من فضل الله سبحانه وتعالى على عباده

أنه أكرمهم وجعلهم في مصاف العبودية له وحده
وجعل هذا الأكرام فيه الكثير والكثير من الفخر
والأمتياز للعباد..

فهناك نوعين من العبودية
هناك عبودية لله سبحانه وتعالى له وحده
وهذا النوع من العبودية هي شرف وكرامة ورفعة مقام
وهناك عبودية وقتية تحكمها الحاجة
بين العبد والسيد في حياتنا الدنيا بين بني البشر
وتعتبر هذه الكلمة مقيتة ومنبوذة ومكروهه....
ولنقف قليلاً لنتعرف على هذه الأنواع من العبودية
ونبدأ بعبودية البشر للبشر وحاجاتهم التى تستدعي
الخنوع والمذلة والحاجة والمصالح المشتركة
والتى يتخللها الظُلم والأستعباد والأهانة ..
فلننظر للأسباب التى تجعل الخدمات والمصالح المشتركة
بين من رزح تحت نير العبودية .....

فمن المعروف والمفهوم الشائع أن مهام العبيد
هي خدمة مرؤسيهم وأسيادهم وتنفيذ أوامرهم
ونواهيهم ...تحت مذلة العبودية المقيتة من البشر للبشر
ولأجبار العبيد في خدمة الأسياد الا لأعتبارات فٌرضت
على العبد ....أو مزايا حبكت الظروف المحيطة بالعبد
أن يلجأ أليها من رٍق وعبودية ومذلة للوصول لحاجته
الحياتية الضرورية.....

وهذه الأعتبارات والمزايا تتلخص أهميتها في:
1.الأجر
ففي وجود لقاء الخدمة...تنشأ الحركة والنشاط
للخادم أو العبد لأرضاء سيده ......
فكلما كانت المزايا والأجر المُخصص للخدمة
المُتفق عليه كبير....كان مجهود الخادم لسيده كبير
والعكس صحيح ....فكلما كان الأجر قليل وزهيد
كان نشاط الخادم أو العبد لسيده قليل .
فنلاحظ أن النشاط من عدمه يأتي متزامناُ ومترافق مع
الأجر المُتفق عليه بين الخادم أو العبد وسيده.....
وهنا يحدث الظُلم في هذه المنظومة بين العبد وسيده
أن تم أستغلاله وعدم تقدير مجهوده أو أنقاص في أجره
من ذلك ينشأ نوع من الرفض والتمرد الداخلي للأجير أو العبد
ويصبح عمله هو فقط طبقاً لقيمة الأجر والحاجة للعمل ....


2.الحاجة
وتم تفسير الحاجة على أنها
الرغبة في مطلب أو مجموعة مطالب إنسانيّة مقابل الموارد
الاقتصاديّة المتاحة ، بحيث يؤدّي تحقيقها والاستجابة إليها إلى
إنماء تطوير الطاقات البشريّة المستخلفة في عمارة الأرض ،
في ضوء نمط الاستهلاك الإسلاميّ ومحدّداته

والأيضاح الأكثر يقول هي
مطالب انسانية معيشية يتم الحصول عليها
مقابل مادي ملموس لسد الحاجة المطلوبة
تماماً مثلما يُجبر العبد على خدمة سيده
لحاجته المعيشية من نقود فقط ...فأن توفرت
حاجته وأكتفى منها ....يهجر سيده ولا يعد يهتم بالخدمة
ويظن أنه ليس هناك سبب يجعله يرزح تحت
نير العبودية والتسلط .....


3.الواجب
هو مصطلح يحمل معنى الالتزام الأخلاقي أو التعهد
والالتزام لشخص ما بشيء ما.
وينبغي أن يتحقق الالتزام الأخلاقي في التصرفات فهو ليس مسالة شعور غير فعال أو مجرد تقدير
ولكن عندما يدرك الشخص ما هو واجب عليه فعله،
فهو يسعى لتحقيقه دون النظر لشعوره اولمصلحته الشخصية )
وهنا يختلف الأمر بين الرؤوساء والمروؤسين

العبيد و الأسياد
فنري خدمة العبيد وتعاملاتهم تأتي بحكم الواجب فقط
والواجب هنا هو العمل تحت ظروف ليست مادية
بل هي معنوية سلوكية خاصة بمدي حُب وأحترام
الخادم او العبد لسيده وتقديره من نواحي
أنسانية صٍرفة ....
ويكفي أن نقول أن وجود الحُب في مثل هذه التعاملات
ينسف وبقوة كل المقومات والذرائع والأسباب
التى تستدعي مواصلة الخادم لخدمة سيده
وهنا نستنتج أن هناك سبب مهم وعظيم ....


