بسم الله الرحمن الرحيم

بعض فتاوى العلماء عن رمضان وزكاة الفطر

س : أفيدونا عن السحور .. هل هو شرط في صحة الصوم ، أم أنه ليس كذلك ؟؟

ج: السحور ليس شرطاً في الصيام، وإنما هو سنة، عن النبي صلي الله عليه وسلم فعلها وأمر بها ، وقال تسحروا ، فإن في السحور بركة ) (متفق عليه من حديث أنس) . فيسن السحور ويسن تأخيره ، لأنه مما يقوي المسلم على الصيام ، ويخفف عنه مشقة الصوم ؛ لأنه يقلل مدة الجوع والعطش ، وقد جاء هذا الدين بالميسرات ، التي تيسر على الناس عباداتهم ، وترغبهم فيها ، ومن ذلك تعجيل الفطور وتأخير السحور ، فيسن للمسلم الصائم أن يقوم إلى السحور ويتسحر ولو بالقليل ولو بتمرة أو شربة ماء، عملا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي السحور فائدة أخرى روحية ، وهي التنبه والاستيقاظ قبل الفجر ، ساعة السحور التي يتجلى الله فيها لعباده ، فيجيب من دعا ، ويغفر لم استغفر ، ويتقبل ممن عمل صالحاً . وما أعظم الفرق بين من يقضي هذا الوقت ذاكراً تالياً ، من يمر عليه راقداً نائماً

الاحتلام والغسل للصائم

س: إذا احتلمت وأنا نائم في نهار رمضان ، ثم اغتسلت لأتطهر من الجنابة ، فهل هذا الغسل يفطر أم لا ؟

ج: كنت أظن السائل يسأل عن الاحتلام : هل يفطر أم لا؟ فقد يشتبه ذلك على بعض الناس . وأبادر فأقول:
إن الاحتلام لا يفطر .. لأنه شيء لا دخل للانسان فيه ، ولم يقصد اليه ، فهو لا يفطر .. نزول المني في الاحتلام لا يفطر .. وكذلك بالطبع الاستحمام لا يفطر ، فإنه طهارة أمر بها الشارع الحكيم وفرضها على المسلم ، وحتى لو دخل الماء من أذنيه فهو لا يفطر ، ولو كان يتمضمض ودخل الماء رغماً عنه وهو يتمضمض للوضوء أو للغسل ، فهو أيضاً غير مفطر لأنه من الخطأ المعفو عنه ، والله تعالى يقول : ( وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ، ولكن ما تعمدت قلوبكم ) الأحزاب : 5. والرسول يقول: ( إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان ) (رواه الطبراني في الأوسط عن ابن عمر بإسناد صحيح كما قال السيوطي في الأشباه ، ورواه في الكبير عن ابن عباس ورواه الحاكم أيضاً عنه ، وقال : صحيح كما رواه الطبراني عن ثوبان وأيضاً . رواه ابن ماجة عن ابن عباس وأبي ذر وهو من أحاديث الأربعين النووية ).

استعمال الحقنة الشرجية واللبوس ونحوها للصائم

س: هل تفطر الحقن التي تؤخذ في الوريد أو العضل ، وكذلك الحقن الشرجية واستعمال المرهم أو اللبوس في فتحة الشرج لأجل البواسير أو غيرها ؟

