مقدمة


الحمد لله الواحد الأحد، الذي خلق العباد، وأخذ منهم العهد، بأن يفردوه بالقصد، وركَّب فيهم أدوات تساعدهم على العبد، فأفلح من استعملها في طاعة الودود، وخاب من استعملها في طاعة اللدود.
وأصلي واسلم على نبي الهدى وصحبه ومن عبد.


أما بعد:


فهذا بحث موجز لطيف، خالٍ من حشو الكلام، يفهمه القاصي والداني، والكبير والصغير، جمعته ورتبته وعلقت عليه من كتب أئمة أعلام، وسميته «صوت الشيطان» وموضوعه الغناء الذي أفتتن به الناس، وصار ديدان البعض، حتى أيقنوا أنه غير محظور، وذلك لما ألفوه من وجوده بينهم وحولهم، ولما رأوا الأكابر سنًا منغمسين فيه، ويباركون ويآزرون من سلك طريقه، ولما رأوا أن المصلحين أعرضوا عنه ولم ينكروا إلا إنكارًا بسيطًا، فظنوا أن الأمر لا يعدوا كونه إلا لممًا، مع أنه من العظائم.


فخشية من أن يهرم عليه الكبير، وينشأ عليه الصغير الذي يرى أنداده الذين لم يبلغوا الحلم، قد برعوا في العزف على شتى أنواع الآلات، فيسلك طريقهم، ويظهر جيل يقدسون المعصية، ويرونها مما لا بأس فيها، ويصدق عليهم قول المصطفة صلى الله عليه وسلم: «... كالكوز مجخيًا لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا إلا ما اشرب من هواه» [مسلم، 2/172].




المبحث الأول


تمهيد:


سلفنا الصالح رحمهم الله تعالى تطرقوا لمعظم العلوم الموجودة في عصرنا، وبينوا وبرعوا فيها، فما وافق الشرع سهَّلوا للناس فهمه، وما خالف الشرع حذروا الناس منه، ومن ذلك الغناء، الذي افتتن به الناس، وفي هذا المبحث أتناول الموضوعات المتصلة بالغناء «معناه، أسماؤه، أنواعه، آلاته، خصائصه، بيع آلاته، بيع أشرطته».


(أ) معنى الغناء:


الغناء يطلق على رفع الصوت، وعلى الترنم الذي تسميه العرب النصب ([1]) ويسمى الرجل مغنيًا إذا نشد بتمطيط وتكسير وتهييج وتشويق، بما فيه تعريض بالفواحش.
وقيل: كل من رفع صوته بشيء ووالى به مرة بعد مرة ([2]).


(ب) أسماء الغناء:


ذكر العلامة ابن قيم الجوزية، أن للغناء بضعة عشر اسمًا في الشرع وهي ([3]):
اللهو – اللغو – الباطل – الزور – السمود – المكاء – التصدية – رقية الزنا – قرآن الشيطان – صوت الشيطان – مَزمُور الشيطان – مُنبت النفاق – الصوت الأحمق – والصوت الفاجر.


ثم أورد لكل اسم من الأسماء الآنفة الذكر، دليلاً من كتاب الله، أو من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أو من أقوال الصحابة رضوان الله عليهم .. وقال:



أسماؤه دلَّت على أوصافه

تَبًّا لذي الأسماء والأوصاف



وبعض من الناس في هذا الزمان، يسمونه: السَّمَرُ ([4]) والطَّرَبُ والفنُّ، وقد توجد أسماء غير ما ذكرت.


(جـ) أنواع الغناء:


الغناء جنس، يُطلق ويُراد به الآتي:


1- غناء العمل:


وهي الأناشيد والأهازيج التي تقال أثناء العمل، وذلك دفعًا للملل، وتنشيطًا للعمل، وبعثًا للهمم.
وهذه مباحة إذا خلت من وصف الجمال، وذكر الفسوق والفجور. روى الإمام البخاري في صحيحه ([5]) عن البراء رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم الخندق وهو ينقل التراب حتى وارى التراب شعر صدره – وكان رجلاً كثير الشعر – وهو يرتجز برجز عبد الله:



اللهم لولا أنت ما اهتدينا



ولا تصدقنا ولا صلينا


فأنزلن سكينة علينا



وثِّبت الأقدام إن لاقينا


إن الأعداء قد بغوا علينا



إذا أرادوا فتنة أبينا



وفي رواية أخرى ([6]) عن سهل بن سعد t قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، في الخندق وهم يحفرون ونحن ننقل التراب على أكتادنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:



اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة



فاغفر للمهاجرين والأنصار



ويدخل تحت هذا غناء الحجيج في الطرقات، عندما يقدمون للحج، فينشدون الأشعار التي يصفون من خلالها الكعبة والمقام وزمزم ([7]).


وهذا الغناء لا يُوجب الطرب، ولا يخرج عن المألوف، وفي معنى هذا الغناء، غناء العرس، وغناء العيد ([8])، والأشعار التي تقال للتحريض على الجهاد، وقتال الكفار، وغناء المرأة لتسكين الولد في المهد ([9]).


2- أشعار الزهديات:


وهي الأشعار التي تقرِّب إلى ذكر الآخرة كقول بعضهم ([10]):



يا غاديًا في غفلة ورائحًا



إلى متى تستحسن القبائحا


وكم إلى كم لا تخاف موقفًا



يستنطق الله به الجوارحا


يا عجبًا منك وأنت مبصرٌ



كيف تجنبت الطريق الواضحا



وهذا مباح أيضًا.


3- أشعار النياحة:
وهي الأشعار التي تقال عند المصيبة «مصيبة الموت»، يثيرون بها الأحزان والبُكاء ([11])، وهذا النوع محرم، لورود النهي عنه ([12]).


4- أشعار الغناء:


وهي أشعار ينشدها المغنون والمغنيات، يصفون فيها الخد والقد([13])، والضم والرشف([14])، والتهتك والكشف، والحب والهوى، والقبلة واللقاء... الخ.
وهذا النوع محرم، وهو المساند في هذا الزمان، والله المستعان.


(د) آلات الغناء:


تنقسم آلات الغناء إلى قسمين:
«قسم محرم ([15])، وقسم مباح ([16])».


1- القسم المحرم:


«الزمر – النَّاي – السِّرنا – الطُنبور – المعْزَفة – الرَّباب – الجرافة – الجنك – الكوبة».
وهذه آلات غناء قديمة، وبعض منها ما زال يستعمل إلى الآن. أما آلات الغناء الحديثة، فهي كثيرة ومتنوعة، أذكر بعضًا منها على سبيل المثال:
العود – الطَّبل – الزِّبر – القانون – الكمنجة – البيانو – القيثارة – النَّاي – الصُّنجان – القربة... الخ.


2- القسم المباح:


«الدف».
وإباحته ليست على إطلاقها، بل هي مقيدة بالآتي:
أ- أن يكون في النكاح ([17]).
ب- أن يكون للنساء فقط دون الرجال ([18]).
جـ- أن يكون خاليًا من الأمور الشركية والبدعية ([19]).


(هـ) خصائص الغناء:


1- يزين المحرمات.
2- يأمر بالفسق والفجور.
3- يهيج النفس إلى فعل الشهوات.
4- يفقد الإنسان المروءة والعدالة.
5- يلهي القلب ويصده عن ذكر الله جل وعلا.
6- يطمس على القلب فلا يقر معروفًا ولا ينكر منكرًا.
7- يقوي الأحوال الشيطانية، قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
ومن أعظم ما يقوي الأحوال الشيطانية؛ سماع الغناء والملاهي وهو سماع المشركين، قال تعالى: }وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً{([20]) [سورة الأنفال، الآية: 35].



«موعظة»:


يا قليل الزاد والطريق بعيد، يا مقبلاً على ما يضر تاركًا ما يقيد، أتراك يخفى عليك الأمر الرشيد، إلى متى تضيع الزمن وهو يحصى برقيب وعتيد ([21]):

مضى أمسك الماضي شهيدًا معدلاً



وأعقبه يوم عليك شهيد


فإن كنت بالأمس اقترفت إساءة



فبادر بإحسان وأنت حميد


ولا تُبق فضل الصالحات إلى غد



فرب غد يأتي وأنت فقيد


إذا ما المنايا أخطأتك وصادفت



حميمك فاعلم أنها ستعود



(و) بيع آلات الغناء:


قاريء البصير: إن المسلم الحق، الذي علم أن هناك يومًا سيعود فيه إلى الله جل وعلا وأن هناك يومًا سيحاسب فيه ليتحرى مواطن الرزق الحلال، ويتجنب مصادر الرزق الحرام: وذلك ليستقيم حاله، وتطيب نفسه، وقبل هذا وذاك ليرضي ربه.


روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس: إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين: فقال: }يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ {، وقال: } عَلِيمٌ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ...{ثم ذكر الرجل يُطيل السفر، أشعث أغبر يمدُّ يديه إلى السماء:يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك»([22]).


