الأدلة الشرعية في إثبات صرع الشيطان للإنسان










والرد على المنكرين


المقدمة :
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمد عبده ورسوله.
وبعد...
فإن مسألة دخول الجن بدن الإنسان وتسببه في صرعه من المسائل العقائدية التي كتب فيها الأقدمون والمحدثون من علماء أهل السنة والمعتزلة وغيرهم، منهم من أنكر ذلك، ومنهم من أثبت ذلك،فأحببت أن أكتب في هذه المسألة وفق المنهج العلمي جامعاً الأدلة الشرعية والحسية، مضيفاً في الموضوع جديداً، خاصة الرد العلمي على المنكرين لدخول الجن بدن الإنسان من الأقدمين والمحدثين، موضحاً تهافت أدلتهم وأقوالهم، مبيناً اعتقاد أهل السنة والجماعة في هذا الموضوع.
وقد قسمت البحث إلى المطالب التالية:
أولاً: إثبات أن دخول الجن بدن الإنسان وصرعه له هو اعتقاد أهل السنة والجماعة، وهو محل اتفاق من قبل أئمة السلف الصالح وأهل السنة، كما نقل غير واحد من أهل العلم.
ثانياً: جمع الأدلة الشرعية من الكتاب الكريم والسنة النبوية الصحيحة التي تثبت هذا الاعتقاد، وموضحاً ذلك بأقوال أئمة أهل العلم من المفسرين وعلماء الحديث وغيرهم، وإضافة الأدلة الحسية المشاهدة إلى ذلك.
وقد روى العلماء الثقات المشهورون حوادث كثيرة تثبت دخول الجن بدن الإنسان، وأنهم شاهدوا ذلك بما لا يدع مجالاً للإنكار.
3.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية (توفي سنة 728هـ): "ودخول الجن في بدن الإنسان ثابت باتفاق أئمة أهل السنة والجماعة.. وليس في أئمة الإسلام من ينكر دخول الجني في بدن المصروع وغيره"( ). وتحدث رحمه الله عن صرع الجن للإنسان ثم قال: "وقد اتفق عليه أئمة الإسلام كما اتفقوا على وجود الجن"( ).
4.
يقول العلامة محي الدين شيخ زاد (توفي سنة 951هـ): "إن أهل السنة يعتقدون بأن الشيطان يمس الإنسان ويتخبطه ويسبب له الجنون، وأن له تأثيراً في بعض أجسام الناس)( ).
5.
يقول العلامة ابن حجر الهيثمي (توفي سنة 974هـ): "فدخوله (أي الجني) في بدن الإنسان هو مذهب أهل السنة والجماعة"( ).
6.
تحدثَّ العلامة السيد محمود أفندي الألوسي (توفي سنة 1270هـ) عن المس الشيطاني للإنسان مستشهداً بقوله تعالى: ]الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس[سورة البقرة: 275( ) ثم قال: "واعتقاد السلف وأهل السنة أن ما دلت عليه أمور حقيقة واقعة، كما أخبر الشرع عنها، والتزام تأويلها كلها يستلزم خبطاً طويلاً لا يميل إليه إلا المعتزلة ومن حذا حذوهم، وبذلك ونحوه خرجوا عن قواعد الشرع القويم، فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون"( ).
7.
وذكر الأستاذ القاسمي (توفي سنة 1332هـ) في تفسيره نفس أقوال الإمام ابن المنير( ).
8.
يقول الشيخ عبد العزيز بن باز (مفتي السعودية السابق): "وقد دل كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع الأمة على جواز دخول الجني بالإنس وصرعه إياه"( ).
ثانياً: الأدلة الشرعية على دخول الجني بدن الإنسان وصرعه إياه:
أ-الأدلة من القرآن الكريم:
يقول الله عز وجل: ]الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس..[سورة البقرة:275.
اعتمد أئمة علماء أهل السنة والجماعة على هذه الآية الكريمة في إثبات صرع الشيطان للإنسان وقدرته على دخول بدنه، وبهذه الآية ردوا على المعتزلة المنكرين لذلك. وأذكر هنا طائفة من أقوال أئمة التفسير وغيرهم التي تبين وجه استدلالهم بهذه الآية الكريمة.
1.
يقول الإمام الطبري (توفي سنة 310هـ) في تفسيره: "فقال جلَّ ثناؤه للذين يأكلون الربا الذي وصفنا صفته في الدنيا لا يقومون في الآخرة من قبورهم إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس، يعني بذلك: يتخبطه فيصرعه من المس، يعني من الجنون، وبمثل ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل"( ).
2.
يقول أبو إسحاق الزجاج (توفي سنة 311هـ): "المعنى: الذين يأكلون الربا لا يقومون في الآخرة إلا كما يقوم المجنون من حالة جنونه، يقال بفلان مس، وهو أَلمْسَ وأَوْلقَ: إذا كان به جنون"( ).
3.
