قال الله تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له " (رواه مسلم).

وعن الحاطبي قال: سمعت ابن عمر يقول لرجل: "أدب ابنك فإنك مسؤول عن ولدك ماذا أدبته؟

وماذا علمته؟ وإنه لمسؤول عن برك وطواعيته لك " رواه البيهقي.


اولا : التربية في المفهوم الإسلامي

ما معنى التربية في المفهوم الإسلامي، وما علاقتها بتربية الأولاد؟

التربية في أحسن معانيها كما يقول البيضاوي في تفسيره مأخوذة من الرب وهي تبليغ الشيء إلى كماله شيئا فشيئا وقد وصف الله تعالى نفسه بالرب للمبالغة.

ويقول الراغب الأصفهاني في كتابه المفردات:

الرب في الأصل: التربية وهو إنشاء الشيء حالا فحالا إلى حد التمام. ومن معاني التربية تنمية قوى الإنسان الدينية والفكرية والخلقية تنمية متسقة متوازنة".

وعلى هذا الأساس تكون التربية في مجال تنشئة الأولاد عملية بناء ورعاية وإصلاح شيئا فشيئا حتى التمام أي المضي مع النشء بالتدرج من الولادة حتى سن البلوغ، والتربية بهذا المعنى فريضة إسلامية في أعناق جميع الآباء والأمهات والمعلمين لغرس الإيمان وتحقيق شريعة الله وهي مسؤولية وأمانة لا يجوز التخلي عنها قال الله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً}.

دور الآباء والأمهات في تربية الأبناء:
يحمل الإسلام الوالدين مسؤولية تربية الأبناء بالدرجة الأولى ويخصهما قبل غيرهما بهذا الواجب قال الله تعالى حاضا الوالدين على تربية الأبناء{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}.

قال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قوله تعالى: { قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} قال: "علموا أنفسكم وأهليكم الخير" رواه الحاكم في مستدركه.

قال المفسرون في الآية: قوا أنفسكم أي بالانتهاء عما نهاكم الله عنه وقال مقاتل: أن يؤدب المسلم نفسه وأهله فيأمرهم بالخير وينهاهم عن الشر.

وقد أكد الإمام ابن القيم هذه المسؤولية فقال رحمه الله: قال بعض أهل العلم: إن الله سبحانه وتعالى يسأل الوالد عن ولده يوم القيامة قبل أن يسأل الولد عن والده فإنه كما أن للأب على ابنه حقا فللابن على أبيه حق فكما قال الله تعالى: {)وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً } قال تعالى: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} قال علي بن أبي طالب: "علموهم وأدبوهم " وقال تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى} قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اعدلوا بين أولادكم " (رواه البخاري).




مسؤولية الآباء نحو تربية أبنائهم

قال الإمام ابن القيم وصية الله للآباء بأولادهم سابقة على وصية الأولاد بآبائهم قال الله تعالى:{وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً}.

ثم يقول: "فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدى فقد أساء غاية الإساءة وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه فأضاعوهم صغاراً فلم ينتفعوا بأنفسهم ولم ينفعوا آباءهم كبارا كما عاتب بعضهم ولده على العقوق فقال: يا أبت إنك عققتني صغيرا فعققتك كبيرا وأضعتني وليدا فأضعتك شيخا".

والسؤال الذي يفرض نفسه: من المسؤول عن انحراف الأبناء؟ يحمل الإسلام الأبوين ومن يقوم مقامهما مسؤولية انحراف الأبناء ومن الأدلة القوية على ذلك ما أخرجه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مولود يولد إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه. كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء؟ " ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه:{فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ }.

ومن تمام مسؤولية الأبوين عن تربية أبنائهما محاسبتهما على التقصير في حقهما فقد روى النسائي وابن حبان في صحيحه مرفوعا قول الرسول صلى الله عليه وسلم:" إن الله سائل كل راع عما استرعاه أحفظ أم ضيع؟ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته" وفي الحديث المتفق عليه "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته. الإمام راع ومسؤول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته وكلكم راع ومسؤول عن رعيته".

هذه مسؤولية الآباء والأمهات نحو أبنائهم والتي لا يمكن أن تعوض بغيرهم وقد أثبتت الدراسات الميدانية أن غالب انحراف الناشئين يرجع إلى انحراف المربي والقيم على التربية وصدق القائل:

وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه
وما دان الفتى بحجى ولكن يعوده التدين أقربوه

فالحذر الحذر من ترك الأبناء لتربية الخادمات والحذر كل الحذر من ترك المحاضن الأجنبية والمدارس التبشيرية تحتضن أبناءنا وتربيهم وفق مناهجها فإن علماء التربية يؤكدون أن أكثر من 90% من تربية الطفل إنما تتشكل من خلال التربية والبيئة التي يعيش فيها الطفل.

صفات المربي

ما هي الصفات التي يجب أن يتحلى بها المربون من أمهات وآباء ومعلمين؟

هناك صفات أساسية تلزم كل مرب يباشر التربية والتعليم لأبنائه أو لغيرهم. من ذلك:

1- الحلم والأناة: وهما من الصفات التي يحبهما الله ولهما تأثير تربوي كبير، أخرج مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأشج عبد قيس: "إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة ".

2- الرفق واللين:أخرج مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطى على العنف وما لا يعطى على سواه ".

3- الرحمة: صفة من صفات المربي الناجح وهي من الوالدين لأبنائهما أخص ورحمة الأولاد من أهم أسس نشأتهم ومقومات نموهم النفسي والاجتماعي نموا قويا سويا فإذا فقد الأولاد المحبة نشئوا منحرفين في المجتمع لا يتعاونون مع أفراده ولا يندمجون في وسطه. روى الإمام البخاري في صحيحه عن قتادة قال: "خرج علينا النبي صلى الله عليه وسلم وأمامة بنت أبي العاص على عاتقه فصلى فإذا ركع وضعها وإذا رفع رفعها" وفي صحيح البخاري أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالساً فقال الأقرع: "إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحداً" فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال:" من لا يرحم لا يُرحم ".

4- ومن صفات المربي الناجح أما كان أو أبا أو من يقوم مقامهما البعد عن الغضب لما له من آثار سلبية في العملية التربوية فقد جاء في الحديث المتفق عليه أن رجلا طلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يوصيه فقال له: "لا تغضب " ثلاث مرات يكررها عليه.

5- ومن ذلك المرونة ولين الجانب والأخذ بالتيسير الذي أباحه الشرع ففي الحديث الذي رواه الترمذي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى اله عليه وسلم: "ألا أخبركم بمن يحرم على النار أو بمن تحرم عليه النار؟ تحرم على كل قريب هين لين سهل ".

6- الأخذ بأيسر الأمرين ما لم يكن إثما لما ورد في الحديث المتفق عليه "ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما فإن كان إثما كان أبعد الناس منه وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه من شيء قط إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله تعالى". وأيسر الأمرين يكون في الأمور المباحة والمشروعة، فيتخير المربي في تعامله مع أبنائه وطلابه أحسن الأساليب وأفضل الأوقات وأحسن الألفاظ والعبارات وأرق التوجيهات ليصل إلى عقولهم بأقل جهد وأقصر طريق.

من صفات المربي الناجح

1- ومن صفات المربي الناجح الاعتدال والتوسط في التوجيه والتربية والتعامل لأن الغلو والتطرف والتشدد لا مكان له في دين الإسلام ففي الحديث المتفق عليه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني لأتأخر عن صلاة الصبح من أجل فلان مما يطيل بنا فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم غضب في موعظة قط أشد من غضب يومئذ فقال: يا أيها الناس إن منكم منفرين فأيكم أم الناس فليوجز فإن من ورائه الكبير والصغير وذا الحاجة).

2- ومن صفات المربي: القصد في الموعظة وتقليل الكلام وعدم الإطالة وأدرك الصحابة رضي الله عنهم هذه الصفة من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة المسلمين ففي الحديث المتفق عليه عن أبي وائل شقيق بن سلمة قال: كان ابن مسعود رضي الله عنه يذكرنا في كل خميس مرة فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن لوددت أنك ذكرتنا كل يوم فقال: أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أملكم وإني أتخولكم بالموعظة كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخولنا بها مخافة السآمة علينا".

3- ومن صفات المربي الناجح القدوة الحسنة وعدم مخالفة الفعل للقول قال الله تعالى في حق الرسول صلى الله عليه وسلم:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ}.

هذه أهم الصفات الأساسية التي ينبغي أن يتحلى بها المربي المسلم وما حازها أحد من المربين إلا كان قدوة حسنة يبني الرجال ويصنع الأبطال.

وها هي أمثلة حية من اهتمام السلف الصالح بأبنائهم: لقد كان المثل الأعلى للسلف الصالح رضي الله عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فعن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنهما أنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب فجاء الحسن والحسين رضي الله عنهما، وعليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران فنزل صلى الله عليه وسلم فحملهما ووضعهما بين يديه ثم قال صدق الله عز وجل: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان يعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما" رواه الترمذي.

وفي حديث مسلم "عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالصبيان فيبرك عليهم- أي يدعو لهم بالبركة ويحنكهم ومنهم من بال في حجره فإذا استحيا آباؤهم من ذلك وهموا أن يأخذوا الطفل من حجره قال لهم: لا تزرموا الصبي بوله " أي لا تقطعوا عليه بوله.

وحث الرسول صلى الله عليه وسلم على تربية البنات خاصة فقال:"ما من مسلم يكون له ابنتان فيحسن إليهما ما صحبتاه- أو صحبهما- إلا أدخلتاه الجنة" رواه ابن ماجه وغيره. وقد أدرك صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الاهتمام بالأبناء فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا نهى الناس عن أمر دعا أهله فقال: إني نهيت الناس عن كذا وكذا وإنما ينظر الناس إليكم نظر الطير إلى اللحم فإن وقعتم وقع الناس وإن هبتم هاب الناس وإنه والله لا ينفع أحد منكم في شيء نهيت الناس عنه إلا أضعف له العقوبة لمكانه مني ".

قال سعيد بن المسيب: إني لأصلي فأذكر ولدي فأزيد في صلاتي. [يقصد بذلك أنه يكثر من الدعاء لولده في الصلاة].

وقال أحد الصالحين: "يا بني إني لأستكثر من الصلاة لأجلك " وكان سهل التستري يتعهد ولده وهو في صلبه فيباشر إلى العمل الصالح رجاء أن يكرمه الله تعالى بالولد الصالح فيقول إني لأعهد الميثاق الذي أخذه الله تعالى علي في عالم الذر وإني لأرعى أولادي من هذا الوقت إلى أن أخرجهم الله تعالى إلى عالم الشهود والظهور".

هكذا كان السلف الصالح رضي الله عنهم يتعهدون أبناءهم رجاء أن يكونوا طائعين لله وخير خلف لهم.


رأي العلماء في تربية الأولاد

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "سماهم الله تعالى- أبرارا" إشارة إلى قوله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ}- لأنهم بروا الآباء والأبناء كما أن لوالديك عليك حقا كذلك لولدك عليك حقا".

ويقول الإمام الغزالي رحمه الله: "إن الصبي أمانة عند والديه وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية من كل نقش وصورة وهو قابل لكل ما ينقش فيه ومائل إلى كل ما يمال به إليه فإن عود الخير وعلمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة وشاركه في ثوابه أبواه وكل معلم له ومؤدب وإن عود الشر وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك وكان الوزر في رقبة مربيه والقيم عليه ".

