السيدة خديجة أم المؤمنين رضى الله عنها

للشيخ محمد بن علوي المالكي - رحمه الله تعالى -
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي شرف هذا الوجود ببعثه أكرم نبي وأعز مولود *سيدنا ومولانا محمد النبي المقدس المحمود* ذي الشفاعة العظمى والحوض المورود*عنصر الفضائل المشهود* وكريم الامهات والآباء والجدود* نخبة العالم* وسيد ولد آدم* من انتقل في الغرر الكريمة نوره* وأضاء الكون ميلاده وبعثته وظهوره * وطلعت شمس الهداية والعرفان* بانفلاق صبحه على كل الاكوان والصلاة والسلام على سيد السادات* كامل الشمائل والصفات* ذي النور العميم* والقدر العظيم* والصراط المستقيم* والدين القويم* والحسبب الصميم* والمجد الفخيم* وعلى لآله وصحابته* وأزواجه وذريته* وتابعيه من اهل ملته* وخديجة التي تشرفت بعشرته وصحبته* وفازت بخدمته* وشهدت يوم بعثته* وقامت بتأيده في دعوته* ومؤازرته ونصرته
أما بعد* فهذه نفحات نبوية* وفيوضات ربانية* جرى بها القلم في مناقب أم المؤمنين* وفضائل زوجة سيد المرسلين* وشمائلها التي هي أحسن الشمائل* المقتبسة من أخلاق ذلك الانسان الكامل* سيد الأواخر والأوائل* جمعتها لكي تتعطربها المجالس والنوادي* في الحواضر والبوادي* أنتخبتها من عيون الأخبار* ومجاميع الآثار* المودعة في السير والأسفار* وضمنتها من ذلك كل ماهو مقبول* عند الائمة والحفاظ والفحول* من كلقول محمود* ليس بموضوع ولامردود* وهذا أوان الشروع في المقصود* بعون الملك المعبود*
فأقول: هي سيدتنا خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبدالعزى بن قصي الأسدية * تجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في جده قصي الذي جمع القبائل القرشية *
وأمها فاطمة بنت زائدة بن الاصم من بني عامر بن لؤي بن غالب* فأكر بهذا النسب الطاهر الذي هو نسب أشرف الحبائب* وقد حفظها الله تعالى من أرجاس الجاهلية* فأحاط عرض هذه السيدة الزكية * وصانة من كل أذية وبلية * برعايته وعنايته الباهرة * ولذلك كانت تلقب بالسيدة الطاهرة* فما أجل هذه المنحة الفاخرة * واشتهر تلقيبها بالكبرى * لعظم شانها في المعاهد الاخرى* وهي بذلك أحق وأحرى*
وقد ولدت رضي الله عنها قبل ولادته صلى الله عيه وسلم بنحو خمس عشرة سنة* فنشأت في بيت طاهر طيب الأعراق* على أكمل السير المحمودة وأحسن الأخلاق* فكانت رضي الله عنها متكاملة حسناً وعقلاً* وجمالاً وفضلاً* ازمة رشيدة في جميع أمورها* حسنة التدبير والتصرف في جميع شؤونها* ذات فراسة قوية* وهمة علية* لها نظر ثاقب* ومعرفة دقيقة في العواقب* أغناها الله تعالى بسعة النعم* وكثرة الخدم والحشم* ومن عليها ذو الجلال* بكثرة الأمول* فكانت تستأجر الرجال* ليتاجروا في ذلك بالحلال* فتضاربهم عليه بشيء معلوم* ويستفيد بذلك الجميع على العموم* وظهرت أسرار تلك الأخلاق المرضية * والأوصاف الحسنة الزكية *
فيما بلغته بين قومها في الاهلية * من مكانة علية * ورتبة سنية * وشهرة قوية * فهي الدرة الثمينة * الطاهرة الرزينة * دوحة المجد الطيبة الفروع * وشجرة الفرد اليانعة الافراد والمجموع
اللهم انشر نفحات الرضوان عليها وأمدنا من الاسرار التي أودعتها لديها اللهم صل وسلم على زوجها الامين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
(أنـتِ المثالُ وأنتِ النبلُ والشيمُ
أنتِ الوفاءُ وأنتِ الفضلُ والكرمُ
يا ربَّةَ الصَونِ في عِزٍّ وفي شرفٍ
يا زوجةً فَخَرَتْ مِن صُنعها الأُممُ
يا حُرّةً رخصت بالْمالِ زاهدةً
كيْما تسيرَ مع الأنوارِ تغتنمُ
يا بَرّةً نذرت لله إذ بذلتْ
يا من لحكمتِها دانت لها الحِكمُ
يا دُرّةً وهبت من دمعِ مُهجتِهــا
الرُكنُ يشهدُ ما أسديتِ والحرمُ
يا من وقفتِ مع الْمُختارِ في جَلَدٍ
تبغينَ نُصْرَتَه تَحدو بكِ القِيَمُ
يا مَن سبقتِ إلى الإسلامِ مؤمنةً
تفدين دعوتَه والكفرُ يضطرمُ
يا من منحتِ له عينيكِ آسيةً
يا من صبرتِ وقد حاطت بكم نقمُ
أنتِ الولودُ التي إيثارُها مددٌ
أمّ العيالِ فيا للهِ درّهُمُ
أنتِ الودودُ التي كلماتُها
سكنٌ لَمّا دعاهُ نداءُ الوحي يَختتمُ
لن يُخزيَ اللهُ عبداً بات معتكفا
لن يتركَ الربُّ مَن تُسدى به الرَحِمُ
دثّرتِهِ بِدِثارِ الحُبِّ حانيةً
زملتِه حينما اشتدت به الغُمَمُ
صدّقتِ سيدَنا إذ كذبت زُمَرٌ
واسيتِ كربَتَه إذ غيرُه حَرَموا
كنتِ القريبةَ مِنه عندَ مِحنتِه
يا نفحةَ الْمِسكِ أنتِ الطيبُ يُنتَسَمُ
حيّاكِ ربُكِ والوحيُ الكريمُ
لِما أدّيتِ من عملٍ تَرقى به الْهِمَمُ
أهداك أرفعَ بيتٍ لا ضجيجَ به
في جنةِ الْخُلدِ حيثُ النورُ والنِعمُ
فيضُ الصلاةِ على الهادي البشيرِ همَى
زينِ الْسَجايا غَدت تُسقى به العُصُمُ
والآلِ أجمعِهم والصَحبِ كلِّهمِ
خيرِ البرايا على مرِّ الزمانِ هُمُ )
وقد أراد الله تعالى لهذه السيدة الطاهرة* أن تجمع بين شرف الدنيا وعز الاخرة* فوصلت اليها أخبار سيد المرسلين* وأخذت تتعرف علها بتدبر وتفكر ويقين* فرأت انه المجمع على فضله المبين* وانه المشهود له بانه التقي النقي الامين* وانه الصادق المصدق* والكريم الذي لايلحق ولايسبق
فعلمت أن معاملة مثل هذا ناجحة* ومتاجرته ان شاء الله رابحة* فما كان منها إلا ان بعثت اليه* وعرضت مشروعها التجاري عليه* وهو أن يتجر لها في مالها* وتعطيه أفضل ما تعطيه لعمالها
فقبل ذلك عليه الصلاة والسلام* وخرج بتجارتها من البلد الحرام* قاصداً بلاد الشام* وهذه هي الرحلة الثانية ولم يثبت انه صلى الله عليه وسلم سافر الى الشام إلا في هاتين المرتين* في عامين مختلفين* كما ذكره بعض الحفاظ المرجوع أليهم* المعول على قولهم*
وأرسلت معه ميسرة الغلام* وأوصته عليه وامرته ان يكون قائماً بخدمته حق القيام* فألقى الله محبة النبي في قلبه* حتى أخذت بعقله ولبه* وخدمه فأخلص خدمته* وصحبه فأحسن صحبته
ورأى بعينيه شيئاً من أسراره* وسمع بأذنه ماسمع من أخباره* ومن ذلك ماحدث به الراهب نسطوراً* وهو حق ليس بخرافة ولا أسطورة* إذ قال ذلك الراهب* وقد رأى أشرف الحبائب* نزل تحت شجرة هناك* من هذا الذي يفوق بدر الافلاك* فقال ميسرة: هذا رجل من الكرام* من أهل البلد الحرام* فقال له الراهب وهو واثق مما يقول* مانزل تحت هذه الشجرة إلا نبي أو رسول* ثم قال لميسرة: أفي عينيه حمرة لاتفارقه؟* قال: نعم. قال: هذا آخر نبي فهنيئاً لمن يصدقه* ثم في تلك الاثناء* وقع بين سيد الانبياء* ورجل كان في تلك الانحاء* خلاف في ثمن بعض المشتريات* فقال له الرجل أحلف بالعزى واللات* كما يجري بينهم في مثل تلك الحالات* فقال سيد السادات* والله ماحلفت بهما* وأني لأمر فأعرض عنهما* فقال الرجل: القول قولك* والرأي عندك* ثم قال لميسرة: هذا والله نبي تشرفنا به في سوقنا* وانه لتجده أحبارناً معنوناً في كتبناً*ومن ذلك انه كان يرى في كل تلك المدة القصيرة* سحابة تظلله دون الجميع في وقت الظهيرة* وقيل فيما روي انه كان يرى ملكين* يظللان سيد الكونين
ولما أتم صلى الله عليه وسلم مهمته* وباع سلعته* رجع الى مكة وقد اكتسب خيرات كثيرة* وجاء بأرباح وفيرة* فسرت بذلك السيدة خديجة أيما سرور* وحمدت فعله المشكور* ونظرت أليه بعين الاكبار والاحترام* وأكرمته غاية الاكرام*وتأثرت بشخصيته كل التأثير* فأكنت له في نفسها عظيم التقدير* وزاد ذلك عندها بعد ما حدثها ميسرة بما شاهده من الآيات* وعجائب الاحوال وخوارق العادات* التي هي للنبوة دلائل واضحات*حدثها عن السحابة التي صحبته في سفره فكانت نعم الصاحب * وعن كلام ذلك الراهب * وعن طاعة الابل وطي الارض له* والتوفيق الذي لازمه في سفره كل الملازمة * وتلك الرمال والحجارة التي لانت تحت مواطىء قدمية* وكل ذلك وعاه بقلبه وعينيه* وحدثها بما رآه من حسن سيرته* في خلقه ومعاملته * مع ماسبق له معرفته من عنه من صدق حديثه * وعظيم أمانته * وكريم أخلاقه وديانته * فأصبحت هذه الصفات و الاخلاق العلية * مثبتة متيقنة لديها جلية * فأحست بعارض غريب * عن صورة وحقيقة ذلك الحبيب * وتحيرت من امر نفسها * وأصبحت قلقة بين قلبها وعواطفها * فقد رفضت بالامس القريب الكثيرمن الرجال * من ذوي الوجاهة والمال * وردتهم خائبين متحسرين * لرفضها طلبهم المتين
ولما أراد الله تعالى لها السعادة الابدية * والشرف والفضل على نساء البرية * ترجح عندها ان لا تفوت هذه الفرصة الذهبية
واستبانت خديجة انه الكنز= الذي حاولته والكيمياء
فاختارت لنفسها الزكي الامين* سيد ولد آدم اجمعين* ومن لاحت في وجهه علامات النبل والجمال* وتكاملتت فيه خصال الكمال والجلال* وبدت عليه امارات السيادة* وظهرت منه اشارات النجابة والقيادة 0 فما كان منها إلا ان ارسلت اليه* وعرضت نفسها عليه * فخطبت الرسول الاعظم* والنبي الاكرم* صلى الله عليه وسلم* وقالت له: يابن عم* اني قد رغبت فيك لقرابتك وشرفك* وسامي منزلتك وقدرك * وفي رواية انها ارسلت له نفيسة بنت امية دسيساً إليه فقالت له: مايمنعك ان تتزوج؟ فقال: مافي يدي شيء* فقالت له: فإن كفيت ودعيت الى المال والجمال والكفاءة؟ قال: من؟ قالت: خديجة فأجاب:
ورأته خديجة والتقى الزهد = فيه سجية والحياء
واتاها ان الغمامة والسرح = أظلته منهما أفياء
وأحاديث ان وعد رسول = الله بالبعث حان منه الوفاء
فدعته الى الزواج وما= أحسن مايبلغ المنى الاذكياء
وقد ألهم الله نبيه صلى الله عليه وسلم الموافقة* فكانت خطوة مباركة موفقة* فتشاور أعمامه الكرام وأيدوه على ذلك الكلام* فتقدم حمزة فكلم عمها وقيل اباها والصحيحان اباها خويلد قد مات قبل حرب الفجار* ثم حضر رؤساء قريش يتقدمهم أبوطالب* فكان هو لسان حالهم المتكلم الخاطب* فقال الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم وزرع إسماعيل وضئضىء معد وعنصر مضر وجعلنا حضنة بيته وسواس حرمه* وجعل لنا بيتاً محجوباً وحرماً آمناً* وجعلناالحكام علىالناس* ثم ان ابن اخي هذا محمد بن عبدالله لايوزن به رجل إلا رجح به* فإن كان في المال قل* فإن المال ظل زائل* وأمر حائل* ومحمد من قد عرفتم قرابته* وقد خطب خديجة بنت خويلد* وبذل لها من الصداق ماآجله وعاجله من مالي كذا وهو والله بعد هذا له نبأ عظيم وخطب جليل)
ثم قام ورقة بن نوفل فقال الحمد لله الذي جعلنا كما ذكرت وفضلنا على ماعددت فنحن سادة العرب وقادتها وأنتم أهل ذلك كله لاتنكر العشيرة فضلكم ولايرد أحد من الناس فخركم وشرفكم وقد رغبنا في الاتصال بحبلكم فاشهدوا علي يامعشر قريش بأني قد زوجت خديجة بنت خويلد من محمد بن عبدالله على اربعمائة دينار) ثم سكت فقال ابوطالب: قد أحبببت ان يشركك عمها فقال عمها: أشهدوا يامعشر قريش أني قد أنكحت محمد بن عبدالله خديجة بنت خويلد
وقد جاء في سيرة ابن هشام* انه عليه أفضل الصلاة والسلام* أصدقها عشرين بكرة سنية* وقيل أثنا عشر أوقية من الذهب ونصف أوقية* وكل هذا لايعارض ما جاء في خطبة ورقة بن نوفل السابقة من ان الصداق اربعمائة درهم إذ يمكن الجمع بينهما بتقويم الثمن بذلك او ان احد الاشياء مهر والآخر هدية من عمه ابي طالب للسيدة خديجة اوانه صلى الله عليه وسلم زاد ذلك في صداقها على صداق عمه فكان الكل صداقاً
وتزوج نبينا الامين* سيدتنا أم المؤمنين* وقد اتم خمساً وعشرين* وأتمت هي الاربعين
قال صاحب فرة الابصار:
وإذ الى مكة عاد وافتتح = ستاً وعشرين من العمر نكح
خديجة من بعد اربعينا = مضت لها من عمرها سنينا
وقد نحر صلى الله عليه وسلم جزورا او جزورين* وقرت بذلك من المحبين العين* وانشرحت منهم الصدور* وعم الفرح والسرور* وطلع سعد السعود* وانكمد الفؤاد المفؤد* وغدا الحسود لايسود وهو مهموم* وقال ابوطالب: الحمد لله الذي أذهب عنا الكرب والغموم* وقال في ذلك الراجز في قوله المنظوم:
لاتزهدي خديج في محمد = نجم يضيء كاضاء الفرقد
