الاستئناس بالناس من علامات الإفلاس.
اختلف الناس في العزلة والمخالطة، أيتهما أفضل ‏؟‏ مع أن كل واحدة منهما لا تنفك عن فوائد وغوائل،
وأكثر الزهاد اختاروا العزلة‏.‏ وممن ذهب إلي اختيار العزلة ‏:‏ سفيان الثوري ، وإبراهيم بن أدهم ، وداود الطائى ،
والفضيل، وبشر الحافي، في آخرين‏.‏
وممن ذهب إلى استحباب المخالطة سعيد بن المسيب، وشريح، والشعبي، وابن المبارك في آخرين‏.‏

ولكل طائفة فيما ذهبت إليه حجج، ونحن نشير إلى ذلك‏.‏
أما حجة الأولين ، فقد روى في ‏"‏الصحيحين‏"‏ من حديث أبي سعيد قال ‏:‏ قيل‏:‏ يا رسول الله، أي الناس خير‏؟‏
قال‏:‏

‏"‏رجل يجاهد بنفسه وماله، ورجل في شعب من الشعاب يعبد ربه ويدع الناس من شره‏"‏‏
.‏

وفي حديث عقبة بن عامر رضى الله عنه، قال‏:‏ قلت‏:‏ يا رسول الله ما النجاة‏؟‏ قال‏:
"‏املك عليك لسانك،

وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك‏"‏‏.‏
وقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه ‏:‏ خذوا بحظكم من العزلة‏.‏
وقال سعد بن أبى وقاص رضى الله عنه ‏:‏ لوددت أن بيني وبين الناس باباً من حديد،
لايكلمنى أحد ولا أكلمه حتى ألقى الله سبحانه‏.‏ وقال ابن مسعود رضى الله عنه‏:‏
كونوا ينابيع العلم، مصابيح الليل،

أحلاس البيوت ‏(1)‏ جدد القلوب ‏(2) خُلقان (3)‏ الثياب،

تعرفون في أهل السماء، وتخفون على أهل الأرض‏.‏
أما حجة من اختار المخالطة، فمن ذلك قول النبى صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏

‏"‏المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم‏"‏ ،
واحتجوا بأشياء غير ذلك ضعيفة لا تقوم بها حجة على ذلك،
منها قول الله تعالى‏:‏

‏{‏ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا‏}‏

‏[‏آل عمران‏:‏ 105‏]‏، وهذا ضعيف، لأن المراد تفرق الآراء والمذاهب فى أصل الشريعة،
واحتجوا أيضاً بقوله صلى الله عليه وآله وسلم‏:

‏"‏لا هجرة فوق ثلاث‏"
قالوا‏:‏ والعزلة هجر بالكلية،
وهذا ضعيف لأن المراد به قطع الكلام والسلام والمخالطة المعتادة‏.

فوائد العزلة:

الفراغ للعبادة والتخلص بالعزلة عن المعاصي الخلاص من الفتن والخصومات و الخلاص من شر الناس
وأن ينقطع طمع الناس عنك، وطمعك عنهمة و الخلاص من مشاهدة الثقلاء والحمقى

فوائد الإختلاط :

التعلم والتعليم، والنفع والانتفاع، والتأديب والتأدب، والاستئناس والإيناس، ونيل الثواب في القيام بالحقوق،
واعتياد التواضع، واستفادة التجارب

قال العلامة الخطابي في العزلة:
قال بعض الحكماء:
إنما يستوحش الإنسان بالوحدة لخلاء ذاته ، وعدم الفضلية من نفسه ؛ فيتكثر حينئذ بملاقاة الناس ،
ويطرد الوحشة عن نفسه بالكون معهم ، فإذا كانت ذاته فاضلة طلب الوحدة ليستعين بها على الفكرة ،
ويتفرغ الاستخراج الحكمة .وقال بعضهم: الاستئناس بالناس من علامات الإفلاس
.