ج: لا يجهل أحد معنى الصوم البسيط ، وهو الامتناع عن الأكل والشرب ومباشرة النساء ، وهي أمور نص عليها القرآن . ولا يجهل أحد كذلك معنى هذه الأمور الممنوعة ، فقد كان يفهمها بداة الأعراب في عهد النبوة ، ولم يحتاجوا في فهم معنى الأكل أو الشرب إلى حدود وتعريفات منطقية . ولا يجهل أحد كذلك الحكمة الأولى للصيام ، وهي إظهار العبودية لله تعالى بترك شهوات الجسد طلباً لمرضاته سبحانه كما قال في الحديث القدسي ( كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي ، وأنا أجزي به ، يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي )رواه البخاري .
وإذا تبين ذلك رأينا أن تعاطي الحقن بأنواعها ، واستعمال المراهم ونحوها مما ذكره السائل ليس أكلا ولا شراباً في لغة ولا عرف ، ولا تنافي قصد الشارع من الصيام فهي لذلك لا تفطر . ولا موضع للتشديد في أمر لم يجعل الله فيه من حرج ، قال تعالى في آية الصيام ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد العسر )البقرة : 185 قال ابن حزم : لا ينقض الصوم حقنة (يعنون بها الحقنة الشرجية إذ الحقن العرقية والجلدية لم تكن عرفت في عهدهم) ولا سعوط " نشوق " ولا تقطير في أذن أو في إحليل أو في أنف ولا استنشاق وإن بلغ الحلقوم ، ولا مضمضة دخلت الحلق من غير تعمد ، ولا كحل وإن بلغ إلى الحلق نهاراً أو ليلاً ، بعقاقير أو غيرها ، ولا غبار طحن ، أو غربلة دقيق أو حناء أو عطر ، أو حنظل ، أو أي شئ كان ، ولا ذباب دخل الحلق بغلبة …الخ .
واستدل ابن حزم لما ذهب إليه فقال : " إنما نهانا الله في الصوم عن الأكل والشرب والجماع وتعمد القيء والمعاصي . وما علمنا أكلاً ولا شرباً يكون من دبر أو إحليل أو أذن أو عين أو أنف أو من جرح في البطن أو الرأس . وما نهينا قط عن أن نوصل إلى الجوف - بغير الأكل والشرب - ما لم يحرم علينا إيصاله " .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الكحل والحقنة والتقطير في الإحليل ووصول الدواء إلى الجوف عن طريق جراحة .. الخ . : " الأظهر أنه لا يفطر بشيء من ذلك فإن الصيام من دين الإسلام الذي يحتاج إلى معرفته الخاص والعام ، فلو كانت هذه الأمور مما حرمها الله ورسوله في الصيام ويفسد الصوم بها لكان هذا مما يجب على الرسول بيانه ، ولو ذكر ذلك لعلمه الصحابة وبلغوه الأمة كما بلغوا سائر شرعه . فلما لم ينقل أحد من أهل العلم عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك حديثاً صحيحاً ولا ضعيفاً ولا مسنداً ولا مرسلاً علم أنه لم يذكر شيئاً من ذلك والله أعلم .


هل يقبل صيام تارك الصلاة ؟

س: هل يقبل الصيام من تارك الصلاة ؟ أم أن العبادات كلها مقرونة بعضها ببعض بحيث لا يقبل شيء منها إذا ترك الآخر ؟

ج: المسلم مطالب أن يؤدي العبادات كلها : يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويصوم رمضان ويحج البيت متى استطاع إليه سبيلا . فمن ترك واحدة من هذه الفرائض بغير عذر يعتد الله به ، فلعلماء الإسلام فيه آراء شتى ، فمنهم من يذهب إلى كفره بترك أي واحدة منها . ومنهم من يكفر تارك الصلاة ومانع الزكاة . ومنهم من يكفر تارك الصلاة فحسب ، لمنزلتها في دين الله ولما ورد أن ( بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة ) رواه مسلم.
ومن ذهب إلى تكفير تارك الصلاة عمداً ، فلا يظن أن يقبل صومه ، إذ الكافر لا تقبل له عبادة أصلاً.
ومنهم من يبقي عليه إيمانه وإسلامه ما دام مصدقاً بالله ورسوله وما جاء به غير جاحد ولا مرتاب . ويكتفي هذا الفريق من العلماء بوصفه بالفسوق عن أمر الله .
ولعل هذا الرأي - والله أعلم - هو أعدل الأقوال وأقربها . وعلى هذا فإذا قصر لكسل أو هوى في بعض الفرائض - غير منكر ولا مستهزئ - وأدى البعض الآخر ، كان ناقص الإسلام ، ضعيف الإيمان ، ويخشى على إيمانه إذا استمر على الترك . ولكن الله تعالى لا يضيع أجر عمل أحسنه . بل له عند الله بقدر عمله : له مثوبة ما أدى . وعليه وزر ما فرط ( وكل صغير وكبير مستطر) القمر :53 ( فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره )الزلزلة : 7،8.

