السلام عليكم و رحمة الله و بركاتة
قد يعتقد البعض ان الشدة هي في القوة و الاستقواء على الاخرين
و لكن في الحديث يتضح لنا ان القوي ليس من يتصف بكل علامات القوة.!
لكنه ذلك الذي يتمالك نفسه حال الغضب.!
...
عن أبى هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ "‏ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب
متفق عليه.
الغضب شعلة من النار، والإنسان ينزع فيه عند الغضب عرق إلى الشيطان اللعين، حيث قال‏:‏‏ فإن شأن الطين السكون والوقار، وشأن النار التلظي والاشتعال، والحركة والاضطراب‏.‏

وحقيقة الغضب‏:‏ غليان دم القلب لطلب الانتقام، فمتى غضب الإنسان ثارت نار الغضب ثوراناً يغلي به دم القلب، وينتشر بى العروق، ويرتفع إلى أعالي البدن، كما يرتفع الماء الذي يغلى في القدر، ولذلك يحمر الوجه والعين والبشرة وكل ذلك يحكي لون ما وراءه من حمرة الدم، كما تحكي الزجاجة لون ما فيها.‏
الأسباب المهيجة للغضب: وعلاج الغضب بإزالة أسبابه، ومن أسبابه‏:‏ العجب، والمزاح، والمماراة، والمضادة، والغدر وشدة الحرص على فضول المال والجاه، وهذه الأخلاق رديئة مذمومة شرعاً، فينبغي أن يقابل كل واحد من هذه بما يضاده، فيجتهد على حسم مواد الغضب وقطع أسبابه‏.‏
وأما إذا هاج الغضب فيعالج بأمور‏:
أحدها‏:‏ أن يتفكر في الأخبار الواردة في فضل كظلم الغيظ، والعفو، والحلم، والاحتمال.
‏الثاني‏:‏ أن يخوف نفسه من عقاب الله تعالى، وهو أن يقول‏:‏ قدرة الله على أعظم من قدرتي على هذا الإنسان، فلو أمضيت فيه غضبي، لم آمن أن يمضي الله عز وجل غضبه علي يوم القيامة فأنا أحوج ما أكون إلى العفو‏.
‏ وقد قال الله تعالى في بعض الكتب‏:‏ يا بن آدم‏!‏ اذكرني عند الغضب، أذكرك حين أغضب، ولا أمحقك فيمن أمحق.
الثالث‏:‏ أن يحذر نفسه عاقبة العداوة والانتقام، وتشمير العدو في هدم أعراضه، والشماتة بمصائبه، فإن الإنسان لا يخلو عن المصائب، فيخوف نفسه ذلك في الدنيا إن لم يخف من الآخرة وهذا هو تسليط شهوة على غضب ولا ثواب عليه، لأنه تقديم لبعض الحظوظ على بعض، إلا أن يكون محذوره أن يتغير عليه أمر يعينه على الآخرة، فيثاب على ذلك‏.‏
الرابع‏:‏ أن يتفكر في قبح صورته عند الغضب، وأنه يشبه حينئذ الكلب الضاري، والسبع العادي، وأنه يكون مجانباً لأخلاق الأنبياء والعلماء في عادتهم، لتميل نفسه إلى الاقتداء بهم‏.‏
الخامس‏:‏ أن يتفكر في السبب الذي يدعوه إلى الانتقام، مثل أن يكون سبب غضبه أن يقول له الشيطان‏:‏ إن هذا يحمل منك على العجز، والذلة والمهانة، وصغر النفس، وتصير حقيراً في أعين الناس، فليقل لنفسه‏:‏ تأنفين من الاحتمال الآن، ولا تأنفين من خزي يوم القيامة والافتضاح إذا أخذ هذا بيدك وانتقم منك، وتحذرين من أن تصغري في أعين الناس، ولا تحذرين من أن تصغري عند الله تعالى وعند الملائكة والنبيين‏.‏
وينبغى أن يكظم غيظه، فذلك يعظمه عند الله تعالى، فماله وللناس‏؟‏ أفلا يجب أن يكون هو القائم يوم القيامة إذا نودي‏:‏ ليقم من وقع أجره على الله، فلا يقوم إلا من عفا، فهذا وأمثاله ينبغي أن يقرره على قلبه‏.‏
وأما الذي يفعله من تملكه الغضب: فينبغي له السكون، والتعوذ، وتغيير الحال، إن كان قائماً جلس، وإن كان جالساً اضطجع، وقد أمرنا بالوضوء أيضا عند الغضب، فهذه الأمور وردت في الأحاديث‏.‏
أما الحكمة في الوضوء عند الغضب، فقد بينها النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين قال‏:‏ ‏"‏ إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من النار، وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ‏"‏‏.
وأما الجلوس والاضطجاع، فيمكن أن يكون إنما أمر بذلك ليقرب من الأرض التي منها خلق، فيذكر أصله فيذل، ويمكن أن يكون ليتواضع بذله، لأن الغضب ينشأ من الكبر، بدليل ما روى أبو سعيد، عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم أنه ذكر الغضب وقال‏:‏ “من وجد شيئاً من ذلك، فليلصق خده بالأرض‏"‏ ‏‏‏.‏