تطبيق الشريعة وأثرها على الأمم


تعريف الشريعة الإسلامية

- الشريعة في اللغة: شَرَّعَ مَشْرَعَةَ الماء. وهو مَوٍْرِدُ الشَّارِبَةِ.
- والشريعة: ما شَرَّعَ اللهُ لعباده من الدين، وقد شَرَّع لهم يشرِّع شرعًا؛ أي سن. والشارع: الطريق الأعظم. وشرَّعَ المنزلَ: إذا كان بابه على طرق نافذ. وشرعت في هذا الأمر شروعًا: أي خضت. وشَرَعَتِ الدوابُّ في الماء, وتشرع شرعًا: إذا دخلت.
-والشرعة: الشريعة. ومنه قوله تعالى: }لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا{([1]).
-والشراع أيضًا: شراع السفينة. قالوا للبعير إذا رفع عنقه: قد رق شراعه ([2]).
-والشريعة: ما شرع لعباده. والظاهر المستقيم من المذاهب كالشرعة بالكسر فيها، والعتبة مورد الشاربة، والشِّرع -بالكسر: شراك النعل. والشُّراعية -بالضم وبكسر: الناقة طويلة العنق.
-والناس شرع واحد، والإشراع: الأنف الذي امتدت أرنبه([3]).والشريعة الإسلامية في الاصطلاح: ما شرعه الله لعباده من العقائد والعبادات والأخلاق والمعاملات ونظم الحياة في شعبها المختلفة لتحقيق سعادتهم في الدنيا والآخرة([4])
مصادر الشريعة


أولاً: القرآن الكريم:
القرآن الكريم في الأصل مصدر: قرأ يقرأ قراءة وقرآنًا. ومعناه في اللغة: الجمع والضم؛ فالقراءة: ضم الحروف بعضها إلى بعض في النطق، وقد خص القرآن بالكتاب المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، فصار له كالعلم، قال بعض العلماء: تسمية هذا الكتاب قرآنًا من بين كتب الله؛ لكونه جامعًا لثمرة كتبه؛ بل لجمعه ثمرة العلم ([1]).
كما أشار تعالى إلى ذلك بقوله: }لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ{([2])، وقال: }وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ{([3]).
وعرف القرآن بأنه كلام الله الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، ونقل إلينا تواترًا لنتعبد بتلاوته وأحكامه، وليكون آية دالة على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في رسالته، وقد نزل به جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بلسان عربي ([4]).
قال تعالى: }وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ*نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ*عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ*بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ{([5])؛ فتحدى به رسول الله صلى الله عليه وسلم العرب وهم أرباب الفصاحة والبيان، فظهر عجزهم، وبهذا قامت الحجة عليهم.
قال تعالى: }وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ{([6]).
والقرآن الكريم هو أساس الدين أو مصدر التشريع، وحجة الله البالغة في كل عصر ومصر.
وتلقاه الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلاوةً له وحفظًا ودراسةً لمعانيه وعملاً بما فيه، قال أبو عبد الرحمن السّملي: حدثنا الذين كانوا يقرِّؤننا القرآن: عثمان بن عفان، وعبد الله بن مسعود، وغيرهما، أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم آيات لا يتجاوزونها حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل، قال: «فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعًا»([7]).
ولقد استمر حفظ المسلمين للقرآن في كل عصر، وتوارثت الأمة نقله بالكتابة على مر الدهور جيلاً بعد جيل من غير تحريف أو تبديل، وهذا مصداق لقوله تعالى: }إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ{([8]).
ثانيًا: السنة ومكانتها في التشريع:
-السنة لغة: هي الطريقة والسيرة؛ سواء أكانت محمودة أو مذمومة. وقد ورد استعمالها في القرآن الكريم وفي الحديث النبوي بهذا المعنى؛ ففي القرآن الكريم قال تعالى: }سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً{([1])، ويقول: }سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً{([2]).
وفي الحديث الشريف يقوله صلى الله عليه وسلم: «لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرًا بشبر، وذراعًا بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه، قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن»([3]).
ويقول: «من سن في الإسلام سنة حسنة، فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئةً كان عليه من وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء»([4]).-والسنة عند الفقهاء: ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجوب؛ فهي أحد الأحكام التكليفية الخمسة:
الواجب، والحرام، السنة، والمكروه، والمندوب.-والسنة عند الأصوليين: ما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم غير القرآن الكريم من قول، أو فعل أو تقرير.-والسنة عند المحدثين: ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول، أو فعل، أو تقرير، أو صفة، أو سيرة ([5]).ولقد اتفق المسلمون على أن ما صدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير في شأن من شؤون التشريع أو شؤون الرئاسة والقضاء، ونقل إلينا بسند صحيح، يكون حجة على المسلمين ومصدرًا تشريعيًا؛ يستنبط منه المجتهدون الأحكام الشرعية، والأفعال المكلفين بها ([6]).