تأثير المعاصي على الصيام

س : ما حكم صائم رمضان إذا اغتاب أو كذب أو نظر إلى أجنبية بشهوة . أيصح صيامه أم يبطل ؟.

ج: الصوم النافع المقبول هو الذي يهذب النفس ، ويقوي إرادة الخير ، ويثمر التقوى المذكورة في قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون )البقرة : 183 . والواجب على الصائم أن يكف عن كل قول أو فعل يتنافى وصومه حتى لا يكون حظه من صيامه الجوع والعطش والحرمان . وفي الحديث : ( الصيام جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل ، وإذا سابه أو قاتله أحد فليقل : إني صائم ) رواه الشيخان . وقال عليه السلام : ( رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع ، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر ) (رواه النسائي وابن ماجة والحاكم ، وقال : صحيح على شرط البخاري) . وقال صلوات الله عليه ( من لم يدع قول الزور والعمل به ، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ) .( رواه البخاري وأحمد وأصحاب السنن ).. قال ابن العربي : مقتضى هذا الحديث ألا يثاب على صيامه ، ومعناه أن ثواب الصيام لا يقوم في الموازنة بإثم الزور وما ذكر معه .
ورأى ابن حزم: أن هذه الأشياء تبطل الصوم كما يبطله الطعام والشراب ، وروى عن بعض الصحابة والتابعين ما يفهم منه هذا .
ونحن - وإن لم نقبل برأي ابن حزم - نرى أن هذه المعاصي تضيع ثمرة الصيام وتفسد المقصود من شرعيته ، ومن أجل ذلك كان سلف الأمة الصالحون يهتمون بالصوم عن اللغو والحرام كما يهتمون بالصوم عن الشراب والطعام .. قال عمر رضي الله عنه : ( ليس الصيام من الشراب والطعام وحده، ولكنه من الكذب والباطل واللغو ) . وروى عن علي مثله .. وعن جابر قال: ( إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمآثم ، ودع أذى الخادم ، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صيامك ، ولا تجعل يوم فطرك ويوم صيامك سواء ) . وقال أبو ذر لطليق بن قيس : ( إذا صمت فتحفظ ما استطعت ) ، فكان طليق إذا كان يوم صيامه دخل فلم يخرج إلا إلى صلاة . وكان أبو هريرة وأصحابه إذا صاموا جلسوا في المسجد وقالوا : نطهر صيامنا .. وعن ميمون بن مهران : ( أهون الصيام الصيام عن الطعام والشراب ) .. وأياً ما كان الأمر فللصوم أثره وثوابه ، وللغيبة والكذب ونحوه عقابها وجزاؤها عند الله ( وكل شيء عنده بمقدار )الرعد : 8 . وكل عمل بحساب وميزان( لا يضل ربي ولا ينسى )طه : 52. وتأمل هذا الحديث النبوي عن دقة الحساب الإلهي في الآخرة تجد فيه الجواب الكافي عن هذا السؤال والسؤالين قبله : روى الإمام أحمد والترمذي عن عائشة رضي الله عنها أن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس بين يديه فقال : يا رسول الله إن لي مملوكين يكذبونني ويعصونني ، وأضربهم وأشتمهم ، فكيف أنا منهم؟ . ( يعني يوم القيامة ) فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : (يحسب ما خانوك وعصوك وكذبوك ، وعقابك إياهم ، فإن كان عقابك إياهم دون ذنوبهم كان فضلا لك ، وإن كان عقابك إياهم بقدر ذنوبهم كان كفافا لا لك ولا عليك ، وإن كان عقابك فوق ذنوبهم اقتص لهم منك الفضل الذي بقى قبلك) فجعل الرجل يبكي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويهتف . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ماله لا يقرأ كتاب الله ؟ ( ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً ، وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين ) الأنبياء : 47 . فقال الرجل يا رسول الله : ما أجد شيئاً خيراً من فراق هؤلاء - يعني عبيده - إني أشهدك أنهم أحرار كلهم .

