السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


( آداب الصحبة )




إن الإنسان في هذه الحياة لا بد أن يكون له أصدقاء وإخوان؛ لأن الإنسان اجتماعي بطبعه، وقد جاءت أحاديث في السنة النبوية تدل على فضل الأخوة وعِظَم منزلتها إذا كانت خالصة لله تعالى ليس فيها أي غرض من أغراض الدنيا، وإن أفضل طريقة لدوام الصحبة والمحافظة عليها هي الالتزام بآداب الصحبة، والتي ذكر الشيخ منها في هذا الدرس آداباً كثيرة.
أهمية الالتزام بآداب الصحبة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فحديثنا في هذه الليلة أيها الإخوة عن أدب آخر من الآداب الشرعية ألا وهو "آداب الصحبة".
وآداب الصحبة كثيرة, والصحبة ولا شك من الأمور المهمة للغاية, فإن الإنسان اجتماعي بطبعه ولا بد أن يكون له إخوان وأصحاب و(المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
والله سبحانه وتعالى قد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه خيراً فقال الله عز وجل: فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ [آل عمران:159] وقال سبحانه: لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ [الأنفال:63] وإذا كان الإنسان على دين خليله فلا بد أن يكون لهذا الخليل صفات تجعل مصاحبته في مرضاة الله سبحانه وتعالى, والصاحب يؤثر في صاحبه ولا شك، وقد أوصى أهل العلم بوصايا فقال أحدهم:
لا تصحب أخا الجهل وإياك وإياه

فكم من جاهل أردى حليماً حين آخاه

يقاس المرء بالمـرء إذا ما المرء ماشاه

وللشيء من الشيء مقاييس وأشباه

وللقلب من القلب دليل حين يلقاه

ولا شك أن الاعتناء بآداب الصحبة يربط الإخوان ببعضهم البعض, ويجعل المسلمين جسداً واحداً كما يريد الله سبحانه وتعالى، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً) وإذا اعتنى الإنسان بإخوانه فصفت العشرة ودامت المودة، وأصبح المؤمنون كالجسد الواحد؛ كان ذلك بناء عظيماً للمجتمع الإسلامي، وسداً منيعاً في وجه الشرّ وأهل الكفر.

آداب الأخوة
فتعالوا بنا نستعرض بعض آداب الأخوة التي ذكرها بعض أهل العلم, فمن آداب الأخوة:
أولاً: حسن الخلق، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن خير ما يُعطَى الإنسان خلق حسن, كما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد وأبو داود وغيرهما، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بمخالطة الناس بالخلق الحسن, فقال صلى الله عليه وسلم: (وخالق الناس بخلق حسن) وهو اقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم.
ولا شك أن حسن الخلق يولد الأخوة ويؤلف الطباع.
ومن آداب الصحبة أيضاً أن تعطي كل أحد من الذين تصاحبهم حقه على اختلاف طبقاتهم ومنازلهم, قال بعض أهل العلم: للمعاشرة أوجه، فللمشايخ والأكابر بالاحترام والخدمة والقيام بأشغالهم, وللأقران والأوصاف بالنصيحة وبذل الموجود، وللتلاميذ بالإرشاد والتأديب، والحمل على ما يوجبه العلم وآداب السنة.
ومن آداب الأخوة كذلك: الإغضاء عن العثرات, فعثرات الإخوان لا بد من حصولها, والصفح عنها من قيم الصاحب المؤمن, قال الفضيل بن عياض رحمه الله: "الفتوة: الصفح عن عثرات الإخوان" وكما يحب الإنسان أن يعامل إذا أخطأ بالصفح والتغافر فينبغي كذلك أن يعامل إخوانه, قال ابن الأعرابي: "تناسَ مساوئ الإخوان يدم لك ودهم " .
ولا شك أن الذين لا يتناسون عثرات إخوانهم يقعون في مأزق عندما يفقدونهم الواحد تلو الآخر, والله سبحانه وتعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ [الحجر:85] ما هو الصفح الجميل؟ الذي ليس فيه تقريع ولا تأنيب وإنما هو معاتبة للرفيق, والمؤمن يألف ويؤلف, ومن الأشياء التي تجعل الإنسان يؤلف أن يتغاضى عن عثرات إخوانه.
وكذلك من الآداب: ستر عيوب الإخوان.. وتحسين عيوبهم, فبعض الناس قد يجد في أخيه عيباً؛ فالموقف أن يحاول إصلاح عيبه، وأن يرشده إلى الطريقة التي به يقوم عيبه, ويستر عيوبهم؛ بمعنى أنه لا يشيعها ولا يتطلبها, ولذلك قال بعض السلف : المؤمن يطلب معاذير إخوانه, والمنافق يطلب عثرات إخوانه, وينبغي على الإنسان إذا أخطأ أخاه أن يلتمس له الأعذار الكثيرة، وإذا لم يقبل عذره فليتهم نفسه، كيف تطلب كل هذه الأعذار ثم لا تقبلها؟
ومن آداب الأخوة: أن يعاشر من يوثق بدينه وأمانته في الظاهر والباطن؛ لأن الله قال: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [المجادلة:22] ولذلك لا خير في مصاحبة أهل الدنيا؛ لأن أهل الدنيا يدلون على طلبها وجمعها ومنعها, ولا شك أن هذا يبعد الإنسان عن سبيل النجاة، وإنما يعاشر أهل الخير ومن يدله على طلب الآخرة، ولذلك أوصى بعضهم صاحباً له يريد مفارقته بقوله: "عليك بصحبة من تسلم منه بظاهر أمرك، وتبعثك على الخير صحبته، ويذكرك الله رؤيته أي: رؤيته تذكرك بالله، هذا الذي تحرص على صحبته.
وكذلك من آداب الصحبة: ألا يحسد إخوانه على ما يراه من النعم عندهم, لأن الله سبحانه وتعالى قد فاوت بين العباد في الأرزاق والعطيات، والمواهب والأموال، ونحو ذلك, فينبغي على الأخ إذا آخى أخاً له ألا يحسده على نعمة عنده, وأن يحمد الله سبحانه وتعالى أن وهبها الله لأخيه, والله عز وجل قال: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النساء:54] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تحاسدوا).
وكذلك من آداب الصحبة: ألا يواجه أخاً من إخوانه بما يكرهه, فإذا كان يكره أمراً معيناً فلا يواجهه به، ما لم يكن في ذات تلك المواجهة مصلحة له أو نصيحة في الدين.
ومن آداب الصحبة: ملازمة الحياء مع الأخ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الحياء من الإيمان) وقال عليه الصلاة والسلام: (استحي من الله كما تستحي رجلاً صالحاً من قومك) بل استحي من الله أعظم مما تستحي من رجل صالح من قومك, لكن ضربه مثلاً للتقريب.
وكذلك من آداب الأخوة: بشاشة الوجه، ولطف اللسان، وسعة القلب، وإسقاط الكبر.
ومن آداب الأخوة: ألا يصحب إلا عاقلاً وعالماً، وحليماً تقياً.. فإن صاحب العقل مهم, بالإضافة إلى كونه صاحب دين.
وكذلك من آداب الأخوة: سلامة الصدر للإخوان والأصحاب، والنصيحة لهم، وقبول النصيحة منهم, وأن يكون كما قال الله: إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:89] وأن يكون صاحب صدر سليم؛ خال من الأحقاد والضغائن على إخوانه.
وكذلك من آداب الأخوة: ألا يخلف الإنسان وعده, إذا وعد أخاه لا يخلفه؛ لأن إخلاف الوعد من علامات النفاق كما قال صلى الله عليه وسلم : (آية المنافق ثلاث.. وذكر منها إذا وعد أخلف) وقال الثوري رحمه الله: "لا تعد أخاك موعداً فتخلفه فتستبدل المودة بغضه " يحل محل المودة البغض, وقال نصر المروزي رحمه الله:
يا واعد الوعد الذي أخلفا ما الخلف من سيرة أهل الوفا

