أجابت لجنة أمانة الفتوى بدار الإفتاء المصرية، عن سؤال حول تشريح الحيوانات الحية في بعض الجامعات بغرض الدراسة العملية مما يعرضها لمعاناة، وقد يودي بحياة بعضها في النهاية، مع العلم أنه قد وُجد الآن بدائل تؤدي نفس الغرض وقد ثبتت فاعليتها عمليًّا، فما الحكم الشرعي في ذلك!.


فقالت "دار الإفتاء": قال -تعالى- مُمْتَنًّا على عباده: "هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا"، وهذا شامل لجميع المنافع، فمنها ما يتصل بالحيوان والنبات والمعادن والجبال، ومنها ما يتصل بضروب الحِرَف والأمور التي استنبطها العقلاء، كما بَيَّن أن كل ذلك إنما خلقه كي يُنتفع به في الدين والدنيا، أما في الدنيا فليصلح أبداننا ولنقوى به على الطاعات، وأما في الدين فللاستدلال بهذه الأشياء والاعتبار بها، لقوله -تعالى-: "وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ".


والانتفاع له أشكال مختلفة: فقد يكون بالأكل، أو بالركوب، أو بالعمل، ونحو ذلك من ضروب الانتفاعات، ولا شك أن استخدام الحيوان في مجال التجارب والبحث العلمي والتدريب الأكاديمي هو شكل من أشكال الانتفاع، بشرط ألا يكون فيه تعذيب للحيوان بلا مُسَوِّغ، فقد حَثّ الشرع على الرحمة، ونهى عن الاعتداء بشكل عام، "وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ"، "وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ".


وروى الشيخان عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ"، وروى أبو داود والترمذي -وحَسَّنه- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لَا تُنْزَعُ الرَّحْمَةُ إِلَّا مِنْ شَقِيٍّ".


وقد اعتبر الشرع الرحمة بالحيوان والرفق به بابًا لدخول الجنَّة، كما اعتبر القسوة عليه وتعذيبه بابًا لدخول النار.


وعلى ذلك: فلا بُدَّ من الرحمة بالحيوان محل التجربة أو المسْتَخْدَم كوسيلة تعليمية، وإذا كان ما يستخدم فيه -سواء أكان تجربة أم تعليمًا- يقتضي جرحه أو قتله حالًا أو مآلًا فلا يجوز شرعًا اللجوء إليه إلا عند عدم وجود البدائل، أو عند عسر اللجوء إليها، ويكون استعمال الحيوان من باب الرخصة التي لا يُتَوَسَّع فيها، فإذا كانت الحاجة تندفع بواحد لم يجز أن يُستَعمَل اثنان وهكذا، فحينئذ ينتقل هذا الفعل من مرتبة الضرورة أو الحاجة التي يباح بمثلها المحظور إلى التَّلَهِّي بقتل أو بتعذيب ذي الروح، وهو ممنوع شرعًا، لقوله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لَا تَتَّخِذُوا شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا".


فإذا تعين استعمال الحيوان في التجارب العلمية أو كوسيلة تعليمية بما يقتضي جرحه أو قتله، فيجب أن يتم تخديره حتى لا يتألم، ما لم يكن محتاجًا إلى عدم تخديره، وأن يسارع إلى قتله بشكل رحيم بعد الانتهاء من التجربة إذا لم يمكن علاجه، لقوله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ".


وتكون الأولوية عند إجراء التجارب ونحوها أن تتم على الحيوانات التي أذن الشرع بقتلها مظنة عدم حصول الأذى منها مع عدم توفر طريقة أخرى لدرء أذاها، والله -تعالى- أعلم.