السحور عند أذان الفجر

س: إذا تأخر الإنسان في السحور مجبراً ، كأن يغلبه النوم ، وسمع أذان الفجر وكان ما يزال يأكل طعام سحوره ، فهل يترك الطعام فور سماعه الأذان ؟ أم من الجائز الاستمرار في الأكل حتى انتهاء الأذان .

ج: إذا تأكد أن آذان الفجر في موعده المضبوط ، حسب التقويم المحلي للبلد الذي يصوم فيه ، وجب عليه أن يترك الأكل والشرب فور سماعه الأذان ، بل لو كان في فمه طعام وجب عليه أن يلفظه حتى يصح صومه . أما إذا كان يعرف أن الأذان قبل موعده بدقائق ، أو على الأقل يشك في ذلك فمن حقه أن يأكل أو يشرب حتى يستيقن من طلوع الفجر . وهذا ميسور الآن بواسطة التقويم ( الإمساكيات ) والساعات الدقيقة التي لا يخلو منها بيت .
قال رجل لابن عباس رضي الله عنهما : إني أتسحر ، فإذا شككت أمسكت . قال ابن عباس : كل ، ما شككت حتى لا تشك . وقال الإمام أحمد : إذا شك في الفجر يأكل حتى يستيقن طلوعه .
وقال النووي : وقد اتفق أصحاب الشافعي على جواز الأكل للشاك في طلوع الفجر : والدليل على ذلك أن الله تعالى أباح الأكل والشرب في ليلة الصيام إلى غاية هي تبين الفجر ، والشاك لم يتبين له الفجر ، قال تعالى : ( فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الأسود من الفجر ) البقرة : 187.
ومن هنا نتبين أن الإمساك مدة من الزمن قبل الفجر بصفة دائمة لم يرد به كتاب ولا سنة وهو لون من الغلو في الدين ، وينافي ما جاء في السنة من استحباب تأخير السحور . والله أعلم .

زكاة الفطر لمن صام في بلد وعيَّد في آخر

س : بالنسبة لزكاة الفطر ، إذا صام صائم ثلثي الشهر في بلد ما ، وكان ينوي صيام بقية الشهر في بلد آخر ويشهد العيد هناك . ففي أي البلدين يجب أن يخرج الزكاة ؟

ج: يخرج المسلم زكاة فطره في البلد الذي يدركه فيه أول ليلة من شوال " ليلة العيد " لأن هذه الزكاة ليس سببها الصيام وإنما سببها الفطر ولهذا أضيفت إليه وسميت زكاة الفطر ولهذا لو مات إنسان قبل مغرب اليوم الأخير من رمضان لم تكن زكاة الفطر واجبة عليه ، وإن صام سائر أيام رمضان . ولو ولد مولود بعد مغرب آخر يوم من رمضان أي في الليلة الأولى لدخول شهر شوال كان من الواجب إخراج زكاة الفطر عنه بالإجماع فهي زكاة مرتبطة بالعيد وبتعميم الفرحة به بحيث تشمل الفقراء والمساكين ، ولهذا جاء في الحديث ( أغنوهم في هذا اليوم ) .

خروج المرأة لصلاة التراويح

س: بعض المسلمات يواظبن على صلاة التراويح في المسجد ، تخرج إحداهن إلى الصلاة بدون إذن زوجها ، كما أن بعضهن تسمع أصواتهن متحدثات في المسجد ، فما حكم صلاتهن ، ؟ وهل هي واجبة عليهن ؟