ولما تزوجت خديجة سيد ولد عدنان* كان قد تزوجها قبله رجلان* وهما هند ابوهالة بن زرارة من بني عدي* وعتيق بن عائد بن مخزوم القرشي* وقد اختلفوا في تعين الثاني من الاول* وليس في ذلك نص صريح عليه يعول* وقد كان عندها من الذرية* من غير خير البرية * عبدمناف وهند وهما من زوجها عتيق* وقيل أن هنداً هذه أسلمت وفازت بالصحبةوالتصديق* وولدت لأبي هالة ولداُ* سموه هنداُ* وهو صحابي جليل ممن شهد بدراً وأحداً* وقد روى حديثاً مشهوراً في صفة النبي صلى الله عليه وسلم* وقتل يوم الجمل مع سيدنا علي ذي الوجه المكرم* وذكر بعضهم انه ما بالبصرة في الطاعون* وكان قد مات في ذلك اليوم سبعون ألفا كلهم من المسلمون* فشغل الناس بجنائزهم وتركت جنازته* ولم وجد من يحمله فصاحت نادبته:
وا هند بن هنداه= واربيب رسول الله
فلم تبق جنازة إلا وتركت* وأما جنازته فحملت* وازدحم عليها الناس فامتلأت بهم المواضع* وماحملت إلا على أطراف الاصابع* وقال بعضهم ان الذي مات في الطاعون ابن هذا المذكور* ويسى هنداً أيضاً والخلاف في ذلك مشهور* وكان فصيحاً بليغاً وصافاً محسناً* وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان مجيداً منتقناً* وكان يقول: أنا اكرم الناس اباً واماً* وأخاً وأختاً* ابي رسول الله* وامي خديجة التي عنها رضي الله* وأخي القاسم عليه السلام* وأختي فاطمة عليها الرحمة والاكرام* ولخديجة من ابي هالة ابنان غير هذا المذكور* أحدهما الطاهر والآخرهالة والاول غير مشهور
وقد كان لها رضي الله عنها مواقف مع زوجها مشكورة* فلا تذكر قصة الوحي والبعثة إلا وهي معها مذكورة* وسنذكر مسألة الوحي من أولها* لنعرف مقدار هذه السيدة وفضلها*
فاعلم أن أول مابدىء به رسول الله من النبوة التي تفضل بها عليه مولاه* أنه كان لايمر بشجر ولاحجر إلا قال: السلام عليك يارسول الله* وغير ذلك من الارهاصات التي أشهرها الرؤيا الصادقة* فكان صلى اللهعليه وسلم لايرى رؤيا في نومه إلا وكانت لامحالة واقعة* وحبب الله إليه الخلوة* فلم يكن شيء أحب إليه من أن يخلو وحده* فكان يجاور من كل سنة شهراً في حراء* مشتغلا بالعبادة والتفكر في ملكوت الارض والسماء* وكان إذا خرج الى حراء تتكفل خديجة يكل حاجاته* وتحقق له كافة رغباته* وتهيء له الطعام والشراب وتيسر له ماتسطيع من الاسباب* فيقطع لمقصود* ويقبل على معبوده* وهو مرتاح البال* من كل المتعلقات والاشغال* فإذا طالت غيبته عليها* تركت كل ما لديها* وخرجتت تتلمسهفي مكانه الذي تعود الذهاب إليه* وقلبها يخفق من شدة خوفها عليه* حتى إذا رأته مستغرقا في وحدته* منجمعا على فكرته* رجعت ولم تكلمه لئلا تقطعه عن خلوته* وتبقى منتظرة موعد عودته* لتعمل جاهدة على إزالة وحشته* وإدخال السرور الى قلبه* والسعادة الى نفسه
ولقد كانت خديجة صادقة الفراسة* صائبة النظرة* صافية الفكرة* وكانت على ثقة من أن رجلا كزوجها محمد الامين* يحمل هذه الروح العالية* والنفس السامية* والفضائل التي عرفتها قريش بأسرها* يضلف الى مانقله إليها عبدها* مما سبق ذكره وتقدم نشره* كانت على ثقة من أنه سيكون له شأن عظيم* يتحدث عنه المسافر والمقيم* وسيحث في التاريخ أمراً* تهتز له الدنيا عجبا وتيها وفخرا* فما أجل عينها الصادقة الحنونة* التي ترعاه في حب وتباشر شؤنه* وما أعظم قلبها العطوف الذي يزوده بالرعاية* ويخفق له فرحاً منتظراً يومه الذي تنصب له فيه الراية* وينشر له مرسوم دائرة الولاية
ومرت الايام* على هذا النظام* فما اكل الاربعين على التمام* حتة\ى جاء اليوم الذي هيأته القدرة الربانية* لأبلاغة الرسالة السماوية* وهو في وحدته التعبدية* بعد أن مهدت من قبل الاسباب* وتفتحت لذلك الابواب* فأتاه في ذلك المقام* في اليقظة لا في المنام* رسول الملك العلام* وقال له إقراء فقال ما انا بقارىء ولست من جملة القراء* فأخده فغطه وما تركه حتى بلغ غاية الجهد والاعياء* ثم أمره بالقراءة مرة ثانية فامنتع* فأخذه وغطه ألا بعد ما كاد يقع* وفب الثالثة قال له (أقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الانسان من علق أقرأ وربك الاكرم الذي علم بالقلم علم الانسان ما لم يعلم) فما أعظمها من بشارة أوصلتها يد الاحسان* من حضرة الامتنان* الى هذا الانسان* وأيدها ببشارة (الرحمن علم القرآن خلق الانسان علمه البيان) ولا شك أنه صلى الله عليه وسلم هو المقصود بهذا التعليم* من حضرة الرحمن الرحيم* فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى زوجته* بعد أن شهد مشهد كرامته* وفؤاده يرجف من هول ما رآه* وشدة ماسمعه وقراه* ولقد كاد ينخلع لولا تثبيت مولاه* وقال زملوني زملوني فزملته* فلما ذهب عنه الروع وحدثها قال لها: لقد خشيت على نفسي* فداه أبي وأمي ونفسي* فقالت كلا والله لايخزيك الله أبدا* وان الله سيكتب لك عزا ومجدا وسؤددا* فرحمك موصولة* ويدك لضيفك مبذولة* تحمل الكل وتكسب المعدوم* وتقرى الضيف وتعين على نوائب الحق كل مكلوم* واثبت يابن عم فلك البشرى* فوالله لقد كنت أعلم أن الله لايفعل بك إلا خيرا* وأني أشهد انك نبي هذه الامة امنتظر* وهذا زمانك ان شاء الله قد حضر* وقد اخبرني اصح غلامي وبحيرى الراهب بخبرك المبين* وامرني ان أتزوجك قبل عشرين من السنين
ثم انطلقت به الى ورقة بن نوفل وأخبرته بالتفصيل* فقال لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حدثني بفك أيها السيد النبيل* فأخذ يحدثه بما رآه وسمعه من سيدنا جبريل* فقال ورقة هذا والله الناموس الجليل* الذي كان ينزل على موسى رسول بني اسرائيل* ياليتني أكون حاضرا* ومؤيدا لدعوتك وناصرا* وفي رواية ان السيدة خديجة قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أول أمره* إذا جاء صاحبك بالوحي فأخبرني بخبره* فلما جاءه أخبرها فقالت: أجلس على شقي الايمن فجلس فقالت: نعم قالت: فتحول فجلس على حجري فتحول فجلس في حجرها قالت: هل تراه الان قال: نعم فرفعت خمارها عن رأسها وقالت: هل تراه الان قال: لا قالت: ماهذا بشيطان* هذا ملك من ملائكة الرحمن
وأتاه في بيتها جبريل = ولذي اللب في الامور ارتياء
فأماطت عنها الخمار لتدري = أهو الوحي أم هو الاغماء
فاختفى عندكشفها الرأس جبر = يل فما عاد أو أعيد الغطاء
وكانت تفعل ذلك أحتياطا لدينها وزيادة في يقينها* أما النبي صلى الله عليه وسلم فقد كان واثقا بذلك الخطاب* دون شك أو تردد أو ارتياب
وفي تلك اللحظة الكريمة* سعدت الدنيا بالرسالة العظيمة* ومن ذلك الجبل المشهود* في ذلك اليوم الموعود* طلعت شمس الوجود* فأفاضت نورا جديدا* واستقبل العالم صباحا سعيدا* لقد كان هذا العالم يستقبل كل يوم صباحا* ولكنه لايرى فيه للامة خيرا ولا فلاحا* وما اكثرالنهار المظلم* والصبح الكاذب المعتم* لكن في هذا المكان المتواضع* وعلى ذلك الجبل الراسخ* الذي ليس بمخصب ولاشامخ* تم مالم يتم في عواصم العالم الكبيرة بمديناته وحضاراته الشهيرة* ومدارسه الفخمة* ومكتباته الضخمة* إذ من الله على هذه الامة* برسالة محمد الذي كشفعنها الغمة* وجلى الظلمة* فطلع الصبح المشرق الصادق* واستيقظ فيه الكون بعد ان كان في غفلته غارق* وتعرف على المفتاح النبوي* الذي يفتح كل علق ملتوي* فظهرت له شناعة الشرك والوثنية* والخرافات والاوهام الجاهلية* فتهذبت تلك القوى الجامحة كل التهذيب* وانصقلت تلك المواهب الضائعة بهدى الحبيب* وتقلبت بين مقامي الترغيب والترهيب* فتدفت كالسيل واشتعلت كاللهيب* حتى كان راعي الابل راعي الامم* وخليفة يحكم العالم وإليه يحتكم* وأصبح فارس الفبيلة والبلد* فاتح الدول ذات المجد والعدد* فكثر العدل وانتشر النور* وقل الجدل وفقد شهادة الزور* وتبدلت الاحوال* الى أحسن حال* فالتاجر أمين صدوق* والغني سخي مرزوق* والفقير شريف كادح* والعامل مجتهد ناصح* والرئيس متواضع رحيم* والخازن حفيظ عليم والقاضي عادل فهيم* فظهر في ذلك المجتمع صدق التاجر وأمانته* وتعفف الفقير وكدحه* واجتهاد العامل ونصحه* وسخاوة الغني ومواساته* وعدل القاضي وحكمته* وإخلاص الوالي وشفقته* وتواضع الرئيس ورحمته*وقوة الخادم وحراسته* فكانت تلك البعثة للعالم ريبعا* وللانسانية خصبا وريعا
وقد اختص الله هذه الجوهرة المصونة* والدرة المكنونة* بمزايا عديدة *وخصال حميدة
فمنها أنها هي التي طلبته* والى الزواج بها دعته* وأنها أول مرأءة يتزوجها* ووليمتها اول وليمة يصنعها* وعاشت معه بقية عمرها* ولم يتزوج بغيرها* حتى ماتت بعد أن رأى خالص برها* ودفنها بمكة ونزل هو بنفسه في قبرها* وقد عاشرته أربعا وعشرين سنة أحسن عشرة* ورافقته أفضل رفقه* وآلفته أعظم ألفه* وصادقته او فى محبة* وكانت لا ترى منه ميل الى شيء إلا بادرت به إليه* وقدمته هدية بين يديه* وقد رأت منه قبل البعثة النبوية* رغبة في موالاها زيد بن حارثة قوية* فما كان منها إلا ان وهبته له بنفس راضية سخية* فكان الى حضرته من المنسوبين وكتب في ديوان المسعودين* وفاز بالاولوية مع السابقين* وتشرف بمحبوبية سيد المرسلين
ومن خصائصها التي نالت بها أعلى مراتب الشرف والكمال* أنها أول من آمن به من النساء والرجال* فصدقته وآزرته* وأعانته وثبتته* وخفف الله بسسب إيمانها عن نبيه صلى الله عليه وسلم كل هم* وفرج عنه ما أصابه في الدعوة من تعب ونكد وغم* فكان لا يسمع شيئا من زمرة الالحاد* من تكذيب وجحود وعناد* ويرجع الى خديجة إلا ويجد عندها كل هدى وسداد* فتهون عليه الرزايا وتواسيه* وتبعث الطمأنينة الة نفسه وتسليه* وتمنحه العطف وتبشره* بما سوف تراه فيه* وتشجعه وتؤيده بكل خير تمنيه
وقد ثبت انها رضي الله عنها صلت معه عليه الصلاة والسلام* وتشرفت يبمنقبة الوضوء واستقبال البيت الحرام* وكان جبريل قد علم النبي صلى الله عليه وسلم تلك الصلاة * قبل ان تفرلاض الخمس الصلوات ليلة المناجاة* وكان يصلي صلاتين مرة في العشية ومرة في الغداة
وقد روي عن يحيى بن عفيف انه قال: جئت زمن الجاهلية الى مكة فقدمت مني ايام الحج ونزلت على العباس بن عبدالمطلب فلما طلعت الشمس خرج رجل من خباء قريب منا* فستقبل الكعبة وقام يصلي* فلم يلبث حتى جاء غلام فقام عن يمينه* فلم يلبث حتى جاءت فقامت خلفهما* فركع الرجل* فركع الغلام والمرأة* فرفع فرفعا فسجد فسجدا غفلت: أمر عظيم* فقال: أمر عظيم* أتدري من هذا؟ قلت لا* فقال: هذا محمد بن عبدالله ابن اخي* أتدري من الغلام؟ قلت: لا قال: هذا علي بن ابي طالب* أتدري من المرأة؟ قلت:لا فقال: هذه خديجة بنت خويلد زوجة بن أخي وهذا حدثني ان ربك رب السماء والارض أمرهم بهذا الذي تراهم عليه وأيم الله ما أعلم على ظهر الارض كلها أحدا على هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة* قال عفيف الراوي: فليتني كنت آمنت يومئذ فكنت أكون ثانيا
ومن خصائصها عليها الرحمة والاكرام* أنها أفضل نساء المصطفى بالتماتم* كما جاء في الحديث عن سيد الانام* انه قال(سيدة نساء العالمين مريم ثم فاطمة ثم خديجة ثم آسية امرأة فرعون) وفي رواية عن انس مرفوعة (حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد وآسية) وهو حديث ثابت بلا مراء* وقد حكم بصحته أجلة العلماء وفي رواية صحيحة ثابتة لا يشك فيها اتنان* انه صلى الله عليه وسلم قال(خير نسائها مريم وخير نسائها خديجة) وقد روى هذا الشيخان
والاحاديث في هذا الباب كثيرة* وهي معروفة في أصول كتب أهل السنة الشهيرة* وكلها متفقة في مجوعها بيقين* على ان مريم وخديجة وفاطمة وخديجة وآسية هن أفضل نساء العالمين* رضي الله تعالى عنهن أجمعين* والخلاف بين العلماء في تعين أولاهن* والموازنة في الافضلية بينهن* وقد اجتهد بعضهم في تعيين واحدة* وتكلف التأويل والجمع ولا أرى في ذلك فائدة
ومن خصائصها الشريفة*ومناقبها المنيفة
*