وصاحب الفطرة السليمة، والقلب الخالي من الشك والريبة، لا يداخله أدنى شك، في أن بيع آلات الغناء حرام، ورزقها حرام، وهناك نصوص كثيرة من كلام رب العباد، ومن كلام نبيه صلى الله عليه وسلم، تدل على هذا من ذلك:


1- قال تعالى: }... وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ...{ [سورة المائدة، الآية: 2].


أقف وأسأل سؤالاً: هل بيع هذه الآلات من قبيل التعاون على البر والتقوى الذي أمر الله جل وعلا به؟!
إن الإجابة قطعًا ستكون بالنفي، وذلك لأن هذه الآلات هي أبواق الشيطان، التي عن طريقها يحضر ويتصدر مجالس القوم، فيضلهم ويحبب إليهم المعصية «الغناء»، ويجرهم إلى معاص أخرى كشرب الدخان، والنظر إلى ما حرم الله.


وإن أول شاهد على هذا، هو حال بعض من الناس الذين يقيمون الأفراح والمناسبات، ويحضرون المغنيين والمغنيات، الذين يطربون الناس إلى ساعة متأخرة من الليل، ثم يقومون من ذلك المجلس، وهم كُسالى مخدرين فينامون عن صلاة الفجر، ولا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس، يقومون بعد الظهيرة، فيصلون الفروض الثلاثة في وقت صلاة العصر، والله أعلم بحال تلك الصلوات التي خرج وقتها!


أخي: إن بيع هذه الآلات فيه معونة على الإثم والصدِّ عن ذكر الله، وفيها تقوية للباطل وأهله، وإن الشيء الذي يقود إلى هذه الأمور، أو يخلفها، فثمنه حرام، وهذا المال «سحت» لا ينبغي أكله و «كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به»([23]).


2- قال تعالى: }... وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ...{ [سورة البقرة، الآية: 188]. هذه الآية الكريمة وإن وردت في سبب خاص، فإن معناها عام، فلا يحل لأي كائن كان، أن يأكل مال أخيه المسلم بغير حق، فيدخل تحت هذا بيع آلات اللهو، لأنه أكل مال بالباطل، حتى ولو طابت به نفس مالكه.


3- قال صلى الله عليه وسلم: «ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف...»([24]) هذا الحديث علم من أعلام نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فقد وقع ما ذكر، فبيعت المعازف واستمع إليها.


وجه الدلالة من الحديث؛ أنه صلى الله عليه وسلم قال: «يستحلون» فدل هذا على أن المعازف محرمة، وما كان حرامًا فثمنه حرام، وأيضًا لما قرن استحلالها باستحلال الزنا والخمر، اللذان هما من أكبر الكبائر!

([1])فتح الباري بشرح صحيح البخاري 2/442.

([2])جامع الأصول في أحاديث الرسول 8/455.

([3])انظر كتاب «إغاثة اللهفان» 1/237.

([4])السَّمرُ والمسامرة «الحديث بالليل». اهـ. مختار الصحاح 312.

([5])فتح الباري بشرح صحيح البخاري «3034» وانظر: صحيح مسلم بشرح النووي 12/171.

([6])المصدران السابقان «4098»، 12/172.

([7])انظر: المنتقى النفيس... ص290، وفتح الباري 10/538.

([8])وقد أفردت له مبحثًا بعنوان: الغناء المرخص فيه.

([9])فتح الباري 10/538.

([10])المنتقى النفيس... ص293.

([11])المنتقى النفيس ص294.

([12])روى الإمام البخاري في صحيحه عن عمر بن الخطاب t عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الميت يعذب في قبره بما نيح عليه» الفتح «1292»، انظر: شرح النووي 6/229 صحيح الترمذي (800) صحيح ابن ماجه (1294) صحيح النسائي (1749)، وعند عبد الله بن مسعود t قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية» الفتح «1294» وانظر شرح النووي 2/109، صحيح الترمذي (797)، صحيح ابن ماجه (1288)، صحيح النسائي (1754).

([13])القدُّ/ القامة والتقطيع. اهـ مختار الصحاح ص523.

([14])الرَّشف: المصُّ. اهـ مختار الصحاح ص244.

([15])وهو غالب ما يستعمل الآن!

([16])وإباحته في حدود، ولا ينبغي تجاوزها.

([17])لقوله صلى الله عليه وسلم: «فصل ما بين الحرام والحرام الدُّف والصوت في النكاح» حديث حسن رواه الأئمة صحيح الترمذي (869)، صحيح ابن ماجه (1538)، صحيح النسائي (3154).

([18])وهذا الذي صرحت به الأحاديث، ولم يذكر أن الرجال كانوا يفعلونه.

([19])وذلك أن نبينا صلى الله عليه وسلم أنكر على بعض الجواري قولهن: «وفينا نبي يعلم ما في غد»، فقال لها: «دعي هذه: وقولي بالذي كنت تقولين» الفتح (5147)، د. (4114)، ت: (870) وفي رواية: «لا يعلم ما في غد إلا الله» صحيح ابن ماجه (1539) قلت: إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أنكر هذا الكلام في ذلك القرن الأول، المشهود له بالخيرية، فما بال الكلام الذي يُقال في الأفراح وفي أجهزة الإعلام وتلوكه الألسنة صباحًا ومساءً، ويجاهر به بأعلى الأصوات، وتصاحبه الآلات المحرمة!!

([20])مجموع فتاوى شيخ الإسلام 11/295.

([21])الكبائر للإمام الذهبي ص180.

([22])صحيح مسلم بشرح النووي 7/100، ورواه الإمام الترمذي (2390).

([23])حديث صحيح، رواه الإمام أحمد والطبراني والحاكم والدارمي، صحيح الجامع «4519».

([24])فتح الباري (5590)، وانظر: سنن أبي داود «3407».



4- قال صلى الله عليه وسلم: «في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف، فقال رجل من المساكين: يا رسول الله ومتى ذلك؟ قال: إذا ظهرت القيان ([1]) والمعازف وشربت الخمور»([2]).


وجه الدلالة من الحديث، قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا ظهرت القيان والمعازف» وظهورها يكون عن طريق بيعها، والمجاهرة بها وبثها بين الناس. وفي الحديث إعلام بوقوع الخسف والمسخ والقذف إذا ظهرت المعازف!!


اللهم غفرانك ورحمتك، لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، الذين قاموا بإظهار هذه المعازف.
5- قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله حرم عليكم الخمر والميسر والمزر والكوبة ([3])، وكل مسكر حرام»([4]).


وجه الدلالة من الحديث، قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله حرم» علم من هذا أن الكوبة حرام، وما كان على شاكلتها من آلات الغناء فهو حرام أيضًا، وما كان حرامًا فبيعه وثمنه حرام.


أيها القارئ:


هذه النصوص صريحة لا تحتمل التأويل، والمسلم الحق هو الذي يسلم أمره لله ولرسوله، فلا يحل إلا ما أحل الله ورسوله، وبيع آلات الغناء حرام، فيجب عليه أن يتجنب هذا البيع ولا يعقد عليه.


(و) بيع أشرط الغناء:


إن العمل الذي يعم نفعه، ويكثر خيره، يكون وسيلة خير لبناء مجتمع صالح، والمسلم مدعو للعمل... قال تعالى: }وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ...{ [سورة التوبة، الآية: 105].


وعمله هذا ينبغي أن يكون في حدود ما أحل الله، ليثاب عليه وليعود بالنفع على الفرد والمجتمع. ولما كان الغناء في عرف الشرع رمزًا للفسوق، وداعيًا من دواعي الشيطان ([5]) حرمه الشرع، وبطبيعة الحال فإن أي شيء يوصل إلى حرام فهو حرام أيضًا!!


وإن بيع الأشرطة التسجيلية التي بها الكلام الساقط، والدعوة إلى اللقاء المحرم، ونبذ العادات والتقاليد العرفية، وربما الدعوة إلى الكفر – والعياذ بالله – مسببة لنشر المعصية، وإفساد الشباب من كلا الجنسين، فينشأ شباب منحل، محب لتقليد من سمعه من الفساق، ومتتبع لأخباره وتحركاته، وآخر ما صدر عنه، فيحاول قدر المستطاع أن يرقى إلى درجة مثله الأعلى، وأن يحاكيه في حركاته وسكناته ([6])، ومعلوم أن من أحب شخصًا حُشر معه يوم القيامة، عن أبي موسى الأشعري t أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المرء مع من أحب»([7]).


فهل يحب ذو العقل البصير، أن يحشر مع أولئك الفساق المتشبهين ببعضهم البعض في ليونة الصوت وتمطيطه، وتمجيد الكلام المحرم؟!