ج: صلاة التراويح ليست واجبة على النساء ولا على الرجال ، وإنما هي سنة لها منزلتها وثوابها العظيم عند الله . روى الشيخان عن أبي هريرة قال : يأمرهم بعزيمة ثم يقول : ( من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه ) .
من صلى التراويح بخشوع واطمئنان مؤمناً محتسباً ، وصلى الصبح في وقتها ، فقد قام رمضان واستحق مثوبة القائمين .
وهذا يشمل الرجال والنساء جميعاً . إلا أن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها بالمسجد ، ما لم يكن وراء ذهابها إلى المسجد فائدة أخرى غير مجرد الصلاة ، مثل سماع موعظة دينية ، أو درس من دروس العلم ، أو سماع القرآن من قاريء خاشع مجيد . فيكون الذهاب إلى المسجد لهذه الغاية أفضل وأولى . وبخاصة أن معظم الرجال في عصرنا لا يفقهون نساءهم في الدين ، ولعلهم لو أرادوا لم يجدوا عندهم القدرة على الموعظة والتثقيف، فلم يبق إلا المسجد مصدراً لذلك فينبغي أن تتاح لها هذه الفرصة ، ولا يحال بينها وبين بيوت الله . ولا سيما أن كثيراً من المسلمات إذا بقين في بيوتهن لا يجدن الرغبة أو العزيمة التي تعينهن على أداء صلاة التراويح منفردات بخلاف ذلك في المسجد والجماعة .
على أن خروج المرأة من بيتها - ولو إلى المسجد - يجب أن يكون بإذن الزوج ، فهو راعي البيت ، والمسؤول عن الأسرة ، وطاعته واجبة ما لم يأمر بترك فريضة ، أو اقتراف معصية فلا سمع له إذن ولا طاعة .
وليس من حق الرجل أن يمنع زوجته من الذهاب إلى المسجد إذا رغبت في ذلك إلا لمانع معتبر . فقد روى مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ) .
والمانع المعتبر شرعاً : أن يكون الزوج مريضاً مثلاً ، وفي حاجة إلى بقائها بجواره تخدمه وتقوم بحاجته . أو يكون لها أطفال صغار يتضررون من تركهم وحدهم في البيت مدة الصلاة وليس معهم من يرعاهم ، ونحو ذلك من الموانع والأعذار المعقولة .
وإذا كان الأولاد يحدثون ضجيجاً في المسجد ، ويشوشون على المصلين بكثرة بكائهم وصراخهم ، فلا ينبغي أن تصطحبهم معها في فترة الصلاة . فإن ذلك وإن جاز في صلوات الفرائض اليومية لقصر مدتها ينبغي أن يمنع في صلاة التراويح لطول مدتها ، وعدم صبر الأطفال عن أمهاتهم هذه المدة التي قد تزيد على الساعة .
وأما حديث النساء في المساجد ، فشأنه شأن حديث الرجال ، ولا يجوز أن يرتفع الصوت به لغير حاجة . وبخاصة الأحاديث في أمور الدنيا ، فلم تجعل المساجد لهذا ، إنما جعلت للعبادة أو العلم .
فعلى المسلمة الحريصة على دينها أن تلتزم الصمت في بيت الله ، حتى لا تشوش على المصلين أو على درس العلم ، فإذا احتاجت إلى الكلام ، فليكن ذلك بصوت خافت وبقدر الحاجة ، ولا تخرج عن الوقار والاحتشام في كلامها ولبسها ومشيتها .
وأحب أن أقول هنا كلمة منصفة : إن بعض الرجال يسرفون إسرافاً شديداً في الغيرة على جنس النساء ، والتضييق عليهن ، فلا يؤيدون فكرة ذهاب المرأة إلى المسجد بحال ، برغم الحواجز الخشبية العالية التي تفصل بين الرجال والنساء ، والتي لم يكن لها وجود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته ، والتي تمنع النساء من معرفة تحركات الإمام إلا بالصوت والسماع ، ولا غرو أن ترى بعض هؤلاء الرجال يسمحون لأنفسهم في المسجد بالكلام والأحاديث ، ولا يسمح أحدهم لامرأة أن تهمس في أذن جارتها بكلمة ولو في شأن ديني ، وهذا مبعثه التزمت وعدم الإنصاف ، والغيرة المذمومة التي جاء بها الحديث : ( إن من الغيرة ما يبغضه الله ورسوله ) ، وهي الغيرة في غير ريبة .
لقد فتحت الحياة الحديثة الأبواب للمرأة . فخرجت من بيتها إلى المدرسة والجامعة والسوق وغيرها، وبقيت محرومة من خير البقاع وأفضل الأماكن وهو المسجد . وإني أنادي بلا تحرج ، : أن أفسحوا للنساء في بيوت الله ، ليشهدن الخير ، ويسمعن الموعظة ويتفقهن في الدين ، ولا بأس أن يكون من وراء ذلك ترويح عنهن في غير معصية ولا ريبة ، ما دمن يخرجن محتشمات متوقرات بعيدات عن مظاهر التبرج الممقوت . والحمد لله رب العالمين .


