الحمد لله الذي جعل المسلمين أخوة يوالي بعضهم بعضاً ويشد بعضهم أزر بعض، أحمده تعالى وأشكره على نعمه العظيمة.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شرع للمؤمنين بعضهم على بعضٍ حقوقاً عظيمة، ونهى عن كل ما يُضعف الأخوة أو يقطعها، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله آخى بين المؤمنين، وبين ما يجب للمسلم على أخيه، وأوصى بالتزام ذلك لما يترتب عليه من مصالح الدنيا والآخرة، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين ضربوا أروع الأمثلة للأخوة الصادقة، فكانوا كالجسد الواحد وكالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً، وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى.

عباد الله: يقول الله سبحانه وتعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10] ، ويقول عز وجل: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71] ، ويقول سبحانه: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً [آل عمران:103] ، ويقول جلَّ وعلا: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2].

وفي الحديث المتفق عليه عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً } .

وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى } متفق عليه.

وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرَّج عن مسلم كربة فرَّج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة } متفق عليه.

أخوة العقيدة والإيمان في كل قطر ومكان! من هذه النصوص الصحيحة الصريحة في جلالتها نُدرك ما ينبغي أن يكون عليه المسلم نحو أخيه المسلم، إنها أخوة أعظم من أخوة النسب، ورباط أقوى وأشد من رباط الجاه والمال والحسب، أخوة تجمع بين المسلمين وإن تباعدت أقطارهم ونأت ديارهم، أخوة قائمة على المشاركة في المبدأ والعقيدة، لا في شعارات دنيوية واهية لا تغني أهلها أمام الله شيئاً.......
أمة الإسلام! إن الأخوة الإسلامية توجب التناصح والتناصر، والتواصي بالحق والصبر عليه، وتمنع الغش والظلم والخديعة والأذى بالقول والعمل، وتمنع الغيبة والنميمة والبهتان، كما تمنع المسلم أن يخذل أخاه أو يتهاون في مد يد العون عند حاجته إليه.

أمة الإسلام! لقد مثَّل الرعيل الأول من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الأخوة الإسلامية أروع تمثيل؛ في التناصر والتلاحم والإيثار، وكونهم يداً واحدة في الحق ودفع الباطل، فما كان منهم إلا أن زلزلوا أركان الطغيان والفساد، وهزوا عروش الباطل وصروح الكفر والضلال، حتى ملكوا المشارق والمغارب، ورفعوا راية التوحيد خفاقَّة على جميع أرجاء المعمورة.
ويوم أن تخلى المسلمون عن منهج الله، وضلوا صراطه المستقيم، وتخبطوا في ضلالات المبادئ المنحرفة، ومتاهات النظم الفاسدة، انقطعت أواصر المحبة بينهم، وسلَّط الله عليهم أعداءهم؛ فساموهم سوء العذاب، وأصبح بأسهم بينهم، وابتلوا بأنواع العقوبات الدنيوية، والمصائب المختلفة، ففشت بينهم الحروب الطاحنة التي تقضي على الأخضر واليابس، والمذابح الرهيبة المهلكة للحرث والنسل، وانتشرت بينهم المجاعات والأمراض الفتَّاكة، والقحط والجفاف والجدب، وعم الخوف، وَعدِمَ الأمن، وساد نقص الأموال والأنفس والثمرات في بقاع كثيرة من العالم.

ومن هنا! يتجسد واجب المسلمين الذين يتقلبون في نعم الله صباح مساء بالمراكب الفارهة، والمساكن الفخمة، والموائد الواسعة، والأموال الطائلة!! يتجسد واجبهم أن يساعدوا إخوانهم في العقيدة، الذين حرموا من هذه النعم، وأصبح العشرات -بل المئات- يموتون يومياً من الجوع والفقر، وأصبح الآلاف هائمين على وجوههم، هاربين عن أوطانهم بحثاً عن لقمة العيش، حافية أقدامهم، عارية أجسادهم، حتى لا يجدوا ما يستر عوراتهم، كما هو واقع في بلادإفريقيا كثيراً، كما لا يخفى على كل مسلم الواقع المؤلم في أفغانستان المسلمة، وفي لبنان ، وفي فلسطين ، وفي غيرها من بلاد المسلمين.

فأي خذلان المسلمين بعضهم لبعضٍ أكثر من هذا؟
إن الواجب على المسلمين الذين أنعم الله عليهم بالنعم الوفيرة أن يساهموا في مساعدة إخوانهم المتضررين في كل مكان؛ طاعة لله ولرسوله ثم طاعة لولي الأمر المسلم؛حيث أصدر ملك هذه البلاد وقائدها دعوةً للمسلمين في هذا البلد وفي كل مكان أن يمدوا يد العون لإخوانهم المنكوبين من المجاعات والجفاف والقحط في أفريقيا ، فيا لها من دعوة مباركة يجب أن تجد آذاناً صاغية، وأن يكون لها صدىً عملي في نفوس المسلمين هنا وفي كل مكان، وجزى الله قائلها والمستجيب لها خير الجزاء.

إخوة الإسلام! إن نعم الله علينا وفيرة، وخيراته كثيرة، ولكن -ويا للأسف!- أساء كثير من الناس استعمالها، ولم يقوموا بشكرها في صرفها في وجوه البر والإحسان، فما أكثر الأموال الضائعة والمنفقة في غير الوجوه الشرعية، فهل يعي المبذرون لنعم الله، المسرفون في استعمالها الواقع المرير لهؤلاء المساكين الذين لا يجدون ما يسد رمقهم؟

وهل يتعظ من كفر بنعمة الله فأهانها ورماها في أماكن النفايات، وأساء استخدامها لأولئك المنكوبين، وهل يتذكر الذين ينفقون الأموال الطائلة في الحفلات والمناسبات المختلفة؛ بل في اللغو واللهو الباطل -والعياذ بالله- الوضع المبكي لأولئك القوم المتضررين؟

والله إننا لنخشى أن يُغيِّر الله حالنا، فيصيبنا ما أصابهم بين عشية وضحاها إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد:11].

أيها المسلمون! إن العالم -كله اليوم- يعيش في مجاعات رهيبة، وليت الأمر يقف عند المجاعات المادية!! بل المصيبة الكبرى هي المجاعات العظيمة التي أصابت الأرواح والقلوب، فقطعت صلتها بالله حتى ران عليها الذنوب والمنكرات، فمجاعات القلوب، وجدب الأرواح وقحطها، وضعف النفوس هو رأس كل بلاء، فما أحوج المسلمين في كل مكان أن يُغذَّوا أرواحهم وقلوبهم بالإيمان والعمل الصالح.

وإننا نناشد المسلمين في كل مكان -ومن هذا المكان المبارك- أن يقوموا بواجب الأخوة؛ فيساعدوا إخوانهم المسلمين المتضررين من المجاعات البدنية، لتكون عوناً لهم بتوفيق الله على صد المجاعات المعنوية، حتى يكون المسلمون يداً واحدة على أعدائهم كما كانوا، وما ذلك على الله بعزيز.