غربة نفسي..
أحيانا تجلس لوحدك ومع هذا تجد من نفسك وحشة عجيبة! وغربة غريبة! وكأنك قادم الى أصحاب جدد أو مدينة جديدة أو بيت جديد.. تحتاج الى وقت كاف للشعور بالأمان والراحة.. والألفة والود.. لكن كيف يحدث هذا مع نفسك؟

هل تذكرتم الصمت الرهيب الذي يخيم على شخصين متجاورين لم يجد أحد منهما في صاحبة أي ألفة ولا تواصل حرفي ولا حسي.. تجد الكلمة مخاضا شديدا قبل أن تخرج.. وهل تتذكرون مقابل هذا تسابق الأفكار وازدحام الكلمات في لقاء المحبين.. وصلات المتآلفين..

كذلك النفس.. أعني نفس كل واحد منا.. أنك واجد منها العجب العجاب.. فأحيانا تجد في خلوتك وانعزالك فرصة للتواصل العجيب معها .. والوصول الى أسرار متناثرة .. وحوارات مشوقة.. وتحليلات متسقة.. وكأنها صديق مخلص ورفيق أمين.. وأحيانا تجد نفسك في قمة الاغتراب عنها.. وتجد هي منك وحشة عجيبة.. كأنكما صاحبان تتسارقان النظر خلسة أيكم يبدأ عتابه؟ أيكم يلقي أحماله على الآخر..

هي لا تسعفك برأي ولا حكمة.. وانت لا تمحضها النصح ولا التوجيه.. كل منكما بات غريبا عن صاحبة.. كل واحد يريد فرض رغباته وآماله .. كل يسير في طريق عكسي.. نعم انها هي.. حينما نسير في طريقين مختلفين خلالها تنفجر الغربة بيننا

صدقوني ان غربة النفس عن صاحبها من أقسى الآلام.. تحوم حول نفسك وتدور في دوامة الوهم والتيه.. ترغب ان تهدأ وتسكن جوارحك.. وينعم قلبك ببرد الثقة والسلام.. لكنك عاجز كل العجز.. تماما كمن حار في حال مرضه الحسي حين يعجز عن تحديد موطن الداء! كذلك هو حال من تاه في شأنه المعنوي..

بخلاف هذا.. فالتوافق بينك وبين نفسك.. يورثك السكينة العجيبة.. الراحة المطلقة.. مهما عصفت بك آلام الجسد وألمت بك كروب الجسم .. فان دعم النفس الصديقة المحبة.. دعم عجيب ومذهل يجعل الروح تعتلي على احساس الجسد المنهك..

واذا كانت النفوس كبارا... تعبت في مرادها الأجساد

ان التواصل بينك وبين نفسك هو أن تقودها أنت بما تعلم انه الحق والصواب.. وان تجعلها تحت إمرتك بالحق والعدل.. لأنها لا تتفرد بالقيادة والامارة الا أذهبتك بعيدا عن سبيل الهدى.. ودرب الصواب.. وان أمهلتها حينا وتزعمتها حينا عرفت كيف تغدر بك ! واستولت على مفاصل ضعفك.. اما ان رأتك قائدا ملهما دائما صاحبتك مصاحبة المعجب في قوة قائده.. فباتت نعم الصديق المخلص لك .. والذي يعينك على اختصار الازمان والمكان في الوصول لآمالك..