الاول القاسم وهو أكبر الاولاد* وبه كان صلى الله عليه وسلم يتكنى بين العباد* وهو أول من مات من ولده* ودفن في بعض الاقوال بمكة بلده*
والثاني عبدالله ويقال له الطاهر والطيب لأنه ولد في الاسلام* ومات صغيرا بالبلد الحرام
الثالثة زينب وهي أكبر بناته وقد ولدت قبل بعثته* وتزوجها أبوالعاص بن الربيع وكان أسلامها وهجرتها قبل أسلامه وهجرته* وتوفيت في اول عام ثمانية من هجرة المصطفى* ودفنت في جنة البقيع وقبرها هناك لايخفى
والرابعة رقية والخامسة ام كلثوم* وقد كانتا تحت ولدي ابي لهب الشقي المحروم* فلما نزلت تبت يدا أبي لهب* غضب ابوهما أشد الغضب* وقال لولديه: رأسي من رأسكما حرام* أن لم تفارقا ابنتي محمد صاحب ذلك الكلام*يقصد بذلك إيذاءه عليه الصلاة والسلام* ففارقهما قبل الدخول عليهما* ولم يصلا بفضل الله إليهما
وقد تزوجت رقية بسيدنا عثمان بن عفان* وهاجرت معه الى الحبشة فرارا بالايمان* ثم رجعت وهاجرت معه الى مدينة الشفيع* وماتت عند ودفنت بجنة البقيع* ثم تزوج بعدها أختها وهي ام كلثوم* وماتت عنده ايضا وقبرها في البقيع معلوم* فيكون قد تزوج من بنات النبي اثنتين* ولذلك اشتهر بين الانام بذي النورين* ولو كانت هناك ثالثة لمن بها عليها سيد الكونين
والسادسة فاطمة الغراء* المعروفة بالبتول والزهراء* أم الحسن والحسين اهل الرضا* وزوج الامام علي المرتضى* الذي أحسن عشرتها وأخلص لها حبها* ولم يتزوج عليها حتى قضت عنده نحبها* وكانت وفاتها سنة أحدى عشرة من الهجرة النبوية* بعد ان عمرت ثلاثين سنة قمرية* ودفنت بالبقيع على أصح الاقوال المروية* وقيل دفنت ببيتها الذي بجانب الحجرة النبوية* وهو في المسج الان وليس في ذلك رواية مرضية* وبهذا تعلم ان بناته دخلن في الاسلام* وهاجرن معه من المدينة الى البلد الحرام
فهؤلاء جملة اولاده منها رضي الله عنهم أجمعين* وحشرنا في زمرتهم مه رسول رب العالمين* آمين
ومن فضائلها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا ينسى أبداً ودها * ويحفظ في أهلها عهدها * فيبعث لهم بما يأتيه من الهدايا * ولا يتركهم إذا قسم بين أصحابه العطايا.
وقد يذبح الشاة بنفسه ثم يقطع أعضاءها * ويخص بها أصدقاءها وأقرباءها * فإذا غارت السيدة عائشة ولم يتحمل ذلك قلبها * قال لها صلة الله عليه وسلم * (لقد رزقت حبها فأنا أحب من يحبها) .
ومن فضائلها المروية عن أئمة المحدثين الكبار
* في كثير من كتب السنن والسير والآثار* أنه صلى الله عليه وسلم كان يكثر من ذكرها * وينشر بين الجميع طيب خبرها وحسن برها * ويثنى عليها أحسن الثناء * ويستغفر لها الله ويكثر لها من الدعاء * ويتحدث عن ما لها من الشرف والفضل والكمال * ويسترسل في ذلك الحديث دون ملل ولو طال * فإذا سمعته السيدة عائشة يتحدث عنها غارت أشد الغيرة عنها * غارت أشد الغيرة منها * وقالت: ما هي إلا حمراء الشدقين عجوز كبيرة * وقد عوضك الله خيراً منها شابة صغيرة * فكان يغضب من قولها * ويخاصمها على فعلها * ويقول ( ما أبدلني الله خيراً منها لقد آمنت بي إذ كفر الناس وصدقتني إذ كذبني الناس وآوتني إذ رفضني الناس وواستني إذ حرمني الناس ورزقني أولادها إذ حرمني أولاد النساء)
وقد جاء في بعض الآثار المروية * عن السيدة عائشة الصديقية * أنها قالت : ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً خديجة باهتمام * فاحتملني الغيرة وقلت فيها ما لاينبغي من الكلام * فتغير وجهه تغيراً ما كنت أراه إلا عند نزول الوحي عليه * وسقط في جلدي وندمت على إساءتي بذلك إليه * وقلت:: اللهم إن أذهبت غيظ رسولك الآن * لم أعد أذكرها بسوء ما بقيت مدى الأزمان * فلما رأى ذلك مني * عذرني وسامحني و عفا عني * وذكر لي طرفاً من فضائلها الغراء * وبهذا تعلم أن غيرتها لا عن بغض أو عداء * وإنما هي طبيعة معروفة في النساء * وعائشة هي التي نقلت لنا في فضل خديجة ذلك الخبر * ولولاها ما كنا وقفنا له على عين و لا أثر ومن فضائلها عليها الرحمة والإكرام
ومن خصائصها رضي الله
عنها ما رواه الشيخان * أن جبريل بشرها ببيت في الجنان * إذ قال ذلك الملك المكرم * للنبي صلى الله عليه وسلم * بشر خديجة ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب
ومن فضائلها رضي الله عنها الغراء * أنها وقفت مع النبي صلى الله عليه وسلم في السراء والضراء * ولم ترض أن تتركه لما قاطعه في الشعب الأعداء * فخرجت عن بيتها الرفيع * ومقامها المنيع * ودخلت معه الشعب فكانت من جملة المحصورين * ولم تبال بسنها الذي زاد على الستين * رغبة في متابعة سيد المرسلين * فاستبدلت حياة العز والرفاهية * بتلك الحياة الخشنة القاسية * وكم ذاقت معهم مرارة العطش والجوع * إذ كان الطعام والشراب عن الجميع ممنوع * فيحق للتاريخ أن يحنى رأسه أمام جلالها * ويتوج صحائفه بكريم فعالها
والحاصل أن فضائلها لا تعد * ومناقبها لا تحد * وما عسى أن يقال فيمن وصفها سيد ولد عدنان * وأشاد بذكرها على رؤوس الأعيان * ورفع شأنها بين النساء على كل شأن * وذكر فضلها وشرفها الثابت بالتحقيق * وشكر لها مواقفها معه في الإيمان والصديق
فما أعظم أخلاقها القويمة * وسيرتها المستقيمة * التي هي عين أوصاف المؤمن الكريم * كما أخبر عنها الرسول العظيم * عليه الصلاة والتسليم * إذ قال إن المؤمن تراه * قوة تراه في دين * وحزماً في لين * وإيماناً في يقين * وحرصاً في علم * وعلماً في حلم * وشفقة في محبة * وبراً في استقامة * وقصداً في غنى* وتجملاً في فاقة * وتحرجاً عن طمع * وكسباً في حلال* ونشاطاً في هدى* ونهياً عن شهوة* ورحمة للمجهود * أن المؤمن لا يظلم من يبغض * ولا يأثم فيمن يحب * ولا يضيع ما استودع * ولا يحسد ولا يطعن* في الزلال وقوراً * وفي الرخاء شكوراً) فكأن هذه الأوصاف والأخلاق* منطبقة على خديجة تمام الانطباق
***
وفاتها
ولما تمت لها الكمالات الباهرة * وتوطنت الرتبة السامية العلية الفاخرة * وامتدت أنوارها وآياتها المتكاثرة * توفيت رضي الله عنها في اليوم الهادي عشر من رمضان * قبل هجرة سيد ولد عدنان * بثلاث سنين على الأصح من الأقاويل * وقيل بأربع وقيل بسبع على ما قيل * ولم يصل عليها عليه الصلاة والسلام * لأنها لم تشرع الصلاة على الميت في ذلك العام * ونزل النبي صلى الله عليه وسلم في قبرها * وسوى عليها التراب وأحسن نزلها * وهي فضيلة لها دون غيرها من أمهات المؤمنين* رضي الله تعالى عنهن أجمعين إلى يوم الدين * وكان لها من العمر خمس وستون * ودفنت بمقبرة المعلى المعروفة بالحجون * وهذا وإن كان قد ثبت بطريق الآحاد * إلا أنه اشتهر كل الاشتهار بين العباد
دعاء
وحيث تشرفت الأسماع بذكر أخبارها وبيان فضائلها ونشر آثارها حسن منا نختم ذلك بالدعاء متوجهين الله رب العالمين قاصدين مخلصين قائلين:الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
اللهم أنت أحق من ذكر وأحق من عبد وأرأف من ملك وأجود من سئل وأوسع من أعطى أنت الملك لا شريك لك والفرد لا ند لك كل شيء هالك إلا وجهك لا تطاع إلا بأذنك ولا تعصى إلا بعلمك تطاع فتشكر وتعصى فتغفر أقرب شهيد وأدنى حفيظ حلت دون النفوس وأخذت بالنواصي وكتبت الآثار ونسخت الآجال القلوب لك مفضية والسر عند علانية الحلال ما أحللت والحرام ما حرمت والدين ما شرعت والأمر ما قضيت والخلق خلقك والعبد عبدك وأنت الله الغفور الرحيم نسألك بنور وجهك الكريم الذي أشرقت له السموات والأرض وبكل حق هو لك وبحق السائلين عليك أن تقيلنا وتجيرنا من النار بقدرتك يا أرحم الراحمين
اللهم نحمدك على ما أهديت ونشكرك على جزيل ما أسديت و نستعينك على رعاية ما أسبغت من النعم ونستهديك الشكر على ما كفيت من النقم ونعوذ بك من عثرات اللسان وغفلات الجنان ومن غدرات الزمان ونسألك اللطف فيما قضيت وقدرت والمعونة على ما أمضيت ونستغفرك من قول يعقبه الندم أو فعل تزل به القدم فأنت الثقة لمن توكل عليك والعصمة لمن فوض أمره أليك وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير الله افتح مسامع قلوبنا لذكرك وارزقنا طاعتك وطاعة نبيك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعملا بكتابك و اتباعاً لسنة نبيك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم اللهم اجعلنا نخشاك وكأنا نراك أبداً حتى نلقاك واسعدنا بتقواك ولا تشقنا بمعصيتك اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى وحسن الظن وحسن الخلق اللهم اغننا بحلالك عن حرامك وبطاعتك عن معصيتك وبفضلك عمن سواك اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء وعضال الداء وخيبة الرجاء اللهم طهر قلوبنا من النفاق وأعمالنا من الرياء وألسنتنا من الكذب وأعيننا من الخيانة أنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي االصدور اللهم جمل أمورنا ما أحييتنا وعافنا ما أبقيتنا وبارك لنا فيما خولتنا و احفظ علينا ما أوليتنا وارحمنا إذا توفيتنا وسامحنا إذا حاسبتنا ولا تسلبنا الإيمان وقد هدينتا اللهم نسألك رحمة من عندك تهدي بها قلوبنا وتجمع بها شملنا وتلم بها شعثنا وترد بها الفتن عنا وتصلح بها حالنا وتحفظ بها غائبنا وترفع بها شاهدنا وتبيض بها وجوهنا وتزكي بها أعملنا وتلهمنا بها رشدنا وتعصمنا من كل سوء اللهم اعطنا إيماناً صادقاً ويقيناً ليس بعده كفر ورحمة ننال بها شرف كرامتك اللهم نسألك الفوز عند القضاء ونزل الشهداء ومرافقة الأنبياء والنصر على الأعداء
اللهم خذ بأيدينا في المضائق وكشف لنا وجوه الحقائق ووفقنا لما تحب وترضى واعصمنا من الزلل ولا تسلبنا ستر أحسانك وقنا مصارع السوء واكفنا كيد الخائنين وشماتة الأضداد و الطف بنا في سائر تصرفاتنا واكفنا من جميع جهاتنا يا أرحك الراحمين
اللهم أعطنا من الدنيا ما تقينا به فتنتها وتغنينا به عن أهلها ويكون بلاغاً لنا إلى ما هو خير منها فانه لا حول ولا قوة إلا بك اللهم إنا نسألك نعمة تامة ورحمة شاملة وعيشاً رغيداً وعمراً سعيداً وإحساناً تاماً و انعماً عاماً وعملاً صالحاً وعلماً نافعاً ورزقاً واسعاً اللهم كن لنا ولا تكن علينا وختم بالسعادة آجالنا وحقق بالزيادة أعمالنا واقرن بالعافية غدونا وآصالنا واجعل إلى رحمتك مصيرنا ومآلنا واصبب سجال على ذنوبنا ومن علينا بإصلاح أعمالنا واستر عيوبنا واجعل التقوى زادنا وفي دينك اجتهادنا وعيلك توكلنا واعتمادنا
اللهم ثبتنا على نهج الاستقامة وأعذنا من موجبات الندامة يوم القيامة وخفف عنا ثقل الأوزار وارزقنا عيشة الأبرار وكفنا واصرف عنا شر الأشرار واعتق رقابنا ورقاب آبائنا وأمهاتنا من النار يا عزيز يا غفار يا كريم يا ستار يا حليم يا جبار برحمتك يا أرحم الراحمين
اللهم كما مننت على محمد وعلى لآله وصحبه وسلم السيد خديجة بتمام التصديق والإيمان بنبيك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فمن علينا بذلك يا قديم الإحسان وكما تفضلت عليها بتعظيم حرمته وحفظ عهده وذمته ونصر حزبه ودعوته ومتابعة سبيله وسنته وتأيد كلمته وحجته فتفضل علينا بذلك واكتب لنا من ذلك الحظ الأوفر والنصيب الأكبر ووفقنا للاستمساك بسنته ولزوم ملته حتى نموت عليها واحشرنا في زمرته وتحت لوائه وجعلنا من رفقائه وأوردنا حوضه وسقنا بكأسه وانفعنا بمحبته وتب علينا واحفظنا من جميع البلاء و البلواء والفتن ما ظهر منها وما بطن واغفر لنا ولجميع المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات وصلى الله على سيدنا وعلى آله وصحبه وسلم
ولما رأى شيخنا العلامة الشيخ محمد نور سيف أحد كبار العلماء الدرسين بالمسجد الحرام قال
أيا مهدي البشرى سعدت لك البشرى = بنيل الرضا ممن تلكم الجدة الكبرى
ودمت قرير العين فيمن تحبه = تفوز بما ترجو بدنياك والأخرى