أيها القارئ: إجابة هذا السؤال أتركها لك!
وأعود لأقول: إن الناظر والمتتبع لمنشأ وانتشار هذا الصوت الشيطاني وما ينتج عنه من مخاطر تقيض بهدم المجتمع الإسلامي، وتنخر في عظام رجال وأمهات المستقبل، وتؤذن بقدوم شباب مايع، لا يقر معروفًا فضلاً عن أن ينكر منكرًا ([8])، سببه هو أماكن بيع أشرطة الغناء، ومؤسسات الإنتاج الفني، اللتان تقومان بالدعاية لأشرطة المغنيين، والمغنيات، عبر الصحف والمجلات، ليتسابق كلا الجنسين «الفتيان والفتيات» لاقتناء النسخة الأصلية، والافتتان بما في داخلها من كلام مبتذل رخيص!


فيا أيها المسلم: لا تكن سببًا في نشر الفساد، ولا تكن معول هدم للأخلاق، ولا تكن أداة في يد المغنين والمغنيات، هم ينعقون بأصواتهم وأنت تبيعها لهم!!


ثم اعلم أنك بفعلك هذا «بيع الأشرطة الغنائية» قد ارتكبت عدة محرمات:


1- أنك دعوت إلى ضلالة، فلك من الإثم مثل آثام من اشترى منك، ألم تسمع ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا»([9]) ومعلوم أن الغناء ضلالة وباطل، وبيع الأشرطة الغنائية يدعو إليه.


2- أنك دللت على شر، والدال على الشر كفاعله، عن أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري t قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من دل على خير فله مثل أجر فاعله»([10]).


ومعلوم أن بيع الأشرطة الغنائية يدل على شر، ألا وهو «الغناء» فكما أن الإنسان يثاب على إدلاله إلى الخير، فإنه يجازي على إدلاله إلى الشر.


3- أنك أضعت عمرك ومالك فيما يغضب الرحمن ويرضي الشيطان، ومعلوم أنك ستسأل عن ذلك، عن أبي برزة نضلة بن عبيد الأسلمي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«لا تزول قدما عبد حتى يُسأل عن أربع: عمره فيما أفناه، وعن علمه فيما فعل، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيما أنفقه، وعن جسمه فيما أبلاه»([11]).


أيها المسلم: يا من تبيع تلك الأشرطة الغنائية، أنت مطالب باتقاء النار، واعلم أن ألأرض التي تمشي عليها، وتبيع عليها، ستشهد عليك بما عملت فيها، اسمع ما يقول نبيك صلى الله عليه وسلم:


قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: }يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا{ ثم قال: «أتدرون ما أخبارها»؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد أو أمة بما عمل على ظهرها، تقول: عمل يوم كذا: كذا وكذا، فهذه أخبارها» [رواه الترمذي]([12]).


واستمع لما يقول: «ما منكم من أحد إلا سيكلمه الله ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه، فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه، فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه، فلا يرى إلا النار، تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة»([13]).


فإذا كنت من بائعي تلك الأشرطة، فالبدار... فالبدار... إلى التوبة من ذلك... واترك هذا الأمر المشبوه، وأطب مالك ومطعمك بالطيبات وما أكثرها، واعلم أنك إذا تركت شيئًا مخافة الله، فإن الله سيبدلك خيرًا منه، ويبارك لك فيه.


ثم تذكر قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: «كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به» فهل تحب أن تأكل وتؤكل أهلك من حرام، فتكون النار مثواكم؟!.

المبحث الثاني
أ- الأدلة على تحريم الغناء
«من الكتاب والسنة وأقوال السلف»
ب- حكم سماعه من المرأة.
جـ_ الغناء المرخص فيه.
د- شبهة.


تمهيد:


الغناء محرم في كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وفي أقوال السلف رحمهم الله تعالى، وهذا لما فيه هو الصد عن ذكر الله، والتلاهي عن الأمر العظيم، الذي خلق الإنسان من أجله، ألا وهو عبادة الله جل وعلا، فالإنسان لم يخلف ليدندن ويميل يمنة ويسرة، ويهز وسطًا، ويضرب كفًا! بل خلق لتوحيد الله وعبادته.


وسأذكر في هذا المبحث، أدلة تحريم الغناء من كتاب الله، وسنة رسوله، وأقوال السلف، وأتعرض للغناء المرخص فيه، وهو غناء الأعراس والعيد فقط ([14]).


1- الأدلة على تحريمه:


أولا: من كتاب الله الكريم:


أ- قال تعالى: }وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ{ [سورة لقمان، الآية: 6].


قال الحافظ ابن كثير في تفسير لهذه الآية الكريمة:
«لما ذكر تعالى حال السعداء، وهم الذين يهتدون بكتاب الله، وينتفعون بسماعه، عطف بذكر حال الأشقياء الذين أعرضوا عن الانتفاع بسماع كلام الله، واقبلوا على استماع المزامير والغناء بالألحان وآلات الطرب».


ثم ذكر أقوال الصحابة والتابعين في معنى «اللهو» فأورد قول ابن مسعود رضي الله عنه عندما سُئل فقال: «الغناء، والله الذي لا إله إلا هو» يرددها ثلاث مرات. وقال: «وكذا قال ابن عباس وجابر وعكرمة وسعيد بن جبير وغيرهم ([15]).


ونقل العلامة ابن قيم الجوزية: أن العلامة الواحدي والشيخ أبا إسحاق قالا: أكثر ما جاء في التفسير على أن المراد «بلهو الحديث» هو «الغناء» ثم ساق أسماء من قال إنه الغناء ([16]).


أما سيد قطب فقد قال في ظلاله:


«يشتريه بماله، ويشتريه بوقته، ويشتريه بحياته، يبذل تلك الأثمان الغالية في لهو رخيص، يفنى فيه عمره المحدود الذي لا يعاد ولا يعود. وقال: «لهو الحديث: كل كلام يلهي القلب، ويأكل الوقت، ولا يثمر خيرًا، ولا يؤتي حصيلة تليق بالخير والعدل والصلاح»([17]).


ب- قال تعالى: }أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ * وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ{ [سورة النجم، الآيات: 59-61].


قال الحافظ ابن كثير في تفسيره لهذه الآيات الكريمات:


«قال سفيان الثوري عن أبيه عن ابن عباس قال: «الغناء»، هي يمانية. أسمد لنا: غنِّ لنا»([18]).
وقال مجاهد بن جبر: وهو الغناء، يقول أهل اليمن: سَمَدَ فلان، إذا غنى ([19]).
جـ- قال تعالى: }وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَولَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا{ [سورة الإسراء، الآية: 64].


قال الحافظ ابن كثير في معنى «بصوتك»: قيل: الغناء. قال مجاهد: باللهو والغناء، أي استحقهم بذلك ([20]).


وقال الإمام الشوكاني في تفسيره:


«أي استزعج واستخف من استطعت من بني آدم، استخفهم بصوتك، داعيًا لهم إلى معصية الله» قد ذكر تفسيرًا آخرًا، قيل: «هو الغناء واللهو واللعب بالمزامير»([21]).


أما العلامة ابن قيم الجوزية فقال:
«من المعلوم أن الغناء من أعظم الدواعي إلى المعصية، ولهذا فُسِّر صوت الشيطان به»([22]).


ثانيًا: من السنة المطهرة:


أ- روى الإمام البخاري في صحيحه تعليقًا ([23]):
عن أبي عامر – أو أبي مالك الأشعري، سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف، ولينزلن أقوام إلى جنب علم يروح عليهم بسارحة لهم، يأتيهم – يعني الفقير – لحاجة فيقولوا: راجع إلينا غدًا، فيبيتهم الله ويضع العلم، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة».


قال الحافظ ابن حجر في الفتح: «المعازف هي: آلات الملاهي، وقيل أصوات الملاهي»([24]).
ب- روى الإمام ابن ماجه في سننه ([25]):
عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليشربن ناس من أمتي الخمر، يسمونها بغير اسمها، يعزف على رءوسهم بالمعازف والمغنيات، يخسف الله بهم الأرض، ويجعل منهم القردة والخنازير».


جـ- روى الإمام الترمذي في سننه ([26]):
عن عمرن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف، فقال رجل من المسلمين. يا رسول الله، متى ذلك؟ قال: إذا ظهرت القينات والمعازف وشربت الخمور».


د- روى الإمام أبو داود في سننه ([27]):
عن نافع قال: سمع ابن عمر مزمارًا، قال: فوضع أصبعيه على أذنيه، ونأى عن الطريق، وقال لي: يا نافع هل تسمع شيئًا؟ قال: فقلت: لا. قال: فرفع أصبعيه من أذنيه، وقال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم، فسمع مثل هذا، فصنع مثل هذا.