حبوب تأخير الحيض في رمضان

س: نحن نعلم أن صيام رمضان خير وبركة في جميع أيامه ، ولا نحب أن نحرم من بعض هذه الأيام صوماً ولا صلاة ، فهل يجوز لنا استعمال حبوب منع الحيض مع العلم بأن البعض قد جربه ولم يضر ؟

ج: أجمع المسلمون على أن المسلمة التي تأتيها العادة الشهرية في رمضان المبارك لا صيام عليها ، أي لا صيام عليها في الشهر وإنما يجب عليها القضاء ، وذلك تخفيف من الله ورحمة بالمرأة الحائض حيث يكون جسمها متعباً وأعصابها متوترة ، فأوجب عليها الإفطار إيجاباً وليس إباحة .. فإذا صامت لا يقبل منها الصيام ولا يجزئها ، ولا بد أن تقضي أياماً بدل هذه الأيام ، وهكذا كان يفعل النساء المسلمات منذ عهد أمهات المؤمنين والصحابيات رضي الله عنهن ومن تبعهن بإحسان - ولا حرج إذن على المرأة المسلمة إذا وافتها هذه العادة الشهرية أن تفطر في رمضان ، وأن تقضي بعد ذلك كما جاء عن عائشة : كنا نؤمر بقضاء الصوم ، ولا نؤمر بقضاء الصلاة (رواه البخاري ).
وأنا افضل شخصياً أن تسير الأمور على الطبيعة وعلى الفطرة . فما دام هذا الحيض أمراً طبيعياً فطرياً فليبق كما هو على الطبيعة التي جعلها الله عز وجل ، ولكن إذا كان هناك نوع من الحبوب والأدوية تتعاطاها بعض النساء ، لتأجيل الحيض كما هو معروف من حبوب منع الحمل ، وأرادت بعض النساء أن يتناولن هذه الحبوب لتأخير العادة عن موعدها حتى لا تفطر بعض أيام رمضان ، فهذا لا بأس به بشرط أن تتأكد من عدم إضراره بها . وذلك باستشارة أهل الذكر ، أهل الخبرة .. باستشارة طبيب حتى لا تتضرر من تناول هذه الحبوب . فإذا تأكد لها ذلك وتناولت هذه الحبوب وتأخرت العادة صامت ، فإن صيامها مقبول إن شاء الله .

س: لقد اضطررت للإفطار ستة أيام في السنة الماضية في شهر رمضان المبارك بسبب العادة الشهرية ، وعندما أردت قضاء هذه الأيام بدأت بصومها في العشرين من شعبان وبعد ما صمت يومين أتاني كثير من الناس وقالوا لي : إنه لا يجوز قضاء الصوم في شهر شعبان فما رأيكم في هذا ؟

ج: لا حرج ولا بأس بقضاء ما فات المسلمة أو المسلم من رمضان في أي شهر من الشهور حتى في شعبان نفسه ، بل قد ورد أن عائشة كانت أحياناً تتأخر بقضاء بعض الأيام إلى شعبان فتصومها قبل أن يأتي رمضان فلتطمئن المسلمة على الأيام التي صامتها ، وهي مقبولة ومجزئة عنها والله تعالى يتقبل من المتقين .

س: أنا بنت عمري 18 سنة وأول ما جاءني الحيض خرج مني شيء أبيض مثل الترشيح لا أعرفه ، هل يصح لي الصلاة والصيام ؟

ج: هذه الأشياء تعتبر إفرازات طبيعية بالنسبة للفتاة وبالنسبة للمرأة ، والذي يوجب الفطر ويحرم الصلاة وغيرها إنما هو الدم . دم الحيض المعروف بالحمرة القانية ، فإذا لم يكن هناك دم وإنما كان هناك بعض الإفرازات بالصفة التي تصفها السائلة فلا تخف الأخت السائلة منها . ولها - بل عليها - أن تصوم وأن تصلي وأن تؤدي عباداتها والله تعالى يتقبل منها .

