العالم.
    انخرطت الولايات المتحدة في سياسات المحاصرة والاستئصال للشيوعية وحشد الحلفاء خاصة في أوروبا الغربية والشرق الأوسط، بينما دعم الاتحاد السوفيتي الحركات الشيوعية حول العالم خاصة في أوروبا الشرقية وأميركا اللاتينية ودول جنوب شرق آسيا، وهو ما أجَّج من حِدَّة الصراع الاقتصادي والحاجة إلى الاغتيالات الاقتصادية للدول وإخضاعها للمعسكر الأميركي خوفا من انحيازها للمعسكر الشيوعي.
    تلك الحرب يصفها "بيركنز" بحرب الأيديولوجية -مُتمثِّلة في شيوعية السوفييت- ضد رأس المال الأميركي، وقد مالت كفتها في النهاية لصالح رأس المال، إذ بلغت مديونية العالم الثالث -حتى بدايات الألفية الجديدة- 2.5 تريليون دولار، بواقع 375 مليار دولار سنويا، وهو رقم يفوق ما تنفقه كل هذه الدول مجتمعة على الصحة والتعليم بنحو ضعفين تقريبا (12). من هنا كانت مهمة الذهاب إلى إندونيسيا ودول الشرق الآسيوي وقتلها اقتصاديا، نظرا لسهولة استقطابها من الجانب السوفيتي، وهو الأمر نفسه أثار حفيظة الحكومة الأميركية ضد "مصدق" في إيران، ودفعها للتكفُّل بالبنية التحتية للإسكندرية في عهد "السادات" عقب خروجه من الكنف السوفيتي، واستغلال مصر في دور الوسيط بين أميركا والعالم العربي بأكمله [13].
    في السياق نفسه، يُصرِّح "بيركنز" في حوار "روسيا اليوم" أن أميركا الديمقراطية لم تكن -في حقيقة الأمر- تدعم إلا الأنظمة الشمولية لأنها ستُيسِّر عليها عملية السيطرة، في حين أنها حاربت الديمقراطيات الحرة في العالم الثالث بكل قوتها، كما هو الحال في غواتيمالا وبنما وفنزويلا على سبيل المثال. كما أن البلاد الغنية بمواردها الطبيعية، الهزيلة في قوتها العسكرية والاقتصادية، كانت تُعاني الأمرَّين من النفوذ الأميركي، كما هو الحال في الإكوادور التي دفعوها نحو الإفلاس في خلال عقود ثلاثة ارتفع فيها حد الفقر من 50% إلى 70%، ونسبة البطالة من 15% إلى 70%، مع تزايد الدَّيْن العام من 240 مليون دولار إلى 16 مليار دولار [14]، في نموذج مثالي للتركيع الاقتصادي والربح المالي بغض النظر عن مزاعم الديمقراطية.

    ما السبب في كل هذا؟ والجواب: غابات البترول، فهكذا يمكن للإكوادور تسديد ديونها، التي ورَّطها فيها القتلة الاقتصاديون بمشاريعهم، عن طريق بيع تلك الغابات لشركات البترول الأميركية، وهو بيت القصيد، فمن بين كل 100 دولار تدخل خزينة الدولة، ذهبت 75 منها لسداد الديون الخارجية -لصالح الشركات الأميركية التي نفَّذت مشروعات التنمية- والمصاريف الحكومية والدفاع، ليتبقى الربع فقط للصحة والتعليم والبرامج الأخرى التي تستهدف دعم الفقراء (15).