ثالثًا: من أقوال السلف:


أ- قال ابن مسعود رضي الله عنه: الغناء ينبت النفاق في القلب، كما ينبت الماء الزرع ([28]) وفي رواية: البقل ([29]).
ب- سئل الإمام مالك رحمه الله عن الغناء فقال: إنما يفعله عندنا الفساق ([30]).
جـ- قال الإمام الشافعي رحمه الله: إن الغناء لهو مكروه، يشبه الباطل والمحال، ومن استكثر منه فهو سفيه ترد شهادته ([31]).
د- وسئل الإمام أحمد رحمه الله عنه، فقال: الغناء ينبت النفاق في القلب لا يعجبني ([32]).
هـ- وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ومن أعظم ما يقوي الأحوال الشيطانية، سماع الغناء والملاهي، وهو سماع المشركين ([33]).
و- وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: الغناء فيه الزنى ([34]).
ز- وقال يزيد بن الوليد رحمه الله: يا بني أمية: إياكم والغناء، فإنه يزيد الشهوة، ويهدم المروءة، وإنه لينوب عن الخمر، ويفعل ما يفعل السَّكر، فإن كنتم لابد فاعلين فجنبوه النساء ([35])، فإن الغناء داعية الزنا ([36]).


ب- حكم سماعه من المرأة:


تمهيد:


الأدلة الآنفة الذكر عامة في تحريم الغناء، سواء كان من رجل أو امرأة، وإن سماعه من المرأة أشد حرمة وإنكارًا، وذلك للآتي:


1- أن الله عز وجل نهى نساء النبي، صلى الله عليه وسلم أن يخضعن بالقول «ترقيق الكلام وتحسينه»، إذا خاطبن الرجال مما يؤدي هذا الفعل إلى إثارة القلوب المريضة، فقال سبحانه:


}يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا{ [سورة الأحزاب، الآية: 32].


أقول: نهاهن عن هذا الفعل، وهن أمهات المؤمنين القانتات العابدات، اللائي تواجدن في خير القرون، وهن أمهات المؤمنين القانتات العابدات، اللائي تواجدن في خير القرون، وهن عندما يخاطبن أحدًا، فإنما يخاطبنه لمصلحة دينية أو منفعة دنيوية، ليكون تعليمًا لغيرهم من نساء هذه الأمة.


فإذا كان الخضوع بالقول منهيًا عنه في الكلام المعتاد الذي قد يكون من وراءه فائدته وقد يكون متحرزًا فيه، أقول:


إذا كنت هذه الأمور متواجدة، ونهى الله جل وعلا عن الخضوع في الكلام، فكيف الحال والشأن إذا تغنت المرأة ورقت صوتها وتمايلت، ورافق ذلك صوت الشيطان «المعازف»، وكلمات تثير الغرائز؟!.


تصور ذلك – أيها القارئ – وقسه على ما يحدث في الأماكن الليلية، «المسارح» المنتشرة في البلاد الإسلامية!!


قال مؤلف الظلال: رحمه الله عند تفسير للآية الآنفة الذكر: «ينهاهن حين يخاطبن الأغراب من الرجال، أن يكون في نبراتهن ذلك الخضوع اللين، الذي يثير شهوات الرجال، ويحرك غرائزهم، ويطمع مرضى القلوب ويهيج رغائبهم». ثم قال: «ومن هن اللواتي يحذرهن الله هذا التحذير، إنهن أزواج النبي، صلى الله عليه وسلم وأمهات المؤمنين اللواتي لا يطمع فيهن طامع، ولا يرف عليهن خاطر مريض، فيما يبدو للعقل أول مرة، وفي أي عهد سكون هذا التحذير؟! في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد الصفوة المختارة من البشرية في جميع الأعصار، ولكن الله الذي خلق الرجال والنساء يعلم أن في صوت المرأة حين تخضع بالقول، وتترقق في اللفظ، ما يثير الطمع في قلوب ويهيج الفتنة في قلوب، وأن القلوب المريضة التي تثار وتطمع موجودة في كل عهد، وفي كل بيئة، وتجاه كل امرأة، ولو كانت زوج النبي الكريم وأم المؤمنين». ثم أردف قائلاً بتعجب: «فكيف بهذا المجتمع الذي نعيش فيه، في عصرنا المريض الدنس الهابط، الذي تهيج فيه الفتن، وتثور فيه الشهوات. وترف فيه الأطماع؟ كيف بنا في هذا الجو الذي كل شيء فيه يثير الفتنة ويُهيج الشهوة، وينبه الغريزة، ويوقظ السعار الجنسي المحموم؟»([37]).


2- أن الله عز وجل نهى المؤمنات أن يضربن بأرجلهن الأرض، ليعلم ما يخفين من الزينة التي يلبسنها «الخلخال» قال سبحانه: }...وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ...{([38]) [سورة النور، الآية: 31].


فالله سبحانه وتعالى نهى عن هذا التصرف، وهو ضرب النساء الأرض بالأرجل، لئلا يؤدي إلى ظهور صوت الخلخال، فيكون مدعاة لتهييج الشهوات الكامنة، وإيقاظًا للمشاعر النائمة، فإن بعضًا من الناس تثير شهواتهم رؤية ثوب المرأة أو حليها أو شمك عطرها، فجاء الأمر السماوي الإلهي، ناهيًا عن ضرب الأرض لئلا يجر إلى فتنة.
فإذا كان صوت الخلخال الصامت منهيًا عنه، فكيف بالصوت الناطق، المتعمد فيه الليونة والميوعة، وتصاحبه الآلات المحرمة، والكلمات الماجنة، ومن ورائه ذئاب بشرية؟!


إن الأمر جد خطير، وأشد حرمة!!


3- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها ([39]) الشيطان»([40]).
هذا الحديث يبين أن المرأة عورة، ويدخل تحت هذا صورتها إذا رققته ونعمته عن قصد ([41])، وتمايلت يمنة ويسرة.


إن هذا التصرف منها يوجب عليها، وعلى المستمع إليها لعنة الله جل وعلا ولذلك فإن عامة أهل النار من النساء، لأنهن لا يراعين لله حرمة!


قال العلامة ابن قيم الجوزية: «وأما سماعه من المرأة الأجنبية أو الأمرد، فمن أعظم المحرمات، وأشدها فسادًا للدين»([42]).


جـ- الغناء المرخص فيه:


ديننا الإسلامي الحنيف، دين يسر وسهولة وفسحة، والشارع الحكيم عندما حرم شيئًا، فإنما حرمه لما فيه من المفاسد والمضار على الفرد والمجتمع، ومن ثم يوجد البديل الأفضل والمناسب عوضًا عن ذاك المحرم.
فعلى سبيل المثال: عندما حرم أكل الخنزير والميتة، فإنما حرمهما لما فيهما من المفاسد التي تضر الجسم، وأباح بدلاً عنهما كل الطيبات وما أكثرها! قال تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ{ [سورة البقرة، الآية: 172].


والحال نفسها في الخمر والربا، حرمهما وأوجد البديل الأفضل عنهما. والغناء محرم – كما تقدم آنفًا – لكن هناك حالة أباح النبي صلى الله عليه وسلم الغناء فيها ([43])، وإليك أيها القاريء تلك الحالة وأدلتها من السنة الشريفة.


غناء العيد والعرس:


1- روى الإمام البخاري في صحيحه من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: دخل أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار، تغنيان بما تقاولت الأنصار يوم بعاث، قالت: وليستا بمغنيتين، فقال أبو بكر: أمزامير الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك في يوم عيد، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «يا أبا بكر إن لكل قوم عيدًا، وهذا عيدنا»([44]).


2- صح من حديث الربيع بنت معوذ بن عفراء، التي قالت فيه: «جاء النبي صلى الله عليه وسلم، يدخل حين بني علي ([45])، فجلس على فراشي لمجلسك مني، فجعلت جويريات لنا يضربن بالدُّف، ويندبن من قتل من آبائي يوم بدر...»([46]).


3- صح من حديث أم المؤمنين «عائشة» رضي الله عنها أنها زفت امرأة إلى رجل من الأنصار، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: «يا عائشة ما كان معكم لهو فإن الأنصار يعجبهم اللهو»([47]).


4- صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «فصل ما بين الحلال والحرام، ضرب الدُّف والصوت في النكاح»([48]).


فمجموع هذه الأحاديث، تدل على مشروعية الغناء والضرب بالدف فقط في العيد والعرس، وبالشروط الآنفة بالذكر ([49]).