يقول الماوردي (توفي سنة 450هـ): ]لا يقومون يوم القيامة من قبورهم إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس[، يعني الذي يخنقه الشيطان في الدنيا من المس، يعني الجنون"( ).
4.
يقول البغوي (توفي سنة 516هـ): "لا يقومون: يعني يوم القيامة من قبورهم ]إلا كما يقوم الذي يتخبطه[أي يصرعه الشيطان، أصل الخبط: الضرب والوطء، وهو ضرب على غير استواء، ]من المس[أي الجنون، يقال مس الرجل فهو ممسوس إذا كان مجنوناً، ومعناه آكل الربا يبعث يوم القيامة وهو كمثل المصروع"( ).
7.
يقول النسفي (توفي سنة 701هـ): "لا يقومون إذا بعثوا من قبورهم ]إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان[أي المصروع.. والخبط: الضرب على غير استواء، كخبط من الجنون.. أي لا يقومون من المس الذي كان بهم إلا كما يقوم المصروع"( ).
8.
يقول أبو حيان الأندلسي (توفي سنة 754هـ): "وظاهر الآية أن الشيطان يتخبط الإنسان، فقيل ذلك حقيقة هو من فعل الشيطان، بتمكين الله تعالى له من ذلك في بعض الناس، وليس في العقل ما يمنع ذلك، وأصله من المس باليد، كان الشيطان يمس الإنسان فيجنه، ويسمى الجنون مساً، كما أن الشيطان يخبطه ويطأه برجله فيخبله، فسمي الجنون خبطة.. وهو على سبيل التأكيد ورفع ما يحتمله من المجاز.."( ).
9.
يقول بن جزي الكلبي (توفي سنة 741هـ): "أجمع المفسرون أن المعنى لا يقومون من قبورهم في البعث إلا كالمجنون، ويتخبطه يتفعله من قولك: خبط يخبط، والمس: الجنون"( ). وما قاله حق، فلمْ يخالف في ذلك أحد من المفسرين.
10.
يقول ابن كثير (توفي سنة 774هـ): "أي لا يقومون من قبورهم يوم القيامة إلا كما يقوم المصروع حال صرعه وتخبط الشيطان له، وذلك أنه يقوم قياماً منكراً"( ).
11.
د يقع أحياناً، وله عند أهله الحاذقين إمارات يعرفونه بها، وقد يدخل في بعض الأجساد .
12.
يقول محمد الطاهر بن عاشور (توفي سنة 1284هـ) :"والذي يتخبطه الشيطان هو المجنون الذي أصابه الصرع، فيضطرب به اضطرابات، ويسقط على الأرض ليظهر المراد من تخبط الشيطان، "( ).
13.
يقول سيد قطب (توفي سنة 1965هـ): "إن صورة الممسوس المصروع صورة معروفة معهودة عند الناس، والنص القرآني يستحضرها لتؤدي دورها الإيجابي في إفزاع حس الإنسان المرابي واستجاشة مشاعره"( ).
تلك أقوال بعض مفسري أهل السنة والجماعة التي تبين بجلاء أن القرآن الكريم قد أثبت ظاهرة المس الشيطاني للإنسان وصرعه له، وتسببه في الجنون. ولقد فسَّر علماء أهل السنة والجماعة إثبات دخول الجن في بدن الإنسان وصرعه له، والدارس لمصنفاتهم في العقيدة والتفسير والحديث وغيرها يجد كثيراً من الأحاديث التي يسوقونها للاستدلال على ما ذهبوا إليه، وأذكر هنا طائفة من الأحاديث الصحيحة التي تدل صراحة على صحة هذا الاعتقاد الذي ذهب إليه أهل السنة والجماعة. ومن ذلك:
1-
ما رواه البخاري ومسلم وأبو داود عن صفية بنت حيي زوج النبيrقالت: "كان النبيrمعتكفاً، فأتيته أزوره ليلاً، فحدثته، ثم قمت لأنقلب، فقام ليقلبني، وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد، فمر رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبيrأسرعا، فقال النبيr: "على رسلكما، إنها صفية بنت حيي، فقالا: "سبحان الله يا رسول الله! فقالr: "إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شراً، أو شيئاً"( ).
استدل بهذا الحديث على قدرة الجن سلوك بدن الإنسان جماعة من علماء وأئمة أهل السنة والجماعة منهم: والقرطبي في تفسيره( )، وابن تيمية في فتاويه( )،وابن حجر الهيثمي وردَّ به على المعتزلة منكري ذلك( )، والبقاعي في تفسيره( )، وابن حجر العسقلاني في بذل الماعون( )، والعلامة موفق الدين بن عبد اللطيف البغدادي( )، والقاسمي في تفسيره( )، وحكى النووي أن بعض علماء الشافعية استدلوا بالحديث على أن الله جعل للشيطان قوة وقدرة على الجري في باطن الإنسان مجاري دمه( ).