ما كان ما أظهرت من ودنا إلا سراجاً لاح ثم انطفا

ومن آداب الأخوة: أن يصحب من يستحي منه ويحتشمه.. وقال بعضهم: أحب الطاعات بمجالسة من يستحيا منه, وقالوا كذلك: ما أوقعني في بلية إلا صحبة من لا أحتشم, وما المقصود بصحبة من لا تحتشم أي: الذي لا تستحي أن تفعل أمامه من المنكرات ما شئت, هذا لا تصحبه, لأنك مهما فعلت من الأخطاء والمنكرات فإنك لا تشعر بالحشمة.
لا تحتشم أي: لا تقيم له وزناً, احرص على مصاحبة الشخص الذي تستحي من فعل أو قول المنكر أمامه، احرص على مصاحبة الشخص الذي تحتشم وتحرص على ألا يظهر منك عيب ولا خلل أمامه, لأن كثرة مصاحبة هؤلاء توجب للإنسان الابتعاد عن هذه السيئات, أما إذا صاحب أشخاصاً من السفلة الذين لا يستحي أن يسمع أمامهم منكراً أو يقول أمامهم منكراً؛ فلا شك أن هذا سيجرؤه على المنكرات, بل ربما أعانوه عليها.
وكذلك من آداب الأخوة: أن يحفظ إخوانه فيما يصلحهم لا ما يريدونه, فإن الصاحب قد يريد منكراً أو يريد شراً فأنت لا تحرص على تلبية رغبته لأنه يريد منكراً, والمؤمن يعاشرك بالمعروف، ويدلك على صلاح دينك ودنياك, والمنافق يعاشرك بالممادحة ويدلك على ما تشتهيه, فهذا الفرق بين مصاحبة المؤمن ومصاحبة المنافق.
وكذلك من آداب الصحبة: ترك ما يؤذيه عموماً بالمواجهة أو بغيرها, لأن الله سبحانه وتعالى يقول: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً [الأحزاب:58]
ومن آداب الصحبة: أن تحب له ما تحب لنفسك، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).
ومن آداب الصحبة: أن تحرص على ما يجلب المودة بينك وبينه كما قال عمر رضي الله عنه: [ثلاث يصفين لك ود أخيك: أن تسلم عليه إذا لقيته, وتوسع له في المجلس, وتدعوه بأحب الأسماء إليه].
ولا شك أن السلام من أسباب المحبة.. وإذا وسعت له في المجلس إذا دخل دل ذلك على قيمته عندك, وعلى حرصك على راحته, وعلى إكرامك له, والنفوس ترتاح لمن يكرمها، وإذا دعوته بأحب الأسماء إليه فإن ذلك أيضاً من أسباب محبته لك, فإن النفوس لا ترد من يناديها باسم فيه عيب أو فيه نوع من السخرية.
وكذلك من آداب الأخوة: أن تحمل كلامه على أحسن الوجوه:
فإذا وجدت لكلامه وجهاً حسناً فاحمله عليه, وضع أمر أخيك على أحسنه.
ومن آداب الأخوة: السؤال عن اسمه واسم أبيه وعن منزله، لئلا تقصر في حقه, فإنك إذا عرفت أسماء أقاربه كان ذلك سبباً في مودته, لأنك إذا عرفتهم في مناسبة أو مكان فأكرمتهم من أجله؛ فإن هذا من الأسباب التي تقوي العلاقة بينك وبينه, فإذا عرفت أن أباه فلان وأخاه فلان وابن عمه فلان وغير ذلك, وأن صديقه فلان، كان برك لهم من برك له.
وكذلك من آداب الأخوة: أن تلازم الأخوة ولا تقطعها ولا تمل منها, فإن بعض الناس يصاحبون الأشخاص لفترات قصيرة ثم يتركونهم, ويكون همه هو التعارف والمداخلة ثم الخروج وهكذا, والأخوة الحقيقة هي التي تدوم ويحرص الإنسان على الالتزام بها, لا تركها ومفارقتها, ولا شك أن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل, وقد قال بعضهم: ليس لملول صديق, والملول: الذي يمل من كل أحد فيعاشر معاشرة بسيطة ثم يترك ويستبدل بالإخوان آخرين، وهكذا، ثم يستغني عنهم, ويمل من مصاحبتهم, فلا شك أن الملول لا يدوم له أخ.
وكذلك من آداب الأخوة: ألا تقطع صديقاً بعد إذ صادقته، ولا ترده بعد أن قبلته, قال الخليل بن أحمد : لا تواصلنّ صديقاً إلا بعد تجربة, يعني: لا تصادق وتواصل إلا بعد تجربة, فإذا خبرته وسألت عنه وعرفت حاله فصاحبه وآخه, وإذا صادقته فلا تقاطعه, فمؤمن بلا صديق خير من مؤمن كثير الأعداء.
ولا شك أن الإخوان إذا قاطعهم الإنسان ربما انقلب بعضهم عدواً, ولذلك لا تصاحب صديقاً إلا بعد تجربة, وإذا صاحبته فلا تقطعه؛ لأن من آداب الأخوة أن المؤمن إذا ظفر بأخ أو صديق لا يضيعه؛ لأن الأخوة والصداقة عزيزة, أي: أن الإخوان الذين عندهم الوفاء والصدق والبر قلة, فإذا ظفرت به فلا تتخل عنه ولا تقطعه, وكتب بعض الحكماء لصاحب له: استوحش ممن لا إخوان له, وأشد الناس تفريطاً من وجد أخاً ثم ضيعه بعد أن وجده, وإن وجدان الكبريت الأحمر أيسر من وجدان أخ, والكبريت الأحمر نوع خالص منه معروف يضرب به المثل لندرة وجوده, وإني لفي طلب الإخوان منذ خمسين سنة.. واعلم أن الناس ثلاث: معارف وأصدقاء وإخوان, فالمعارف بين الناس كثير, أي: من جهة المعارف قد يتعرف الإنسان على أشخاص كثيرين ويعرف أشخاصاً كثيرين, لكن الأصدقاء من المعارف أقل, والصديق عزيز، والأخ قلما يوجد, فقد تتعرف على شخص، وقد تصادق أشخاصاً في مكان العمل أو في فصل دراسي, والإخوان من هؤلاء الذين تصطفيهم بصفاتهم التي يؤمن جانبهم، وتأمن على نفسك إذا صادقتهم ندرة قلة, ولذلك من الحماقة التفريط بالإخوان.
وكذلك من آداب الأخوة: التواضع للإخوان وترك التكبر عليهم, وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله قد أوحى الله إليّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد) رواه مسلم رحمه الله تعالى.
وينبغي كذلك البشر والانبساط للإخوان, ولا شك أن الابتسامة في وجه أخيك صدقة, والبشر وطلاقة الوجه والابتسامة من الأشياء التي يتؤدب بها مع الإخوان.
وكذلك من آداب الإخوة: حفظ المودة القديمة, كأن يكون بينك وبين إنسان ودٌّ, أو جار كان بينك وبينه مودة ثم رحل عنك؛ فتعاهده بين فترة وأخرى, يُروى أن امرأة دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فأدناها وأكرمها, فقيل له بذلك وسألته عائشة : قال: (إنها كانت تأتينا أيام خديجة، وإن حسن العهد لمن الإيمان) أيام خديجة كم مضى عليها؟ سنوات طويلة .. ماتت خديجة في العهد المكي, وبعدها جلس النبي صلى الله عليه وسلم في مكةفترة بدون زوجة, وانتقل إلى المدينة وبقي فيها سنوات, ولما جاءت هذه المرأة أكرمها وهي امرأة عجوز من صديقات خديجة وقال: (إن حسن العهد لمن الإيمان).
ومن أحب أن تدوم له المودة فليحفظ مودة إخوانه القدماء, وقال بعض السلف : عاشروا الناس معاشرة من إذا غبتم حنوا إليكم، وإن متم بكوا عليكم.
ومن آداب الأخوة: حفظ أسرار الإخوان, لأن الأخ قد يفضي إلى أخيه بسر، فالعاقل من حفظ سر أخيه, وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان) وقال بعض الحكماء: قلوب الأحرار قبور الأسرار, وأفشى رجل إلى صديق له سراً من أسراره, فلما فرغ قال له: حفظته؟ قال: لا. بل نسيته, أي: مجرد ما أنت أفشيته أنا نسيته, من شدة محافظته على سر أخيه, وقال الشاعر:
ليس الكريم الذي إن زل صاحبه بث الذي كان من أسراره علما

