الله يغار على قلب عبده

الله سبحانه وتعالى يغار على قلب عبده أن يكون معطلاً من حبه وخوفه ورجائه فالله سبحانه وتعالى خلقه لنفسه وأختاره من بين خلقه كمافي الاثر الالهي : ابن آدم خلقتُك لنفسى وخلقتُ كل شيئ لك ، فبحقي عليك لا تشتغل بما خلقتُه لك عما خلقتك له , وفي أثر آخر : خلقتُك لنفسي فلا تلعب وتكفلتُ لك برزقك فلا تتعب , يابن آدم اطلبني تجدني فإن وجدتني وجدت كل شيئ وإن فُتُك فاتك كل شيئ وأنا خير لك من كل شيئ

ويغار على لسانه أن يتعطل من ذكره ويشتغل بذكر غيره , ويغار على جوارحه أن تتعطل من طاعته وتشتغل بمعصيته , فيقبُح بالعبد أن يغار مولاه الحق على قلبه ولسانه وجوارحه ، وهولايغار عليه .
ولو أراد الله بعبده خيراً سلط على قلبه إذا اعرض عنه , واشتغل بحب غيره أنواع العذاب حتى يرجع قلبه إليه , وإذا اشتغلت جوارحه بغير طاعته ابتلاها بأنواع البلاء


ثبتت صفة " الغيْرة " لله تعالى في صحيح السنّة ، ومما جاء في ذلك :

عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ ( إِنَّ اللَّهَ يَغَارُ وَغَيْرَةُ اللَّهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ ) رواه البخاري ( 4925 ) ومسلم ( 2761 ) .
عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاللَّهِ مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلبَكَيْتُمْ كَثِيراً ) .
رواه البخاري ( 1044 ) ومسلم ( 901 ) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
" وغيْرة الله أن يأتي العبد ما حرم عليه ، وغيْرته أن يزني عبدُه أو تزني أمَتُه ... .
الغيْرة التي وصف الله بها نفسه : إمَّا خاصة وهو أن يأتي المؤمن ما حرَّم عليه ، وإما عامة وهي غيرته من الفواحش ما ظهر منها وما بطن" . انتهى من " الاستقامة " ( 2 / 9 – 11 ).



وقال ابن القيم – رحمه الله - : " الغيرة تتضمن البغض والكراهة ، فأخبر أنه لا أحدَ أغير منه ، وأن من غيْرته حرَّم الفواحش ، ولا أحد أحب إليه المِدْحة منه ، والغيْرة عند المعطلة النفاة من الكيفيات النفسية ، كالحياء والفرح والغضب والسخط والمقت والكراهية ؛ فيستحيل وصفه عندهم بذلك ، ومعلوم أن هذه الصفات من صفات الكمال المحمودة عقلاً وشرعاً وعرفاً وفطرةً ، وأضدادها مذمومة عقلاً وشرعاً وعرفاً وفطرةً ؛ فإن الذي لا يغار بل تستوي عنده الفاحشة وتركها : مذموم غاية الذم مستحق للذم القبيح " انتهى من " الصواعق المرسلة " ( 4 / 1497 ) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - :
" المحال عليه سبحانه وتعالى وصفه بالغيرة المشابهة لغيرة المخلوق ، وأما الغيرة اللائقة بجلاله سبحانه وتعالى فلا يستحيل وصفه بها ، كما دل عليه هذا الحديث وما جاء في معناه ، فهو سبحانه يوصف بالغيْرة عند أهل السنَّة على وجه لا يماثل فيه المخلوقين ، ولا يعلم كيفيتها إلا هو سبحانه ، كالقول في الاستواء والنزول والرضا والغضب وغير ذلك من صفاته سبحانه ، والله أعلم " . انتهى من تعليق الشيخ ابن باز على " فتح الباري " لابن حجر ( 2 / 531 ) .