النتائج 1 إلى 1 من 1
- 22-04-2015, 01:27 PM #1
جِـرَاح الإيبـولا «غائـرة».. تعرف على الأثار النفسية للفيروس
قد يكون وباء الإيبولا على وشك التلاشي من أفريقيا الغربية، إلا أن تأثيره على الصحة النفسية قد يستمر لسنوات، فالناجون من الإيبولا عادةً ما تداهمهم الذكريات القاسية، وينبذهم المجتمع عند عودتهم إلى منازلهم. وحتى أولئك الذين لم يُصابوا بالعدوى، فهم إمّا مَكْلومون لفقد أقاربهم، أو مكافِحون ليتعايشوا مع فرط القلق والخوف.
تبذل جماعات الإغاثة والحكومات أقصى جهودها لمواجهة هذا الوضع في منطقة، وتفتقر إلى الكثير من حيث بِنْيَة الصحة النفسية التحتية. وثمة نجاحات بسيطة تحققت؛ ففي 25 فبراير الماضي ـ على سبيل المثال ـ أعلن البنك الدولي وحكومتا اليابان وليبيريا عن خطة بقيمة 33 مليون دولار أمريكي، من أجل الدعم النفسي في ليبيريا. ومع ذلك.. باتت إدارة تأثير الخسائر على الصحة النفسية صعبة، بسبب عاملي الخوف من السلطات المعنية، وفقدان الثقة فيها، الليان ساعدا على انتشار مرض الإيبولا أيضًا. أما تدابير السيطرة على الفيروس، مثل العزل الصحي، فقد تحدُّ من إمكانية الوصول إلى العلاج الضروري.
تقول جورجينا جروندي كامبل، ممرضة الصحة النفسية في الهيئة الطبية الدولية (IMC)، الكائنة في لونسار بسيراليون: «مازلنا نرى الناس قلقين؛ ومازالت تسيطر على الناس هنا وتيرة محاولة النجاة بحياتهم.. فأغلب المشكلات النفسية المتواترة هنا سببها الجمود الذي يخيم على البلد.. فلا شيء يمضي قدمًا».
ليست الأزمات بغريبة على أفريقيا الغربية. ففي العقدين الماضيين، شهدت بلدان المنطقة التي انتشر فيها وباء الإيبولا حربًا أهلية، واضطرابات، وأشكال تعذيب، وانتهاكات لحقوق الإنسان. هذه الأحداث حرّكت جهود النهوض بنظام رعاية الصحة النفسية المحدود في غرب أفريقيا. وكان من ضمن ذلك برنامج تموله المفوضية الأوروبية، حيث ضم أول 20 خريجًا في مجال التمريض المتعلق بالصحة النفسية من جامعة سيراليون في عام 2013. ومع ذلك.. مازالت الخبرة الإكلينيكية عملة نادرة في منطقة الإصابة بالإيبولا؛ ففي ليبيريا يعمل طبيب نفسي واحد فقط بينهم، ولا يوجد أي طبيب نفسي في سيراليون. وحتى على مستوى أبسط التعاملات بين الأشخاص المصابين بالإيبولا، وعائلاتهم، ومقدمي الرعاية الصحية، نجدها تتسم بالتعقيد، نتيجة اتخاذ تدابير الحماية المطلوبة؛ لمنع نقل العدوى. ولأن الأطباء والممرضين ملزمون بارتداء معدات شخصية وقائية ثقيلة لفترات قصيرة فقط، فإنهم يركِّزون على توفير العلاج للمرضى. وغالبًا ما تُترك مهام تقديم المشورة للعائلات الثكلى إلى مزوِّدي الرعاية الصحية في جماعات الإغاثة. ففي سيراليون ـ على سبيل المثال ـ أعادت مجموعة الصحة النفسية غير الربحية، المسماة «الجمعية الأهلية للخدمات النفسية» (CAPS)، توجيه عامليها، البالغ عددهم ثمانية عشر، وتبدّل دورهم من مساعدة الناجين من الحرب إلى مساعدة الأشخاص المتأثرين بالإيبولا، وإلى توعية المجتمعات السكانية عن المرض. تقول سينثيا سكوت، طبيبة نفسية في منظمة «أطباء بلا حدود»، عادت مؤخرًا من سيراليون: «تحت ظروف الطوارئ هذه، الكل يتحرك حركة بطيئة نوعًا ما؛ لضمان سلامة الطاقم الصحي».