إن الكريم الذي تبقى مودته ويحفظ السر إن صافى وإن صرما

لو كان في حال المصافاة وفي حال حدوث شيء يحفظ السر ولا يسر به ولا يشهر, وكثير من الناس يأنس إلى شخص ويطمئن إليه، ويعطيه من أسراره، ثم تحصل بينهما مشكلات أو قطيعة؛ فيبدأ ينشر هذه الأسرار, ويبثها بين الناس، ويقول الأول: يا ليتني ما أعطيته شيئاً منها..!
ومن آداب الأخوة كذلك: أن تشاور إخوانك، وليست فقط المشاورة قضية مجاملة، وإنما قبول ما يشير به عليك إذا رأيت فيه وجه الصواب, ولا تشاور لمجرد أن تظهر له أنك لست مستبداً، وأنك تشاركه في أمرك، لا. وإنما أيضاً أن تعمل برأيه إذا كان رأيه صائباً, والله قال: وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ [آل عمران:159].
ومن آداب الأخوة: الإيثار، بأن تؤثره وتقدمه على نفسك, وتعطيه ما تحتاج إليه, قال الله عز وجل: وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ [الحشر:9].
ومن آداب الأخوة: قلة المخالفة في أسباب الدنيا, والمخالفة في أسباب الدين واجبة, لكن في أسباب الدنيا لا تخالف, آراء دنيوية مثل أن تضع هذا في مكان هذا, أو أن تذهب من هذا الطريق أو من هذا الطريق, احرص على قلة المخالفة في الأمور الدنيوية, فإن الدنيا أقل خطراً من أن يُخالَف فيها أخ من الإخوان, الدنيا، وأقل منزلة من أن تخالف أخاً من أجلها, فإذا صارت المسألة بين أن تخالفه لأجل الدنيا أو توافقه لأجل حفظ الأخوة فقدم حفظ الأخوة, وقال يحي بن معاذ : الدنيا بأجمعها لا تساوي غم ساعة, فكيف بغم طول عمرك فيها, وقطع إخوانك بسببها مع قليل نصيبك منها, أتقطع إخوانك بسبب الدنيا..؟!
وكذلك من آداب الأخوة: ألا تداهن أخاك في أمر من أمور الدين, وألا تجامله على حساب مصلحته, وتعطيه على هواه, ولو كان في ذلك مضرة له, لا يشم رائحة الصدق عبد داهن غيره, وقلة الخلاف مع الإخوان وتحري موافقتهم مقيد بما لم تكن المخالفة في أمور الدين كما تقدم.
ومن آداب الإخوان: الدفاع عن أعراضهم والذب عنهم, والانتصار لهم، فإذا وقع إنسان في عرض أخيك في مجلس فدافع عنه, وذب عنه, وإذا ظلم أخوك انتصر له, وإذا طعنوا فيه أظهر عذره, وكان الصحابة رضوان الله عليهم إذا وقع أحد في شخص دافعوا عن أخيهم, لا يتركوه نهباً لألسنة المغرضين وإنما يدافعون عنه.
وكذلك من آداب الإخوان: قلة الغضب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تغضب).
ومن آداب الإخوان: أن يحرص كل الحرص على أن يكون قائماً بخدمتهم, فإن خدمة الإخوان من العبادات العظيمة, ولو أن تأتيه بكوب ماء في جوف الليل تسقيه إذا كان عطشان, ولا شك أن سيد القوم خادمهم, والنبي صلى الله عليه وسلم كان يخدم أصحابه, ويقري الضيف، ويحمل من لا دابة له, ويواسيهم, وقال رجل من أصحاب ابن عمر : صحبت ابن عمر لأخدمه فكان يخدمني, وكان بعض السلف يشترط في السفر مع إخوانه أن يكون هو الذي يخدمهم, فهو الذي يصب لهم الماء عند الوضوء.. وهو الذي ينزل الرواحل والمتاع, وهو الذي يرفع المتاع مرة أخرى, وهو الذي يعلف الدواب, وهو الذي يصنع الطعام ويجمع الحطب, ويوقظ ويطبخ.. إذاً من آداب الأخوة: خدمة الإخوان.
وكذلك من آداب الأخوة: مشاركتهم في الأمور المحبوبة ومشاركتهم في أتراحهم وأمورهم المحزنة, فأما مشاركتهم في الأمر السار؛ فأن تظهر السرور إذا حدث له ما يسره, ومن مشاركته في الأتراح أن تظهر الحزن والتأثر إذا حل بهم أمر محزن، أو نزلت بأحدهم مصيبة:
خير إخوانك المشارك في المر وأين الشريك في المر أينا؟

الذي إن حضرته سرك وإن غبت كان سمعاً وعينا

فالمشارك في المر قليل, بعض الناس إذا نزلت بهم نازلة أو خسارة انفض من كان حوله؛ لأن الصحبة كانت لأمر مادي, ولو كان صاحب وظيفة ومنصب تحلقوا حوله, فإذا تقاعد من الوظيفة انفضوا عنه, لذلك فإن الأخ الحقيقي من يشاركك مشاركة شعورية في جميع ما يمر بك من الظروف والأشياء المحزنة والمفرحة؛ من الأفراح والأتراح.
وكذلك من آداب الأخوة: ألا تمنّ عليه بمعروف صنعته له, ولا تستصغره ولا تحتقره, قال عروة : كتب رجل إلىعبد الله بن جعفر رقعة فجعلها في ثني وسادته -في جهة الوسادة التي يتكئ عليها- فقلب عبد الله الوسادة فرأى الرقعة فقرأها, والرقعة مكتوب فيها طلب حاجة, ورد الرسالة في موضعها وجعل مكانها كيساً فيه خمسة آلاف دينار, فجاء الرجل فدخل عليه, وكان منتظراً لأن يعطيه أو يفتح معه موضوع المساعدة, فقال: اقلب الرقعة وخذ ما تحتها, فقلبها الرجل فوجد كيساً فأخذه فقال وهو خارج:
زاد معروفك عرفاً عظيماً أنه عندك مستور حقير