ويقول الأستاذ محمد نور سويد صاحب كتاب منهج التربية النبوية للطفل "حرص الإسلام على الأسرة وشدد عنايته بها لتكون المحضن الهادئ المستقر للطفل ولتكون موطن التأثير الأكبر في مجال التربية".

ويقول الأستاذ محمد قطب في كتابه منهج التربية الإسلامية: "وإذا كان البيت والشارع والمدرسة والمجتمع هي ركائز التربية الأساسية فإن البيت هو المؤثر الأول وهو أقوى هذه الركائز جميعا لأنه يتسلم الطفل من أول مرحلة ولأن الزمن الذي يقضيه الطفل في البيت أكبر من أي زمن آخر ولأن الوالدين أكثر الناس تأثيرا في الطفل ".

ويقول الأستاذ عبد الرحمن النحلاوي صاحب كتاب أصول التربية الإسلامية: "لا تحقيق لشريعة الله إلا بتربية النفس والجيل والمجتمع على الإيمان بالله ومراقبته والخضوع له وحده ومن هنا كانت التربية الإسلامية فريضة في أعناق جميع الآباء والمعلمين وأمانة يحملها الجيل للجيل الذي بعده ويؤديها المربون للناشئين وكان الويل لمن يخون هذه الأمانة أو ينحرف بها عن هدفها أو يسيء تفسيرها أو يغير محتواها".

ويقول الشيخ محمد بن جميل زينو في كتابه نداء إلى المربين والمربيات "إن مهمة المربي عظيمة جداً وعمله من أشرف الأعمال إذا أتقنه وأخلص لله تعالى فيه وربى الطلاب التربية الإسلامية الصحيحة والمربي والمربية يشمل المدرس والمدرسة والمعلم والمعلمة ويشمل الأب والأم وكل من يرعى الأولاد.

وهكذا يجمع العلماء على ضرورة تربية الأولاد تربية صحيحة قوامها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأن من يقوم بهذه المهمة إنما يقوم بعمل عظيم هو امتداد لمهمة الأنبياء والمرسلين الذين أرسلهم الله تعالى لهداية البشر وتعليمهم. والطفل كما يقولون صحيفة بيضاء نقية في أيدي أبويه ومن يربيه فإذا نقشوا فيه صالحا نشأ صالحا وإن نقشوا فيه شيئا فاسدا نشأ على السوء والفساد. فإذا أدرك الآباء والمربون هذه الأمانة وحملوها بصدق وإخلاص فلتبشر الأمة بالنصر القريب عملا بقول الله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}.


حقوق الولد على والديه

ما هي الحقوق المشروعة للولد على والديه؟ وما علاقة هذه الحقوق بالتربية؟ عدد العلماء كثيرا من هذه الحقوق وأهمها عشرون حقاً:

الحق الأول: اختيار الزوجة الصالحة لأنها مضنة الولد الصالح والسعي للزواج من ذات الدين لتكون أما مربية تقية طاهرة عفيفة تعين أبناءها على التربية الصالحة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم: "تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك " ورغب الإسلام في المرأة الولود الودود فقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه أبو داود والنسائي: "تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم ". ومن هنا يرى علماء التربية أن دور الأم في تربية الطفل يسبق دور الأب وذلك لكثرة ملازمتها للطفل منذ تكوينه جنينا في بطنها حتى يكبر. وصدق الشاعر حافظ إبراهيم إذ يقول:

الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق

الحق الثاني: إتباع السنة في المعاشرة الزوجية وطلب الولد الصالح.
وذلك بذكر الأدعية التي تحصن المولود وهو نطفة من الشيطان الرجيم عملاً بقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري. "أما لو أن أحدكم يقول حين يأتي أهله: بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا ثم قدر أن يكون بينهما في ذلك وقضى ولد لم يضره شيطان أبداً". وهذا جانب من جوانب التربية الروحية المبكرة للطفل قبل ولادته.

وفي طلب الولد الصالح يعلمنا الله سبحانه وتعالى هذا الدعاء {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ}.

الحق الثالث: إتباع السنة في استقبال المولود من رفع الأذان في أذن المولود اليمنى والإقامة في أذنه اليسرى وتحنيكه بالتمر والدعاء له وحلق رأسه و العقيقة عنه وتسميته بأحب الأسماء وختانه.. وذلك للأدلة التالية:

روى البيهقي وابن السني عن الحسن بن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من ولد له مولود فأذن في أذنه اليمنى وأقام في أذنه اليسرى لم تضره أم الصبيان ".

- وعن التحنيك بالتمر والدعاء له جاء في الصحيحين عن أبي موسى رضي الله عنه قال: ولد لي غلام فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فسماه إبراهيم وحنكه بتمرة ودعا له بالبركة ودفعه إلي".

وعن استحباب الحلق والتصدق بوزنه فضة ما رواه الإمام مالك في الموطأ عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: وزنت فاطمة رضي الله عنها شعر رأس حسين وحسن وزينب وأم كلثوم فتصدقت بزنة ذلك فضة".




سنن المولود والحكم التربوية

ومن سنن المولود العقيقة روى الإمام أحمد والترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عن الغلام شاتان متكافئتان وعن الجارية شاة".

ومن ذلك تحسين اسم المولود وتكنيته لما روى أصحاب السنن عن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل غلام رهين بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويسمى فيه ويحلق رأسه ".

وفي الحديث الذي رواه أبو داود بإسناد حسن عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وبأسماء آبائكم فأحسنوا أسماءكم ".

ومن ذلك استحباب التكنية جاء في الصحيحين من حديث أنسى رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً وكان لي أخ يقال له (أبا عمير) وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا جاءه يقول له: "يا أبا عمير ما فعل النغير". ومن ذلك سنة الختان جاء في الصحيحين قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "الفطرة خمس: الختان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الأظافر ونتف الإبط " ويفضل الختان أن يكون في الأسبوع الأول لما رواه البيهقي عن جابر رضي الله عنه أنه قال: "عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحسن والحسين وختنهما لسبعة أيام ".

- ولهذه السنن والأعمال المتعلقة بالمولود حكم وفوائد تربوية فرفع الآذان والإقامة في أذن المولود إشعار له بالشهادة والتوحيد والإسلام الذي هو دين الفطرة ودين آبائه وأجداده.. وفيه طرد للشيطان الذي يتربص بالإنسان منذ ولادته لإفساده.

- وفي الدعاء للمولود طلب الصلاح والخير له ليبقى هذا الصلاح نافعاً له ولوالديه لقوله عليه الصلاة والسلام "وولد صالح يدعو له ".

- وفي تحنيك المولود بالتمر إشارة إلى أهمية التمر كغذاء رئيسي للتنشئة السليمة وفيه تقوية لعضلات فم المولود ليقوم بالرضاعة على أحسن وجه.

- وفي حلق رأسه تقوية له وفتح لمسام رأسه وتقوية لحاسة البصر والشم والسمع.

- وفي التصدق بشعر رأسه فضة إشارة إلى ضرورة التكافل الاجتماعي والتراحم بين المسلمين والقضاء على أسباب الفقر والحاجة.

- وفي حكمة العقيقة فوائد منها التقرب إلى الله وشكره على نعمة الولد.

- إظهار الفرح والسرور بتكاثر نسل المسلمين.

- إظهار روح المحبة والتراحم بين المسلمين.

- دفع مصارع السوء والمصائب لأن صنائع المعروف تقي مصارع السوء.

وفي تسمية المولود بأحب الأسماء إليه وتكنيته ما ينمي فيه شعور التكريم والاحترام وينمي فيه قوة الشخصية لاستشعاره أنه بلغ مرتبة الكبار وفيه أيضاً ملاطفته وإدخال السرور عليه بمناداته بأحب الأسماء إليه. وفي حكمة الختان يتخلص المرء من المفرزات الدهنية والتفسخات ويقلل من خطر الإصابة بالسرطان وسلس البول والتهيجات الجنسية وغير ذلك من الحكم.

من الحقوق المشروعة للولد

الحق الرابع: الرضا بقسمة الله من الذكور والإناث وعدم تسخط البنات لقول الله تعالى:{وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} ولتكريم الأنثى في الإسلام جعل الله سبحانه وتعالى اسمها مقدماً على اسم الذكر فقال تعالى: {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ} وأكد الرسول صلى الله عليه وسلم عنايته بالمرأة منذ الولادة فقد روى مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين- وضم أصابعه " وفي ذلك من التربية والتوجيه لاقتلاع العادات الجاهلية ما لا يخفى.

الحق الخامس: أن يختار له مرضعة صالحة إن فقد أمه.
وأفضل الرضاعة ما كانت حولين كاملين لقول الله تعالى:{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ}.

ولقد أثبتت البحوث العلمية والصحية أن فترة عامين ضرورية لينمو الطفل نموا طبيعيا سليما من الوجهتين الصحية والنفسية.

وأكد الطبيب ابن سيناء أهمية الرضاعة الطبيعية بقوله: "إنه يجب أن يرضع ما أمكن من لبن أمه فإن في إلقامه ثدي أمه عظيم النفع جدا في دفع ما يؤذيه ".

الحق السادس: أن تحضن الأم ابنها وخاصة مرحلة المهد والطفولة المبكرة ولا تتركه للخادمات والمربيات وذلك لأن الأم مع رضاعة وليدها بالحليب ترضعه العطف والحنان الذي لا يملكه غيرها، ومن هنا كانت حكمة الله سبحانه وتعالى في إرجاع موسى إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن قال الله تعالى: {فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ} ويرى العلماء أن الطفل يحس بالأمن كلما ألصقته الأم إلى صدرها.

الحق السابع: أن يعلمه والداه كتاب الله عز وجل ثم ما يلزم من العلوم الضرورية الدينية والدنيوية.. وقد أخرج الطبراني وابن النجار عن علي كرم الله وجهه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أدبوا أولادكم على ثلاث خصال: حب نبيكم وحب آل بيته وتلاوة القرآن فإن حملة القرآن في ظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظله مع أنبيائه وأصفيائه والوالدان اللذان يهتمان بتعليم أولادهما القرآن لهما الثواب العظيم أخرج أبو داود عن سهل بن معاذ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قرأ القرآن وعمل به ألبس الله والديه تاجاً يوم القيامة ضوؤه أحسن من ضوء الشمس.

ولا شك أن تربية الأطفال على القرآن الكريم منذ نعومة أظفارهم من شأنه أن يوسع مداركهم ويزودهم بالحكمة والهداية والنور قال الله تعالى:{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} وقد أدرك المسلمون السابقون أهمية التربية على القرآن فتسابقوا في هذا الميدان وتنافسوا، يقول الإمام الشافعي رحمه الله: "حفظت القرآن وأنا ابن سبع سنين وحفظت الموطأ وأنا ابن عشر ويقول سهل التستري فمضيت إلى الكتاب فتعلمت القرآن وحفظته وأنا ابن ست سنين أو سبع سنين.


أبناؤنا والحقوق المشروعة

الحق الثامن: ألا يرزقه إلا طيباً من الكسب الحلال لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه وعن علمه ما عمل به وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وعن جسمه فيما أبلاه " رواه الترمذي. وما يغذى به الأولاد ينبغي أن يكون حلالاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص "أطب مطعمك تجب دعوتك ".

فيعود الطفل على أكل الحلال وكسب الحلال وإنفاق الحلال حتى ينشأ على التوسط والاعتدال بعيدا عن الإسراف والتقتير.

الحق التاسع: أن يعلمه الصلاة ويعوده عليها لقول الله تعالى:{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى}. وفي الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع " فيؤمر الصبي بالصلاة في سن السابعة وهي بداية مرحلة التعليم التي نبه إليها الإسلام ويؤخذ بالنصح والتوجيه إذا قصر في صلاته حتى سن العاشرة فإن تهاون في هذه المرحلة جاز لوالده استخدام الضرب تأديباً له على ما فرط في جنب الله.

