لاتستغربوا سؤالي
فلو دققنا النظر قليلا
لوجدنا أن في الأمر مفارقة عجيبة
إن النفس البشرية تحب كل ما يجلب لها المتعة والراحة الجسدية
وتكره كل ما يجلب لها الارهاق والمشقة
وهذا الاخير هو بالضبط ما يفعله بنا رمضان
أليس كل منا يحب الطعام اللذيذ عند الشعور ببداية الجوع
ولكن رمضان يمنعنا من تناوله الا بعد شدة الجوع
وفي آخر النهار بعد ان نكون شممنا روائح الأطعمة
الشهية طوال الوقت وسال لعابنا عشرات المرات؟
ألسنا نعشق الماء البارد والعصائر المثلجة في كل ساعة
خصوصا أيام الصيف الحارة والطويلة ؟
ثم يأتي رمضان ويجبرنا على الانتظار بعطشنا الشديد الى المساء
ألبس الكثيرون يعشقون الدخان حتى على الريق صباحا
ويحرقون كل ساعة العديد من السجائر متلذذين بها
ثم إذ برمضان يحرمهم هذه المتعة وهذا الإدمان
اللذيذ والمفيد للصحة
ثم أليس الكثيرون يستمتعون بأطلاق السمع والبصر
واللسان نحو الشهوات المحرمة طيلة أيام السنة ؟
ثم هم في رمضان ينضبطون بأدب هذا الشهر ويمتنعون
عن الغيبة وأكل لحم الناس وعن شهوات العين والأذن المحرمة
اذا لماذا نحب رمضان وهو يحرمنا كل هذه المتع ؟
ويجلب معه العبء المالي على الجيوب ويجلب معه مشقة
ضغط المواصلات والازدحام في الطرقات وحتى المساجد
لو أعلنت حكومة ما لشعب ما ولسبب ما
ان شهرا معينا في كل سنة سيكون ممنوعا
عليهم فيه الطعام والشراب طول النهار
وانهم سيضطرون للاستيقاظ من عز النوم لتناول الطعام
قبل شروق الشمس
في حين ان الكثيرين لايحبون تناول الطعام مبكرا حتى بعد
شروق الشمس بساعات
وان ارتفاعا في بعض اسعار المواد الغذائية سيطرأ خلاله
وان ازدحاما في المواصلات سيحدث اثناءه
لضجّ الناس ورفضوا ذلك ونزلوا الى الشوارع استنكارا ولسقطت
تلك الحكومة في أقرب انتخابات
ولكن المسلمبن يفرحون بشكل منقطع النظير عند اقتراب
رمضان ويبشر بعضهم بعضا بقربه
ويزيّنون البيوت والمتاجر والشوارع قبل حلوله بفترة وينتظرون
أيامه يوما بيوم وساعة بساعة ويهنئ بعضهم بعضا بقدومه
وعند حلوله تجدهم ينشطون في العبادة ويبذلون الجهد في الصيام والقيام وتلاوة القرآن وبذل الصدقات ويسهرون ليلة القدر الى الفجر صلاة ودعاءا وبكاءا
أما عند اقتراب نهايته فانك تجدهم محزونين لفراقه
وينشدون الاناشيد التي تعبر عن حزنهم لقرب انقضائه
فما هو هذا السر الغريب ؟
واللغز العجيب الذي يجعلهم يحبون الشهر الذي بتعبهم ؟
ان السر بكلمة واحدة هو
(الروح)
نعم انها الروح التي تجد فى رمضان تالقها ونشوتها وسعادتها
ان الامر ببساطة هو ان الروح والجسد مخلوقان من مصدرين مختلفين كليا فالجسد مخلوق من الطين ولذلك يجد غذاءه ومتعته في شهوات الارض من طعام وشراب ونكاح واستمتاع بالطبيعه
اما الروح فهي مخلوقة من نفخة من روح الله عز وجل
لذلك فان غذاءها يكمن بالتقرب والتودد اليه وعبادته
والاتصال به تبارك وتعالى
من خلال الصلاه وتلاوة القرآن والعبادات بانواعها
ورمضان كما هو معلوم يزخر بهذا الغذاء الروحي السامي
فتزهو فيه الروح وتجد ضالتها بعد طول تقصير بحقها على مدار السنه
فهي تجوع طول العام وتشبع في رمضان
وتعطش طول السنة وترتوي في رمضان
وتذبل سائر الشهور وتنتعش في رمضان
من اجل هذا تحب ارواحنا رمضان وتستبشر نفوسنا بقدومه
فاهلا وسهلا به
اللهم بلغنا رمضان