تتناساه كأن لم تأته وهو عند الناس مشهور كثير

فالإنسان ينبغي أن يحرص على ألا يستعظم أمراً قدمه لأخيه، وألا يراه كثيراً أو يمن به عليه, بل يعمله ويظهر التقصير, يقوم بالخدمة أو يقوم بالمعروف ويظهر التقصير، فهو عندما يعطي المساعدة لأخيه يعتذر أنه قصر, والشخص الذي أسدى إليك معروفاً ويعتذر مع إسدائه للمعروف وكأنه هو المقصر، فهذا تمسك به وهو نادر.
وكذلك من آداب الأخوة: ألا تقبل في أخيك كلاماً من واش ولا نمام, وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة قتات) وأخبر أن هناك رجلاً يعذب في قبره بسبب النميمة, ومن نم إليك نم عليك, أي: أتاك بأخبار فلان وفلان ممن تكلموا فيك, نم عليك وأتى بخبرك السيئ إلى فلان وفلان, للإيقاع بينهم وبينك, ولذلك أحسن طريقة إغلاق الباب, لا تقبل نميمة في أخيك المسلم, إذا كان أخاً بحق، ومن أخبرك بخبر غيرك أخبر عنك غيرك بخبرك.
وكذلك من آداب الأخوة: الوفاء لهم بعد مماتهم. قال بعض الحكماء: من لم يكن عنده وفاء لإخوانه فقد غم على نفسه, وقد بلغ من بعضهم أنه لما مات صاحبه استتر فترة من الزمن حزناً عليه -طبعاً هذا مع عدم تضييع الجمعة والجماعة ...الخ- قليل الوفاء بعد الوفاة خير من كثير وقت الحياة, ولا شك أن الإنسان إذا فقد أخاً في حادث سيارة أو مرض أو وفاة أو نحو ذلك فالخسارة عنده تكون عظيمة, بسبب أن هذا الأخ قد لا يعوض, وقد لا يجد له مثيلاً, ويعرف أن أعمدته نقص منها واحد, وأن ظهره ومستنده قد رق بسبب فقده لأخيه.
ومن آداب الأخوة أيضاً: ألا يهجر أخاه المسلم ويقطعه فلا يكلمه ولا يسلم عليه، كيف والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث؛ يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام).
ومن آداب الأخوة: التودد إلى الإخوان بصنائع المعروف, وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن فضل قضاء حاجات الأخ: (ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلي من أعتكف في المسجد شهراً) ومعلوم في اعتكاف مدة شهر في المسجد النبوي أن كل صلاة فيها بألف صلاة, مع أجر الاعتكاف لمدة شهر, فلما أخبر أن قضاء حاجات الإخوان أفضل من الاعتكاف شهراً كاملاً في المسجد، علم بذلك ما لقضاء حاجات الإخوان من الأجر, ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له, لا مجرد مجاملات ويقول: امش.. تعال.. وهو يعرف أنه لن يخرج بشيء, وإنما لتضييع الأوقات أو للمجاملة، أو لكي يرد عن نفسه الاتهام أنه لم يساعده (من مشى مع أخيه المسلم في حاجة حتى يثبتها له أثبت الله تعالى قدمه يوم تزل الأقدام) وأين تزل الأقدام؟ على الصراط؛ لأن الصراط المضروب على جهنم دحض مزلة، أحد من السيف، وأرق من الشعرة, وكذلك هو أروغ من الثعلب, فهذا الصراط بهذه الصفات لا شك أن الأقدام تزل من فوقه وتقع في النار إلا من أثبت الله قدمه في ذلك المقام.
وكذلك من آداب الإخوان: قبول الأعذار:
إذا أخطأ عليك ثم جاء يعتذر إليك فاقبل عذره ولو كان العذر ضعيفاً.. ولو وجدت أن العذر فيه ثغرات؛ لكن من كريم الخصال وآداب الأخوة أن تقبل العذر، والذي لا يقبل عذر إخوانه لا يكاد يصفو له أخ, كما قال الشاعر:
اقبل معاذير من يأتيك معتذراً إن بر عندك فيما قال أو فجرا

