زهرات نقطفها من رمضان .


هل أنت راض عن رمضان الماضي ؟


سؤال لو طرح لرأينا أن إجابات الكثير منا تكاد تكون متشابهة في عدم الرضا .
فقد أجرى أحد المواقع على شبكة الانترنت استطلاعا للنساء فقط ، كان من بين أسئلة الاستطلاع : هل أنت راضية عن نفسك في رمضان الفائت؟
وقد تباينت النسب بشكل كبير, فلم تكن راضية إلا مشاركة واحدة فقط بما نسبته 4% أما خيار :"إلى حد ما".. فقد حاز على النسبة 39%، وغير الراضيات بلغن ما قرابته 56% أي ما يجاوز النصف!


هكذا هو حال معظمنا مع رمضان الماضي وغيره . فما الذي يمنعنا أن نجلس مع أنفسنا لحظات نقيم أنفسنا في رمضان السابق حتى نصل إلى الرضا في رمضان الحالي ، عملا بمقولة الفيلسوف الصيني كونفشيوس: "إذا أردت أن يكون المستقبل صفحة مفتوحة أمامك ، فعليك أولًا أن تدرس الماضي " .



قد أتتنا الفرصة مرة أخرى لنستدرك ما فاتنا من الأجر ، ولنري الله تعالى من أنفسنا خيرا في هذا الشهر العظيم ، و لنكن عازمين على قطف عشر زهرات في هذا الشهر ، وليكن هذا هدفنا الذي نسعى إليه لأنه بدون هدف سنعيش حياتنا نتنقل من مشكلة لأخرى بدلا من التنقل من فرصة لأخرى كما قال " تشارلز جبنز " و الآن هيا بنا نقطف هذه الزهرات العشر!


الزهرة الأولى : حياة بدون معاصٍ
عَن أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ ، وَفُتِحَتْ أَبْوَابُ الْجِنَانِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ وَ نَادَى مُنَادٍ : يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ " رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين .


وقال ابن العربي: «وإنما تفتح أبواب الجنة ليعظم الرجاء، ويكثر العمل ، وتتعلق به الهمم ، ويتشوق إليها الصابر، وتغلـق أبواب النار لتجزى الشياطين، وتقل المعاصي ، ويصد بالحسنات في وجوه السيئات فتذهب سبيل النار».

و قال بدر الدين الحنفي « صفدت الشياطين عبارة عن تعجيزهم عن الإغواء وتزيين الشهوات وصفدت بمعنى سلسلت فإن قلت قد تقع الشرور والمعاصي في رمضان كثيرا فلو سلسلت لم يقع شيء من ذلك قلت هذا في حق الصائمين الذين حافظوا على شروط الصوم وراعوا آدابه وقيل المسلسل بعض الشياطين وهم المردة لا كلهم كما تقدم في بعض الروايات والمقصود تقليل الشرور فيه وهذا أمر محسوس فإن وقوع ذلك فيه أقل من غيره وقيل لا يلزم من تسلسلهم وتصفيدهم كلهم أن لا تقع شرور ولا معصية لأن لذلك أسبابا غير الشياطين كالنفوس الخبيثة والعادات القبيحة والشياطين الإنسية » .

فماذا يمنعك الآن من ترك المعاصي ؟!
أما آن الأوان لتفتح صفحة جديدة مع ربك ؟!
صفحة بيضاء لا يكتب فيها إلا الطاعة ، و لا تطوى إلا على خير !


الزهرة الثانية : السعادة في الدنيا والآخرة

عَن أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : "...لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ ، وَإِذَا لقي رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ " رواه البخاري .

أي سعادة تلك التي تجدها عند فطرك ؟
إنها سعادتك بالطاعة ، و تنفيذك لأمر الله تعالى .
وأما سعادتك العظيمة حينما تقدم على ربك جل في علاه ، وتجد جزاء صيامك الذي أعده الله تعالى لك .

الزهرة الثالثة : الإخلاص والطهارة من الرياء

عن ابن شهاب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لَيْسَ فِي الصِّيَامِ رِيَاءٌ " رواه البيهقي

و عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "...يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِى ، الصِّيَامُ لي ، وَأَنَا أَجْزِى بِهِ ... " رواه البخاري .

ما أجمل الصيام حين نجني من ثمراته الإخلاص !

وما أجمل قول الحسن البصري عندما كان يعاتب نفسه و يوبخها بقوله : " تتكلمين بكلام الصالحين القانتين العابدين ، وتفعلين فعل الفاسقين المرائين ، والله ما هذه صفات المخلصين " .

الزهرة الرابعة : الدعاء المستجاب

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - : قال : قال رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- : « ثَلاثَةٌ لا تُرَدُّ دَعْوَتُهم : الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرُ ... " رواه ابن حبان وصححه الألباني .

الكثير منا يتمنى أن يكون مستجاب الدعوة .
فما أجمل أن ترفع يديك إلى الله تعالى بالدعاء فتعود ملآ من فيض الله تعالى !