في حالة النجاة من الإصابة بالفيروس، تلوح تحديات أخرى في الأفق؛ حيث يرفض بعض المرضى تناول الطعام أو مغادرة السرير، ويلوم كثيرون أنفسهم لإصابتهم بالمرض. أما الذين يعودون إلى منازلهم، فغالبًا ما يكونون عرضة للإقصاء المجتمعي، بدءًا من مكان السكن، حتى أماكن العمل. وهذا تناقض ملحوظ لطبيعة استجابة المجتمع في ظروف كوارث الحرب، أو الكوارث الطبيعية، إذ عادةً ما يلتف أفراد المجتمع حول الضحايا، كما تقول إينكا فايسبيكر، مستشارة الطب النفسي في الهيئة الطبية الدولية في واشنطن العاصمة.
تعمل المنظمات غير الحكومية على الحدّ من آثار الوصمة السيئة التي تلحق بالناجين من الإيبولا باستخدام أساليب تُصَوِّرهم كأبطال ناجين؛ كما يتناولون مسألة أخرى مثيرة للجدل، ألا وهي القوانين التي تمنع أداء طقوس الجنازات التقليدية، وإعطاء العائلات الثكلى، في المقابل، صورًا لأجساد ضحاياهم الأعزاء؛ لمواساتهم بعض الشيء. تقول سكوت: «لقد سمعت أشخاصًا يقولون إننا «إذا لم نُوَارِ أجساد موتانا بالطريقة الصحيحة، فذلك يُشعِرنا بأننا مجتمع مريض»».
بعض الإجراءات المتَّخذة للحدّ من انتشار الإيبولا يزيد من صعوبة مواجهة المرض، فالخوف من انتشار العدوى بين الأطباء والمرضى شجَّع مستشفى «إي إس جرانت للصحة النفسية» في مونروفيا- الوحيدة من نوعها في ليبيريا- على وقف عملياتها في الخريف الماضي. وقد صرَّح بخروج معظم المرضى، من بينهم بضع عشرات من المرضى الذين يعانون من مشكلات صحية ذُهانيَّة. ويعلِّق بنجامين هاريس، الطبيب النفسي الوحيد في ليبيريا قائلًا: «لا شك أن هناك تزايدًا في عدد الأشخاص المصابين في الشوارع، لأن المستشفى ما زال يعمل دون المستوى الطبيعي».
تُبدي جهود بناء القدرات العلاجية في أفريقيا الغربية علامات مشجِّعة، حيث سيوظف البرنامج في ليبيريا أطباء إكلينيكيين في الصحة النفسية على مدار ثلاث سنوات في المدارس، وفي أعمال أخرى. وتضع وزارة الصحة الليبيرية الصحة النفسية من ضمن أولوياتها في خطة الشفاء من الإيبولا، فضلًا عن قضايا أخرى، كرعاية الأمومة، وفيروس نقص المناعة البشرية. وفي سيراليون عالجت الجمعية الأهلية للخدمات النفسية ما يقرب من 1،500 شخص متضرِّر من تأثير الإيبولا.
هذه الإنجازات جزء لا يتجزأ من نقلة أكبر في مواقف مجتمع الصحة العالمي في التعامل مع الصحة النفسية، حيث أصبحت منظمة الصحة العالمية تتناول الصحة النفسية تناولًا متزايدًا في تقاريرها، كما صارت الجهات المانحة لا تتشدد في التجاوب مع دعم برامج الصحة النفسية. وفي هذا السياق، تؤكد فايسبيكر على أنه ما زال هناك الكثير من العمل لإنجازه، رغم ما تحقق؛ لضمان اعتبار الرعاية النفسية ضمن أولويات استجابة القضاء على الإيبولا، وتقول: «علينا أن نكون متيقِّظين لذلك. ويجب التأكد من أن هذه المسألة تحت الرصد والمراقبة».