السيدة سودة بنت زمعة أم المؤمنين رضى الله عنها
المهاجرة أرملة المهاجر
( سودة بنت زمعة )

لُقِّبت بالمهاجرة أرملة المهاجر، لأنها أسلمت وهاجرت بدينها إلى الحبشة مع زوجها السكران بن عمرو بن عبد شمس، وتحملت مشاق الهجرة ومتاعب الغربة، وتوفى زوجها بعد أن عاد معها من الحبشة وقبل الهجرة إلى المدينة، وأمست سودة وحيدة لا عائل لها ولامعين، فأبوها مازال على كفره وضلاله، ولم يزل أخوها عبد اللَّه ابن زمعة على دين آبائه، فخشيت أن يفتناها في دينها.
فلما سمع الرسول ( ما أصاب السيدة سودة وصبرها والتجاءها إلى الله؛ خشى عليها بطش أهلها، وهم أعداء الإسلام والمسلمين، فأراد أن يرحمها وينجدها من عذابها، ويعينها على حزنها، ويجزيها على إسلامها وإيمانها خيرًا، فأرسل إليها خولة بنت حكيم -رضى اللَّه عنها- تخطبها له، وكانت السيدة خديجة -رضى الله عنها- قد ماتت، وهو بغير زوجة، وكانت سودة قد بلغت من العمر حينئذٍ الخامسة والخمسين، بينما كان رسول الله في الخمسين من عمره.
وحين دخلت خولة عليها قالت: ما أدخل الله عليكم من الخير والبركة ! قالت: سودة: وماذاك؟ فقالت خولة: إن رسول الله أرسلنى إليك لأخطبك إليه. قالت: وددت ذلك. فقالت خولة: دخلت على أبيها وكان شيخًا كبيرًا مازال على جاهليته وحيَّـيْـتُه بتحية أهل الجاهلية، فقلت: أنعِم صباحًا. فقال: من أنت؟ قلت: خولة بنت حكيم. فرحَّب بي، وقال ما شاء الله أن يقول. فقلت: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب يذكر سودة ابنة زمعة. فقال: هو كفء كريم، فما تقول صاحبتك؟ قلت: تُحِبُّ ذلك. قال: ادعوها إلي. ولما جاءت قال: أى سودةُ، زعمت هذه أن محمد بن عبد الله ابن عبد المطلب أرسل يخطبك وهو كفء كريم، أفتحبين أن أزوجكه؟ قالت: نعم. قال: فادعوه لي. فدعته خولة، فجاء فزوَّجه.
وفى رواية ابن سعد: أن النبي ( خطبها، فقالت: أمرى إليك، فقال لها مُرى رجلا من قومك يزوجك. فأمرت حاطب بن عمرو (وهو ابن عمها وأول مهاجر إلى الحبشة) فزوجها).
ودخلت السيدة سودة بنت زمعة -رضى الله عنها- بيت النبوة، وأصبحت واحدة من أمهات المؤمنين، وكانت الزوجة الثانية لرسول الله (، وكان ذلك قبل الهجرة بثلاث سنوات.
وكانت السيدة سودة مثالا نادرًا في التفانى في خدمة النبي ( وابنته أم كلثوم وفاطمة، فكانت تقوم على رعايتهما بكل إخلاص ووفاء، ثم هاجرت مع الرسول ( إلى المدينة.
وكانت السيدة سودة ذات فطرة طيبة ومرح، وكانت ممتلئة الجسم، فكان رسول اللَّه ( كلما رآها تمشى ضحك لمشيتها، فكانت تكثر المشى أمامه كى تضحكه، وتُدخل السرور عليه، وكانت تنتقى من الكلمات ماتظن أنه يضحكه.
وكانت السيدة سودة -رضى اللَّه عنها- تحب رسول اللَّه حبَّا شديدًا، وكانت تسعى إلى مرضاته دائمًا، فلما كبرت في السن، ولم تعد بها إلى الأزواج حاجَةً، وأحست بعجزها عن الوفاء بحقوق النبي ، أرادت أن تصنع من أجله شيئًا يعجبه ويرضيه ويرفع مكانتها عنده... فاهتدت إلى أن تهب يومها لعائشة؛ لعلمها أنها حبيبة إلى قلب رسول الله ، وحتى لا تشعر رسول الله بالحرج، وبررت له ما أقدمت عليه بقولها: ما بى على الأزواج من حرص، ولكنى أحب أن يبعثنى الله يوم القيامة زوجًا لك. وتفرغت للعبادة والصلاة.
قال لها رسول الله :"يا بنت زمعة، لوتعلمين علم الموت، لعلمت أنه أشد مما تظنين" [ابن المبارك].
وكانت السيدة عائشة - رضى اللَّه عنها - تغبطها على عبادتها وحسن سيرتها، قالت: ما رأيت امرأة أحب إلى أن أكون في مِسْلاخها (هديها وصلاحها) من سودة .
ولما خرجت سودة -رضى الله عنها- مع رسول الله إلى حجة الوداع! قال: "هذه الحجة، ثم ظهور الحُصْر" (أى الْـزَمْـنَ بيوتكنّ ولا تخرجْنَ منها). فكانت - رضى الله عنها - تقول: حججت واعتمرت فأنا َأَقرُّ في بيتى كما أمرنى الله عز وجل، ولا تحركنا دابة بعد رسول الله (. [ابن سعد].
وكانت السيدة سودة -رضى الله عنها- زاهدة في الدنيا مقبلة على الآخرة. بعث إليها عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- في خلافته ببعض الدراهم، فوزعتها على الفقراء والمساكين.
وظلت كذلك حتى توفيت في آخر خلافة عمر فحضر جنازتها، وصلى عليها، ودفنت بالبقيع.
وكان للسيدة سودة نصيب من العلم والرواية، فقد روت -رضى الله عنها- أحاديثًا لرسول الله


السيدة حفصة بنت عمر أم المؤمنين رضى الله عنها
صاحبة سر رسول الله
( حفصة بنت عمر )

وُلدت السيدة حفصة قبل بعثة النبي بخمس سنين، في بيت شريف كريم، فأبوها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- وأمها السيدة زينب بنت مظعون بن حبيب.
أسلمتْ حفصة مبكرًا هي وزوجها خُنيس بن حذافة السهمى القرشي، وهاجرت معه إلى الحبشة فرارًا بدينهما، ثم إلى المدينة بعد أن بدأت الدعوة في الانتشار، وشهد زوجها بدرًا، ومات في غزوة أحد بعد جرح أصابه، وترك حفصة شابة لم تتجاوز عامها الحادى والعشرين . وبعد أن انقضت عدتها ذكرها عمر عند عثمان بن عفان، ثم أبى بكر، فلم يردا عليه بالقبول، فجاء عمر إلى النبي ( يشكو إليه إعراض أبى بكر وعثمان عن ابنته حفصة، فقال(: "يتزوج حفصةَ من هو خير من عثمان، ويتزوج عثمانُ من هي خيرٌ من حفصة" . ثم خطبها الرسول ( من عمر، فتزوجها فلقى أبوبكر عمر بن الخطاب، فقال له: لا تجد (لا تغضب) على في نفسك ؛ فإن رسول اللَّه( كان قد ذكر حفصة، فلم أكن لأفشى سرَّ رسول اللَّه(، ولو تركها لتزوجتها. [ابن سعد].
وبنى بها النبي في شعبان من السنة الثالثة للهجرة، وكان زواج النبي من حفصة ؛ إكرامًا لها ولأبيها وحُبّا فيهما، وذات يوم قالت امرأة عمر له: عجبًا يا بن الخطاب ! ما تريد إلا أن تجادل وابنتك تجادل رسول اللَّه حتى يظل يومه غضبان، فذهب عمر ابن الخطاب من فوره إلى حفصة غضبان يقول لها: يا بنيتى إنى أحذرك عقوبة اللَّه وغضب رسوله. كانت السيدة حفصة -رضى اللَّه عنها- عابدة خاشعة، تقوم الليل، وتصوم النهار، لذا كرمها اللَّه تعالى بفضله وجعلها من نساء النبي ( في الجنة).
لما فرغ زيد بن ثابت -رضى اللَّه عنه- من جمع القرآن بأمر من أبى بكر- رضى اللَّه عنه-، كانت الصحف التي جمع فيها القرآن عند أبى بكر، حتى توفاه اللَّه، ثم عند عمر حتى توفاه اللَّه، ثم عند حفصة بنت عمر -رضى اللَّه عنها - ثم أخذها عثمان -رضى اللَّه عنه- فنسخها، ثم ردها إليها فكانت في حوزتها إلى أن ماتت.
وشهدت حفصة-رضى اللَّه عنها- انتصارات الإسلام واتساع دولته، وروت 60 حديثًا عن رسول الله.
توفيت حين بويع الحسن بن على -رضى اللَّه عنهما- وذلك في جمادى الأولى سنة 41 للهجرة، وقيل توفيت سنة 45هـ.
سُمِّيت بأم المساكين لرحمتها بهم وِرّقتها عليهم ؛ فكانت تطعمهم وتكسوهم، وتقضى حوائجهم، وتقوم على أمرهم.
تزوجها النبي في السنة الثالثة للهجرة، بعد زواجه من السيدة حفصة - رضى اللَّه عنها - بوقت قصير، وذلك بعد أن استشهد زوجها عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب - ابن عم رسول اللَّه - إثر جرح أصابه يوم بدر، وتركها بلا عائل؛ فرحم النبي ( وحدتها، وتقدم إليها يخطبها، فجعلت أمرها إليه؛ فتزوجها ).


السيدة زينب بنت خزيمة أم المؤمنين رضي الله عنها
أم المساكين
(زينب بنت خزيمة)
نسبها رضي الله عنها

هي ام المؤمنين السيدة زينب بنت خزيمة بن الحارث بن عبد الله بن عمرو بن عبد مناف بن هلال بن عامر بن صعصعة الهلالية و كانت أخت ميمونة بنت الحارث -أم المؤمنين- لأمها أمها هي هند بنت عوف بن الحارث بن حماطة الحميرية
و أخواتها لابيها و أمها هن
أم الفضل لبابة الكبرى أم بني العباس بن عبد المطلب لبابة الصغرى أم خالد بن الوليد و عزة بنت الحارث
و اخواتها لامها هن
أسماء بنت عميس زوج الشهيد الطيار جعفر بن عبد الله و سلامة بنت عميس زوجة عبد الله بن كعب

زواجها من رسول الله صلى الله عليه و سلم
و اختلف المؤرخون فيمن كانت زوجته قبل رسول الله صلى الله عليه و سلم فقيا انه الطفيل بن الحارث بن عبد المطلب فخلفه عليها أخوه عبيدة بن الحارث ثم استشهد رضي الله عنه في بدر فخلفه عليها النبي صلى الله عليه و سلم و قيل انها كانت زوجة عبد الله بن جحش فاستشهد في أحد فخلفه عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم و عن ابن الكلبي انهت كانت عند الطفيل بن الحارث قطلقها فخلفه عليها أخوه فقتل عنها ببدر فخطبها رسول الله صلى الله عليه و سلم و قال بن اسحاق في السيرة الهاشمية انها كانت عند عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب و كانت قبله عند جهم بن عمرو الحارث بن الهلالي و هو ابن عمها و في الطبري : و في هذه السنة الرابعة تزوج رسول الله صلى الله عليه و سلم زينب بنت خزيمة من بني هلال في شهر رمضان و كانت قبله عند الطفيل بن الحارث فطلقها

و اختلفوا مرة اخرى فيمن تولى زواجها من رسول الله صلى الله عليه و سلم ففى الاصابة عن ابن الكلبي : ان رسول الله صلى الله عليه و سلم خطبها الى نفسها فجعلت أمرها اليه فتزوجها و في السيرة رواية بن هاشم : زوجه اياها عمها : قبيصة بن عمرو الهلالي و أصدقها رسول الله صلى الله عليه و سلم أربعمائة درهم و اختلفوا ايضا في مدة اقامتها في البيت المحمدي ففي الاصابة رواية تقول: كان دخوله صلى الله عليه و سلم بها بعد دخوله على حفصة بنت عمر ثم لم تلبث عنده شهرين او ثلاثة و ماتت و رواية اخرى عن ابن الكلبي : فتزوجها في شهر رمضان سنة ثلاث فأقامت عنده ثمانية أشهر و ماتت في ربيع الاخر سنة أربع

أم المساكين رضي الله عنها
و قد اجمع المؤرخون على كرمها و عطفها الشديد على الفقراء و لا يكاد اسمها رضي الله عنها يذكر في أي كتاب إلا مقرونا بلقبها الكريم : أم المساكين ففي الاستيعاب و الاصابة : و كان يقال لها أم المساكين لانها كانت تطعمهم و تتصدق عليهم و مثله في تاريخ الطبري و في السيرة الهشامية : و كانت تسنى أم المساكين لرحمتها اياهم و رقتها عليهم و عن الزهري قال : تزوج النبي صلى الله عليه و سلم زينب بنت خزيمة و هي أم المساكين سميت بذلك لكثرة اطعامها المساكين و هي من بني عامر بن صعصعة

كرامة خاصة
رغم قصر المدة التي قضتها السيدة زينب بنت خزيمة رضي الله عنها في بيت الرسول صلى الله عليه و سلم الا انها قد اكرمها الله بكرامة خاصة لم تشاركها فيها اية زوجة من زوجات الرسول صلى الله عليه و سلم فقد صلى عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم بنفسه -فقد كانت صلاة الجنازة لم تشرع بعد عندما ماتت ام المؤمنين خديجة رضي الله عنها- و هما المرأتان اللتان ماتتا عند رسول الله صلى الله عليه و سلم و دفنت رضي الله عنها بالبقيع و كان لها من العمر ثلاثون عاما فجزاها الله كل الخير و رضي عنها