2-
ما أخرجه ابن ماجه وابن أبي عاصم وغيرهما عن عثمان بن أبي العاص قال: "لما استعملني رسول اللهrعلى الطائف جعل يعرض لي شيء في صلاتي حتى ما أدري ما أصلي فلما رأيت ذلك رحلت على رسول اللهr، فقال: ابن العاص؟ قلت نعم يا رسول الله، قال: ما جاء بك؟ قلت: يا رسول الله عرض لي شيء في صلاتي حتى ما أدري ما أصلي، قال: ذاك الشيطان، أدنه، قال: فدنوت منه، فجلست على صدور قدمي، قال: فضرب صدري بيده وتفل في فمي، وقال: اخرج عدو الله، ففعل ذلك ثلاث مرات، ثم قال: الحق بعملك، فقال عثمان: فلعمري ما أحسبه خالطني"( ).
الحديث صحيح الإسناد، فرجاله ثقات وإسناده صحيح. قاله البوصيري( )، وصححه الحاكم في المستدرك، ومحمد ناصر الدين الألباني( )، والأستاذ بشار معروف( ) ودلالة الحديث على تلبس الجن بالإنسان ظاهرة، فقولهr: "اخرج عدو الله" تدل على وجود الشيطان داخل بدن الإنسان، فلذا أمَرَه عليه الصلاة والسلام بالخروج منه.
3-
ما رواه أحمد وأبو داود والنسائي والطبراني والحاكم عن أبي اليسر كعب بن عمرو السَّلمي رضي الله عنه قال: "كان رسول اللهrيقول: "اللهم إني أعوذ بك من التردي والهدم، والغرق والحريق، وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت، وأعوذ بك أن أموت في سبيلك مدبراً وأعوذ بك أن أموت لديغاً"( ).
فقوله عليه الصلاة والسلام: "أن يتخبطني" فيه دلالة واضحة على المس الحقيقي. يقول ابن الأثير[IMG]http://www.*******.com/vb/images/smilies/19.gif[/IMG]يتخبطني) تخبطه الشيطان إذا صرعه ولعب به( ). وجاء في لسان العرب: التخبط من الشيطان: إذا مسَّ الإنسان بخبل أو جنون( ). واستدل بهذا الحديث على إثبات صرع الشيطان للإنسان غير واحد من أهل العلم( ).
والحديث صحيح الإسناد، صححه الحاكم ووافقه الذهبي( )، والشيخ محمد ناصر الدين( ) وقال الشيخ عبد القادر الأرناؤوط: وإسناده حسن( )، وصححه محققو سنن أبي داود( )
4-
ما رواه أحمد والترمذي وأبو داود والنسائي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "كان رسول اللهrإذا قام من الليل كبَّر، ثم يقول: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك، ثم يقول: الله أكبر كبيراً ثم يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، من همزه، ونفخه ونفثه"( ).
والحديث له عدة شواهد، منها رواية عبد الله بن مسعود( )، ورواية جبير بن مطعم رضي الله عنهما( )، وفي روايته قال: نفثه: الشعر، ونفخه: الكبِر، وهمزه: الموتة. قال ابن الأثير: والموتة: الجنون، لأن المجنون ينخسه الشيطان، والهمز والنخس أخوان( ) وقال ابن كثير: "فهمزه الموتة، وهو الخنق الذي هو الصرع( ). وجاء في لسان العرب: الموتة: جنس من الجنون والصرع يعتري الإنسان فإذا فاق عاد إليه عقله( ). وذكر الشوكاني: أنه فسَّر غير واحد من المحدثين قولهr "همزة" بالموتة، والمراد بها هنا الجنون( ).
والحديث صحيح الإسناد، فلقد صحح رواية الترمذي أحمد شاكر محقق سنن الترمذي( )، وصحح الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رواية كل من أبي داود والترمذي( ). وقال الدكتور محمد مصطفى الأعظمي في تعليقه على رواية ابن خزيمة عن أبي سعيد الخدري: "وسنده جيد"( ).
وقال الأستاذ الأرناؤوط تعليقاً على رواية أبي داود لحديث جبير بن مطعم: "وللحديث شواهد بمعناه يرتقى بها إلى درجة الصحة"( ).
5-
وما أخرجه أحمد والهيثمي والطبراني وابن عبد البر وغيرهم عن يعلى بن مرة رضي الله عنه قال: "لقد رأيت من رسول اللهrثلاثاً ما رآها أحد قبلي ولا يراها أحد بعدي، لقد خرجت معه في سفر حتى إذا كنا ببعض الطريق مررنا بامرأة جالسة معها صبي لها، فقالت يا رسول الله هذا صبي أصابه بلاء وأصابنا منه بلاء، يؤخذ في اليوم ما أدري كم مرة، قال: ناولينه، فرفعته إليه، فجعلته بينه وبين واسطة الرَّحل ثم فغر فاه فنفث فيه ثلاثاً، وقال: بسم الله، أنا عبد الله، اخسأ عدو الله، ثم ناولها إياه، فقال: ألقينا في الرجعة في هذا المكان فأخبرينا ما فعل، قال: فذهبنا، ورجعنا، فوجدناها في ذلك المكان معها شياه ثلاث، فقالr: ما فعل صبيك؟ فقالت: والذي بعثك بالحق ما حسسنا منه شيئاً حتى الساعة، فاجترر هذه الغنم، قال: انزل فخذ منها واحدة ورُدَّ البقية"( ).
