ارتفاع ضغط الدم: "قاتل صامت" يستوجب وعيك

يزداد عدد المصابين بارتفاع ضغط الدم، ولا تنجح سوى نسبة 25% من بينهم في تنظيم مستوى ضغطها. وقد أقرّ اليوم العالمي لارتفاع ضغط الدم والذي يوافق في 17 مايو (أيار) من كل سنة من أجل تسليط الضوء على السكتات والأمراض القلبية والكلوية الناجمة عن ارتفاع ضغط الدم والتي يمكن الوقاية منها.

الاختصاصية في أمراض الكلى وارتفاع ضغط الدم والمسؤولة الإدارية عن قسم غسيل الكلى في مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت الدكتورة ماجدة داعوق تطلع قارئات "سيدتي" عن أبرز العلاجات لارتفاع ضغط الدم وسبل الوقاية، في الحوار الآتي نصّه:

-ما الجديد في مجال العلاجات المتعلّقة بداء ارتفاع ضغط الدم؟
تشمل التطوّرات الحديثة ظهور أدوية تعمل على إحباط هرمون "رينان" Renin الذي تفرز الكلى غالبيّة كميّته ويتسبّب بارتفاع ضغط الدم، إذ يعمل على تحفيز إفراز هرمون آخر في الجسم يسمّى "أنجيوتنسن 2" Angiotensin 2 الذي يحفّز بدوره الجهاز العصبي ويقبض الشرايين.

وثمة تطوّر، ما يزال قيد الدراسة، هو عبارة عن آلة تثبّت التروية العصبية لشريان الكلى، ما يساعد على خفض ضغط الدم، كما يتمّ اختبار لقاح جديد مضاد لارتفاع ضغط الدم.

- تتحدّث العامّة عن الضغط المرتفع والضغط المنخفض، كيف يمكن تعريفهما؟
يسمّى "الضغط المرتفع"، علمياً، بـ "الضغط الإنقباضي" Systolic، ويتمثّل في انقباض القلب لضخ الدم إلى الشرايين الكبيرة في الجسم، وخصوصاً الشريان الأورطي. أمّا "الضغط المنخفض" فيسمّى بـ "الضغط الإنبساطي" Diastolic، ويتمثّل في انبساط عضلة القلب لتلقّي الدم النظيف من الرئتين، وذلك عند انتهاء عملية ضخ الدم إلى الشرايين. وتحصل، خلال هذه الفترة، عمليّة تغذية عضلة القلب بالأوكسجين.

لذا، سوف يرتدّ أي خلل في نوعي الضغط سلباً على الجسم، مسبّباً الحالات المرضية التالية: الجلطة الدماغية، نزف الرأس، تضخّم القلب، هبوط عمل القلب، نقص في تروية القلب بالأوكسجين، إصابة الكلى بالقصور ما يقود نحو الفشل الكلوي التام الذي يتطلّب في ما بعد عملية غسل الكلى. وتجدر الإشارة إلى أن السبب المباشر في الإصابة بالفشل الكلوي لدى نسبة تتراوح بين 20 و30 % من المصابين يعود إلى ارتفاع ضغط الدم، كما يؤثّر هذا الأخير على شرايين الجسم كافّة.

- ما هي نسبة ضغط الدم الطبيعية لدى فئتي الشباب والمسنين؟
إن قياس ضغط الدم الطبيعي لدى فئة الشباب هو 8/12. وفي هذا الإطار، يحاول الأطباء تنظيم هذا القياس لدى المصابين الذين لم يبلغوا الستين بعد ليتراوح بين 8 و.58/ 11و12. أمّا للمسنين الذين يتجاوزون الستين عاماً، فإنه من المقبول أن يكون قياس الضغط لديهم 8/ 14، وذلك لضمان ضخّ الدم إلى الدماغ لأن الشرايين تكون في حالة نشاف ما يحول دون الأمر بالطريقة السليمة. ونظراً إلى التغيّرات الفيزيولوجية نتيجةً للتقدّم في السن، فإنه من المقبول أن يكون قياس الضغط الإنقباضي17، في حال كان الضغط الإنبساطي يتراوح بين5 و7، وذلك لضمان تروية عضلة القلب بالدم لأن "الضغط المنخفض" يشير إلى أن عضلة القلب لن تحصل على كميّة الدم الكافية ما يعرّض المريض إلى خطر الذبحة القلبية!

مزاولو المهن الدقيقة

- من هم الأشخاص الأكثر عرضةً للإصابة بارتفاع ضغط الدم؟
لعلّ أبرز الأشخاص عرضةً للإصابة هم من يمتلكون تاريخاً عائلياً مع هذا الداء أو يعانون من السمنة المفرطة أو يدخّنون أو يعانون من أمراض الكلى أو السكري. وتجدر الإشارة إلى أن الطبقات التي ترزح تحت ضغوط اجتماعية وعمليّة مفرطة هم عرضة أكثر من غيرهم لارتفاع ضغط الدم، وخصوصاً الفقراء ومزاولي المهن الدقيقة للغاية.