السيدة ماريا القبطية أم المؤمنين رضي الله عنها
نسبها رضي الله عنها

هي ماريا بنت شمعون المصرية ولدت رضي الله عنها في صعيد مصر في قرية تدعى حفن الزاقعة على الضفة الشرقية للنيل تجاه الاشمونين و قد ولدت لاب قبطي و أم مسيحية رومية و قد أمضت رضي الله عنها شبابها الباكر في قريتها الى ان انتقلت الى بيت المقوقس عظيم القبط و ملك مصر
و كان النبي صلى الله عليه و سلم قد أرسل حاطب بن ابي بلتعة يحمل رسالة الى المقوقس فكان رد المقوقس ... اما بعد فقد قرأت كتابك و فهمت من ذكرت و ما تدعو اليه و قد علمت ان نبيا قد بقي و كنت أظن ان يخرج بالشام و قد أكرمت رسلك و بعثت لك بجاريتين لهما مكان من القبط عظيم و كسوة و مطية لتركبها و السلام عليك
ودفع المقوقس بالكتاب الى حاطب معتذرا بما يعلم من تمسك القبط بدينهم و موصيا اياه بأن يكتم ما دار بينهما فلا يسمع القبط منه حرفا واحدا و كانت الجاريتين هما ماريا و أختها سيرين كما ارسل المقوقس عبد خصي اسمه مأبور و الف مثقال ذهب و عشرين ثوبا لينا من نسيج مصر و بغلة شهباء اسمها دلدل و بعض من عسل بنها و بعض العود و المسك وصل الركب الى المدينة سنة سبع من الهجرة وقد عاد النبي صلى الله عليه و سلم من الحديبية بعد ان عقد الهدنة مع قريش وتلقى هدية المقوقس و اصطفى النبي صلى الله عليه و سلم ماريا واهدى سيرين الى شاعره حسان بن ثابت
ماريا في بيت النبوة
كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يهتم بالسيدة ماريا اهتماما كبيرا وكان كثير التردد عليها رضي الله عنها قالت عنها السيدة عائشة رضي الله عنها : ما غرت على امرأة الا دون ما غرت على ماريا و ذلك انها كانت جميلة جعدة
و لا تخفى المقارنة بين السيدة ماريا رضي الله عنها و السيدة هاجر التي كانت ايضا هبة لابراهيم صلى الله عليه و سلم فاكرمها الله تعالى بأمومتها لإسماعيل عليه السلام و ما ان جاء العام الثاني للسيدة ماريا في بيت النبوة الا وقد شعرت بوادر الحمل فأشرق وجه رسول الله صلى الله عليه و سلم و سرعان ما سرت البشرى أن المصطفى صلى الله عليه و سلم ينتظر مولودا له من ماريا القبطية
وكانت السيدة ماريا رضي الله عنها تسكن في منطقة العالية بضواحي المدينة حيث الخضرة احتراما لكونها جاءت من بلاد النيل حتى لا تشعر بوحشة وكان صلى الله عليه و سلم يسهر عليها يرعاها في حملها حتى وضعت رضي الله عنها فانطلق رسول الله صلى الله عليه و سلم لها فقال قائل : ان رسول الله صلى الله عليه و سلم منطلق الى مولاته فقال صلى الله عليه و سلم : اعتقها ولدها فزارها رسول الله صلى الله عليه و سلم و احتضن ابنه ثم خرج للمسلمين و قال لهم : ان الله رزقني غلاما وقد أسميته على أسم ابي ابراهيم
واختار النبي صلى الله عليه و سلم مرضع لولده و جعل في حيازتها قطعة من الماعز كي ترضعه بلبنها اذا شح ثدياها
وفاة ابراهيم
و كان النبي صلى الله عليه و سلم يرقب ابنه و هو ينمو يوما بعد يوم و لكن ابراهيم عليه السلام مرض و لم يبلغ العامين من عمره فجاء رسول الله صلى الله عليه و سلم معتمدا على عبد الرحمن بن عوف لشدة المه فحمل صغيره من حجر امه و هو يجود بنفسه ووضعه في حجره محزون القلب ضائع الحيلة لا يملك الا ان يقول في اسى و تسليم : انا يا ابراهيم لا نغني عنك من الله شيئا ثم ذرفت عيناه و هو يرى ولده يعالج سكرات الموت و يسمع حشرجة احتضاره مختلطة بعويل الام الثكلى و الخالة المفجوعة
و عن انس بن مالك رضي الله عنه قال : دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم على ابي سيف القين و كان ظئر ا لابراهيم عليه السلام فأخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم ابراهيم فقبله و شمه ثم دخلنا عليه بعد ذلك و ابراهيم يجود بنفسه فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه و سلم تدمعان فقال له عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه : و انت يا رسول الله ؟ فقال صلى الله عليه و سلم : يا بن عوف انها رحمة ثم اتبعها اخرى فقال صلى الله عليه و سلم : ان العين تدمع و القلب يحزن و لا نقول الا ما يرضي ربنا و انا بفراقك يا ابراهيم لمحزونون
و توفي ابراهيم عليه السلام في العاشر من ربيع الاول سنة عشر من الهجرة ثم نظر الى ماريا في عطف و رثاء وقال يواسيها : ان ابراهين ابني وانه مات في الثدي و ان له لظئرين تكملان رضاعته في الجنة واقبل ابن عمه الفضل بن عباس رضي الله عنه فغسل الصغير وابوه صلى الله عليه و سلم جالس يرنواليه في حزن و حمل الى بيت ظئره على سرير صغير و صلى عليه ابوه صلى الله عليه و سلم و كبر اربعا ثم سار وراءه الى البقيع و اضجعه بيده في قبره ثم سوى عليه التراب و نداه بالماء
واعتكفت ماريا في بيتها تحاول ان تتجمل بالصبر حتى لا تنكأ الجرح في صدر رسول الله صلى الله عليه و سلم فاذا عز الصبر انطلقت الى البقيع فاستروحت لقرب فقيدها و التمست الراحة في البكاء
وقد صادف يوم وفاته كسوفا للشمس فقال الناس : انكسفت الشمس لموت ابن رسول الله صلى الله عليه و سلم فخرج معلم البشرية صلى الله عليه و سلم فصلى بالناس صلاة الكسوف و قال : ان الشمس و القمر ايتان من ايات الله لا ينكسفان لموت احد و لا لحياته فاذا رأيتم ذلك فادعوا الله و كبروا و صلوا و تصدقوا
فضلها العظيم رضي الله عنها على شعب مصر
وإكراما السيدة ماريا رضي الله عنها و ابنها ابراهيم عليه السلام قفد أوصى رسول الله صلى الله عليه و سلم المسلمين خيرا بشعب مصر فقال صلى الله عليه و سلم : انكم ستفتحون ارضا يذكر فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيرا فان لهم ذمة و رحما – صحيح مسلم- باب وصية رسول الله صلى الله عليه و سلم بشعب مصر
وفاتها رضي الله عنها
ما أهل ربيع الاول من العام التالي لوفاة ابراهيم عليه السلام حتى توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم و عاشت السيدة ماريا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم خمس سنوات عاشتها في عزلة عن الناس لا تكاد تلقى غير أختها سيرين و لا تكاد تخرج الا لكي تزور قبر الحبيب بالمدسجد او قبر ولدها بالبقيع
وكان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يحشد الناس لجنازتها ثم صلى عليه و دفنت رضي الله عنها بالبقيع
رحم الله ماريا نعم الام المؤمنة الصابرة في اصعب المحن و الحقها رضي الله عنها برسول الله صلى الله عليه و سلم و بابنها في الجنة والحقنا بهم جميعا ان شاء الله


السيدة ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين رضي الله عنها
نسبها رضي الله عنها

هي أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث بن حزن ابن بجير بن الهزم بن روبية بن عبد الله بن هلال بن عامر بن صعصعة و أمها : هند بنت عوف بن زهير بن الحارث بن حماطة بن حمير التي كان يقال لها : أكرم عجوز في الارض و شقيقاتها لبابة الكبرى –أم الفضل-و لبابة الصغرى و اخوتها لامها أسماء بنت عميس و سلمى بنت عميس و خالة ابناء العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه (لان زوجته رضي الله عنه هي لبابة الكبرى بنت الحارث) و خالة كل من ابناء جعفر بن ابي طالب رضي الله عنه و محمد بن ابي بكر و يحي بن علي بن ابي طالب (أمهم اسماء بنت عميس) و خالة ابناء حمزة بن عبد المطلب أسد الله و شهيد أحد رضي الله عنه (أمهم سلمى بنت عميس) كانت رضي الله عنها زوجة أبي رهم بن عبد العزى العامري القرشي وهي أول امرأة امنت بعد خديجة رضي الله عنها
زواجها من رسول الله صلى الله عليه و سلم
تزوجها رسول الله صلى الله عليه و سلم في عام القضاء خطبها له جعفر بن ابي طالب فجعلت أمرها للعباس رضي الله عنه فزوجها النبي صلى الله عليه و سلم
و أراد النبي صلى الله عليه و سلم ان يبني بها في مكة و لكن قريشا أرسلت حويطب بن عبد العزى و نفرا معه فقالوا لرسول الله صلى الله عليه و سلم : قد انقضى اجلك فأخرج عنا
فقال صلى الله عليه و سلم : و ما عليكم فأعرست بين أظهركم فصنعت لكم طعاما فحضرتموه
قالوا : لا حاجة لنا بطعامك فاخرج عنا
فخرج صلى الله عليه و سلم بالسيدة ميمونة فأعرس بها في سرف قرب التنعيم بطريق مكة و كان ذلك في ذي القعدة من سنة سبع
و قيل ان رسول الله صلى الله عليه و سلم تزوجها و هو محرم و لكن الصحيح انه تزوجها و هو حلال و ظهر أمر زواجها به و هو محرم ثم انه صلى الله عليه و سلم بنى بها و هو حلال
و روى الطبراني عن الزهري انها رضي الله عنها وهبت نفسها لرسول الله صلى الله عليه و سلم فأنزل الله تبارك و تعالى فيها : و امرأة مؤمنة ان وهبت نفسها للنبي ان اراد النبي ان يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين
و في البخاري ان ثابتا البناني قال : كنت عند أنس وعنده ابنة له
قال أنس : جاءت امرأة رسول الله صلى الله عليه و سلم تعرض عليه نفسها قالت : يا رسول الله ألك في حاجة ؟
فقالت ابنة أنس : ما أقل حياءها واسوأتاه واسوأتاه
قال أنس : هي خير منك رغبت في النبي صلى الله عليه و سلم فعرضت عليه نفسها - رواه البخاري
وكانت رضي الله عنها تسمى برة فغيره رسول الله صلى الله عليه و سلم الى ميمونة لان زواجه بها كان في المناسبة الميمونة الغراء التي دخل فيهل أم القرى مكة لاول مرة منذ سبع سنين و معه صحابته امنين لا يخافون
و قيل انها رضي الله عنها لما جاء الخاطب و هي على بعير القت نفسها عنه و قالت البعير و ماعليه لرسول الله صلى الله عليه و سلم
ميمونة رضي الله عنها في بيت النبوة
ذكر في الصحيحين ان النبي صلى الله عليه و سلم كان في بيتها حين أشتد به الالم في مرض الموت فرضيت رضي الله عنها ان ينتقل حيث أحب الى بيت عائشة
و قالت عنها السيدة عائشة رضي الله عنها وهي توعظ قريبا لميمونة رضي الله عنها : أما علمت ان الله ساقك حتى جعلك في بيت نبيه ذهبت و الله ميمونة و رمي بحبلك على غاربك أما انها كانت من اتقانا لله و أوصلنا للرحم بل ان من فضلها و كرامتها تلك الشهادة التي شهدها لها رسول الله صلى الله عليه و سلم مع أخوتها فقال صلى الله عليه و سلم : الاخوات المؤمنات: ميمونة و أم الفضل و سلمى و أسماء بنت عميس
علمها و فقهها رضي الله عنها
كانت رضي الله عنها عالمة فقيهة فقالت يوما لحبر الامة ابن عباس رضي الله عنه –وهو ابن اختها-تعلمه عندما وجدته اشعثا قالت : مالك شعثا قال : أم عمار مرجلتي حائض
قالت: أي بني و اين الحيضة من اليد ؟ لقد كان النبي صلى الله عليه و سلم يدخل على احدانا و هي متكئه حائض قد علم انها حائض فيتكئ عليها فيتلو القران و هو متكئ عليها او يدخل عليها قاعدة و هي حائض فيتكئ في حجرها فيتلو القران في حجرها و تقوم و هي حائض فتبسط له الخمرة في مصلاه
و قد بلغها مرة ان عبد الله بن عباس رضي الله عنها يعتزل فراش امرأته عندما تحيض فقالت له : أرغبة عن سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ لقد كان رسول الله صلى الله عليه و سلم ينام مع المرأة من نسائه و ما بينهما الا ثوب ما يجاوز الركبتين
انكارها المنكر
يروى ان قريبا لها دخل عليها فةجدت منه ريح شراب فقالت : لئن لم تخرج الى المسلمين فيجلدوك لا تدخل علي ابدا
راوية احاديث
كانت رضي الله عنها راوية لاحديث رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول الذهبي : لها سبعة أحاديث في الصحيحين و انفرد لها البخاري بحديث و مسلم بخمسة و جميع ما روت ثلاثة عشر حديث
وفاتها رضي الله عنها
توفيت رضي الله عنها سنة احدى و خمسين على اكثر الاقوال وحملت علىالاعناق بأمر ابن عباس و قال : ارفقوا بها فانها امكم وصلى عليها ابن عباس و دفنت بسرف و قد دفنت في موضع الظلة التي بنى بها فيها رسول الله صلى الله عليه و سلم رحم الله ام المؤمنين ميمونة و جزاها عنا خيرا و جمعنا و اياها برسول الله صلى الله عليه و سلم في الجنة ان شاء الله



السيدة أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها
نسبها رضي الله عنها