ولقصة الصبي التي رواها يعلى بن مرة رضي الله عنه عدة شواهد، منها ما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: خرجت مع رسول اللهrفي سفر -قال كلاماً طويلاً- ثم ذكر: أن امرأة جاءت بابن لها وقالت: يا رسول الله إن ابني هذا يأخذه الشيطان كل يوم ثلاث مرات لا يدعه، فوقف رسول اللهr، فتناوله فجعله بينه وبين مقدمة الرحل، فقال: اخسأ عدو الله، أنا رسول الله، وأعاد ذلك ثلاث مرات، ثم ناولها إياه، فلما رجعنا وكنا بذلك الماء عرضت لنا تلك المرأة ومعها كبشان تقودهما والصبي تحمله، فقالت: يا رسول الله اقبل مني هديتي، فوا الذي بعثك بالحق ما عاد إليه بعد، فقال رسول اللهr: خذوا أحدهما وردُّوا الآخر.."( ).
والحديث صحيح الإسناد، ويحتج به -كما هو واضح في تخريجه بالهامش- ووجه الدلالة في الحديث واضحة، فقول الراوي "ثم فغر فاه، فنفث فيه ثلاثاً" ثم قولهr "بسم الله، أنا عبد الله اخسأ عدو الله" دليل على أن الصبي كان يعاني المسّ الشيطاني الذي سبب له بلاء وغماً.
6-
ما رواه البخاري ومسلم عن عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس:" ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلى، قال: هذه المرأة السوداء أتت النبيrفقالت: إني أصرع، وإني أتكشف، فادع الله لي، قال: إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك؟ فقالت: أصبر، فقالت: إني أتكشف فادع الله لي أن لا أتكشف، فدعا لها"( ).
وقد روى البخاري في صحيحه عن عطاء أن اسم هذه المرأة أم زفر والظاهر أن الصرع الذي كان بها من الجن، فلقد ذكر ابن حجر العسقلاني عدة طرق لهذا الحديث ثم قال: "وقد يؤخذ من الطرق التي أوردتها أن الذي كان بأم زفر كان من صرع الجن لا من صرع الخلط"( )، وذكر ابن عبد البر في الاستيعاب وابن الأثير في أسد الغابة في ترجمة أم زفر أنها هي التي كان بها مس من الجن( ). وقال ابن قيم الجوزية: "ويجوز أن صرع هذه المرأة السوداء من جهة الأرواح الخبيثة"( ).
ج- دليل الحسّ والمشاهدة:
إن سلوك الجن في بدن الإنسان وصرعه له ونطقه على لسان المصروع أمر مشاهد محسوس، تكاد حوادثه تقع في كل عصر ومصر، ويعد منكره معانداً مكابراً للمشاهدة والمحسوس، وأخبار ذلك كثيرة جداً، شاهدها ورواها العلماء الثقات المشهورون بعلمهم وتقواهم، مما يوجب معه القطع بهذا الاعتقاد. وأنقل هنا طائفة من أقوال العلماء وما جرى لبعضهم من مشاهدات.
الإمام أحمد بن حنبل:
جاء في كتاب "طبقات الحنابلة"( ) للقاضي أبي الحسين بن أبي يعلى الفداء: أن الإمام أحمد بن حنبل كان يجلس في مسجده فأنفذ إليه الخليفة العباس المتوكل صاحباً له يعلمه أن جارية بها صرع، وسأله أن يدعو الله لها بالعافية، فأخرج له أحمد نعلي خشب بشراك من خوص للوضوء فدفعه إلى صاحب له، وقال له: امض إلى دار أمير المؤمنين وتجلس عند رأس الجارية وتقول له، يعني الجن: قال لك أحمد: أيما أحب إليك تخرج من هذه الجارية أو تصفع بهذه النعل سبعين. فمضى إليه، وقال له مثل ما قال الإمام أحمد، فقال له المارد على لسان الجارية: السمع والطاعة، لو أمرنا أحمد أن لا نقيم بالعراق ما أقمنا به، إنه أطاع الله، ومن أطاع الله أطاعه كل شيء، وخرج من الجارية وهدأت ورزقت أولاداً، فلما مات أحمد عاودها المارد، فأنفذ المتوكل إلى صاحبه أبي بكر المروذي وعرفه الحال، فأخذ المروذي النعل ومضى إلى الجارية، فكلمه العفريت على لسانها: لا أخرج من هذه الجارية ولا أطيعك ولا أقبل منك، أحمد بن حنبل أطاع الله، فأمرنا بطاعته.