4.الواجب مع الحُب
وهنا وصلنا لنقطة أن يتم التعامل بين الناس
فيما بينهم بالواجب المفروض او المُتعارف عليه
مقروناً بالحُب في فعله...
عندها نصل لما يريده الله مِنّا في تعاملاتنا الخاصة بين بنى
جلدتنا .....فما بالنا ونحن نتعامل مع خالقنا سبحانه
وتعالى ونعمل بالواجبات والأوامر والنواهي
والتشريعات التى فرضها علينا ....
تحت بند العبودية لله
والتى تختلف عن العبودية لغير الله...
فمثلاً حينما أوجب الله
علينا نحن المسلمين بأقامة الصلاة
وجعلها واجبة مفروضة
هنا كل المسلمين يُصّلون ولكن الاختلاف في ما بينهم
هو في تنفيذ هذا الواجب المفروض ...
فمنهم من يُصلي تنفيذاً لأمر الله وأحتسابه كواجب
وينتظر متى تنتهي
وكأنه يقول في قرارة نفسه سأكمل الواجب هذا وأنتهي منه
هنا نتيقن أن يشعر وكأنه مدفوع دفعاً ومرتبط بواجب
يريد أن يقوم به وينتهى الأمر
بدون أن يشعر ويتلذذ بفعل الصلاة
فنرى صلاته واعماله الطيبة الاخرى لا خشوع فيها ولا استحضار
لعظمة الخالق اثناء الوقوف امامه
وحينما يُسئل عنها يقول انا فعلت الواجب المفروض وانتهى الامر
بأنتهاء وقت الصلاة او الطواف او الاعمال الصالحة الاخرى

ونراه يخرج من الصلاة مثلما دخل اليها
لماذا ...؟
لانه فعل واجب مفروض عليه بدون اقرانه بالحب في فعله
كما اخبرنا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
في الحديث الصحيح الذي رواه أنس بن مالك
بلذة الصلاة عند النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
حُبب إليّ من دنياكم النساء والطيب وجُعلت قُرة عيني في الصلاة

وهنا نستنتج أن الصلاة هي قُرة عين النبي صلى الله عليه وسلم
أي أحب الأعمال عند رسول الله...لِما فيها من طمأنينة وسلام وراحة ....
وهذه الطمأنينة لاتأتي الا إن قمنا بها بحُب في فعلها

ويكفينا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم
ما ذكره الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه
من حديث أنس رضي الله عنه
صلى الله عليه وسلم قال:
ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان:
من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما
وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله
وأن يكره أن يعود للكفر بعد إذ أنقذه الله منه
كما يكره أن يقذف في النار" صحيح مسلم.....

هنا أيضاً لاتأتي حلاوة الأيمان ومذاقه الطيب الا
أن قُمنا بفعل الواجبات بحب لفعلها وطمعاً في التلذذ بنتائجها....
والطرف الثاني
نراه يحب وقت الصلاة ويتمنى ان لا تنتهي الركعات ...
لانه يشعر انه يفعل هذا الواجب بحب في فعله

وليس كتحصيل حاصل وتنفيذ امر فقط
حتى أن الله سبحانه وتعالي اوضح وذكر ان الحب في فعل الاوامر والواجبات
من اساسيات الأيمان وتقريب درجة القُرب والمحبة لله

حينها يصل لومرحلة انه اصبح ممن يحبهم الله
فقال تعالى في الحديث القدسي :
: ((
ما تقرَّب إليَّ عبدي بشيء أفضلَ ممَّا افترضتُه عليه، وما يزال عبدي
يتقرَّب إليَّ بالنَّوافل حتَّى أحبَّه، فإذا أحببتُه كنت سَمْعَه الَّذي يسمع به،
وبصره الَّذي يُبْصِر به، ويده الَّتي يبطش بِها، ورِجْلَه الَّتي يمشي بها
))؛ رواه البخاري

وهنا اخوتنا الكرام
لو فهمنا أن الحُب وهو الميل الى الشيء ميلاً شديداَ
والميل هنا يختلف منها ماهو ميل مشروع ومنها ماهو ميل غير مشروع ....
فالميل الغير مشروع وهو المذموم من جميع اشكاله

ومنها ماهو مشروع كحُب الله ورسوله والذين يستحقون
هذا الحب من والدين وابناء واخوة في الله وعمل الطيبات

حتى وأن كان في أبسط صورة في التعاملات
فعندما أقدم كوب من الماء وانا عابس الوجه لأحد العطشى
كواجب يتحتم فعله
هنا لاتصل معاني هذا الواجب للطرف المقابل
الا اذا قدّمنا كوب الماء مع ابتسامة وترغيب ورأفة
وحرص على الأهتمام بكفاية الماء من عدمه ....

وأيضاً حتى فعل الصدقات
لاتعطي معانيها الطيبة الا اذا
أخرجنا الصدقات بحُب في إخراجها
هنا يشعر من تلقى الصدقة أن معطيها قد أخرجها بحب
في فعلها وليس واجب فقط وكأنها تحصيل حاصل .....