    يُعبِّر "بيركنز" عن شبكة المصالح التي تُهيمن على تلك العملية باسم "الكوربوقراطية"، وهو مثلث يتكوَّن من الشركات متعددة الجنسيات، والساسة الأميركيين، والمؤسسات المالية الدولية، كصندوق النقد الدولي الذي يمنح القروض. فأصحاب الشركات الكبرى يتصرَّفون بوصفهم الأباطرة الحقيقيين لهذه الإمبراطورية، يسيطرون على الإعلام الأميركي، ويسيطرون على السياسيين لأنهم يُموِّلون حملاتهم الانتخابية. هذا هو الضلع الأقوى من المثلث؛ لأن علاقتهم بالسلطة متداخلة جدا، فهم دائمو التنقُّل بين المناصب في الشركات والحكومات (16).
    في تلك المنظومة يلعب القتلة الاقتصاديون دور اليد الخفية لتحقيق مطامع السادة الكبار، "فالخبير يقوم بإعداد الدراسات التي بناء عليها توافق المنظمات المالية على تقديم قروض للدول النامية المستهدفة بغرض تطوير البنية الأساسية وبناء محطات توليد الكهرباء والطرق والموانئ.. بشرط قيام المكاتب الهندسية وشركات المقاولات الأميركية بتنفيذ هذه المشروعات" (17). بهذه الطريقة تعطيك الولايات المتحدة بيمينها قرضا، ثم تأخذه بيسراها ديونا وأرباحا، وبين هذا وذاك تستحوذ عليك تابعا لها كما تريد، ويُقاس مدى نجاح الخبير الاقتصادي -حسب "بيركنز"- بحجم القرض الذي يُورِّط فيه الدولة المنشودة، ويتناسب طرديا مع الفترة الزمنية التي ستُخضعها خلالها الولايات المتحدة. تلك هي الطريقة التي أفلحت في كثير من الدول، لكنها خابت أمام دول قد تبدو أصغر حجما وأثرا، لكنها كانت أكثر استقلالية وصلابة، وهو ما يعني الانتقال للمربع التالي من المتتالية: ارحل من على الكرسي.
    جاكو أربنز (يمين) وكارلوس أرماس (مواقع التواصل)في هذا الصدد، يذكر "جون" أمثلة ثلاثة يتبعهم مثال رابع أكثر تطرُّفا، فيبدأ بغواتيمالا التي نجحت في خمسينيات القرن الماضي في انتخاب رئيسها "أربنز" بحرية لأول مرة، ليعلن بعدها الرئيس عن برنامج للإصلاح الزراعي من شأنه تهديد النفوذ الأميركي لشركة "يونايتد فروت" العريقة، المسيطرة على أميركا الوسطى، وهو ما تسبَّب في شن حملة إعلامية داخل أميركا تصف "أربنز" بأنه متآمر سوفيتي على أبناء العم سام، ليتطوَّر الأمر سريعا بتنظيم "CIA" لانقلاب سريع على الرجل، واستبداله بديكتاتور يميني مُتطرِّف هو الكولونيل "كارلوس أرماس" الذي أوقف الإصلاح الزراعي وألغى الضرائب على الاستثمار الأجنبي ونظام الاقتراع السري في الانتخابات من الأساس.
    في بنما لم يختلف الحال كثيرا، فبعد نصف قرن من الحكم المُورَّث لعائلات تربطها بواشنطن صِلات قوية، أتى "عمر توريخوس" عبر الصندوق إلى سدة الحكم، لينازع الأميركان سلطتهم على قناة "بنما" الملاحية وينتهي به الأمر كما انتهى بنظيره "رولدوس"، الرئيس الإكوادوري الذي فرض سيادة بلاده على موارد النفط بها، قتيلا بحادث طائرة، يرى "بيركنز" أنه كان مُتعمَّدا. في النهاية، واجه الرجلان المصير نفسه بالاختفاء من الوجود وإحلال حكام آخرين على نهج الكولونيل "أرماس" في غواتيمالا.
    أما فنزويلا، التي كانت رابع مصدر للبترول في العالم وثالث مورد للولايات المتحدة، فإنها سلكت الدرب الإكوادوري على يد "تشافيز" في ديسمبر/كانون الأول 2002، ليواجه محاولة انقلاب أميركية على طريقة "مصدق"، غير أن وقوف الجيش بجانبه أعاده إلى القصر بعد 72 ساعة من الإطاحة به، ليتمكَّن من الهرب ببلده من القبضة الأميركية، بالتزامن مع الهجوم الأميركي على بغداد بحجة أسلحة الدمار الشامل في 2003، الذي شغل إدارة "بوش" عن "تشافيز"، لإزالة العدو الأهم بالنسبة إليه، الذي لم تُفلح معه أيٌّ من الخطط الثلاثة السابقة، لتُقرِّر واشنطن إنزال عقابها الأقسى فوق رأس العراق، لتكتمل بذلك فصول الهيمنة الأميركية، ويتضح للعالم المدى الذي يبدو أن الولايات المتحدة مستعدة للذهاب إليه حال فشل القتل الاقتصادي في القيام بمهمته.

  2. #2
    الصورة الرمزية زكار_مار
    زكار_مار غير متواجد حالياً عضو المتداول العربي
    تاريخ التسجيل
    Oct 2023
    الإقامة
    المغرب
    المشاركات
    12

    افتراضي

    بوركت على الموضوع واصل تميزك معنا

  3. #3
    الصورة الرمزية كشف_حساب
    كشف_حساب غير متواجد حالياً عضو المتداول العربي
    تاريخ التسجيل
    Jun 2023
    الإقامة
    ليبيا
    المشاركات
    519

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زكار_مار مشاهدة المشاركة
    بوركت على الموضوع واصل تميزك معنا


1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17