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قلت لأبي: إن قوماً يقولون: إن الجن لا يدخل في بدن المصروع من الإنس، فقال: يا بني يكذبون، وهو ذا يتكلم على لسانه( ).
الإمام ابن حزم الظاهري:
يقول رحمه الله: "وأما الصرع فإن الله عز وجل قال:]كالذي يتخبطه الشيطان من المس[فذكر عز وجل تأثير الشيطان في المصروع، إنما هو بالمماسة.. فصح أن الشيطان يمس الإنسان الذي يسلطه الله عليه مساً كما جاء في القرآن، يثير به من طبائعه السوداء والأبخرة المتصاعدة إلى الدماغ كما يخبر عن نفسه كل مصروع بلا خلاف منهم، فيحدث الله عز وجل له الصرع والتخبط حينئذ كما نشاهده، وهذا هو نص القرآن وما توجبه المشاهدة، وما زاد على هذا فخرافات"( ).
شيخ الإسلام ابن تيمية:
قال رحمه الله: "إن دخول الجني بدن الإنس، وتكلمه على لسانه بأنواع الكلام وغير ذلك أمر قد علمه كثير من الناس بالضرورة.."( ).
لقد عالج ابن تيمية الإنسان المصروع بسبب الجني مرات كثيرة، وحدَّث عن نفسه في ذلك فقال: "كما قد فعلنا نحن هذا وجربناه مرات كثيرة يطول وصفها بحضرة خلق كثيرين"( ).
ذكر رحمه الله مقالة الإمام أحمد –السابقة- في الرد على استفسار ابنه: "يا بني يكذبون، وهو ذا يتكلم على لسانه" ثم قال: وهذا الذي قاله أمر مشهود، فإنه يصرع الرجل، فيتكلم بلسان لا يُعرف معناه، ويُضرب على بدنه ضرباً عظيماً لو ضُرب به جمل لأثـَّر به أثراً عظيماً، والمصروع مع هذا لا يحس بالضرب ولا بالكلام الذي يقوله"( ).
العلامة ابن قيم الجوزية:
عقد رحمه الله في كتابه "زاد المعاد في هدى خير العباد" فصلاً بعنوان: "هديهrفي علاج الصرع"( ) تحدث فيه عن صرع الجن للإنسان مستدلاً بوقوعه بالسنة النبوية وبإقرار الأطباء به، ثم بالحس والمشاهدة، ومما قاله في ذلك "والحس والوجود شاهد به"( ) وذكر مشاهداته لشيخه ابن تيمية وهو يعالج مرضى الصرع فقال: "وشاهدت شيخنا يرسل إلى المصروع من يخاطب الروح التي فيه ويقول: قال لك الشيخ أخرجي، فإن هذا لا يحل لك، فيفيق المصروع، وربما خاطبها بنفسه، وربما كانت ماردة فيخرجها بالضرب، فيفيق المصروع، وقد شاهدنا نحن وغيرنا منه ذلك مراراً"( ).
ابن حجر العسقلاني:
يقول رحمه الله: "والدلالة الوجودية فيمن يصرعه الجن من الإنسان كثيرة جداً"( ).
الشيخ أحمد بن محمد القسطلاني (توفي سنة 923هـ):
ذكر رحمه الله أن الله تعالى قد شفى على يديه ابنتين صغيرتين قد صُرعتا من الجن، وذكر قصة خادمته "غزال" الحبشية التي صُرعت وأن صارعها من الجن قد جاءه في المنام بأمر رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأن القسطلاني قد وبخه فأقسم الجني الصارع لتلك المرأة على ألا يعود إليها، فاستيقظ من المنام وما بها وجع، ومن ثم لم يعد إليها ذلك الجني أبداً( ).
أبو الحسن إبراهيم بن عمر البقاعي:
يقول رحمه الله: "وأما مشاهدة المصروع يخبر بالمغيبات وهو مصروع غائب الحس، وربما كان يلقى في النار وهو لا يحترق، وربما ارتفع في الهواء من غير رافع، فكثيراً جداً لا يحصى مشاهدوه إلى غير ذلك من الأمور الموجبة للقطع أن ذلك من الجن والشياطين"( ).
العلامة السيد محمود الألوسي البغدادي:
في تفسيره لسورة البقرة تحدث رحمه الله عن المس الشيطاني وتَكلَّم الشيطان على لسان المصروع ثم قال: "وهذا كالمشاهد المحسوس الذي يكاد يُعد منكره مكابراً منكراً للمشاهدات.. واعتقاد السلف وأهل السنة أن ما دلت عليه أمور حقيقة واقعة كما أخبر الشرع عنها، والتزام تأويلها كلها يستلزم خبطاً طويلاً لا يميل إليه إلا المعتزلة ومن حذا حذوهم.."( ).
