«الإعدام، السجن مدى الحياة، أو لسنوات معدودة، البراءة» أحكام يصدرها قضاة على متهمين فى قضايا مختلفة. تتنوع الأحكام، وربما يحصل المتهم على البراءة حين يستأنف الحكم أو ينقضه، فما الذى يجعل قاضيا ما يعطى حُكمًا بالإدانة، فيما يحكم آخر بالبراءة على الشخص نفسه، وفى القضية نفسها؟


الإجابة تقدمها دراسة علمية نشرتها جامعة هارفارد، وتلقت «المصرى اليوم» نسخة منها، واستغرقت 7 سنوات كاملة لتنفيذها، جاء فيها أن الأحكام تتغير طبقًا لطريقة غريبة يسلكها الدماغ فى التفكير، وتعتمد على نشاط الفص الجبهى الذى يُمكن إحداث تغيير عليه. الدراسة الجديدة توصل إليها أستاذ علم النفس المساعد بجامعة هارفارد «جوشوا بوكهولتز»، بالتعاون مع أستاذ علم النفس بجامعة فاندربيلت، «رينيه ماريوس»، وتوضح أن المنطقة التى تتخذ قرارات العقاب فى الدماغ تُسمى «قشرة الفص الجبهى».
يذكر مؤلفا الدراسة أنهما تمكنا من إحداث تغيير على تسلسل عملية صنع القرار داخل الدماغ، بهدف تخفيض العقوبة، دون أى تغيير فى الذنب المُقترَف.
تقول الدراسة: «خلال السنوات الماضية، نُشر عدد كبير من الدراسات العلمية الهادفة، لمعرفة نشاط الفص الجبهى وارتباطه بسلوك إقرار العقاب، إلا أن تلك الدراسات لم تتمكن من معرفة طريقة اتخاذ القرارات التى تفرض العقوبات، غير أن الدراسة الجديدة رسمت خريطة لدماغ أحد المتطوعين، بواسطة تقنية المجالات المغناطيسية، لاستكشاف طُرق معالجة الدماغ للمعلومات الواردة والتى ستُبنى عليها أحكام فى المستقبل».
وأوضحت: «طُلب من المتطوعين قراءة سلسلة من السيناريوهات تتحدث عن مجموعة من مرتكبى جرائم تنوعت بين السرقة والاغتصاب والقتل، ورغم أن الجرائم التى ارتكبها الجناة فى السيناريوهات واحدة، فإن الباحثين تعمدوا وجود اختلافات فى الدوافع، ومدى مسؤولية الجانى عن جريمته، ودرجة الضرر التى تسبب فيها الجرم، وطلبوا من المتطوعين، واحدًا تلو الآخر، تقييم المتهمين، والحكم عليهم، فى الوقت الذى كانت تُراقَب فيه أدمغتهم باستخدام المجالات المغناطيسية، لملاحظة التغييرات المُخية».
وجاءت النتيجة بأن حَكَم المتطوعون بمجموعة من الأحكام على المتهمين، ثم طُلب منهم قراءة السيناريوهات مرة أخرى، وفى تلك المرة، قام الباحثون بتعطيل نشاط منطقة فى الفص الجبهى، وطلبوا منهم إعطاء أحكام على المتهمين أنفسهم، ليلاحظ العلماء أن المتطوعين حكموا بعقوبات أقل على المتهمين، وهو ما يشير إلى أن نشاط تلك المنطقة يؤثر بالضرورة على اتخاذ القرار بالعقاب، بغض النظر عن نوع الجريمة ودوافعها الأخلاقية والمجتمعية.
وتأتى قيمة الدراسة فى الكشف عن الآليات الأساسية، التى يستخدمها الدماغ لعقاب المتهمين، وهو الأمر الذى سيفيد فى تطور العدالة وأنظمة التقاضى فى المجتمعات الحديثة.