ثالثًا: الإجماع:
ذكر في تعريف الإجماع: أنه اتفاق جملة أهل الحل والعقد من أمة محمد صلى الله عليه وسلم في عصر من الأعصار، على حكم واقعة من الوقائع»([1]).واتفق المسلمون على أن الإجماع حجة شرعية يجب العمل به على كل مسلم، والدليل على حجية الإجماع من الكتاب والسنة:
-أما الكتاب: }وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ...{([2]).
-وأما من السنة، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أمتي لا تجتمع على الخطأ، سألت الله ألا يجمع أمتي على الضلالة فأعطانيه، ومن سره بحبوحة الجنة فليتزم الجماعة، ومن فارق الجماعة قيد شبرٍ فقد خلع ربقة الإسلام من عقه»([3]).
رابعًا: القياس:
-القياس في اصطلاح الأصوليين: هو تسوية واقعة لم يرد نص بحكمها بواقعة ورد نص بحكمها في الحكم الذي ورد به النص لتساوي الواقعتين فل علة هذا الحكم ([1]).
وجمهور الفقهاء متفقون على أن القياس دليل شرعي تثبت به الأحكام.
واستدل الجمهور على حجية القياس بأحاديث كثيرة، منها:
-ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال لعمر حين سأله عن «القُبلة في حال الصوم»: «أرأيت لو تمضمضتَّ بماء ثم مَجَجْتَه، كان يضرك؟». وهذا تعليم بالمقايسة؛ فإنه عليه الصلاة والسلام قاس القبلة على المضمضة؛ في أنها لا تضر الصوم ([2]).
وكان الصحابة رضوان الله عليهم يجتهدون في بعض الأحكام، والنبي صلى الله عليه وسلم بين ظهرانيهم، ولم يعاتبهم، وذلك عندما أمرهم يوم الأحزاب أن يصلوا العصر في بني قريظة، فاجتهد بعضهم وصلاها في الطريق، وقال: «لم يُرِدْ منا التأخير؛ وإنما أراد سرعة النهوض». فنظروا إلى المعنى، واجتهد آخرون وأخروها إلى بني قريظة فصلوها، ونظروا إلى اللفظ.
والقياس هو أول طريق يلجأ إليه المجتهد لاستنباط الحكم فيما لا نص فيه، وهو أوضح طرق الاستنباط وأقواها.
والقياس يقوم على أركان أربعة:1- الأصل الذي ورد به الحكم.2- الفرع الذي يراد قياسه على الأصل.3- العلة؛ وهي ما بني عليه حكم الأصل، وتخفيف الفرع.4- الحكم الوارد في الأصل، ثم: إن كان هذا الجامع موجبًا للإجماع على الحكم كان قياسًا صحيحًا؛ وإلا كان فاسدًا ([3])
خامسًا: الاستحسان:
الاستحسان في اصطلاح الأصوليين القائلين به: هو العدول عن حكم اقتضاه دليل شرعي في واقعة إلى حكم آخر فيها؛ لدليل شرعي اقتضى هذا العدول... وهذا الدليل الشرعي المقتضي للعدول هو سند الاستحسان ([1]).
والاستحسان عبارة عن ترجيح دليل على آخر يعارضه بمرجِّحٍ مغيِّرٍ شرعًا، وقد يكون هذا الترجيح بالعدول عن مقتضى قياس ظاهر إلى قياس خفي، أو العدول عن مقتضى نص عام إلى حكم خاص، أو العدول عن حكم كليٍّ إلى حكم استثنائيٍّ.
وقال الإمام مالك: «هو القول بأقوى الدليلين».
وقال الإمام أبو حنيفة: «إنه ترجيح قياس خفي على قياس جلي، أو استثناء مسألة جزئية من أصل كلي؛ لدليل استقر في عقل المجتهد واطمأن إليه ([2]).
خصائص الشريعة الإسلامية
- أولاً: الشريعة الإسلامية شريعة ربانية منزلة من عند الله، وكل ما فيها من عند الله؛ إما نصًا أو تفصيلاً، وإما استنباطًا من نص أو قياسًا عليه، ووسائل الاستنباط والقياس منصوص عليها في الكتاب والسنة، وأقوال الفقهاء ([1]).
- ثانيًا: الشريعة الإسلامية تحقق الخير والمصلحة للفرد والمجتمع؛ وذلك أنه ما دامت الشريعة الإسلامية من عند الله سبحانه وتعالى الذي أحاط بكل شيء علمًا، ويعلم خبايا النفوس وطبائع الخلق في كل زمان ومكان؛ يعلم ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم، ومن ثم فإنها تحقق السعادة لبني الإنسان إذا ما التزموا بها في حياتهم؛ لأنها انطوت على قواعد تنظيم حياة الإنسان، وتحقق له السعادة والخير؛ حتى قبل أن يوجد في هذه الحياة، فأمرت الأب أن يحسن اختيار الأم، قال صلى الله عليه وسلم: «حق الولد على والده أن يحسن موضعه وأن يحسن اسمه وأدبه». وفي الوقت نفسه جعل للآباء حقوقًا على الأبناء؛ ممثلة في طاعتهم والإحسان إليهم، بقوله تعالى: }وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا{([2]).
- ثالثًا: الشريعة الإسلامية عالمية، صالحة لكل زمان ومكان:
لم تأت الشريعة الإسلامية مقيدة بمكان يقتصر سلطانها فيه عليه دون سواه من الأمكنة، ولا موقوفة ينتهي العمل بها عند انتهاء؛ فحيثما وجد إنسان على ظهر الأرض في أي زمن من الأزمنة اختصت الشريعة الإسلامية بتنظيم حركته في هذه الحياة وتنظيم شئونه الاجتماعية والعقائدية والتشريعية، وهذه الخاصية مترتبة على كونها من عند الله خالق الكون كله ([3]).
- رابعًا: أحكام الشريعة الإسلامية مرتبطة بالعقيدة:


إن المتتبع لأحكام الشريعة الإسلامية يجد أن منها ما يتعلق بالنواحي الاقتصادية، وأخرى متعلق بالجوانب الاجتماعية، ومنها ما يتعلق بالجوانب الأخلاقية، ومنها ما يتعلق بالأحكام المنظمة لقواعد التعامل من بيع وشراء وإيجار، ومنها ما يتعلق بالجرائم التي يرتكبها الأفراد، هذه الأحكام المتنوعة نجدها مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالعقيدة؛ فالزكاة مثلاً هي ركن من أركان الإسلام: }قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ*الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ*وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ*وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ{([4]). إلى غيره من الأحكام مثل الربا نجد آثار العقيدة الإسلامية وضياءها متعلقة بالمعاملات التجارية يرتبط تحريمها بالدين والعقيدة، قال صلى الله عليه وسلم: «ومن غش فليس منا». وحد السرقة عقوبة تتعلق من ناحية بالنظام الأخلاقي، ومن ناحية بالجانب الاقتصادي، وهي مربوطة بالعقيدة: }وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ الله{([5]).
وهكذا اكتسبت أحكام الشريعة قوة وفاعلية نفَذَت إلى أعماق الضمير الإنساني.
- خامسًا: الشريعة الإسلامية تربي الضمير:


يغرس الإسلام في قلوب المسلمين الخشية من الله والخوف منه؛ فضلاً عن ارتباط أحكام الشريعة الإسلامية بالعقيدة؛ مما يجعل المسلم يلتزم بما شرعه الله من أحكام وقوانين عن طواعية واختيار لا عن قسر وإرغام، لأنه يحس أن الالتزام بالقانون الإسلامي دينًا وطاعةً لله، بينما يتفنن الناس في التحايل في سبيل التفلت من الخضوع والانقياد للقوانين الوضعية؛ إحساسًا منهم بأن الانقياد لها ليس طاعة والهروب منها ليس معصية ([6]).

