جهاد النفس والشيطان والهوى


علَّمَنا صلى الله عليه و سلم شيئاً عظيماً من أسرار الإسراء والمعراج ، أن الداعي إلى الله ، وكذلك من أراد أن يكون من خير أمة أخرجت للناس ومن أراد أن يكون من المفلحين ومن أراد أن يكون من الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين

لا بد أن يكون في جهاد دائم حتى النفس الأخير فإما أن يجاهد مع الخلق وإما أن يجاهد نفسه لكن الداعي لا يكسل ولا يفتر عن الدعوة طرفة عين ولا اقل ، كيف إذاً يجاهد نفسه؟ يجاهد في دعوة الخلق إلى الله فإن لم يجد الخلق ، بحث في نفسه ليطهرها ويصفيها وبذكر الله ينميها وبكتاب الله وأحكامه وقوانينه يهديها وباتباع النبي صلى الله عليه وسلم يرقيها ويعليها

فهو دائماً يجاهد نفسه ولذلك ليس لديه وقت في غير جهاد – ليس عنده وقت للهو واللعب - حتى وهو في أعظم المجاهدات لا ينسى جهاد نفسه ، ولذلك فالطامة الكبرى التي تصيب كثيراً من الذين يتعرضون لدعوة الله أن ينسى أحدهم جهاد نفسه

لابد أن تجاهد نفسك وتزن نفسك بميزان الحَبيب المُصطفى وأصحابه الأخيار والأولياء والأطهار والذين ساروا على دربه إلى هذا اليوم أو إلى يوم القرار إن شاء الله ولا بد أن تزن نفسك إلى أين وصلت؟

لقد وضع الله في رحلة حَبيبه ومُصطفاه مستلزمات الداعي من الجهاد وأنواعه وأصنافه وأشكاله ومن الإمداد من المنعم الجواد ، وكيف يمد الإنسان في كل رتبة من رتب الجهاد فنأخذ هذا الملحظ العظيم ؛ أن الإنسان الذي يريد هذا الفتح لا بد أن يجاهد ، فإما أن يفتح الله عليه فيهدي خلقاً على يديه وإما أن يفتح الله له في نفسه فتحاً مبيناً ويهديه إلى سبيل قربه صراطاً مستقيماً وينصره على نفسه نصراً عزيزاً فإما أن يجاهد لهذا أو لذاك؟ فلا بد إذن من المجاهدة وتلكم أحوال الصالحين أجمعين

والله ما رأينا رجلاً من العارفين الصادقين إلا والجهاد في كل أنفاسه لا يتوقف طرفة عين ولا أقل حتى وهو في النوم يجاهد فبالنهار يجاهد مع الخلق وفي النوم يجاهد نفسه لتتنعم مع الحق عز وجل ، كما حدث مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذن لا بد من جهاد النفس على الدوام

جاهد نفوساً فيك بالشــرع الأمين ،، واحــذر قوى الشيـطان في القلب كمين

إلى متى هذا الجهاد؟ الإمام أبو العزائم رضي الله عنه قال فيه : " لا ينتهى جهاد النفس حتى مع كُمّل العارفين إلا مع خروجالنفس الأخير " ومن ظن أنه انتهى من الجهاد ، فقد ركن ومن ركن سيحجب

وهذا الحجاب يقول فيه الإمام الجنيد رضي الله عنه : " لو أقبل سالك على الله ألف عام ثم فتر لحظة كان ما فاته في هذه اللحظة أكثر مما حصله في الألف عام " لأنه من المفروض ألا يكون هناك فتور في طريق الله ولكن جهاد مستمر

فسيدنا رسول الله صلى الله عليه و سلم أعطانا أنواع المجاهدات: جهاد الإنسان أولاً مع نفسه بأن يخرج منها حظ الشيطان وكل ما تميل إليه النفس وكل ما تهواه وكل ما تتمناه إذا لم يوافق شرع الله وسنة حَبيبه ومُصطفاه ، فعلى الإنسان أن يجاهد جهاداً شديداً في كبح جماح النفس عن هذه الشهوة الخفية لأنها هي التي تقطع العارفين والسالكين عن إمدادات رب العالمين

وهذا الجهاد كما وضحه سيدنا رسول الله أن الإنسان يشق ما بين صدره إلى عانته ويتطلع إلى هذه المملكة وينظر ما فيه من عيوب وما فيه من غيوب وما فيه من فضل الله الموهوب فيكون همه كله هي نفسه ليجاهدها وإذا أخرج من نفسه حظ الشيطـان - وأعظم حظ للشيطان هو الهوى - ولذلك ربنا جمع الأمور كلها في الهوى {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى{40} فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى{41} النازعات

فإذا أخرج حظ الشيطان يذهب إلى عارف أفاض عليه الرحمن ليملأ قلبه بعلوم الرسالة الوهبية النازلة فوراً من عند حضرة الرحمن عز وجل ؛ لأن هذه العلوم هى التى ستعطى القلب اليقين ولا يقوى الإنسان على أن يخرج من ظلمات الحس والنفس إلا بنور اليقين :{كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ{5} لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ{6} التكاثر

سيمشي بنور اليقين باستمرار ، وإذا كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أن الله علَّمه مالم يكن يعلم كان محتاجاً لمن يمشي معه ويعرِّفه ، ويقول له متسائلاً : ما هذا يا أخي يا جبريل؟ فكذلك من يريد أن يمشي في طريق الله كيف سيمشي وحده؟

لا بد أنه يحتاج إلى: "خذ الرفيق قبل الطريق" والرفيق يلزم أن يكون من أهل التحقيق فبدون الرفيق من الجائز أن الإنسان يزل أو يتوه أو يزيغ لأنه لا يعلم آفات الطريق وعقباته فلا بد له من شيخ يأخذ بيده ويدله على الخير وينهاه عن الشر ويعرض عليه خواطره وكل شيء يجب أن يعرضه على الشيخ في هذه المرحلة ، أما إذا اكتفى بنفسه فله الخيار