وهاك الكلام الفصل للشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقد قال: .... وبالجملة قد عرف بالاضطرار من دين الإسلام، أن النبي صلى الله عليه وسلم، لم يشرع لصالح أمته وعبادهم وزهادهم أن يتجمعوا على استماع الأبيات الملحنة، مع ضرب بالكف أو ضرب بالقضيب أو الدف، كما لم يبح لأحد أن يخرج عن متابعته، واتباع ما جاء به من الكتاب والحكمة، لا في باطن الأمر ولا في ظاهره، ولا لعامي ولا لخاصي ([50])، ولكن رخص النبي صلى الله عليه وسلم في أنواع من اللهو في العرس ونحوه، كما رخص للنساء أن يضربن بالدف في الأعراس والأفراح، أما الرجال على عهده فلم يكن أحد منهم يضرب بدف ولا يصفق بكف ([51])، بل قد ثبت عنه في الصحيح أنه قال: «التصفيق للنساء والتسبيح للرجال»([52]) ولعن المتشبهات من النساء بالرجال، والمتشبهين من الرجال بالنساء([53]) ثم قال رحمه الله:


«ولما كان الغناء والضرب بالدف والكف من عمل النساء، كان السلف يسمون من يفعل ذلك من الرجال مخنثًا ([54])، ويسمون الرجال المغنين مخانيث»([55]).



([1])القيان: جمع القينة وهي: الأمة مغنية كانت أو غير مغنية. اهـ. مختار الصحاح ص 560.

([2])حديث صحيح رواه الترمذي «1801».

([3])الميسر: القمار، المزر: نبيذ الشعير أو الحنطة، الكوبة: الطبل. اهـ. مختار الصحاح ص623.

([4])حديث صحيح رواه أبو داود (3143).

([5])كما سيأتي بيانه.

([6])وهذا الذي يلمسه ويراه كل من خبر الذين يستمعون الغناء!

([7])فتح الباري «6170»، صحيح مسلم بشرح النووي 16/188، وانظر: صحيح سنن أبي داود (4276)، صحيح الترمذي (1944).

([8])وقد صادفت شابًا في سيارته، وهو يستمع إلى أغنية مسجلة، فكلمته عن حرمة الغناء، وعدم جواز الاستماع إليه، فأكد لي أنه لا يعرف أن الغناء حرام!!.

([9])رواه مسلم 16/227، وأبو داود: (3853)، والترمذي: (2155)، وابن ماجه (171)، عن أبي هريرة.

([10])حديث صحيح رواه الإمامان: أبو داود (4278)، والترمذي: (2152).

([11])حديث صحيح رواه الترمذي: (1970).

([12])وقال: حديث حسن صحيح غريب، وقال الشيخ الألباني: ضعيف الإسناد، ضعيف سنن الترمذي (664).

([13])فتح الباري (6539)، صحيح مسلم بشرح النووي 7/101، ابن ماجه (152).

([14])قال الحافظ ابن حجر: «والأصل التنزه عن اللعب واللهو، فيقتصر على ما ورد فيه النص وقتًا وكيفية وتقليلاً لمخالفة الأصل». اهـ. الفتح 2/443 قلت: انظر معي أيها القارئ: إلى دقة كلام الحافظ رحمه الله فقوله: «وقتًا» أي وقت العيد والعرس، وقوله: «كيفية» أي بالأشعار التي ليس فيها محظور، وقوله: «وتقليلا» أي لا يتجاوز الحد الذي يلهي عن التكاليف الشرعية وأداء العبادة، وقوله: «لمخالفة الأصل» أي أصل الغناء المحرم، وأن المتأمل لهذا الكلام، يرى البون الشاسع بين ما اقتصر عليه السلفـ وما يفعله الخلف، فالخلف خالفوا المأثور، وأطلقوا لأنفسهم العنان بالغناء في كل وقت، ولا حول ولا قوة إلا بالله!

([15])تفسير ابن كثير 3/442.

([16])انظر: إغاثة اللهفان 1/239.

([17])انظر: في ظلال القرآن 5/2784.

([18])تفسير ابن كثير 4/261.

([19])المنتقى لنفيس ص304 وانظر إغاثة اللهفان 1/258.

([20])تفسير ابن كثير 3/50.

([21])فتح القدير 3/241.

([22])إغاثة اللهفان 1/255.

([23])حديث صحيح تقدم تخريجه.

([24])فتح الباري 10/55.

([25])حديث صحيح (3247).

([26])حديث صحيح تقدم تخريجه.

([27])حديث صحيح (4116).

([28])إغاثة اللهفان 1/ 247.

([29])المنتقى النفيس ص305.

([30])المصدران السابقات 1/229، ص300، وانظر كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للخلال ص142.

([31])المصدران السابقات. قلت: لو طبقان كلام الإمام الشافعي، فكم من الناس سترد شهادتهم!!.

([32])المصادر السابقة 1/229، 297، 142.

([33])مجموع فتاوى شيخ الإسلام 11/295.

([34])إغاثة اللهفان 1/245.

([35])قال ابن قيم الجوزية: «ولا ريب أن كل غيور يجنب أهله سماع الغناء، كما يجنبهن أسباب الريب، ومن طرق أهله إلى سماع رقية الزنى، فهو أعلم بالإثم الذي يستحقه، ثم قال: ومن الأمر المعلوم عند القوم أن المرأة إذا استصعبت على الرجل، اجتهد أن يسمعها صوت الغناء، فحينئذ تعطي اللَّيان». اهـ. إغاثة اللهفان 1/246، قلت: وهذا الكلام صحيح، فقد تواترت الأخبار في هذا الزمان، أن امرأة كانت تشاهد التلفاز، وفيه أحد المغنيين يغني، فطربت لصوته، وقامت وقبلت الشاشة، وعندما جاء زوجها أخبره أحد أبنائه بالأمر «طفل» فما كان منه إلا أن طلقها!.

([36])المنتقى النفيس 307، وانظر إغاثة اللهفان 1/245.

([37])في ظلال القرآن 5/2859.

([38])وذلك أن المرأة في الجاهلية كانت إذا مشت وفي رجلها خلخال صامت، ربت برجلها الأرض، ليسمع الرجال كنينه!.

([39])اطلع عليها الشيطان وعلاها وزينها للناس. اهـ. جامع الأصول.

([40])حديث صحيح، رواه الإمام الترمذي «936».

([41])وهذا الذي يلمسه من استمع إلى الإذاعات التي تبث أغاني النساء!.

([42])إغاثة اللهفان 1/230.

([43])ليس المقصود بالغناء هنا، الغناء المتعارف عليه في هذا الزمان، بل هو غناء مخصوص وله وقت مخصوص، وكيفية مخصوصة، أما غناء اليوم فهو محرم لا جدال فيه.

([44])فتح الباري (952)، وانظر صحيح مسلم 6/183، وانظر سنن ابن ماجه (1540).

([45])تقصد بذلك حين زواجها.

([46])فتح الباري (5147)، وانظر سنن أبي داود (2114)، وانظر سنن ابن ماجه (1539).

([47])فتح الباري (5162).

([48])حديث حسن، تقدم تخريجه.

([49])المذكورة في آلات الغناء.

([50])يقصد بهذا الصوفية وما ابتدعته في الدين من أن هناك أمورًا باطنية وظاهرية، فالباطنية لا يعرفها إلا هم «الخواص» والظاهرية يعرفها «العوام» وهذا قول مردود، لأن النبي صلى الله عليه وسلم، قبض وقد أكمل الله به الدين، وتركنا على الهدى.

([51])كما هو الحال في المسارح والمنتديات وحفلات الزفاف... الخ.

([52])صحيح مسلم 4/148، أبو داود (828)، الترمذي (303)، ابن ماجه (846).

([53])فتح الباري «5885»أبو داود (828)، الترمذي (303)، ابن ماجه (1545)

([54]) إذًا فالمغني في عرف العلماء مخنث، والمخنث: من يشبه خلقه النساء في حركاته وكلامها وغير ذلك». اهـ. الفتح 9/334.

([55])مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 11/565.




د- شبهة مردودة:


قاريء البصير:
قد يجادلك أحد الأشخاص في الغناء، وذلك إرضاءً لهوى نفسه، ولنزغات شيطانية، فيقول لك: «إن الغناء ما فيه محظور» ويدلل على كلامه هذا بحديث أم المؤمنين «عائشة» الآنف الذكر، ويدلل أيضًا: بأن بعضًا من المشايخ في عصرنا أفتوا بإباحته، وغير ذلك من الحجج التي لا أصل لها، فكيف ترد عليه؟


إليك الإجابة السديدة:


1- الغناء محرم وتحريمه ثابت بالكتاب والسنة وأقوال العلماء الذين يعتدون بهم، وأعرض عليه الأدلة الآنفة الذكر في تحريم الغناء.


2- استدلاله بحديث أم المؤمنين، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أقره، ولم ينكره على عائشة، فالإجابة على هذا تأخذ الوجوه الآتية، من نفس الحديث:


أ- أن أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: «وليستا بمغنيتين» فنفت عنهما من طريق المعنى ما أثبته اللفظ، وقد قال القرطبي رحمه الله معلقًا على اللفظ: «أي ليستا ممن يعرف الغناء كما يعرفه المغنيات ([1]) المعروفات بذلك، وهذا منها تحرز عن الغناء المعتاد عند المشتهرين به»([2]).