هي ام المؤمنين ام سلمة و اسمها : هند بنت ابي امية سهيل بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشية المخزومية أمها : عاتكة بنت عامر بن ربيعة بن مالك بن خزيمة بن علقمة بن فراس و ابوها هو احد وجهاء قريش و قد عرف بلقب زاد الركب لانه كان اذا خرج في سفر كفى من معه الزاد و ذلك من شدة كرمه و هي ابنة عم سيف الله المسلول خالد بن الوليد و زوجها قبل رسول الله صلى الله عليه و سلم هو عبد الله بن عبد أسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم الشهير بأبي سلمة الصحابي ذو الهجرتين ابن عمة النبي برة بنت عبد المطلب بن هاشم و اخوه صلى الله عليه و سلم من الرضاعة ارضعتهما ثوبية مولاة ابي لهب
حياتها قبل زواجها برسول الله صلى الله عليه و سلم
كان لابي سلمة و أم سلمة تاريخ عظيم في الاسلام فقد كانا من السابقين الاولين و هاجرا مع العشرة الاولين الى الحبشة حيث ولد هناك ابنهما سلمة ثم قدما مكة بعد تمزيق صحيفة المقاطعة و قد اشتد اضطهاد قريش للمسلمين فلما اذن رسول لله صلى الله عليه و سلم لاصحابه بالهجرة الى المدينة المنورة أجمع أبو سلمة امره على الهجرة بأهله تصف السيدة أم سلمة هذا فتقول : فلما راه رجال بني المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم قاموا اليه فقالوا : هذه نفسك غلبتنا عليها أرأيت صاحبتنا هذه ؟ علام نتركك تسير بها في البلاد ؟ و نزعوا خطام البعير من يده و أخذوني و غضبت عند ذلك بنو عبد الاسد و أهووا الى سلمة و قالوا : والله لا نترك ابننا عندها اذ نزعتموها من صاحبنا فتجاذبوا ابني سلمة حتى خلعوا يده و انطلق به بنو عبد الاسد رهط ابي سلمة و حبسني بنو المغيرة عندهم و انطلق زوجي أبو سلمة حتى لحق بالمدينة ففرق بيني و بين زوجي و بين ابني قالت : فكنت أخرج غداة فأجلس بالبطح فما أزال أبكي حتى سنة او قربها حتى مر بي رجل من بني عمي من بني المغيرة فرأى ما بي فرحمني فقال لبني المغيرة : الا تخرجون من هذه المسكينة ؟ فرقتم بينها و بين زوجها و بين ابنها فقالوا لي : الحقي بزوجك ان شئت ورد علي بنو عبد الاسد عند ذلك ابني فرحلت بعيري ووضعت ابني في حجري ثم خرجت اريد زوجي بالمدينة و ما معي احد من خلق الله فقلت:أتبلغ بمن لقيت حتى اقدم على زوجي حتى اذا انا بالتنعيم لقيت عثمان بن طلحة ابن ابي طلحة اخا بني عبد الدار فقال : اين يا بنت ابي امية ؟ قلت اريد زوجي بالمدينة فقال : هل معك أحد؟ فقلت : لا والله الا الله و ابني هذا فقال : و الله ما لك من مترك فأخذ بخطام البعير فانطلق معي يقودني فوالله ما صحبت رجلا من العرب اراه كان أكرم منه اذا بلغ المنزل اناخ بي ثم نحى الى شجرة فاضطجع تحتها فاذا دنا الرواح قام الى بعيره فقدمه فرحله ثم استأخر عني و قال : اركبي فاذا ركبت و استويت على بعيري اتى فأخذ بخطامه فقادني حتى ننزل فلم يزل يصنع ذلك حتى قدم بي لى المدينة فلما نظر الى قرية بني عمرو بن عوف بقباء قال : زوجك في هذه القرية -و كان أبو سلمة نازلا بها- فدخلتها على بركة الله تعالى ثم انصرف راجعا الى مكة و كانت تقول : ما أعلم أهل بيت أصابهم في الاسلام ما أصاب ال أبي سلمة و ما رأيت صاحبا قط كان أكرم من عثمان بن طلحة و يقول ابن الاثير –رحمه الله- : و قيا انها أول ظعينة هاجرت الى المدينة و اصيب أبو سلمة رضي الله عنه في أحد بسهم عولج منه ثم انتفض عليه جرحه فمات منه و رسول الله صلى الله عليه و سلم يعوده فأغمض رسول الله صلى الله عليه و سلم عينه و كانت هذه احدى كراماته رضي الله عنه و كانت ام سلمة رضي الله عنها قد قالت لزوجها : بلغني انه ليس امرأة يموت زوجها و هو من أهل الجنة ثم لم تزوج الا جمع الله بينهما في الجنة فتعال اعاهدك الا تزوج بعدي و لا أتزوج بعدك قال : اتطيعينني ؟ قالت : نعم قال : اذا مت تزوجي اللهم ارزق ام سلمة بعدي رجلا خيرا مني لا يحزنها و لا يؤذيها فاستجاب الله تعالى لدعاء ابي سلمة رضي الله عنه و تزوج أم سلمة سيد ولد أدم و خير الخلق اجمعين صلى الله عليه و سلم و قد كبر عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم تسع تكبيرات فقيل له : يا رسول الله أسهوت أم نسيت ؟ فقال : لم أسه و لم أنس و لو كبرت على أبو سلمة الفا كان اهلا لذاك
زواجها من رسول الله صلى الله عليه و سلم
و في الصحيح عن أم سلمة رضي الله عنها انها قالت : ان ابا سلمة رضي الله عنه حدثها انه سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ما من عبد يصاب بمصيبة فيفزع الى ما امره الله به من قول (انا لله و انا اليه راجعون اللهم اجرني في مصيبتي و عوضني خيرا منها) الا اجره الله في مصيبته و كان قمينا ان يعوضه خيرا منها فلما هلك أبو سلمة ذكرت الذي حدثني به عن رسول الله صلى الله عليه و سلم فكنت أقول : انا لله و انا اليه راجعون اللهم اجرني في مصيبتي و عوضني خيرا منها ثم قلت : اني اعاض خيرا من من ابي سلمة ؟ (أي كيف يعوضني الله بخير من ابي سلمة و ذلك لحبها الشديد له رضي الله عنه) و انا أرجو ان يكون الله قد اجرني في مصيبتي و اسند ابن سعد عنها رضي الله عنها انها قالت : من هذا الذي هو خير من ابي سلمة و قال بن عبد بر ان ابا سلمة قال عند وفاته : اللهم اخلفني في أهلي بخير فأخلفه رسول الله صلى الله عليه و سلم على زوجته أم سلمة فصارت اما للمؤمنين و على بنيه سلمة و عمر و زينب و درة و تقدم لام سلمة ابو بكرالصديق خاطبا فرفضت في رفق ثم عمر بن الخطاب فرفضت ايضا وبالفعل بعد ان انقضت عدتها ارسل اليها رسول الله صلى الله عليه و سلم ليخطبها فقالت انها غيرى مسنة ...ذات عيال فقال صلى الله عليه و سلم : اما انك مسنة فانا أكبر منك و اما الغيرة فيذهبها الله عنك و اما العيال فالى الله و رسوله فتزوجت رسول الله صلى الله عليه و سلم
أم سلمة و اولادها رضي الله عنهم في بيت النبوة
و في الصحيحين حديث ام سلمة رضي الله عنها قالت : قلت يا رسول الله هل لي من أجر في بني ابي سلمة ان انفق عليهم و لست بتاركتهم هكذا و هكذا انما هم بني قال : نعم لك أجر ما انفقت عليهم و عن عائشة رضي الله عنها قالت : دخل علي يوما رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت : اين كنت منذ اليوم ؟ فقال : يا حميراء –لانها رضي الله عنها كانت حمراء الشعر- كنت عند ام سلمة فقالت : اما تشبع من أم سلمة؟ فتبسم صلى الله عليه و سلم و كان صلى الله عليه و سلم يوما عندها و ابنتها زينب هناك فجاءته السيدة فاطمة ابنته صلى الله عليه و سلم مع ولديها الحسن و الحسين رضي الله عنهم فضمهما اليه ثم تلى : رحمة الله و بركاته عليكم أهل البيت انه حميد مجيد فبكت أم سلمة فنظر اليها رسول الله صلى الله عليه و سلم و سألها في حنو مايبكيك ؟ قالت : يا رسول الله خصصتهم و تركتني و ابنتي فقال : انك و ابنتك من أهل البيت و شبت زينب في رعاية النبي صلى الله عليه و سلم فكانت من افقه نساء أهل زمانها و يروى انها دخلت على النبي صلى الله عليه و سلم و هو يغتسل فنضح في وجهها فلم يزل ماء الشباب في وجهها حتى كبرت و عجزت و بلغ من حبه لربيبه سلمه ان زوجه من أمامة بنت حمزة بن عبد المطلب ابنة عمه الشهيد رضي الله عنه يقول أهل العلم بالنسب ان سلمة هو الذي عقد للنبي صلى الله عليه و سلم على أمه أم سلمة فلما زوجه أمامة بنت حمزة بن عبد المطلب أقبل صلى الله عليه و سلم فقال : اترون كافأته ؟ و كذلك شب اخوه عمر و اخته درة في كفالة النبي صلى الله عليه و سلم و رعايته فكانا مع سلمة و زينب من ربائبه و أهل بيته رضي الله عنهم أجمعين
موقف تاريخي
وقد كان في صلح الحديبية لأم المؤمنين أم سلمة موقف لا ينسى ينم عن رجاحة العقل و الحكمة فيذكر انه لما فرغ رسول الله صلى الله عليه و سلم من أمر كتابة الصلح قال لاصحابه : قوموا فانحروا ثم احلقوا فما قام منهم رجل واحد حتى قال ذلك ثلاث مرات و لم يقم أحد فكأنهم كانوا مذهولين محزونين لما حدث أو انهم توقفوا لاحتمال ان يمون الامر للندب او رجاء نزول وحي من السماء يبطل الصلح فلما رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم ذلك دخل على أم سلمة محزونا فكأنها فهمت ما دار في انفس الناس فقالت لرسول الله صلى الله عليه و سلم : أخرج ثم لا تكلم احدا منهم كلمة حتى تنحر بدنتك و تدعو حالقك ليحلق لك ففعل رسول الله صلى الله عليه و سلم و لما رأوا ذلك قاموا مسرعين فنحروا و اخذوا بعضهم يحلق لبعض حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما
وحي و بشارة
و كان الوحي ينزل على رسول الله صلى الله عليه و سلم في بيت عائشة رضي الله عنها فتباهي بذلك ضرائرها حتى جاءت أم سلمة فأوحي اليه و هو عندها قوله تعالى في سورة التوبة: و اخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا و اخر سيئا عسى الله ان يتوب عليهم ان الله غفور رحيم و في سبب نزول الاية يروون ان النبي صلى الله عليه و سلم لما غزا بني قريظة في السنة الخامسة للهجرة و حاصرهم حتى جهدهم الحصار قدف الله في قلوبهم الرعب فبعثوا الى رسول الله صلى الله عليه و سلم ليرسل اليهم صاحبه ابا لبابة بن عبد المنذر الانصاري ليستشيروه في امرهم فارسله اليهم فلما رأوه قاموا اليه الرجال و جهش اليه النساء و الصبيان يبكون في وجهه فرق لهم و سألوه :يا ابا لبابة اترى ان ننزل على حكم محمد؟ فأجاب نعم انه الذبح و اشار بيده الى حلقه فمازالت قدماه من مكانهما حتى عرف انه خان الله و رسوله و انطلق على وجهه فربط نفسه الى عمود من عمد المسجد و قال : لا ابرح مكاني هذا حتى يتوب الله علي مما صنعت و عاهد الله الا اطأ بني قريظة ابدا و لا اوى في بلد خنت الله و رسوله فيه ابدا قال ابن هشام : أقام ابو لبابة مرتبطا بالجذع ست ليال تأتيه امرأته في كل وقت صلاة فتحله للصلاة ثم يعود فرطبت بالجذع قال ابن اسحاق : فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم خبره و كان قد استبطأه قال : اما انه لو جائني لاستغفرت له فاما اذ فعل ما فعل فما انا بالذي اطلقه من مكانه حتى يتوب الله عليه ثم روى ابن اسحاق بسنده ان توبة ابي لبابة نزلت على رسول الله صلى الله عليه و سلم من السحر و هو في بيت أم سلمة فقالت و قد سمعته يضحك : قلت مما تضحك يا رسول الله أضحك الله سنك قال : تيب على ابي لبابة قلت : افلا ابشره يا رسول الله قال : بلى لن شئت فقامت على باب حجرتها و ذلك قبل ان يضرب الحجاب على امهات المؤمنين فقالت : يا ابا لبابة ابشر فقد تاب الله عليك فسار الناس ليطلقوه فابى و قال : لا و الله حتى يكون رسول الله صلى الله عليه و سلم هو الذي يطلقني بيده فلما مر رسول الله صلى الله عليه و سلم خارجا الى صلاة الصبح اطلقه
حفاظها رضي الله عنها على الدين
كانت أم سلمة رضي الله عنها حريصة كل الحرص على احكام الدين فيروى انه لما مات أبو سلمة رضي الله عنه قالت رضي الله عنها: غريب و في ارض غربة لأبكينه بكاء يتحدث عنه تقول : فكنت قد تهيأت للبكاء عليه اذ اقبلت امرأة من الصعيد تريد ان تسعدني فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه و سلم و قال : أتريدين ان تدخلي الشيطان بيتا أخرجه الله منه ؟ مرتين فكففت عن البكاء فلم أبك رواه مسلم و كانت احيانا تتشدد على نفسها في بعض الاحكام الفقهية فيرفق بها رسول الله صلى الله عليه و سلم مثل قولها : يا رسول الله اني امرأة اشد ضفر رأسي فأنفضه لغسل الجنابة ؟ قال : لا انما يكفيك ان تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفضين عليك الماء فتطهرين رواه مسلم و يروى انه اتى مساكين بيت أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها فسألوا و الحوا في السؤال و أمرهم بعض من كان في البيت بالخروج منه فنهت أم المؤمنين رضي الله عنها عن ردهم صفر اليدين و أمرت بأعطائهم و لو كان شيئا يسيرا فقالت : ما بهذا يا جارية ردي كل واحد –أو واحدة- و لو بتمرة تضعيها في يده و يروي سعيد بن حسين رضي الله عنه انه دخل عليها و هو غلام و كان في يده خاتم من ذهب فقالت : يا جارية ناوليه فناولتها اياه فقالت : اذهبي به الى اهله و اصنعي له خاتم من ورق (أي فضة) فقلت : لا حاجة لأهلي فيه قالت : فتصدقي به و اصنعي خاتما من ورق
أم سلمة رضي الله عنها راوية الحديث
رويت السيدة أم سلمة رضي الله عنها ثلاث مئة و ثمانية و سبعين حديثا و اتفق البخاري و مسلم لها على ثلاثة عشر و انفرد البخارى بثلاثة و مسلم بثلاثة عشر كما كانت السيدة أم سلمة مرجها في كثير من الاحكام الفقهية
وفاتها رضي الله عنها
توفيت رضي الله عنها في خلافة يزيد بن معاوية سنة احدى و ستين على أكثر الاقوال بعدما جاءها خبر مقتل الحسين عليه السلام فحزنت عليه أشد الحزن ثم ما لبثت ان ماتت بعده بيسير و صلى عليها أبو هريرة رضي الله عنه و دفنت بالبقيع رضي الله عنها و جمعها بحبيبها رسول الله صلى الله عليه و سلم في الجنة و سلام عليها و على ال البيت اجمعين


السيدة زينب بنت جحش أم المؤمنين رضى الله عنها
السيدة زينب بنت جحش
نسبها رضي الله عنها