إنها المنحة الربانية للنفس الصائمة أن تكون مستجابة الدعوة .
فشمر وارفع يديك إلى السماء و لا تحمل هم الإجابة ، كما كان يقول الفاروق عمر : " إني لا أحمل هم الإجابة ولكني أحمل هم الدعاء " .


الزهرة الخامسة : التميز في الدنيا والآخرة


عَنْ سَهْلٍ - رضي الله عنه - عَنِ النبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ في الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ يُقَالُ أَيْنَ الصَّائِمُونَ فَيَقُومُونَ ، لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ ، فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ " رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري .


أي عز وتميز يضاهي دعوتك للدخول من باب الريان ؟!
وأي سعادة يشعر بها أرباب الصيام ؟!

إنهم تميزوا في الدنيا بين العباد بترك الطعام والشراب والشهوات لله ، فميزهم الله تعالى يوم القيامة بالدخول من باب الريان .

الزهرة السادسة : ثواب حجة مع الرسول صلى الله عليه وسلم
عن أَنَس بن مَالِكٍ ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ كَحَجَّةٍ مَعِي". صححه الألباني . والمراد بقوله " كحجة " أي في حصول الثواب.


فدع عنك الكسل وبادر إلى العمل ، واغتنم أوقات الشهر في الطاعة ، وليكن لك عمرة فيه قدر المستطاع ، وإلا فلتحرص على الصلاة المكتوبة وسنة الضحى .

فعن أبي أمامة : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال " من خرج من بيته متطهرا إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج المحرم ومن خرج إلى تسبيح الضحى لا ينصبه إلا إياه فأجره كأجر المعتمر وصلاة على إثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين " . رواه أبو داود وحسنه الألباني .


الزهرة السابعة : ثواب عمل 83 سنة وأفضل

قال تعالى : " إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ...".

عن أنس بن مالك قال دخل رمضان فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " إن هذا الشهر قد حضركم وفيه ليلة خير من ألف شهر من حرمها فقد حرم الخير كله ولا يحرم خيرها إلا محروم " رواه بن ماجة وصححه الألباني .

فلا تحرم نفسك من ثواب هذه الليلة ، حتى لا تصبح محروما .
وتحر هذه الليلة في العشر الأواخر من رمضان .
واجتهد في العبادة عسى أن يرزقك الله ثوابها .


الزهرة الثامنة : غفران الذنوب

عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنِ النبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ، وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " متفق عليه .

يقول ابن حجر في فتح الباري : "وَالْمُرَاد بِالْإِيمَانِ الِاعْتِقَاد بِحَقِّ فَرْضِيَّةِ صَوْمِهِ ، وَبِالِاحْتِسَابِ طَلَب الثَّوَابِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى . وَقَالَ الْخَطَّابِيّ : اِحْتِسَابًا أَيْ عَزِيمَة ، وَهُوَ أَنْ يَصُومَهُ عَلَى مَعْنَى الرَّغْبَة فِي ثَوَابِهِ طَيِّبَةً نَفْسُهُ بِذَلِكَ غَيْرَ مُسْتَثْقِل لِصِيَامِهِ وَلَا مُسْتَطِيل لِأَيَّامِهِ " .

الزهرة التاسعة : الفوز بالشفاعة

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أي رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ، فشفعني فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ، فشفعني فِيهِ، قَالَ: فَيُشَفَّعَانِ " رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين .


قال أبو نعيم الأصبهاني – صاحب كتاب حلية الأولياء - حدثنا أبو الفيض ذو النون بن إبراهيم المصري قال: إن لله عز وجل لصفوة من خلقه وإن لله عز وجل لخيرة، فقيل له: يا أبا الفيض فما علامتهم. قال: إذا خلع العبد الراحة وأعطى المجهود في الطاعة وأحب سقوط المنزلة .

الزهرة العاشرة : العتق من النار
عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ لِلَّهِ عِنْدَ كُلِّ فِطْرٍ عُتَقَاءَ ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ ) . رواه أحمد وابن ماجه. وصححه الألباني .

إنه الهدف الذي نسعى إليه دائما ، ونردده في دعائنا كثيرا ، " اللهم اجعلنا من عتقائك من النار " .
فلنسارع جميعا إلى الطاعة ، ولنتزود من العبادة في شهر القرآن ، حتى نكون من عنقاء الله تعالى و من خواصه تعالى .

فعن البراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن لله عز وجل خواص يسكنهم الرفيع من الجنان كانوا أعقل الناس قلنا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكيف كانوا أعقل الناس ؟ قال: كانت همتهم المسابقة إلى ربهم عز وجل والمسارعة إلى ما يرضيه وزهدوا في فضول الدنيا ورياستها ونعيمها وهانت عليهم فنصبوا قليلاً واستراحوا طويلاً " [ حلية الأولياء] .