الإمام حسن البنا (مؤسس حركة الإخوان المسلمين):
ومن أدلة الحس والمشاهدة ما ذكره الإمام الأستاذ حسن البنا أنه لما زار مدينة السويس عرض عليه أحد الإخوان قصة امرأته التي ينتابها بين الحين والآخر مرض، تفقد فيه وعيها ويحولها إلى وحش كاسر، ثم قام الأستاذ البنا بقراءة القرآن الكريم عليها، وإذ به يسمع صوتاً ينبعث من جسم المرأة يستعطفه سائلاً إياه ألاَّ يحرقه، ثم أمره البنا أن يخرج من إصبع قدمها، فخرج كما أمره، وإذ بالمرأة تقوم كأنها حلت من عقال وكأن لم تكن أصيبت من قبل"( ).
الشيخ محمد الحامد:
يقول رحمه الله: "ووقائع سلوك الجن في أجساد الإنس كثيرة مشاهده لا تكاد تحصى لكثرتها، فمنكر ذلك مصطدم بالواقع المشاهد، وإنه لينادى ببطلان قوله"( ).
الشيخ حسن أيوب:
يقول: "إن صرع الجن للإنسان أمر ممكن وأنه وقع فعلاً، وقد كانت العرب وغيرها من الأمم تؤمن بذلك وتحكي فيه الحكايات الكثيرة، ولا غرابة فيما حكي وفيما يحكى اليوم عن الجن وتشكلهم بالأشكال المختلفة ، واتصالهم بالإنس بأنواع الاتصالات، وهذا أمر مقرر في الإسلام"( ).
الشيخ أبو بكر الجزائري:
يقول: "إنَّ أذى الجن للإنسان ثابت، لا ينكر، حيث ثبت بالدليل السمعي والحسي، والعقل لا يحيله، بل يجيزه ويقره". ثم ذكر في كتابه "عقيدة المؤمن" قصة أخته سعدية مع الجني الذي سقطت عليه من مكان عال، وأنه كان يؤذيها أذىً شديداً، وكان يأتيها عند نومها في كل أسبوع مرتين أو ثلاثاً أو أكثر يخنقها، فترفس برجليها، وتضطرب بسبب ذلك اضطراباً شديداً، وأن الجني نطق على لسانها مرة مصرحاً بأنه يفعل ذلك بها لأنها آذته لما وقعت عليه، وذكر ذلك اليوم الذي سقطت فيه من المكان المرتفع، وبعد عشر سنوات من العذاب جاءها الجني فصرعها على عادته فما زالت ترفس برجلها وتضطرب حتى ماتت، ثم قال الشيخ: هذه الحادثة عشتها وبعيني رأيتها"( ).
مجموعة من كبار علماء السعودية:
جاء في فتاويهم –قسم العقيدة- ما يلي: "ومس الجن للإنس أمر معلوم من الواقع، وتستعمل للعلاج من مسه الأدوية الشرعية من الدعاء والقراءة عليه بشيء من القرآن"( ).
الشيخ سعيد حوى:
يقول رحمه الله: "ومن آثارهم التي يستأنس بها على وجودهم الصرع الذي لم يزل موجوداً، وتَكَلمُّ الجان على لسان شخص يتلبس به"( )، ويقول: "وقد يصاب الإنسان بسببهم بنوع من الأمراض كالصرع والجنون والتشنج، وقد يصلون إلى بعض الناس بنوع من الأذى، ومن الظواهر المشهورة: أنهم قد يتلبسون أجسام بعض الناس وينطقون على ألسنتهم"( ).
ومن أدلة الحس والمشاهدة على دخول الجن بدن الإنسان وتسببه له بالصرع ونحوه من الأمراض أن كثيراً من العلماء والمشايخ المعاصرين المشهورين قاموا بمعالجة مرضى المس الشيطاني بالطرق الشرعية، ومنها قراءة القرآن على المصروع، ومن هؤلاء الشيخ أحمد القطان( )، والدكتور عبد الله عزام( )، والشيخ عبد العزيز بن باز مفتي السعودية( )، والشيخ محمد الصايم من علماء الأزهر الشريف( )، والشيخ وحيد ب- إن أذى الجن للإنسان ثابت بالدليل السمعي والدليل الحسي، والعقل لا يحيل ذلك، بل يجيزه، ولولا المعقبات من الملائكة التي كلفها الله تعالى حفظ الإنسان لما نجا أحد من الشياطين، وذلك لعدم رؤية الإنسان لهم، ولقدرتهم على التشكيل والتحول بسرعة، ولأن أجسامهم من اللطافة بحيث لا نشعر بها ولا نحس( ).
ولقد جاء في الأحاديث الصحيحة ما يدل على أن الشيطان له قدرة على الإيذاء الحسي البدني، ومن ذلك: قتل الجني لفتى من المسلمين في عهد رسول اللهr ( )، ومحاولته لقطع الصلاة على رسول اللهrوخنقه عليه الصلاة والسلام له( ) ومجيء الشيطان للرسول عليه السلام وهو في الصلاة بشهاب من النار ليجعله في وجهه( ) ونخس الشيطان للمولود فيستهل صارخاً من هذه النخسة( )، وسرقته للطعام ونحوه من المسلمين( ).