ولقد نجحت الشريعة الإسلامية في صياغة الضمير البشرى وتهذيبه على نحو نادر وفريد، وهذا نجده في قصة ماعز ؛ حينما أنبه ضميره وخوفه من الله حينما وقع في الزنا، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فطلب منه أن يطهره، فأمر به ورُجِمَ، وقال:«استغفروا لماعز بن مالك لقد تاب توبةً لو قسمت بين أمة لوسعتهم».وفي مجال المعاملات تجد نفس الروح الإسلامية العالية والضمير الحي اليقظ؛ فمما يؤثر أن أبا حنيفة بعث بمتاع إلى حفص بن عبد الرحمن شريكه في التجارة، وأعلمه أن في ثوب منه عيبًا للناس فباع حفص المتاع، ونسي أن يبين، واستوفى ثمنه كاملاً؛ لثوب غير كامل، وقيل أن الثمن كان بثلاثين ألفًا، أو خسمة وثلاثين ألفًا، فأبى أبو حنيفة إلا أن يبعث لشريكه يكلفه أن يبحث عن المشتري، ولكنه لم يهتد إلى الرجل، فأبى أبو حنيفة إلا فصالاً من شريكه، ورفض أن يضيف ثمن الثوب إلى ماله، وتصدق به ([7]).
وبهذا الضمير الحي الذي رباه الإسلام اكتسب التشريع الإسلامي قوة على غيره من القوانين الوضعية التي ليس لها تأثير في نفوس الناس؛ كما كان عليه التشريع السماوي.
وإن ما يحدث في المجتمعات التي انحرفت عن الإسلام وأعرضت عن شريعته من انعدام الأمن والاستقرار وانتشار الجرائم- لخير شاهد على صدق الدعوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية، وصدق الله العظيم إذ يقول: }وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ{([8]).
- سادسًا: الشريعة الإسلامية تقوم على المساواة:

لا تحقق القوانين الوضعية المساواة بين الناس؛ فتميِّز بين رئيس الدولة الأعلى- ملكًا كان أو رئيس جمهورية- وسائر أفراد الأمة؛ ففي الدساتير، لا يسأل رئيس الدولة عن أي جريمة ارتكبها، وتعفي القوانين الوضعية رؤساء الدول الأجنبية وحاشيتهم من أن يحاكموا على ما يرتكبون من جرائم، وتمارس حكومة جنوب إفريقيا هذا التميز العرقي بكل وقاحة، وتتبجح وتتحكم حفنة من البيض في الجماهير الغفيرة من السود([1]).
أما الشريعة الإسلامية فإنها تمتاز عن القوانين الوضعية بمبدأ المساواة منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا؛ فالناس جميعًا في ظل الشريعة الإسلامية سواءٌ في الحقوق وفي الواجبات وفي المسئوليات؛ لا فرق بين الحاكم والمحكوم: }فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ*وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ{([2]).
وعن المعرور بن سويد قال: لقيت أبا ذر بالرَّبَدَة وعليه حلة، وعلى غلامه حلة، فسألته عن ذلك فقال: إني سبَبْت رجلاً فعيَّرتُه بأمه؛ قلت له: يا ابن السوداء، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: «يا أبا ذر أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية».
وخاصم يهودي عليًّا بن أبي طالب كرم الله وجهه أمام أمير المؤمنين عمرٍ بن الخطاب، فقال له عمر: قم يا أبا الحسن واجلس أمام خصمك، ففعل وفي وجهه التأثر، فلما انتهت الخصومة قال له عمر: أكَرِهْتَ يا عليُّ أن تجلس أمام خصمك؟ فقال: كلا ولكني كرهت أنك لم تراع المساواة بيننا بقولك أبا الحسن؛ إذ الكنية تشير إلى التعظيم.وتقام الحدود في الشريعة الإسلامية على الناس جميعًا شريفهم ووضيعهم، والقمة في ذلك حديث المخزومية عن عائشة رضي الله عنها أن قريشًا أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا: من يكلِّم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن يجترئ عليه إلا أسامة حِبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أتشفع في حد من حدود الله؟ ثم قام فخطب فقال: يا أيها الناس إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها»([3]).
النصوص التي تؤكد يسر الشريعة الإسلامية
- أولاً: النصوص من القرآن الكريم:


قال تعالى: }لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ{([1]).
نعم، لم يكلف الله أحدًا فوق طاقته ووسعه، وهذا من لطفه تعالى بخلقه، ورأفته بهم، وإحسانه إليهم؛ فهو سبحانه بلطفه وإنعامه علينا لم يكلفنا بما يشق علينا ولا بالأمور المؤلمة، كما كلف مَنْ قبلنا بقتل أنفسهم وقرض موضع البول من ثيابهم وجلودهم؛ بل سهَّلَ علينا ورفق بنا ووضع عنا الإصر والأغلال التي وضعت على من كان قبلنا([2]) قال تعالى: }يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ{([3]).
قال السيوطي: «فهذه الآية أصل القاعدة الكبرى التي تقوم عليها تكاليف هذه الشريعة؛ فهي يسيرة لا عسر فيها سمحة لا تكلف فيها سهلة لا تعقيد فيها، وهي أصل لقاعدة عظيمة ينبني عليها فروع كثيرة، وهي:
«أن المشقة تجلب التيسير»، وهي إحدى القواعد الخمس التي ينبني عليها الفقه، ونختار من القواعد: قاعدة «الضرورات تبيح المحظورات» وقاعدة: «إذا ضاق الأمر اتسع» ([4]).
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: «}وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ{: أي ما كلفكم ما لا تطيقون وما ألزمكم بشيء يشق عليكم إلا جعل الله لكم فرجًا ومخرجًا»([5]).
فالصلاة التي هي أكبر أركان الإسلام بعد الشهادتين تجب في الحَضَرِ أربعًا، وفي السفر تُقْصَرُ إلى اثنتين، وفي الخوف يصليها بعض الأئمة ركعة واحدة مستقبلي القبلة وغير مستقبليها، وهذا دليل على يسر الشريعة الإسلامية، وسماحتها.
النصوص التي تؤكد يسر الشريعة الإسلامية
- أولاً: النصوص من القرآن الكريم:


قال تعالى: }لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ{([1]).
نعم، لم يكلف الله أحدًا فوق طاقته ووسعه، وهذا من لطفه تعالى بخلقه، ورأفته بهم، وإحسانه إليهم؛ فهو سبحانه بلطفه وإنعامه علينا لم يكلفنا بما يشق علينا ولا بالأمور المؤلمة، كما كلف مَنْ قبلنا بقتل أنفسهم وقرض موضع البول من ثيابهم وجلودهم؛ بل سهَّلَ علينا ورفق بنا ووضع عنا الإصر والأغلال التي وضعت على من كان قبلنا([2]) قال تعالى: }يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ{([3]).
قال السيوطي: «فهذه الآية أصل القاعدة الكبرى التي تقوم عليها تكاليف هذه الشريعة؛ فهي يسيرة لا عسر فيها سمحة لا تكلف فيها سهلة لا تعقيد فيها، وهي أصل لقاعدة عظيمة ينبني عليها فروع كثيرة، وهي:
«أن المشقة تجلب التيسير»، وهي إحدى القواعد الخمس التي ينبني عليها الفقه، ونختار من القواعد: قاعدة «الضرورات تبيح المحظورات» وقاعدة: «إذا ضاق الأمر اتسع» ([4]).
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: «}وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ{: أي ما كلفكم ما لا تطيقون وما ألزمكم بشيء يشق عليكم إلا جعل الله لكم فرجًا ومخرجًا»([5]).
فالصلاة التي هي أكبر أركان الإسلام بعد الشهادتين تجب في الحَضَرِ أربعًا، وفي السفر تُقْصَرُ إلى اثنتين، وفي الخوف يصليها بعض الأئمة ركعة واحدة مستقبلي القبلة وغير مستقبليها، وهذا دليل على يسر الشريعة الإسلامية، وسماحتها.
أسباب الحكم بغير ما أنزل الله ونتائجه


-السبب الأول: انعدام الإيمان أو ضعفه:


إن ضعف الإيمان في نفوس كثير من المسلمين هو الأصل الجامع لكل انحراف وقعوا فيه، ولا غرو؛ فإن الإيمان بالله تعالى وما يقتضيه هو نقطة البدء التي ينبغي أن ينطلق منها المسلم؛ بل وتعد عنصرًا فعالاً في الاستجابة لأوامر الله تعالى وتطبيق شرعة ([1]).
أما أن لا يتجاوز الإيمان إلا دعاء، أو لا يتجاوز النطق بكلمة الإيمان، فإذا نظرت في واقع مدعيه لا تجده شيئًا؛ فمثلاً هذا الإيمان لا يحرك ساكنًا ولا ينتج أثرًا، ولا يشعر صاحبه بحلاوته، وإنما إيمانٌ اعتراه فتور أو موت، ويتبع هذا والعياذ بالله المرض القلبي الذي يجعل المريض يعرض عن حكم الله، ويُقبل على حكم البشر الذي ثبت عجزه ([2]): }وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ*وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ{([3]).
-السبب الثاني: مداهنة الكفار والركون إليهم:

