الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه أجمعين.. وبعد: ما من شيء أفسد لدين المرء من الطمع في شهوات الدنيا من مال أو منصب أو جاه، ذلك أن العبد إذا استرسل مع الأمنيات استعبدته كما قال القائل:


العبد حرٌ ما قنع .. ... ..والحر عبدٌ ما طمع


وقال آخر:


أطعت مطامعي فاستعبدتني.. ... ..ولو أني قنعت لكنت حرًا


يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى:


وهكذا حال من كان متعلقًا برئاسة أو ثروة ونحو ذلك من أهواء نفسه، إن حصل له رضي وإن لم يحصل له سخط، فهذا عبد ما يهواه من ذلك، وهو رقيق له إذا لم يحصل.


والعبودية في الحقيقة هي رقُّ القلب وعبوديته"أهـ.


ولأجل هذا المعنى كان يقال: الطمع فقرٌ، واليأس غنى، وإن أحدكم إذا يئس من شيء استغنى عنه.


وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الطمع أشد التحذير فقال: "وأهل النار خمسة: ... والخائن الذي لا يخفى له طمع، وإن دق إلا خانه..." الحديث.


وكان صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله "من نفس لا تشبع".


الطمع يمحق البركة


والطمع يمحق البركة ويشعر النفس بحالة الفقر الدائم، فعن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: "سألت رسول الله فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم قال: "يا حكيم إن هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يُبارك له فيه، كالذي يأكل ولا يشبع.." الحديث.


وكان السلف يرون أن الطمع يُذهب بركة العلم، فقد اجتمع كعب وعبد الله بن سلام، فقال كعب: يا بن سلام: مَن أرباب العلم؟ قال: الذين يعملون به. قال: فما أذهب العلمَ عن قلوب العلماء بعد أن علموه؟ قال: الطمع، وشَرَه النفس، وطلب الحوائج إلى الناس.


ورحم الله القائل:


ولم أقض حق العلم إن كان كلما .. ... ..بدا طــمعُ، صيَّرته لي ســـلمًا


وما كل بــرق لاح لي يسـتفـزني.. ... ..ولا كل من لاقيت أرضاه منعمًا


إذا قيل هــذا منهـل قلت قد أرى.. ... ..ولكـن نفس الحر تحتمل الظما


أنهنهها عـن بعض مـا لا يشـينها.. ... ..مخــافة أقوال العــدا فيم أو لـمَ


ولم أبتذل في خدمة العلم مهجتي .. ... .. لأخْدِمَ مَن لاقيتُ ولكن لأُخَدما


أأشقى به غــرسًا وأجنيــه ذِلة؟ .. ... ..إذا فاتباع الجهل قد كان أحزما


ولو أن أهـــل صـانــوه صـــانهـم.. ... .. ولو عظموه في النفوس لعظِّما


ولكـــن أهانــوه فهــان ودنســوا.. ... .. محيـاه بالأطمــاع حتى تجهما


ومن كان ذا طمع مسيطر على قلبه فإن الذل قرينه؛ لأنه يبذل عرضه في سبيل تحقيق ما هو ته نفسه وطمع فيه قلبه؛ وفي هذا المعنى يقول أبو العتاهية رحمه الله:


تعالى الله يا سَلْمُ بنَ عمرو.. ... ..أذلَّ الحرص أعناق الرجال


وقال بعضهم:


الحرص يُنقص قدر الإنسان، ولا يزيد في رزقه.


وقالوا: العبيد ثلاثةٌ: عبد رِقّ، وعبد شهوة، وعبد طمع.


ولو لم يكن في الطمع إلا تضيع العمر الشريف الذي يمكن أن يشتري به صاحبه الدرجات العلى والنعيم المقيم، في طلب رزق قد تكفل الله به لكفى بذلك زجرًا، فكيف وفي الطمع التعب الدائم وتحقير النفس وإذلالها، ونقص الثقة بالله عز وجل مع شعور صاحبه بفقر دائم:


"وما فتح عبد بابَ مسألةٍ، إلا فتح الله عليه باب فقر".


نسأل الله أن يقينا شر الطمع، وأن يرزقنا القناعة.