الوجه الرابع:
إنَّ قولهم بأن الجن أجسام لطيفة ليس فيها قوة وصلابة فلا تقدر على صرع الإنسان وقتله.. فباطل: لأنه لم يدل دليل عقلي ولا نقلي على امتناع ذلك، وقدَّمنا الأدلة من الحديث الشريف التي تثبت قدرته على ذلك، ثم إن الجن له قدرة وسرعة على التحول والتشكل بإذن الله تعالى في صور كثيرة. والتيار الكهربائي يضعف الإنسان ويقتله بمجرد لمسه للأسلاك الساري فيها التيار لا لقوته وصلابته بل لخواص أخرى يتميز بها، وإذا كان للجن قدرة على دخول أبدان الناس –كما بينا سابقاً- فإن إيذاء الجن للإنسان من داخل نفسه لا يحتاج إلى قوة وصلابة، بل ثبت أن أضعف المخلوقات من الجراثيم والفيروسات والميكروبات يسبب للإنسان إيذاءً قد لا يقدر على دفعه، بل وقد يكون فيه هلاكه وحتفه. ثم إن دقة تركيب الدماغ والجهاز العصبي لدى الإنسان تجعل من السهولة إحداث خلل كبير فيه يؤدي إلى الصرع من دخول جسم الجن اللطيف فيه وتمكنه منه( ).
وقد نقل أبو الحسن الأشعري عن أهل السنة قولهم: أنه يجوز أن يدخل الجن في الناس، لأن أجسام الجن رقيقة، وليس بمستنكر أن يدخلوا في جوف الإنسان من خروقه كما يدخل الماء والطعام في بطن الإنسان، وهو أكثف من أجسام الجن( ).).
الوجه الخامس:
وأما القول بأن الشيطان إذا كانت له قدرة على الصرع فمعنى ذلك أنه أتى مثل معجزات الأنبياء، وهذا قدح في النبوة. فباطل، وبيان ذلك: أن أهل الضلال والبدع تظهر على أيديهم خوارق شيطانية، ومن هؤلاء السحرة والكُهان، وهذا ثابت بالحس والمشاهدة، ولم يؤد ذلك إلى الطعن في النبوة وإبطال المعجزة، والمساواة في الحد والحقيقة بين معجزات الأنبياء وأفعال السحرة والمشعوذين أمر معلوم الفساد بالضرورة من دين الإسلام( )، ولقد فطن إلى الفرق بينهما سحرة فرعون، إذ لم يثبت سحرهم أمام المعجزة التي جاء بها موسى عليه السلام من ربه عز وجل، فخروا لله سجداً وآمنوا بالله رب العالمين.
ثم إن المعجزات لا تنال بالاكتساب، ولا يتوصل إليها أحد بسبب، أي لا يقدر عليها مخلوق وما تفعله الجن يكون بسبب واكتساب، وتنال بأفعالهم وفجورهم، ومعجزات الأنبياء لا تحصل بشيء من ذلك، بل الله تعالى يفعلها آيات بينات وحجج قائمات تدل على صدق رسالتهم وأنهم يأمرون بالعدل والخير، وأمَّا صرع الجن للإنس، فيدل على ظلمهم وفجورهم وتعديهم على عباد الله بالباطل والبهتان.
إن كل عاقل من الناس يفرق بين معجزات الأنبياء وما يحدثه الجن للإنسان من صرع وما يعقبه من خبط وهذيان وصراخ أو إغماء وإعياء، وربما يبول المصروع على نفسه، ويمزق ثيابه، أو يتلف ما تقع عليه يديه.
الوجه السادس:
إن قول المنكرين صرع الجن للإنسان بأنه لو كان قادراً على ذلك، لصرع جميع المؤمنين، ولصرف همته إلى العلماء والزهاد، ولسرق أموالهم وأفسد أحوالهم، باطل لما يلي:
إن الشيطان يصرع ويؤذي من شاء الله تعالى له ذلك، فلا يستقل في الفعل بإرادته ومشيئته، فالأمر كله بيد الله عز وجل، فمن شاء الله تعالى له الضرَّ أضره الشيطان، كما أنه يضل ويغوي من شاء الله تعالى له الضلال والغواية. يقول الله تعالى: ]إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئاً إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون[سورة المجادلة: 10.، ويقول: ]كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء[سورة المدثر: 31، ولقد أقسم الشيطان الرجيم أن يغوي جميع الناس قال تعالى حكاية عنه: ]لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين[سورة الحجر: 39، وقال: ]قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين[سورة ص: 82. ولكن الله تعالى حفظ عباده المخلصين له في الطاعة والعبادة من إغواء الشيطان وإضلاله، واعترف الشيطان بهذا الأمر فقال: ]قال هذا صراط عليَّ مستقيم إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين[سورة الحجر: 41-42. فلولا أن جعل الله تعالى الحفظة من الملائكة -الذين هم أقوى من الجن وأقدر عليهم- لما نجا من كيدهم وإيذائهم أحد.