استعمال السواك ومعجون الأسنان للصائم

س: ما حكم استعمال السواك للصائم ، وخاصة الاستياك بمعجون الأسنان ؟

ج: السواك قبل الزوال مستحب كما هو دائماً ، وبعد الزوال اختلف الفقهاء فقال بعضهم : يكره الاستياك للصائم بعد الزوال . وحجته في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ) (رواه البخاري من حديث أبي هريرة ) فهو يرى أن ريح المسك هذا لا يحسن أن يزيله المسلم ، أو يكره له أن يزيله ، ما دامت هذه الرائحة مقبولة عند الله ومحبوبة عند الله ، فليبقها الصائم ولا يزيلها ، وهذا مثل الدماء .. دماء الجراح .. التي يصاب بها الشهيد ، قال النبي صلى الله عليه وسلم في الشهداء : ( زملوهم بدمائهم وثيابهم ، فإنما يبعثون بها عند الله يوم القيامة اللون لون الدم والريح ريح المسك ) ولذلك يبقى الشهيد بدمه وثيابه لا يغسل ولا يزال أثر الدم . قاسوا هذا على ذلك . والصحيح أنه لا يقاس هذا على ذلك ، فذلك له مقام خاص ، وقد جاء عن بعض الصحابة أنه قال : ( رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتسوك ما لا يحصى وهو صائم ) فالسواك في الصيام مستحب قبل الصيام وبعد الصيام … فهو سنة أوصي بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : ( السواك مطهرة للفم مرضاة للرب )(رواه النسائي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما .ورواه البخاري معلقاً مجزوما). ولم يفرق بين الصوم وغيره .
أما معجون الأسنان ، فينبغي التحوط في استعماله بألا يدخل شيء منه إلى الجوف وهذا الذي يدخل إلى الجوف مفطر عند أكثر العلماء ، ولذا فالأولى أن يجتنب المسلم ذلك ويؤخره إلى ما بعد الإفطار، ولكن إذا استعمله واحتاط لنفسه وكان حذراً في ذلك ودخل شيء إلى جوفه فهو معفو عنه والله سبحانه وتعالى يقول : ( وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ، ولكن ما تعمدت قلوبكم ) الأحزاب : 5 والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) والله تعالى أعلم .


هل تختلف زكاة الفطر من عام إلى آخر

س: هل زكاة الفطر تختلف من عام إلى عام ؟

ج: زكاة الفطر لا تختلف لأنها محدودة بمقدار شرعي ، وهذا المقدار هو الصاع والصاع حدده النبي صلى الله عليه وسلم ، والحكمة فيما أرى من ذلك ترجع إلى أمرين :
الأمر الأول : أن النقود كانت عزيزة عند العرب ، خاصة أهل البوادي منهم ، فلو قلت لأحدهم : ادفع كذا درهماً أو ديناراً ، فلن تجد لديه من ذلك شيئاً .. ليس لديه إلا الأطعمة الشائعة كالتمر والزبيب والشعير وغيره مما كان يقتات به العرب يومئذ .
وهذا مما جعل النبي صلى الله عليه سلم يحدد زكاة الفطر بالصاع .
الأمر الثاني : أن النقود تتغير قدرتها الشرائية من وقت لآخر ، فأحياناً نجد الريال منخفض القيمة ، وقوته الشرائية متدنية جداً ، وفي أحيان أخرى ترتفع قيمته الشرائية في الأسواق ، مما يجعل تحديد الزكاة بالنقود مضطرباً بين الصعود والهبوط ، ولا يستقر على حال ، ولهذا حددها النبي صلى الله عليه وسلم بمقدار لا يختلف ولا يضطرب وهو الصاع . والصاع هذا يشبع عائلة ليوم طعاماً في الغالب .
وقد حدد النبي عليه الصلاة والسلام الأقوات التي كانت شائعة في عصره ، وهي ليست على سبيل الحصر ، ولهذا قال العلماء بأن الإخراج من غالب قوت البلد جائز ، سواء أكان بُراً أم أرزاً أم ذرة أم غير ذلك .
والصاع يساوي ربعة وزيادة بمقدار قليل ، أي نحو كيلوين من الطعام ( 2كلغم ) أو خمسة أرطال تقريباً .
ويمكن دفع القيمة ، على مذهب أبي حنيفة .
وإن كان موسراً فالأفضل أن يدفع زيادة على قيمة الصاع ، لأن الطعام لم يعد مقصوراً هذه الأيام على الأرز مثلاً ، بل لابد أن يكون معه اللحم والمرق والخضر والفاكهة وغير ذلك . والله أعلم .