ويشجع الطفل في هذه السن على صلاة الجماعة وحضور صلاة الجمعة والعيدين ومن أنجح الوسائل في تحبيب الأطفال لصلاة الجماعة اصطحاب الأب لأبنائه وأخذهم معه لأداء صلاة الجماعة في المسجد.

من أمثلة ذلك ما كان من فعله صلى الله عليه وسلم مع علي بن أبي طالب حينما دعاه إلى الإسلام وعمره لم يتجاوز العاشرة فأسلم ولازمه في الخروج إلى الصلاة مستخفياً في شعاب مكة حتى عن أهله وأبيه.

الحق العاشر: أن يدربه على الصوم:
وهذا من العمل المستحب إذ يرى جمهور العلماء أنه لا يجب على من دون سن البلوغ ولكن يستحب للتمرين.. أخرج البخاري ومسلم عن الربيع بنت معوذ قالت: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيحة يوم عاشوراء إلى قرى الأنصار: من كان صائماً فليتم صومه ومن كان أصبح مفطراً فليصم بقية يومه فكنا نصومه بعد ذلك ونصوم صبياننا الصغار منهم ونذهب إلى المسجد فنجعل لهم اللعبة من العهن- أي الصوف- فإذا بكى أحدهم من الطعام أعطيناه إياه حتى يكون عند الإفطار" قال الحافظ ابن حجر معلقاً: وفي الحديث حجة على مشروعية تمرين الصبيان على الصيام كما تقدم. والصوم من الوجهة التربوية يغرس في النفس البشرية حقيقة الإخلاص لله تعالى ومراقبته في السر وتقوية الإرادة وكبح جماح الشهوات ويؤمر به الأطفال عند طاقتهم منذ السابعة وبالتدريج.

من حقوق الأبناء في التربية

الحق الحادي عشر: تربية البنات على الحجاب:
تعود البنت على لبس الحجاب منذ الطفولة ليكون لها شرفاً وحفظاً ويرى العلماء أن تعود البنت على لبس الحجاب في سن السابعة قياساً على حديث الأمر بالصلاة. ومن فوائد الحجاب للبنت صيانتها والحفاظ، على عفتها وشرفها ويدخل في دائرة الحجاب إبعاد البنت عن الاختلاط بالأجانب.. قال الله تعالى:{وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}

ومن أسف لما أهمل الحجاب وسمح بالاختلاط بين الجنسين وقع ما حذر منه الإسلام من هتك الأعراض وضياع الشرف وانتشار الفساد والوقوع في الحرام.

ويخاطب الله المؤمنات جميعاً فيقول: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ} وينهى الله المؤمنات عن التبرج {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى}.

الحق الثاني عشر: أن يعلم الأطفال آداب الاستئذان في الدخول وقد جاء هذا التوجيه في القرآن الكريم بأسلوب تربوي متدرج فطلب من الأطفال وهم صغار أن يستأذنوا في ثلاث أوقات مهمة:

1- من قبل صلاة الفجر 2- ووقت الظهيرة عند القيلولة 3- وبعد صلاة العشاء. فإذا بلغ الأولاد سن البلوغ وجب عليهم الاستئذان في البيت للدخول على والديهم في كل وقت قال الله تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} وفي تربية الأولاد على هذه الآداب تعويد لهم على غض البصر عن العورات وحفظ لهم من أسباب الإثارات التي قد تسبب لهم بعض الأضرار النفسية والاجتماعية والخلقية.

من حقوق الأبناء في الإسلام
الحق الثالث عشر: أن يعدل الوالدان بين أولادهم:
فلا يفضل أحد على أحد ولا يميز الذكور على الإناث، والعدل بين الأولاد مطلوب في جميع الحالات سواء كان في العطاء أو في المحبة والقبلة أو في تقديم الهدايا والهبات والوصية أو في المعاملة فإنه يلزم الوالدين معاملة أولادهم بالعدل والمساواة.

روى أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كانت له أنثى فلم يؤذها ولم يهنها ولم يؤثر ولده- يعني الذكور عليها- أدخله الله الجنة".

وبهذا العدل يستقيم أمر الأسرة وتنشأ المحبة بين الجميع وتغرس الثقة بين أفراد الأسرة فلا مكان للأحقاد والبغضاء عندئذ وفي الحديث المتفق عليه يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الله واعدلوا في أولادكم ".

الحق الرابع عشر: تخير الصحبة الصالحة لهم لأن الصاحب ساحب والقرين بالمقارن يقتدي. وقد حث الإسلام على صحبة الصالحين والأخيار وحذر من صحبة الأشرار وفي الحديث الصحيح: "لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي ".

وفي تخير الأصحاب الصالحين للأبناء حماية لهم من الوقوع في الانحراف والبعد بهم عن مزالق السوء ومهاوي الردى. ولقد أحسن من قال:

واختر من الأصحاب كل مرشد إن القرين بالقرين يقتدي
فصحبة الأخيار للقلب دواء تزيد للقلب نشاطاً وقوى
وصحبة الأشرار داء وعمى تزيد للقلب السقيم سقماً

الحق الخامس عشر: توفير أسباب اللهو واللعب المفيد من سباحة ورماية وركوب الخيل وما جرى مجراهم في النفع جاء في سنن الترمذي عن ابن جرير بسنده عن علي رضي الله عنه قال: ما جمع النبي صلى الله عليه وسلم أبويه إلا لسعد قال: ارم فداك أبي وأمي أيها الغلام الحرور" وفي صحيح الجامع عن أبي العالية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بفتية يرمون فقال رسول الله صلى اله عليه وسلم: "ارموا يا بني إسماعيل فإن أباكم كان رامياً" ولهذا الجانب أهمية بالغة في التربية فهو يكسب الأطفال الثقة بأنفسهم فيشبوا على تعلم مهارات كثيرة تكون أساساً لكثير من الأنشطة الحياتية إذا كبروا. وهناك فائدة أخرى مهمة في توفير الوالدين والمربين الألعاب بين يدي الأطفال وهي تفريغ طاقاتهم المكبوتة وتوجيهها الوجهة الصحيحة وصرفهم عن اللهو الحرام والسلوك الخاطئ.

واجب الآباء نحو الأبناء

الحق السادس عشر: أن يعوله حتى سن الرشد:
فعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله هل لي في بني أبي سلمة أجر إن أنفقت عليهم ولست بتاركتهم هكذا وهكذا- أي يتفرقون في طلب القوت هكذا وهكذا- إنما هم بني فقال: نعم لك أجر ما أنفقت " رواه البخاري ومسلم.

ولا يخفى ما في ذاك من فوائد تربوية إذ فيه حسن إعداد الأطفال ليتجاوبوا مع التربية في سن الصغر فلا ينشغلوا عن ذلك بطعامهم وشرابهم. ومن أجل ذلك قال العلماء: ويلزم الوالدين إن كانا أغنياء أن ينفقا على أولادهما حتى ما بعد الرشد إن كانوا فقراء.

الحق السابع عشر: من حق الأولاد على والديهم الرحمة وما يتفرع عنها من حب وحنان وعطف.
روى أحمد في مسنده عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي يوماً إذ قال الخادم: إن فاطمة وعلياً رضي الله عنهما بالسدة قالت: فقال لي قومي فتنحي عن أهل بيتي قالت: قمت فتنحيت في البيت قريباً فدخل علي وفاطمة ومعهما الحسن والحسين وهما صبيان صغيران فأخذ الصبيين فوضعهما في حجره فقبلهما واعتنق علياً وأغدق عليهم خميصة سوداء وقال: "اللهم إليك لا إلى النار أنا وأهل بيتي " قالت: فقلت: وأنا يا رسول الله فقال وأنت".

وفي الحديث فوائد تربوية عظيمة منها:

ضرب المثل الحسن في معاملة الأب لأولاده وأحفاده وزوج بنته ومنها أن الرحمة مع أفراد الأسرة ولا سيما الصغار مصدر سدادة وسرور.

ومنها: أن العطف على الصغار يولد فيهم حب آبائهم والسير على منهاجهم وطريقتهم ويجنبهم مخاطر العقوق والتمرد.

ومنها: الحرص بين أفراد الأسرة على التهادي ودعاء رب الأسرة لأهله وأولاده وأحفاده بالخير وسؤال الجنة لهم وإعاذتهم من النار.

ومنها أن تقبيل الأطفال له أثر فعال في تحريك مشاعرهم وتسكين غضبهم وهو دليل رحمة ومحبة للطفل ودليل تواضع من المربي معهم.

الحق الثامن عشر: من حق الأولاد التأديب:
روى البخاري في التاريخ والبيهقي عن أيوب بن موسى القرشي عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما نحل والد ولداً نحلاً أفضل من أدب حسن " ونحل أعطى. وروى الطبراني عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأن يؤدب أحدكم ولده خير له من أن يتصدق كل يوم بنصف صاع على المساكين ". ومن هنا قال العلماء: إذا بلغ الولد ست سنين أدب فإذا بلغ تسع سنين عزل فراشه فإذا بلغ ثلاث عشرة سنة يضرب على الصلاة فإذا بلغ ست عشرة سنة زوجه أبوه.

روى البيهقي عن الحاطبي قال: سمعت ابن عمر يقول لرجل: "أدب ابنك فإنك مسؤول عن ولدك ماذا أدبته وماذا علمته؟ وإنه لمسؤول عن برك وطواعيته لك ".


من صور تأديب الأولاد

من واجب الآباء والأمهات والمربين تعليم الأطفال منذ الصغر النطق بكلمة التوحيد "لا إله إلا الله محمد رسول الله " وإفهامهم معناها عندما يكبرون: لا معبود بحق إلا الله قال الإمام ابن القيم رحمه الله في أحكام المولود: فإذا كان وقت نطقهم أي الأطفال فليلقنوا لا إله إلا الله محمد رسول الله وليكن أول ما يقرع مسامعهم معرفة الله سبحانه فوق عرشه ينظر إليهم ويسمع كلامهم وهو معهم أينما كانوا".

ومن أساليب التأديب غرس محبة الله ورسوله وأن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وتعويدهم أن يسألوا الله وحده ويستعينوا به وحده لقول الرسول صلى الله عليه وسلم لابن عمه: "وإذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله " حديث حسن صحيح رواه الترمذي ".

ومن تأديب الأولاد تعويدهم على الصدق قولاً وعملاً بأن لا نكذب عليهم ولو مازحين وإذا وعدناهم فلنوف بوعدنا لما ورد في صحيح البخاري ومسلم من تحذير الرسول صلى الله عليه وسلم من الكذب: "آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان ".

ومن صور التأديب غرس العقيدة الصحيحة في الله وأسمائه وصفاته والتأكيد على قضية الإيمان والتوحيد والتحذير من الشرك لأنه الظلم العظيم.

ومن معاني التأديب غرس عقيدة الإيمان بالقدر خيره وشره وغرس عقيدة اليوم الآخر وما فيه من حساب وصراط وجنة ونار روى الترمذي في الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنه وقد كان غلاماً صغيراً. قال: كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوماً فقال لي: يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك. إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف ".

ومن وسائل التأديب: تعويد الأطفال على الآداب الاجتماعية كآداب الطعام والشراب وآداب السلام وآداب المجلس وآداب العطاس والتثاؤب وآداب النوم والآداب مع الوالدين والأخوة والآداب مع الجيران.