إن الإسلام يواجه حربًا من أعداء شرسين وحاقدين؛ سواء من الشيوعيين الملحدين والصهيونيين واليهود عليهم لعائن الله؛ كل هؤلاء يعملون بكل طاقاتهم لحرب الإسلام والمسلمين، ومن المؤسف أن تنضم إليهم وتعمل لحسابهم فئة تنتسب إلى الإسلام، وتقصد بتلك الفئة الطبقات المتعاقبة من أصحاب القانون الوضعي، وهي الطبقات البديلة ممن تربوا في أحضان الغرب ودانوا بفكرتهم وتمذهبوا بمذاهبهم، على آثارهم يهرعون، وبمذاهب العلمانية والاشتراكية، والشيوعية، والصهيونية، يتمذهبون، يهتفون باسمهم، ويدعون إلى مبادئهم، ويحملون الناس عليها؛ فهؤلاء إلى غير الإسلام أقرب؛ لأنهم يعملون عمل الكفار وما هم بمسلمين، ولو قالوا ألف مرة بألسنتهم أنهم من المسلمين([1]).
قال تعالى: }لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ{([2]).
إن هذا نهي عن التولي العام لهم واتخاذهم أعوانًا وأنصارًا وأولياء، والدخول في دينهم.
قال الشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ رحمه الله في حكم موالاة أهل الشرك: «بسم الله الرحمن الرحيم، اعلم رحمك الله تعالى أن الإنسان إن أظهر للمشركين الموافقة على دينهم؛ موالاة لهم، وخوفًا منهم، ومداراة لهم، ومداهنة لدفع شرهم، فإنه كافر مثلهم، وإن كان يكره دينهم، ويبغضهم، ويحب الإسلام والمسلمين، هذا إذا لم يقع منه إلا ذلك، فكيف إن كان في دار منعة واستدعى بهم، ودخل في طاعتهم وأظهر الموافقة على دينهم الباطل وأعانهم عليه بالنصرة ووالاهم، وقطع الموالاة بينه وبين المسلمين، وصار من جنود القباب والشرك وأهلها، بعد ما كان من جنود الإخلاص والتوحيد وأهله؛ فإن هذا لا يشك مسلم أنه كافر من أشد الناس عداوة لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم»([3]).
ومن أبرز ملامح موالاة الكفار ما وقع في كثير من أهل البلاد الإسلامية في موالاة الكفار ومداهنتهم:
-تحكيم القوانين الوضعية، وهذا نتيجة لضعف الإيمان أو فقده.
-السبب الثالث: الجهل بأحكام الشريعة الإسلامية:

إن أكثر المسلمين اليوم يتوارثون الإسلام تقليديًا، وجدوا عليه آباءهم وأجدادهم؛ لهذا نشأ الجهل بأحكام الشريعة الإسلامية لدى كثير من أبناء الأمة الإسلامية قيادات وشعوبًا، حتى أصبح كثير منهم لا يعرف من دينه إلا اسمه؛ فلا يعرف أحكامه وعقائده ولا أخلاقه وآدابه؛ مما سهل على أعداء الله أن ينشروا ضلالهم ويبثوا سمومهم.
وإليك صورًا من الجهل المنتشر بين أبناء الأمة الإسلامية؛ ففريق استهوته الشياطين من البشر فراح ينادي بعدم صلاحية الشريعة الإسلامية للتطبيق وأنفسهم، هذا الفريق انقسم إلى صنفين:
-صنف لم يدرس الشريعة ولم يفهم أحكامها، ولكن لقن على أيدي الخبثاء المغرضين بأن الدين تأخر وانحطاط، وتحجر، ورجعية، وأن الوسيلة الوحيدة للتحضر والارتقاء والتقدم هو الانسلاخ من الدين بالكلية.
_وصنف لم يدرس الشريعة ولكن درس القوانين الوضعية فقط، وتولى تربية جيل من المسلمين لا يعرف شيئًا عن حقيقة الإسلام؛ بل يعرف عن ذلك شبهات تحوم في نفسه حول هذا الدين([1]).
-وفريق تولى إفساد المسلمة وإخراجها باسم الثقافة والحرية والديمقراطية سافرة ومتبرجة، وجعلها أحبولة الفساد في المجتمعات الإسلامية، ومن ثم تعطيل وهدم كيان المجتمع الإسلامي»([2]).
لقد وقع كثير من السذج والجهلة بل وبعض العلماء في أيامنا هذه في شِرْكٍ حقيقي، وبرهانُ ذلك ما نراه بأعيننا في كثير من البلاد العربية والإسلامية؛ إذ يتساقطون على الأضرحة والمشاهد؛ ويقصدون الموتى، ويعتمدون عليهم في جلب النفع ودفع الضرر([3]).