ذكر موقع «ناشيونال جيوجرافك»، أن بحثًا جديدًا «غير النظرة التقليدية التي تفيد بأن نهاية عصر بناة الأهرام العظيم في مصر شهد سقوطا مأساويًا أغرق وادي النيل في عهد طويل من الفوضى».
وأضاف الموقع، في تقرير مطول نشره الخميس، أن الحكمة التقليدية تفيد بأن مملكة مصر القديمة انهارت نحو 2150 قبل الميلاد، فور وفاة الفرعون بي بي الثاني، الذي يوجد هرمه الآن على هيئة كومة من الحجارة، مستدركًا بأن خبراء يتشككون في هذا الرأي.
وذكر الموقع أن الفراعنة الأوائل- على مدار نحو ألف عام- ترأسوا دولة مزدهرة وثرية وشيدوا عددا لا يحصى من المعابد والقصور وأشغالا عامة ضخمة، وأهرامات الجيزة الشهيرة، مضيفة أن كثيرا من هذا الرخاء اعتمد على الفيضانات المنتظمة في وادي النيل «والتي لولاها لكانت مصر مجرد صحراء».
وتابع «ناشيونال جيوجرافيك » بالقول إن النصوص القديمة التي تعود لنحو 2200 قبل الميلاد تشير إلى أن ما يعرف بالمملكة القديمة خضعت لعهد مأساوي من الغزوات الأجنبية والطاعون والحرب الأهلية والمجاعات التي كانت قاسية جدا لدرجة أنها أدت إلى أكل لحم البشر، مستطردة بالقول إن المعلومات المناخية في العقد الماضي كشفت عن «قحط شديد طويل المدى أصاب المنطقة خلال الفترة نفسها، مما يعطي دليلا على وجود العامل البيئي الذي أدى إلى ما كان يعتبر لزمن طويل بمثابة عصر الظلام في التاريخ المصري».
واستدرك الموقع «غير أن عددا من علماء المصريات يرى أن القصة البسيطة الخاصة بالقحط، والتي أدت إلى انهيار مجتمعي مفاجئ لا تصمد أمام الفحص والتدقيق».
وقال أستاذ المصريات بجامعة كولومبيا البريطانية، البروفيسور توماس شنايدر، إن الغالبية يرون اليوم أن المملكة القديمة لم تنتهي فجأة، كما أشار التقرير إلى أن «شنايدر» وغيره يؤكدون أن ضغط المناخ أثر على أجزاء مختلفة من مصر بطرق مختلفة، حيث دعا «شنايدر» إلى ضرورة غض الطرف عن «فكرة الانهيار».
وأضاف «ناشيونال جيوجرافيك» أن كثيرا من الآراء حول الفترة ما بين انتهاء المملكة القديمة وبداية المملكة الوسطى تستند إلى بردية الحكيم «إيبور»، والتي تحكي قصة مجتمع غارق في الفوضى، وأن إحدى فقرات البردية أشارت إلى أن كل شئ هلك تقريبا وأنه تم تجريد الرجال من ملابسهم وطعامهم- التوابل والزيت- والكل يقول لا يوجد شئ والمخزن خاو بينما يتمدد حارسه على الأرض.
ويأسف الحكيم «إيبور»- وفقًا لتقرير الموقع- من سيطرة العامة وتأكيد سلطتهم بشكل ينم عن الطيش بينما تسيطر الفوضى، وذلك بدلا من أن يأتي فرعون قوي حكيم، إلا أن العالم «شنايدر» أشار إلى أن أقدم نسخة معروفة من هذا النص تعود إلى 800 سنة بعد الأحداث التي تصفها، ومع ذلك فإن هنا نصا آخر يذكر الغزوات الأجنبية ولكنه كتب بعد ذلك بستة قرون.
وذكر «ناشيونال جيوجرافك» أن كثيرا من العلماء يعتقدون أن هذه النصوص كانت تكرس لدعم سلطة فراعين المملكة الوسطى وذلك من خلال تخويف الرعايا بقصص ذات عواقب وخيمة تنتج جراء انعدام السيطرة المركزية.
ونقل الموقع عن عالم المصريات بجامعة كامبريدج باري كيمب، قوله إن المصريين أنفسهم «كانوا مولعين بمفهوم الانهيار، وإن النصوص لا يبدو أنها تسجل أحداثا حقيقية»، وتساءل «هل كان هؤلاء المصريين هزيلين خلال فترة من المجاعة المميتة؟»، وأجابت «ربما، ولكن كان البدو يموتون جوعا لأنهم يعيشون خارج رعاية واهتمام الفرعون».
وأكد الموقع أنه ليس هناك شك أن السنوات الأخيرة من المملكة القديمة كانت تتميز بالتراجع الاقتصادي وانهيار جهاز الحكومة المركزي، وأن التغيرات التي طرأت في تدفق النيل من المرجح أن تكون عاملا مهما، لافتًا إلى أنه تم وقف تشييد المباني العملاقة مثل الأهرامات الضخمة والمعابد على مدار قرنين.
ونبه الموقع إلى أن دهانات المقابر والنقوش تنوه إلى أن البيئة «صارت أكثر جفافا» مع نهاية المملكة الوسطى، حيث اختفت بعض النباتات وزحفت الكثبان الرملية على مستوطنات النهر، قائلاً إن البيانات التي تم الحصول عليها قاع النيل تؤكد أن المناخ أخذ يجف حوالي عام 2200 قبل الميلاد.
ويرى العالم «شنايدر» أن تأثير القحط كان تدريجيا بما يكفي لأن يتكيف المجتمع تكيف دون «تمزقات كبرى»، في حين أن السلطة آلت ببطء من الفرعون وعاصمته في ممفيس للقيادات الإقليمية، مضيفًا أن المسؤولين المحليين استجابوا لأزمات الفلاحة على نحو أسرع وأكثر فعالية من أي حاكم «إقليمي».
وقالت عالمة المصريات بجامعة شيكاغو نادين مولير، إنه ليس هناك إشارة على حرب أهلية خلال هذه الفترة في السجلات الأثرية.