- ومن أدب البنين والبنات تحذيرهم من تشبه البنات بالرجال وتشبه الأولاد بالنساء سواء كان في الملبس أو في الحركة فإن ذلك من الاسترجال المنافي للأنوثة عند الفتيات ومن الميوعة والتخنث المنافي للرجولة عند الأولاد.

روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال ".

الأولاد والحقوق المشروعة
الحق التاسع عشر: تعليم الولد أحكام المراهق والبلوغ فيعلم الولد هذه الأحكام أو ما يسمى بالثقافة الجنسية سواء كان الولد ذكراً أم أنثى فيعرف الصبي إذا بلغ الحلم وهو السن الذي يتراوح ما بين 12 إلى 15 سنة أنه إذا نزل منه مني ذو دفق وشهوة فقد أصبح بالغاً ومكلفاً شرعاً يجب عليه ما يجب على الرجال الكبار من مسؤوليات وتكاليف ويجب على الأم أن تصارح ابنتها إذا بلغت سن التاسعة فما فوق وتذكرت احتلاماً ورأت الماء الرقيق الأصفر على ثوبها بعد الاستيقاظ أصبحت بالغة ومكلفة شرعاً يجب عليها ما يجب على النساء الكبار من مسؤوليات وتكاليف.

روى الإمام أحمد والنسائي عن خولة بنت حكيم أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل فقال: ليس عليها غسل حتى تنزل كما أن الرجل ليس عليه غسل حتى ينزل".

ويعلم الولد أن نزول المني على سبيل الدفق والشهوة يوجب الغسل وتعلم الفتاة أن انقطاع مدة الحيض والنفاس يوجب الغسل على المرأة ويعلم كل منهما فرائض الغسل وسننه وكيفيته.

وجانب التربية الجنسية جانب مهم يكمل صورة التربية الشاملة التي دعا إليها الإسلام والتي تستوعب الإنسان في كل جزئياته.

الحق العشرون: أن يبحث الوالدان لولدهما عن الزوجة الصالحة ولبنتهما عن الزوج الصالح وينفقا على زواجهما إن كانا غنيين وقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم على زواج الشباب في سن مبكرة فقال في الحديث الصحيح: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء".رواه البخاري

وينصح الشيخ عبد الله ناصح علوان رحمه الله الآباء في كتابه القيم تربية الأولاد في الإسلام فيقول:" إن كنت ميسوراً أيها الأب من الناحية المادية فينبغي أن تساهم مساهمة فعالة في تسهيل أسباب الزواج لولدك لتنقذه من الهواجس النفسية والتأملات الجنسية التي تسيطر على عقله وتفكيره وتقف عائقاً في طريق غايته أو تعلمه وتنقذه أيضاً من الانحلال الخلقي الذي يفتك بصحته ويسيء إلى سمعته ولا يأتي هذا إلا بتيسير أسباب الزواج من ناحية وإمداده بالنفقة من ناحية أخرى وكل تهاون أو تقصير في هذه السبيل يعوض ولدك الشاب إلى أوخم النتائج وأخطر العواقب".

والواقع أن عدداً كبيراً من الشباب أصبح يعاني من مشكلات كثيرة وعلى رأسها المشكلة الجنسية نتيجة للجهل بأحكام البلوغ والأخذ بفكرة الزواج المتأخر التي وفدت إلى مجتمعاتنا.



الأسباب التي تؤدي إلى انحراف الأولاد وعلاجها

كثيراً ما يشتكي بعض الآباء والأمهات من جنوح أبنائهم ووقوعهم في المعاصي والدنايا وميلهم إلى الانحراف وعدم طاعة الوالدين والتمرد على القيم والأخلاق ورفض العادات الحسنة التي كان عليها آباؤهم.

والواقع أن هناك أسباباً تدفع أمثال هؤلاء الأبناء للانحراف ومن أهم ذلك:

1- الفقر الذي يخيم على بعض البيوت إذ تدفع حاجة الأولاد الذين لا يجدون ما عليه أقرانهم وأصدقاؤهم من نعمة وغنى فيلجأون إلى البحث عن احتياجاتهم من خارج البيت إما عن طريق السرقة أو صحبة الأشرار فيقعون في طريق الانحراف.

والإسلام بتشريعه العادل قد عالج هذه المشكلة ووضع من التشريعات ما يؤمن لكل فرد الحد الأدنى من مسكن ومطعم وكساء ورسم للمجتمع الإسلامي مناهج عملية للقضاء على الفقر نهائيا كتأمين سبل العمل لكل مواطن وإعطاء مرتبات شهرية من بيت المال لكل عاجز وسن قوانين للتعويض العائلي لكل أب له أسرة وأولاد وأمر برعاية اليتامى والأرامل والشيوخ بشكل يحفظ لهم كرامتهم الإنسانية ويبعدهم عن أسباب الانحراف والتفكير فيه.

2- إهمال النفقة على الأولاد أو التقتير عليهم وهذا من شأنه أن يدفع بالأولاد إلى استكمال هذا النقص لمحاكاة الآخرين فيلجأون إلى أسهل الطرق في تحصيل مرادهم وهو العدوان على غيرهم وارتكاب الجرائم والمخالفات في سبيل ذلك وهذا ما يسمى بجنوح الأولاد.

والإسلام بأسلوبه الحكيم قد حذر أشد التحذير من تضييع الرجل من يعول لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت " في الحديث الذي رواه أبو داود.

3- النزاع والشقاق بين الآباء والأمهات أمام الأولاد ولا شك أن هذا الأمر مذموم شرعا وعقلا وعرفا والفتنة نائمة تستيقظ بالإشاعة والإذاعة وفي الحديث الشريف: "كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع " (رواه أبو داود) وقد نبه الإسلام إلى خطورة إشاعة مقالة السوء فقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.

4- حالات الطلاق وما يصاحبها من ضياع الحقوق إذ أن الطلاق لا يلجأ إليه إلا عند الضرورة وإذا توفرت الأسباب الداعية إليه وقد أساء البعض استخدام حق الطلاق حتى كثرت حالات المطلقات من النساء الأمر الذي يؤدي إلى تشرد الأبناء ووقوعهم في أوحال الرذيلة والجريمة.

والإسلام بمنهجه المتميز والفريد قد دعا إلى حسن العلاقة الزوجية وجعل المعاملة الحسنة السبيل الأمثل لاستقرار الأسرة وسعادتها لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "خَيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي " رواه ابن ماجه والحاكم.


من أسباب انحراف الأولاد

1- الفراغ الذي يتحكم في الأطفال والمراهقين وهو سبب مهم في زيغ الأبناء وانحرافهم والطفل من طبيعته يحب اللهو واللعب فإذا لم تهيأ له فرصة اللهو المباح واللعب البريء فإنه في الغالب سيبحث عن بدائل أخرى وربما لا يجد هذه البدائل إلا عند رفقاء السوء الذين سيقعون به حتماً إلى الانحراف والفساد.

والإسلام قد وجه إلى معالجة هذا الأمر في حياة الناشئين والناس فقال عليه الصلاة والسلام: "اغتنم خمسا قبل خمس: حياتك قبل موتك وصحتك قبل سقمك وفراغك قبل شغلك وشبابك قبل هرمك وغناك قبل فقرك " رواه الحاكم والبيهقي.

2- الخلطة الفاسدة ورفقاء السوء وهو عامل خطير في هدم أخلاق الناشئين وإفسادهم ويتحمل الوالدان المسؤولية الكبرى في ترك أبنائهم يصاحبون رفقاء الشر إذ من مسؤولية الأبوين اختيار الرفقة الصالحة لأبنائهم ليكتسبوا منهم كل خلق كريم وأدب رفيع. قال الله تعالى: محذراً من رفقاء السوء:{ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ}.

وقال عليه الصلاة والسلام فيما رواه البخاري ومسلم: "مثل الجليس الصالح والجليس السوء كمثل حامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يحذيك أو تشتري منه أو تجد منه ريحا طيبة ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك أو تجد منه ريحا منتنة".

3- ومن أسباب انحراف الأولاد سوء معاملة الأبوين للولد فينال منهما القسوة والتحقير والازدراء والسخرية ولهذه المعاملة الأثر السيئ على نفسية الولد وعلى سلوكه وتصرفاته مما قد ينشأ عنده ردود فعل تكون عواقبها وخيمة.

والإسلام بمنهجه الحكيم يدعو المربين ولا سيما الآباء والأمهات إلى أن يتحلوا بالأخلاق العالية والمعاملة الحسنة التي تفيض بالرحمة والشفقة والحنان حتى ينشأ الأولاد على الاستقامة ويتربوا على الجرأة واستقلال الشخصية وبالتالي حتى يشعروا بكرامتهم واحترامهم عند آبائهم.

وقد وجه الإسلام إلى حسن المعاملة مع كل الناس ولا سيما الأقربين فقال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى}.

وقال سبحانه وتعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً} وفي الحديث الذي رواه أبو داود والترمذي عنه عليه الصلاة والسلام: "الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء" من حسن معاملة الأولاد مخاطبتهم بأطيب الكلام وملاطفتهم في الحديث. ومن حسن معاملتهم غرس الثقة في نفوسهم وإتاحة الفرصة لهم للتعبير عن رغباتهم وطموحاتهم وإشعارهم بأهميتهم كأعضاء صالحين في دائرة الأسرة والمجتمع.



الحذر من إهمال تربية الأولاد

لإهمال تربية الأولاد عواقب وخيمة تتحدث عنه الأخبار ويتذاكرها الناس ومن أحسن القصص الواعظة في هذا الباب القصة التالية:

جاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يشكو إليه عقوق ابنه فأحضر عمر الولد وأنبه على عقوقه لأبيه ونسيانه لحقوقه فقال الولد: يا أمير المؤمنين أليس للولد حقوق على أبيه؟ قال: بلى قال: فما هي يا أمير المؤمنين؟ قال عمر: أن ينتقي أمه ويحسن اسمه ويعلمه الكتاب (أي القراءة). قال الولد: يا أمير المؤمنين إن أبي لم يفعل شيئاً من ذلك. أما أمي فإنها زنجية كانت لمجوسي وقد سماني جعلاً (أي خنفساً) ولم يعلمني من الكتابة حرفا واحدا. فالتفت عمر إلى الرجل وقال له: جئت إلي تشكو عقوق ابنك وقد عققته قبل أن يعقك وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك " ولعل من أخطر ما يواجه الأولاد ويسبب في انحرافهم مشاهدتهم لأفلام الجنس والجريمة تلك الأفلام التي تقود إلى الميوعة والانحلال ويتحمل الوالدان المسؤولية التامة تجاه انحراف أبنائهم في هذا السبيل إذا لولا موافقة الأبوين وتيسيرهما لسبل هذه المشاهدات لما أقدم الأولاد على هذا الفعل المهدم للأخلاق والإسلام بمبادئه التربوية يضع أمام الآباء والمربين والمسؤولين المنهج القويم في توجيه الأبناء وتربيتهم.

ويكفي في الدلالة على هذه المسؤولية قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم: "الرجل راع في بيت أهله ومسؤول عن رعيته ".

ومن مظاهر الإهمال في تربية الأولاد تخلي الأبوين عن تربية أولادهما إما غفلة منهما أو انصرافا عن هذه المسؤولية أو إهمالا لهذه الأمانة.

ولهذا الإهمال نتائج خطيرة منها: إتاحة الفرصة لرفقاء السوء أن يصطادوا الأبناء المهملين من قبل آبائهم. ومنها سرعة انجذاب الأولاد لداعي الفساد ومنها شيوخ الجريمة في المجتمع ومن أجل ذلك كانت توجيهات الإسلام حاسمة وصريحة في هذا الميدان قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}.