ولأعتبار أن محبة الله ورسوله
فرض على كل مسلم ومسلمة
بل هي كما أسلفت شرط من شروط الأيمان
كما قال تعالى:
(
ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله) البقرة: 165
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(
لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه
من والده وولده والناس أجمعين
)
من صحيح البخاري وسُنن النسائي متفق عليه.


وهذه المحبة والحُب المطلوب هو مايفترض إقرانه بعمل الواجبات
سوى العبادة منها او حتى في التعاملات الخاصة بين الأفراد
لاننا علمنا بعد الآيات الكريمة وأقول الرسول صلى الله عليه وسلم
أن الحُب في التقرب الى الله بفرائضه وواجباته
ومحبة رسوله في تطبيق سُنته...
ثمارها هي محبة الله لنا
فمن مِنّا من لا يريد أن يكون محبوب
من الله ورسوله والناس اجمعين ....؟
وعندما يقول الله سبحانه وتعالى:
{
وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} العلق
بأداءِ الفرائِضِ ينال المؤمن درجة القُرْب من الله،
نلاحظ ان الله سبحانه وتعالى جعل درجة الحُب في فعل الأوامر والواجبات وحتى السُنن نتيجتها
هي قُرب من القريب وهذا القٌرب هو الحُب من الله
فمن فعل ذلك يكون قد وصل في فعل وتنفيذ الأوامر والواجبات
بالحب الى هذه النتيجة
والعكس هنا من يفعل الواجبات ولايضيف عليها شيء تحبباً في أوامر خالق الارض والسماء ....
لايصل لدرجة ان يكون محبوب من الله
لانه فعل ونفذ ولم يهتم حتى بطريقة التنفيذ لهذا الواجبات
كل ذلك لانه ربط نفسه بوقت معين وبأسلوب معين
وبطريقة تنفيذية معينة لفعل الأوامر والواجبات المفروضة....


لتوضيح الأمر في مايختص بمعاملة الوالدين
والبِر بهما....
هنا نجد الأبن يتعامل مع والديه بحكم الواجب فقط
والواجب هنا أما مفروض عليه من قِبل الله سبحانه وتعالى
او من قِبل المجتمع او البيئة التى يعيش فيها
فنراه يتعامل مع والديه بحكم الواجب والخوف من القيل والقال او بأظهار الرأفة لهما امام الناس
حتى يُقال عنه أنه مطيع ومُحب لوالديه ....
والواجب الذي يقوم بتنفيذه تجاههما يقول....
وفر لهم كل مايحتاجونه من مأكل
وملبس ومشرب وعناية صحية فقط....
وما دون ذلك ليس بالضرورة أن يكون من ضمن المعاملة
وعندما يُسئل عن والديه يقول انا اعاملهم كواجب على ابناءه
ونجد الطرف المقابل اي الوالدين ينظر لهذا الأبن أن معاملته تماماً
مثل مايتعامل به أصحاب الأجور المدفوعة من ممرضين
او ممرضات او جهات تهتم بكبار السن والعجزة

لان معاملتهم لهذه الفئة من الناس لايوجد فيها الحُب في فعل هذا الامر
بل يوجد فيها الفعل بالواجب المفروض لقاء اجر او هبات معينة لقاء ونظير مايقوم به

فان غاب الواجب والمفروض عليه في الفعل
ينتهى دوره ويترك الأمر للأخرين ....
فلا يفرق بين معاملة ابناءه
او معاملة من يقوم بخدمته كواجب بالأجر....
ونجد في الطرف الأخر من يتعامل مع والديه بالواجب المفروض عليه من الله في طاعتهما
ولكن مقرون هذا الواجب بحب في التنفيذ وفي العمل عليه مع اضافات اخرى
ومبالغة اكثر لبيان مدى الحب في فعل الواجبات المفروضة على الابناء

فنجده يتحبب لوالديه ويطعمهم بيديه ويسهر لسهرهم
ويشقى لشقائهم ويبتسم لأبتسامتهم ويتألم لألمهم

لماذا...؟
لانه يفعل ذلك بحب لهم وليس بالواجب فقط....


اخوتنا الكرام
هنا نكون قد وصلنا لنقاط مهمة وهي:
1.أن نفعل أو نقوم بفعل الواجبات مقرونة بحب في فعلها
2.أن نحاول ان نبتعد عن الجفاف والغِلظة في تنفيذ أوامر الله
بدون الأحساس بها وبالحُب في تنفيذها
3. أن نعمل على الاهتمام بالواجبات سوى المفروضة او حتى الخاصة بالتعاملات في مجتمعاتنا
وفي بيئتنا ونقرنها بالحُب في فعلها....
ولا نقدمها على طبق جاف وكأن الدافع في الفعل هو الأجبار
فأن فعلنا ذلك نكون قد تحصلنا على النتيجة المرغوبة وهي
حُب الله ورسوله والناس اجميعن
وبذلك نكون قد قمنا بتنفيذ الأوامر بحُب ....