ب- أن الشعر المتغنى به ليس من المحظور، بل هو شعر في وصف الحرب والشجاعة ([3]).
جـ- أنه صدر من جاريتين صغيرتين بغير آلات محرمة.
د- أنه كان في يوم عيد، فلا يجوز التوسع في غيره من الأمكنة والأزمنة.
هـ- أن عائشة والجاريتين كن صغار سن، ولذلك لم ينقل عن عائشة بعد بلوغها إلا تحريم الغناء.
و- أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرَّ أبا بكر رضي الله عنه على تسمية الغناء «مزامير الشيطان» واستدرك عليه بقوله: «... وهذا عيدنا».


ز- جاء في رواية أخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم: «اضطجع على الفراش وحول وجهه»([4]) فدل هذا على أنه صلى الله عليه وسلم تنزه عن اللهو ([5]) وأقره، لأنه كان في يوم عيد.


3- استدلاله بأن بعضًا من لمشايخ – في عصرنا – أفتوا بإباحته، فالجواب: أنهم يتحملون نتائج فتواهم، فالله جل وعلا ورسوله، صلى الله عليه وسلم، حرما الغناء، ومعلوم أن أي شيء يحرمه الله ورسوله، فلن يستطيع أحد من البشر مهما أوتي من العلم، وقوة المجادلة والمناظرة، أن يحل ما حرم الله ورسوله، إلا إذا أضله الله بعد علم، وانتكس على عقبيه، وأحب أن يرضي الخلق بسخط الله، والعياذ بالله.


لذلك فإنني أقول: ما وافق الشرع الحنيف من أقوال العلماء أخذ به، وما عارضه ولم يكن هناك مسوغ للاجتهاد فيه رد عليه!


ولهذا هيأ الله جل وعلا من قام بالرد على بعض العلماء الذين أفتوا بإباحة الغناء، وفند كلامه، وأبطل حججه ([6]).


ومع هذا طبع كتاب ذاك الشيخ، الذي أباح الغناء، طبع عدة مرات، وبزيادات وتنقيحات، وكأنه يريد أن تشيع الفاحشة بين المسلمين!


وأشد غرابة وإنكارًا من هذا، ما نشرته إحدى الصحف ([7]): «من أن أحد المغنيين اعتزل الغناء، وبينما هو في رحلة جوية بين القاهرة وباريس، صادف عالمًا ([8]) وتجاذب معه أطراف الحديث عن الغناء، فما كان من ذلك العالم إلا أن أقنع هذا المغني بمشروعية الغناء، وقدم له الأدلة والبراهين على ذلك، وقطع المغني الاعتزال، وعاد إلى الضلال!».


اللهم إنا نعوذ بك من علماء السوء، ونعوذ بك أن نضل أو نضل، ونعوذ بك أن نعارض حكمك وحكم نبيك.





المبحث الثالث

1- المغنيون والمغنيات
«حالهم، صفتهم، حكم استئجارهم».
2- التوبة من الغناء
«أريد أن أتوب، نماذج من سوء الخاتمة».


1- المغنون والمغنيات:


إن المتأمل لحال المغنين والمغنيات، يجد أن أحوالهم تسير من سيء لأسوأ، وإن كانوا في ظاهر الأمر خلاف ذلك، فبعض منهم أو كلهم يعيش في رغد من العيش، ويتمتع بمكانة اجتماعية طيبة في أوساط الناس.
وهذا في مقياس الشرع وعرفه ليس معتبرًا، بل ليس مقياسًا للأمن من مكر الله جل وعلا فقد يكون استدراجًا لهم! فإن سيد الأولين والآخرين - صلوات ربي وسلامه عليه – كان يكثر من قول: «يا مثبت القلوب ثبت قلوبنا على دينك»([9]) وذلك خوفًا وخشية من الله رغم ما كان عليه من العبادة والقيام والصيام، التي لا يصل إليها مخلوق، وكان صحابته الأبرار على منواله ونهجه، يخافون الله ويخشون الوقوع في السيئات، بل كانوا يتورعون عن كثير من الطيبات التي أحل الله لهم، خشية أن يركنوا إلى الدنيا، ويتنعمون بها، وخوفًا أن تكون حسناتهم معجلة لهم في الدنيا، وفي هذا المقام قصص وروايات كثيرة، وردت عنهم وعن نبينا، صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم، وأسوق على سبيل الذكر:


«أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أتي بطعام – وكان صائمًا – فقال: قتل مصعب عمير، وهو خير مني، كفن في بردة إن غطى رأسه بدت رجلاه، وإن غطى رجلاه بدا رأسه، ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط - أو قال أعطينا من الدنيا ما أعطينا - وقد خشينا أن تكون حسناتنا عجلت لنا. ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام»([10]).


وهؤلاء المغنون والمغنيات رغم قبح عملهم «الغناء» فهم قد جاهروا به ([11]) وساعدوا على انتشاره عن طريق طرحه في الأسواق، وبثه في أجهزة الإعلام المختلفة.


ويا سبحان الله كأنهم أمنوا مكر الله، كأنهم أمنوا أن لا يحول الله بينهم وبين قلوبهم!!
}أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ{ [سورة الأعراف، الآية: 99].
}وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ{ [سورة الأنفال، الآية: 24].
وفي هذا المبحث أتناول بعضًا مما يخصهم في ظاهر الأمر، وأما ما خفي فالله به عليم، وهو أعظم مما ظهر.. لماذا؟


لأن من كان ظاهره المجاهرة بما يغضب الرحمن ويرضي الشيطان، فسره وخلوته أقبح وأشنع! وإننا لنقرأ في الصحف والمجلات، بعد حين وأخرى، أخبار سقطات المغنين والمغنيات في البلاد المجاورة!


أ- حالهم:


1- أنهم عصوا الله ورسوله، وأطاعوا الشيطان، قال تعالى: }أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آَدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ{ [سورة يس، الآية: 60]، وقال تعالى: }يَا بَنِي آَدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ...{ [سورة الأعراب، الآية: 27]، وقال تعالى: }... أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ...{ [سورة الكهف، الآية: 50]، وقال تعالى: }وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ{ [سورة آل عمران، الآية: 132]، وقال تعالى: }وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا...{ [سورة الحشر، الآية: 7].


ففي الآيات الثلاث الأول: يحذرنا الحق تبارك وتعالى من أن نعبد الشيطان([12])، ومن أن يضلنا بفتنته ([13])، ومن أن نتخذه وليًا من دون الله. وفي الآيتين الأخيرتين: يوجب الحق تبارك وتعالى أن نطيعه ونطيع رسوله، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والمعازف...» الحديث.


أقف هنا وأستجلي حال هؤلاء الصنف من الناس على ضوء ما سبق أليسوا هم عاكفين على صوت وآلات الشيطان؟


أليسوا هم مفتونين بما يزينه لهم من الاستمرار في لغوه وباطله؟
أليسوا هم أولياء للشيطان لأنهم أطاعوه واتبعوه؟
بلى هم كذلك... إذًا ما هو مآل ومرجع من يعص الله ورسوله؟
اسمع - أيها القاريء - ماذا يقول ربك في من يعصيه ويعصي رسوله: }وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ{ [سورة النساء، الآية: 140].
ونار الحق تبارك وتعالى، ليست كنارنا، بل هي نار لظى }نَزَّاعَةً لِلشَّوَى{ ورد في الأثر: أن الله جل وعلا أوقد عليها ألف سنة حتى ابيضت، وألف سنة حتى احمرت، وألف سنة حتى اسودت، فهي سوداء إلى أن تقوم الساعة، تنتظر الكفار والمنافقين والعصاة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، والأمم الأخرى!!


2- أنهم أشغلوا أنفسهم، وأشغلوا بعضًا من الناس بأمر ملعون «الغناء» وما كان ملعونًا، لا ينبغي للمسلم أن يشتغل به، عن أبي هريرة t قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها، إلا ذكر الله، وما والاه، أو عالمًا أو متعلمًا»([14]).


3- أنهم خسروا أنفسهم في الدنيا، فكيف في الآخرة؛ قال تعالى: }وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ{ [سورة العصر، الآيات: 1-3].


فهم عملوا باطلاً، ويتواصون بالإكثار من الإنتاج الفني، والصبر على الآهات والغرام ونار الحبيب.


4- أنهم عدلوا عن سماع كلام الرحمن، إلى سماع كلام الشيطان، قال العلامة ابن قيم الجوزية: «إنكم لا تجد أحدًا عني بالغناء وسماع آلاته، إلا وفيه ضلال عن طريق الهدى علمًا وعملاً، وفيه رغبة عن استماع القرآن إلى استماع الغناء بحيث إذا عرض له سماع الغناء، وسماع القرآن عدل عن هذا إلى ذاك، وثقل عليه سماع القرآن»([15]).