وفي الحديث الذي رواه ابن ماجه: "أدبوا أولادكم وأحسنوا أدبهم ".

فإلى الآباء والأمهات والمربين بادروا في الاهتمام بتربية أبنائكم واسعوا في إصلاحهم ما استطعتم فإن أعظم ما تتوجه إليه الجهود وتنفق فيه الأموال إصلاح الأبناء.

من الأخطاء الشائعة في تربية الأولاد

هناك أخطاء وممارسات شائعة في تربية البنين والبنات تقع أحياناً عن جهل وأحيانا عن غفلة وأحيانا عن عمد وإصرار ولهذه الممارسات الخاطئة آثار سلبية على استقامة الأبناء وصلاحهم من ذلك:

- تحقير الولد وتعنيفه على أي خطأ يقع فيه بصورة تشعره بالنقص والمهانة والصواب هو تنبيه الولد على خطئه إذا أخطأ برفق ولين مع تبيان الحجج التي يقتنع بها في اجتناب الخطأ.

- إذا أراد المربي زجر الولد وتأنيبه ينبغي ألا يكون ذلك أمام رفقائه وإنما ينصحه منفرداً عن زملائه.

- الدلال الزائد والتعلق المفرط بالولد وخاصة من الأم يؤدي إلى نتائج خطيرة على نفس الولد وتصرفاته وقد يكون من آثاره زيادة الخجل والانطواء وكثرة الخوف وضعف الثقة بالنفس والاتجاه نحو الميوعة والتخلف عن ا لأقران.

- فكرة استصغار الطفل وإهمال تربيته في الصغر فكرة باطلة والصواب أن تبدأ التربية ويبدأ التوجيه منذ الصغر من بداية الفطام حيث يبدأ التوجيه والإرشاد والأمر والنهي والترغيب والترهيب والتحبيب والتقبيح.

- من مظاهر التربية الخاطئة عند الأم عدم السماح لولدها بمزاولة الأعمال التي أصبح قادرا عليها اعتقادا منها أن هذه المعاملة من قبيل الشفقة والرحمة للولد ولهذا السلوك آثار سلبية على الولد.. من هذه الآثار فقدان روح المشاركة مع الأسرة في صناعة الحياة وخدمات البيت ومنها الاعتماد على الغير وفقدان الثقة بالنفس ومنها تعود الكسل والتواكل.

- ومن مظاهر التربية الخاطئة أن لا تترك الأم وليدها يغيب عن ناظريها لحظة واحدة مخافة أن يصاب بسوء وهذا من الحب الزائد الذي يضر بشخصية الولد ولا ينفعه.

- ومن الأخطاء تفضيل بعض الأولاد على بعض سواء كان في العطاء أو المعاملة أو المحبة والمطلوب العدل بين الأولاد وترك المفاضلة.

- ومن ذلك احتقار الأولاد وإسكاتهم إذا تكلموا والسخرية بهم وبحديثهم مما يجعل الولد عديم الثقة بنفسه قليل الجرأة في الكلام والتعبير عن رأيه كثير الخجل أمام الناس وفي المواقف الحرجة.

- ومن الأخطاء الشائعة فعل المنكرات أمام الأولاد كشرب الدخان أو سماع الأغاني أو مشاهدة الأفلام الساقطة مما يجعل من الوالدين والمربين قدوة سيئة.


ما أهمية الحب في تربية الأولاد

حب الأبوين لأبنائهما عاطفة فطرية لا بد من إظهارها في العملية التربوية وبما أن الأطفال الصغار تغلب عليهم العاطفة لزم فيمن يتصدر لتربيتهم من الآباء والمربين أن يراعوا هذا الجانب ويغرسوا مفهوم الحب بينهم وبين أبنائهم وطلابهم وأن يكون هذا الحب عاطفة متبادلة بين الفريقين فإن الحب يثمر الحب كما يقولون وإذا وجد الحب تمت عملية التربية بسهولة "لأن المحب لمن يحب مطيع " ولهذه الحكمة أمر الله سبحانه وتعالى نبيه بمعاملة الناس بالحب والشفقة واللين {وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} فالمربي الغليظ القاسي يبغضه الأطفال ويبغضون معه كل فكرة وعلم وأخلاق ولا يقبلون منه أي نصح وتوجيه لفظاظته وشدته.

ولكي لا يخرج الحب عن حد الاعتدال والتوازن ويميل إلى الإفراط والدلال لا بد للمربي من الوقوف عند هذه الضوابط:

الضابط الأول: الالتزام بشرع الله القاضي بأن يكون الله ورسوله أحب إليه من نفسه وولده والناس أجمعين لقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري: "والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين.

الضابط الثاني: ألا يكون حب الولد مانعاً للخير أو صاداً عن سبيل الله وذلك فيما نبه عنه الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه الحاكم "إن الولد مبخلة مجبنة مجهلة محزنة" والمعنى أن الولد والحرص عليه يصرف والديه عن الجود والكرم والإنفاق في أعمال الخير ويقصران المال للنفقة عليه ويحول الولد أحيانا بين الوالدين وصفة الشجاعة والإقدام فيبعث فيهما روح الخوف والبقاء على رعايته.. وكذلك يفعل الولد فيساهم في تجهيل والديه يصرفهما عن طلب العلم وإنشغالهما بشؤونه ويبعث الولد أيضا مشاعر الأسى والحزن عند والديه لضر يصيبه.. والمطلوب هو التوازن في المحبة وإيثار محبة الله ورسوله في حالة التعارض.

الضابط الثالث: الصبر على وفاة الطفل واحتسابه عند الله تعالى من غير جزع ولا عويل ولا صياح وقد جاء في الصحيح فيما رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما يزال البلاء ينزل بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقي الله وما عليه من خطيئة".

كيف نربي أبناءنا تربية صحية؟

الصحة وسيلة من وسائل القوة التي دعا إليها الإسلام لأن "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير" (رواه مسلم) كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك. وقال أيضا: "إن لجسدك عليك حقا" (رواه البخاري). والتربية الصحية المستوحاة من منهج الإسلام زاخرة بالتوجهات الحكيمة والنصائح المفيدة وحسبنا أن نشير إلى أهم السلوكيات والعادات الصحية التي ينبغي أن ينشأ عليها الأولاد:

من ذلك:

- تعويدهم سنة السواك: لقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة" وقد أثبت الطب الحديث مفعول السواك واحتوائه على كيميائية طبيعية تفيد الأسنان وتقوي اللثة بشكل فعال ولا مانع من إضافة الفرشاة الحديثة مع المعجون.. وعلى المربي أن ينبه ولده أو تلميذه إلى الطريقة المثلى لاستعمال السواك فلا يستعمله داخل المسجد ولا في مجالس العلم ولا في وجوه الناس وإنما يستعمله في المواضع المسنونة عند الوضوء وهو المعنى المقصود في الحديث الشريف "عند كل صلاة"- وعند تغير رائحة الفم- وعند دخول البيت والقدوم من السفر- ووقت الحاجة إليه.

- تعويدهم تقليم الأظفار والاهتمام بالنظافة وذلك من خلال المحافظة على الوضوء والاغتسال ورعاية السنن الإسلامية لقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح "خمس من الفطرة" وذكر منها وتقليم الأظفار".

- غرس الآداب النبوية فيهم: فيعودهم آباؤهم ومربوهم على الاعتدال في الطعام لقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام أحمد "ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطنه بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه ".

- ويعودهم على آداب الشراب وهو التنفس خارج الإناء ثلاثا لما أخرجه البخاري ومسلم عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان يتنفس إذا شرب ثلاثا" وزاد الترمذي: "إنه أروأ وأبرأ وأمرأ".

- ويعودهم النوم على الشق الأيمن وقد روى البخاري ومسلم وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لأحد الصحابة "إذا أتيت مضجعه فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن " ويذكرهم الأدعية الواردة في ذلك من آية الكرسي والمعوذات.

- تعويدهم النوم بعد العشاء والاستيقاظ المبكر لصلاة الفجر:

وقد جاء في الحديث الصحيح الذي رواه الحاكم "إياكم والسمر بعد هدأة الليل فإنكم لا تدرون ما يأتي الله من خلقه " وقد جاء في كتاب زاد المعاد لابن القيم قول ابن عباس عندما رأى ابنا له نائما نومة الصبحة فقال له: "قم أتنام في الساعة التي تقسم فيها الأرزاق ".

البرنامج الصحي للأولاد

من الأسباب الواقية لصحة الأولاد:

- تعويدهم على سلوك الرياضة وتمارين الأعضاء ولا سيما السباحة والرمي وركوب الخيل والمصارعة وقد ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يجري مسابقات الجري بين الأطفال لقبولهم في دخول الجيش وملاقاة العدو.

- ومن الأسباب الواقية تعويذهم من العين والسحر والجان جاء في كتاب و الأذكار للنووي "باب ما يعوذ به الصبيان وغيرهم: وفي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين "أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة" فيقول: "إن أباكما كان يعوذ بهما إسماعيل وإسحاق " قال العلماء: الهامة هي كل ذات سم يقتل كالحية وغيرها وأما العين اللامة هي التي تصيب ما نظرت إليه بسوء.

- ومن ذلك إبعاد الأولاد عن الأمراض المعدية لأن تأثر الصغار الأصحاء بالمرضى يكون أكثر من غيرهم وفي الصحيحين "لا يوردن ممرض على مصح ".

- ومن ذلك تعويد الأولاد على التقشف وعدم الإغراق في التنعم وقد جاء الحث على ذلك في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ونصائح الصحابة رضي الله عنهم.

يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه الإمام أحمد: "إياكم والتنعم فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين ".

ويقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "اخشوشنوا فإن النعمة لا تدوم " وقد ثبت طبيا أن الترف والتنعم سبيلان إلى فساد الجسم وإحاطته بمختلف الأمراض.

- وقاية الأولاد من أسباب الحوادث والكوارث: فيوصى الأطباء بعدم رمي الأدوية الفائضة عن الحاجة وعدم تركها في متناول الأطفال وأخذ الحيطة والحذر من مصادر الخطر على الأولاد كالسموم الخاصة بالحشرات والمواد القابلة للاشتعال والأواني الخاصة بغلي الماء والألعاب النارية وأدوات الكهرباء وأسلاكها والآلات الحادة والأجهزة الكهربائية. ويمكن أن تندرج هذه النصائح وغيرها في القاعدة الذهبية التي دعا إليها الإسلام "لا ضرر ولا ضرار".

- ومن توجيهات الصحة والسلامة في الإسلام مداواة الأولاد عند المرض لقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم وأحمد "لكل داء دواء فإذا أصاب الدواء الداء برأ بإذن الله عز وجل ".

- ومما يلحق بالمداواة ويدخل في مسؤولية الوالدين والمربين وقاية الأطفال من الأمراض المعدية والسارية منذ الأيام الأولى لولادتهم وأهم الأمراض الخطيرة التي ينبغي تحصين الأولاد منها:

مرض السل- الجدري- الدفتريا- السعال الديكي- والتيتانوس- الحصبة- شلل الأطفال- التيفوئيد عند الحاجة. وذلك وفق الجدول الزمني لمراكز الصحة المختصة.



كيف نحصن أبناءنا من الانحرافات الخلقية؟

من أخطر الانحرافات الخلقية عند المراهقين والشباب وقوعهم في رذيلة الزنا واللواط وقد أجمع الفقهاء على حرمة هاتين الفاحشتين تحريما قطعيا وذلك للأدلة الشرعية الصريحة من الكتاب والسنة. أما دليل الكتاب فيما يتعلق بحرمة الزنا فلقول الله تعالى:{وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً}.

