في الخلوة فرصة سانحة لالتقاط الأنفاس اللاهثة ، و فيها مناسبة مواتية لمراجعة النفس ،و هي تشكل لب الوقت المهيأ للذهن ليعمل عمله ، الوحدة فيها شرط أساسي لا بد من تحققه و إلا فرغت من معناها ، فهي السبيل لنيل مضامينها من أعلاها الى أدناها ، و كلما طال أمدها أتتك بما تحب ، و وهبتك ما تطمح اليه حثيثا ، بالليل يفضلها الشعراء و الأخلاء و الزهاد العباد و سواهم من الخلق كثير ، متى ما أصبح المرء مشحونا ممتلأ دل ذلك على حاجته الماسة اليها ، من دونها تصبح الحياة بلا معنى ، و الراحة بعد العناء ثمرها الأدنى ، حبذا لو صاحبها ورقة و قلم ، فتعبر بطريقتك الخاصة عن السعادة أو الألم ، و إذا الأجواء الخلابة ظرفها المكاني الأنسب فما أهنأ صاحبها و أسعده ، تمنيت لو أني مكانه لعمري أحسده ، جوهرها انسراح الأرواح و عقولها في محمية الطبيعة الجميلة ، و استغراقاتها بمشاهدات رمزية ، و معاينات باطنية ، و مراجعات تحليلية ، و كشوفات طيفية ، و استشرافات نهائية ، و غير ذلك كثير مما تستقطبه عند الانفرادية ، في الخلوة … إعادة برمجة ذاتية بكمون نزعة صرف الارادة ، و محاولة استكشاف مواطن الخلل بغية اصلاحها ، خصوصا التي تتعلق بما لا نشتهي أن يطلع عليه الغير ، فحبل الأفكار متواصل ، يجود بوابل المدد الكوني اللامتناهي ، في الخلوة … تقييم التصرفات المسؤولة و غير المسؤولة ، و إحصاء كل ما ساء من السلوكيات المشينة المعيبة ، لضمان عدام تكرارها مستقبلا ، في الخلوة … جرد شبه يومي لما حاك في صدرك و خشيت أن يطلع عليه أحد من الناس ، الخلوة و الفطرة فطما من ثدي واحد ، و شبا سويا عن طوق الائتلاف و السكينة ، في الخلوة … تتعرف على نفسك عن قرب ، فتحاسبها حسابا عسيرا ، فللتقريع سهم مضروب ، و اللوم سهمه غير منقوص ، و أما سهم النقد اللاذع فطعمه أوضح من بيانه ، في الخلوة … يتجسد الصفاء بأعذب معانيه ، فترق الجمادات و المعاني المصاحبة لها ، و يلطف كل خشن ، و يبدأ في التحوير كل بغيض ، و يصبح جوهر كل مذموم غاية في الاستلطاف ، و كأن شيئا ما قد افتقدته فوجدته في الخلوة ! ... يتبع