هي أم المؤمنين زينب بنت جحش بن رئاب بن عمير بن صبرة بن مرة ابن كبير بن تمنم بن دودان بن أسد بن خزيمة و أمها : أميمة بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه و سلم و الزينب هو شجر حسن المظهر طيب الرائحة و كانت تكنى أم الحكم
إسلامها و هجرتها رضي الله عنها
أسلمت زينب مع أهلها و تحملوا الاذى في سبيل الله حتى اذن رسول الله صلى الله عليه و سلم لهم بالهجرة فهاجروا الى المدينة و تركوا بيتهم في مكة خاليا فأخذه أبو سفيان فذكر عبد الله بن جحش ذلك لرسول الله صلى الله عليه و سلم فقال له : الا ترضى يا عبد الله ان يعطيك الله بها دارا في الجنة خيرا منها
زواجها رضي الله عنها من زيد رضي الله عنه
كان زيد بن حارثة من أعظم و أحب الصحابة الى رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى تبناه و ادعاه و اصبح اسمه زيد بن محمد -و ذلك قبل ان تنزل الايات (ادعوهم لابائهم)- فراه رسول الله صلى الله عليه و سلم كفء لابنة عمته فخطبها رسول الله صلى الله عليه و سلم لزيد و كانت قد نزلت الايات و ما كان لمؤمن او مؤمنة اذا قضى الله و رسوله امرا ان تكون لهم الخيرة من امرهم و من يعص الله و رسوله فقد ضل ضلالا مبينا و قبلت السيدة زينب رضي الله عنها على مضض لانها كانت تراه دونها في الشرف فهو مولى و لكن الحياة بينهما لم تكن مستقرة لذلك فشكا زيد رضي الله عنه الى رسول الله صلى الله عليه و سلم و طلب ان يأذن له في فراقها و رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول له : اتق الله و امسك عليك زوجك
زواجها من رسول الله صلى الله عليه و سلم
و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم قد علم انه لابد من مفارقتها و ان الله تعالى سيزوجه صلى الله عليه و سلم اياها ليبطل التبني و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يجد في نفسه من ذلك و يستحي ان يقال عليه صلى الله عليه و سلم تزوج زوجة ابنه او قد خاف صلى الله عليه و سلم من المنافقين و اليهود ان يقولوا للمسلمين تزوج زوجة ابنه بعد نهيه عن نكاح حلائل الابناء فيفتنوا المسلمين فعتبه الله تعالى في ذلك و نزهه عن الالتفات اليهم فيما احله الله له لان الحكمه وراء هذا الزواج –و هي ابطال التبني-كانت أهم و اعمق من هذا التفكير فأنزل الله تعالى : و اذ تقول للذي أنعم الله عليه و أنعمت عليه أمسك عليك زوجك و اتق الله و تخفي في نفسك ما الله مبديه و تخشى الناس و الله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في ازواج ادعيائهم اذا قضوا منهن وطرا و كان أمر الله مفعولا فأوضحت الاية جليا حكمة هذا الزواج
و لما انقضت عدتها رضي الله عنها قال رسول الله لزيد : اذكرها اي فانطلق زيد الى زينب حتى اتاها و هي تخمر عجينها قال : فلما رأيتها عظمت في صدري حتى ما استطيع ان انظر اليها ان رسول الله صلى الله عليه و سلم ذكرها فوليتها ظهري و نكصت على عقبي فقلت : يا زينب ارسل رسول الله صلى الله عليه و سلم يذكرك قال : ما انا بصانعة شيئا حتى بصانعة شيئا حتى أوامر ربي فقامت الى مسجدها و نزل القران و جاء رسول الله صلى الله عليه و سلم فدخل عليها بغير اذن و عن ثابت عن انس رضي الله عنه قال : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم أولم علىامرأة من نسائه ما أولم على زينب فانه ذبح شاة
و كانت حقا كما قالت رضي الله عنها : انا اكرمكن وليا و اكرمكن سفيرا زوجكن اهلكن و زوجني الله من فوق سبع سماوات فكانت رضي الله عنها وليها الله تعالى و سفيرها جبريل عليه السلام
وعاشت -رضى الله عنها- مع النبي ( حياة كلها حب وإيمان، وكانت تتصف برقة القلب والعطف على المساكين. وكانت تجيد دبغ الجلود وخرزها، فتعمل وتنفق ما تكسبه على المساكين.
الحجاب
قال أنس رضي الله عنه : بني على النبي صلى الله عليه و سلم بزينب بنت جحش بخبز و لحم فأرسلت الى الطعام داعيا فيجيء قوم فيأكلون و يخرجون ثم يجيء قوم فيأكلون و يخرجون فدعوت حتى ما أجد احد ادعو فقلت : يا نبي الله ما اجد احد ادعوه قال : فارفعوا طعامكم و بقي ثلاثة رهط يتحدثون في البيت فخرج النبي صلى الله عليه و سلم فانطلق الى حجرة عائشة فقال : السلام عليكم أهل البيت و رحمة الله فقالت:و عليك السلام و رحمة الله كيف وجدت اهلك بارك الله لك ؟ فتقرى حجر نسائه كلهن يقول لهن كما قال لعائشة و يقلن له كما قالت عائشة
ثم رجع النبي صلى الله عليه و سلم فاذا ثلاثة رهط في البيت يتحدثون و كان النبي صلى الله عليه و سلم شديد الحياء فخرج منطلقا نحو حجرة عائشة فما ادري اخبرته ام اخبر ان القوم خرجوا فرجع حتى اذا وضع رجاه في اسكفة الباب داخلة و اخرى خارجة أرخى الستر بيني و بينه و انزلت اية الحجاب متفق عليه و اللفظ للبخاري
و اية الحجاب هي قوله تعالى : يا ايها الذين امنوا لا تدخلوا بيوت النبي الا ان يؤذن لكم الى طعام غير ناظرين اناه و لكن اذا دعيتم افدخلوا فاذا طعمتم فانتشروا و لا مستئنسين لحديث ان ذلكم كان يؤذي النبي فيستحي منكم و الله لا يستحي من الحق و اذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم و قلوبهن و ما كان لكم ان تؤذوا رسول الله و لا ان تنكحوا ازواجه من بعده ابدا ان ذلكم كان عند الله عظيما فكان من كرامات السيدة زينب رضي الله عنها ان اية الحجاب نزلت بسببها و في صبيحة يوم عرسها
عبادتها رضي الله عنها
كانت زينب رضي الله عنها عابدة خاشعة قوامة صوامة فانتة كثيرة التصدق لوجه الله تعالى فعن عبد الله بن شداد الليثي ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لعمر بن الخطاب : ان زينب بنت جحش أواهة
فقال رجل:يا رسول الله ما الأواه؟
قال صلى الله عليه و سلم: الخاشع المتضرع ثم تلا صلى الله عليه و سلم ان ابراهيم لحليم أواه منيب
و تقول عنها السيدة عائشة رضي الله عنها : لقد ذهبت حميدة متعبدة مفزع اليتامى و الأرامل
و تقول عنها ايضا : يرحم الله زينب بنت جحش لقد نالت في هذه الدنيا الشرف الذي لا يبلغه شرف ان الله عز و جل زوجها نبيه صلى الله عليه و سلم في الدنيا و نطق بها القران
و كانت أم سلمة تقول عنها : كانت زبنب لرسول الله صلى الله عليه و سلم معجبة و كان يستكثر منها و كانت صالحة قوامة صوامة صناعا و تتصدق بذلك كله على المساكين
و قال عنها الذهبي رضي الله عنه : كانت من سادة النساء دينا وورعا و جودا و معروفا
و في حديث عائشة رضي الله عنها ان بعض ازواج النبي صلى الله عليه و سلم قلن للنبي صلى الله عليه و سلم : أينا أسرع بك لحوقا ؟
قال : أطولكن يدا فاخذوا قصبة يذرعونها فكانت سودة أطولهن يدا فعلمنا بعد انها كانت زينب طول يدها الصدقة و كانت اسرعنا لحوقا به و كانت تحب الصدقة
و في رواية عن السيدة عائشة ايضا : قال رسول الله :اسرعكن لحاقا بي أطولكن يدا فكنا اذا اجتمعنا في بيت احدانا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه و سلم نمد ايدينا في الجدار نتطاول فلم نزل نفعل ذلك حتى توفيت زينب بنت جحش و لم تكن بأطولنا فعرفنا حينئذ ان النبي صلى الله عليه وسلم انما اراد طول اليد بالصدقة و كانت زينب امرأة صناع اليدين تدبغ و تخرز و تتصدق في سبيل الله
و في الصحيح ان عمر بن الخطاب أمير المؤمنين ارسل اليها عطاءها اثني عشر الفا فجعلت تقول : اللهم لا يدركني هذا المال في قابل فانه فتنة -أي تدعو الا يبلغها عطاء من امير المؤمنين بعد عامها هذا و استجاب لها رب العالمين فما ادركها عطاء ثانية و اسرعت باللحاق برسول الله صلى الله عليه و سلم- ثم قسمت المال كله في اهل رحمها و اهل الحاجة فبلغ عمر ذلك فوقف ببابها و أرسل اليها بالسلام و قال : بلغني ما فرقت فأرسل ألف درهم تستبقينها و أرسل الألف فتصدقت بها جميعا و لم تبق منها درهما
و حين حضرتها الوفاة قالت : اني قد أعددت كفني و ان عمر أمير المؤمنين سيبعث الي بكفن فتصدقوا بأحدهما و ان استطعتم ان تتصدقوا بحوقي -ازاري- فافعلوا
و قد ذكر ابن سعد في طبقاته و قال : ماتركت زيب بنت جحش رضي الله عنها درهما و لا دينارا كان تتصدق بكل ما قدرت عليه و كانت مأوى للمساكين
وفاتها رضي الله عنها
توفيت رضي الله عنها سنة عشرين من الهجرة في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه و شيعها اهل المدينة الى البقيع و صلى عليها عمر بن الخطاب رضي الله عنه
و عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال : رأيت عمر بن الخطاب سنة عشرين في يوم صائف و رأيت ثوبا مد على قبرها و عمر جالس على شفير القبر معه ابو أحمد ذاهب البصر و عمر بن الخطاب قائم على رجليه و الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم قيام على أرجلهم.
وكان الرسول يقول لزوجاته : "أسرعكُنَّ لحاقًا بى أطولكُنَّ يدًا (وكان يقصد بطول اليد: الصدقة) " [البخاري]. وكانت السيدة زينب -رضى الله عنها- أول من ماتت من أمهات المؤمنين بعد الرسول صلى الله عليه وسلم
السيدة زينب رضي الله عنها راوية الحديث
يقول الذهبي رضي الله عنه : و لزينب أحد عشر حديثا اتفقا لها على حديثين و حديثها في الكتب الستة
جزى الله و عن المسلمين جميعا كل الخير.

السيدة جويرية بنت الحارث أم المؤمنين رضى الله عنها
عاتقة المائة
(جويرية بنت الحارث)

اختارتْ جوار اللَّه ورسوله، وفضلتْ الإسلام على اليهودية، فيروى أنه لما جاء أبوها الحارث بن أبى ضرار -سيد يهود "بنى المصطلق" وزعيمهم- إلى النبي يقول: إن ابنتى لا يُسبَى مثلها، فأنا أَكْرَم من ذلك. قال له النبي (: " أرأيت إن خيَّرْناها؟ " فأتاها أبوها فقال: إن هذا الرجل قد خيرك، فلا تفضحينا. فقالت: فإنى قد اخترتُ اللَّه ورسوله. قال: " قد واللَّه فضحتِنا " [ابن سعد]. ثم أقبل أبوها في اليوم التالى ومعه فداؤها فلما كان بالعقيق (وادٍ قرب المدينة) نظر إلى الإبل التي جاء بها للفداء، فرغب في بعيرين منها طمعًا فيهما، فغيبهما في شِعْب من شعاب العقيق، ثم أتى النبي ( يقول: يا محمد، أصبتم ابنتى وهذا فداؤها).
فقال رسول اللَّه (: "فأين البعيران اللذان غَـيَّـبْتَ (خَبَّأْتَ) بالعقيق في شِعْبِ كذا وكذا؟".
قال الحارث: أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأشهد أن محمدًا رسول اللَّه، فواللَّه ما أطلعكَ على ذلك إلا اللَّه. فأسلم، وأسلم ابنان له، وكثير من قومه، وأرسل بمن جاء بالبعيرين، ودفع بالإبل جميعًا إلى النبي (. فكانت -رضى الله عنها- سببًا في إسلام أهلها، ونالت بذلك ثواب هدايتهم، إنها أم المؤمنين السيدة جويرية بنت الحارث ابن أبى ضرار.
تقول جويرية -رضى الله عنها-: قال لى أبى وهو يبرر هزيمته أمام جيش رسول الله (: "أتانا ما لا قبل لنا به". فلما أسلمتُ وتزوجنى رسول الله (، ورجعنا إلى المدينة جعلت أنظر إلى المسلمين، فرأيتهم ليسوا كما سمعتُ.فعلمتُ أنه رعب من اللَّه يلقيه في قلوب المشركين.
اشتُهِرتْ جويرية بكثرة عبادتها وقنوتها للَّه، فقد خرج النبي ( من عندها بكرة حين صلى الصبح وهى في مسجدها، ثم رجع بعد أن أضحى وهى جالسة، فقال: "مازلت على الحال التي فارقتك عليها؟" قالت: نعم. قال النبي ( لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات، لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن: سبحان الله وبحمده، عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته" [مسلم]. فكانت -رضى الله عنها- كثيرًا تردُّدها.
وقد كانت جويرية قبل أن تتزوج النبي ( متزوجة من رجل مشرك، هو ابن عمها مسامح بن صفوان، وقد قُتل في غزوة بنى المصطلق في السنة السادسة للهجرة، حين خرج النبي ( لقتال يهود بنى المصطلق لما بلغه استعدادهم لقتال المسلمين بقيادة زعيمهم الحارث بن أبى ضرار، فقاتلهم، فنصر اللَّه رسوله وهزم الكفار وأُخِذت نساؤهم سبايا، ومنهن: جويرية (وكان اسمها قبل أن يتزوجها النبي "بَرّة" فغيره النبي إلى "جويرية"؛ لأنه كره أن يقال: خرج النبي من عند برة). تقول عائشة -رضى اللَّه عنها-: إنه لما أصاب رسول اللَّه ( نساء بنى المصطلق، فوقعت جويرية في سهم ثابت بن قيس، الذي عرض عليها أمر افتدائها بمقدار تسع أواق من الذهب، وهو واثق من أنها قادرة على دفعها له؛ لأنها بنت سيد بنى المصطلق ومن أغنياء اليهود. فكاتبتْه بهذا المبلغ؛ حتى يطلق سراحها، ولكنه أبَى إلا أن يتسلم أولا الفداء.
ولما كانت جويرية سبية ليس معها ما تفدى به نفسها -توجهت إلى رسول اللَّه (، وهو يومئذٍ عندى تسأله في كتابتها، ولما أذن لها الرسول بالدخول - قالت: يا رسول اللَّه، أنا برة بنت الحارث - سيّد قومه - وقد أصابنى من الأمر ما قد علمتَ، فأعِنِّى في كتابتي. فقال لها : "أولكِ خير من ذلك؟" فقالت: ماهو؟ فقال: "أؤدى عنك كتابك وأتزوجك" قالت: نعم يا رسول اللَّه. فقال: "قد فعلتُ". فخرج الخبر إلى الناس. فقالوا: أأصهار رسول الَّله يُسترقُّون؟ فأعتقوا ما كان في أيديهم من نساء بنى المصطلق، فبلغ عِتْقُهم مائةَ أهل بيت بزواجه إياها، فلا أعلم امرأة أعظم بركة على أهلها منها [ابن إسحاق]. وكانت السيدة جويرية -رضى الله عنها- في العشرين من عمرها حين تزوجها النبي .
وعاشت جويرية في بيت النبي ، وامتّد عمرها حتى عهد معاوية بن أبى سفيان -رضى الله عنه-.
وتوفيت -رضى الله عنها- عام 56 للهجرة، وصلَّى عليها مَرْوان بن الحكم- أمير المدينة، وقد بلغت سبعين سنة، وقيل توفيت سنة 50 للهجرة وعمرها 65 سنة.
وقد روت -رضى الله عنها- بعضًا من أحاديث النبي.


