ما وسائل كبح جماح الغضب؟ وكيف نتخلص منه؟ ونبتعد عنه؟


الغضب نفخة من نفخات الشيطان الرجيم نعوذ بالله منه ليسيطر به على صاحبه، فيفقده اتزانه، فيقول ويعمل ما يوبق دنياه وأخراه، وكم من عاقل فقد عقله حال غضبه فأرداه الشيطان في داهية، وألقاه في هاوية!


وكم من رجل غضب في لحظة شيطانية، فتكلم بما يوجب له النار، وكان الغضب سبب تلك الخطايا والأوزار!


وكم من رجل حليم، غضب فظلم، وسخط فحرم، وتكلم فندم!


وكم من زوج محبٍ لزوجته، ملكت عليه لُبَّه، وتمكنت من قلبه، فوقعت فيما يسخطه، فغضب منها غضبة أوقعته فيما كان يحذر، فمدَّ يده عليها بغير حق، وتكلم عليها بباطل، وربما طلَّقها بغير جرم، فندم يوم لا ينفعه الندم، فخرجت من بيته وهو لها محب، وفرَّق بينهما الغضب!


وكم من والد غضب من ولده، فضربه ضربًا مبرحًا، حتى أعطبه وأرداه، وأوقع به من العطب في بدنه، ما جعل الوالد الحزين يندم على ذلك مدى عمره، ولو تأمل بعقله لوجد أن السبب لا يستحق هذا الغضب!


وكم من رجل عاقل تعرض له بالأذى أو الخطأ رجل آخر، فنفخ الشيطان في قفاه، فتقاتلا كالأعداء، فقتله أو جرحه، فكانت السجون من بعد بيته موطن سكنه وحزنه، أو كان السيف الأبتر الذي دُقَّ به عنقه ثمرة من ثمرات الغضب!


وكم، وكم، وكم..


ولعاقل أن يسأل: ما وسائل كبح جماح الغضب؟ وكيف نتخلص منه؟ ونبتعد عنه؟ وأيُّنا لا يغضب!


- أن تعلم أن الغضب إنما هو نفخة من نفخات الشيطان على الإنسان، فلتحذر من عدوك، فإنه يريدك أن تغضب ليتكلم على لسانك، ويبطش بيدك، ويركل بقدمك.


فعن سليمان بن صرد رضي الله عنه قال: كنتُ جالسًا معَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ورجلانِ يَستَبَّانِ، فأحدُهما احمَرَّ وجهُه وانتفخَتْ أوداجُه، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «إني لأَعلَمُ كلمةً لو قالها ذهَب عنه ما يَجِدُ، لو قال: أعوذُ باللهِ منَ الشيطانِ، ذهَب عنه ما يَجِدُ». فقالوا له: إنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: «تعوَّذْ باللهِ منَ الشيطانِ». فقال: وهل بي جُنونٌ؟ (صحيح البخاري؛ برقم: [3282]).


هل رأيت ماذا قال؟!


جربها أنت مع من تراه يخاصم ويهاجم، وقل له: استعذ بالله من الشيطان، فهل تراه يقولها من أول وهلة؟ جرِّب لتعرف الجواب.


- أن تدرك الأجور العظيمة التي أعدها الله تعالى لمن كتم غيظه وكف غضبه.


فعن معاذ بن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله عليه وسلم: «من كظمَ غيظًا وَهوَ يستطيعُ أن ينفذَه دعاهُ اللَّهُ يومَ القيامةِ علَى رءوسِ الخلائقِ حتَّى يخيِّرَه في أيِّ الحورِ شاءَ» (صحيح سنن الترمذي؛ برقم: [2021]).


وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما مِن جَرعةٍ أعظمُ أجرًا عندَ اللَّهِ، من جَرعةِ غيظٍ كظمَها عبدٌ ابتغاءَ وجهِ اللَّهِ» (صحيح سنن ابن ماجه؛ برقم: [3396]).


وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ومَنْ كَفَّ غضبَهُ سترَ اللهُ عَوْرَتَهُ، ومَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ، ولَوْ شاءَ أنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ مَلأَ اللهُ قلبَهُ رَجَاءً يومَ القيامةِ» (السلسلة الصحيحة؛ برقم: [906]).


