تعريف الإيمان لغة

الإيمان لغة: مصدر آمن يؤمن إيماناً فهو مؤمن (1) [((تهذيب اللغة)) للأزهري (15/153)]

وأصل آمن أأمن بهمزتين لينت الثانية (2)[الصحاح للجوهري (5/2071)]

وهو من الأمن ضد الخوف (3).
[الصحاح للجوهري (5/2071) والقاموس المحيط للفيروز آبادي (ص1518)]

قال الراغب: (أصل الأمن طمأنينة النفس وزوال الخوف)(4)[(المفردات) ص 35] .

وقال شيخ الإسلام: (فإن اشتقاقه من الأمن الذي هو القرار والطمأنينة

وذلك إنما يحصل إذا استقر في القلب التصديق والانقياد)
(5)

[((الصارم المسلول)) ص(519)]

وقد عرف الإيمان بعدة تعريفات: فقيل: هو التصديق

وقيل: هو الثقة، وقيل: هو الطمأنينة، وقيل: هو الإقرار. (15)

وله في لغة العرب استعمالان:

1- فتارة يتعدى بنفسه فيكون معناه التأمين أي إعطاء الأمان، وآمنته ضد أخفته، وفي الكتاب العزيز:

الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ [قريش: 4] فالأمن ضد الخوف

وفي الحديث الشريف: ((النجوم أمنة السماء، فإذا ذهبت النجوم، أتى السماء ما توعد،

وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون،

وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى الأمة ما توعد))
(6)

[رواه مسلم (2531) من حديث ابي موسى الأشعري رضي الله عنه]

قال ابن الأثير الأمنة في هذا الحديث جمع أمين

وهو الحافظ وقوله عز وجل: وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً [البقرة: 125]

قال أبو إسحاق: أراد ذا أمن فهو آمن وأمن وأمين وفي الكتاب العزيز

وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ [التين: 3] أي الآمن يعني مكة.

وقوله عز وجل: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ [الدخان: 51] أي قد أمنوا فيه الغير واستأمن إليه:

دخل في أمانة، وقد أمنه وآمنه وقرئ في سورة براءة: (
إنهم لا إيمان لهم) [التوبة: 12](7)

[انظر تفسير الطبري (6/329)]

أي أنهم إن أجاروا وأمنوا المسلمين لم يفوا وغدروا، والإيمان هاهنا الإجارة

والأمنة والأمانة نقيض الخيانة

وفي الحديث: ((المؤذن مؤتمن))
(8)

[رواه ابو داوود (517) والترمذي (207) وأحمد (2/232) (7169)

من حديث ابي هريرة . قال ابو نعيم في ((حلية الأولياء))
ص(7/87) صحيح متفق عليه

- أي اتفق العلماء على صحته ، وقال ابن عساكر في ((معجم الشيوخ)) ص(809)

هذا حديث حسن صحيح من حديث أبي صالح ،

وقال الألباني في ((إرواء الغليل)) (1/232) (217) : صحيح ]

مؤتمن القوم: الذي يثقون فيه ويتخذونه أميناً حافظاً، تقول:

اؤتمن الرجل فهو مؤتمن، يعني أن المؤذن أمين الناس على صلاتهم وصيامهم

والمؤمن من أسماء الله تعالى. قيل: في صفة الله الذي أمن الخلق من ظلمه

وقيل: المؤمن الذي آمن أولياءه عذابه وقيل:المؤمن الذي يصدق عباده ما وعدهم

قال ابن الأثير: (في أسماء الله تعالى المؤمن وهو الذي يصدق عباده

وعده فهو من الإيمان التصديق، أو يؤمنهم في القيامة عذابه، فهو من الأمان ضد الخوف).

2- وتارة يتعدى بالباء أو الكلام فيكون معناه التصديق.

وفى التنزيل: وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ [يوسف: 17] أي بمصدق، آمنت بكذا، أي صدقت.

والمؤمن مبطن من التصديق مثل ما يظهر.

والأصل في الإيمان الدخول في صدق الأمانة التي ائتمنه الله عليها، فإذا اعتقد التصديق بقلبه

كما صدق بلسانه فقد أدى الأمانة، وهو مؤمن، ومن لم يعتقد التصديق بقلبه

فهو غير مؤد للأمانة التي ائتمنه الله عليها، وهو منافق.