فقد أطاعك من أرضاك ظاهره وقد أجلك من يعصيك مستترا

وقال الآخر:
قيل لي قد أساء إليك فلان ومقام الفتى على الذل عار

قلت قد جاءنا فأحدث عذراً دية الذنب عندنا الإعتذار

والمؤمن يطلب عذر إخوانه، والمنافق يتبع عثراتهم.
وكذلك من آداب الأخوة: ألا تحتجب من إخوانك, فبعض الناس يغلق بابه, ويرفض الزيارات، ويرفض الصلات, ويقول: يضيعون أوقاتي.. نعم. لو صارت المسألة فيها مجالس فارغة وأحاديث تافهة لا فوائد فيها، فهذا ضياعٌ للأوقات, لكن إن جاءك يزورك في الله ويتذاكر معك في أمور الدين.. ويجعل من هذه الزيارة ما يرق به قلبه, فلا تحتجب دونه, أو جاءك يطلب مساعدة أو حاجة فلا تقل: قولوا له إني غير موجود..! أو تهرب من البيت قبل أن يأتي, فمن آداب الأخوة ألا يحتجب من إخوانه.
وكذلك من آداب الإخوان: زيارتهم, وهذا أدب عظيم ومهم جداً, وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث أن رجلاً زار أخاً له في قرية، فأرسل الله عز وجل على مدرجته ملكاً فقال له: إلى أين يا عبد الله؟ قال: أزور أخاً لي في هذه القرية, فقال: طبت وطاب ممشاك, ولا شك أن زيارة الإخوان فيها فوائد كثيرة جداً، إذا أحسن استغلالها أو إذا أحسن القيام بها, فالمشي إليه أجر، والدخول إليه أجر، والجلوس معه أجر, والاستفادة مما يحصل من المعلومات التي تعلمها منه, ونصيحة تأخذها منه أو يأخذها منك, وتجربة يعطيها إليك أو تعطيها له.
وكذلك: زيادة عقد المحبة والأخوة، والله عز وجل أوصى بذلك, أوصى بأن يكون المؤمنون إخواناً, ولن يكونوا إخواناً إلا بأشياء منها: التزاور, وهو مما يقوي علاقات الأخوة, وكل طريق لتحقيق قصد الشارع فهو عبادة, إذاً: الزيارة عبادة وهي مما أمر به الشارع, وإن لم ينص عليها؛ لأن تحقيق غرض الشارع أو ما أمر به هو من الشرع.
وكذلك فإن زيارتهم من فوائدها إزالة ما في النفوس من الشحناء أو التغير, زيارة واحدة تغير وتصفي ما بينك وبينه.
ومن فوائد زيارة الإخوان: أن تكتشف شيئاً أو حاجة فتؤديها له, روي عن ابن مسعود: كنا إذا فقدنا الأخ أتيناه, فإن كان مريضاً كان عيادة, وإن كان مشغولاً كانت عوناً, وإن كان غير ذلك كانت زيارة, وكلما كان صاحبك أبعد بيتاً ومنزلاً أو حتى في بلد آخر كانت الزيارة أكثر أجراً.
ومن آدابها: إجابة دعوته إذا دعاك , لأن عدم الإجابة فيها إشعار بالكبر, أو أنك مشغول وأن عندك ما هو أهم منه, ولذلك فإن إجابة دعوته فيها إكرام له، وإشعار بالاهتمام، وأنه لما دعاك تكلفت واهتممت بالإتيان وإجابة دعوته.. وكذلك إذا زرته وصنع طعاماً وأنت صائم وتكلف لك، وأحسست أنه يصيبه حرج إذا ما أكلت من طعامه فأفطر لأجله, إذا كان الإفطار جاهزاً, فصوم الفرض والقضاء والنذر، وكل صوم واجب لا يجوز الإفطار فيه بغير عذر من مرض أو غيره, ولو كان هناك آخرون لربما زال الحرج, لكن إذا كان صومك نفلاً فالأفضل لك أن تفطر وتصوم يوماً مكانه، ولذلك جاء في الحديث عن أبي سعيد الخدري قال: (صنعت لرسول صلى الله عليه وسلم طعاماً فجاء هو وأصحابه، فلما وضع الطعام قال رجل من القوم: إني صائم, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعاكم أخوكم وتكلف لكم.. أفطر ثم صم يوماً مكانه إن شئت) رواه البيهقي وقال الحافظ في الفتح : إسناده حسن, فإذا أحسست أنه سيصاب بحرج أو شيء من الضيق لو تركت الأكل فأفطر, أما لو كان لا يصاب بحرج ولا ضيق فابق على صيامك، ولكن ادع له كما جاء في الحديث.