ومن السنة: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم وغيرهما: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن " وفيما يتعلق بحرمة اللواط يقول الله تعالى: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ}.

ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الحاكم: "ملعون من عمِل عمل قوم لوط ملعون من عمِل عمل قوم لوط ملعون من عمِل عمل قوم لوط " ولخطورة هذه الجرائم في الإسلام فقد جاءت عقوبة الزنى مائة جلدة مع التغريب للزاني غير المحصن أما الزاني المحصن فعقوبته الرجم حتى الموت.

أما عقوبة اللوطي فقد أجمع العلماء على أن اللواط زنى واختلفوا في تحديد العقوبة فجمهور الفقهاء والمجتهدين ذهبوا إلى قتل الفاعل والمفعول به ويرى آخرون أن حد الفاعل هو حد الزنى، وحكمة الإسلام ظاهرة في اتخاذ هذا الموقف المتشدد من هاتين الفاحشتين.

فالزنى واللواط لهما أضرار صحية وجسمية ونفسية واجتماعية من ذلك: يسبب الزنى واللواط مرض الزهري ومرض السيلان والأمراض المعدية الفتاكة ويؤدي الزنى إلى اختلاط الأنساب وكثرة أبناء الحرام وضياع النسل وفصم أواصر الزوجية وتفكك وحدة الأسرة والانطلاق في حمأة الرذيلة والفساد وقتل الشهامة والمروءة وفقدان الرجولة والكرامة.

وعلاج ظاهرة الزنى واللواط إنما تتم من خلال التربية الصحيحة التي تقوم على أساس الإيمان والأخلاق وتيسير سبل الزواج المبكر للشباب والبعد بهم عن مهيجات الشهوة من تبرج واختلاط.


حكم اللعب بالميسر واليانصيب:

ويدخل من ضمن المحرمات اللعب بالميسر واليانصيب لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ}.

فقد نهى الله عن لعب الميسر وما شابهه من اليانصيب لأنه يؤدي للقمار والحكمة في تحريم هذا النوع من اللهو لأنه يؤدي إلى إيقاع العداوة والبغضاء والصد عن سبيل الله وعن الصلاة كما يورث الشجار بين اللاعبين. وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من ذلك أشد تحذير فقال: "من لعب بالنردشير فكأنما غمس يده في لحم خنزير ودمه " (رواه أبو داود).


الأولاد.. والعادات الخاطئة

من الأمراض المتفشية عند بعض الأولاد البالغين والمراهقين ظاهرة العادة السرية.. وهي سلوك خاطئ ومضر وأكثر ما تنتشر هذه العادة في الوسط المليء بالفتن والاختلاط والتبرج وخروج النساء سافرات في الطرقات والمنتزهات وأماكن العمل وتساهم المجلات الخليعة والأفلام الهابطة والقصص الغرامية في إثارة الشباب وتهييج الناحية الجنسية لديهم مما يلجئهم إلى إشباع شهواتهم عن طريق الحرام أو العادة السرية. ولخطورة استعمال العادة السرية فقد أكد العلماء والأطباء أنها تسبب أضرارا جسمية وجنسية وعقلية على صحة الإنسان.

من الأضرار الجسمية: إنهاك في القوى- ونحول في الجسم وارتعاش بالأطراف وخفقان بالقلب- وضعف بالبصر والذاكرة وإخلال بالجهاز الهضمي وإصابة الرئتين بالالتهابات التي تؤدي إلى السل في أغلب الأحيان وقد تؤثر على الدورة الدموية في الجسم وتسبب فقر الدم. ومن الأمراض الجنسية مرض العنة وهو عدم قدرة الشباب على الزواج. ومن الأمراض النفسية والعقلية: الذهول والنسيان وضعف الإرادة وضعف الذاكرة والميل إلى العزلة وكثرة الخجل والشعور بالخوف والكسل والكآبة والحزن والتفكير بارتكاب الجرائم والانتحار.

وقد استدل العلماء على حرمة ممارسة العادة السرية بقول الله تعالى في سورة المؤمنون:{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} فيدخل في عموم هذه الآية {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} كل تفريغ للشهوة عن غير طريق الزواج وملك اليمين كالزنى واللواط والاستمناء باليد (العادة السرية)، والعلاج الناجح في استئصال هذه الظاهرة هو الشروع في الزواج المبكر وتيسير أسبابه فإن لم يتيسر مبكرا فيوجه الأبناء إلى صوم النفل للحديث المتفق عليه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة (تكاليف الزواج) فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء (أي قاطع للشهوة).

ومن تمام العلاج إبعاد الأولاد عن المثيرات الجنسية وملء فراغهم بما ينفع وإيجاد الصحبة الصالحة لهم والحرص على ممارسة الأنشطة الثقافية والرياضية وتوجيههم لرحلات الحج والعمرة وتشجيعهم على ممارسة الهوايات النافعة.


تحصين الأبناء من خطر المخدرات

ظاهرة انتشار المسكرات والمخدرات بين الصغار والشباب والكبار ظاهرة خطيرة تنذر بشر كبير وهي تنتشر في الوسط الذي لا يهتم بالدين ولا بالأخلاق الإسلامية وأكثر من يتعرض لها الأولاد المشردون والعاقون لآبائهم وأمهاتهم والمبتلون برفقة السوء والذين فقدوا الرقابة والإشراف من أهليهم.

والمتعاطون للمخدرات والمسكرات واقعون في الإثم والمعصية لأن خطر هذه السموم على النفس والمجتمع واضح وبين وكل ما من شأنه الضرر بصحة الإنسان كان محرما في دين الله.. وقد أثبت الطب ضرر هذه السموم فهي: تسبب الجنون والأمراض العصبية والمعوية والمعدية وتشل حدة الفكر والذهن وتحدث آلاما في الجهاز الهضمي وتفقد الشهية في الطعام وتسبب سوء التغذية والهزل والخمول والضعف الجنسي وتؤدي إلى تصلب الأنسجة والشرايين فضلا عن الخسائر المادية التي يترتب عليها إفلاس المدمنين وخراب بيوتهم.

والدليل على حرمة هذه السموم من خمر ومخدرات بمختلف أنواعها ومسمياتها قول الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ}. وأما السنة فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم في تحريم الخمر في الحديث الذي رواه أبو داود "لعن الله الخمر وشاربها وساقيها ومبتاعها وبائعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه".

وتحريم كل أنواع المخدرات يندرج في عموم قول الله تعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ}.

وفي السنة ما رواه الإمام أحمد عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر".

والمنهج السليم للتخلص من ظاهرة انتشار المسكرات والمخدرات إنما يكون بمنع تداول هذه السموم وتجفيف أوكار بيعها وسن القوانين الصارمة للمخالفين وتوقيع العقوبات الزاجرة لمرتكبيها وتوجيه الأولاد لاستغلال أوقاتهم فيما يعود عليهم بالنفع وتربيتهم التربية الصالحة القائمة على الدين والأخلاق لينالوا الحصانة التامة من هذه السموم.


ما يهم الآباء والمربين

س: هل يجوز للأم اصطحاب رضيعها إلى المسجد؟

ج: يجوز للام أن تحمل رضيعها للذهاب إلى المسجد وتصلي في جماعة إذا رغبت وأذن لها زوجها حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفف صلاته ويسرع فيها رأفة ورحمة بالصغير مخافة أن تفتن أمه بالصلاة وهي تسمع بكاءه، ورد في صحيح البخاري ومسلم: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إني لأدخل في الصلاة فأريد إطالتها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي مما أعلم من وجد أمه من بكائه ".

س: متى تغلب مصلحة الإسلام على حب الولد؟

ج: مع أهمية العاطفة المتأججة نحو الأولاد من حب وعطف ورحمة إلا أن هذه المشاعر ينبغي ألا تطغى على الجهاد في سبيل الله وتبليغ دعوة الله في الأرض لأن مصلحة الإسلام فوق كل المصالح والاعتبارات وقد روى البخاري ومسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ماله وولده والناس أجمعين ".

س: ما هو ثواب الصابر على موت ولده؟

ب: على المسلم أن يؤمن بقضاء الله وقدره وأن لله ما أعطى ولله ما أخذ وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يرويه البخاري ومسلم مخاطبا النساء: "ما منكن امرأة يموت لها ثلاثة من الولد إلا كانوا لها حجابا من النار فقالت: امرأة واثنان؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: واثنان " فمن صبر واحتسب كان ثوابه الجنة وكان ولده المتوفى حجابا له من النار".

س: ما حكم ختان الولد؟

ج: الختان رأس الفطرة وشعار الإسلام وهو واجب على الذكور ومن لم يبادر إليه في إسلامه ولم يقم على تنفيذه قبل بلوغه فإنه يكون آثما مرتكبا المعصية لكون الختان شعارا من شعائر الإسلام وبه يتميز المؤمن عن الكافر وبسببه يتمتع المختتن بصحة جيدة ويتحرر من كثير من الأمراض الفتاكة.

س: ما حكم ختان البنت؟

ج: أجمع الفقهاء والأئمة المجتهدون على أن الختان مستحب للأنثى وليس بواجب وحجتهم في ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما شرع لأمة الإسلام الختان كان يخص الرجال دون الإناث ولم يثبت أنه عليه الصلاة والسلام أمر امرأة بالاختتان إلا ما ورد على سبيل الاستحباب فيما رواه الإمام أحمد عن شداد بن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الختان سنة للرجال ومكرمة للنساء".



ما يهم الأبناء من أحكام

س: كيف تغتسل الفتاة؟

ج: على الأم والمربية أن تعلم فتاتها أحكام الغسل من الحيض والجنابة لتكون على علم بأمور دينها فقد لوحظ جهل بعض الفتيات والفتيان بأمور الاغتسال من الجنابة وقد تستمر الفتاة زمنا طويلا فلا تعرف شيئا من هذه الأحكام وكذلك الفتى يقع في الجنابة ولا يعرف كيف يغتسل.. وإذا فقد الماء كيف يتصرف.

أولا: أحكام غسل الفتاة من الحيض والجنابة:

1- أن تنوي الغسل بالقلب دون النطق بالنية.
2- أن تذكر اسم الله بقولها بسم الله ثم تغسل اليدين ثلاثاً بالماء.
3- أن تتوضأ وضوءاً كاملاً.
4- أن تصب الماء على رأسها وليس شرطاً أن تنقض رأسها إن كان مشدوداً وإن كان النقض هو الأفضل والأحوط..
5- غسل سائر البدن بدءا بالجهة اليمنى.

س: وكيف يغتسل الفتى من الجنابة؟

ج: هي نفس شروط الغسل للفتاة مع ملاحظة أن ينثر الرجل شعره إن كانت له ظفائر ويخلل شعر رأسه ولحيته بالماء. وإذا لم يجد من يجب عليه الغسل الماء لبعده أو خاف زيادة المرض باستعمال الماء أو ما وجد ما يسخن به الماء في البرد وخاف عدوا أو عطشا فله أن يتيمم.

وطريقة التيمم ضربتان على كل طاهر من جنس الأرض كالرمل والحجر والتراب ضربة لمسح وجهه وضربة ليديه مع مرفقيه لما ورد في صحيح الحاكم "التيمم ضربتان: ضربة للوجه وضربة للذراعين إلى المرفقين ".