- أن تفارق المكان الذي غضبت فيه إلى حين، فيخسأ الشيطان، ويعود إليك الاتزان، فإذا غضبت من زوجتك فلا تقعد معها في البيت بل اخرج من المنزل لبضع ساعات، لتعود إليه وقد ذهب غضبك، وأمعنت الفكر في المشكلة التي وقع عليها الخلاف ومن أجلها الشجار، وكذلك الحال عندما يحدث بينك وبين غيرك شجار أو عراك أو خصومة، اخرج؛ لتنجُو.


- أن تستعيذ بالله من شرِّه وتلبيسه وتوهيمه وغمزه ولمزه، فإنه القادر سبحانه أن يحميك من شرِّ وضُرِّه. قال تعالى: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ ۖ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [فصلت:36].


- أن تجلس إذا كنت قائما، وتضطجع إذا كنت جالسًا، وهو خلاف ما يريده منه عدوك.


وتأمل حالك عندما تغضب! تنتفخ أوداجك، ويحمرّ وجهك، ويتشنَّج بدنك، وتضطرب أطرافك، وتزداد خفقات قلبك، فتقوم من جلوسك، وتقعد من رقودك، وتستعد للعراك والنزال، فعليك بعكس مراده، ومخالفة مقصوده، وهي وصية نبوية من خير البرية صلى الله عليه وسلم.


- أن تطفئ الغضب بالوضوء، فالشيطان مخلوق من نار، ولا يطفئها إلا الماء، فعليك به تنجو من شروره بإذن الله.


- أن تصمت حال غضبك فلا تتكلم حتى لا تندم، فغالب الكلام في وقت الغضب لا يسر، ولذلك أرجو أن تقوم بهذه التجربة أو تطلبها من غيرك، فإذا غضبت يومًا من الأيام أدر جهاز تسجيل الأصوات ليسجل كلامك، لتسمع بعد ذلك ما يسؤك ولا يسرك!


فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَفَّ غضبَهُ كَفَّ اللهُ عنهُ عذابَهُ، ومَنْ خزنَ لسانَهُ سترَ اللهُ عَوْرَتَهُ، ومَنِ اعْتَذَرَ إلى اللهِ قَبِلَ اللهُ عُذْرَهُ» (السلسلة الصحيحة؛ برقم: [2360]).


- أن تحذر من دواعيه الجالبة له والمتسببة فيه، فإذا علمت من نفسك أن غالبًا تغضب في بعض الأماكن فلا تذهب إليها، وإذا كان في العادة لقاؤك ببعض من تعرف سيثير غضبك، فلا تلقاه إلا في وقت ضرورة إلا ما وجب عليك من صلة رحم، ولو كنت لا ترتاح للقيا مع بعضهم.


- أن تسيطر على نفسك، وتتحكم في قولك وفعلك، وهل الشديد إلا من حكم نفسه قبل أن يحكم غيره؟!


فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليسَ الشَّديدُ بالصُّرَعةِ، إنَّما الشَّديدُ الَّذي يملِكُ نفسَهُ عندَ الغضبِ» (صحيح البخاري؛ برقم: [6114]).


- قراءة القرآن بصوت مسموع، فإن الشيطان يفر من القرآن.


قال تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ . مَلِكِ النَّاسِ . إِلَـٰهِ النَّاسِ . مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ} [الناس:1-4]، والخناس هو الشيطان يخنس أي يختبئ ويهرب عند ذكر الله، فإذا غفل العبد عن الذكر حضر العدو فوسوس، والشيطان لا يقرب بيت يقرأ فيه بالبقرة وآل عمران.


- احرص على استقرار حالتك الطبية، فإن لبعض الأمراض تأثير بالغ في الحالة النفسية للمصاب بها، كمرض السكر والضغط، فإن لها أعظم الأثر في كثرة الغضب والتهيج النفسي، فحاول أن لا يرتفع منسوب السكر وكذلك الضغط في الدم، لتسلم!


- انظر بعين فاحصة لأسباب الغضب، فلعل بعضها لا يستحق هذا منك، فهل يحق لك أن تغضب من أجل الكرة مثلًا؟! أعتقد أنك أكبر من هذا!


وربما تجد أنك ربما تغضب غضبًا يُغضب الله عليك!


فتدبر! حتى لا تخسر.


سؤال أخير: هل تغضب لله تعالى؟ وهل غضبك لله كغضبك لنفسك؟ فإذا رأيت حدود الله تنتهك تمعر وجهك غيرة وغضبًا، وفارت دماء الحمية الإيمانية في أوردتك، أم أن الأمر لا يعنيك؟!