بسم الله الرحمن الرحيم
و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

خطر تحكيم العقل في الشرع
للشيخ الالباني رحمه الله تعالى

السؤال: يقول [بعضهم] يقولون: يجب معرفة الله بالعقل أولاً
وجعل علم الكلام طريقة لدراسة العقيدة؟

الشيخ: أي نعم، أيضاً نحن نقول: قولكم هذا لا بد له من دليل من كتاب الله ومن حديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -
فهاتوا برهانكم إن كنتم صادقين، ولا سبيل لهم إلى ذلك البتة.
ثانياً: لا شك أنه لا يمكن أن يخالفوا في أن العقول مختلفة كل الاختلاف، أي: عقول اليهود غير عقول النصارى
وعقول اليهود والنصارى غير عقول المسلمين، وعقول المسلمين الصالحين غير عقول المسلمين الطالحين، وعقول
المسلمين الصالحين العلماء منهم غير عقول المسلمين الجاهلين منهم .. وهكذا، فهناك نسب كبيرة كثيرة جداً متفاوتة

فأي عقل ينبغي أن يفهم به وأن يعرف به ربنا تبارك وتعالى، هذا كلام نستطيع أن نقول ما يخرج من إنسان عاقل على أي
نوع قيل في هذا العقل .. ..
مثلاً جاء مسلم كافر جاهل .. إلى آخره.
ثالثاً: ولعله يكون أخيراً-: لو كان يكفي العقل في معرفة الله عز وجل ما هذا الاختلاف الشديد، كان إرسال الرسل من رب
العالمين الحكيم العليم وإنزال الكتب عبثاً وسبحانه تعالى عما يشركون، ثم لم يكن هناك حاجة إلى مثل قوله تعالى:
{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء:15)، فإذا كان
العقل هو الذي ينبغي أن يحكم في معرفة الخالق، ونحن نرى العقول مختلفة أشد الاختلاف في معرفة الخالق، وفي ما
يليق به وما ينبغي أن ينزه عنه، العقول مختلفة، فيا ترى: ما هو الدليل على إصابة عقل دون عقل إن لم نرجع في ذلك إلى
كتاب الله وإلى حديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -.
والآن بدا لي شيء رابع، وأنا أقول أيضاً لعله أخيراً: الشيء الرابع هذا هو: إذا كانت العقول مختلفة، فلا مجال لترجيح عقل على
عقل، أو رأي على رأي، لكن الله عز وجل حينما أنزل الكتاب عصمة للناس وصفه بقوله تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ
لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا
} (النساء:82)، فنحن إذاً نجد هذا الاختلاف الكثير فيما إذا رجعنا إلى العقول، هذا الاختلاف الكثير
لن يجمع المسلمين إلا على الخطأ الذي يزعم أنه الخطأ المجمع عليه خير من الصواب المختلف فيه، فسوف لا يجمعهم على
خطأ ولا على صواب؛ لأنه ليس فيه برهان من الله تبارك وتعالى؛ لأن المرجع هو العقل، والعقل هذا مضطرب ومختلف، لكن الله
عز وجل حينما أحالنا حين تنازعنا واختلفنا إلى مثل قوله عز وجل: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ في شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} (النساء:59)
أحالنا إلى مرجع لا اضطراب فيه كما سمعنا آنفاً من قوله تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} (النساء:82)
فالرجوع إلى العقل رجوع إلى أمر مضطرب لا ضابط له، والواقع يؤكد ذلك؛ لأن هذه الفرق الإسلامية ما ضلت إلا بسبب
تحكيمها لعقولها وإعراضها عن كتاب ربها وسنة نبيها - صلى الله عليه وآله وسلم -.



بيان ضلال من حَكَّم العقل في الشرع
للشيخ الالباني رحمه الله تعالى
[قال الإمام]:
ليضم المسلم الناصح لنفسه في عقيدته أنه يجب الرجوع إلى الكتاب والسنة وإلى سبيل المؤمنين بدلالة الآية وحديث الفرق
وحديث العرباض بن سارية.
هذه حقيقة مع الأسف الشديد يغفل عنها كل الأحزاب الإسلامية وبخاصة منها حزب التحرير الذي يتميز عن أي حزب إسلامي
آخر أنه يقيم للعقل البشري وزناً أكثر مما أقامه الإسلام له، نحن نعلم يقيناً أن الله عز وجل حينما يكلم الناس بكلامه إنما
يخاطب العقلاء، ويخاطب العلماء، ويخاطب الذين يتفكرون، ولكننا نعلم أن العقل البشري مختلف، فالعقل عقلان: عقل مسلم
وعقل كافر.

هذا العقل الكافر ليس عقلاً، فقد يكون ذكاء ولكن لا يكون عقلاً، لأن العقل في أصل اللغة العربية هو الذي يعقل صاحبه، ويربطه
ويقيده أن ينفلت يمينا وشمالا، ولا يمكن العقل ألا ينفلت يمينا وشمالا إلا إذا اتبع كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه
وآله وسلم -؛ ولذلك حكى الله عز وجل عن الكفار والمشركين حينما يعترفون بحقيقة أمرهم: أنهم حينما كانوا كما قال الله
عز وجل في القرآن الكريم: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} (الروم:7).