السيدة صفية بنت حيي أم المؤمنين رضى الله عنها
سليلة الأنبياء
(صفية بنت حيي)
نسبها رضي الله عنها

هي أم المؤمنين صفية بنت حيي بن أخطب بن سعية بن ثعلبة بن عبيد بن كعب بن الخزرج بن ابي الحبيب بن النضير بن النحام بن ناخوم من سبط لاوي بن يعقوب عليه السلام ثم من ذرية هارون بن عمران عليه السلام أخي موسى كليم الله عليه السلام أمها : برة بنت شموال أخت رفاعة بن شموال القرظي
و على الرغم من انها لم تكن قد تجاوزت السابعة عشرة الا انها كانت رضي الله عنها قد تزوجت سلام بن مشكم القرظي ثم خلف عليها كنانة بن الربيع بن ابي الحقيق النضري و هما شاعران و قد قتل كنانة يوم خيبر
زواجها من رسول الله صلى الله عليه و سلم
لما من الله تعالى على المسلمين بفتح خيبر جاء دحية الكلبي رضي الله عنه الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : يا رسول الله اعطني جارية
فقال : اذهب فخذ جارية فأخذ صفية رضي الله عنها
فقال رجل : يا رسول الله أعطيت دحية صفية و هي سيدة بني قريظة و النضير لا تصلح الا لك
فقال : ادعه بها فجاء بها
فقال : خذ جارية غيرها فأعتقها رسول الله صلى الله عليه و سلم و تزوجها
و عن أم أنس بن مالك قال جابر بن عبد الله : جئ يوم خيبر بصفية للنبي صلى الله عليه و سلم فقال لبلال خذ بيد صفية فأخذ بيدها و مر بها بين المقتولين في ساحة القتال التي امتلأت بالقتلى فوجد صلى الله عليه و سلم ان السيدة صفية رضي الله عنها قد بدا عليها الحزن الصامت و الجزع المكبوت و هي تحاول ان تتماسك فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أنزعت يا بلال منك الرحمة حين تمر بامرأتين على قتلى رجالهما ؟ ثم أمر بصفية فحيزت خلفه فكان ذلك اعلاما بأنه صلى الله عليه و سلم قد اصطفاها لنفسه و قد خيرها رسول الله صلى الله عليه و سلم بين ان يعتقها فترجع الى من بقى من اهلها و بين ان تسلم و يتزوجها فاختارت الله و رسوله
و في حديث عن أنس رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه و سلم لما أخذ السيدة صفية بنت حيي قال لها : هل لك في ؟
قالت : يا رسول الله قد كنت أتمنى ذلك في الشرك فكيف اذا أمكنني الله منه في الاسلام ؟
فأعتقها رسول الله صلى الله عليه و سلم و تزوجها و دفعها الى أم سليم تهيئها و تعتد عندها و اقام رسول الله صلى الله عليه و سلم لها وليمة فقال : من كان عنده شئ فليجئ به فكانت وليمة رسول الله صلى الله عليه و سلم
رؤيا و بشارة
كانت السيدة صفية قد رأت رؤيا في منامها ان قمرا وقع في حجرها فذكرت ذلك لابيها فضرب وجهها ضربة أثرت فيه و قال : انك لتمدين عنقك الى ان تكوني عند ملك العرب و مازال الاثر في وجهها حتى أتى بها الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فسألها عنه فأخبرته الخبر
صفية رضي الله عنها في بيت النبوة
كانت ازواج الرسول صلى الله عليه و سلم قد تفاخرن على السيدة صفية بأنهن قرشيات عربيات و هي الاجنبية الدخيلة و بلغها كلام عن السيدة حفصة و السيدة عائشة رضي الله عنهما فحزنت و تألمت وحدثت رسول الله صلى الله عليه و سلم و هي تبكي فقال لها: الا قلت : و كيف تكونان خيرا مني و زوجي محمد و أبي هارون و عمي موسى ؟
و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يشعر بغربتها رضي الله عنها فكان يدافع عنها كلما اتيحت له الفرصة و قيل انه صلى الله عليه و سلم كان في سفر و معه صفية و زينب بنت جحش رضي الله عنهما فاعتل بعير صفية رضي الله عنها فبكت فجاءها رسول الله صلى الله عليه و سلم و أخذ يمسح دموعها بيده الشريفة و كان في ابل السيدة زينب رضي الله عنها فضل فقال لها رسول الله صلى الله عليه و سلم : ان بعير صفية أعتل فلو أعطيتها بعيرا ؟ فأبت السيدة زينب فغضب رسول الله صلى الله عليه و سلم و هجر السيدة زينب رضي الله عنها شهرين أو ثلاثة ثم سامحها فها هو سيد الخلق أجمعين يهجر المهاجرة زوجته التي زوجها اياه رب العالمين و ابنة عمته غضبا للسيدة صفية رضي الله عنها
و كانت رضي الله عنها تحب رسول الله صلى الله عليه و سلم حبا عظيما و روي ان رسول الله صلى الله عليه و سلم في مرض موته قالت له السيدة صفية : و الله يا نبي الله لوددت ان الذي بك بي فغمزها ازواجه فأبصرهن فقال صلى الله عليه و سلم : مضمضن قلن : من تغامزكن بها والله انها لصادقة
حلمها رضي الله عنها
كانت رضي الله عنها وقورة حليمة و روي ان جارية قالت لأمير المؤمنين عمر رضي الله عنه : ان صفية تحب السبت و تصل اليهود فبعث عمر يسألها فقالت : أما السبت فلم أحبه منذ أبدلني الله به الجمعة و اما اليهود فان لي فيهم رحما فأنا أصلها ثم قالت للجارية : ما حملك على ما صنعت ؟
قالت : الشيطان
قالت : فاذهبي فأنت حرة
موقف لا ينسى
لما ابتلى الله تعالى عبده ذا النورين عثمان رضي الله عنه بالحصار كانت السيدة صفية رضي الله عنها من الذين دافعوا عنه فروي عن كنانة -مولى صفية رضي الله عنها- قال : قدمت صفية رضي الله عنها في حجابها على بغلة لترد عن عثمان فلقينا الاشتر فرب وجه البغلة و هو لا يعرف راكبتها فقالت لي صفية رضي الله عنها : ردني لا تفضحني ثم وضعت أم المؤمنين عليها السلام خشبا من منزلها الى منزل عثمان رضي الله عنه تستخدمه معبرا تنقل عليه الماء و الطعام
أمرها رضي الله عنها بالمعروف و نهيها عن المنكر
روى الامام أحمد بسنده عن صهيرة بنت جعفر قالت : حججنا ثم انصرفنا الى المدينة فدخلنا على صفية بنت حيي رضي الله عنها فواقفنا عندها نسوة من أهل الكوفة فقلن لها : ان شئتن سألتن و سمعنا و ان شئتن سألنا و سمعتن
فقلنا : سلن
فسألن عن اشياء من أمر المرأة و زوجها و من أمر المحيض ثم سألن عن نبيذ الجر فقالت : أكثرتم يا أهل العراق من نبيذ الجر و ما على احداكن ان تطبخ تمرها ثم تدلكه ثم تصفيه فتجعله في سقائها توكئ عليه فاذا طاب شربت و سقت زوجها و في رواية اخرى فقالت رضي الله عنها: حرم رسول الله صلى الله عليه و سلم نبيذ الجر
صفية رضي الله عنها راوية حديث
من الذين رووا عن السيدة صفية ابن اخيها و مولاها كنانة و مولاها يزيد بن متعب و الامام زين العابدين علي بن الحسين و مسلم بن صفوان و حديثها عن رسول الله صلى الله عليه و سلم مخرج في الكتب الستة
وفاتها رضي الله عنها
توفيت رضي الله عنها سنة خمسين من الهجرة في زمن معاوية رضي الله عنه و دفنت رضي الله عنها بالبقيع مع أمهات المؤمنين الحقها بحبيبها صلى الله عليه و سلم رحمها الله تعالى و الحقنا برسول الله صلى الله عليه و سلم و بها و بأمهات المؤمنين جميعا ان شاء الله


السيدة أم حبيبة بنت ابي سفيان أم المؤمنين رضي الله عنها
نسبها رضي الله عنها

هي أم المؤمنين رملة ابنة أبو سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف و هو جد الرسول صلى الله عليه و سلم و ليس في أمهات المؤمنين من هي أقرب الى رسول الله صلى الله عليه و سلم نسبا منها
و امها هي صفية بنت ابي العاص بن أمية بن عبد شمس و هي من بنات عم الرسول صلى الله عليه و سلم و أخوها هو أمير المؤمنين معاوية بن ابي سفيان رضي الله عنه
كانت رضي الله عنها زوجة لابن عمة رسول الله صلى الله عليه و سلم عبيد الله بن جحش الاسدي اخي أم المؤمنين السيدة زينب بنت جحش زوجة رسول الله صلى الله عليه و سلم و كان زوجها عبيد الله رضي الله عنه قد أسلم فأسلمت معه و أبوها أبو سفيان على الكفر و خشيت رضي الله عنها اذى ابيها فهاجرت مع زوجها الى الحبشة –بلد النجاشي رضي الله عنه- و كانت مثقلة بحملها و في الحبشة وضعت بنتها حبيبة التي كنيت بها بعد ذلك
غربة و وحدة
كانت رضي الله عنها تحاول ان تجد في زوجها عوضا عما فارقته من الاهل و العشيرة و لكنها قامت ذات ليلة من نومها مذعورة و قد روعها حلم مرعب فقد رأت زوجها عبيد الله في أسوأ صورة و لما أصبحت اخبرها انه قد ارتد عن دينه و دخل النصرانية دين الاحباش فعاشت رضي الله عنها في غم و حزن وحيدة في بلد غريبة حتى اعتزلت الناس شاعرة بالخزي لفعلة زوجها
زواجها برسول الله صلى الله عليه و سلم
و مرت فترة من الزمن و هي في عزلتها وحيدة الى ان جاءتها في أحد الايام جارية من جواري النجاشي رضي الله عنه تدعى ابرهة فبشرتها بخطبة رسول الله صلى الله عليه و سلم لها فأعطتها أم حبيبة سوارين من فضة و خدمتين -خلخالين- و خواتم من فضة لبشارتها اياها بذلك و كان وكيلها في الزواج خالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس و قد اصدقها رسول الله صلى الله عليه و سلم اربعمائة دينار و قيل اربعة الاف فكانت اكثر نساء رسول الله صلى الله عليه و سلم مهرا و كانت الوحيدة من بين نسائه صلى الله عليه و سلم التي تزوجها و هي غائبة و قد أولم لها النجاشي وليمة زواج عظيمة قائلا : اجلسوا فأن سنة الانبياء اذا تزوجوا ان يؤكل طعام على التزويج و أولم عليها عثمان بن عفان رضي الله عنه لحما و ثريدا
و كان النجاشي قد أمر نساءه ان يهدينها فأخذن يتبارين في اهدائها العطر و غيره كرامة لرسول الله صلى الله عليه و سلم و اصبحت فجاءتها جارية النجاشي تحمل هدايا نساء الملك من عود و عنبر و طيب فقدمت اليها أم المؤمنين خمسين دينارا من صداقها قائلة : كنت أعطيك السوارين بالأمس و ليس بيدي شئ من المال و قد جاءني الله عز و جل بهذا فأبت الجارية ان تمس الدنانير و ردت السوارين و قالت ان الملك قد أجزل لها العطاء و أمرها الا تأخذ من أم المؤمنين شيئا
و عندما بلغ أبوها خبر الزواج المبارك و كان لا يزال على الكفر قال : ذلك الفحل لا يقدع انفه أي انه كفء كريم لا يرفض نسبه
فلما انتصر المسلمون في غزوة خيبر عادوا الى المدينة ليجدوا مهاجري الحبشة و قد جاءوا في صحبة عمرو بن أمية الضمري الذي بعثه النبي صلى الله عليه و سلم الى النجاشي ليعود بمن بقى في بلاده من المهاجرين الاولين
فلما لمح رسول الله صلى الله عليه و سلم اصحابه قد عادوا وثب صلى الله عليه و سلم من فوق راحلته و التزم ابن عمه جعفر بن ابي طالب معانقا و قبل عينيه و هو يقول في غبطة : ما أدري بأيهما انا أسر : بفتح خيبر أم بقدوم جعفر و كان من بين العائدات أم حبيبة رضي الله عنها و قد مضى على زواجه بها بضع سنين مذ كانت مهجرها بالحبشة فاحتفلت المدينة بدخول بنت ابي سفيان بيت النبي صلى الله عليه و سلم و أولم عثمان بن عفان رضي الله عنه وليمة حافلة و كانت السيدة أم حبيبة تدنو من عامها الاربعين
أم حبيبة رضي الله عنها في بيت النبوة
و عاشت أم المؤمنين أم حبيبة رضي الله عنها في بيت النبوة كريمة مطمئنة و ان كانت تشعر في اعماقها حزنا قاسيا لان اباها لا يزال على الوثنية الضالة و كانت رضي الله عنها حريصة على كل ما يخص رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى أمام أقرب الناس اليها فيروى انه عندما نقضت قريش صلح الحديبية علمت ان رسول الله صلى الله عليه و سلم لن يسكت على ظلم فارسلوا ابي سفيان يفاوض رسول الله صلى الله عليه و سلم في تجديد الهدنة خوفا من ان يغزو رسول الله صلى الله عليه و سلم مكة فدخل ابو سفيان على لبنته أم حبيبة عندما اتى المدينة ليفاوض رسول الله صلى الله عليه و سلم فأراد ان يجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه و سلم فطوته عنه
فقال : يا بنية أرغبت بهذا الفراش عني أم بي عنه ؟
فقالت رضي الله عنها: بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه و سلم و انت امرؤ مشرك فلم أحب ان تجلس عليه
فقال : يا بنية لقد اصابك بعدي شر
استجابة الله تعالى دعائها رضي الله عنها
أتت أم حبيبة رضي الله عنها عثمان بن عفان عندما حوصر فجاء رجل فأطلع في خدرها فجعل ينعتها للناس فقالت رضي الله عنها : ما له قطع الله يده و ابدى عورته ؟ فدخل على هذا الرجل الفاسق داخل فضربه بالسيف فألقى بيمينه فقطع فانطلق هاربا اخذا ازاره بفيه بادية عورته فاستجاب بذلك الله تعالى لدعوتها رضي الله عنها
حرصها على سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم
في حديث رواه البخاري تروي زينب بنت ابي سلمة و تقول : دخلت على أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه و سلم حين توفي ابوها أبو سفيان رضي الله عنه فدعت ام حبيبة بطيب فيه سفره خلوف او غيره فدهنت منه جاريه ثم مست بعارضيها ثم قالت : و الله ما لي في الطيب من حاجة غير اني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول :لا يحل لامرأة تؤمن بالله و اليوم الاخر ان تحد على ميت فوق ثلاث ليال الا على زوج أربة أشهر و عشرا فمست رضي الله عنها الطيب –و لا حاجة لها فيه- حتى لا تكون راغبة عن سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم
عبادتها رضي الله عنها
كانت رضي الله عنها عابدة لله تعالى كثيرة الصلاة فعنها رضي الله عنه قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : من صلى اثني عشرة ركعة في يوم و ليلة بني له بيت في الجنة
قالت أم حبيبة : فما ترتكتهن منذ سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه و سلم
رواية الحديث
روت أم حبيبة رضي الله عنها خمسة و ستين حديثا
وفاتها رضي الله عنها
عن عائشة رضي الله عنها قالت : دعتني أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه و سلم عند موتها فقالت : قد كان بيننا ما يكون بين الضرائر فغفر الله ذلك كله و تجاوزه و حللتك من ذلك كله
فقالت السيدة عائشة رضي الله عنها :سررتني سرك الله و ارسلت الى أم سلمة فقالت لها مثل ذلك
و توفيت رحمها الله سنة اربعة و اربعين في خلافة أخيها معاوية بن ابي سفيان و دفنت بالبقيع فجزاها الله تعالى عنا جميعا كل الخير و اكرمنا بلقياها في الجنة ان شاء الله