ومن آداب الأخوة كذلك: أن تواسي أخاك من مالك, إذا حصل له ضيق واحتاج إلى دين فأقرضه, أو احتاج إلى مساعدة فساعده أو شاطره كما كان الأنصار يشاطرون المهاجرين نخلهم وأموالهم.
ومن آداب الأخوة: الصبر على جفوة الإخوان، فإنه قد يحدث من أحدهم أمر يجفوك به, يفهمك خطأ أو يسيء الظن بك, وإذا اعتذرت إليه عن تصرف خاطئ لا يقبل العذر وجفاك فاصبر على جفوته, ولا تقابل الجفوة بجفوة، فتزداد الهوة والمسافة بينك وبينه, فالصبر على مجافاتهم من حقوق الأخوة وآدابها, ومن الوصايا التي جاءت عن بعضهم في شروط المصاحب: أن رجلاً لما حضرته الوفاة, دعا بابنه فقال: يا بني! إن عرضت لك إلى صحبة الرجال حاجة فانظر من إن حدثته صانك, وإن صحبته زانك, وإن رأى منك حسنة عدها -أي: ذكر حسناتك- وإن رأى منك سيئة سدها, وإذا سألت أعطاك, وإن سكت ابتداك.
ومن آداب الصحبة أيضاً: أن يكرم الإنسان أهل صاحبه وأولاده, فيأتيهم بالحلوى -مثلاً- فيدخل السرور عليهم, أو يأتي بهدية للبيت، فإنه إذا أدخل السرور على أهل صاحبه كان ذلك من إدخال السرور على صاحبه.

وكذلك من آداب الصحبة: مدحهم في غير معصية الله, كاجتناب المدح في الوجه, والمدح قد يؤدي إلى الكبر والغرور, بخلاف المدح على المعروف؛ كأن يصنع لك معروفاً فامتدحه.
ومن آداب الأخوة أن تقابله على المعروف بمعروف أكبر منه أو مثله، وإذا لم تستطع فقل: جزاك الله خيراً, فإن من قال: جزاك الله خيراً فقد أجزل في العطاء, أو أجزل في الثناء.
وكذلك من آداب الأخوة: إقلال الملامة والعتاب، فلا تلمه وتعنفه وتوبخه, فإن هذا مما يعكر أجواء الأخوة.
ومن آداب الأخوة: أن الإنسان يسعى جاهداً إلى معاونة أخيه على البر والتقوى, وهذا من أهم الأشياء، فقد يكون داعية يحتاج إلى مساندة فسانده, أو طالب علم يحتاج إلى مذاكرة فتذاكره وتحفظ معه, ومجالات الإعانة على البر والتقوى كثيرة جداً، ولا شك أن من أفضل ما يكون الأخ مع أخيه التعاون على البر والتقوى, إذا أراد أن يقيم مشروعاً لفقراء الحي فساعده فيه, وأراد أن يقيم دروساً في مسجد أو حلقة تحفيظ يقوم بها والأولاد كثر؛ فأنت تساعده في إدارة هذه الحلقة والدرس، وتشاركه في ذلك, وقد يريد -مثلاً- أن يعمل عملاً فيه شيء من الدعوة ونشر العلم، كتوزيع كتاب أو شريط أو نحو ذلك، فالإتيان به ونسخه، والقيام بتوزيعه أيضاً من الأشياء التي إذا ساعدته فيها يزداد ما بينك وبينه من العلاقة في الله ولله.
وكذلك من آداب الأخوة: أن تصون سمعك وبصرك من الكلام فيه أو سماع عيوبه، أو إذا حصلت منه هفوة فمررها وكأنها ما حصلت, أي: إمرار أخطائه ما لم تكن في الشرع، فقد يزل بكلمة فمن آداب الأخوة التغافل عنها.
ومن آداب الأخوة: كذلك أن إذا أرسل لك رسالة أن ترد بجوابها, وقال بعضهم:
إني أرى لرد الجواب حقاً كما أرى لرد جواب السلام