ثم إن دخول الشيطان بدن الإنسان وصرعه له قد تكون له أسبابه ودواعيه، وبشرط زوال الموانع والعقبات من أمام الشيطان، فإن عدمت الأسباب ووجدت الموانع فلا يقدر على الإيذاء، وإن وجدت الأسباب ووجدت الموانع أيضاً فلا يقدر على الإيذاء.
فمن الأسباب إيذاء الإنسان له، أو عشق الجني له، ومن الموانع مداومة الإنسان على ذكر الله تعالى والاستعاذة بالله من شر الشيطان الرجيم، والالتجاء إلى الله والاستعانة والاستعاذة به، وقراءة القرآن الكريم، ولقد اعترف الشيطان نفسه أن قراءة المؤمن لآية الكرسي تحفظه من إيذاء الشيطان وتسلطه عليه( ).
ولقد سبق أن بيّنا أن الشيطان الرجيم قد صرف همته للإيذاء والسرقة والقتل، ومن ذلك: صرف همته ليقطع صلاة النبيr، وحاول أن يحرق وجهه عليه الصلاة والسلام بشهاب من نار، ولكنَّ الله تعالى عصم نبيه عليه السلام من كيد الشيطان، بل أمكنه الله تعالى منه، وكاد أن يربطه عليه السلام في سارية من سواري المسجد ليلعب به صبيان المدينة

خاتمة البحث
الحمد لله الذي أعانني على إتمام هذا البحث، وأرجو أن يكون عملي هذا خالصاً لوجه الله الكريم، وأن يكون خطوة أخرى في البحث العلمي وفق المنهج العلمي الصحيح.
وفي ختام هذا البحث أشير إلى أهم النتائج التي توصلت إليها، وهي:
1-
إن دخول الجن بدن الإنسان وصرعه له من اعتقادات أهل السنة والجماعة، ولقد نقل غير واحد من العلماء اتفاق أهل السنة والجماعة على ذلك، كما هم متفقون على الإيمان بوجود الجن.
2-
إن القرآن الكريم يثبت بصراحة مسألة المس وصرع الجن للإنس. وأن أئمة أهل السنة والجماعة أبقوا آية سورة البقرة على ظاهرها دون تأويل يخرجها عما تقتضيه معاني لغة العرب، وأن التأويل الذي صنعه المعتزلة ومن سلك سلكهم استلزم خبطاً أخرجهم عن قواعد الشرع ولغة العرب.
3-
إن السنة النبوية الصحية أثبتت دخول الجن بدن الإنسان، والمس الحقيقي له، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخرج الجن من أبدان أشخاص سبب الجن لهم جنوناً. والأدلة النبوية قد استدل بها جمع من أهل العلم في إثبات هذه المسألة.
4-
إن الحس والمشاهدة من الأدلة اليقينية في إثبات هذه المسألة، فحوادث ذلك كثيرة ومتعددة في كل عصر ومصر، وقد رواها الأئمة والدعاة المشهورون بتقواهم وعلمهم، ومنهم من خاطب الجني الداخل بدن الإنسان، وقام بإخراجه منه بالطرق الشرعية، وما زالت هذه الحوادث تقع، والناس يرونها ويحسونها.
5-
إن المنكرين لدخول الجن بدن الإنسان وصرعه له هم المعتزلة الذين يقدمون العقل على النقل، ويؤولون النصوص الشرعية بعقولهم، ويردون الحديث النبوي إذا ناقض معقولاتهم، وقد تبعهم في ذلك قلة من أهل السنة.
6-
إن أدلة المنكرين لا تقوى للاستدلال فيما ذهبوا إليه، وأقوالهم متهافتة ساقطة عند عرضها على الكتاب والسنة، والأدلة الحسية المشاهدة، والبراهين العقلية الصحيحة.
7-
إن المنكرين من أهل السنة لم يأتوا بجديد عما قالته المعتزلة، بل نقلوا أقوال الجبائي والزمخشري المعتزلين، واتخذوها معتقداً لهم دون أن يلتفتوا لمخالفتها لما اتفق عليه أئمة أهل السنة والجماعة من اعتقاد ثابت بالدليل الشرعي النقلي والعقلي، والدليل الحسي.
8-
إن علماء الطب قديماً وحديثاً يثبتون دخول الجن بدن الإنسان وصرعه له، ويسمون الجن بالأرواح الخبيثة، ومرض المسّ بالجن بالمسّ الروحاني، وقد اعترف الأطباء الأوروبيون المعاصرون بأن نسبةً لا بأس بها من المجانين الذين يعالجون في المصحات العقلية والنفسية هم مرضى المسّ من هذه الأرواح.