المرأة وصلاة التراويح

س: هل الأفضل للمرأة في شهر رمضان المبارك أن تصلي التراويح في البيت أم في المسجد ؟

ج: صلاة التراويح بالنسبة للمرأة وللرجل جميعاً ، يجوز أن تؤدى في البيت ويجوز أن تؤدى في المسجد ، إلا أن صلاة المرأة في بيتها -بصفة عامة - أفضل . ولكن اذا كانت المرأة تستفيد في المسجد درساً علمياً أو تسمع موعظة تنتفع بها في دينها ، تكون صلاتها في المسجد افضل لها . فإن طلب العلم والتفقه في الدين فرض عليها .
والحقيقة أني أرى النساء في هذه الأيام محرومات من التوجيهات الدينية النافعة ، والدروس العلمية التي تفقهها في دينها ، وتعرفها حق ربها وواجب طاعته وعبادته والاستقامة على نهجه ، كما تعرفها حق زوجها ، وحق أولادها ، فلا الزوج يعلمها ذلك ، ولا هي تسعى إلى دروس العلم .
فإذا كان رمضان ، وأمكن أن تستفيد مما يلقى فيه من دروس ومواعظ ، فالأفضل لها أن تذهب إلى المسجد ، وإلا فلها أن تصلي في البيت ، وإذا رغبت - على أي حال - أن تصلي في المسجد ، فليس لزوجها أن يمنعها ، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ) (رواه مسلم ) بشرط أن تلتزم المرأة الأدب الإسلامي في ملابسها وفي مشيتها ، ولا تتبرج بزينة ، ولا تذهب متبخترة كأنها تعرض نفسها .. لا ينبغي هذا ، وإنما ليكن ذهابها خالصاً لله ، لا للفرجة ولا للمباهاة، وهذا ما ينبغي أن تحرص عليه المرأة المسلمة .

قضاء رمضان بعد مرور رمضان آخر

س: إذا أفطرت لعذر بضعة أيام من رمضان ، وجاء رمضان آخر ولم أقض ما عليَّ ، فما الحكم في ذلك ، هل أقضي وأفدي ؟ وإذا حدث لدي شك في عدد الأيام التي أفطرتها ، فما افعل حتى أزيل هذا الشك وأرضي الله تعالى ؟

ج: بعض الأئمة يقولون ، بأنه إذا مر رمضان وجاء رمضان آخر ولم يقض ما عليه من أيام أفطرها في رمضان السابق ، فعليه القضاء والفدية ، هي إطعام مسكين عن كل يوم مداً من غالب قوت البلد، والمد يساوي تقريباً نصف كيلو غرام ، يزيد قليلا .
هذا في مذهب الشافعية ، والحنابلة ، عملا بما جاء عن عدد من الصحابة ، والأئمة الآخرون لم يوجبوا هذا .
على كل حال ، فإن حدث معه مثل هذا فعليه القضاء جزماً ، أما الإطعام أو الفدية فإن فعلها فحسن ، وإن تركها فلا حرج عليه إن شاء الله ، حيث لم يصح شيء في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم .
أما عند الشك في عدد الأيام ، فيعمل الإنسان بغالب الظن ، أو باليقين .. فلكي يطمئن الإنسان على سلامة دينه وبراءة ذمته ، فليصم الأكثر ، وله على ذلك مزيد الأجر والثواب .