ب- صفتهم:


1- الفسق، قال الإمام مالك عن الغناء: «إنما يفعله عندنا الفساق».
2- السفاهة، قال الإمام الشافعي: «إن الغناء لهو مكروه، يشبه الباطل والمحال، ومن استكثر منه فهو سفيه ترد شهادته».
3- النفاق، قال عبد الله بن الإمام أحمد، سألت أبي عن الغناء؟
فقال: «ينبت النفاق في القلب لا يعجبني».


جـ- حكم استئجارهم:


أخي – أيها القاريء اللبيب – ما تقدم من أدلة وشواهد كاف في وصف الغناء وذمِّه، وهذا المبحث، حكم استئجارهم، أوردته في طيات هذا الكتيب، لأذم به بعضًا من الناس الذين علموا وسمعوا أن الغناء حرام، ولكنهم مع هذا يتساهلون في استئجار وإحضار المغنين والمغنيات، لإحياء حفلات زفاف أبنائهم، ويتعللون بأقوال زوجاتهم: «بأن زوجتي أصرت على هذا، وقالت: هل نحن أقل درجة من بيت فلان.. الذي أحضر الفنانة والمطربة...؟!
وماذا سيقول عنا الناس: لم يأتوا بفنانة...!!
زواجهم ميت...!!» إلى آخر تلك المكلمات... ([16]).
لأولئك أقول لهم: اسمعوا أراء العلماء في حكم من استأجر مغنيًا أو مغنية:
1- قال العلامة ابن قدامة: وما لا تجوز إجارته أقسما:
القسم الثاني: ما منفعته محرمة كالزنا والزمر والنوح والغناء، فلا يجوز الاستئجار لفعله. ثم قال: وبه قال مالك والشافعي وأبو حنيفة وصاحباه، وغيرهم من العلماء وقال أيضًا: «ولا يجوز استئجار كاتب ليكتب له غناء ونوحًا»([17]).


2- أورد شيخ الإسلام في فتاويه، أن ابن المنذر، قال: «اتفق العلماء على المنع من إجارة الغناء والنوح» وقال – أي ابن المنذر - «أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إبطال النائحة والمغنية» ثم أورد شيخ الإسلام، أقوال العلماء في استئجار المغنيين والمغنيات بقوله: «لا تجوز الإجارة على شيء من الغناء والنوح» وقال رحمه الله: وبه نقول ([18]).



التوبة من الغناء:


رحمة الله جل وعلا وسعت كل شيء في الوجود: }... وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ...{ [سورة الأعراف، الآية: 156]، وهي ليست حجرًا على أحد، بل تشمل كل من أناب ورجع على الله.


وقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بالتوبة والبدار إليه، ووعدنا بالمغفرة تفضلاً وكرمًا منه قال تعالى: }... وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{ [سورة النور، الآية: 31]، وقال تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا...{ [سورة التحريم، الآية: 8].


وقال تعالى: }قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ{ [سورة الزمر، الآية: 35].


وأخبرنا نبيه صلى الله عليه وسلم بأن الله جل وعلا يفرح لتوبة عبده، مع أنه جل وعلا غني عن عباده، بل غني عن العالمين.


عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في أرض فلاة»([19]).


أخي قاريء هذه الكلمات:
إذا كنت مغنيًا، أو تستمع إلى الغناء فبادر بالتوبة من هذا الباطل، قبل أن تصل الروح الحلقوم!
بادر بالتوبة من هذا اللغو، قبل أن تتحسر على ما مضى وتقول: }يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ{!
بادر بالتوبة من هذا الصوت الشيطاني، قبل أن تقول:
}يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي{ بالأعمال الصالحة وبذكر الرحمن!
بادر بالتوبة قبل أن تكون في اللحد، وتتمنى أن أحدًا من الناس يقوم بمسح غنائك من الأشرطة، وبحسبها من الأسواق، لأنك تتعذب بسببها ([20]).


بادر بالتوبة قبل أن تقول: يا ليتني لم أصحاب الذين كانوا يحسنون لي الغناء، ويأمرونني بالاستمرار وعدم الغياب عن الوسط الفني! بادر بالتوبة قبل أن تقول: يا ليتني خسرت الألقاب الطنانة الرنانة «فنان...»، «مطرب...»، «بلبل...»، «ذو الحنجرة..» ولم أعص الرحمن!


أخي القارئ:
نحن الآن في فرصة عظيمة، وفي فسحة لا تقدر بثمن للتوبة والرجوع إلى الله، ويجب علينا ألا نضيع هذه الفرصة، فوالذي نفسي بيه ما بعد الموت رجعة لتصحيح العمل...
ما بعد الموت رجعة للإكثار من العمل الصالح...
بل هناك جزاء وحساب وعقاب ولا عمل..


إذًا ما العمل:

قدِّم لنفسك توبة مرجوة



قبل الممات وقبل حبس الألسن


بادر بها غلق النفوس فإنها



ذخر وغنم للمنيب المحسن



أ- أريد أن أتوب:
أخي: إذا أردت التوبة من الغناء وسماعه، فاتبع ما يأتي بنية صادقة.
1- ابتعد عن سماع الغناء من جميع مصادره.
2- اندم على ما مضى من التغني وسماعه.
3- اعقد العزم الأكيد على عدم الرجوع إلى الغناء وسماعه.
4- اهجر الأصحاب وقرناء السوء الذين كانوا يزينون لك الغناء وسماعه.
5- إذا كانت لديك أموال جمعتها من الغناء، فبادر بسؤال أهل العلم عنها.
6- إذا كانت لديك أشرطة غناء، فبادر بمسحها بما ينفعك من كلام الله، ومن محاضرات قيمة.
7- أكثر من ذكر الموت وسكراته، والقبر وظلمته، والمعاد وأهله، فإن هذه الأمور إذا استحضرتها تذكرك بالله.
8- تحصن بالحصن العظيم «القرآن» وذلك عن طريق قراءته أطراف النهار وآناء الليل، في ثناياه الشفاء الناجع من مرض القلب «الغناء».
9- اشغل نفسك في أوقات الفراغ بقراءة المفيد من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه.
قارئي البصير:
الفقرات السابقة «1-9» دواء – بإذن الله – من الغناء وسماعه، وأحب أن أذكرك بأن هذا الدواء، قد يكون مرًا عليك، وستجد صعوبة بالغة في الاستمرار فيه، والتعامل معه، وذلك لأن نفسك حديثة عهد بالغناء، وليس من السهولة بمكان أن توافقك على تركه بسهولة.
والأهم من هذا عدو الله «إبليس» إنه لن يدعك تفلت منه، فهو لا يريد أن يخسرك..، لا يريد أن ينقص حزبه..
لا يريدك أن تكون من حزب الله الأوابين الراجعين إليه..
لذلك سيذكرك بماضيك وما كنت عليه.. وبأصحابك.. وجلساتك.. وسهراتك..
وسوف يذكرك بما كنت عليه من شهرة واشتهار، وإعجاب الناس، وذكرهم لك في الصحف والمجلات..
ومن هذا الباب سيرغمك على الرجوع إلى الغناء، مثلما أرجع البعض!!
وسيقول لك: أبعد هذه الشهرة العريضة، تترك الغناء وتصبح خاملاً؟!
أبعد هذا النجاح والمكاسب، تصبح في طي النسيان؟!
أتترك الساحة الغنائية لأناس هم أقل منك درجة؟! إلى غير ذلك من الوساوس والخواطر الشيطانية..
وعودًا على بدء، أقول:
ثق تمام الثقة أن إبليس لن يدعك بهذه السهولة... فما الحل؟
الحل:
استمر على الفقرات السابقة ([21]) وأكثر من دعاء الله، وأنت حاضر القلب، واجتهد في الدعاء بأن يثبتك الله على الحق، وأن يبعد عنك الشيطان ووسواسه، وتحري أوقات الإجابة عند السجود، دبر الصلوات، يوم الجمعة، جوف الليل الأخير.
وبعد ذلك ثق تمام الثقة، بأن الله سيجعل لك بعد عسرك يسرًا، وبعد ضيقك فرجًا }... وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا{ [سورة الطلاق، الآية: 4].

وكل شديدة نزلت بقوم



سيأتي بعد شدتها رخاءُ





ب- نماذج من سوء الخاتمة:


اعلم – يا أخي – أن سوء الخاتمة تكون للشقي العاصي الذي علم الحق، وأعرض عنه، واتبع ما تمليه عليه نفسه الأمارة بالسوء، وأصر على الكبائر، ولم يتب من العظائم.


}أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ{ [سورة الجاثية، الآية: 23].


وهذا إن لم تتداركه رحمة الله، فإنه سيبعث على معصيته، عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «يبعث كل عبد على ما مات عليه»([22]).
روى ابن المبارك وسفيان، عن ليث، عن مجاهد قال:


ما من ميت إلا تعرض عليه أهل مجالسه الذين كان يُجالس، إن كانوا أهل لهو فأهل لهو، وإن كانوا أهل ذكر فأهل ذكر ([23]).