س: ما حكم الشرع في التدخين؟

ج: أثبت الطب أن الدخان يخدر العقل ويفتر الجسم وأنه يضر بالصحة فيورث السل وسرطان الرئة

ويضعف الذاكرة ويقلل الشهية ويسبب اصفرار الوجه والأسنان ويضيق التنفس ويهيج الأعصاب ويحدث انحطاطا عاما في الجسم ويميع الخلق ويعود على الكسل والاسترخاء فضلا عن إضاعة المال. لهذه الأضرار وغيرها فإن شرب الدخان حرام وقد أجمع الفقهاء والمجتهدين أن ما يؤدي إلى الضرر ويوقع في المهالك فاجتنابه واجب وفعله حرام لعموم قول الله تعالى:{وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} ولا يشك أحد من الناس أن الدخان يدخل في دائرة الخبائث لما اشتمل عليه من الأضرار والرائحة الكريهة والله سبحانه وتعالى جعل من مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم : "ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ".

وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر" أي مخدر والدخان يخدر العقل ويفتر الجسم كما ذكر.


الأبناء والعقوبات الهادفة

العقوبة في مفهوم التربية الإسلامية عقوبة هادفة وموجهه فليس المقصود منها الانتقام من المخطئ أو إلحاق الضرر به أو إقامة الحد عليه كما أنها ليست هي الوسيلة الوحيدة في تقويم اعوجاج الأبناء.. العقوبة وسيلة واحدة من وسائل التربية الإسلامية المتعددة وهي تستهدف خير الأبناء وصلاحهم وتكون مشفوعة بالرحمة والشفقة ومنضبطة بضوابط مشروعة لا تنفصل عنها وهي في حالة التطبيق تأخذ شكل التدرج والبدء بالعقوبة الأخف فالأشد. ومن هذه العقوبات:

1- النصح والإرشاد والتنبيه وقد مارس الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الأسلوب تجاه أحد الأبناء المخالفين فقد رأى الرسول صلى الله عليه وسلم غلاما تطيش يده في الطعام فقال له يعلمه طريقة الأكل: "يا غلام سم الله تعالى وكل بيمينك وكل مما يليك " متفق عليه.

2- الإعراض: جاء في صحيح الجامع "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اطلع على أحد من أهل بيته كذبة لم يزل معرضا عنه حتى يحدث توبة".

3- التعبيس: قد يفيد بعض النفوس فيردعها عن أخطائها.

4- الزجر: ومثاله زجر الرسول صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي رضي الله عنهما بقوله:" كخ كخ أرم بها أما علمت أنا لا نأكل الصدقة" (رواه مسلم).

الكف عن العمل: فقد طلب الرسول المربي صلى الله عليه وسلم من الشخص الذي تجشأ في حضرته قائلا له: "كف عنا جشاءك " "صحيح الجامع ".

- الهجر: إذا احتاج إليه المربي كأن يترك الولد الصلاة أو تصدر منه بعض الكلمات المخلة بالآداب وأكثر الهجر ثلاثة أيام لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم الوارد في صحيح الجامع "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث".

- التوبيخ وهو عبارة عن شدة في القول يفعله المربي لمن لا يقبل النصح.

تعليق العصا يستحب للمربي أباً كان أو مدرسا أن يعلق السوط على الجدار ليراه الأولاد فينزجروا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما ورد في صحيح الجامع "علقوا السوط حيث يراه أهل البيت فإنه أدب لهم ".

قال العلماء لم يرد به الضرب لأنه لم يأمر بذلك أحدا وإنما أراد لا ترفع أدبك عنهم.

ولتنويع هذه الأساليب في العقوبة حكمة تتناسب مع اختلاف النفوس وتنوعها فنفس ينفع معها النصح ولا يجدي معها الزجر وأخرى يردعها الزجر ولا تقبل الهجر ونفس لا تنصاع للحق وترعوي عن الشر إلا بالتخويف والترهيب والضرب.. وهكذا الناس مشارب مختلفة.. وكل ميسر لما خلق له.

عقوبة الضرب بين المؤيدين و المعارضين

التربويون على اختلاف شديد في مسألة عقوبة الضرب فهم بين الإفراط والتفريط بين المانعين للضرب والمعارضين له وبين الآخذين به على الإطلاق. والمنهج التربوي الإسلامي وسط بين هؤلاء وهؤلاء فهو لا يقر ضرب الأولاد إلا في حدود ضيقة وبضوابط معلومة ويعطي المربي حق استخدام هذا الأسلوب عندما لا يغني غيره من الأساليب. قال علماء التربية في الإسلام: يجوز للمربي أن يضرب ضربا خفيفا إذ لم تنفع الوسائل الأخرى وذلك بعد سن العاشرة إذ لا ضرب للطفل قبل العاشرة قياسا على الحديث الصحيح الذي رواه البزار "علموا أولادكم الصلاة إذا بلغوا سبعا واضربوهم عليها إذا بلغوا عشرا وفرقوا بينهم في المضاجع ".

وللضرب في الإسلام ضوابط من ذلك:

1- استنفاذ الوسائل التربوية قبله من نصح وتوجيه وتعبيس وزجر وهجر وتوبيخ.
2- أن يكون الضرب مساويا للعقوبة.
3- أن لا يزيد المربي في ضربه عن عشر ضربات.

لما ورد في البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله ".

4- ويجب في السوط كما يقول العلماء:

أ- أن يكون معتدل الحجم فيكون بين القضيب والعصا.
ب- وأن يكون معتدل الرطوبة فلا يكون رطباً يشق الجلد لثقله ولا شديد اليبوسة فلا يؤلم لخفته.
ج- ولا يتعين لذلك نوع بل يجوز بسوط وبعود وخشبة ونعل وطرف ثوب بعد فتله حتى يشتد.

5- وقال العلماء في طريقة الضرب:
أ- أن يكون مفرقاً لا مجموعاً في محل واحد.
ب- أن يكون بين الضربتين زمن يخف به ألم الأول.
ج- أن يرفع الضارب ذراعه لينقل السوط لأعضده حتى يرى بياض إبطه فلا يرفعه أكثر من ذلك لئلا يعظم ألمه.

6- أن يتقي المربي والأب ضرب الوجه والفرج والرأس والمقتل. وفي الحديث الذي رواه أبو داود "إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه ".

وأجمع أهل العلم أن أفضل مكان للضرب اليدان والرجلان.

7- أن يتجنب الغضب عند الضرب للحديث الذي رواه الجماعة "لا يقضين حاكم بين اثنين وهو غضبان ".

8- أوصى العلماء عند الضرب بالابتعاد عن بذاءة اللسان في السب والشتم وتقبيح الولد كقول من يقول يا قرد- يا كلب.

9- وعلى المربي أن يطيل النظر في شأن الولد قبل الإقدام على الضرب فلعل حالة التقصير والعناد عنده ناشئة من مرض عضوي أو مرض نفسي أو خطأ غير متعمد أو لعله واقع تحت تأثير سحر أو مس أو حسد أو عين.. ولكل حالة من هذه ما يناسبها من علاج.

كيف نغرس قيمة الوقت عند أبنائنا؟

كثيرا ما يتكلم المربون والمدرسون عن قيمة الوقت وأنه كالسيف إن لم تقطعه قطعك وأن الوقت هو الحياة. وأن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة. ولكن قلما يهتدي الأبناء والمنصوحون إلى الطريقة المثلى في حفظ الأوقات والانتفاع بالساعات.. وإنك ترى بعض الناس تمر بهم الساعات والأيام والسنون وهم هم إن لم ينقصوا لم يزيدوا ولم يزدادوا علما ولم يؤسسوا مجدا ولم ينالوا خيرا ولم يحققوا فخرا.

وأول توجيه ينبغي أن يغرسه المربي في نفوس طلابه وأبنائه الاهتمام بقيمة الوقت والغيرة على فواته أو تضييعه لأن المضيع لوقته مضيع لحياته كلها وفي الحديث الشريف: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: منها: "وعن عمره فيما أفناه " (رواه الترمذي).. وأنه ما من يوم تشرق فيه الشمس إلا وينادى أنا يوم جديد وعلى عملك شهيد فاغتنم مني فإني لا أعود إلى يوم الوعيد.

وثاني توجيه لحفظ الأوقات التذكير بسيرة العظماء والنبلاء والعلماء الذين ما بلغوا ذرى المجد والرفعة إلا باستغلال أوقاتهم والحرص على عدم تضييعها، روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه كان يقول: "ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه، نقص فيه أجلي ولم يزد فيه عملي ". وقال الخليفة الصالح عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: "إن الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما".

وقال الحسن البصري رحمه الله: "أدركت أقواماً كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصا على دراهمكم ودنانيركم ".

وقال الإمام الشافعي رحمه الله "نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل. وثالث توجيه للأبناء في حفظ أوقاتهم يأتي من حفظ العبادات فالمسلم يصلي الصلاة لوقتها لقوله تعالى:{إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} أي فرضا مكتوبا وموقوتا بأوقات محددة. وبالمحافظة على الصلاة لوقتها يغرس المسلم في نفسه بنفسه حب الحفاظ على الوقت.

ورابع توجيه للأبناء في حفظ أوقاتهم واستثمارها فيما يعود بالنفع عليهم إشغالهم بالطاعات والأعمال الصالحة كحفظ القرآن وحفظ الأحاديث الشريفة وحضور مجالس العلم والتسامي بالطاعات من صلاة وصيام والاهتمام بتربية الجسم بممارسة الرياضة المفيدة. ويجمع ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك. وحياتك قبل موتك ".


من وصايا الصالحين في تربية الأبناء

وصية لقمان لابنه:
قال الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} أي احذر الشرك في عبادة الله كدعاء الأموات أو الغائبين أو اعتقاد النفع والضر في أحد المخلوقين. ثم يقول الله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} وفي هذه الوصية يقرن الله سبحانه وتعالى يين عبادته وحده وبين البر بالوالدين لعظم حقهما ولكبير فضلهما فالأم حملت ولدها بمشقة والأب تكفل بالإنفاق فاستحقا من الولد الشكر لله ولوالديه ثم يحذر لقمان الحكيم ابنه من الظلم فيقول: "يا بني إنها إن تكن مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير" قال ابن كثير أي أن المظلمة أو الخطيئة لو كانت مثقال حبة خردل احضرها الله تعالى يوم القيامة حين يضع الموازين القسط ويجازي عليها إن خيراً فخير وإن شراً فشر.

ثم يأمره بالصلاة التي هي عمود الدين "يا بني أقم الصلاة" أي أدها بأركانها وواجباتها بخشوع ثم يأمره بالدعوة وهداية الناس {وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ} بلطف ولين بدون شدة ولما كان من طبيعة الدعوة حصول المشاق والتعرض للأذى والإعراض أوصاه بالصبر على دعوة الناس {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}.

ثم أخذ ينصحه بمجموعة من الفضائل والأخلاق:

"ولا تصعر خدك للناس " قال ابن كثير لا تعرض بوجهك عن الناس إذا كلمتهم احتقارا منك لهم واستكبارا عليهم ولكن ألن جانبك وابسط وجهك إليهم.

{وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً} أي خيلاء متكبرا جبارا عنيدا لا تفعل ذلك فيبغضك الله.

{إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} أي مختال عجب في نفسه فخور على غيره.

{وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ} أي امش مشيا مقتصدا ليس بالبطيء المتثبط ولا بالسريع المفرط بل عدلا وسطا بين وبين. لأن خير الأمور الوسط.

{وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ} أي لا تبالغ في الكلام ولا ترفع صوتك فيما لا فائدة فيه ولهذا قال: "إن أنكر الأصوات لصوت الحمير" قال مجاهد إن أقبح الأصوات لصوت الحمير أي غاية من رفع صوته أنه يشبه بالحمير في علوه ورفعه ومع هذا هو بغيض إلى الله وهذا التشبيه بالحمير يقتضي تحريمه وذمه غاية الذم. إن وصية لقمان الحكيم لابنه هي وصية كل أب غيور على أبنائه لما تحمله من توجيهات كريمة وآداب راقية.