لرد الجواب: الرسالة
وقال بعضهم:
إذا الإخوان فاتهم التلاقي فما شيء أسر من الكتاب

وإن كتب الصديق إلى صديق فحق كتابه رد الجواب

إذا كان بعيداً فراسلك فمن حقه عليك أن تجيبه، وبعض الناس يستلمون خطابات لا يكلفون أنفسهم الرد عليها, أو يتكاسلون في ذلك.
ومن آداب الأخوة: فَهْمُ نفوس الأصحاب؛ فليس كل من تصاحب سواء, هذا يحتاج إلى مراعاة في جانب معين, وآخر يحتاج إلى مراعاة في جانب آخر, وهذا لا تعجبه هذه الخصلة, وأنت قد لا تتوقع ذلك؛ لكن فهمك لنفسيته مما يعينك على مصاحبته, والناس لهم طباع كثيرة؛ وحتى في الطعام أن تعرف أنه لا يحب الأكلة الفلانية مثلاً، فهذا هذا مما يعينك إذا دعوته ألا تكون هذه الأكلة مما تضعه له على المائدة, فمن فَهْم نفسيته أنه قد لا يعجبه أمر معين في الكلام، أو طريقة معينة في الخطاب, أو لا يعجبه أن تناديه باسمه الأخير -مثلاً- أو تعجبه كنية معينة تناديه بها.
فعلى أية حال فهم نفوس الأصحاب مما يعين جداً على التعامل معهم، وهو من الآداب التي ينبغي التحلي بها معهم.
وكذلك من آداب الإخوان: عدم التمادي في الخصام, فإذا حصل خصام لا تغرق في الخصومة واقتصد:
(أحبب حبيبك هوناً ما، عسى أن يكون بغضيك يوماً ما، وابغض بغضيك هوناً ما، عسى أن يكون حبيبك يوماً ما) فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعاً وبعضهم قال: الصحيح وقفه, وبعضهم قال: رفعه صحيح, وممن صححه مرفوعاً الشيخ الألباني .
وكذلك من آداب الصحبة: أن الإنسان يوزع العلاقة على أصحابه بحيث لا يوغر صدور بعضهم على بعض, فلا يكون منغلقاً على واحد معين، يزوره دائماً ويحادثه, إذا جلس في المجلس مع آخرين وجه الكلام إليه دون أن يعدل معهم, فيسبب ذلك إيغار صدور الآخرين, ووقوع الغيرة ويقولون: لماذا فلان يختص بفلان؟ ولماذا لا يحادثنا ولا يكلمنا..؟! ونحو ذلك.
إذاً: من الآداب الصحبة: أن يعدل في المصاحبة، ويوزع العلاقة والكلام والحديث والبر والصلة والزيارة على الجميع, وقد يكون بعضهم أقرب من بعض, لكن أن يفرط بحيث يكون دائماً مع واحد ويترك الآخرين إلا من الأشياء العامة، كأن يلقاه في مجلس عام أو درس عام, هذه العلاقة معهم، وبقية العلاقة الخاصة دائماً مع واحد معين؛ فلا شك أن هذا ليس من العدل, خصوصاً إذا كان البقية أصحاب دين وخير وصلاح؛ فلماذا تركتهم مع أنهم أصحاب دين وخير وصلاح, هذا ما تيسر ذكره من آداب الأخوة.
وقبل أن ندخل في الأسئلة المتعلقة بالموضوع؛ هناك حديث طلبنا في المرة الماضية معرفة صحته عن ابن عمررضي الله عنه قال: (كنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نأكل ونحن نمشي ونشرب ونحن قيام) رواهالترمذي وابن ماجة والدارمي وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح غريب, وقال الألباني في المشكاة: إسناده صحيح, وأورده كذلك في صحيح الترمذي وفي صحيح ابن ماجة , وقال الأرنؤوط في جامع الأصول رواهالترمذي وابن ماجة وإسناده حسن, الحديث يدل على جواز الأكل إذا كان يمشي، لكن ليس هو الأفضل، إنما يجلس كما هي السنة, أيضاً لا يدل هذا على الأكل في السوق, لكن لو أن إنساناً أكل في بيته وهو يمشي فلا حرج في ذلك, وعموماً الأكل أسهل من الشرب, والشرب ماشياً لم يرد النهي عنه, أما الشرب قائماً وجالساً فهذه مسألة طويلة؛ لكن لعل الراجح فيها الكراهة أو جواز الشرب واقفاً، والمستحب الشرب جالساً, وقال بعضهم: بالوجوب, وجمع بعضهم بين الأحاديث في ذلك فقالوا: إذا احتاج إلى الشرب قائما شرب، وإذا لم تكن هناك حاجة شرب جالساً.