وإليك بعض نماذج من سوء الخاتمة:
قال الربيع بن سبرة بن معبد الجهني – وكان عابدًا بالبصرة: أدركت الناس بالشام، وقيل لرجل: يا فلان قل: لا إله إلا الله، قال: اشرب واسقني!!


وقال: قيل لرجل بالبصرة، يا فلان قل: «لا إله إلا الله» فجعل يقول([24]):



يا رب قائلة يومًا وقد لقيت



أين الطريق إلى حمام منجاب



وقال محمد بن أحمد القرطبي ([25]):
قيل لآخر: قل: لا إله إلا الله، فجعل يقول: عقلك الحمارة.
وقيل لآخر: قل: لا إله إلا الله، فجعل يقول: البقرة الصفراء.
هذا هو ديدن وسوء عاقبة من تغنى وسمع الغناء، فإن الله جل وعلا يطمس على قلبه، ويعقد على لسانه، عند الاحتضار، فلا يقوي على النطق بالشهادة، تلك الشهادة التي من كان آخر كلامه هي دخل الجنة، عن معاذ بن جبل t قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة»([26]).
قلت: كيف يقوى على النطق باسم الله الأعظم: وكان مبارزًا لله بمعصية الغناء وسماعه؟!
كيف يقوى على ذلك الأمر العظيم، وهو لم يستح من الله حال إقدامه على لغو الغناء؟!
كيف يقوى على ذلك، وهو لم يذكر الله حال رخائه وأمنه؟!
إن الله جل وعلا يعامل بالمثل }فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ{ [سورة البقرة، الآية: 152].
فهذا وأمثاله لم يذكروا الله حال كونهم في أتم صحة وعافية، فجاء العدل الإلهي بأن نسيهم كما نسوه!!
أخي:
بالتأكيد إنك لا تحب أن تكون مثل هؤلاء، بالتأكيد لا تود أن تكون نهايتك على ما يغضب الله جل وعلا فتخسر النعيم المقيم، في جنات الكريم... إذًا:
أقلع عن الغناء وسماعه... واستغن عنه بذكر الله.
}أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ...{ [سورة الحديد، الآية: 16].
ألم يأن لك أن تخاف من الله، وتترك الغناء؟!
ألمن يأن لك أن ترجع إلى الله، وتتوب إليه؟!


ألم يأن لك أن تتبرأ وتسخر من الشيطان وصوته، قبل أن يسخر هو منك في وقت لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم؟!


}... فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ...{ [سورة إبراهيم، الآية: 22].


هكذا يكون حال اللعين يوم القيامة، يتبرأ من أتباعه، وهو الذي زين لهم المعصية في الدنيا!!
اللهم اقذف في قلوبنا وقلوب ذرياتنا كره الغناء وأهله.


خاتمة البحث


أيها القارئ:
ها أنت شارفت على غلق الكتيب، وبالطبع تود أن تعرف زبده ونتيجة محتواه، وهذه الأسطر تعطيك ما تبغيه:


1- الغناء: رفع الصوت وتكراره.
2- أسماؤه: كثيرة ويكفيك أنه صوت شيطان.
3- أنواعه: غناء عمل، غناء زهديات، غناء نياحة، وغناء مغنين.
4- آلاته: كثيرة وضابطها الذي في نغمة وصوت.
5- خصائصه: كثيرة وضابطها صده عن ذكر الله.
6- لا يجوز بيع آلاته وأشرطته.
7- حكمه: حرام.
8- المغنون والمغنيات عاصون لله ولرسوله.
9- لا يجوز إحضارهم لإحياء حفل زفاف.
10- الله يقبل توبة العاصي.
11- يموت العاصي على معصيته.



النتيجة:
الغناء محرم بكتاب الله وسنة رسوله وبأقوال العلماء، ولا عبرة بما نشاهده ونسمعه ونقرأه في المجتمع، من تمجيد الغناء وأهله، وكثرة أماكنه ومؤسساته، لأن الحق تعالى يقول: }وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ{ [سورة الأنعام، الآية: 116].


أخي:


قمت بإرشادك إلى الطريق الصحيح، عبر طيات هذا الكتيب، لأنني – بإذن الله تعالى – أملك هداية إرشاد، وأما هداية التوفيق فهي بيد الله جل وعلا إن شاء وفقك للتوبة من الغناء وسماعه، وإن شاء لم يوفقك.


وختامًا أقول لك، لا تجعل الله يراك على معصية، حتى ولو كانت صغيرة، فإن الذنب الصغير مع الإصرار يصبح كبيرة، ثم تفكر في عظم من عصيت، إنه مالك الدنيا والآخرة، وستعود إليه!
وصلى الله على نبينا وإمامنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.

([1])والمغنون في وقتنا الحاضر، بل إنهم اتخذوه حرفة ومهنة يتكسبون منه، والعياذ بالله!!

([2])فتح الباري 2/442.

([3])وأين ذاك الكلام من هذا الكلام المايع الساقط الذي يصدر من مغني العصر!

([4])انظر: فتح الباري حديث رقم (949).

([5])وذلك لمقامه الشريف صلى الله عليه وسلم.

([6])هو الشيخ صالح فوزان آل فوزان في كتابه «الإعلام بنقد كتاب الحلال والحرام».

([7])صحيفة عكاظ العدد «6101» تاريخ 29/4/1403هـ.

([8])ربما يكون من علماء الصوفية الضالين المضلين!

([9])صحيح سنن ابن ماجه «165» صحيح سنن الترمذي «2792».

([10])فتح الباري شرح صحيح البخاري «1275».

([11])وكفى بالمجاهرة إثمًا ومعصية، لأن في المجاهرة بالمعصية استخفافًا بحق الله ورسوله، ومبارزة بالمعاصي. وفي الصحيح: «كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً، ثم يصبح وقد ستره الله، فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه» الفتح (6069) مسلم 18/119 واللفظ للبخاري.

([12])وعبادته تأخذ أشكالاً عدة منها طاعته في فعل ما حرم الله.

([13])ومن فتنة الغناء!

([14])حديث حسن سنن ابن ماجه (2320).

([15])إغاثة اللهفان 1/241 قلت: وأنا أؤيد هذا القول، فلقد أخبرني أحد الأشخاص الذين كانوا يستمعون إلى الغناء، أنه إذا أراد أن يذكر الله، أو يستغفر الله، سبقه لسانه للغناء فيتغنى دون أن يشعر، ثم يرجع إلى نفسه فيتذكر، فإذا أراد الذكر سبقه لسانه إلى الغناء، وهذا دين وحال من استمع للغناء، فكيف حال من ليله ونهاره وجل وقته في الغناء وألحانه!!.

([16])ولو قلت لأحد هؤلاء: تبرع لإخوانك المسلمين، أو لهيئة الإغاثة الإسلامية، لقدم لك الحجج الواهية، ولذكر لك أن الحقوق كثيرة، وأن عليه مسئوليات وواجبات، ويا سبحان الله، عند البذل في سبيل الله ظهرت الحقوق والواجبات، وعند البذل في سبيل الشيطان اختفت!

([17])المغنى 5/550.

([18])مجموع فتاوى شيخ الإسلام 30/215.

([19])فتح الباري (6309)، صحيح مسلم 17/64.

([20])وقد أحسن صنعا، بعض أقارب المغنين، الذين كانوا يغنون ثم توفاهم ملك الموت، فقام هؤلاء الأقارب بالتوسط بعدم إذاعة أغاني قريبهم، ويا ليته هو الذي قام بهذا الفعل في حال حياته، وقدم لنفسه!

([21])وقد قلت: أنها مرة، لكن المريض يرغم على شرب الدواء المر الذي فيه الشفاء بإذن الله.

([22])صحيح مسلم 17/ 210 وانظر صحيح سنن ابن ماجه (3285).

([23])التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة 1/56، وانظر كتاب الكبائر ص100.

([24])وقصة هذا الرجل ملخصة: أن رجلاً كان واقفًا أمامك داره، فمرت به جارية وقالت: أين حمام منجاب؟ فأشار إلى باب بيته، فدخلت المرأة الدار ودخل خلفها، فلما رأت نفسها معه في داره وليس بحمام، علمت أنه خدعها، فقالت له: يصلح معنا ما نطيب به عيشنا وتقر به أعيننا! فقال لها: الساعة آتيك بكل ما تريدين، فخرج وترك الدار مفتوحة ولم يقفلها، فلما رجع وجد الجارية قد خرجت، فهام على وجهه في الطرقات يذكرها، وهو يقول ذاك البيت من الشعر، حتى توفي وهو على تلك الحالة، والعياذ بالله!! بتصرف من كتاب التذكرة.

([25])المصدر السابق.

([26])حديث صحيح رواه الإمام أبو داود «2673».