قال الزجاج: أما قوله عز وجل: إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ

فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَاوَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا
[الأحزاب: 72]

والذي عندي فيه أن الأمانة ههنا النية التي يعتقدها الإنسان

فيما يظهره باللسان من الإيمان، ويؤديه من جميع الفرائض في الظاهر، لأن الله عز وجل ائتمنه عليها

ولم يظهر عليها أحداً من خلقه، فمن أضمر التوحيد والتصديق مثل ما أظهر فقد أدى الأمانة،

ومن أضمر التكذيب، وهو مصدق باللسان في الظاهر فقد حمل الأمانة ولم يؤدها.

وقوله عز وجل: يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ [التوبة: 61]،
وقال ثعلب: يصدق الله ويصدق المؤمنين.

ومنه قوله عز وجل: قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ [البقرة: 136]، و أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ [البقرة: 75]،

ويفهم من الكلام السابق،أن التصديق كما يكون بالقلب واللسان يكون بالجوارح أيضاً،

ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: ((والفرج يصدق ذلك أو يكذبه))
(9)[ وهو جزء من حديث أوله

(إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة) رواه البخاري (6243) ومسلم (2657)

من حديث ابي هريرة رضي الله عنه] .

قال الجوهري: (والصديق بوزن السكيت: الدائم التصديق، ويكون الذي يصدق قوله بالعمل). (16)

[نواقض الإيمان الاعتقادية وضوابط التكفير عند السلف لـ محمد بن عبد الله بن علي الوهيبي - 1/31]

ولكن لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى رأي آخر في معنى الإيمان اللغوي، وهو من آرائه السديدة،

واختياراته الموفقة؛ حيث اختار معنى (الإقرار) للإيمان. لأنه رأى أن لفظة (أقر) أصدق في الدلالة

والبيان على معنى الإيمان الشرعي من غيرها؛ لأمور وأسباب ذكرها ثم ناقشها بالمعقول، ورد بتحقيق

علمي رصين قول من ادعى: أن الإيمان مرادف للتصديق، وذكر فروقاً بينهما؛ تمنع دعوى الترادف.

قال رحمه الله:

(فكان تفسيره أي الإيمان بلفظ الإقرار؛ أقرب من تفسيره بلفظ التصديق، مع أن بينهما فرقا)
(10)

[ مجموع الفتاوى لشيخ الاسلام ابن تيمية (7/291)] .

وقال أيضاً:

(ومعلوم أن الإيمان هو الإقرار؛ لا مجرد التصديق، والإقرار ضمن قول القلب

الذي هو التصديق، وعمل القلب الذي هو الانقياد)
(11)

[ مجموع الفتاوى لشيخ الاسلام ابن تيمية (7/638)].

وقال رحمه الله في رده على من ادعى الترادف بين الإيمان والتصديق:

(إنه -أي الإيمان- ليس مرادفاً للتصديق

في المعنى؛ فإن كل مخبر عن مشاهدة، أو غيب، يقال له في اللغة: صدقت، كما يقال: كذبت؛

فمن قال: السماء فوقنا، قيل له: صدق، كما يقال: كذب.

وأما لفظ الإيمان؛ فلا يستعمل إلا في الخبر عن غائب، لم يوجد في الكلام أن من أخبر عن مشاهدة،

كقول: طلعت الشمس وغربت، أنه يقال: آمناه، كما يقال: صدقناه.

ولهذا؛ المحدثون والشهود ونحوهم، يقال: صدقناهم، وما يقال: آمنا لهم؛ فإن الإيمان مشتق من الأمن،

فإنما يستعمل في خبر يؤتمن عليه المخبر؛ كالأمر الغائب الذي يؤمن عليه المخبر،

ولهذا لم يوجد قط في القرآن وغيره لفظ: آمن له؛ إلا في هذا النوع)
(12)

[ مجموع الفتاوى لشيخ الاسلام ابن تيمية (7/291)] .

وقال أيضاً: (إن لفظ الإيمان في اللغة لم يقابل بالتكذيب؛ كلفظ التصديق؛

فإنه من المعلوم في اللغة أن كل مخبر يقال له: صدقت، أو كذبت،

ويقال: صدقناه، أو كذبناه، ولا يقال: لكل مخبر: آمنا له، أو كذبناه.