أهم التوصيات المتعلقة بتربية الأولاد

يؤكد علماء الدين والتربية والسلوك بضرورة الأخذ بهذه التوصيات التي تمثل الأساس في العملية التربوية لدى الأولاد وبقدر الأخذ بهذه التوصيات تأتي نتائج التربية وأهم هذه التوصيات:

1- للقدوة الحسنة أثر كبير في نفس الطفل "فأبواه يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه ".

2- للمنزل والأسرة الأثر البالغ في حياة الطفل فينبغي أن يحاط بكل ما يغرس في نفسه روح الدين والفضيلة.

3- قيام المرأة بتربية أطفالها وقيامها على خدمة زوجها يعدل جهاد الرجل في المعركة وصلاة الجمعة في المساجد.

4- الأبوان مفطوران على محبة الولد فلا يحرم الولد منها ومن أهم مظاهر المحبة: الرحمة بالولد والشفقة عليه والاهتمام بأمره.

5- على المسلم أن يتقي الله في أولاده جميعا فيسوي بينهم في الحقوق ويعاملهم على سواء ويعدل بينهم وليحذر من كراهية البنات فإنها جاهلية بغيضة حرمها الإسلام.

6- للإسلام طريقته الخاصة في إصلاح الولد وتربيته فإن كان ينفع مع الولد الملاطفة بالوعظ فلا يجوز للمربي أن يلجأ إلى الهجر وإن كان ينفع الهجر أو الزجر فلا يجوز له أن يلجأ إلى الضرب وإذا عجز عن جميع الوسائل الإصلاحية ملاطفة ووعظا وزجرا وهجرا فلا بأس بعد هذا أن يلجأ إلى الضرب غير المبرح.

7- يحرص الإسلام على نفسية الطفل حرصا شديدا فيطلب من الأبوين تسمية أبنائهم بالأسماء الحسنة حتى لا يحصل كدر عند مناداتهم.

8- من مسؤولية الآباء والمربين ربط الولد منذ تعقله بأصول الإيمان وتعويده منذ تفهمه أركان الإسلام وتعليمه من حين تميزه مبادئ الشريعة الغراء.

وحينما تكون تربية- الطفل بعيدة عن العقيدة الإسلامية مجردة من التوجيه الديني والصلة بالله عز وجل فإن الطفل يترعرع على الفسوق والانحلال والانحراف.

9- الصحبة الصالحة وسيلة فاعلة من وسائل تربية الأولاد لأن الصبي عن الصبي ألقن وهو عنه آخذ وبه آنس والقرين بالمقارن يقتدي فعلى الأبوين اختيار الرفقاء الصالحين لأبنائهم.

10- في غيبة التربية الإسلامية والتهذيب الأخلاقي تنشأ النفس البشرية لدى الأطفال وفق الأهواء والرغبات والأمزجة.
فمن كان مزاجه من النوع الهادي عاش في الحياة غافلا بليدا حيا كميت وموجودا كمفقود.
ومن كان يغلب على نفسه الجانب "البهيمي " جرى وراء الشهوات والملذات يطلبها بكل وسيلة.
ومن كان مزاجه من النوع العصبي جعل همه العلو في الأرض والاستكبار على الناس. وإن كان يغلب عليه الجانب الشيطاني دبر المكائد وفرق بين الأحبة ولا يصلح ذلك كله إلا التربية على الإيمان والأخلاق.

11- التربية الإيمانية للأولاد بمثابة الأساس للبناء والتربية الأخلاقية هي ثمرة من ثمرات التربية الإيمانية الراسخة. وقد أجمع علماء التربية على أن حياة الترف والنعيم والانغماس في الشهوات والملذات من أفتك الأوبئة في إضعاف الذاكرة وتحطيم الشخصية وتمييع الخلق وقتل الرجولة ونشر الأمراض والقضاء على فضيلة الشرف والعفاف.

12- من واجب الآباء والأمهات العناية بأجسام الأولاد والنفقة عليهم بسخاء وأخذهم بالقواعد الصحية في المأكل والمشرب والنوم والتحرز من الأمراض السارية والمعدية ومعالجة الأمراض بالتداوي والعمل بمبدأ لا ضرر ولا ضرار.
وتعويد الأولاد على ممارسة الرياضة وألعاب الفروسية وحملهم على حياة التقشف والخشونة وإبعادهم عن حياة الترف والميوعة وأن ينمي المربي فيهم الجرأة الأدبية والاعتماد على النفس وتحمل المسؤولية.
13- البعد بالأولاد عن الفراغ والخلوة لأن الفراغ يشغل النفس بالباطل والخلوة تجلب الهواجس وتستقبل خواطر الشيطان.

14- الأصل في تربية الأبناء اللين وحسن المعاملة فإن احتاج الأمر إلى عقوبة جاز استخدامها بشرط ألا تكون ناشئة عن سورة جهل أو ثورة غضب وألا يلجأ إليها إلا في أضيق الحدود وألا يؤدب الولد على خطأ ارتكبه للمرة الأولى وألا يؤدبه على خطأ أحدث له ألما وألا يكون أمام الآخرين.
ومن أنواع العقوبة العقاب النفسي كقطع المديح أو إشعار الولد بعدم الرضا أو توبيخه أو غير ذلك ومنها العقاب البدني الذي يؤلمه ولا يضره.

15- من الضروري أن يرسم الأبوان منهاجا ثقافيا تربويا لأبنائهم منذ الصغر والطفولة يلقنونهم الآيات والمفاهيم الإسلامية كالشهادتين وشيء من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرة أهله وأصحابه على شكل قصص وموضوعات مختصرة.

16- ومما يعين الأولاد على التربية تعويدهم على ذكر الله والتعلق به كالتسمية عند البدء بالطعام والشراب والحمد لله عند الانتهاء منهما والاستعانة به عند وصول الشدائد والشكر له عند قضاء الحوائج وحصول الخير والحرص على تعليمهم الصلاة واصطحابهم إلى المساجد وتعليمهم تلاوة القرآن الكريم وتعريفهم بالمناسبات الإسلامية. كليلة القدر والبعثة النبوية وتاريخ المعارك الإسلامية.

17- على الأبوين أن يحذرا سلوك التفريق في التعامل بين الأبناء فإن ذلك كثيرا ما يدفعهم إلى الكراهية فيما بينهم وإلى النفور من الأبوين.

18- الحذر من سلوك الانطواء والعزلة في جو العائلة عن الأهل والجيران والمجتمع فإن ذلك يترك أثره السلبي في حياة الأبناء أما إذا وجد الأبناء آباءهم يعيشون علاقات طيبة مع الأرحام والأقارب والجيران والأصدقاء كالزيارات وتبادل الهدايا والضيافة والاهتمام بحوائجهم فإنهم يتلقون هذه الأخلاق والعادات الحسنة ويتأثرون بها.

19- على الأبوين أن يحرصا على تربية الطفل على مفهوم الاعتذار والتوبة إذا أخطأ وأساء فيطلب منه أن يقول: (اعتذر أو عفواً أو استغفر الله.. إلخ) مع توجيهه وإرشاده.

20- التركيز على تعليم الأولاد الأخلاق المتعلقة بالغير كالعناية بحسن المظهر وآداب التحية والحديث والمجلس واحترام الآخرين والصدق في القول وترك الضحك الكثير والمزاح الكثير.

21- توجيه الأولاد لاستثمار أوقات الفراغ والمساهمة في الأعمال العامة التي تضم أقرانهم كالألعاب الرياضية والتدريب على الخط والنجارة.

22- تحبيب العلم إليهم وتوسيع أفق تفكيرهم في المستقبل وتوجيههم توجيها صحيحا في هذا المجال.

23- إبعادهم عن أصدقاء السوء وتوجيههم لاختيار الأصدقاء الصالحين الذين يستفاد منهم ومراقبة سلوكهم وإسداء النصائح لهم عندما تظهر عليهم بعض الآثار غير السليمة.

24- تعريفهم مفهوم الحلال والحرام وتدريبهم على الالتزام به.

25- محاولة نقل التجارب الاجتماعية النافعة لهم من خلال الحديث العائلي وسرد الحكم والقصص التاريخية وتحذيرهم من الأخطاء والأخطار.

26- أن يحرص الأبوان على تكوين علاقة طيبة بينهما فإن عدم الانسجام والخلاف أو التصرفات غير السليمة بين الأبوين في البيت تنعكس على سلوك الأطفال والأبناء فالأب الذي لا يحترم الأم أو الأم التي لا تحترم الأب أو ما يحصل بينهما من مشاجرة أو حالة من السخط وعدم الرضا أو جو الكآبة والكراهية كل ذلك ينعكس سلبا على الأبناء ويؤثر تأثيرا مخربا في سلوكهم وأخلاقهم وحالاتهم النفسية كما أن علاقة الأبوين بالأبناء وأسلوب التعامل معهم يترك أثره الحسن أو السيئ في نفوسهم وعلاقتهم المستقبلية بالأبوين وعلاقتهم بالمجتمع.

فالطفل الذي لا يشعر بالحب والحنان والرعاية من أبويه قد ينشأ طفلا غير سوي عدواني السلوك والنزعة وربما ساقه ذلك التعامل إلى التشرد والكراهية أو أصيب بعقد نفسية سلبية.

وسوء المعاملة مع الطفل المراهق وعدم احترام شخصيته قد يقوده إلى الإساءة إلى والديه وإلى الآخرين وتتكون لديه عقدة النقص.

27- من الخطأ تحقير الولد وتعنيفه على أي تصرف خاطئ بصورة تشعره بالنقص والمهانة.. والصواب هو تنبيه الولد على خطئه إذا أخطأ برفق ولين مع تبيان الحجج التي يقتنع بها في اجتناب الخطأ.

28- إذا أراد المربي زجر الولد وتأنيبه ينبغي ألا يكون ذلك أمام رفقائه وإنما ينصحه منفردا عن زملائه.

29- الدلال الزائد والتعلق المفرط بالولد وخاصة من الأم يؤدي إلى نتائج خطيرة على نفس الولد وتصرفاته وقد يكون من آثاره زيادة الخجل والانطواء نحو الميوعة والتخلف عن الأقران.

30- فكرة استصغار الطفل وإهمال تربيته في الصغر فكرة باطلة والصواب أن تبدأ التربية ويبدأ التوجيه منذ الصغر من بداية الفطام حيث يبدأ التوجيه والإرشاد والأمر والنهي والترغيب والترهيب والتحبيب والتقبيح.

31- على الأبوين أن لا يستهينا بسن المراهقة لدى أبنائهما فإن لهذه السن خصوصية من المعاملة ومن هذه الخصوصية: القرب منهم ومراقبتهم بعناية وإشغالهم بشيء من المباح وإبعادهم عن أسباب الانحراف والصبر على بعض تصرفاتهم.

32- إذا بلغ الناشئ سن الزواج وأظهر رغبة فيه فينبغي أن يختار له أبواه الزوجة الصالحة.. وإذا بلغت البنت سن النكاح واشتهت الرجال فينبغي أن يختار لها أبوها الزوج الصالح ولا ينتظر من يأتيها من الخاطبين فقد يغفل عنها الخاطب الصالح ويخطبها غير الصالح.

33- وعلى الوالدين أن يرشدا أولادهم بعد الزواج إلى الخير ولا يتدخلا في شؤونهم الزوجية الخاصة وأن لا تضعف رابطة الأبوة بعد الزواج.