بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة

تنهدت بعمق وأطرقت إطراقة حزينة وقالت بأسى معلقة على سلوك إحداهن: " إيمانها ناقص"
قلت: سبحان الله! منذ متى صرنا "ترمومترا" نقيس إيمان الآخرين، ومن نصبك لهذه المهمة؟! قال - تعالى -: ( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون) (المائدة: 105) أراد الله بهذه الآية الكريمة من كل مؤمن ألا يذهب، بعيداً في إرادته تقويم اعوجاج الآخرين وقد قال - سبحانه وتعالى - لنبيّه الذي هو صاحب الرسالة والمكلف بالهداية: ( لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين) (الشعراء: 3).

وجاء في الأثر: (( الكيس من دان نفسه))، وليس من دان غيره؛ لأن أعمالنا هي التي ستوضع في موازيننا يوم القيامة لا أعمال الآخرين.

إن كنا قد انتهينا إلى أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من آكد مقتضيات الهداية فلا ينبغي أن ننسى أن الانكباب على النفس لإصلاح عيوبها ودوام مراقبتها وعدم الغفلة عنها.

من أول هذه المقتضيات.

مؤسف للغاية أن تجد كثيرا من الناس لا همّ لهم سوى تمحيص أعمال الآخرين قولاً وفعلاً وتتبّع كل نابية والتشكيك في كل بادرة والاشتغال في مقارنة أقوال الأمس بأقوال اليوم وصرف المعاني إلى المكاني ولو استطاعوا أن يحصوا على الناس أنفاسهم ويعدّوا حركات عيونهم لفعلوا.. تراهم يندسّون في المجالس وينتشرون في المنتديات، يملئون الزوايا ويزحمون الأطراف يرشقون الجالسين بالملاحظات الباردة ويحرجونهم بالتعليقات اللاذعة، هذا النوع من المنظرين ألسوداويي التفكير القاصري الفهم الذاهلين عن عيوبهم موجود في كل المجتمعات ومنتشر على المستوى العام والخاص.

فهم سقم العيش ووباء الكدر والمسبار الذبابي الذي يكبّر كل صغير خبيث ويصغّر كل كبير طيب والعجيب في الأمر تلبسهم رداء المصلحين وادّعاؤهم مذهب المرشدين ولو صحت دعواهم لكان لأنفسهم منها حظ ولكان لهم منها شغل.

إذا وقع في هذا سفلة الناس وجهّالهم فإنّنا نربأ بالفضلاء والعقلاء عن الوقوع فيه، فالفهم كل الفهم إدراك مراد الله بنور الله والسعي لارتقاء مقام الدعوة والإصلاح بتتبع المنبع الذي ربّى به الله صاحب هذا المقام حين قال له: ( ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين) (الأنعام: 35).

فمن الجهالة الانصراف عن تدبّر سنّة الاختلاف والتفاوت في التزام عزائم الأمور والقدرة على فهم دقائق الحق والعمل به بين الناس إلى تقسيمهم وتصنيفهم بمقاييس اجتهادية قابلة للخطأ والصواب، والجهالة الأعظم منها اشتغالنا بمقياس إيمان غيرنا عن مراقبة إيماننا والعمل للرقي بأنفسنا لبلوغ أعلى درجات الإيمان والوصول إلى مقام الإحسان والثبات فيه.

فأما الأولى، فيحل بسببها الشقاق وينبت في جوانبها النفاق وينقطع من أثرها ماء الوفاق، وأما الثانية فنتيجتها الحتمية تفرّق القلب وتسلط العجب عند الغرق في النظر إلى نقائص الغير وهنا تزل قدم بعد ثبوتها وتذوق السوء.. والذي نتجرع جميعنا مرارته ونراه جليا في التمزق الفكري بين أبناء العقيدة بعد أن استحال الاختلاف خلافاً.. وكذا في التشرذم الاجتماعي المستشري في كلا الصعيدين العام والخاص، حتى بين أفراد الأسرة الواحدة.. ونلمسه عن قرب في الآلام النفسية الواضحة آثارها في عوارض كالقلق والكآبة وهما الهمّ والحزن اللّذان علمنا النبي "- صلى الله عليه وسلم -" أن نستعيذ منهما صباح مساء وذلك لأثرهما القاتل لكل معاني الحياة الكاملة... فهلاّ وقفة نراجع فيها رسالتنا في الحياة؟..

ولنضع جانبا سيف الجلاد ولنخلع رداء القاضي ونكف عن غرز مخالبنا في نقاط ضعف الآخرين ونحاول أن نتعلم كيف نحب لهم الخير كما نحبه لأنفسنا.