ولا يقال: أنت مؤمن له، أو مكذب له؛ بل المعروف في مقابلة الإيمان لفظ الكفر،

يقال: هو مؤمن أو كافر، والكفر لا يختص بالتكذيب)
(13) .

[ مجموع الفتاوى لشيخ الاسلام ابن تيمية (7/291)]

والمعلوم في اللغة أن كل مخبر يقال له: صدقت، أو كذبت، ويقال: صدقناه، أو كذبناه،

وقال الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:

(أكثر أهل العلم يقولون: إن الإيمان في اللغة: التصديق، ولكن في هذا نظر!

لأن الكلمة إذا كانت بمعنى الكلمة؛ فإنها تتعدى بتعديها، ومعلوم أن التصديق يتعدى بنفسه،

والإيمان لا يتعدى بنفسه؛ فنقول مثلاً: صدقته، ولا تقول آمنته! بل تقول: آمنت به،

أو آمنت له. فلا يمكن أن نفسر فعلاً لازماً لا يتعدى إلا بحرف الجر بفعل متعد ينصب المفعول به بنفسه،

ثم إن كلمة (صدقت) لا تعطي معنى كلمة (آمنت) فإن (آمنت) تدل على طمأنينة بخبره أكثر من (صدقت).

ولهذا؛ لو فسر (الإيمان) بـ(الإقرار) لكان أجود؛ فنقول: الإيمان: الإقرار،

ولا إقرار إلا بتصديق، فتقول أقر به، كما تقول: آمن به، وأقر له كما تقول: آمن له)
(14) .

[انظر (( شرح العقيدة الواسطية)) (2/229)]

واعلم أخي المسلم علمنا الله وإياك طريقة السلف الصالح: أن الحقائق قد تعرف بالشرع كالإيمان،

وقد تعرف باللغة كالشمس، وقد تعرف بالعرف كالقبض.

وأن التعريف الشرعي قد يتفق مع التعريف اللغوي،

وقد يختلف؛ بحيث يكون بالمعنى الشرعي أشمل من اللغوي،

ولكن العبرة بالمعنى الشرعي الذي نتعبد الله تعالى به.

وهكذا في مسمى الإيمان؛ إذ التصديق أحد أجزاء المعنى الشرعي على الصحيح المشهور

عند أئمة أهل السنة والجماعة، وعلى ذلك دلت نصوص الكتاب والسنة.

فالمعنى المختار للإيمان لغة: هو الإقرار القلبي:

ويكون الإقرار:باعتقاد القلب:أي تصديقه بالأخبار.

عمل القلب: أي إذعانه وانقياده للأوامر. (17)

[الإيمان حقيقته ، خوارمه ، نواقضه عند أهل السنة عبد الله بن عبد الحميد الأثري - ص 8]

تعريف الإيمان شرعا

هو التصديق الجازم، والإقرار الكامل، والاعتراف التام؛ بوجود الله تعالى وربوبيته وألوهيته

وأسمائه وصفاته، واستحقاقه وحده العبادة، واطمئنان القلب بذلك اطمئناناً تُرى آثاره في سلوك الإنسان،

والتزامه بأوامر الله تعالى، واجتناب نواهيه.

وأن محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم رسول الله، وخاتم النبيين، وقبول جميع ما أخبر به

صلى الله عليه وسلم عن ربه جل وعلا وعن دين الإسلام؛ من الأمور الغيبية، والأحكام الشرعية،

وبجميع مفردات الدين، والانقياد له صلى الله عليه وسلم بالطاعة المطلقة فيما أمر به،

والكف عما نهى عنه صلى الله عليه وسلم وزجر؛

ظاهراً وباطناً، وإظهار الخضوع والطمأنينة لكل ذلك.

وملخصه: (هو جميع الطاعات الباطنة والظاهرة).

الباطنة: كأعمال القلب، وهي تصديق القلب وإقراره.

الظاهرة: أفعال البدن من الواجبات والمندوبات.

ويجب أن يتبع ذلك كله: قول اللسان، وعمل الجوارح والأركان،

ولا يجزئ واحد من الثلاث إلا بالآخر؛ لأن أعمال الجوارح داخلة في مسمى الإيمان، وجزء منه.