يعترفون أنهم حينما كانوا عارفين بأمور الدنيا أنهم لم يكونوا عقلاء، ذلك هو قولهم فيما حكاه ربنا عنهم: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا
نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا في أَصْحَابِ السَّعِيرِ
} (الملك:10).
إذن هناك عقلان: عقل حقيقي وعقل مجازي.
العقل الحقيقي: هو العقل المسلم الذي آمن بالله ورسوله
أما العقل المجازي: فهو عقل الكفار؛ لذلك قال تعالى في القرآن كما سمعتم آنفا عنهم: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا في
أَصْحَابِ السَّعِيرِ
} (الملك:10).
وقال بصورة عامة عن الكفار: {لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا} (الأعراف:179).

فإذن هم لهم قلوب، ولكنهم لا يعقلون بها، لا يفهمون بها الحق.
إذا عرفنا هذه الحقيقة وهي حقيقة ما أظن أنه يختلف فيها اثنان، وينتطح فيها عنزان؛ لأنها صريحة في القرآن وفي أحاديث
الرسول عليه السلام لكني أريد أن أتوصل من هذه الحقيقة إلى حقيقة أخرى التي هي نقطة البحث في هذه اللحظة مني.
إذا كان عقل الكافر ليس عقلا، فعقل المسلم ينقسم أيضا إلى قسمين: عقل عالم وعقل جاهل.
فالعقل المسلم الجاهل لا يمكن أن يكون مساوياً في عقله وفي فهمه لعقل العالم، لا يستويان مثلا أبداً.
لذلك قال تعالى: {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} (العنكبوت:43).
إذن لا يجوز للمسلم الحق المؤمن بالله ورسوله حقاً أن يحكم عقله، وإنما يخضع عقله لما قال الله وقال رسول الله - صلى الله عليه
وآله وسلم -.

من هنا نضع نقطة في دعوة حزب التحرير: أنهم تأثروا بالمعتزلة في منطلقهم في طريق الإيمان، وطريق الإيمان هو عنوان لهم

في بعض كتبهم التي ألفها رئيسهم: تقى الدين النبهاني رحمه الله وأنا لقيته أكثر من مرة وأنا عارف به تماماً، وعارف بما عليه
حزب التحرير كأحسن ما تكون المعرفة؛ ولذلك فأنا أتكلم إن شاء الله عن علم بما عليه تقوم دعوتهم، فهذا أول نقطة تؤخذ
عليهم: أنهم جعلوا للعقل مزية أكثر مما ينبغي.

أُكرر على مسامعكن ما قلته آنفاً؛ أنا لا أنفى أن العقل له قيمته لما سبق ذكره، لكن ليس للعقل أن يحكم على الكتاب والسنة
وإنما العقل يخضع لحكم الكتاب والسنة وما عليه إلا أن يفهم ما جاء في الكتاب وفي السنة.

من هنا انحرف المعتزلة قديما؛ فأنكروا حقائق شرعية كثيرة، وكثيرة جدا؛ بسبب أنهم سلطوا عقولهم على نصوص الكتاب
السنة فحرفوها، وبدلوا فيها وغيروا، وبتعبير علماء السلف: عطلوا نصوص الكتاب والسنة.

هذه النقطة أريد أن ألفت نظركن إليها وهي: أنه ينبغي إخضاع العقل المسلم لنص الكتاب والسنة بعد فهم الكتاب والسنة.
من هنا انحرف المعتزلة قديما، فأنكروا حقائق شرعية كثيرة، وكثيرة جدا؛ بسبب أنهم سلطوا عقولهم على نصوص
الكتاب والسنة فحرفوها، وبدلوا فيها وغيروا، وبتعبير علماء السلف: عطلوا نصوص الكتاب السنة.
هذه نقطة أريد أن ألفت نظركن إليها وهي: أنه ينبغي إخضاع العقل المسلم لنص الكتاب والسنة بعد فهم الكتاب السنة. فالحكم هو
الله ورسول الله، وليس الحاكم عقل البشر لما ذكرنا: أن عقل البشر يختلف من عقل مسلم وعقل كافر، ثم عقل المسلم يختلف من
عقل مسلم جاهل ومن عقل مسلم عاقل، فليس فهم المسلم العالم كفهم المسلم الجاهل، لذلك قال تعالى، ولا بأس من التكرار
لأنني أعلم أن هذا الموضوع قليلا ما يطرق مسامع الملايين المملينة من المسلمين، من الرجال فضلاً عن المخدرات من
النساء، ولذلك فأنا مضطر إلى أن أكرر هذه النقاط وهذه الأدلة {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا العَالِمُونَ} (العنكبوت:43).

هنا نحن نقف قليلاً: من هم العالمون؟ أهم العلماء الكفار؟ لا. لا نقيم لهم وزناً؛ لما ذكرناه آنفاً أنهم ليسوا عقلاء، والحقيقة أنهم
أذكياء لأنهم اخترعوا وابتدعوا وو .. إلخ.، وارتقوا في الحضارة المادية المعروفة لدى الجميع.
كذلك عقل المسلمين، هذا العقل في كل أفرادهم ليس سواء، فلا يستوي عقل العالم مع عقل الجاهل، وسأقول شيئاً آخر:
لا يستوي عقل العالم العامل بعلمه مع عقل العالم اللا عامل بعلمه، لا يستوون مثلا إطلاقاً.
لذلك فانحرفت المعتزلة في كثير من الأصول التي وضعوها مخالفين فيها طريقة الشرع: كتابا وسنة ومنهج السلف الصالح ....