الأسئلة

لا يشترط وجود جميع الآداب في الصاحب
السؤال: يقول: قد يجد بعضنا بعض الأخطاء وبعض الزلات من قبل بعض الأخوة! وكذلك نجد بعض التقصير فيما ذكرته من الصفات، ومع هذا كله تجد فيهم الخير الكثير, هل تركهم وعدم مخالطتهم في الكثير من نشاطاتهم المفيدة والنافعة أمر ممكن بما سبق من الأخطاء؟
الجواب: طبعاً عندما نقول الآن: آداب الأخوة وآداب الصحبة وهي هذه التي تقدم ذكرها، فإن اجتماعها في شخص واحد لا أظنها توجد, وإن وجدت فنادر جداً جداً, لكن احرص على أن تصاحب من اجتمع فيه أكبر قدر من هذه الخصال, ثم إننا الآن نتكلم فيما يجب علينا ولا ننظر للمسألة من قبل الآخرين؛ نقول: مَنْ تتوفر فيه هذه الصفات حتى أصاحبه؟ لا. أنت وفر هذه الصفات فيك فيمن تصاحبه, ولو أن كل واحد منا نظر هذه النظرة لتقاربت النفوس, أما كل واحد يقول: هذه غير موجودة في فلان, وهذه غير موجودة في فلان, لا يصفى لك شيء.
ذم كثرة السؤال
السؤال: أحد الإخوان كثير الأسئلة، في الجلوس معه مشكلة تحقيق, وكثير ما يقع في الغيبة أو يوقع غيره فيها بكثرة أسئلته؟
الجواب: أولاً: انصحه, وقل له: إن الجلسة معك أشبه بالتحقيق.
ثانياً: فإنه إذا سأل سؤالاً يترتب على الجواب غيبة, فلست ملزماً بالجواب, بل لا يجوز لك أن تجيب.
حقيقة الاحتجاب عن الإخوان
السؤال: يقول: إننا في السكن الجامعي نضع أحياناً لافتات على الباب مثلاً: الرجاء عدم الإزعاج ونحو ذلك, حين يكون لدينا اختبارات أو نكون مشغولين, فهل هذا من باب الاحتجاب عن الإخوان؟
الجواب: نعم. هذا من الاحتجاب عن الإخوان, لكن إذا كان لعذر مثل أن تخشى أن يضيع الوقت من مجيء واحد تلو الآخر؛ خصوصاً في هذه الأماكن التي فيها سكن متقارب، والغرف متجاورة, والطارقون كثر، والمارون متعددون, فليس من المصلحة أن يجعل الإنسان غرفته كالمجلس العام, مفتوحاً، ثم بعد ذلك يصاب بما يصاب به من الرسوب وتدني المستوى ونحو ذلك, فلا شك أن هناك أوقاتاً للزيارة، وأوقاتاً للمدارسة؛ لكن الذي يكون دائماً مكتوب على غرفته: الرجاء عدم الإزعاج فلا شك أن هذا ممن يحتجب على إخوانه.
وكذلك يمكن للإنسان أن يرد رداً جميلاً، ويعتذر اعتذاراً مؤدباً، أما أن يكون إذا طرق عليه الباب فتح النافذة وقال: ماذا تريد..؟ "هات من الشباك, خذ من الشباك، ومع السلامة" فلا شك أن هذا نوع من التعامل يؤدي إلى جفوة ووحشة, وكذلك يظهر النرفزة يقول: ضيعتم أوقاتي.. ضيعتم مستقبلي.. ضيعتم دراستي.. أنتم السبب.. لولا.. فلا شك أن هذا لا ينبغي، وأن على الإنسان أن يعالج الأمر من بدايته, وينبغي على الجميع أن يعذر بعضهم بعضاً في مثل هذه الأشياء، ثم إن الزيارات في أوقات الامتحانات ليست مناسبة, هل من الضروري أن تزوره في أوقات الامتحانات؟ يمكن أن تكون في غير أوقات الامتحانات، ثم الامتحانات النهائية الكبيرة التي فيها النسبة الكبرى والتي يتوقف عليها النجاح والرسوب أكثر من غيرها, يتشدد فيها الإنسان بشيء من العزلة من أجل المذاكرة، بينما الأشياء الصغيرة والأشياء التي تأتي على مدار السنة هذه الظروف اسمح فيها, فالمسألة إذاً مسألة تقدير ظروف من الجميع.
كثرة الاختلاط بشخص معين
السؤال: يقول: إن مما نجد في وسط الشباب والملتزمين صحبة شخصين فيما بينهما، فيزعمون أنها لله, ولكن في حقيقتها ليست كذلك, إنما هي لتشاكل أو استحسان أحدهما للآخر، وقد تؤدي لأمور لا يحمد عقباها؟!
الجواب: نعم. هذه مسألة تكاد تكون كالظاهرة في كثير من الأوساط, فصحيح أن الطيور على أشكالها تقع, لكن بعضهم يقع على أم رأسه في مثل هذه المسألة، فيتورط في علاقة تعلق تؤدي إلى إتلاف قلبه, وتؤدي إلى استحكام المحبة بحيث تصل إلى درجة من العشق، ولا شك أن هذا أمر مذموم؛ ولهذا علامات، وفرقان يفرق بين الحق والباطل فيه, فأرى في مثل هذه الحالة أن يوعظ هذان ويذكرا بالله تعالى وبالأخوة الحقيقية, ويقال لهما: لو كنتما صادقين في أخوتكما لصاحبتما فلاناً وفلاناً ممن هو أتقى لله منكما, فلماذا عكفت عليه وهناك من هو أتقى لله منه, وأعلم بالعلم الشرعي، وأنشط في الدعوة إلى الله، وأكثر تخلقاً بالأخلاق الحسنة, فإن كنت صادقاً في جعلك الأخوة المعيار فيها أنها لله فأين صحبتك للآخرين؟
سؤال الله الوجه الحسن
السؤال: هل يجوز دعاء الله بأن يرزقه وجهاً حسناً؟
الجواب: نعم. لا بأس, وورد في حديث المرآة وهو ضعيف: اللهم كما حسنت خَلْقي فحسن خُلُقي؛ لكن لا بأس أن يدعو الإنسان أن يحسن خَلْقه وخُلُقه.
حكم قول القائل: في ذمتك
السؤال: ما حكم قول: في ذمتك, على سبيل التأكيد؟
الجواب: إذا كان يميناً لا يحلفه بالذمة؛ لأنه لا يحوز الحلف إلا بالله.
المسح على رأس اليتيم
السؤال: هل يؤجر من مسح على رأس أخيه؟
الجواب: هذا ورد في اليتيم, إذا كان أخوك يتيماً أو صاحبك يتيماً, وكان يؤتى بالصبيان فيمسح صلى الله عليه وسلم رء وسهم ويدعو لهم بالبركة.
زيارة الأصدقاء المقصرين مع سَبْق نصحهم
السؤال: ما حكم زيارة الأصدقاء والزملاء المقصرين، مع العلم بأنه سبق نصحهم ودعوتهم؟
الجواب: لا بأس، لكن مع الاستمرار بالنصح والدعوة.
حكم التبول واقفاً
السؤال: ما حكم التبول واقفاً؟
الجواب: جائز إذا كان يأمن من ارتداد الرشاش عليه.
الإنفاق على الإخوان صدقة
السؤال: هل الإنفاق على الإخوان من الصدقة؟
الجواب: نعم. من أنواع الصدقة.
هذا ختام المطاف.
ونسأل الله أن يجعلنا إخوناً في سبيله متحابين، ويجعلنا في الجنة على سرر متقابلين، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.