فمسمى الإيمان عند أهل السنة والجماعة؛ كما أجمع عليه أئمتهم وعلماؤهم، هو:

(
تصديق بالجنان، وقول باللسان، وعمل بالجوارح والأركان؛ يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية).(2)

[الإيمان حقيقته ، خوارمه ، نواقضه عند أهل السنة عبد الله بن عبد الحميد الأثري - ص 13]


وقد ذهب عامة أهل السنة إلى أن الإيمان الشرعي هو اعتقاد وقول وعمل.

قال الإمام محمد بن إسماعيل بن محمد بن الفضل التيمي الأصبهاني:

(والإيمان في لسان الشرع هو التصديق بالقلب، والعمل بالأركان).

وقال الإمام البغوي:

(اتفقت الصحابة والتابعون فمن بعدهم من علماء السنة على أن الأعمال من الإيمان..

وقالوا: إن الإيمان قول وعمل وعقيدة).

وقال الحافظ ابن عبد البر:

(أجمع أهل الفقه والحديث على أن الإيمان قول وعمل ولا عمل إلا بنية...

إلا ما ذكر عن أبي حنيفة وأصحابه فإنهم ذهبوا إلى أن الطاعات لا تسمى إيماناً...).

(قال الإمام الشافعي في (كتاب الأم).. وكان الإجماع من الصحابة،

والتابعين من بعدهم ممن أدركنا:

أن الإيمان قول وعمل ونية لا يجزئ واحد من الثلاثة عن الآخر).

وروى الإمام اللالكائي عن الإمام البخاري قوله:

لقيت أكثر من ألف رجل من العلماء بالأمصار فما رأيت أحداً منهم

يختلف في أن الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص. (1)

[رواه اللالكائي في (( شرح اعتقاد أهل السنة والجماعة )) ( 173-174 /1 )]

والنصوص عن الأئمة كثيرة جداً في قولهم: إن الإيمان قول وعمل،

نقل كثيراً منها المصنفون في عقيدة أهل السنة

من الأئمة المتقدمين كالإمام اللالكائي وابن بطه وابن أبي عاصم وغيرهم.

ولا فرق بين قولهم: إن الإيمان قول وعمل، أو قول وعمل ونية، أو قول وعمل واعتقاد.

فكل ذلك من باب اختلاف التنوع، فمن قال من السلف:

إن الإيمان قول وعمل أراد قول القلب واللسان وعمل القلب والجوارح.

ومن زاد الاعتقاد رأى لفظ القول لا يفهم منه إلا القول الظاهر، أو خاف ذلك، فزاد الاعتقاد بالقلب.

ومن قال: قول وعمل ونية، قال: القول يتناول الاعتقاد (قول القلب)، وقول اللسان،

وأما العمل فقد لا يفهم منه النية (عمل القلب)، فزاد ذلك.

خلاصة ما سبق من حقيقة الإيمان الشرعي أنها (مركبة من قول وعمل،

والقول قسمان: قول القلب، وهو الاعتقاد، وقول اللسان، وهو التكلم بكلمة الإسلام.

والعمل قسمان:

عمل القلب: وهو نيته وإخلاصه،

وعمل الجوارح. فإذا زالت هذه الأربعة، زال الإيمان بكماله،

وإذا زال تصديق القلب لم تنفع بقية الأجزاء، فإن تصديق القلب شرط في اعتقادها وكونها نافعة،

وإذا زال عمل القلب مع اعتقاد الصدق فهذا موضع المعركة بين المرجئة وأهل السنة،

فأهل السنة مجمعون على زوال الإيمان، وأنه لا ينفع التصديق مع انتفاء عمل القلب،

وهو محبته وانقياده، كما لم ينفع إبليس وفرعون وقومه واليهود

والمشركين الذين كانوا يعتقدون صدق الرسول،

بل ويقرون به سراً وجهراً، ويقولون: ليس بكاذب، ولكن لا نتبعه ولا نؤمن به)
(3)

[نواقض الإيمان الاعتقادية وضوابط التكفير عند السلف لـ محمد بن عبد الله بن علي الوهيبي - 1/33 ]