- ما مدى ارتباط ارتفاع ضغط الدم بالعامل الوراثي؟
تعاني نسبة 90% من المصابين بارتفاع ضغط الدم من ضغط الدم الأولي أو ما يسمّى بـ "ضغط الأعصاب"، فيما يقف سبب آخر خلف إصابة نسبة العشرة بالمائة المتبقّية، فإذا ما عولج لدى الفئة الأخيرة يمكن الشفاء كليّاً من ارتفاع ضغط الدم. وتشمل هذه الأسباب: داء الكلى المزمن الذي ما يزال عصيّاً على العلاج وانسداد شريان الكلى الذي يعالج بوضع "رسور" لتوسعته والأدوية المعالجة لآلام المفاصل وتناول حبوب منع الحمل. كما ثمة أسباب متعلّقة بالغدد الصمّاء كالنقص في "البوتاسيوم" من الجسم أو الإصابة ببعض أمراض الغدّة الدرقية.

وبالطبع إن ارتباط الإصابة بالعامل الوراثي شديد.

مذاق الملح القليل
- متى تبدأ الوقاية؟ وما هي مسؤولية الأهل تجاه أولادهم؟
تبدأ الوقاية منذ سنّ صغيرة، وتعتبر واجباً من قبل الأهل تجاه أولادهم، إذ يجدر بهم تعويدهم على عدم إضافة الملح إلى المأكولات وتعزيز مذاق الطعام ذي الملح القليل حتى لا يستسيغونه كثيراً في ما بعد. وهذه المهمة تقع على عاتق الأم في الدرجة الأولى والتي تضطلع بمهمّة أخرى، في هذا المجال، تتمثّل في دفع أولادها للابتعاد عن الوجبات السريعة الغنيّة بالملح والدهون والتي تقود إلى الوزن الزائد.

- تحدّثت عن مخاطر تناول الملح. فهل عدم إضافته إلى الطعام تحول دون الإصابة؟
إن تناول الملح ليس مسبّباً رئيساً لهذا المرض، إلا أنّه عامل مساعد. وفي هذا الإطار، تجدر الإشارة إلى أن 20% من المصابين ينخفض ضغط الدم لديهم نسبياً إذا توقّفوا عن تناول الملح. ولكن الإشارة السابقة إلى تعويد الأولاد على تناول كميّة أقلّ من الملح تهدف إلى الابتعاد عن مراكمة عوامل الخطر المسبّبة لارتفاع ضغط الدم في ما بعد.

- من المعلوم أن مريض السكري عرضة لارتفاع ضغط الدم، فهل من إمكانية للوقاية أم أن الإصابة محتمة؟
تكون إصابة مريض السكري، في غالبيّة الأحيان، بارتفاع ضغط الدم محتمة، وذلك لأن السكري داء يصيب شرايين الجسم كافّة ويحدث فيها تغييرات عددية، كما يؤدّي إلى إصابة الكلى التي تؤدّي بدورها إلى ارتفاع ضغط الدم، ما يعني أنّه يجدر بالمصاب بالسكري الوقاية، حتى ولو كان معرّضاً حتمياً للإصابة.

- هل ارتفاع ضغط الدم نتيجة للضغط النفسي، لفترة معيّنة، مؤشر على إمكانية تكرار الإصابة بعد مدّة؟
إن تكرار الإصابة وارد، لذا يجدر الأخذ بعين الاعتبار أن التخلّص من ارتفاع ضغط الدم ولو لفترة معيّنة، يستوجب المتابعة التي تقضي بقياس الضغط في فترات منتظمة، وعدم ربط هذا التدبير بظهور علامات الصداع والدوار لأن ارتفاع ضغط الدم معروف بأنه "قاتل صامت".



للوقاية...

للوقاية من الإصابة بارتفاع ضغط الدم، يجدر الابتعاد عن:
- التدخين بأشكاله كافّة، وخصوصاً النارجيلة لأن الدراسات تثبت أن ضغط الدم يرتفع بنسبة 30 ملم/زئبق بعد تدخينها.
- الإفراط في تناول المنبّهات، وخصوصاً الشاي والقهوة.
- تناول الكحول.
- السمنة المفرطة.

وفي الموازاة، ينصح باتّباع التالي:
- ممارسة الرياضة بانتظام، وخصوصاً المشي والسباحة، مع البعد عن الرياضات العنيفة كرفع الأثقال.
- اتّباع نظام غذائي صحّي يحتوي على الخضر والفاكهة والسمك، ويخلو من الدهون.

هام للمصابين...
يجدر بالمصابين بارتفاع ضغط الدم تناول الأدوية حسب إرشادات الطبيب ووفق الجرعات المحدّدة، علماً أن انتظام ضغط الدم ليوم واحد ليس مؤشراً على الشفاء لأن هذا المرض غالباً ما يكون مزمناً، ويقوم الطبيب المعالج بتعديله عبر الأدوية حصراً.